في رحاب المرجع الشيرازي دام ظلّه
حوار مع فضيلة الشيخ حسين الفدائي دام عزّه
فضيلة حجة الإسلام والمسلمين العلاّمة الشيخ حسين الفدائي دامت بركاته أحد أعضاء لجنة الاستفتاءات الشرعية في مكتب المرجع الديني سماحة آية الله العظمى السيد صادق الحسيني الشيرازي دام ظله بمدينة قم المقدسة ومن أبرز تلامذة سماحته في بحوث الخارج الاستدلالية منذ أكثر من عشرين سنة. ولمعرفة بعض خصائص سماحة المرجع الشيرازي دام ظله في الجوانب العلمية والأخلاقية والاجتماعية، وفعاليات سماحته اليومية، وبعض إنجازاته، وغير ذلك قام مندوب مؤسسة الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله الثقافية بإجراء الحوار التالي مع فضيلة الشيخ الفدائي دامت بركاته، نقدّمه لزوّار الموقع الكرام راجين من الله تعالى التوفيق لخدمة تعاليم أهل البيت الأطهار صلوات الله عليهم أجمعين.
س1- متى وكيف تعرفتم على سماحة المرجع آية الله العظمى السيد صادق الشيرازي دام ظله؟
ج1- بسم الله الرحمن الرحيم، وصلّى الله على محمّد وآله الطاهرين، ولعنة الله على أعدائهم أجمعين.
لقد وفّقني الله تعالى أن تعرّفت على آية الله العظمى السيد صادق الشيرازي دام ظله في السنين اﻷولى من سنيّ التمييز والحداثة من حياتي، فلقد كنت بحمد الله تعالى منذ نعومة أضفاري أحبّ العلم والعلماء، وأودّ أن أكون منهم، وأن أعيش معهم، ولعل ذلك كان هو نتيجة التعامل الطيّب الذي كان يتعامل به أسرة الشيرازي الكريمة مع الناس وخاصة مع اﻷحداث والشباب، فلقد كانت في كربلاء المقدسة مدرسة واحدة أهلية، قام بتأسيسها -رغم كل الصعوبات المفروضة من الحكومة العراقية آنذاك- عميد أسرة الشيرازي آية الله العظمى الحاج السيد محمد الشيرازي أعلى الله درجاته وكانت مدرسة ابتدائية تدعى باسم: «مدرسة اﻹمام الصادق عليه السلام» فكانت بإشراف أسرة الشيرازي وإدارة آية الله السيد مرتضى القزويني، وكانت تمتاز من حيث اهتمام اﻷسرة المشرفة والمديرة عن باقي المدارس الحكومية في كربلاء المقدسة -مضافاً إلى المناهج المدرسية العامة- بتدريس مادة الدين واﻷخلاق وتاريخ أهل البيت عليهم السلام فتعرّفت في تلك المدرسة أولاً على آية الله السيد مرتضى القزويني حيث إنه كان مدير مدرستنا ومعلّمنا في الدين واﻷخلاق وفي تدريس تاريخ أهل البيت عليهم السلام، ثم تعرّفت على أسرة الشيرازي الكريمة، وذلك من خلال وضع جوائز ثمينة وجميلة لمن يحفظ سورة: ياسين، والرحمن، والواقعة، وسور كريمة أخرى، وكانت الجائزة اﻷولى وهي أجمل الجوائز -وقد هويتها من بين الجوائز الأُخر لمن يحفظ السور الثلاث اﻷولى، وفي اليوم الذي تعيّن لامتحان المشتركين في الحفظ، كان عميد أسرة الشيرازي آية الله العظمى السيد محمد الشيرازي من الناظرين والمشجّعين للهيئة المشرفة على الامتحان، فلما وصلت النوبة إليّ وقرأت سورة يس، والرحمن، والواقعة عن ظهر الغيب وفزت بالجائزة اﻷولى، تلطّف بي اﻹمام الشيرازي كثيراً، وأعارني اهتمامه البالغ، ورغّبني في أن أقوم بحفظ القرآن الحكيم كلّه، ومن ذلك تعرّفت على السادة الكرام واﻷخوة اﻷشقّاء للإمام الشيرازي، ومنهم بالخصوص: سماحة السيد المرجع آية الله العظمى الحاج السيد صادق الشيرازي، حيث كان يشملني بعطفه ولطفه، ويشجّعني على حفظ القرآن الحكيم ويساعدني على الثبات فيه، واستمرّ معي يعاضدني ويواكبني الحفظ حتى أني حفظت معه بضع سور من القرآن الحكيم، وبقيت مستمرّاً في علاقتي معه، ومشمولاً في حياتي لتوجيهاته.
س2- ما هو تقييمكم لشخصية سماحة السيد المرجع الشيرازي من الناحية العلمية؟
ج2- إن آية الله العظمى الحاج السيد صادق الشيرازي دام ظله، هو ابن العلم، وربيب الفقه، فقد فتح عينيه على العلم وفي بيت العلم، وصاحَب العلم والعلماء، وراهن الفقه والفقهاء ورافق الكتاب والحديث، وقارن البحث والتدريس، ولم ينفكّ عن ذلك قدر استطاعته، ولم ينقطع عنه طيلة حياته.
قيل إنه عندما اشتغل بتأليف كتاب في علم النحو وقواعد اللغة العربية، وكان ذلك الكتاب مبتكر وفريد في بابه، ومهيمن على ما بين يديه وما خلفه من كتب النحو وقواعد اللغة العربية، استشار فيه والده المقدّس آية الله العظمى الحاج السيد ميرزا مهدي الشيرازي قدّس سره وسأله عن الاستمرار فيه؟ فأشار عليه بتركه، وأراد منه تكريس كل عمره، وحكر كل وقته على علوم الفقه واﻷصول، فامتثل سماحته أمر والده وترك كتاب النحو وهجر تأليفه، وصار مشتغلاً في كل وقته بالفقه والأصول، وتضلّع فيهما حتى جاء في الفقه واﻷصول بما هو فريد في مجاله، وخاصة في اﻷصول حيث أصوله المعروف باسم «بيان اﻷصول» يتميّز بما يجعله قابلاً للتطبيق في كل أبعاد الفقه ومجالاته، وبعيداً عن المعنى المعروف المتداول عند الفقهاء والذي يقول: «أسّسوا في اﻷصول ما نسوه في الفقه».
لقد أشبه في قصته هذه صاحب الشرايع، حيث إنّه كما قيل: سافر لمواصلة دراسته العلمية وابتعد عن والده، فكتب إليه والده رسالة يتفقّد فيها حاله، فبعث إلى والده جواب الرسالة التفقدية منظومة شعرية، وقصيدة عصماء، يبيّن لوالده حاله، ويقصّ عليه عن سلامته وعافيته، فكتب إليه والده- بعد أن عرف أنه قد بذل وقتاً طويلاً وساعات كثيرة على نظم هذه القصيدة الجوابية- ينهاه عن الاشتغال بهذه اﻷمور الهامشية، وينصحه بتكريس وقته وبذل عمره في الفقه وعلوم الشرع، فامتثل الابن أمر أبيه حتى استطاع أن يكتب في الفقه «الشرايع» وهو الكتاب الذي لم يسبقه أحد بمثله، ولم يعرف التاريخ بعده كتاباًَ فقهياً مماثلاً ومشابهاً له.
أجل، إن «بيان اﻷصول» وكذلك «بيان الفقه» دليل المدى العلمي الكبير الذي يحظى به سماحة السيد المرجع الشيرازي دام ظله الوارف ويتفرّد به من بين أقرانه ومعاصريه، وهو مطبوع وموجود في متناول طالبيه وروّاده.
س3- كم هي المدّة التي حضرتم خلالها في البحث الخارج عند سماحة السيد المرجع الشيرازي دام ظله، وما هي وجهة نظركم إلى هذه البحوث؟
ج3- لقد بدأ سماحة السيد المرجع آية الله العظمى الحاج السيد صادق الشيرازي دام ظله في إلقاء دروس بحث الخارج من الفقه واﻷصول، منذ طليعة شبابه ومقتبل عمره، واستمر يواصل تدريسه ذلك إلى ما يربو على الثلاثين عاماً، وقد ساعدني الحظ ﻷن أشترك في هذه البحوث منذ أكثر من عشرين سنة، وقد استفدت منه الكثير الكثير، فإنه على ما رأيته مضافاً إلى التبيين الكبير، والتبسيط الكثير للبحوث يحتوي على عمق علمي غائر، وبُعد فكري عريق، وتلك هي اﻷشرطة والتسجيلات الموجودة منه دليل قوي على ما قلناه، فبحثه في نفس الوقت الذي يتّسم بالشرح المسهب، يتصف بالقوة العلمية الرصينة المتجذّرة
س4- ما رأيكم حول شخصية السيد المرجع الشيرازي دام ظله؟
ج4- أسرة آل الشيرازي الكرام يمتازون بقوة الفكر والرأي، وصلابة العقيدة واﻹيمان، فكل واحد منهم مفكّر نِحرير، وعبقري كبير، وخاصة سماحة السيد المرجع دام ظله، ومحاضراته القيّمة، المبتكرة من نوعها، والمتفرّدة في بابها دليل على ذلك.
إنه من قوة الفكر وحصافة الرأي، بمكان مرموق وممتاز جداً، إنه لا يفكّر بنفسه وبعيشته الفردية، أو حياته الشخصية قط، إذ حياته الفردية ومعيشته الدنيوية خالية من المباهج والزخارف، متواضعة وبسيطة جداً، وإنما يفكّر في أمته، بل في العالم كله، ويهمّه ما يهمّهم، ويؤرّقه ما يؤرّقهم، إنه يفكر في الخير ﻷمته وللعالم أجمع، ويضمر لهم الخير، ويتمنى لهم الخير، ويعمل ﻹيصال الخير إليهم، وإحاطة الخير بهم، ويرى الخير كلّه في اتّباع ثقافة أهل البيت عليهم السلام ومنهجهم، المجسّد لمنهج القرآن الحكيم وثقافته، تلك الثقافة الراقية، والمنهج القويم الذي رسمه الله تعالى ﻷهل اﻷرض، وجعل فيه خيرهم وسعادتهم.
س5- ما رأيكم حول مؤلفات سماحة السيد المرجع الشيرازي دام ظله؟
ج5- الكتاب -كما روي- ترجمان عقل اﻹنسان، ومقياس درايته ومعرفته، وميزان دركه وفكره، ومعيار علمه وثقافته، ومؤلّفات سماحة السيد المرجع –الرابية على مائة مؤلف- مؤشرات على منزلته العلمية، ومكانته الثقافية والفكرية، ومرتبته الفقهية واﻷصولية، فمن يراجع من أهل الخبرة مؤلفاته في الفقه مثل «بيان الفقه»، «الاجتهاد والتقليد» يعتقد تفوّقه في الفقه، ومن يراجع من أهل الفن مؤلفاته في اﻷصول مثل «بيان اﻷصول» يذعن بأعلميته، وهكذا بقية مؤلفاته في سائر العلوم اﻷخرى، فإن الخبير في مجالها إذا طالعها اعترف بتضلّعه وبراعته فيها، وخاصة مثل كتاب «عليّ في القرآن» و«فاطمة الزهراء في القرآن» و«المهدي في القرآن» و«أهل البيت في القرآن» ومثل «السياسة من واقع اﻹسلام» فإن من يراجعها يطمئن إلى تعمّقه في الفكر الديني، واستيعابه للعلوم العقائدية والسياسية واﻹقتصادية ونحوها في اﻹسلام.
س6- لو تفضلتم بالحديث عن أخلاق السيد المرجع الشيرازي دام ظله وتعامله مع مختلف شرائح المجتمع؟
ج6- إن السادة من أسرة الشيرازي -وخاصة سماحة السيد المرجع الشيرازي دام ظله– قد اقتفوا آثار أجدادهم المعصومين: الرسول الكريم وأهل بيته الطاهرين في اﻷخلاق واﻵداب، وفي السيرة والسلوك، وفي التعامل مع مختلف شرائح المجتمع، وفي الاصطكاك مع سائر الناس، انهم في تعاملهم مع اﻵخرين بأخلاقهم الراقية يذكّرون اﻹنسان بأخلاق أجدادهم الكرام، بصفائهم وصدقهم، بمحبّتهم ومودتهم، بنصحهم ورحمتهم، إنهم يسعفون من يلتقي بهم مادياً ومعنوياً، ويساعدونهم روحياً ونفسياً، ويقدّمون له من النصائح ما يسعد بتطبيقها في حياته، ومن التجارب والحلول ما يستطيع أن يحلّ به مشكلاته ومعضلاته.
فلقد التقيت بأحد الخطباء المبرّزين في بعض البلاد ﻷبلّغه سلام السيد المرجع وتحياته، فقال: إنني كما يقولون من البارعين في فنّ الخطابة والمنبر، وفي اﻹحاطة بالتاريخ والحديث، والتفسير والسيرة، ولكني كلما زرت سماحة السيد المرجع الشيرازي أتحفني بحديث، أو تاريخ، أو تفسير، أو سيرة لم تمرّ عليّ من ذي قبل، وسماحته هو كذلك، فإنه قد خصّص لنفسه في يومه وقتاً لمراجعة شيء من كتب الحديث والتاريخ والتفسير والسيرة، وهو يوصي اﻵخرين بذلك أيضاً.
س1- متى وكيف تعرفتم على سماحة المرجع آية الله العظمى السيد صادق الشيرازي دام ظله؟
ج1- بسم الله الرحمن الرحيم، وصلّى الله على محمّد وآله الطاهرين، ولعنة الله على أعدائهم أجمعين.
لقد وفّقني الله تعالى أن تعرّفت على آية الله العظمى السيد صادق الشيرازي دام ظله في السنين اﻷولى من سنيّ التمييز والحداثة من حياتي، فلقد كنت بحمد الله تعالى منذ نعومة أضفاري أحبّ العلم والعلماء، وأودّ أن أكون منهم، وأن أعيش معهم، ولعل ذلك كان هو نتيجة التعامل الطيّب الذي كان يتعامل به أسرة الشيرازي الكريمة مع الناس وخاصة مع اﻷحداث والشباب، فلقد كانت في كربلاء المقدسة مدرسة واحدة أهلية، قام بتأسيسها -رغم كل الصعوبات المفروضة من الحكومة العراقية آنذاك- عميد أسرة الشيرازي آية الله العظمى الحاج السيد محمد الشيرازي أعلى الله درجاته وكانت مدرسة ابتدائية تدعى باسم: «مدرسة اﻹمام الصادق عليه السلام» فكانت بإشراف أسرة الشيرازي وإدارة آية الله السيد مرتضى القزويني، وكانت تمتاز من حيث اهتمام اﻷسرة المشرفة والمديرة عن باقي المدارس الحكومية في كربلاء المقدسة -مضافاً إلى المناهج المدرسية العامة- بتدريس مادة الدين واﻷخلاق وتاريخ أهل البيت عليهم السلام فتعرّفت في تلك المدرسة أولاً على آية الله السيد مرتضى القزويني حيث إنه كان مدير مدرستنا ومعلّمنا في الدين واﻷخلاق وفي تدريس تاريخ أهل البيت عليهم السلام، ثم تعرّفت على أسرة الشيرازي الكريمة، وذلك من خلال وضع جوائز ثمينة وجميلة لمن يحفظ سورة: ياسين، والرحمن، والواقعة، وسور كريمة أخرى، وكانت الجائزة اﻷولى وهي أجمل الجوائز -وقد هويتها من بين الجوائز الأُخر لمن يحفظ السور الثلاث اﻷولى، وفي اليوم الذي تعيّن لامتحان المشتركين في الحفظ، كان عميد أسرة الشيرازي آية الله العظمى السيد محمد الشيرازي من الناظرين والمشجّعين للهيئة المشرفة على الامتحان، فلما وصلت النوبة إليّ وقرأت سورة يس، والرحمن، والواقعة عن ظهر الغيب وفزت بالجائزة اﻷولى، تلطّف بي اﻹمام الشيرازي كثيراً، وأعارني اهتمامه البالغ، ورغّبني في أن أقوم بحفظ القرآن الحكيم كلّه، ومن ذلك تعرّفت على السادة الكرام واﻷخوة اﻷشقّاء للإمام الشيرازي، ومنهم بالخصوص: سماحة السيد المرجع آية الله العظمى الحاج السيد صادق الشيرازي، حيث كان يشملني بعطفه ولطفه، ويشجّعني على حفظ القرآن الحكيم ويساعدني على الثبات فيه، واستمرّ معي يعاضدني ويواكبني الحفظ حتى أني حفظت معه بضع سور من القرآن الحكيم، وبقيت مستمرّاً في علاقتي معه، ومشمولاً في حياتي لتوجيهاته.
س2- ما هو تقييمكم لشخصية سماحة السيد المرجع الشيرازي من الناحية العلمية؟
ج2- إن آية الله العظمى الحاج السيد صادق الشيرازي دام ظله، هو ابن العلم، وربيب الفقه، فقد فتح عينيه على العلم وفي بيت العلم، وصاحَب العلم والعلماء، وراهن الفقه والفقهاء ورافق الكتاب والحديث، وقارن البحث والتدريس، ولم ينفكّ عن ذلك قدر استطاعته، ولم ينقطع عنه طيلة حياته.
قيل إنه عندما اشتغل بتأليف كتاب في علم النحو وقواعد اللغة العربية، وكان ذلك الكتاب مبتكر وفريد في بابه، ومهيمن على ما بين يديه وما خلفه من كتب النحو وقواعد اللغة العربية، استشار فيه والده المقدّس آية الله العظمى الحاج السيد ميرزا مهدي الشيرازي قدّس سره وسأله عن الاستمرار فيه؟ فأشار عليه بتركه، وأراد منه تكريس كل عمره، وحكر كل وقته على علوم الفقه واﻷصول، فامتثل سماحته أمر والده وترك كتاب النحو وهجر تأليفه، وصار مشتغلاً في كل وقته بالفقه والأصول، وتضلّع فيهما حتى جاء في الفقه واﻷصول بما هو فريد في مجاله، وخاصة في اﻷصول حيث أصوله المعروف باسم «بيان اﻷصول» يتميّز بما يجعله قابلاً للتطبيق في كل أبعاد الفقه ومجالاته، وبعيداً عن المعنى المعروف المتداول عند الفقهاء والذي يقول: «أسّسوا في اﻷصول ما نسوه في الفقه».
لقد أشبه في قصته هذه صاحب الشرايع، حيث إنّه كما قيل: سافر لمواصلة دراسته العلمية وابتعد عن والده، فكتب إليه والده رسالة يتفقّد فيها حاله، فبعث إلى والده جواب الرسالة التفقدية منظومة شعرية، وقصيدة عصماء، يبيّن لوالده حاله، ويقصّ عليه عن سلامته وعافيته، فكتب إليه والده- بعد أن عرف أنه قد بذل وقتاً طويلاً وساعات كثيرة على نظم هذه القصيدة الجوابية- ينهاه عن الاشتغال بهذه اﻷمور الهامشية، وينصحه بتكريس وقته وبذل عمره في الفقه وعلوم الشرع، فامتثل الابن أمر أبيه حتى استطاع أن يكتب في الفقه «الشرايع» وهو الكتاب الذي لم يسبقه أحد بمثله، ولم يعرف التاريخ بعده كتاباًَ فقهياً مماثلاً ومشابهاً له.
أجل، إن «بيان اﻷصول» وكذلك «بيان الفقه» دليل المدى العلمي الكبير الذي يحظى به سماحة السيد المرجع الشيرازي دام ظله الوارف ويتفرّد به من بين أقرانه ومعاصريه، وهو مطبوع وموجود في متناول طالبيه وروّاده.
س3- كم هي المدّة التي حضرتم خلالها في البحث الخارج عند سماحة السيد المرجع الشيرازي دام ظله، وما هي وجهة نظركم إلى هذه البحوث؟
ج3- لقد بدأ سماحة السيد المرجع آية الله العظمى الحاج السيد صادق الشيرازي دام ظله في إلقاء دروس بحث الخارج من الفقه واﻷصول، منذ طليعة شبابه ومقتبل عمره، واستمر يواصل تدريسه ذلك إلى ما يربو على الثلاثين عاماً، وقد ساعدني الحظ ﻷن أشترك في هذه البحوث منذ أكثر من عشرين سنة، وقد استفدت منه الكثير الكثير، فإنه على ما رأيته مضافاً إلى التبيين الكبير، والتبسيط الكثير للبحوث يحتوي على عمق علمي غائر، وبُعد فكري عريق، وتلك هي اﻷشرطة والتسجيلات الموجودة منه دليل قوي على ما قلناه، فبحثه في نفس الوقت الذي يتّسم بالشرح المسهب، يتصف بالقوة العلمية الرصينة المتجذّرة
س4- ما رأيكم حول شخصية السيد المرجع الشيرازي دام ظله؟
ج4- أسرة آل الشيرازي الكرام يمتازون بقوة الفكر والرأي، وصلابة العقيدة واﻹيمان، فكل واحد منهم مفكّر نِحرير، وعبقري كبير، وخاصة سماحة السيد المرجع دام ظله، ومحاضراته القيّمة، المبتكرة من نوعها، والمتفرّدة في بابها دليل على ذلك.
إنه من قوة الفكر وحصافة الرأي، بمكان مرموق وممتاز جداً، إنه لا يفكّر بنفسه وبعيشته الفردية، أو حياته الشخصية قط، إذ حياته الفردية ومعيشته الدنيوية خالية من المباهج والزخارف، متواضعة وبسيطة جداً، وإنما يفكّر في أمته، بل في العالم كله، ويهمّه ما يهمّهم، ويؤرّقه ما يؤرّقهم، إنه يفكر في الخير ﻷمته وللعالم أجمع، ويضمر لهم الخير، ويتمنى لهم الخير، ويعمل ﻹيصال الخير إليهم، وإحاطة الخير بهم، ويرى الخير كلّه في اتّباع ثقافة أهل البيت عليهم السلام ومنهجهم، المجسّد لمنهج القرآن الحكيم وثقافته، تلك الثقافة الراقية، والمنهج القويم الذي رسمه الله تعالى ﻷهل اﻷرض، وجعل فيه خيرهم وسعادتهم.
س5- ما رأيكم حول مؤلفات سماحة السيد المرجع الشيرازي دام ظله؟
ج5- الكتاب -كما روي- ترجمان عقل اﻹنسان، ومقياس درايته ومعرفته، وميزان دركه وفكره، ومعيار علمه وثقافته، ومؤلّفات سماحة السيد المرجع –الرابية على مائة مؤلف- مؤشرات على منزلته العلمية، ومكانته الثقافية والفكرية، ومرتبته الفقهية واﻷصولية، فمن يراجع من أهل الخبرة مؤلفاته في الفقه مثل «بيان الفقه»، «الاجتهاد والتقليد» يعتقد تفوّقه في الفقه، ومن يراجع من أهل الفن مؤلفاته في اﻷصول مثل «بيان اﻷصول» يذعن بأعلميته، وهكذا بقية مؤلفاته في سائر العلوم اﻷخرى، فإن الخبير في مجالها إذا طالعها اعترف بتضلّعه وبراعته فيها، وخاصة مثل كتاب «عليّ في القرآن» و«فاطمة الزهراء في القرآن» و«المهدي في القرآن» و«أهل البيت في القرآن» ومثل «السياسة من واقع اﻹسلام» فإن من يراجعها يطمئن إلى تعمّقه في الفكر الديني، واستيعابه للعلوم العقائدية والسياسية واﻹقتصادية ونحوها في اﻹسلام.
س6- لو تفضلتم بالحديث عن أخلاق السيد المرجع الشيرازي دام ظله وتعامله مع مختلف شرائح المجتمع؟
ج6- إن السادة من أسرة الشيرازي -وخاصة سماحة السيد المرجع الشيرازي دام ظله– قد اقتفوا آثار أجدادهم المعصومين: الرسول الكريم وأهل بيته الطاهرين في اﻷخلاق واﻵداب، وفي السيرة والسلوك، وفي التعامل مع مختلف شرائح المجتمع، وفي الاصطكاك مع سائر الناس، انهم في تعاملهم مع اﻵخرين بأخلاقهم الراقية يذكّرون اﻹنسان بأخلاق أجدادهم الكرام، بصفائهم وصدقهم، بمحبّتهم ومودتهم، بنصحهم ورحمتهم، إنهم يسعفون من يلتقي بهم مادياً ومعنوياً، ويساعدونهم روحياً ونفسياً، ويقدّمون له من النصائح ما يسعد بتطبيقها في حياته، ومن التجارب والحلول ما يستطيع أن يحلّ به مشكلاته ومعضلاته.
فلقد التقيت بأحد الخطباء المبرّزين في بعض البلاد ﻷبلّغه سلام السيد المرجع وتحياته، فقال: إنني كما يقولون من البارعين في فنّ الخطابة والمنبر، وفي اﻹحاطة بالتاريخ والحديث، والتفسير والسيرة، ولكني كلما زرت سماحة السيد المرجع الشيرازي أتحفني بحديث، أو تاريخ، أو تفسير، أو سيرة لم تمرّ عليّ من ذي قبل، وسماحته هو كذلك، فإنه قد خصّص لنفسه في يومه وقتاً لمراجعة شيء من كتب الحديث والتاريخ والتفسير والسيرة، وهو يوصي اﻵخرين بذلك أيضاً.
تعليق