كُنتُ أَقرأُ كِتاباً وَبَينَما أَنا أُقلِّبُ صَفَحاتِهِ شَعَرتُ كَأَنّي أَدخُلُ مَدِينةً قَدِيمَةً ، يَبدو عَلَيها مِن خِلالِ مَظاهِرِها أَنّها مَدِينَةٌ إِسلامِيّةٌ ، فَالكَثِيرُ مِنَ الرِجالِ الذِينَ كانُوا يَمُرُّونَ مِن أَمامِي يَرتَدُونَ الزيَّ الإِِسلامِيَّ ، فهِيَ إِذَنْ مَدينَةٌ إسلامِيّةٌ .
وَلكِنْ هُناكَ بَعضُ المَظاهِرِ الأَُخرى تَتَناقَضُ مَعَ هذا المبدأِ ، فَأَنا أَرى بَعضَ الرِجالِ وَهُم يَمرُّونَ مِنْ أَمامِي سُكارى يَتَرَنَّحُونَ في مَسِيرِهُم ، وَتَتَعالى مِنْ أَفواهِهِم قَهقَهاتُ ضَحِكٍ عاليةٌ ، وكَلماتٌ لا يُمكِنُ أنْ تُقالُ فِي أَماكِنَ عامَّةٍ ، فَهُم يَتَحَدَّثُونَ عَنْ النِساءِ ، وَيَتَناوَلُونَ بالتَفصِيلِ مَفاتِنَهُنَّ .
وَأَسمَعُ مِنْ أَماكِنَ مُتَفَرِّقَةٍ أَصواتَ مُوسِيقى وغِناءٍ ، وَبَينَما أَنا أُواصِلُ سَيرِي وَإِذا بِي أَجِدُ نَفسِي أَمامَ شابٍّ يَرتَدِي الزيَّ الإِِسلاميَّ ، فتَأَمَّلتُ وَجهَهُ وَهُوَ يَسِيرُ بِاتِّجاهِي ، كانَ يَبدُو عَليهِ أَنَّهُ شَابٌّ مُؤَدّبٌ وَعَلى خُلُقٍ جَيّدٍ .
صارَ الشابُّ بالقُربِ مِنّي ، فَسلّمتُ عَلَيهِ ، فَتَوَقَّفَ وَقَد ارتَسَمَتْ عَلى شَفَتَيهِ ابتِسامَةٌ لَطيفةٌ جِدّاً ، وَهُوَ يقولُ لِي : وعَليكَ السَلامُ يا أَخي ورحمةُ اللهِ وَبَركاتُهُ ، يَبدُو أَنَّكَ غَريبٌ ، مَظهَرُ مَلابِسِكَ يَدُلُّ عَلى ذلِكَ .
فقلت : نَعَمْ أَنا كَذلِكَ ، وَلكِنْ هذا لَيسَ مُهِمّاً يا أَخِي ، أُريدُ أن أَسأَلَكَ عَنْ هذِه المَدِينَةِ .
فَهيَ مِنْ خِلالِ طرازِ بُيُوتِها وَملابِسِ رِجالِها يَبدو أَنّها مَدِينَةٌ إِسلاميّةٌ ، وَلكِنِّي أُشاهِدُ بَعضَ المَظاهِرِ التِي تَتَناقَضُ مَعَ الإِِسلامِ ، فَما هُوَ السَبَبُ فِي هذا ؟
فَجأةً وَإذا بالشابِّ يَبدو عَليهِ الحُزنُ ، وَأَخَذَتِ الدُمُوعُ تَسِيلُ مِنْ عَينَيهِ وَهُوَ يُرَدِّدُ : إِنَّهُم الأُمَوِيُّونَ ، الأُمَويُّونَ أَباحُوا لأََِنفُسِهِم ما يَحلُو لَهُم فِي ظِلِّ حُكمِهِمِ .
فقلت : الأُمَويُّونَ ؟! أَمّا زَالوا يَحكُمُونَ ؟!
قَالَ الشابُّ وَهُوَ يُجَفِّفُ دُمُوعَهُ : هَلْ تَعرِفُهُمُ ؟
فقلت : لَقَد عَرَفتُ عَنهُم الكَثِيرَ ، وأَنا أَقرأُ عَنْ حَياةِ أَهلِ البَيتِ ( عليهم السلام ) .
قال : يا أَخي ، أنتَ الآنَ فِي زَمنِ الإِمامِ مُحَمَّدٍ بنِ عليٍّ الباقِرِ ( عليهما السلام ) ، وَها هُم الأُمَويُّونَ مَا زالوا يُمارِسُونَ الرَذِيلَةَ بِكُلِّ أَشكالِها ومَظاهِرِها ، مُعلِنِينَ الفسقَ والفجورَ في قُصورِهِم ونَوادِيهِم وأَينَما حَلُّوا .
انفَجَرَتْ عَينا الشابِّ بِالدُمُوعِ مِنْ جَدِيدٍ ، وَخَنَقَتهُ العَبرَةُ وَهُوَ يُحاوِلُ مُواصَلَةَ كَلامِهِ .
فَحَزِنتُ كَثيراً لِحالِهِ ، وَبادَرتُهُ بِالكلامِ مُحاوِلاً التَخفِيفَ عَنهُ : هَوِّن عَليكَ يا أَخي .
قال : يا أَخي إنَّ مِن المُؤسِفِ جِدّاً مَا يَجرِي فِي قُصورِ هؤلاءِ الأُمَويّين ، وَقَد أَثَّرَ عَلى الكَثيرِ مِنَ المُسلِمِينَ فَأَصبَحُوا يُمارِسونَ جَمِيعَ المُنكَراتِ ، ويَبحَثُونَ عَنْ مَلَذّاتِ العَيشِ وَمُغرِياتِ الدُنيا ، فمَاذا يُمكِنُ أَنْ نَفعَلَ ؟
لَقَدِ اختارَ الحُكّامُ الأُمَويُّونَ لِبِناءِ دَولَتِهِم شَتّى أَساليبَ العُنفِ والظُلمِ وَالاضطِهادِ ، فَقَتَلُوا الأََبرياءَ والصُلَحاءَ ، وَبذَّرُوا أَموالَ المُسلِمِينَ فِي سَبيلِ عُرُوشِهِم وشَهَواتِهِم ، وَقَد ذَهَبَ العَلَوِيُّونَ وَشِيعَتُهُم ضَحِيّةً لِتِلكَ السِياسةِ الخَرقاءِ .
فلاَ لِشَيءٍ إِلاّ لأَِنَّهُم يَتَمَتَّعُونَ بِما يَشُدُّهُم إلى الناسِ ، وَيُؤَهِّلُهُم لِخِلافَةِ رَسولِ اللهِ ( صلى الله عليه وآله ) .
فقلت : إِنّي عَرفتُ عَنْ هؤلاءِ أَنَّهُم بَلَغُوا أَقصى الحُدودِ فِي القَسوَةِ عَلى أَهلِ البَيتِ ( عليهم السلام ) وَعلى شِيعَتِهِم ، وأَسرَفُوا فِي إِراقةِ الدِماءِ وَشِراءِ الذِمَمِ بِالأََموالِ ، حَتّى صَارَتِ الحَياةُ مَشحُونَةً بالظُلمِ والفَسَادِ .
قال : وَالناسُ مَا زَالُوا مُستَمِرِّينَ فِي خِذلانِ أَهلِ البَيتِ ( عليهم السلام ) في ساعاتِ مِحنَتِهِم ، وَهُم يُحاوِلونَ رَفعَ الظُلمِ عَنِ الضُعَفَاءِ والمَساكِينِ ، وَإنقاذِ الإِِسلاَمِ مِنْ هذا المَصِيرِ الذِي يُهدِّدُهُ مَعَ استِمرارِ الحُكّامِ فِي طُغيانِهِم .
فَقَد حَدَثَ انقِلابٌ فِي التَفكِيرِ ، وَفِي جَمِيعِ أَسبابِ الحياةِ ، بَرَزَتْ أَلوانٌ مِنَ النَزَعاتِ والاتّجاهاتِ تَجُرُّ وَراءها الإِِلحادَ والزَندَقَةَ ، وكُلُّ هذا الذي طَرَأَ عَلى الفِكرِ الإِِسلاميِّ امتَدَّ حَتّى أَصبَحَ يُهَدِّدُ العقِيدَةَ الإِِسلامِيَّةَ فِي جَوهَرِها .
وَهؤلاءِ الذِينَ أَثارُوا تِلكَ الأََفكارَ وَمَهَّدُوا لَها هُم أُناس لا عِلاقَةَ لَهُم بِالإِِسلامِ ، جَرُّوا المُسلِمينَ وجَعَلُوهُم يَحمِلُونَ أَفكارَهُم .
فقلت : وَماذا كانَ دورُ الإِِمامِ الباقرِ ( عليه السلام ) إِزاءَ هذِهِ الظُروفِ ؟ فَإِنّي قَرَأتُ عَنهُ ، وَعَرفتُ أَنَّهُ خَلِيفةُ أَبيهِ عَليٍّ بنِ الحُسينِ ( عليهما السلام ) ، وَوَصِيّهِ القائِمِ بِالإِِمَامَةِ مِنْ بَعدِهِ .
فَقَد بَرَزَ عَلى جَمِيعِ اِخوَتِهِ بِالفَضلِ ، والعِلمِ ، والزُهدِ ، والسُؤدَدِ ، وَكَانَ أَنبَهُهُم ذِكراً ، وأَجلُّهُم عِندَ العامّةِ والخَاصَّةِ ، وأَعظَمُهُم قَدراً ، فَلَم يَظهَر مِنْ وُلدِ الحَسَنِ والحُسَينِ ( عليهما السلام ) بِقَدرِ مَا ظَهَرَ مِنَ الإِمامِ الباقرِ ( عليه السلام ) فِي مَجالِ العُلومِ والآثارِ ، والسُنّةِ والتَفسِيرِ ، وَسائِرِ الفُنُونِ .
لِذلِكَ لُقِّبَ بِالباقِرِ ، لِتَبَقُّرِهِ بالعِلمِ ، أَي : إنَّهُ تَوَسَّعَ فِيهِ ، وَعَرَفَ جَمِيعَ مَبادِئِهِ وأُصولِهِ ، وَبِما أَنَّهُ أَحدُ الأََئِمَّةِ الإثنَي عَشَرَ لِذلَكِ أَنا أَسأَلُكَ عَنْ دَورِهِ فِي هذِهِ الظُروفِ .
قال : فِي هذا الجَوِّ المَشحُونِ بِالصِراعِ العَقائِديِّ وَجَدَ الإِمامُ مُحَمَّدُ الباقِرُ ( عليه السلام ) أَنّ مَصلَحَةَ الإِِسلامِ تَفرُضُ عَلَيهِ أن يَنصَرِفَ إلى الدِفاعِ عَنْ العَقيدةِ ونَشرِ تَعاليمِ الإِسلامِ .
فَالتَفَّ حَولَهُ الآلافُ مِمَّن يَطلُبُونَ العِلمَ والحَدِيثَ مِنْ شِيعَتِهِ وَغَيرِهِمْ ، وَصارَ ( عليه السلام ) يَجتَمِعُ بِهِم عَلى شَكلِ حلقاتٍ في مَسجدِ المَدِينَةِ .
وقَد أَطلَقَ بَعضُهُم عَلى هذِهِ الحلقاتِ اسمَ الجامِعَةِ لأََِنَّها تَجمَعُ بَينَ الحِينِ والآخَرِ المِئاتَ مِنْ مُختَلَفِ الأََقطارِ ، لِدِراسَةِ الفِقهِ ، والحَدِيثِ ، والفَلسَفَةِ ، والتَفسِيرِ ، واللُغَةِ ، وَغَيرِ ذلِكَ مِنْ مُختَلَفِ العُلومِ .
وَقَد أَرسَلَتْ بَعضُ المُدُنِ مِثلُ الكُوفَةِ ، والبَصرَةِ ، وَواسِطِ ، وَالحِجازِ ، إِلى هذِهِ الجامِعَةِ أَفلاذَ أَكبادِها ، وَهيَ الآنَ عَلى وَشَكِ أَنْ يَتَخَرَّجَ مِنها كِبارُ العُلَماءِ والُمحدِّثِينَ والرُواةِ .

فقلت : مَنْ هُوَ الحاكِمُ الأَُمويُّ فِي زَمَنِكُمْ هذا ؟
قال : الحاكمُ الآنَ هُوَ عَبدُ المَلِكِ بنُ مَروانَ ، وَقَد حَاوَلَ هذا أَن يَكونَ أَقلَّ عُنفاً مِن أَسلافِهِ مَعَ العَلَوِيّينَ ، فَكَتَبَ إلى عامِلِهِ فِي الحِجازِ كِتاباً جَاءَ فِيهِ : جَنِّبنِي دماءَ آلِ أَبي طالبٍ .
وَقَد تَصوّرنا فِي بِدايةِ الأََمرِ أنَّهُ أَدرَكَ مَدى الاستياءِ الذي خَلَّفَتهُ سِياسةُ مُعاوِيةَ وَوَلَدِهِ يَزيدَ ، وَما تَرَتَّبَ عَلَيها مِنَ الانتِفاضاتِ فِي مُختَلَفِ أنحاءِ الدَولَةِ .
وَلكِنْ مَا ظَهَرَ بَعدَ ذلِكَ هُوَ أَنَّ لِعَبدِ المَلِكِ بنِ مَروانَ مُنافِساً فِي الحِجازِ يُدعى ابنُ الزُبيرِ ، وَقَد كانَتْ لَهُ أَطماعٌ اتَّسَعَتْ إلى العِراقِ وغَيرِهِ مِنَ المناطِقِ .
وَبَعدَ أَنْ تَمَكَّنَ عَبدُ المَلِكِ مِنَ القَضاءِ على خَصمِهِ كَتَبَ إلى عُمّالِهِ فَأَمَرَهُم بِالشِدَّةِ والقَسوَةِ عَلى شِيعَةِ أَهلِ البَيتِ ( عليهم السلام ) ، وَأَمَرَ الحَجّاجَ بِالذَهابِ إلى العراقِ قَائِلاً لَهُ : ( اِحتَل لِقَتلِهِم ، فَقَد بَلَغَنِي عَنهُم مَا أَكرَهُ ، وَإِذا قَدِمتَ إلى الكُوفَةِ فَطَأها وَطأةً يَتضاءَلُ لها أهلُ البَصرَةِ ) ، وَراحَ يُراقِبُ جَمِيعَ التَحَرُّكاتِ والتَصَرُّفاتِ .
فقلت : أنَا قَرَأتُ عَنِ الحجّاج ، فَعَرَفتُ أَنَّ لَهُ مَواقِفَ لَم يُحَدِّثِ التاريخُ بِأَسوَأ مِنها مَعَ الأََئِمَّةِ ( عليهم السلام ) وَشِيعَتِهِم ، وخَاصّةً شِيعَةِ العِراقِ .
وَبِما أَنَّ الحَجّاجَ يَعمَلُ بِإِمرَةِ عَبدِ المَلِكِ بنِ مَروانَ فَمَعنى هذا أَنَّهُ فَعَلَ ما فَعَلَهُ بِدَفعٍ مِنهُ .
قال : هذا صَحِيحٌ .
فقلت : يا أَخي هُناكَ أَمرٌ يُحيِّرُنِي ، وَهُوَ حِينما تَنَبَّهَ عَبدُ المَلِكِ بنُ مَروانَ إِلى قِرطاسٍ من النُقُودِ كانَ يَحمِلُ طرازاً مِنْ كلماتٍ كُتِبَتْ باللُغَةِ الرُومِيَّةِ ، أَمَرَ بِتَرجَمَتِها إِلى العَربيةِ ، فَقِيلَ لَهُ أنَّ مَعناها : ( أَبٌ - ابنٌ - روحُ القُدُسِ ) ، فَأَغضَبَهُ هذا الأََمرِ ، فَكَتَبَ إلى عامِلِهِ عَلى مِصرَ وَهُوَ أَخُوهُ عَبدُ العزِيزِ بنُ مَروانَ يَأمُرُهُ بِإِبطالِ ذلِكَ الطرازِ ، وَيَأمُرُ صُنّاعَ القَراطيسِ أن يُطَرِّزُوها بِسُورةٍ مِنَ القُرآنِ .
وكَذلِكَ كَتَبَ إلى عُمّالِهِ في الآفاقِ يَأمُرُهُم بِإبطالِ القَراطيسِ المُطرّزةِ بِطرازِ الرُومِ ، وَمُعاقَبَةِ مَنْ وُجِدَ عِندَهُ بَعدَ هذا النَهيِ شَيءٌ مِنها بالضَربِ والحَبسِ الطَوِيلِ .
قال : لَقَد فَهِمتُ قَصدَكَ يَا أَخي ، مَا أَكثَر الذِينَ يَهتَمُّونَ بِمظاهِرِ الإِسلام دُونَ جَوهَرِهِ ، وَعَبدُ المَلِكِ بنُ مَروانَ واحدٌ مِنهَم ، وَرَغمَ أنَّ مَلِكَ الرُومِ حَاوَلَ التأثِيرَ عَليهِ إِلاّ أَنّهُ لَم يُظهِر تساهُلاً .
وأَخيراً هَدّدَهُ مَلِكُ الرومِ بِأَنَّهُ سَينقُشُ شَتمَ النبيّ محمَّدٍ ( صلى الله عليه وآله ) كَطرازٍ عَلى جَمِيعِ الدراهِمِ والدنانيرِ .
فقلت : تُرى كَيفَ يُمكِنٌ لِدَولَةٍ كَدَولَةِ الرُومِ اَنْ تَتَدَخَّلَ فِي أُمورِ دَولَةٍ أُخرى بِما يَخُصُّ عُملَتِها النَقدِيَةِ التِي تَتَعامُل بِها ؟!
قال : هذا لأََِنَّ دَولَتنا لَم يَكُن لَها عُملَةٌ خَاصّةٌ تَتَعامَلُ بِهَا ، فِجِمَيعُ الدراهِمِ والدَنانِيرِ كانَت تَصنَعُها وتَنقُشُها دَولةُ الرُومِ فِي مِصرَ ، وَبِما أَنّها دَولةٌ نَصرانِيّةٌ فَهِيَ تَنقُشُها بِطرازٍ مَسيحيٍّ ، وَعِندَها وَجَدَ عَبدُ المَلِكِ بنُ مَروانَ نَفسَهُ أَمامَ مُشكِلَةٍ لا يَستَطِيعُ حَلَّها ، وَمأزقٍ لا يَستطِيعُ الخُروجَ مِنه .
وَقَد استَشارَ جَمِيعَ مَنْ حَولَهُ فَلَم يَجد حَلاًّ ، وأَخيراً أُشِيرَ عَلَيهِ بِأَنْ يَستَشِيرَ الإِمامَ مُحمد الباقرَ ( عليه السلام ) ، فَأَشارَ عَلَيهِ الإِمامُ ( عليه السلام ) بِأنْ يَصنَعَ مِنَ الذَهَبِ والفِضَّةِ المُتَيَسَّرَةِ داخِلَ البِلادِ قِطَعاً نَقدِيَّةً ، وَيَنقُشُها بِطرازٍ إسلاميٍّ ، وَوَضَعَ لَهُ خِطّةً يَستَحِيلُ مَعها التَلاعُبَ ، فيوَزنِ الدَراهِمِ والدَنانِيرِ ، ومُنذُ ذلِكَ التاريخِ أَصبَحَتْ لَنا عُملَةٌ نَتَداوَلُها داخلَ البِلادِ .
فقلت : وَلكِنْ كَيفَ أَقدَمَ الإِمامُ مُحمّد الباقرُ ( عليه السلام ) عَلى مُساعَدَةِ حاكِمٍ ظالِمٍ بِما يَخُصُّ عُملَتِها النَقدِيَةِ التِي تَتَعامُل بِها ؟! فأَخرَجَهُ مِنْ أَزمَتِهِ ، وَحَلَّ لَهُ مُشكِلَةً كادَتْ تَقضِي عَليهِ ؟!
قال : الجوابُ هُنا بَسيطٌ جدّاً وَلا يَحتاجُ إلى تَفكِيرٍ ، هذا لأََِنَّ أَيَّ إمامٍ مَعصُومٍ يَضَعُ مَصلَحَةَ الإِِسلامِ فَوقَ كُلِّ اعتِبارٍ .
فَعِندَما وَجَدَ الإِمامُ محمّد الباقرُ ( عليه السلام ) أَنَّ مَصلَحةَ الإِِسلامِ تَقتَضِي مُساعَدةَ عَبدِ المَلِكِ بنِ مَروانَ فِي مَشروعِ تَغييرِ العُملَةِ النَقدِيَّةِ بَادَرَ إِلى ذلِكَ ، لا مِنْ أَجلِهِ وَإِنّما مِنْ أَجلِ مَصلَحَةِ الإِِسلامِ والمُسلِمِينَ .
وَبَعدَ ذلِكَ ابتَسَمَ الشابُّ ابتِسامَةً عَرِيضةً وُهُوَ يَقُولُ لِي : هَلْ تُوجَدُ لَدَيكَ أسئِلَةٌ أُخرى ؟
فقلت : أَشكُرَكَ يَا أَخي عَلى مَا بَذَلتَهُ مَعِي مِنْ مَجهُودٍ ، أَستَودِعُكَ اللهَ ، ومَعَ السَلامَةِ .
وبَعدَ أَنْ وَدَّعتُ الشابَّ وَجَدتُ نَفسِي أُغلِقُ الكِتابَ الذي كانَ بَينَ يَديَّ وَكأنّي كُنتُ فِي حُلُمٍ .
تعليق