الإهتمام الإلهي العظيم بقضية الحسين عليه السلام وانتقام
الله عزوجل له وإخبار الرسول صلى الله عليه وآله وسلم عن
قتله وبكاؤه لمقتله
تواترت الروايات من طرق أهل السنة ، بإخبار النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن مقتل الحسين عليه السلام ، وبكائه عدة مرات لمقتله ، ورؤيته لتربته .
فقد روى أحمد بن حنبل في مسنده ( عن عبدالله بن نجى عن أبيه ، أنه سار مع علي رضي الله عنه – وكان صاحب مطهرته - ، فلما حاذى نينوى وهو منطلق إلى صفين ، فنادى علي : اصبر أبا عبدالله اصبر أبا عبدالله بشط الفرات ، قلت : وما ذاك ؟ قال : دخلت على النبي صلى الله عليه وآله وسلم ذات يوم وإذا عيناه تذرفان ، قلت : يانبي الله أغضبك أحد ، ما شأن عينيك تفيضان ؟ قال : بل قام من عندي جبريل عليه السلام ، قيل : فحدثني أن الحسين يُقتل بشط الفرات ، قال : فقال : هل لك إلى أن أشمك من تربته ؟ قلت : نعم ، قال : فمد يده ، فقبض قبضة من تراب فأعطانيها ، فلم أملك عيني أن فاضتا ) ( 1 ) .
__________________________
( 1 ) أحمد بن حنبل : المسند – ج 1 ص 137 .
( 17 )
قال الهيثمي : ( رواه أحمد وأبو يعلى والبزار والطبراني ، ورجاله ثقات ، ولم ينفرد نجى بهذا ) ( 1 ) .
وعن أم المؤمنين عائشة ( أن الحسين بن علي دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : يا عائشة ألا أعجبك ، لقد دخل عليّ ملك آنفا ما دخل عليّ قط ، فقال : إن ابني هذا مقتول ، وقال : إن شئت أريتك تربة يُقتل فيها ، فتناول الملك بيده ، فأرني تربة حمراء ) ( 2 ) .
وروى الطبراني عن عبدالله بن عباس قال : ( رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما يرى النائم بنصف النهار أشعث أغبر ، بيده قارورة فيها دم ، فقلت : بأبي أنت وأمي يارسول الله ما هذا ؟ فقال : دم الحسين وأصحابه ، لم أزل ألتقطه منذ اليوم ، فوجد قد قتل يومئذ ) ( 3 ) .
قال الهيثمي معلقا عليه : ( رواه أحمد والطبراني ، ورجال أحمد رجال الصحيح ) ( 4 ) .
وعن أم سلمة قالت : ( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم جالسًا
__________________________
( 1 ) الهيثمي : مجمع الزوائد ومنبع الفوائد - ج 9 ص 190 .
( 2 ) الطبراني : المعجم الكبير – ج 3 ص 107 .
( 3 ) نفس المصدر : ج 3 ص 110 .
( 4 ) الهيثمي : كجكع الزوائد ومنبع الفوائد – ج 9 ص 192 .
( 18 )
ذات يوم في بيتي ، فقال : لا يدخل عليّ أحد ، فانتظرت ، فدخل الحسين رضي الله عنه ، فسمعت نشيج رسول الله صلى الله عليه وسلم يبكي ، فاطلعت فإذا حسين في حجره والنبي صلى الله عليه وسلم يمسح جبينه وهو يبكي ، فقلت : والله ما علمت حين دخل ، فقال : إن جبريل عليه السلام كان معنا في البيت ، فقال : تحبه ؟ قلت : أما من الدنيا فنعم ، قال : إن أمتك ستقتل هذا بأرض يقال لها كربلاء ، فتناول جبريل عليه السلام من تربتها ، فأراها النبي صلى الله عليه وسلم .. ) ( 1 ) .
وعلق عليه الهيثمي قائلا : ( رواه الطبراني بأسانيد ، ورجال أحدها ثقات ) ( 2 ) .
وهناك العديد من الأحاديث الصحيحة تعتبر قتل الحسين عليه السلام جريمة أعظم من قتل النبي يحيى بن زكريا عليهما السلام ، وتوضح هذه الأحاديث أن هناك اهتماما بالغا من قبل الله عزوجل بهذه الجريمة ، وأن الله تعالى سينتقم لمقتل الحسين عليه السلام .
روى الحاكم في مستدركه – بعدة طرق – عن عبدالله بن عباس قال : ( أوحى الله تعالى إلى محمد صلى الله عليه وسلم : إني قتلت بيحيى بن زكريا سبعين الفا ، وإني قاتل بابن ابنتك سبعين ألفا وسبعين
__________________________
( 1 ) الطبراني : المعجم الكبير – ج 3 ص 109 .
( 2 ) الهيثمي : مجمع الزوائد ومنبع الفوائد – ج 9 ص 192 .
( 19 )
ألفا ) ( 1 ) . قال الحاكم النيسابوري : ( هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه ) ( 2 ) ، وأقر الذهبي بصحته في التلخيص وقــــال : ( على شرط مسلم ) ( 3 ) .
أقول : هذه نماذج لبعض الأحاديث المعتبرة والمروية في مصادر هل السنة ، كلها تشير إلى أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قد أخبر بمقتل الحسين عليه السلام ، وبكى لمقتله ، كما تدل دلالة واضحة على الاعتناء الإلهي بهذه الجريمة ، وانتقام الله تبارك وتعالى لها .
كما أن مما أطبق عليه المؤرخون هو أن الحسين عليه السلام كان يعلم بأنه سوف يقتل ، فقد روى ابن الأثير أن الحسين عليه السلام كان يقول : ( والله لا يدعوني حتى يستخرجوا هذه العلقة من جوفي .. ) ( 4 ) .
وعن عمرة بنت عبدالرحمن قالت : ( أشهد لسمعت عائشة تقول إنها سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " يُقتل الحسين بأرض بابل " ، فلما قرأ – أي الحسين عليه السلام – كتابها قال : فلا بد لي إذا من مصرعي ، ومضى ) ( 5 ) .
__________________________
( 1 ) الحاكم النيسابوري : المستدرك على الصحيحين – ج 3 ص 196 .
( 2 ) نفس المصدر : ج 3 ص 196 .
( 3 ) نفس المصدر : ج 3 ص 195 .
( 4 ) ابن الأثير : الكامل في التاريخ – ج 3 ص 401 . ابن كثير : البداية والنهاية – ج 8 ص 135 . وأيضا الطبري : تاريخ الأمم والملوك – ج 3 ص 300 .
( 5 ) ابن كثير : البداية والنهاية – ج 8 ص 135 .
( 20 )
وروى ابن كثير قول الحسين عليه السلام للفرزدق : ( لو لم أعجل لأخذت ) ( 1 ) ، وقوله عليه السلام أيضا : ( والله لتعتدن عليّ كما اعتدت بنو إسرائيل في السبت ) ( 2 ) .
وجاء في تاريخ ابن الأثير أن الحسين عليه السلام قال : ( لو كنت في حجر هامة من هذه الهوام لاستخرجوني حتى يقضوا بي حاجتهم ، والله ليعتدن عليّ كما اعتدت اليهود في السبت ) ( 3 ) ، وقال عليه السلام : ( ولا أراهم إلا قاتلي ) ( 4 ) .
وملخص ماتقدم من الروايات :
( 1 ) أن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم أخبر عن قتل الحسين عليه السلام وبكى لمقتله مرات عديدة .
( 2 ) أن هناك اهتمامًا إلهيًا كبيرًا بجريمة قتل الحسين عليه السلام .
( 3 ) أن هذه الجريمة أعظم عند الله من جريمة قتل النبي يحيى عليه السلام .
( 4 ) أن الله عز وجل أخبر رسوله صلى الله عليه وآله وسلم بأنه سينتقم لجريمة قتل الحسين عليه السلام .
( 5 ) أن الحسين عليه السلام كان يعلم – عن طريق جده رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم – بأنه سيقتل .
__________________________
( 1 ) نفس المصدر : ج 8 ص 134 . وانظر الطبري : تاريخ الأمم والملوك – ج 3 ص 296 .
( 2 ) نفس المصدر : ج 8 ص 135 .
( 3 ) ابن الأثير : الكامل في التاريخ – ج 3 ص 400 . وانظر الطبري : تاريخ الأمم والملوك – ج 3 ص 296 .
( 4 ) ابن كثير : البداية والنهاية – ج 8 ص 135 .
( 21 )
( 22 )
العلل والأسباب التي دفعت الحسين عليه السلام للنهوض
بالثورة والنتائج المترتبة على هذا النهوض والأبعاد
التاريخية له وأهم أهدافه
تعد ثورة الإمام الحسين عليه السلام أكثر الأحداث التاريخية جذورا وأصولا ، وأعمقها عللا وأسبابا ، وأثراها ثمارا ونتائج ، فهي نهضة بطولية فدائية أبدية خالدة ، انتصر فيها الإسلام على الكفر .
لقد خرج الإمام الحسين عليه السلام وقام بثورة لم يخمد ضياؤها حتى الآن ، سطر فيها أروع صور الشجاعة والبطولة والفداء والطاعة والصبر والتضحية ، حفظا للنواميس الإلهية والدين المقدس ، فقد قارع الظلم والجور ، وبذل نفسه وماله وآله في سبيل إرساء دعائم الإسلام المحمدي الأصيل ، حتى لقى الله تعالى وهو مضرج بدمه الشريف .
ومن الأمور الثابتة بالوجدان والمشاهدة بالعيان ، أن فاجعة كربلاء ملأت قلب الإنسانية قيحا ، وفجرت عيونها دمًا ، لما وقع فيها من زوايا ومصائب لم تر عين الدهر ولم تسمع واعية الأزمان بواقعة مثلها أبدا .
فلقد قام ابن بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بثورة اختار فيها المنية على الدنية ، والميتة في العزة على الحياة في الذلة ، ومصارع الكرام على طاعة اللئام ، فأظهر من إباء الضيم وعزة النفس في نيل رضا الله عز
( 23 )
وجل ، وانقاذ الأمة من مخالب الظالمين والمستكبرين .
ولقد كانت حركة الحسين عليه السلام حركة إصلاحية في المجتمع ، وذلك بعدما تلاطمت الأمواج العاتية ، واختلط الحق بالباطل ، وانقلب الناس على ذواتهم ، وشاعت البدع ، فدخل ما ليس من الدين فيه .
ولهذا تصدى عليه السلام لإصلاح المجتمع الفاسد ، فقال كلمته التاريخية الشهيرة : ( إني لم أخرج أشرا ، ولا بطرا ، ولا مفسدا ، ولا ظلما ، إنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي محمد .. أريد أن آمر بالمعروف ، وأنهي عن المنكر ، وأسير بسيرة جدي وأبي ) .
وقبل أن يغادر مكة ، خطب في الناس قائلا : ( خط الموت على ولد آدم مخط القلادة على جيد الفتاة ، وما أولهني إلى أسلافي اشتياق يعقوب إلى يوسف ، وخير لي مصرع أنا لاقيه ، كأني بأوصالي تقطعها عسلان الفلوات بين النواويس وكربلاء ، فيملأن مني أكراشا جوفا وأجربة سغبا ، لا محيص عنه يوم خط بالقلم ، رضا الله رضانا أهل البيت ، نصبر على بلائه ، ويوفينا أجور الصابرين .. فمن كان باذلا فينا مهجته ، وموطنا على لقاء الله نفسه فليرحل معنا ، فإني راحل مصبحا إن شاء الله ) .
والذي يتمعن في هذه الخطبة الشريفة ، تتجلى له قداسة هذا الرجل العظيم وقداسة ثورته المباركة ، فالحسين عليه السلام يبين بوعيه وإرادته أنه مقبل على الشهادة وعلى تضحية مأساوية دامية ، حيث بدأ الموت وأن مستقبل حركته ومصيرها هو القتل الفظيع ، ثم أخبر عن شرعية ثورته
( 24 )
وأن الله راض عنها ، ثم دعا الناس إلى نصرته – إن كانوا يرجون طاعة الله ولقاءه - ، ولم يكن يفكر عليه السلام مطلقا في تحرك عسكري للإطاحة ببني أمية ,غسقاط حكمهم عسكريا ، إنما نهض بهذه الثورة لعدة أسباب وعوامل ومن أجل تحقيق غايات سامية وأهداف نبيلة ، منها :
1 – تحرير إرادة الأمة ، وهز ضميرها ، وبث روح الحركة والتضحية والإقدام فيها .
2 – سلب الشرعية من النظام ، وعدم مبايعة فرعون زمانه يزيد بن معاوية – كما طلب منه - .
3 – فضح بني أمية ، وكشف قيادتهم الجاهلية ، وأنها ملك عضوض .
4 – إعطاء الأمثولة للدين ، وأنه يستحق كل التضحية والصبر وتحمل الآلآم والجراح والقتل .
5 – إصلاح الوضع الفاسد للأمة .
6 – الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر .
7 – السير على منهج رسول الله محمد صلى الله عليه وآله وسلم وأمير المؤمنين علي عليه السلام .
ولهذا صار عليه السلام يطل علينا بشعاراته الثورية .
ففي الحرية نجده يقول : ( الموت أولى من ركوب العار ، والعار أولى من دخول النار ) ، ويقول : ( كونوا أحرارا في دنياكم ) .
وفي العزة نراه يصيح : ( هيهات منا الذلة ) ، ويقول : ( والله لا
( 25 )
أعطيكم بيدي إعطاء الذليل ، ولا أقر لكم إقرار العبيد ) .
وفي مناجاته مع الله جل شأنه يقول : ( صبرا على قضائك يارب ) .
وفي تعبيره عن عقيدته وإيمانه المطلق يقول : ( هوّن عليّ مانزل بي أنه بعين الله )
الله عزوجل له وإخبار الرسول صلى الله عليه وآله وسلم عن
قتله وبكاؤه لمقتله
تواترت الروايات من طرق أهل السنة ، بإخبار النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن مقتل الحسين عليه السلام ، وبكائه عدة مرات لمقتله ، ورؤيته لتربته .
فقد روى أحمد بن حنبل في مسنده ( عن عبدالله بن نجى عن أبيه ، أنه سار مع علي رضي الله عنه – وكان صاحب مطهرته - ، فلما حاذى نينوى وهو منطلق إلى صفين ، فنادى علي : اصبر أبا عبدالله اصبر أبا عبدالله بشط الفرات ، قلت : وما ذاك ؟ قال : دخلت على النبي صلى الله عليه وآله وسلم ذات يوم وإذا عيناه تذرفان ، قلت : يانبي الله أغضبك أحد ، ما شأن عينيك تفيضان ؟ قال : بل قام من عندي جبريل عليه السلام ، قيل : فحدثني أن الحسين يُقتل بشط الفرات ، قال : فقال : هل لك إلى أن أشمك من تربته ؟ قلت : نعم ، قال : فمد يده ، فقبض قبضة من تراب فأعطانيها ، فلم أملك عيني أن فاضتا ) ( 1 ) .
__________________________
( 1 ) أحمد بن حنبل : المسند – ج 1 ص 137 .
( 17 )
قال الهيثمي : ( رواه أحمد وأبو يعلى والبزار والطبراني ، ورجاله ثقات ، ولم ينفرد نجى بهذا ) ( 1 ) .
وعن أم المؤمنين عائشة ( أن الحسين بن علي دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : يا عائشة ألا أعجبك ، لقد دخل عليّ ملك آنفا ما دخل عليّ قط ، فقال : إن ابني هذا مقتول ، وقال : إن شئت أريتك تربة يُقتل فيها ، فتناول الملك بيده ، فأرني تربة حمراء ) ( 2 ) .
وروى الطبراني عن عبدالله بن عباس قال : ( رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما يرى النائم بنصف النهار أشعث أغبر ، بيده قارورة فيها دم ، فقلت : بأبي أنت وأمي يارسول الله ما هذا ؟ فقال : دم الحسين وأصحابه ، لم أزل ألتقطه منذ اليوم ، فوجد قد قتل يومئذ ) ( 3 ) .
قال الهيثمي معلقا عليه : ( رواه أحمد والطبراني ، ورجال أحمد رجال الصحيح ) ( 4 ) .
وعن أم سلمة قالت : ( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم جالسًا
__________________________
( 1 ) الهيثمي : مجمع الزوائد ومنبع الفوائد - ج 9 ص 190 .
( 2 ) الطبراني : المعجم الكبير – ج 3 ص 107 .
( 3 ) نفس المصدر : ج 3 ص 110 .
( 4 ) الهيثمي : كجكع الزوائد ومنبع الفوائد – ج 9 ص 192 .
( 18 )
ذات يوم في بيتي ، فقال : لا يدخل عليّ أحد ، فانتظرت ، فدخل الحسين رضي الله عنه ، فسمعت نشيج رسول الله صلى الله عليه وسلم يبكي ، فاطلعت فإذا حسين في حجره والنبي صلى الله عليه وسلم يمسح جبينه وهو يبكي ، فقلت : والله ما علمت حين دخل ، فقال : إن جبريل عليه السلام كان معنا في البيت ، فقال : تحبه ؟ قلت : أما من الدنيا فنعم ، قال : إن أمتك ستقتل هذا بأرض يقال لها كربلاء ، فتناول جبريل عليه السلام من تربتها ، فأراها النبي صلى الله عليه وسلم .. ) ( 1 ) .
وعلق عليه الهيثمي قائلا : ( رواه الطبراني بأسانيد ، ورجال أحدها ثقات ) ( 2 ) .
وهناك العديد من الأحاديث الصحيحة تعتبر قتل الحسين عليه السلام جريمة أعظم من قتل النبي يحيى بن زكريا عليهما السلام ، وتوضح هذه الأحاديث أن هناك اهتماما بالغا من قبل الله عزوجل بهذه الجريمة ، وأن الله تعالى سينتقم لمقتل الحسين عليه السلام .
روى الحاكم في مستدركه – بعدة طرق – عن عبدالله بن عباس قال : ( أوحى الله تعالى إلى محمد صلى الله عليه وسلم : إني قتلت بيحيى بن زكريا سبعين الفا ، وإني قاتل بابن ابنتك سبعين ألفا وسبعين
__________________________
( 1 ) الطبراني : المعجم الكبير – ج 3 ص 109 .
( 2 ) الهيثمي : مجمع الزوائد ومنبع الفوائد – ج 9 ص 192 .
( 19 )
ألفا ) ( 1 ) . قال الحاكم النيسابوري : ( هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه ) ( 2 ) ، وأقر الذهبي بصحته في التلخيص وقــــال : ( على شرط مسلم ) ( 3 ) .
أقول : هذه نماذج لبعض الأحاديث المعتبرة والمروية في مصادر هل السنة ، كلها تشير إلى أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قد أخبر بمقتل الحسين عليه السلام ، وبكى لمقتله ، كما تدل دلالة واضحة على الاعتناء الإلهي بهذه الجريمة ، وانتقام الله تبارك وتعالى لها .
كما أن مما أطبق عليه المؤرخون هو أن الحسين عليه السلام كان يعلم بأنه سوف يقتل ، فقد روى ابن الأثير أن الحسين عليه السلام كان يقول : ( والله لا يدعوني حتى يستخرجوا هذه العلقة من جوفي .. ) ( 4 ) .
وعن عمرة بنت عبدالرحمن قالت : ( أشهد لسمعت عائشة تقول إنها سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " يُقتل الحسين بأرض بابل " ، فلما قرأ – أي الحسين عليه السلام – كتابها قال : فلا بد لي إذا من مصرعي ، ومضى ) ( 5 ) .
__________________________
( 1 ) الحاكم النيسابوري : المستدرك على الصحيحين – ج 3 ص 196 .
( 2 ) نفس المصدر : ج 3 ص 196 .
( 3 ) نفس المصدر : ج 3 ص 195 .
( 4 ) ابن الأثير : الكامل في التاريخ – ج 3 ص 401 . ابن كثير : البداية والنهاية – ج 8 ص 135 . وأيضا الطبري : تاريخ الأمم والملوك – ج 3 ص 300 .
( 5 ) ابن كثير : البداية والنهاية – ج 8 ص 135 .
( 20 )
وروى ابن كثير قول الحسين عليه السلام للفرزدق : ( لو لم أعجل لأخذت ) ( 1 ) ، وقوله عليه السلام أيضا : ( والله لتعتدن عليّ كما اعتدت بنو إسرائيل في السبت ) ( 2 ) .
وجاء في تاريخ ابن الأثير أن الحسين عليه السلام قال : ( لو كنت في حجر هامة من هذه الهوام لاستخرجوني حتى يقضوا بي حاجتهم ، والله ليعتدن عليّ كما اعتدت اليهود في السبت ) ( 3 ) ، وقال عليه السلام : ( ولا أراهم إلا قاتلي ) ( 4 ) .
وملخص ماتقدم من الروايات :
( 1 ) أن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم أخبر عن قتل الحسين عليه السلام وبكى لمقتله مرات عديدة .
( 2 ) أن هناك اهتمامًا إلهيًا كبيرًا بجريمة قتل الحسين عليه السلام .
( 3 ) أن هذه الجريمة أعظم عند الله من جريمة قتل النبي يحيى عليه السلام .
( 4 ) أن الله عز وجل أخبر رسوله صلى الله عليه وآله وسلم بأنه سينتقم لجريمة قتل الحسين عليه السلام .
( 5 ) أن الحسين عليه السلام كان يعلم – عن طريق جده رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم – بأنه سيقتل .
__________________________
( 1 ) نفس المصدر : ج 8 ص 134 . وانظر الطبري : تاريخ الأمم والملوك – ج 3 ص 296 .
( 2 ) نفس المصدر : ج 8 ص 135 .
( 3 ) ابن الأثير : الكامل في التاريخ – ج 3 ص 400 . وانظر الطبري : تاريخ الأمم والملوك – ج 3 ص 296 .
( 4 ) ابن كثير : البداية والنهاية – ج 8 ص 135 .
( 21 )
( 22 )
العلل والأسباب التي دفعت الحسين عليه السلام للنهوض
بالثورة والنتائج المترتبة على هذا النهوض والأبعاد
التاريخية له وأهم أهدافه
تعد ثورة الإمام الحسين عليه السلام أكثر الأحداث التاريخية جذورا وأصولا ، وأعمقها عللا وأسبابا ، وأثراها ثمارا ونتائج ، فهي نهضة بطولية فدائية أبدية خالدة ، انتصر فيها الإسلام على الكفر .
لقد خرج الإمام الحسين عليه السلام وقام بثورة لم يخمد ضياؤها حتى الآن ، سطر فيها أروع صور الشجاعة والبطولة والفداء والطاعة والصبر والتضحية ، حفظا للنواميس الإلهية والدين المقدس ، فقد قارع الظلم والجور ، وبذل نفسه وماله وآله في سبيل إرساء دعائم الإسلام المحمدي الأصيل ، حتى لقى الله تعالى وهو مضرج بدمه الشريف .
ومن الأمور الثابتة بالوجدان والمشاهدة بالعيان ، أن فاجعة كربلاء ملأت قلب الإنسانية قيحا ، وفجرت عيونها دمًا ، لما وقع فيها من زوايا ومصائب لم تر عين الدهر ولم تسمع واعية الأزمان بواقعة مثلها أبدا .
فلقد قام ابن بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بثورة اختار فيها المنية على الدنية ، والميتة في العزة على الحياة في الذلة ، ومصارع الكرام على طاعة اللئام ، فأظهر من إباء الضيم وعزة النفس في نيل رضا الله عز
( 23 )
وجل ، وانقاذ الأمة من مخالب الظالمين والمستكبرين .
ولقد كانت حركة الحسين عليه السلام حركة إصلاحية في المجتمع ، وذلك بعدما تلاطمت الأمواج العاتية ، واختلط الحق بالباطل ، وانقلب الناس على ذواتهم ، وشاعت البدع ، فدخل ما ليس من الدين فيه .
ولهذا تصدى عليه السلام لإصلاح المجتمع الفاسد ، فقال كلمته التاريخية الشهيرة : ( إني لم أخرج أشرا ، ولا بطرا ، ولا مفسدا ، ولا ظلما ، إنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي محمد .. أريد أن آمر بالمعروف ، وأنهي عن المنكر ، وأسير بسيرة جدي وأبي ) .
وقبل أن يغادر مكة ، خطب في الناس قائلا : ( خط الموت على ولد آدم مخط القلادة على جيد الفتاة ، وما أولهني إلى أسلافي اشتياق يعقوب إلى يوسف ، وخير لي مصرع أنا لاقيه ، كأني بأوصالي تقطعها عسلان الفلوات بين النواويس وكربلاء ، فيملأن مني أكراشا جوفا وأجربة سغبا ، لا محيص عنه يوم خط بالقلم ، رضا الله رضانا أهل البيت ، نصبر على بلائه ، ويوفينا أجور الصابرين .. فمن كان باذلا فينا مهجته ، وموطنا على لقاء الله نفسه فليرحل معنا ، فإني راحل مصبحا إن شاء الله ) .
والذي يتمعن في هذه الخطبة الشريفة ، تتجلى له قداسة هذا الرجل العظيم وقداسة ثورته المباركة ، فالحسين عليه السلام يبين بوعيه وإرادته أنه مقبل على الشهادة وعلى تضحية مأساوية دامية ، حيث بدأ الموت وأن مستقبل حركته ومصيرها هو القتل الفظيع ، ثم أخبر عن شرعية ثورته
( 24 )
وأن الله راض عنها ، ثم دعا الناس إلى نصرته – إن كانوا يرجون طاعة الله ولقاءه - ، ولم يكن يفكر عليه السلام مطلقا في تحرك عسكري للإطاحة ببني أمية ,غسقاط حكمهم عسكريا ، إنما نهض بهذه الثورة لعدة أسباب وعوامل ومن أجل تحقيق غايات سامية وأهداف نبيلة ، منها :
1 – تحرير إرادة الأمة ، وهز ضميرها ، وبث روح الحركة والتضحية والإقدام فيها .
2 – سلب الشرعية من النظام ، وعدم مبايعة فرعون زمانه يزيد بن معاوية – كما طلب منه - .
3 – فضح بني أمية ، وكشف قيادتهم الجاهلية ، وأنها ملك عضوض .
4 – إعطاء الأمثولة للدين ، وأنه يستحق كل التضحية والصبر وتحمل الآلآم والجراح والقتل .
5 – إصلاح الوضع الفاسد للأمة .
6 – الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر .
7 – السير على منهج رسول الله محمد صلى الله عليه وآله وسلم وأمير المؤمنين علي عليه السلام .
ولهذا صار عليه السلام يطل علينا بشعاراته الثورية .
ففي الحرية نجده يقول : ( الموت أولى من ركوب العار ، والعار أولى من دخول النار ) ، ويقول : ( كونوا أحرارا في دنياكم ) .
وفي العزة نراه يصيح : ( هيهات منا الذلة ) ، ويقول : ( والله لا
( 25 )
أعطيكم بيدي إعطاء الذليل ، ولا أقر لكم إقرار العبيد ) .
وفي مناجاته مع الله جل شأنه يقول : ( صبرا على قضائك يارب ) .
وفي تعبيره عن عقيدته وإيمانه المطلق يقول : ( هوّن عليّ مانزل بي أنه بعين الله )
تعليق