بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين ، الرحمن الرحيم ، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين ، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
فالحب كلمة يتنوع الناس في وصفها ، ويتفننون في التعبير عنها ، ويرسمون بأقوالهم وأفعالهم أجمل اللوحات على صفحات حياتهم عيشاً لمعناها .
والمسلم والمسلمة من أصدق الناس حياة لهذا المعنى ، {وَالَّذِينَ آمَنُواْ أَشَدُّ حُبّاً لِّلّهِ }سورة البقرة آية :165. ولا عجب من ذلك :
- فالمسلم عظيم الحب لله تعالى ، فهو يؤمن بأن الله جل في علاه {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ }سورة الشورى آية :11 . فالله سبحانه كرَّم الإنسان على سائر المخلوقات التي أحسن سبحانه خَلْقها ، {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً } سورة الإسراء آية :70، وخلق الإنسان في أحسن تقويم {لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ }سورة التين آية:4 ، وسخر له مافي السماوات وما في الأرض {أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةًَ }سورة لقمان آية :20 ، فما بالإنسان من نعمة فمن الله {وَمَا بِكُم مِّن نِّعْمَةٍ فَمِنَ اللّهِ }سورة النحل آية :53 ، والله جل جلاله لطيف بعباده {اللَّهُ لَطِيفٌ بِعِبَادِهِ يَرْزُقُ مَن يَشَاءُ وَهُوَ الْقَوِيُّ العَزِيزُ }سورة الشورى آية :19، لطيف بهم في تقديره ، لطيف بهم في تشريعه ، لطيف بهم في جوده وكرمه ، بين لهم طريق السعادة وطريق النجاة {وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ }سورة البلد آية :10، وذلك على ألسنة الأنبياء والرسل – عليهم وعلى نبينا الصلاة والسلام – وبما أنزله عليهم من كتب فيها الهدى والنور ، وهو سبحانه يحب المحسنين من عباده وأعد لهم أجرا عظيما ، ويقبل التوبة من عباده ويعفو عن السيئات ، وهو أرحم الراحمين .
- والمسلم عظيم الحب لنبيه - صلى الله عليه وآله وسلم - الذي مدحه ربه {وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ }سورة القلم آية:4، ووصف رسالته بأنها رحمة للعالمين {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ }سورة الأنبياء آية :107، وزكى الله تعالى منهجه {وَإِنَّكَ لَتَدْعُوهُمْ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ }سورة المؤمنون آية :73 ، بعثه الله تعالى تزكية للمؤمنين ، وليعلمهم الكتاب والحكمة ، وليخرجهم من الظلمات إلى النور ، فكان بالمؤمنين كما وصفه الله تعالى {لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ }سورة التوبة آية:128، فلا تعجب من حب المسلم لنبيه صلى الله عليه وسلم ، ولا تعجب من تمسكه بهديه وسنته ، ولا تعجب من نصرته لسنته ، فأمنية المؤمن أن يحشر معه( فالمرء مع من يحب ).
- والمسلم عظيم الحب لكتاب ربه ، فإيمانه به سبب لهداه { ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ }سورة البقرة آية:2، ويهديه للتي هي أقوم في أمور دينه ودنياه { إِنَّ هَـذَا الْقُرْآنَ يِهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً كَبِيراً }سورة الإسراء آية:9، واثق في سلامته من كل عيب ؛ فلا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه { لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ }سورة فصلت آية:42 ؛ فقد وعد الله تعالى بحفظه { إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ }سورة الحجر آية:9.
- والمسلم عظيم الحب للإسلام ، لأنه دين كامل ، جاء بشريعة ميسرة { الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً }سورة المائدة آية:3، دين من اتبعه فقد هدي { فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى }سورة طه آية:123 .
لقد جاء الإسلام بما يحقق الحياة السعيدة ، والعيش الطيب للناس في كل زمان ومكان ، فهو شرع الحكيم العليم ، { أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ }سورة الملك آية:14؛ لذلك يتجلى حب المسلم لدينه في قوة تمسكه به ، واعتزازه به ، وصبره عليه ، ودعوته الناس إليه ، فالعالم اليوم كالقرية الواحدة أصبح سلوك البشر فيه صفحة مكشوفة يراها ويقرؤها كل الناس ، فيصدق وصف المسلم بأنه محب لدينه حينما تظهر قوة التزامه به واستقامته عليه في واقع حياته اليومية قولا وعملا : في المسجد و البيت والشارع والحي والسوق والمدرسة والمصنع و ....و....، وهذا له أكبر الأثر في احترام الآخرين للإسلام ، ثم حبهم له .
- والمسلم عظيم المحبة للمؤمنين ،{ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ }سورة الحجرات آية:10، يألفهم ويألفونه{ وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ }سورة الأنفال آية:63.يرحمهم ويرحمونه ، يحب لهم الخير كما يحبه لنفسه ، يجتمع معهم ويتوحد على نور من كتاب الله تعالى ، وسنة رسوله – صلى الله عليه وآله وسلم – عارضاً لكل قول وهدي ونهج بشري على ما جعله الله سبباً في الألفة والمحبة والاجتماع {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً }سورة النساء آية:59 ، وهو بذلك يُكوِّن معهم أمةً تحقق وصف {كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ }سورة آل عمران آية:110، وتقود البشرية بقوتها الإيمانية ، والعلمية ، والاقتصادية ، والتقنية ، والصناعية ، والإعلامية ،و...و...إلى بر الأمان ، وطريق الرحيم الرحمن .
- وفي ظل هذه الصور المشرقة لمعنى الحب في حياة المسلم ، ترفل الأسرة المسلمة في ثوب السعادة والمودة والرحمة ، فتعيش الزوجة مع زوجها حباً يجعل جنبات حياة أسرتهم جنة الدنيا ، تهب عليهم نسمات بر الوالدين ، وصلة الأرحام ، وتقدير الجار فتزيد الحياة غبطةً وسرورا، فيقوم المجتمع المسلم على أساس قوي يربط لبناته التراحم والتعاون والتكافل.
- والمسلم أرحم الناس بالناس ، يريد لهم الخير والهداية للإسلام ، لأنه على يقين من قول الله تعالى : {إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللّهِ الإِسْلاَمُ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوْتُواْ الْكِتَابَ إِلاَّ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ وَمَن يَكْفُرْ بِآيَاتِ اللّهِ فَإِنَّ اللّهِ سَرِيعُ الْحِسَابِ }سورة آل عمران آية:19. وقوله تعالى :{وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِيناً فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ }سورة آل عمران آية:85 . وعلى يقين من قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (( والذي نفس محمد بيده لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي ، ولا نصراني ، ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسلت به إلا كان من أصحاب النار )) رواه مسلم ، حديث رقم 153 .
- يحب لهم الخير فيدعوهم إلى الإسلام ، لينتشلهم من حياة الحيرة والتيه والضياع والشقاء ، إلى حياة الإسلام المطمئنة {أَفَمَن يَمْشِي مُكِبّاً عَلَى وَجْهِهِ أَهْدَى أَمَّن يَمْشِي سَوِيّاً عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ }سورة الملك آية:22 .
- يحب لهم الخير ، ليحررهم من عبادة العباد إلى عبادة الله الحي القيوم رب العباد .
- إن أسمى معاني الحب يسطره المسلم بحرصه على رفع مكانة الناس ، وإطلاق سراح عقولهم ونفوسهم وعواطفهم وأجسادهم من أسر حقول التجارب التي بناها لهم في واحة السراب ( الملأ من البشر) الذين أذلوهم بتسلطهم ، وحيروهم بفلسفاتهم ، ووأدوا إنسانيتهم تحت عجلات اقتصادهم ، و....و...، لقد أثبت التاريخ ولا زال إفلاس المناهج البشرية التي ما زادت الناس إلا حيرة وشقاء ، وصدق الله القائل :{وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ بَلْ أَتَيْنَاهُم بِذِكْرِهِمْ فَهُمْ عَن ذِكْرِهِم مُّعْرِضُونَ }سورة المؤمنون آية:71 ، لهذا أخذ المسلم المحب الخير للبشرية ينادي بسلوكه وبلسانه وبكل وسائل الاتصال الحديثة : اتبعون أهدكم سبيل الرشاد .
ادعولي ان يغفر الله لي فانا كثير الخطايا
تعليق