إعـــــــلان

تقليص

للاشتراك في (قناة العلم والإيمان): واتساب - يوتيوب

شاهد أكثر
شاهد أقل

قصه: زمن الإمام الباقر عليه السلام

تقليص
X
  •  
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • قصه: زمن الإمام الباقر عليه السلام


    كُنتُ أَقرأُ كِتاباً وَبَينَما أَنا أُقلِّبُ صَفَحاتِهِ شَعَرتُ كَأَنّي أَدخُلُ مَدِينةً قَدِيمَةً ، يَبدو عَلَيها مِن خِلالِ مَظاهِرِها أَنّها مَدِينَةٌ إِسلامِيّةٌ ، فَالكَثِيرُ مِنَ الرِجالِ الذِينَ كانُوا يَمُرُّونَ مِن أَمامِي يَرتَدُونَ الزيَّ الإِِسلامِيَّ ، فهِيَ إِذَنْ مَدينَةٌ إسلامِيّةٌ .



    وَلكِنْ هُناكَ بَعضُ المَظاهِرِ الأَُخرى تَتَناقَضُ مَعَ هذا المبدأِ ، فَأَنا أَرى بَعضَ الرِجالِ وَهُم يَمرُّونَ مِنْ أَمامِي سُكارى يَتَرَنَّحُونَ في مَسِيرِهُم ، وَتَتَعالى مِنْ أَفواهِهِم قَهقَهاتُ ضَحِكٍ عاليةٌ ، وكَلماتٌ لا يُمكِنُ أنْ تُقالُ فِي أَماكِنَ عامَّةٍ ، فَهُم يَتَحَدَّثُونَ عَنْ النِساءِ ، وَيَتَناوَلُونَ بالتَفصِيلِ مَفاتِنَهُنَّ .

    وَأَسمَعُ مِنْ أَماكِنَ مُتَفَرِّقَةٍ أَصواتَ مُوسِيقى وغِناءٍ ، وَبَينَما أَنا أُواصِلُ سَيرِي وَإِذا بِي أَجِدُ نَفسِي أَمامَ شابٍّ يَرتَدِي الزيَّ الإِِسلاميَّ ، فتَأَمَّلتُ وَجهَهُ وَهُوَ يَسِيرُ بِاتِّجاهِي ، كانَ يَبدُو عَليهِ أَنَّهُ شَابٌّ مُؤَدّبٌ وَعَلى خُلُقٍ جَيّدٍ .



    صارَ الشابُّ بالقُربِ مِنّي ، فَسلّمتُ عَلَيهِ ، فَتَوَقَّفَ وَقَد ارتَسَمَتْ عَلى شَفَتَيهِ ابتِسامَةٌ لَطيفةٌ جِدّاً ، وَهُوَ يقولُ لِي : وعَليكَ السَلامُ يا أَخي ورحمةُ اللهِ وَبَركاتُهُ ، يَبدُو أَنَّكَ غَريبٌ ، مَظهَرُ مَلابِسِكَ يَدُلُّ عَلى ذلِكَ .

    فقلت : نَعَمْ أَنا كَذلِكَ ، وَلكِنْ هذا لَيسَ مُهِمّاً يا أَخِي ، أُريدُ أن أَسأَلَكَ عَنْ هذِه المَدِينَةِ .




    فَهيَ مِنْ خِلالِ طرازِ بُيُوتِها وَملابِسِ رِجالِها يَبدو أَنّها مَدِينَةٌ إِسلاميّةٌ ، وَلكِنِّي أُشاهِدُ بَعضَ المَظاهِرِ التِي تَتَناقَضُ مَعَ الإِِسلامِ ، فَما هُوَ السَبَبُ فِي هذا ؟

    فَجأةً وَإذا بالشابِّ يَبدو عَليهِ الحُزنُ ، وَأَخَذَتِ الدُمُوعُ تَسِيلُ مِنْ عَينَيهِ وَهُوَ يُرَدِّدُ : إِنَّهُم الأُمَوِيُّونَ ، الأُمَويُّونَ أَباحُوا لأََِنفُسِهِم ما يَحلُو لَهُم فِي ظِلِّ حُكمِهِمِ .

    فقلت : الأُمَويُّونَ ؟! أَمّا زَالوا يَحكُمُونَ ؟!

    قَالَ الشابُّ وَهُوَ يُجَفِّفُ دُمُوعَهُ : هَلْ تَعرِفُهُمُ ؟

    فقلت : لَقَد عَرَفتُ عَنهُم الكَثِيرَ ، وأَنا أَقرأُ عَنْ حَياةِ أَهلِ البَيتِ ( عليهم السلام ) .

    قال : يا أَخي ، أنتَ الآنَ فِي زَمنِ الإِمامِ مُحَمَّدٍ بنِ عليٍّ الباقِرِ ( عليهما السلام ) ، وَها هُم الأُمَويُّونَ مَا زالوا يُمارِسُونَ الرَذِيلَةَ بِكُلِّ أَشكالِها ومَظاهِرِها ، مُعلِنِينَ الفسقَ والفجورَ في قُصورِهِم ونَوادِيهِم وأَينَما حَلُّوا .

    انفَجَرَتْ عَينا الشابِّ بِالدُمُوعِ مِنْ جَدِيدٍ ، وَخَنَقَتهُ العَبرَةُ وَهُوَ يُحاوِلُ مُواصَلَةَ كَلامِهِ .

    فَحَزِنتُ كَثيراً لِحالِهِ ، وَبادَرتُهُ بِالكلامِ مُحاوِلاً التَخفِيفَ عَنهُ : هَوِّن عَليكَ يا أَخي .

    قال : يا أَخي إنَّ مِن المُؤسِفِ جِدّاً مَا يَجرِي فِي قُصورِ هؤلاءِ الأُمَويّين ، وَقَد أَثَّرَ عَلى الكَثيرِ مِنَ المُسلِمِينَ فَأَصبَحُوا يُمارِسونَ جَمِيعَ المُنكَراتِ ، ويَبحَثُونَ عَنْ مَلَذّاتِ العَيشِ وَمُغرِياتِ الدُنيا ، فمَاذا يُمكِنُ أَنْ نَفعَلَ ؟

    لَقَدِ اختارَ الحُكّامُ الأُمَويُّونَ لِبِناءِ دَولَتِهِم شَتّى أَساليبَ العُنفِ والظُلمِ وَالاضطِهادِ ، فَقَتَلُوا الأََبرياءَ والصُلَحاءَ ، وَبذَّرُوا أَموالَ المُسلِمِينَ فِي سَبيلِ عُرُوشِهِم وشَهَواتِهِم ، وَقَد ذَهَبَ العَلَوِيُّونَ وَشِيعَتُهُم ضَحِيّةً لِتِلكَ السِياسةِ الخَرقاءِ .

    فلاَ لِشَيءٍ إِلاّ لأَِنَّهُم يَتَمَتَّعُونَ بِما يَشُدُّهُم إلى الناسِ ، وَيُؤَهِّلُهُم لِخِلافَةِ رَسولِ اللهِ ( صلى الله عليه وآله ) .



    فقلت : إِنّي عَرفتُ عَنْ هؤلاءِ أَنَّهُم بَلَغُوا أَقصى الحُدودِ فِي القَسوَةِ عَلى أَهلِ البَيتِ ( عليهم السلام ) وَعلى شِيعَتِهِم ، وأَسرَفُوا فِي إِراقةِ الدِماءِ وَشِراءِ الذِمَمِ بِالأََموالِ ، حَتّى صَارَتِ الحَياةُ مَشحُونَةً بالظُلمِ والفَسَادِ .



    قال : وَالناسُ مَا زَالُوا مُستَمِرِّينَ فِي خِذلانِ أَهلِ البَيتِ ( عليهم السلام ) في ساعاتِ مِحنَتِهِم ، وَهُم يُحاوِلونَ رَفعَ الظُلمِ عَنِ الضُعَفَاءِ والمَساكِينِ ، وَإنقاذِ الإِِسلاَمِ مِنْ هذا المَصِيرِ الذِي يُهدِّدُهُ مَعَ استِمرارِ الحُكّامِ فِي طُغيانِهِم .

    فَقَد حَدَثَ انقِلابٌ فِي التَفكِيرِ ، وَفِي جَمِيعِ أَسبابِ الحياةِ ، بَرَزَتْ أَلوانٌ مِنَ النَزَعاتِ والاتّجاهاتِ تَجُرُّ وَراءها الإِِلحادَ والزَندَقَةَ ، وكُلُّ هذا الذي طَرَأَ عَلى الفِكرِ الإِِسلاميِّ امتَدَّ حَتّى أَصبَحَ يُهَدِّدُ العقِيدَةَ الإِِسلامِيَّةَ فِي جَوهَرِها .

    وَهؤلاءِ الذِينَ أَثارُوا تِلكَ الأََفكارَ وَمَهَّدُوا لَها هُم أُناس لا عِلاقَةَ لَهُم بِالإِِسلامِ ، جَرُّوا المُسلِمينَ وجَعَلُوهُم يَحمِلُونَ أَفكارَهُم .

    فقلت : وَماذا كانَ دورُ الإِِمامِ الباقرِ ( عليه السلام ) إِزاءَ هذِهِ الظُروفِ ؟ فَإِنّي قَرَأتُ عَنهُ ، وَعَرفتُ أَنَّهُ خَلِيفةُ أَبيهِ عَليٍّ بنِ الحُسينِ ( عليهما السلام ) ، وَوَصِيّهِ القائِمِ بِالإِِمَامَةِ مِنْ بَعدِهِ .

    فَقَد بَرَزَ عَلى جَمِيعِ اِخوَتِهِ بِالفَضلِ ، والعِلمِ ، والزُهدِ ، والسُؤدَدِ ، وَكَانَ أَنبَهُهُم ذِكراً ، وأَجلُّهُم عِندَ العامّةِ والخَاصَّةِ ، وأَعظَمُهُم قَدراً ، فَلَم يَظهَر مِنْ وُلدِ الحَسَنِ والحُسَينِ ( عليهما السلام ) بِقَدرِ مَا ظَهَرَ مِنَ الإِمامِ الباقرِ ( عليه السلام ) فِي مَجالِ العُلومِ والآثارِ ، والسُنّةِ والتَفسِيرِ ، وَسائِرِ الفُنُونِ .

    لِذلِكَ لُقِّبَ بِالباقِرِ ، لِتَبَقُّرِهِ بالعِلمِ ، أَي : إنَّهُ تَوَسَّعَ فِيهِ ، وَعَرَفَ جَمِيعَ مَبادِئِهِ وأُصولِهِ ، وَبِما أَنَّهُ أَحدُ الأََئِمَّةِ الإثنَي عَشَرَ لِذلَكِ أَنا أَسأَلُكَ عَنْ دَورِهِ فِي هذِهِ الظُروفِ .

    قال : فِي هذا الجَوِّ المَشحُونِ بِالصِراعِ العَقائِديِّ وَجَدَ الإِمامُ مُحَمَّدُ الباقِرُ ( عليه السلام ) أَنّ مَصلَحَةَ الإِِسلامِ تَفرُضُ عَلَيهِ أن يَنصَرِفَ إلى الدِفاعِ عَنْ العَقيدةِ ونَشرِ تَعاليمِ الإِسلامِ .

    فَالتَفَّ حَولَهُ الآلافُ مِمَّن يَطلُبُونَ العِلمَ والحَدِيثَ مِنْ شِيعَتِهِ وَغَيرِهِمْ ، وَصارَ ( عليه السلام ) يَجتَمِعُ بِهِم عَلى شَكلِ حلقاتٍ في مَسجدِ المَدِينَةِ .

    وقَد أَطلَقَ بَعضُهُم عَلى هذِهِ الحلقاتِ اسمَ الجامِعَةِ لأََِنَّها تَجمَعُ بَينَ الحِينِ والآخَرِ المِئاتَ مِنْ مُختَلَفِ الأََقطارِ ، لِدِراسَةِ الفِقهِ ، والحَدِيثِ ، والفَلسَفَةِ ، والتَفسِيرِ ، واللُغَةِ ، وَغَيرِ ذلِكَ مِنْ مُختَلَفِ العُلومِ .

    وَقَد أَرسَلَتْ بَعضُ المُدُنِ مِثلُ الكُوفَةِ ، والبَصرَةِ ، وَواسِطِ ، وَالحِجازِ ، إِلى هذِهِ الجامِعَةِ أَفلاذَ أَكبادِها ، وَهيَ الآنَ عَلى وَشَكِ أَنْ يَتَخَرَّجَ مِنها كِبارُ العُلَماءِ والُمحدِّثِينَ والرُواةِ .





    فقلت : مَنْ هُوَ الحاكِمُ الأَُمويُّ فِي زَمَنِكُمْ هذا ؟

    قال : الحاكمُ الآنَ هُوَ عَبدُ المَلِكِ بنُ مَروانَ ، وَقَد حَاوَلَ هذا أَن يَكونَ أَقلَّ عُنفاً مِن أَسلافِهِ مَعَ العَلَوِيّينَ ، فَكَتَبَ إلى عامِلِهِ فِي الحِجازِ كِتاباً جَاءَ فِيهِ : جَنِّبنِي دماءَ آلِ أَبي طالبٍ .

    وَقَد تَصوّرنا فِي بِدايةِ الأََمرِ أنَّهُ أَدرَكَ مَدى الاستياءِ الذي خَلَّفَتهُ سِياسةُ مُعاوِيةَ وَوَلَدِهِ يَزيدَ ، وَما تَرَتَّبَ عَلَيها مِنَ الانتِفاضاتِ فِي مُختَلَفِ أنحاءِ الدَولَةِ .

    وَلكِنْ مَا ظَهَرَ بَعدَ ذلِكَ هُوَ أَنَّ لِعَبدِ المَلِكِ بنِ مَروانَ مُنافِساً فِي الحِجازِ يُدعى ابنُ الزُبيرِ ، وَقَد كانَتْ لَهُ أَطماعٌ اتَّسَعَتْ إلى العِراقِ وغَيرِهِ مِنَ المناطِقِ .

    وَبَعدَ أَنْ تَمَكَّنَ عَبدُ المَلِكِ مِنَ القَضاءِ على خَصمِهِ كَتَبَ إلى عُمّالِهِ فَأَمَرَهُم بِالشِدَّةِ والقَسوَةِ عَلى شِيعَةِ أَهلِ البَيتِ ( عليهم السلام ) ، وَأَمَرَ الحَجّاجَ بِالذَهابِ إلى العراقِ قَائِلاً لَهُ : ( اِحتَل لِقَتلِهِم ، فَقَد بَلَغَنِي عَنهُم مَا أَكرَهُ ، وَإِذا قَدِمتَ إلى الكُوفَةِ فَطَأها وَطأةً يَتضاءَلُ لها أهلُ البَصرَةِ ) ، وَراحَ يُراقِبُ جَمِيعَ التَحَرُّكاتِ والتَصَرُّفاتِ .

    فقلت : أنَا قَرَأتُ عَنِ الحجّاج ، فَعَرَفتُ أَنَّ لَهُ مَواقِفَ لَم يُحَدِّثِ التاريخُ بِأَسوَأ مِنها مَعَ الأََئِمَّةِ ( عليهم السلام ) وَشِيعَتِهِم ، وخَاصّةً شِيعَةِ العِراقِ .

    وَبِما أَنَّ الحَجّاجَ يَعمَلُ بِإِمرَةِ عَبدِ المَلِكِ بنِ مَروانَ فَمَعنى هذا أَنَّهُ فَعَلَ ما فَعَلَهُ بِدَفعٍ مِنهُ .

    قال : هذا صَحِيحٌ .

    فقلت : يا أَخي هُناكَ أَمرٌ يُحيِّرُنِي ، وَهُوَ حِينما تَنَبَّهَ عَبدُ المَلِكِ بنُ مَروانَ إِلى قِرطاسٍ من النُقُودِ كانَ يَحمِلُ طرازاً مِنْ كلماتٍ كُتِبَتْ باللُغَةِ الرُومِيَّةِ ، أَمَرَ بِتَرجَمَتِها إِلى العَربيةِ ، فَقِيلَ لَهُ أنَّ مَعناها : ( أَبٌ - ابنٌ - روحُ القُدُسِ ) ، فَأَغضَبَهُ هذا الأََمرِ ، فَكَتَبَ إلى عامِلِهِ عَلى مِصرَ وَهُوَ أَخُوهُ عَبدُ العزِيزِ بنُ مَروانَ يَأمُرُهُ بِإِبطالِ ذلِكَ الطرازِ ، وَيَأمُرُ صُنّاعَ القَراطيسِ أن يُطَرِّزُوها بِسُورةٍ مِنَ القُرآنِ .



    وكَذلِكَ كَتَبَ إلى عُمّالِهِ في الآفاقِ يَأمُرُهُم بِإبطالِ القَراطيسِ المُطرّزةِ بِطرازِ الرُومِ ، وَمُعاقَبَةِ مَنْ وُجِدَ عِندَهُ بَعدَ هذا النَهيِ شَيءٌ مِنها بالضَربِ والحَبسِ الطَوِيلِ .

    قال : لَقَد فَهِمتُ قَصدَكَ يَا أَخي ، مَا أَكثَر الذِينَ يَهتَمُّونَ بِمظاهِرِ الإِسلام دُونَ جَوهَرِهِ ، وَعَبدُ المَلِكِ بنُ مَروانَ واحدٌ مِنهَم ، وَرَغمَ أنَّ مَلِكَ الرُومِ حَاوَلَ التأثِيرَ عَليهِ إِلاّ أَنّهُ لَم يُظهِر تساهُلاً .

    وأَخيراً هَدّدَهُ مَلِكُ الرومِ بِأَنَّهُ سَينقُشُ شَتمَ النبيّ محمَّدٍ ( صلى الله عليه وآله ) كَطرازٍ عَلى جَمِيعِ الدراهِمِ والدنانيرِ .

    فقلت : تُرى كَيفَ يُمكِنٌ لِدَولَةٍ كَدَولَةِ الرُومِ اَنْ تَتَدَخَّلَ فِي أُمورِ دَولَةٍ أُخرى بِما يَخُصُّ عُملَتِها النَقدِيَةِ التِي تَتَعامُل بِها ؟!

    قال : هذا لأََِنَّ دَولَتنا لَم يَكُن لَها عُملَةٌ خَاصّةٌ تَتَعامَلُ بِهَا ، فِجِمَيعُ الدراهِمِ والدَنانِيرِ كانَت تَصنَعُها وتَنقُشُها دَولةُ الرُومِ فِي مِصرَ ، وَبِما أَنّها دَولةٌ نَصرانِيّةٌ فَهِيَ تَنقُشُها بِطرازٍ مَسيحيٍّ ، وَعِندَها وَجَدَ عَبدُ المَلِكِ بنُ مَروانَ نَفسَهُ أَمامَ مُشكِلَةٍ لا يَستَطِيعُ حَلَّها ، وَمأزقٍ لا يَستطِيعُ الخُروجَ مِنه .

    وَقَد استَشارَ جَمِيعَ مَنْ حَولَهُ فَلَم يَجد حَلاًّ ، وأَخيراً أُشِيرَ عَلَيهِ بِأَنْ يَستَشِيرَ الإِمامَ مُحمد الباقرَ ( عليه السلام ) ، فَأَشارَ عَلَيهِ الإِمامُ ( عليه السلام ) بِأنْ يَصنَعَ مِنَ الذَهَبِ والفِضَّةِ المُتَيَسَّرَةِ داخِلَ البِلادِ قِطَعاً نَقدِيَّةً ، وَيَنقُشُها بِطرازٍ إسلاميٍّ ، وَوَضَعَ لَهُ خِطّةً يَستَحِيلُ مَعها التَلاعُبَ ، فيوَزنِ الدَراهِمِ والدَنانِيرِ ، ومُنذُ ذلِكَ التاريخِ أَصبَحَتْ لَنا عُملَةٌ نَتَداوَلُها داخلَ البِلادِ .


    فقلت : وَلكِنْ كَيفَ أَقدَمَ الإِمامُ مُحمّد الباقرُ ( عليه السلام ) عَلى مُساعَدَةِ حاكِمٍ ظالِمٍ بِما يَخُصُّ عُملَتِها النَقدِيَةِ التِي تَتَعامُل بِها ؟! فأَخرَجَهُ مِنْ أَزمَتِهِ ، وَحَلَّ لَهُ مُشكِلَةً كادَتْ تَقضِي عَليهِ ؟!

    قال : الجوابُ هُنا بَسيطٌ جدّاً وَلا يَحتاجُ إلى تَفكِيرٍ ، هذا لأََِنَّ أَيَّ إمامٍ مَعصُومٍ يَضَعُ مَصلَحَةَ الإِِسلامِ فَوقَ كُلِّ اعتِبارٍ .

    فَعِندَما وَجَدَ الإِمامُ محمّد الباقرُ ( عليه السلام ) أَنَّ مَصلَحةَ الإِِسلامِ تَقتَضِي مُساعَدةَ عَبدِ المَلِكِ بنِ مَروانَ فِي مَشروعِ تَغييرِ العُملَةِ النَقدِيَّةِ بَادَرَ إِلى ذلِكَ ، لا مِنْ أَجلِهِ وَإِنّما مِنْ أَجلِ مَصلَحَةِ الإِِسلامِ والمُسلِمِينَ .

    وَبَعدَ ذلِكَ ابتَسَمَ الشابُّ ابتِسامَةً عَرِيضةً وُهُوَ يَقُولُ لِي : هَلْ تُوجَدُ لَدَيكَ أسئِلَةٌ أُخرى ؟

    فقلت : أَشكُرَكَ يَا أَخي عَلى مَا بَذَلتَهُ مَعِي مِنْ مَجهُودٍ ، أَستَودِعُكَ اللهَ ، ومَعَ السَلامَةِ .

    وبَعدَ أَنْ وَدَّعتُ الشابَّ وَجَدتُ نَفسِي أُغلِقُ الكِتابَ الذي كانَ بَينَ يَديَّ وَكأنّي كُنتُ فِي حُلُمٍ .

  • #2
    اللهم صلي على محمد وآلــ محمد وعجل فرجهم

    السلام عليك يا باقر العلوم

    بارك الله فيكم ع الطرح

    مأجورين

    تعليق


    • #3
      كيفية مقاتلة الإِِمامُ المَهدي عليه السلام الكفار


      حامدٌ ! ما هذا ؟! قُلتُها بِدَهشَةٍ ، بَعدَ أَن فُوجِئتُ بِوَلَدِي حَامدٍ وَهُوَ يَرتَدِي الزيَّ الإسلامِيَّ ، وَيَضَعُ يَدَهُ الُيمنى عَلى قَبضَةِ سَيفٍ فِي جَنبِهِ الأَيسَرِ .



      رَدَّ عَلى سُؤالي قائِلاً : أَحبَبتُ يا أَبِي أَن أُمثِّلَ دَورَ أُولئِكَ الصالِحينَ المُؤمِنينَ الذينَ يَنتَظِرونَ ظُهورَ الإِمامِ المَهديِّ عليه السلام ، كَي يَكونُوا مِن جَندِهِ وَأَنصارِهِ فِي إِزاحَةِ الظُلمِ وَالجَورِ عَنِ الأََرضِ ، وَمَلئِها عَدلاً وقِسطاً . جَعَلَنِي كَلامُ حامدٍ أَغُوصُ بَينَ صَفَحاتِ التَأريخِ ، فَراحَت أَحداثُهُ تَتَجَسَّمُ أَمامِي حَتّى صِرتُ أُحدِّثُ نَفسِي : حَقّاً ، كانَ وَما زالَ العالَمُ يَنتَظِرُ فَجراً مِثلَ ذلِكَ الفَجرِ ، الذِي أَشرَقَ بِنُورِ وَجهه وسَطَعَ مِن مَوضِعِ ولادَتِهِ عليه السلام حَتّى بَلَغَ أُفُقَ السَماءِ .

      فهَبَطَتِ المَلائِكَةُ تَمسَحُ أَجنِحَتَها بِرَأسِهِ وَوَجهِهِ وسائِرِ جَسَدِهِ ، إِنَّهُ المَولودُ الذي ما أن لامَسَ جَسَدُه الأََرضَ حَتّى جَثَمَ ساجِداً للهِ ، مِمّا جَعَلَ أُمَّهُ تَقِفُ مَبهُورَةً أَمامَ مَولُودِها الذي وُلِدَ مَختُوناً نَظِيفاً طاهِراً ، لَم تَخرُج مَعَهُ قَطرَةُ دمٍ واحدةٍ . فَلَم تَرَ أُمُّهُ عَلى نَفسِها أَيَّ أَثرٍ لِلنِفاسِ ، وَبَينَما هِيَ عَلى حالِها هذا تَتَأَمَّلُ وَلِيدَها وَإذا بِهِ يَرفَعُ سَبّابَتَهُ إِلى السَماءِ ، ثُمَّ يَعطُسُ فَيَقُولُ : ( الحمدُ للهِ رَبِّ العالَمِينَ ، وَصلّى اللهُ عَلى محمّدٍ وآلِهِ ، عَبداً ذاكِراً للهِ غَيرَ مُستَنكِفٍ ولا مُستَكبِرٍ
      ) .
      ذلِكَ هُوَ الإِِمامُ الحُجَّةُ بنُ الحَسَنِ المَهديُّ عليهما السلام .

      َقَد كانَ والِدُهُ الإِِمامُ الحَسَنُ العَسكَرِي عليه السلام مَأمُوراً بِإِخفائِهِ وَالتَسَتُّرِ عَلَيهِ مِن عيونِ الأََعداءِ الظالِمِينَ الحاقِدِينَ ، الذينَ يَبذُلونَ قُصارى جُهدِهِم لِقَتلِهِ فَورَ وِلادَتِهِ ، إِذ كانوا عَلى مَوعِدٍ مَعَها لِكَثرَةِ ما رُوِيَ وَتَواتَرَ عَن الرَسولِ الأََكرَمِ صلى الله عليه وآله بِأَنَّهُ مِن وُلدِ الحُسَينِ عليه السلام ، وَأَنَّهُ سَيَظهَرُ لِيملأََ الأََرضَ قِسطاً وَعَدلاً بَعدَما تُملاََُ ظُلماً وجَوراً .



      وَقَد شَاءَ اللهُ تَعالى أَن يُضِلَّهُم عَنهُ ويُسَلِّمَهُ مِن خَبثِهِم ، وَبِما إِنَّ وَالِدَهُ كانَ يَخافُ عَلَيهِ مِن أَعدائِهِ لِذلِكَ بَقِيَت وِلادَتُهُ عليه السلام خَافِيَةً عَلى مُعظَمِ الناسِ . وَقَد قَالَ الإِِمامُ الصادِقُ عليه السلام : ( إنَّ لِصاحِبِ هذا الأََمرِ غَيبَةً لابُدَّ مِنها ، لأََِمرٍ لَم يُؤذَن كَشفُهُ لَكُم ، وَوَجهُ الحِكمَةِ فِي غَيبَتِهِ لا يَنكَشِفُ إِلاّ بَعدَ ظُهُورِهِ ) .

      وَمَتى عَلِمنا أَنَّ اللهَ عَزَّ وجلَّ حَكِيمٌ صَدَّقنا بِأَنَّ أَفعالَهُ كُلَّها حَكِيمَةٌ ، وَإن كانَ وَجهُها غَيرُ مُنكَشِفٍ لَنا .
      أَبي ، أَراكَ قَد سَرَحتَ فِي تَفكِيرٍ عَمِيقٍ ؟!

      قالَ حامدٌ ذلِكَ مُندَهِشاً ، فَرُحتُ أَبتَسِمُ فِي وَجهِهِ قائِلاً : ولِمَ الَتمثِيلُ يا بُنَيَّ ؟ أَلا تُحِبُّ فِعلاً أَن تَكُونَ جُندِيّاً وَناصِراً لِلإِِمامِ المَهدِيِّ عليه السلام ؟!

      فَأَجابَ حامدٌ بِكُلِّ حَماسٍ وَاندِفاعٍ : بَل مِن كُلِّ قَلبِي أَتَمَنّى أَن أكونَ جُندِيّاً وَناصراً لِلإِِمامِ المهديِّ عليه السلام
      .

      قلت : وَكَيفَ سَتَكُونُ كَذلِكَ يا حامِدُ ؟ أَبِهذا السَيفِ ؟!

      فقال : وَهَل هُناكَ غَيرُ السَيفِ يا أَبي ؟! قالَها حامدٌ بِاستِغرابٍ .



      فَأَجَبتُهُ مُبتَسِماً : أَنتَ تَعرِفُ أنَّ زَمَنَنا هذا هُوَ زَمنُ الطائِراتِ والصَوارِيخِ والدَبّاباتِ والرَشّاشاتِ ، وَغَيرِها مِنَ الأَسلِحَةِ الفَتّاكَةِ المُدَمِّرَةِ ، فَماذا يُمكِنُ أَن يَفعَلَهُ السَيفُ إِزاءَ هذِهِ الأَسلِحَةِ ؟!

      صَمَتَ حامدٌ بُرهةً ، ثُمَّ قالَ بِتَعَجُّبٍ شَدِيدٍ : حَقّاً يا أَبي ، وَلكِنَّ الرُواياتِ تَقُولُ : إِنَّ الإِِمامَ المهديَّ عليه السلام سَيَظهَرُ بِسَيفِ جَدِّهِ الإِِمامِ عليٍّ بنِ أَبي طالبٍ عليه السلام ؟

      فقلت : هذا صَحِيحٌ يا بُنَيَّ ، وَلكِنَّ فِي الوَقتِ نَفسِهِ هُناكَ مُعجِزاتٌ سَتَظهَرُ مَعَ ظُهُورِ الإِِمامِ المَهدِيِّ عليه السلام ، تَماماً مِثلُ مُعجِزاتِ الأََنبياءِ عليهم السلام . فَمَثلاً فِي زَمَنِ مُوسى عليه السلام كانَ السِحرُ يُشَكِّلُ عامِلاً مُهِمّاً فِي سُلطَةِ المَلِكِ فِرعَونَ إِلى جانِبِ ذلِكَ الجَيشِ المُنَظَّمِ العِملاقِ ، وَقَد كانَ جَمِيعُ المُؤمِنينَ بِظُهُورِ مُوسى بنِ عُمرانَ نَبِيّاً لِهذِهِ الأَُمَّةِ لَم يَخطُر بِبالِهِم أَبَداً أَنَّهُ سَيَظهَرُ بِمُعجِزاتٍ تَقِفُ فِي مُواجَهَةِ السِحرِ والشَعوَذَةِ ، وَتُذهِلُ أَعوانَ فِرعَونَ .

      وَذلِكَ بِأَن جَعَلَ اللهُ تَعالى مِن عَصا مُوسى أَفعَى عَظِيمَةً تَلَقَّفَت جَمِيعَ ما قامَ بِهِ سَحَرةُ فِرعَونَ مِنَ السِحرِ ، مِمّا جَعَلَ هؤلاءِ السَحَرةِ يَقِفُونَ مَذهُولِينَ أَمامَ مُعجِزَةِ مُوسى عليه السلام ، حَتّى أَعلَنُوا إِيمانَهُم بِاللهِ وَبِنَبِيِّهِ مُوسى عليه السلام .

      وَمِن مَعاجِزِ النَبِيِّ مُوسى عليه السلام أَيضاً أَنَّ اللهَ تَعالى فَلَقَ البَحرَ لَهُ وَلِجَماعَتِهِ الذِينَ آمَنوا بِهِ ، فَعَبَروا بِسلامٍ ، بَينَما أَطبَقَهُ اللهُ تَعالى على فِرعونَ وَجَيشِهِ ، فَماتُوا غَرَقاً .

      وَلَو تَأَمّلنا زَمَنَ النبي عيسى عليه السلام فَسَنَجِدُهُ قَدِ اشتَهَرَ بالطِبِ وَبِالإِِعلامِ عَن الغَيبياتِ ، فَكانَ الطَبِيبُ مِنهُم يَستَطِيعُ أَن يُحيِيَ المَيِّتَ الذِي لَم يَبرَد جَسَدُهُ بَعدُ - أَي الذي ماتَ لِتَوِّهِ - . لِذلِكَ فَقَد أَرسَلَ اللهُ تَعالى نَبِيَّهُ عِيسى عليه السلام بِمُعجِزَةِ عِلمٍ فَاقَت عِلمَهُم ، فَتَحَدَّاهُم قائِلاً :
      أَنا أُبرِئَُ الأََكمَة وَالأََبرَصَ ، وَسائِرَ المُصابِينَ بِالأََمراضِ المُستَعصِيةِ ، لا بِالدواءِ ، وإِنّمَا بِمَسحَةِ يَدٍ .
      وأُحيي حَتّى المَيّتَ الرَمِيمَ ، وإِنِّي أَخلُقُ لَكُم مِنَ الطِينِ كَهَيئَةِ الطَيرِ فَأَنفَخُ فِيهِ لِيَكُونَ طَيراً بِإِذنِ اللهِ ، وَبِذلِكَ هَزَمَ فَراعِنَةَ العِلمِ بِسِلاحِهِم .

      وَلمّا بُعِثَ نَبيُّنا مُحَمّدٌ صلى الله عليه وآله كانَت في زَمَنِهِ البَلاغَةُ والفَصاحَةُ في أَوجِ عَظَمَتِها ، لِذلِكَ صارَت مُعجِزَتُهُ القرآنَ الكَرِيمَ ، الذِي وَقَفَ أَشهَرُ أُدَباءِ ذلِكَ الزَمَنِ مَبهُورِينَ أَمامَ بَلاغَتِهِ وَفَصاحَتِهِ ، حَتّى أَيقَنُوا أَنَّهُ لاَ يُمكِنُ أَن يَكُونَ إلاّ مِنَ اللهِ تَعالى . وَبِما أَنَّ نَبِيَّنا مُحَمَّداً صلى الله عليه وآله كانَ آخِرَ الأََنبِياءِ ، ورِسالَتُهُ آخِرَ الرِسالاتِ ، فلِذلِكَ جَعَلَ اللهُ تَعالى مِن آلِهِ أَئِمَّةً مَعصومِينَ ، يُحافِظُونَ عَلى رِسالةِ الإِسلامِ وَيُدافِعونَ عَنها ، وَيَتَوَلَّونَ نَشرَ عُلُومِها وَأُصولِها بَينَ الناسِ بَعدَ الرَسُول مُحمّدٍ صلى الله عليه وآله .

      فَكانَ أَوَّلُهُمُ الإِِمامَ عليّاً بنَ أَبِي طالبٍ عليه السلام ، وآخرُهُمُ الإِمامَ الحُجَّةَ بنَ الحَسَنِ المَهديَّ المُنتَظرَ عليهما السلام . وَقَد قَرَأنا عَن أَئِمَّتِنا الهُداةِ عليهم السلام فَاطّلَعنا على العذابِ القاسِي الذِي تَحَمَّلُوهُ مِن أَجلِ الحِفاظِ عَلى هذِهِ الرِسالَةِ المُبارَكةِ ، حَتّى فَدَوها بِأَرواحِهِم الطاهِرَةِ . لأََِنَّهُم كانُوا يُمَثِّلُونَ جَبهَةَ الحَقِّ ضِدَّ الباطِلِ مِن بَعدِ وَفاةِ الرَسولِ الأََعظَمِ محمّدٍ صلى الله عليه وآله . وَلَم تُقَدَّر الغَيبةُ لأََِيِّ إِمامٍ مِنهُم سِوى لِلإمامِ المَهدِيِّ عليه السلام ، وَلَعَلَّ شِيعَتَهُم الذينَ يُشَكِّلُونَ جَبهَةَ الحَقِّ الأََصلِيَّةِ لَم يَكونوا قَدِ اكتَمَلُوا كِياناً راسِخاً مِنَ الناحِيَةِ الفِكرِيَّةِ وَالاجتِماعِيَّةِ ، حَتّى يَستَطِيعوا الصُمُودَ أَمامَ الجَهلِ والشَعوَذَةِ والطُغيانِ .

      ولِهذا واجَهَ الأََئِمّةُ عليهم السلام جَمِيعَ الوَيلاتِ والنَكَباتِ ، حَتّى أَصبَحَ الشِيعَةُ كُتلَةً مُتماسِكَةً تَشُعُّ فِكراً ، ومَركزاً يَنتَشِرُ يَمِيناً وَشَمالاً بِفَضلِ الرُواةِ وَالأََصحابِ الثُقاةِ . فَاستَطاعَت بِذلِكَ الصُمودَ عِبرَ التَأرِيخِ ، وَحِينَها لَم تَعُد هُناكَ ضَرُورةٌ لِبقاءِ الإِِمامِ المَعصُومِ ظاهِراً مُعَرَّضاً لِكُلِّ الاحتمالاتِ ، وَفِي جَميعِ الأََحوالِ لِذلِكَ قَدَّرَ اللهُ تَعالى لَهُ أَن يَغِيبَ لِيَظهَرَ فِي الوَقتِ المناسِبِ ، فَيملاََُ الأََرضَ قِسطاً وعَدلاً ، بَعدَ أَن تَكونَ قَد مُلِئَت ظُلماً وجَوراً .

      فقال حامد : حَسَناً يا أَبي ، وَلكِنَّكَ لَم تَقُل لِي ما هِيَ المُعجِزاتُ التِي سَتَظهَرُ مَعَ الإِِمامِ المهديِّ عليه السلام ؟

      فقلت : يا بُنيَّ ، بِما أَنَّ دَورَ الإمامِ المَهديِّ عليه السلام هُوَ أَن يَملأََ هذِهِ الأَرضَ قِسطاً وَعَدلاً بَعدَ أَن مُلِئَت ظُلماً وجَوراً ، لِذلِكَ فَسَتكُونُ أَوّلُ مَعجِزاتِهِ هِيَ ظُهورِهِ بسلاحٍ تَقِفُ أَمامَهُ جَمِيعُ أَسلِحَةِ هذا الزَمنِ ـ أَو الزَمنِ الذِي بَعدَهُ ـ عاجِزَةً عَن تَحقِيقِ أَيِّ شَيءٍ . فمِثلَما عَجَزَ سَحَرَةُ فِرعَونَ عَن تَحقِيقِ أَيَّ شَيءٍ أَمامَ عَصا مُوسى عليه السلام .
      وَكَذلِكَ الحالُ لِنَبِيِّ اللهِ عِيسى عليه السلام الذِي استَطاعَ بِمُعجِزَتِهِ أَن يُذهِلَ عُقُولَ الأََطِبّاءِ الذِينَ بَلَغُوا أَقصى الدَرَجاتِ فِي عِلمِ الطِبِّ فِي ذلِكَ الزَمَنِ . وكذلك وَقَفَ أُدباءُ البَلاغَةِ وَالفَصاحَةِ مَذهُولِينَ أَمامَ مُعجِزَةِ القُرآنِ الكَريمِ ، الذي نزَلَ على نبينا محمّد صلى الله عليه وآله .

      فكذلك تقول الروايات : بأنّ سلاح الإمام المهدي عليه السلام يعرف أعداء الله فيقتلهم ، وَيَعرِفُ أَنصارَ اللهِ فَيَدَعَهُم ، وَتَكونُ جَمِيعُ الأَسلِحَةِ المَوجودَة رَمزِيّةً أَمامَهُ .



      وَهذِهِ إِشارَةٌ إِلى أَنَّ الإِِمامِ المهديَّ عليه السلام سَوفَ يَستَخدِمُ نَوعاً مِنَ السِلاحِ يُعَطِّلُ جَميعَ الأََسلِحَةِ ، وَيُجَمِّدُ كُلَّ الآلِيّاتِ المُتَحَرِّكَةِ ، فَتَنهارَ أَمامَهُ جُيوشُ الأََعداءِ وَقادَتُهُم ، فَيَصيروا فِي حالةٍ مِنَ الفَزَعِ وَالرُعبِ لَم يَشَهدِ التأرِيخُ لَها مَثِيلاً . وَأَمّا عَنِ السَيفِ الذي يَظهَرُ بِهِ الإِِمامُ المهديُّ عليه السلام ، فَهُوَ الذِي نَزَلَ عَلى نَبِيِّنا مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وآله .

      وَلِذلِكَ تَقُولُ الرُواياتُ بِأَنَّ سِلاحَ الإِِمامِ المَهديِّ عليه السلام يَعرِفُ أَعداءَ اللهِ فَيَقتُلَهُم ، ذلِكَ السَيفُ الذِي نَزَلَ بِهِ جِبرائِيلُ عليه السلام مِنَ السَماءِ ، وَأَعطاهُ لِعَليٍّ بنِ أَبي طالبٍ عليه السلام ، فَاستَخدَمَهُ فِي مَعارِكِ الإِِسلامِ الحاسِمةِ ، وَأَصبَحَ فِيما بَعدُ مِن جُملَةِ التُراثِ المُقَدَّسِ الذِي تَوارَثَهُ الأََئِمَّةُ الأََطهارُ عليهم السلام . ولِذلِكَ سَيَحمِلُهُ الإِِمامُ المَهدِيُّ عليه السلام لِيُؤَكِّدَ بِهِ انتِسابَهُ إِلى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وآله لِقِدَمِ عَهدِهِ بِأَبِيهِ ، وَظُهورِهِ بِمَظهَرِ رَجُلٍ فِي سِنِّ الأََربَعِينَ .

      وَكَذلِكَ لِيَرمِزَ إِلى أَنَّهُ أَتى لِتَجدِيدِ الإِِسلامِ ، وَلَم يَأتِ بِدِينٍ جَدِيدٍ كَما سَيدّعي بَعضُ الناس .وكَذلِكَ سَيَحمِلُهُ تَبَرُّكاً بِهِ ، إذ هُوَ السَيفُ الذُي فَتَحَ الطَرِيقَ أَمامَ الإِِسلامِ ، فَيُحيي بِذلِكَ ذِكرى جَدِّهِ عَليٍّ بنِ أَبِي طالِبٍ عليه السلام الذِي كانَت حَياتُهُ كُلُّها تَضحِياتٍ فِي سَبِيلِ الحَقِّ .

      فَشَرَعَ حامدٌ بِنَزعِ السَيفِ عَن جَنبِهِ قائِلاً : إذاً يا أَبي فَنَحنُ لا نَحتاجُ إِلى هذا السَيفِ لَو قَدِّرَ لَنا أَن نَكُونَ مِن جُندِ وَأَنصارِ الإِِمامِ المَهديِّ عليه السلام .

      تعليق

      المحتوى السابق تم حفظه تلقائيا. استعادة أو إلغاء.
      حفظ-تلقائي
      x

      رجاء ادخل الستة أرقام أو الحروف الظاهرة في الصورة.

      صورة التسجيل تحديث الصورة

      اقرأ في منتديات يا حسين

      تقليص

      المواضيع إحصائيات آخر مشاركة
      أنشئ بواسطة وهج الإيمان, يوم أمس, 03:25 AM
      ردود 0
      6 مشاهدات
      0 معجبون
      آخر مشاركة وهج الإيمان
      بواسطة وهج الإيمان
       
      أنشئ بواسطة وهج الإيمان, يوم أمس, 03:23 AM
      ردود 0
      6 مشاهدات
      0 معجبون
      آخر مشاركة وهج الإيمان
      بواسطة وهج الإيمان
       
      أنشئ بواسطة وهج الإيمان, 30-06-2024, 10:47 PM
      ردود 0
      80 مشاهدات
      0 معجبون
      آخر مشاركة وهج الإيمان
      بواسطة وهج الإيمان
       
      أنشئ بواسطة وهج الإيمان, 14-07-2023, 11:53 AM
      استجابة 1
      114 مشاهدات
      0 معجبون
      آخر مشاركة وهج الإيمان
      بواسطة وهج الإيمان
       
      أنشئ بواسطة وهج الإيمان, 23-12-2021, 11:24 AM
      استجابة 1
      211 مشاهدات
      0 معجبون
      آخر مشاركة وهج الإيمان
      بواسطة وهج الإيمان
       
      يعمل...
      X