بسم الله الرحمن الرحيم
قال الشيخ إبراهيم الجنادي : (المدخل الأساسي الذي ولج منه الشيعة إلى ضلالاتهم هو باب الإمامة وما ارتبط به من أمور متعددة ومتشعبة، كان على رأسها القول بعصمة الأئمة وأنهم لا ينطقون عن الهوى، وساوى هؤلاء بين أئمتهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم بل ورفعوهم أعلى من مكانه الجليل المعصوم. والإمام المعصوم عند الشيعة الإثني عشرية هو أحد الأئمة الإثني عشر من نسل الإمام الأول علي بن أبي طالب وفاطمة الزهراء، الذين توارثوا العلم و الحكمة عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه، و هم حسب اعتقاد القوم أئمة معصومين في التبليغ عصمة الأنبياء، و كلامهم تشريعي يعتبر بمثابة الحديث النبوي في تفسير الآيات القرآنية والأحاديث النبوية.
وبذلك يشمل الحديث عند الشيعة: حديث النبي صلى الله عليه وسلم المنقول على ألسنة الأئمة أو أحاديث الأئمة أنفسهم أيضا، لقول الإمام جعفر الصادق: "حديثي حديث أبي ، وحديث أبي حديث جدّي ، وحديث جدّي حديث عليّ بن أبي طالب أمير المؤمنين، وحديث أمير المؤمنين حديث رسول الله ، وحديث رسول الله حديث الله عزّ وجلّ ". )
أقول :
أولاً: كان على الشيخ الجنادي بدل هذا الكلام الإنشائي الذي يحاول من خلاله نقض قول الشيعة بعصمة أئمتهم الطاهرين عليهم السلام أن يستعرض الأدلة التي يقيمونها لإثبات هذه العقيدة ويناقشها دليلاً دليلاً ويورد نقضه عليها ويردّها ردّاً علميّاً، لأن مثل هذه الطريقة التي استخدمها هنا ليست بمقبولة لدى المثقفين وأهل العلم، وإنّما يطالبون بنقض الدليل بالدليل ومقارعة الحجة بالحجة، فهل يرضى الجنادي أن ينقض الشيعة عقائده التي هي في نظرهم عقائد باطلة فاسدة ما أنزل الله بها من سلطان ويدحضونها بكلام عار من الدليل والبرهان ؟
فإذا كان لا يرضى بذلك فإن الشيعة أيضاً لا يرضون به، فالشيعة لديهم أدلة يقيمونها على عقائدهم مصدرها الكتاب والسنة الشريفة، ويؤيدونها أحياناً بدليل العقل أيضاً.
ثانياً: نعم يؤمن الشيعة بأن الأئمة الطاهرين من أهل البيت عليهم السلام – الذين ثبت لهم بالأدلة القاطعة والبراهين الساطعة أنّهم أئمة من الله عزّ وجل بنص من رسول الله صلى الله عليه وآله عليهم - أنّهم معصومون من الذنب والخطأ والنسيان والسهو، ومن أدلتهم في ذلك :
إن الإمام هو القائم بوظائف النبي صلى الله عليه وآله بعد رحيله ما عدا وظيفة الوحي – بمعنى الإتيان بالشريعة – وذلك لأن الشريعة قد اكتملت في حياة النبي صلى الله عليه وآله فلا حاجة لوجود شخص يشغل هذا المنصب بعده، فالإمام هو المبين للأحكام الشرعية والموضح لمعاني آيات القرآن الكريم ومفاهيمه حسب الواقع – أي حسب ما نزلت هذه الأحكام، وما نزل من بيان وتفسير لآيات القرآن من الله عزّ وجل للنبي صلى الله عليه وآله عن طريق الوحي - ولا يمكن لأحد أن يؤدي ذلك ويقوم به كما كان النبي صلى الله عليه وآله يقوم به إلاّ إذا اتصف بصفتين:-
الأولى : أن يكون نظير النبي صلى الله عليه وآله في علمه بمعارف الشريعة وأحكامها وبمفاهيم القرآن الكريم وتفسير آياته وبيان معانيه .
الثانية : أن يكون معصوماً من الذنب والخطأ والنسيان والسهو .
أمّا كونه نظير النبي صلى الله عليه وآله في علمه فواضح، لأنه لو لم يكن كذلك لما أمكنه القيام بهذه الوظيفة لأن فاقد الشيء لا يعطيه .
أمّا أنه يلزم أن يكون معصوماً من الذنب والخطأ والنسيان والسهو ، فلأنه لو لم يكن كذلك فلربما يقتحم الذنب والمعصية فيبين معارف الشريعة أو أحكامها أو يفسر آيات الكتاب العزيز على غير وجهها الصحيح، أو يخطأ في بيان هذه المعارف والأحكام وتفسير الآيات القرآنية، أو ينسى شيئاً منها أو بيانها ومعناها أو يسهو عن ذلك.
ثم أنّ من وظائف الإمام أيضاً المحافظة على الشريعة الغراء من التغيير والتبديل والتحريف والقيام بهذا الأمر لا يتأتى إلاّ لمن كان معصوماً وعالماً بالشريعة تمام العلم.
ثم أن الداعي إلى لزوم نصب الإمام هو جواز الخطأ على الأمة، والإمام المنصوب إمّا أن يجوز عليه الخطأ أو لا يجوز، فإن جاز عليه الخطأ فلا فائدة من نصبه فيحتاج إلى إمام آخر، وهذا الآخر إمّا أن يكون مثل الأول أو لا يكون، فإن كان مثله فلا فائدة أيضاً من نصبه فيحتاج إلى ثالث وهكذا فيلزم منه التسلسل أو الدّور وكلاهما باطل ، وإن لم يكن مثل الأول – أي لم يجز عليه الخطأ – ثبت المطلوب، وهو لزوم عصمة الإمام عن الخطأ.
والمستفاد من آيات الكتاب المجيد لزوم عصمة ولي الأمر والإمام يقول الله عزّ وجل : [ وَإِذ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَتِي قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ ] ( البقرة : 124)، ففي هذه الآية ينفى سبحانه وتعالى أن ينال الظالم أي عهد من عهوده، فالآية تقرر أن الظالم لا يصلح أن يكون إماماً، والذي لم يتصف في آن من آنات حياته بظلم هو المعصوم فثبت من الآية الكريمة أن الإمام يلزم أن يكون معصوماً.
وقال تعالى :[يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَ أَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي اْلأَمْرِ مِنْكُمْ] ( النساء : 59)، وظاهر الآية الكريمة يدل على أن الله سبحانه وتعالى أمر بطاعة أولي الأمـر على وجـه الإطـلاق والجـزم فـي جميـع الحالات دون أن يقيّد طاعتهم بحالة معيّنة أو شيء ما، ومن كان الأمر بطاعته على هذا الشكل فإنه يجب أن يكون معصوماً، وإلاّ لما صحّ الأمر بطاعته على وجه الإطلاق وبلا قيد أو شرط .
وقد بيّن عالم أهل السنة الفخر الرازي في تفسيره الكبير عند تفسير الآية الكريمة كيفيّة إفادتها عصمة أولي الأمر فقال : ( إن الله تعالى أمر بطاعة أولي الأمر على سبيل الجزم في هذه الآية ومن أمر الله بطاعته على سبيل الجزم والقطع لا بدّ وأن يكون معصوماً عن الخطأ إذ لو لم يكن معصوماً عن الخطأ كان بتقدير إقدامه على الخطأ يكون قد أمر الله بمتابعته فيكون ذلك أمراً بفعل الخطأ ، والخطأ لكونه خطأ منهـي عنه ، فهذا يقضي إلى اجتماع الأمر والنهي في الفعل الواحد بالاعتبار الواحد، وأنـه محال ، فثبت أن الله أمـر بطاعة أولي الأمـر على سبيل الجزم، وثبت أن كل مـن أمر الله بطاعته على سبيل الجزم وجب أن يكون معصوماً عن الخطأ، فثبت قطعاً أن أولي الأمر المذكور في الآية لا بد وأن يكون معصوماً ) (تفسير الفخر الرازي 10/144) .
فهذه أدلة على عصمة الإمام بما هو إمام وولي أمر، أمّا الأدلة على عصمة الأئمة من عترة النبي صلى الله عليه وآله فعديدة منها :
يتبع ... يتبع ... يتبع
تعليق