إعـــــــلان

تقليص

للاشتراك في (قناة العلم والإيمان): واتساب - يوتيوب

شاهد أكثر
شاهد أقل

مع الشيخ إبراهيم الجنادي حول عصمة الأئمة

تقليص
X
  •  
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • #16
    بسم الله الرحمن الرحيم
    هذه الأدلة وغيرها مما لم نذكره – وهي كثيرة – هي التي اعتمد عليها الشيعة للاعتقاد بإمامة الأئمة من أهل البيت عليهم السلام والقول بالنص من الله ورسوله عليهم، وأن أولهم هو الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام، فلم يكن اعتقادهم وقولهم ناشئاً من هوى وإنما مستنده الحجة القاطعة والبرهان الساطع الذي لا يردّه إلاّ مكابر، ولا يجحده إلاّ معاند ..
    فالروايات التي أوردناها مما اتفق الفريقان سنة وشيعة على روايتها وهي مصححة عند علماء الفريقين، فكيف يزعم الشيخ الجنادي أن الشيعة اعتمدوا في عقيدتهم هذه على الروايات الموضوعة؟
    أليس قوله هذا محض كذب على الناس وافتراء على الشيعة ورميهم بوضع الروايات بدون دليل؟!
    بل إن الدليل خلاف مزعمه ودعواه !
    ولا أعلم كيف يستحل هؤلاء القوم الكذب والإفتراء؟
    أليس الكذب حرام في الشريعة الإسلامية؟
    أليس البهتان والافتراء ورمي الآخرين وتلفيق التهم عليهم من كبائر الذنوب؟
    ثانياً: أمّا قوله أن الشيعة يعتقدون بأن أئمتهم يعلمون الغيب فهو أيضاً من الكذب المبين، فعقيدة الشيعة أن لا عالم بالغيب إلاّ الله عزّ وجل، فمن يزعم أن الشيعة يعتقدون بأن أئمتهم يعلمون الغيب بالذات كعلم الله به فإنه يحاول أن يصلق بهم ما هم منه براء .
    فالأئمة الطاهرون من أهل البيت عليهم السلام قد أخبروا ببعض المغيبات وادّعوا أنهم يعلمون الكثير من الحقائق والأمور التي لا سبيل إلى العلم بها إلاّ طريق الغيب، وعلمهم بكل ذلك ليس علماً ذاتياً وإنّما بتعليم وإطلاع لهم ممن يعلم الغيب بالذات وهو الله سبحانه من خلال منابع علمهم التي أشرنا إليها سابقاً .
    وهذه جملة من أقوال علماء الشيعة نضعها بين يدي القارئ المحترم لدحض افتراء من زعم أن الشيعة ينسبون إلى أئمتهم علم الغيب الذاتي كعلم الله عز وجل به .
    يقول الشيخ المفيد قدس سرّه: ( إن الأئمة من آل محمد صلى الله عليه وآله قد كانوا يعرفون ضمائر بعض العباد ويعرفون ما يكون قبل كونه، وليس ذلك بواجب في صفاتهم ولا شرطاً في إمامتهم، وإنما أكرمهم الله تعالى به وأعلمهم إياه للطف في طاعتهم والتمسك بإمامتهم، وليس ذلك بواجب عقلاً ولكنه وجب لهم من جهة السماع .
    فأما إطلاق القول عليهم بأنهم يعلمون الغيب فهو منكر بين الفساد لأن الوصف بذلك إنما يستحقه من علم الأشياء بنفسه لا بعلم مستفاد وهذا لا يكون إلاّ الله - عز وجل - ، وعلى قولي هذا جماعة أهل الإمامة إلاّ من شذ عنهم من المفوضة ومن انتمى إليهم من الغلاة
    ) (أوائل المقالات صفحة 67).
    وقال العلامة الطبرسي رحمه الله ردّاً على من اتهم الشيعة الإمامية الإثني عشرية بأنهم يدّعون علم الغيب لأئمتهم : ( إن هذا القول ظلم منه لهؤلاء القوم – يعني الشيعة – ولا نعلم أحداً منهم بل أحداً من أهل الإسلام يصف أحداً من الناس بعلم الغيب، ومن وصف مخلوقاً بذلك فقد فارق الدين، والشيعة الإمامية براء من هذا القول، فمن نسبهم إلى ذلك فا الله فيما بينه وبينهم ) (تفسير مجمع البيان 3/447) .
    وقال أيضاً : ( ولا نعلم أحداً منهم – يعني الشيعة – استجاز الوصف بعلم الغيب لأحد من الخلق، فإنما يستحق الوصف بذلك من يعلم جميع المخلوقات وهذه صفة القديم سبحانه العالم لذاته لا يشركه فيها أحد من المخلوقين، ومن اعتقد أنّ غير الله سبحانه يشركه في هذه الصفة فهو خارج على ملة الإسلام ) (تفسير مجمع البيان 5/353) .
    وقال العلامة الشيخ المجلسي رحمه الله : ( اعلم أن الغلو في النبي والأئمة عليهم السلام إنما يكون بالقول بإلوهيتهم أو بكونهم شركاء لله تعالى في المعبودية أو في الخلق والرزق أو أن الله تعالى حل فيهم أو اتحد بهم ، أو أنهم يعلمون الغيب بغير وحي أو إلهام من الله تعالى أو بالقول في الأئمة عليهم السلام أنهم كانوا أنبياء أو القول بتناسخ أرواح بعضهم إلى بعض أو القول بأن معرفتهم تغني عن جميع الطاعات ولا تكليف معها بترك المعاصي .
    والقول بكل منها إلحاد وكفر وخروج عن الدين كما دلت عليه الأدلة العقلية والآيات والأخبار ...
    ) (بحار الأنوار 25/346).
    وقال العلامة عبد الحسين الأميني رحمه الله : ( فالأنبياء والأولياء والمؤمنون كلهم يعلمون الغيب بنص من الكتاب العزيز، ولكل منهم جزء مقسوم، غير أن علم هؤلاء كلهم بلغ ما بلغ محدود لا محالة كمّاً وكيفاً، وعارض ليس بذاتي ومسبوق بعدمه ليس بأزلي، وله بدء ونهاية وليس بسرمدي ، ومأخوذ من الله سبحانه وعنده مفاتح الغيب التي لا يعلمها إلاّ هو ) (الغدير 5/53- 54).
    وقال الشيخ محمد تقي فلسفي رحمه الله : ( إن علم الغيب في هذا العالم بأسره يختص به وحده ، وإنّ أي موجود آخر أرضياً كان أو سماوياً بشراً كان أو من غير البشر لا علم له بالغيب ولا يمكنه الدخول في هذا المجال المقدس بصورة مستقلة من تلقاء ذاته ).
    وقال : ( ولكن هناك بعض الأشخاص يحظون – إلى حدٍ ما – بمعرفة بعض الأمور الغيبية وذلك وفقاً لما تسمح به مشيئة الله سبحانه وتعالى وإرادته ، وهذا ما نصّت عليه بعض آيات القرآن الكريم : [وَمَا كَانَ اللهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ وَلَكِنَّ اللهَ يَجْتَبِي مِنْ رُسُلِهِ مَنْ يَشَاءُ ] [عَالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَداً *إِلاَّ مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ].
    إذن فالطريقة الأولى للإطلاع على غيب العالم هي أن يأذن الله سبحانه بذلك .
    فهناك أشخاص مقربون من الله وأوليائه المنتجبين الكرام تحدّثوا خلال فترة وجودهم في هذه الدنيا عن الأمور الغيبية ، وهذا كان بإذن الله سبحانه وتعالى واستناداً إلى الإلهام الرباني
    ) (المعاد بين الرّوح والجسد 1/273 – 274) .
    وقال الشيخ محمد جواد مغنية رحمه الله : ( إنّ كلمة الغيب لا تدل على معناها فحسب بل تدل أيضاً على أنّ الغيب لله وحده وبالإضافة إلى هذه الدلالة فإنّ أقرب الناس إلى ربّه يعلن للأجيال بأنّه أمام الغيب بشر لا فرق بينه وبين غيره من الناس ، ثم لا يكتفي بهذا الإعلان بل يستدل على ذلك بالحس والوجدان وهو أنّه لو علم الغيب لعرف عواقب الأمور ) (الكاشف 3/431- 432).
    وقال : ( فلا يكون إخبار الرسول به – بالأمور الغيبية – علماً بالغيب بل نقلاً عمّن يعلم الغيب ، والفرق بعيد بين مصدر العلم وبين النقل عن مصدره ، لأنّ الأول أصل والثاني فرع ) (الكاشف 3/433).
    وقال السيد أبو القاسم الديباجي : ( إنّ هذه الطائفة - أي الشيعة- تقطع بأجمعها ولا شأن لنا هنا بالغلاة وغيرهم ممن يخرج عن إجماعنا بأن علم الغيب المطلق دون واسطة هو من مختصات الله تبارك وتعالى دون غيره، إلاّ أن ذلك لا يلغي ما نؤمن به وما يؤكده القرآن الكريم والأحاديث الشريفة من إطلاع الله تبارك وتعالى رسوله الكريم صلى الله عليه وآله على المغيبات بواسطة الوحي أو بغيره
    ) (الإمامة دراسة معاصرة صفحة 263).
    وقال السيد كمال الحيدري : ( من جملة مقالات الغلاة في أهل البيت عليهم السلام دعوى علمهم بالغيب بنحو الاستقلال من دون إلهام أو تعليم إلهي.
    إلاّ أنّ بطلان هذه الدعوى أصبح من الواضحات كما تقدم في الأبحاث السابقة، حيث تبيّن أن الاستقلال بعلم الغيب يختص بالله تعالى، ولا يمكن لأي مخلوق مهما بلغت درجته وقربه من الله تعالى، أن يعلم الغيب مستقلّاً وبنفسه، وتبيّن أيضاً أن كل ما عند الأنبياء والأئمة من العلوم والمعارف إنما هو بتعليم وبإذن الله تعالى، ومن المحال أن يعلموا شيئاً من دون إفاضة منه تعالى
    ) ( علم الإمام صفحة 492) .
    وقال الشيخ غلام رضا كاردان : ( تعتقد الشيعة الإمامية بأن الله عزّ وجل وحده يعلم الغيب والشهادة ، ولا أحد غيره يعلم ذاتاً بشيء ، وإنّما علم كل عالم وجميع الكمالات الأخرى وأصحابها مملوكة لله عزّ وجل ولكن قد يُعلم الله عزّ وجل بعض الأشخاص من علمه بحسب المصلحة كما يقول القرآن المجيد : [ وَمَا كَانَ اللهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ وَلَكِنَّ اللهَ يَجْتَبِي مِنْ رُسُلِهِ مَنْ يَشَاءُ ] أو كما في قوله : [عَالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَداً * إِلاَّ مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ ] فالمستفاد من الآيتين أنّ الله عزّ وجل قد يصطفي أحداً من أنبيائه فيطلعه على الغيب) (الرّد على شبهات الوهابية صفحة 15-16).
    وقال العلامة السيد علي عاشور : ( علم الغيب الذاتي الشخصي وبلا توسط من الغير هذا العلم الثابت لواجب الوجود والذي هو عين الذات وهذا مختص بالله ولغيره كفر .
    أما العلم بالغيب الذي هو بتوسط الله تعالى وليس هو عين الذات فهذا الذي علمته الأئمة ورسول الله صلى الله عليه وآله
    ) (آل محمد بين قوسي النزول والصعود صفحة 139) .
    يتبع ... يتبع ... يتبع

    تعليق


    • #17
      بسم الله الرحمن الرحيم
      ولقد نفى الأئمة عليهم السلام عن أنفسهم علمهم الذاتي والاستقلالي بالغيب وأثبتوا علمهم ببعضه بتعليم من الله عزّ وجل لهم ، ففي الرواية الصحيحة التي رواها الصفار في بصائر الدرجات فقال : (حدثنا أحمد ابن محمد بن علي بن النعمان، عن ابن مسكان، عن ضريس قال : كنت مع أبي بصير عند أبي جعفر عليه السلام فقال له أبو بصير : بما يعلم عالمكم جعلت فداك ؟ قال : يا أبا محمد إن عالمنا لا يعلم الغيب ولو وكل الله عالمنا إلى نفسه كان كبعضكم ولكن يحدث إليه ساعة بعد ساعة ) (بصائر الدرجات صفحة 345) .
      وفي الرّواية الصحيحة التي رواها الكشي في رجاله قال : ( حمدويه ، قال : حدثنا يعقوب بن يزيد ، عن ابن أبي عمير ، عن المغيرة قال : كنت عند أبي الحسن عليه السلام أنا ويحيى بـن عبد الله بن الحسن فقال يحيى : جعلت فداك إنهم يزعمون أنّك تعلم الغيب فقال : سبحان الله ، سبحان الله ، ضع يدك على رأسي فو الله ما بقيت شعرة في جسدي ولا في رأسي إلاّ قامت ، قال : ثم قال : لا والله ما هي إلاّ رواية عن رسول الله صلى الله عليه وآله) (اختيار معرفة الرجال 2 /587 .) .
      وفي رواية أخرى صحيحة رواها الكشي عن ( حمدويه قال : حدثنا يعقوب ، عن ابن أبي عمير ، عن شعيب ، عن أبي بصير قال : قلت لأبي عبد الله عليه السلام إنّهم يقولون تعلم قطر المطر وعدد النجوم وورق الشجر ووزن ما في البحر وعدد التراب فرفع يده إلى السماء وقال: سبحان الله، سبحان الله، لا والله ما يعلم هذا إلاّ الله ) (اختيار معرفة الرجال 2/588) .
      ومما خرج عن صاحب الزمان صلوات الله عليه ، ردا على الغلاة من التوقيع جوابا لكتاب كتب إليه على يدي محمد بن علي بن هلال الكرخي:
      (يا محمد بن علي تعالى الله وجل عما يصفون، سبحانه وبحمده، ليس نحن شركاؤه في علمه ولا في قدرته، بل لا يعلم الغيب غيره، كما قال في محكم كتابه تباركت أسماؤه : [قل لا يعلم من في السماوات والأرض الغيب إلا الله ] وأنا وجميع آبائي من الأولين؛ آدم ونوح وإبراهيم وموسى ، وغيرهم من النبيين ، ومن الآخرين محمد رسول الله ، وعلي بن أبي طالب ، وغيرهم ممن مضى من الأئمة صلوات الله عليهم أجمعين ، إلى مبلغ أيامي ومنتهى عصري، عبيد الله عز وجل يقول الله عز وجل: [من أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى * قال رب لم حشرتني أعمى وقد كنت بصيرا * قال كذلك أتتك آياتنا فنسيتها وكذلك اليوم تنسى ] ) .
      وقال في نفس الرسالة أيضاً : (فأشهد الله الذي لا إله إلا هو وكفى به شهيداً ، ورسوله محمد صلى الله عليه وآله ، وملائكته وأنبياءه ، وأولياءه عليهم السلام وأشهدك ، وأشهد كل من سمع كتابي هذا ، أني برئ إلى الله وإلى رسوله ممن يقول : إنا نعلم الغيب ، ونشاركه في ملكه ، أو يحلنا محلا سوى المحل الذي رضيه الله لنا وخلقنا له، أو يتعدى بنا عما قد فسرته لك وبينته في صدر كتابي ) (الاحتجاج صفحة 288 – 289 ) .
      فهم صلوات الله وسلامه عليهم ينفون اتصافهم بعلم الغيب على نحو الاستقلال، ويقرّون أنّ ذلك من مختصات الله سبحانه وتعالى لا يشاركه فيها أحد، وأنهم براء ممن نسب إليهم هذا النوع من العلم وجعلهم الله شركاء مع الله عزّ وجل في ذلك، إلاّ أنهم عليهم السلام يثبتون لأنفسهم العلم ببعض الغيب بإطلاع لهم من الله عزّ وجل إما بواسطة النبي الأكرم صلى الله عليه وآله أو من خلال الإلهام وتحديث الملائكة، وليست روايات الشيعة هي التي انفردت بإثبات ذلك لأئمة أهل البيت عليهم السلام، بل أيضاً وافقتها روايات أهل السنة ففي كتاب جامع بيان العلم وفضلة لابن عبد البر روى بسنده عن الصحابي الجليل أبي الطفيل عامر بن واثلة أنّه قال: (شهدت عليّاً رضي الله عنه وهو يخطب ويقول: سلوني فو الله لا تسألوني عن شيء يكون إلى يوم القيامة إلاّ حدثتكم به، وسلوني عن كتاب الله فو الله ما من آية إلاّ وأنا أعلم بليل نزلت أم بنهار أم بسهل نزلت أم بجبل ...) ( جامع بيان العلم وفضله 1/464 رواية رقم: 726 وقال محقق الكتاب أبو الأشبال الزهيري: إسناده صحيح ورجاله ثقات) .
      ولقد سلف وأثبتنا من خلال الروايات أن الأئمة من أهل البيت عليهم السلام ورثوا علم رسول الله صلى الله عليه وآله، فسعت علمهم صلوات الله وسلامه عليهم بسعة علمه صلى الله عليه وآله ، فلما كان صلوات الله وسلامه عليه واجداً لأعلى مراتب وأكمل مراتب العلم بالغيب لكونه أعلم الأنبياء والمرسلين كان الأئمة من أهل بيته كذلك أيضاً ، فكان صلوات الله وسلامه عليه عالماً بما كان وما يكون إلى يوم القيامة، أثبتت ذلك روايات الفريقين سنة وشيعة فمن روايات أهل السنة ما رواه مسلم في صحيحه بسنده عَمْرَو بن أَخْطَبَ قال: ( صلى بِنَا رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الْفَجْرَ وَصَعِدَ الْمِنْبَرَ فَخَطَبَنَا حتى حَضَرَتْ الظُّهْرُ فَنَزَلَ فَصَلَّى ثُمَّ صَعِدَ الْمِنْبَرَ فَخَطَبَنَا حتى حَضَرَتْ الْعَصْرُ ثُمَّ نَزَلَ فَصَلَّى ثُمَّ صَعِدَ الْمِنْبَرَ فَخَطَبَنَا حتى غَرَبَتْ الشَّمْسُ فَأَخْبَرَنَا بِمَا كان وَبِمَا هو كَائِنٌ فَأَعْلَمُنَا أَحْفَظُنَا ) ( صحيح مسلم 4/2217) .
      وما رواه البخاري في صحيحه عن حذيفة قال: ( لقد خَطَبَنَا النبي صلى الله عليه وسلم خُطْبَةً ما تَرَكَ فيها شيئا إلى قِيَامِ السَّاعَةِ إلا ذَكَرَهُ ... ) (صحيح البخاري 6/2435) .
      ومن طرق الشيعة ما ورد عن الإمام الرضا عليه السلام في جوابه على عمرو بن هذاب حينما نفى عن الأئمة عليهم السلام علم الغيب متذرّعاً بأن الغيب لا يعلمه إلاّ الله فأجابه عليه السلام بقوله: ( أوليس الله يقول: [عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحداً إلاّ من ارتضى من رسول] فرسول الله عند الله مرتضى، ونحن ورثة ذلك الرسول الذي أطلعه الله على ما شاء من غيبه، فعلمنا ما كان وما يكون إلى يوم القيامة ) ( بحار الأنوار 49/75) .
      وهذه الرواية تدل على أنّ ما علمه الأئمة من علوم الغيب مما كان وما يكون إلى يوم القيامة ورثوه من رسول الله صلى الله عليه وآله الذي علم ذلك من الله عزّ وجل بواسطة الوحي إليه عليه الصلاة والسلام، وتدل عليه الروايات التالية التي أخرجها العلامة الكليني في الكافي عن سيف التمار قال: ( كنا مع أبي عبد الله عليه السلام جماعة من الشيعة في الحجر فقال : علينا عين ؟ فالتفتنا يمنة ويسرة فلم نر أحدا فقلنا: ليس علينا عين فقال : ورب الكعبة ورب البنية - ثلاث مرات - لو كنت بين موسى والخضر لأخبرتهما أني أعلم منهما ولأنبئتهما بما ليس في أيديهما ، لان موسى والخضر عليهما السلام أعطيا علم ما كان ولم يعطيا علم ما يكون وما هو كائن حتى تقوم الساعة وقد ورثناه من رسول الله صلى الله عليه وآله وراثة ) .
      وقد ورد التصريح في روايات أهل البيت عليهم السلام أن علوم الأنبياء السالفين على النبي الأكرم صلى الله عليه وآله إنما ورثوها عنه صلى الله عليه وآله، وأن كتب هؤلاء الأنبياء عليهم السلام انتقلت إليهم وراثة من رسول الله صلى الله عليه وآله ومن هذه الروايات ما رواه العلامة الصفار في بصائر الدرجات عن ضريس الكناسي أن الإمام الصادق عليه السلام قال : ( إن داود ورث سليمان، وإن سليمان ورث داود، وإن محمداً ورث سليمان وما هناك وإنّا ورثنا محمدا، وإن عندنا صحف إبراهيم وألواح موسى ... ) ( بصائر الدرجات صفحة 138، وسنده صحيح) .
      وفي الكافي روى العلامة الكليني قدس سرّه بسنده عن المفضل بن عمر أن الإمام الصادق عليه السلام قال: ( إن سليمان ورث داود، وإن محمدا ورث سليمان، وإنا ورثنا محمداً، وإن عندنا علم التوراة والإنجيل والزبور وتبيان ما في الألواح ) ( الكافي 1/281) .
      يتبع ... يتبع ... يتبع

      تعليق


      • #18
        بسم الله الرحمن الرحيم
        قال الشيخ الجنادي: (ومن العجيب أنه قد صدح كل الأئمة بعدم عصمتهم في كثير من المناسبات، ثم يروي الشيعة بعض ذلك في كتبهم، ثم لا يأخذون بها.
        فقد نقل علماء الشيعة أن عليًا كرم الله وجهه كان يقول لأصحابه: لا تكفوا عن مقالة بحق، أو مشورة بعدل فإني لست آمن أن أخطئ.
        ورووا كذلك أن الحسين بن عليّ بن أبي طالب كان يبدي الكراهية من صلح أخيه الحسن مع معاوية، ومن المعلوم أنه إذا خطأ أحد المعصومين الآخر ثبت خطأ أحدهما بالضرورة، فأين العصمة بعد ذلك؟
        ).
        أقول:
        أولاً: قوله أنّ جميع الأئمة قد صرّحوا بعدم عصمتهم هو من الكذب والافتراء على الأئمة الطاهرين عليهم السلام، فهذا أمير المؤمنين علي عليه السلام يصرّح بعصمته وعصمة الأئمة من ولده فيقول: (: ( إنّ الله تبارك وتعالى طهّرنا وعصمنا وجعلنا شهداء على خلقه، وحججاً في أرضه، وجعلنا مع القرآن وجعل القرآن معنا، لا نفارقه ولا يفارقنا ) (الكافي 1/191 ، بصائر الدرجات صفحة 103، كمال الدين وتمام النعمة صفحة 240 ) .
        ثانياً: أمّا فيما يتعلّق بكلام أمير المؤمنين عليه السلام فنقول: إنّ طلب المشورة لا يدلّ على عدم العصمة، بدليل أنّ الله تعالى أمر نبيّه الكريم بالعمل بالمشورة بقوله: [وَشَاوِرْهُمْ فِي الاَْمْرِ]
        وهذا نوع من التعليم للمسلمين كي لا يستبدوا بآرائهم، وإلاّ فإنّ النبي صلى الله عليه وآله والإمام باعتباره خليفة للرسول غنيان عن المشورة .
        ثم إنّ الشيخ الجنادي اقتطع كلامه عليه السلام وتصرّف فيه ليثبت أنّ الإمام عليه السلام يعترف بعدم عصمته، ونص عبارته كاملة هو: (فلا تكفوا عن مقالة بحق أو مشورة بعدل، فإنّي لست في نفسي بفوق أن أخطئ، ولا آمن ذلك من فعلي إلاّ أن يكفي الله من نفسي ما هو أملك به مني) وقوله عليه السلام هذا ينسجم مع عقيدة الشيعة في العصمة، لأنّ قوله عليه السلام: (في نفسي) فيه دليل واضح على أنّه عليه السلام يريد أن يقول لولا عصمة الله إيّاي لوقعت في الخطأ، بمعنى أنّ عصمة الإمام ليست مستقلة عن العناية والدعم الإلهي ولذلك أردفها بقوله: (إلاّ أن يكفي الله من نفسي ما هو أملك به مني) .
        قال العلامة المجلسي عليه الرّحمة: ( قوله عليه السلام: " بفوق أن أخطئ" هذا من باب الانقطاع إلى الله والتواضع الباعث لهم على الانبساط معه بقول الحق، وعد نفسه من المقصرين في مقام العبودبة، والإقرار بأن عصمته من نعمه تعالى عليه، وليس اعترافاً بعدم العصمة كما توهم، بل ليست العصمة إلاّ ذلك، فإنّما هي أن يعصم الله العبد عن ارتكاب المعاصي، وقد أشار عليه السلام إليه بقوله: " إلاّ أن يكفي الله " ) ( بحار الأنوار 34/198 ) .
        ثم نقول: أن العصمة لعلي عليه السلام ثابتة بأدلة قطعية من القرآن والسنة الشريفة ولا يمكن أن ترد هذه الأدلة بهذه الرواية الواحدة المجملة التي يحتمل في تفسيرها أكثر من وجه، علماً أنها كلامه عليه السلام هذا ورد في رواية ضعيفة من ناحية السند رواها العلامة الكليني في الكافي (الكافي 8/352) وفي سندها عبد الله بن الحارث وهو مجهول، وفيها علي بن الحسن"الحسين" المؤدب وهو مختلف فيه.
        ثالثاً: إنّ الصلح مع معاوية لم يكن مكروهاً فقط للإمام الحسين عليه السلام، بل كذلك كان مكروهاً لأخية الإمام الحسن عليه السلام، ولكنه صلوات الله وسلامه عليه اضطرّ لهذا الصلح، وكان قبوله له من باب الأخذ بأهون الشرين، ولم يكن الإمام الحسين عليه السلام معارضاً لأخيه الحسن في هذا الصلح ولا في غيره بل كان مطيعاً له في أيام إمامته بشكل تام، فلم يثبت أنّه اعترض على أخيه بسبب هذا الصلح بأدنى اعتراض، لكن بمجرد أن قام معاوية بعد شهادة الإمام الحسن عليه السلام بنقض الصلح، ونصّب ابنه يزيد خليفة على المسلمين من بعده بدأ الإمام الحسين عليه السلام في إظهار مخالتفه لمعاوية وكتب له كتاباً شديد اللهجة مبينّاً لمعاوية فيه الكثير من جرائمه وناكراً عليه ارتكابه لها .
        قال الشيخ الجنادي: (ودعوى عصمة أحد من الناس، عدا الأنبياء، تعارض الطبيعة البشرية المركبة من الشهوات، كما أنه لا يمدح الإنسان لأنه معصوم، بل يمدح لأنه يجاهد نفسه على فعل الخير كما أخبر الله بذلك في أكثر من موضع من كتابه الكريم.
        ولهذا رتب الله الجزاء على حسب قيام الشخص بما كلفه الله به، وأعطاه القدرة والإرادة ليكون بعد ذلك طائعاً أو عاصياً، فاعلاً أو تاركاً، ولو عصم الله من المعاصي أحداً –غير الأنبياء- لما كان للتكليف معنى، بل حتى الأنبياء كلفهم الله تعالى ولم يرفع الله عن أحد التكليف وامتثال أمره ونهيه، ما دام الشخص في كامل عقله وصحته، ولو لم يكن الإنسان محلاً للطاعة والعصيان لما كان للتكليف معنى
        ) .
        أقول:
        أولاً: إذا كانت العصمة تعارض الطبيعية البشرية كما يزعم الجنادي فهي إذاً تعارضها مطلقاً حتى عند الأنبياء لأنهم بشر، وإذا لا تعارضها عند الأنبياء فعند غيرهم كذلك إلاّ إذا كان يدّعي أنّ الأنبياء ليسوا ببشر، وحينها يكون لنا معه كلام آخر.
        ثانياً: إن الله سبحانه وتعالى قد مدح رسله وأنبياءه على تبيلغهم لرسالاته وأثنى عليهم على ذلك، وهم بالاتفاق معصومون في التبليغ، فيكون زعمه أنّ المعصوم لا يستحق المدح والثناء على أعماله باطل، وكذلك زعمه المنافاة بين العصمة والتكليف باطل أيضاً لأنّ الله عزّ وجل كلّف الأنبياء بالتبليغ مع عصمته لهم وأثنى عليهم ووعدهم بالجزاء والثواب على ذلك.
        ثالثاً: إن العصمة لا تعني إلاّ استحالة حدوث الذنب والخطأ من المعصوم وهي إنّما تأتي نتيجة تربية خاصة وتصعيد لقوة الإرادة وضبط النفس وتأييد من الله تعالى وإمداد منه سبحانه لعبده بدرجة يستحيل معها صدور الذنب والخطأ من العبد، وليس معناها إنعدام الإرادة والاختيار في سلوك العبد، ولا شك أن تأييد الله تعالى وإمداده لعبده هو من أهم الأسباب المقوّمة لإرادة العبد التي هي بدورها تضبط سلوك الإنسان عن الإنحراف، فكلما جاهد العبد نفسه بشكل أكبر وأوسع كلما أتاه الله عزّ وجل درجة أكبر من التأييد ومزيداً من الإمداد والعون، يقول تعالى: [ والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإن الله لمع المحسنين] فالعصمة واستحالة صدور الذنب والخطأ والخلاف من العبد لا يعني انعدام الإرادة والاختيار وإنما هو إرتفاع الإرادة إلى درجة لا تغلبها قوى النفس التي تميل إلى الخلاف والانحراف.
        وعليه فالمعصوم يستحق الثواب والجزاء على أعماله لأنّه بالعصمة غير مسلوب الإرادة والاختيار، ومجبر على فعل الخير والطاعات .
        يتبع ... يتبع ... يتبع

        تعليق


        • #19
          بسم الله الرحمن الرحيم
          قال الجنادي: (إذ القرآن الكريم لم يصرح بعصمة أحد، بل أثبت أن المعصية من شأن الإنسان، فإنه قد صدرت من آدم الذي هو أبو البشر، وأخبر عن موسى بأنه قتل، وعن يونس أنه ذهب مغاضباً.
          وورد في السنة النبوية ما يشير إلى ذلك في وقائع صدرت من الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم كما قال تعالى: (عفا الله عنك لم أذنت لهم) ، وما ورد في عتابه عن أخذهم الفداء من أسارى معركة بدر، وغير ذلك مما هو معروف في الكتاب والسنة وأقوال علماء الإسلام
          ) .
          أقول: لم يكتف الشيخ الجنادي بالكذب على الشيعة وأئمتهم عليهم السلام، بل افترى على الله فزعم أنّ الكتاب المجيد لم يصرّح بعصمة أحد، ثم نسب إلى نبي الله آدم وموسى ويونس ونبينا الأكرم محمد صلى الله عليه وآله المعصية وزعم أنّهم عصوا الله عزّ وجل وخالفوه، والحق أنّ الله سبحانه وتعالى صرّح في القرآن الكريم بأنّه هدى أنبياءه جميعهم فقال: (أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده) (الأنعام: 90)، وقد قال تعالى أيضاً: (ومن يضلل الله فما له من هاد * ومن يهدي الله فما له من مضل) (الزمر: 36- 37) وقال: (من يهد الله فهو المهتد) ( الكهف: 17) ، فنفى عن المهتدين بهدايته كل مضل يؤثر فيهم بضلال، فلا يوجد فيهم ضلال أبداً، فإذا كان فعل المعصية ضلال، والله نفى عن أنبياءه الوقوع في الضلال، تكون النتيجة أن الأنبياء معصومون.
          أما الجنادي ومن هم على شاكلته فإنّهم يخالفون كتاب الله عزّ وجل فيجوّزون على الأنبياء المعاصي والذنوب ويثبتون لهم الأخطاء والاشتباهات وغيرها من النقائص الأخرى، وفي رواياتهم من الطعن في الأنبياء وتوجيه الإهانة والشين لهم الكثير الكثير ، فاتهموا نبي الله يوسف عليه السلام بالهم بالزّنا والعياذ بالله ، فقد أخرج عبد الرّزاق في تفسيره (عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قوله تعالى: [وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا] قال: جلس منها مجلس الرجل من إمرأته حتى رأى صورة يعقوب في الجدار) (تفسير عبد الرزاق الصنعاني 2/211 رواية رقم : 1294).
          وفي رواية أخرى يرويها أيضاً عبد الرّزاق في تفسيره: (عن ابن عيينة، عن عثمان بن أبي سليمان، عن ابن أبي مليكة قال: شهدت ابن عبّاس وهو يسأل عن هم يوسف ما بلغ؟ قال: حل الهميان وجلس منها مجلس الخاتن فنودي يا ابن يعقوب أتزني فتكون كالطائر وقع ريشه فذهب يطير فلا ريش له ) (تفسير عبد الرزاق 2/212 رواية رقم : 1299) .
          وفي الدّر المنثور للسيوطي قال: (وأخرج ابن جرير، وأبو الشيخ، وأبو نعيم في الحلية، عن ابن عبّاس رضي الله عنهما أنّه سئل عن هم يوسف عليه السلام ما بلغ، قال: حل الهميان – يعني السراويل– وجلس منها مجلس الخاتن، فصيح به يا يوسف لا تكن كالطير له ريش فإذا زنى قعد ليس له ريش) (الدر المنثور 4/521).
          وقال ابن أبي حاتم: ( حدثنا محمد بن عبد الله بن يزيد المقرئ، حدثنا سفيان، عن عثمان بن أبي سليمان، عن ابن أبي مليكة، سئل ابن عبّاس عن هم يوسف، فقال: حل الهميان وجلس منها مجلس الخاتن، فنودي يا ابن يعقوب أتزني فيكون مثلك مثل طائر سقط ريشه فذهب يطير فلم يستطع) (تفسير ابن أبي حاتم 7/2122).
          بل صرّح البغوي في تفسيره أن القول بأن يوسف حل سراويله وجعل يعالج ثيابه هو قول سعيد بن جبير والحسن البصري وأكثر متقدمي أهل السنة ، فقال: ( ... وأما همه فروي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال حل الهميان وجلس منها مجلس الخائن وعن مجاهد قال حل سراويله وجعل يعالج ثيابه وهذا قول أكثر المتقدمين مثل سعيد بن جبير والحسن) (تفسير البغوي 2/418 ، وانظر أيضاً تفسير السمعاني 3/21) .
          وافترى رواتهم الثقاة عندهم! على النبي الأكرم صلى الله عليه وآله ونسبوا له أنّه نسب إلى نبي الله إبراهيم عليه السلام الكذب، فقد أخرج البخاري ومسلم وغيرهما عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وآله قال: (لم يكذب إبراهيم عليه السلام إلاّ ثلاث كذبات ... ) .
          وفي رواية أخرى أخرجها البخاري ومسلم بسنديهما عن أبي هريرة – وهي رواية طويلة نأخذ منها موضع الشاهد – أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال: (... إن الناس يأتون النبي إبراهيم عليه السلام فيقولون له: أنت نبي الله وخليله في الأرض، اشفع لنا إلى ربّك، ألاّ ترى ما نحن فيه؟ فيقول لهم: إنّ ربي قد غضب اليوم غضباً لم يغضب مثله قبله، ولن يغضب بعده مثله، وإني كنت كذبت ثلاث كذبات نفسي نفسي نفسي ) (صحيح البخاري 3/1225 رواية رقم : 3179 ، صحيح مسلم 4/1840 رواية رقم : 2371) .
          وظاهر هاتين الرّوايتين صريح في نسبة الكذب لنبي الله إبراهيم عليه السلام، والرواية الثانية منهما تدل على أن هذه الكذبات الثلاثة تكون سبباً مانعاً لإبراهيم عليه السلام من الشفاعة للناس يوم القيامة! .
          واتهمت رواياتهم نبي الله سليمان عليه السلام بتعمّد ترك تعليق حصول الأمر على مشيئة الله، فقد أخرج البخاري في صحيحه بسنده عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال: (قال سليمان بن داود عليهما السلام: لأطوفنّ الليلة على مائة امرأة أو تسع وتسعين كلهن يأتي بفارس يجاهد في سبيل الله، فقال له صاحبه قل إن شاء الله فلم يقل إن شاء الله! فلم يحمل منهن إلاّ امرأة واحدة جاءت بشق رجل والذي نفس محمد بيده لو قال إن شاء الله لجاهدوا في سبيل الله فرساناً أجمعون) (صحيح البخاري 3/1038 رواية رقم : 2664) .
          يقول السيد هاشم معروف معلقاً على هذه الرواية: (إنّ سليمان بن داود عليهما السلام كان من أنبياء الله الصالحين، وقد وهبه الله ملكاً ليس لأحد مثله، فسخر له الجن والإنس، وعلمه منطق الطير وبقية الحيوانات، وليس على الله بمحال أن يعطيه قوة عشرات الرجال، ويمد له في ليلته ليستطيع أن يقوم بعملية الجنس مع مائة امرأة في ليلة واحدة، ليس دلك بمحال عقلاً، ولكن مقام النبوّة أسمى وأعلى من أن ينحدر بصاحبه إلى هذا المستوى الذي لا يليق إلاّ بالحيوانات، وهـل بلغ بهذا النبي الكريم الغرور إلى حد أنّه أصبح يرى نفسه مستطيعاً لأن يطلق هذه الأعجوبة بغير مشيئة الله سبحانه، فينشئ جيشاً مؤلفاً مـن مـائة فارس في ليلة واحدة، مع العلم بأن هذا الزمان لا يتسع للإتصال بمائة امرأة) (دراسات في الكافي ومسند البخاري صفحة 264) .
          وأما رواياتهم التي تطعن في نبي الإسلام صلى الله عليه وآله وتشوّه من شخصيته فهي عديدة في كتبهم وبعضها مخرّح في أصح الكتب لديهم كصحيح البخاري وصحيح مسلم، منها :
          ما أخرجه البخاري وغيره أن النبي صلى الله عليه وآله أراد الانتحار أكثر من مرة بإلقاء نفسـه من شاهق وذلك عندما كان الوحي يبطئ عنه فعن عائشة أنها قالت : - والرواية طويلة نأخذ منها موضع الشاهد - ( ... وفتر الوحي فترة حتى حزن النبي صلى الله عليه وسلم فيما بلغنا حزناً غدا منه مراراً كي يتردى من رؤوس شواهق الجبال ، فكلما أوفى بذروة جبل لكي يلقي منه نفسه تبدى له جبريل فقال يا محمد إنك رسول الله حقاً فيسكن لذلك جأشه وتقر نفسه فيرجع ، فإذا طالت عليه فترة الوحي غدا لمثل ذلك فإذا أوفى بذروة جبل تبدى له جبريل فقال له مثل ذلك ) (صحيح البخاري 6/2561 رواية رقم : 6581).
          ومنها: أن النبي صلى الله عليه وآله كان يأكل من ذبائح المشركين وما ذبح على النصب، فقد أخرج أحمد بن حنبل في مسنده بسنده عن نفيل بن هشام بن سعيد بن زيد بن عمرو ابن نفيل عن أبيه عن جده قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة هو وزيد بن حارثة فمر بهما زيد بن عمرو بن نفيل فدعوه إلى سفرة لهما ، فقال : يا ابن أخي إني لا آكل مما ذبح على النصب، قال فما رؤي النبي صلى الله عليه وسلم بعد ذلك أكل شيئا مما ذبح على النصب...) (مسند أحمد بن حنبل 1/189 رواية رقم : 1648 ، الأحاديث المختارة 3/308 رواية رقم : 1110) .
          وأخرج البخاري في صحيحه فقال: ( حدثنا معلى بن أسد، حدثنا عبد العزيز - يعني ابن المختار-، أخبرنا موسى بن عقبة، قال : أخبرنا سالم أنّه سمع عبد الله يحدّث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنّه لقي زيد بن عمرو بن نفيل بأسفل بلدح وذاك قبل أن ينزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم الوحي، فقدم إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم سفرة فيها لحم فأبى أن يأكل منها، ثم قال: إني لا آكل مما تذبحون على أنصابكم، ولا آكل إلاّ مما ذكر اسم الله عليه) (صحيح البخاري 3/309- 310 ، الجمع بين الصحيحين 2/275 رواية رقم : 1424) .
          وفي رواية أخرى عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وآله (لقي زيد بن عمرو بن نفيل بأسفل بلدح فقدم إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم سفرة فيها طعام فأبى أن يأكل ، وقال : إنا لا نأكل مما تذبحون على أنصابكم ولا نأكل إلا مما ذكر اسم الله عليه) (صحيح ابن حبان 12/46 رواية رقم : 5242) .
          فهل يعقل أن يتنزّه زيد بن عمرو بن نفيل عن أكل ذبائح المشركين ولا يتنزّه عنها رسول الله صلى الله عليه وآله ؟!
          ومنها: أنّه كان ينظر إلى النساء الأجنبيات فتتحرك في نفسه الشهوة للنساء فيأتي واحدة من نسائه ليقضي منها حاجته، ففي الرواية عن أبي كبشة قال: (بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم جالس إذ مرّت به إمرأة فقام إلى أهله فخرج إلينا ورأسه يقطر ماء، فقلنا يا رسول الله كأنه قد كان شيء؟ فقال: نعم، مرّت بي فلانة فوقع في نفسي شهوة النساء فقمت إلى بعض أهلي، وكذلك فافعلوا فإنه من أماثل أعمالكم اتيان الحلال) (المعجم الأوسط 3/311 برقم : 3251 ، المعجم الكبير 22/338 ، مسند أحمد 4/31 برقم : 18057 ، مسند الشاميين 3/186 برقم : 2047 ، ورواه الهيتمي في مجمع الزوائد 4/292 ناقلاً له عن الطبراني ومسند أحمد وقال : ورجال أحمد ثقات ) .
          وفي رواية أخرى: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى امرأة فأعجبته فأتى زينب وهي تمعس منية فقضى منها حاجته وقال إن المرأة تقبل في صورة شيطان وتدبر في صورة شيطان فإذا رأى أحدكم امرأة فأعجبته فليأت أهله فإن ذاك يرد مما في نفسه) (مسند أحمد بن حنبل 3/330 برقم : 14577 ) .
          وأخرج الدارمي في سننه فقال: (أخبرنا قبيصة، أنا سفيان، عن أبي إسحاق، عن عبد الله بن حلام ، عن عبد الله بن مسعود قال : رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم امرأة فأعجبته فأتى سودة وهي تصنع طيباً وعندها نساء فأخلينه فقضى حاجته ثم قال : أيّما رجل رأى امرأة تعجبه فليقم إلى أهله فإنّ معها مثل الذي معها ) ( سنن الدارمي 2/196 رواية رقم : 1912 ، وقال الشيخ حسين سليم أسد : إسناده حسن).
          ومن رواياتهم المخزية التي تنتقص من شخصية الرسول صلى الله عليه وآله ما رواه العـديـد مـن محدثيهم أنه ترك أم حـرام – وهي إمرأة أجنبية عنه – تفلي رأسـه ففي الروايـة عن أنس بن مالك ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يدخل على أم حرام بنت ملحان فتطعمه وكانت أم حرام تحت عبادة بن الصامت فدخل عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً فأطعمته ثم جلست تفلي رأسه فنام رسـول الله صلى الله عليه وسلم ثم استيقظ وهو يضحك ... ) (صحيح مسلم 3/1518 رواية رقم : 1912 ، صحيح البخاري 3/1027 رواية رقم : 2636 و 6/2570 رواية رقم : 6600 ، صحيح ابن حبان 15/51 رواية رقم : 6667 ، سنن البيهقي الكبرى 9/165 رواية رقم : 18315 ، سنن أبي داود 3/6 رواية رقم : 2491 ، وغيرها).
          ومنها : ما أخرجه البخاري وغيره عن جابر بن عبد الله ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان ينقل معهم الحجارة للكعبة وعليه إزاره فقال له العباس عمه يا ابن أخي لو حللت إزارك فجعلت على منكبيك دون الحجارة ! قال فحله فجعله على منكبيه فسقط مغشياً عليه فما رؤي بعد ذلك عرياناً ) (صحيح البخاري 1/143 رواية رقم : 357 ، صحيح مسلم 1/268 رواية رقم : 340 ، سنن البيهقي الكبرى 2/227 رواية رقم : 3042 ، مسند أحمد بن حنبل 3/310 رواية رقم : 14371 و 3/333 رواية رقم : 14618 ، المسند المستخرج على صحيح مسلم 1/386 رواية رقم : 767 ) .
          ومنها: أنّه صلى الله عليه وآله كان يبول قائماً ، فقد أخرج البخاري وغيره – واللفظ للبخاري – عن حذيفة قال : ( أتى النبي صلى الله عليه وسلم سباطة قوم فبال قائماً ثم دعا بماء فجئته بماء فتوضأ ) (صحيح البخاري 1/90 رواية رقم : 222 و 2/874 رواية رقم : 2339 ، صحيح مسلم 1/228 رواية رقم : 273) .
          وغير ذلك كثير... فمن يعتقد بصحة هذه الروايات ويؤمن بها مع صراحتها في الطعن في هؤلاء المصطفين الأخيار والانتقاص منهم فليس عنده أدنى احترام لمقام الأنبياء ..
          والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على رسوله محمد وآله الطيبين الطاهرين

          تعليق

          المحتوى السابق تم حفظه تلقائيا. استعادة أو إلغاء.
          حفظ-تلقائي
          x

          رجاء ادخل الستة أرقام أو الحروف الظاهرة في الصورة.

          صورة التسجيل تحديث الصورة

          اقرأ في منتديات يا حسين

          تقليص

          لا توجد نتائج تلبي هذه المعايير.

          يعمل...
          X