بسم الله الرحمن الرحيم
"ام يحسدون الناس على ما اتاهم الله من فضله فقد اتينا ال ابراهيم الكتاب والحكمة واتيناهم ملكا عظيما" النساء54
من هم هؤلاء الناس المحسودون ؟
لنقرأ تفسير الميزان :
قوله تعالى: «أ لم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب يؤمنون بالجبت و الطاغوت»، الجبت و الجبس كل ما لا خير فيه، و قيل: و كل ما يعبد من دون الله سبحانه، و الطاغوت مصدر في الأصل كالطغيان يستعمل كثيرا بمعنى الفاعل، و قيل: هو كل معبود من دون الله، و الآية تكشف عن وقوع واقعة قضى فيها بعض أهل الكتاب للذين كفروا على الذين آمنوا بأن سبيل المشركين أهدى من سبيل المؤمنين، و ليس عند المؤمنين إلا دين التوحيد المنزل في القرآن المصدق لما عندهم، و لا عند المشركين إلا الإيمان بالجبت و الطاغوت فهذا القضاء اعتراف منهم بأن للمشركين نصيبا من الحق، و هو الإيمان بالجبت و الطاغوت الذي نسبه الله تعالى إليهم ثم لعنهم الله بقوله: أولئك الذين لعنهم الله الآية.
و هذا يؤيد ما ورد في أسباب النزول أن مشركي مكة طلبوا من أهل الكتاب أن يحكموا بينهم و بين المؤمنين فيما ينتحلونه من الدين فقضوا لهم على المؤمنين، و سيأتي الرواية في ذلك في البحث الروائي الآتي.
و قد ذكر كونهم ذوي نصيب من الكتاب ليكون أوقع في وقوع الذم و اللوم عليهم فإن إيمان علماء الكتاب بالجبت و الطاغوت و قد بين لهم الكتاب أمرهما أشنع و أفظع.
قوله تعالى: «أم لهم نصيب من الملك» إلى قوله: «نقيرا» النقير فعيل بمعنى المفعول و هو المقدار اليسير الذي يأخذه الطير من الأرض بنقر منقاره، و قد مر له معنى آخر في قوله: و لا يظلمون فتيلا الآية.
و قد ذكروا أن «أم» في قوله: أم لهم نصيب من الملك، منقطعة و المعنى: بل أ لهم نصيب من الملك، و الاستفهام إنكاري أي ليس لهم ذلك.
و قد جوز بعضهم أن تكون «أم» متصلة، و قال: إن التقدير: أ هم أولى بالنبوة أم لهم نصيب من الملك؟ و رد بأن حذف الهمزة إنما يجوز في ضرورة الشعر، و لا ضرورة في القرآن، و الظاهر أن أم متصلة و أن الشق المحذوف ما يدل عليه الآية السابقة: أ لم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب الآية، و التقدير: أ لهم كل ما حكموا به من حكم أم لهم نصيب من الملك أم يحسدون الناس؟ و على هذا تستقيم الشقوق و تترتب، و يتصل الكلام في سوقه.
و المراد بالملك هو السلطنة على الأمور المادية و المعنوية فيشمل ملك النبوة و الولاية و الهداية و ملك الرقاب و الثروة، و ذلك أنه هو الظاهر من سياق الجمل السابقة و اللاحقة فإن الآية السابقة تومىء إلى دعواهم أنهم يملكون القضاء و الحكم على المؤمنين، و هو مسانخ للملك على الفضائل المعنوية و ذيل الآية: «فإذا لا يؤتون الناس نقيرا» يدل على ملك الماديات أو ما يشمل ذلك فالمراد به الأعم من ملك الماديات و المعنويات.
فيئول معنى الآية إلى نحو قولنا: أم لهم نصيب من الملك الذي أنعم الله به على نبيه بالنبوة و الولاية و الهداية و نحوه، و لو كان لهم ذلك لم يؤتوا الناس أقل القليل الذي لا يعتد به لبخلهم و سوء سريرتهم، فالآية قريبة المضمون من قوله تعالى: قل لو أنتم تملكون خزائن رحمة ربي إذا لأمسكتم خشية الإنفاق: - الإسراء: 100.
قوله تعالى: «أم يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله» و هذا آخر الشقوق الثلاثة المذكورة، و وجه الكلام إلى اليهود جوابا عن قضائهم على المؤمنين بأن دين المشركين أهدى من دينهم.
و المراد بالناس على ما يدل عليه هذا السياق هم الذين آمنوا، و بما آتاهم الله من فضله هو النبوة و الكتاب و المعارف الدينية، غير أن ذيل الآية: فقد آتينا آل إبراهيم «إلخ»، يدل على أن هذا الذي أطلق عليه الناس من آل إبراهيم، فالمراد بالناس حينئذ هو النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، و ما انبسط على غيره من هذا الفضل المذكور في الآية فهو من طريقه و ببركاته العالية، و قد تقدم في تفسير قوله تعالى: إن الله اصطفى آدم و نوحا و آل إبراهيم الآية: - آل عمران: 33»، إن آل إبراهيم هو النبي و آله.
و إطلاق الناس على المفرد لا ضير فيه فإنه على نحو الكناية كقولك لمن يتعرض لك و يؤذيك: لا تتعرض للناس، و ما لك و للناس؟ تريد نفسك أي لا تتعرض لي.
قوله تعالى: «فقد آتينا آل إبراهيم الكتاب و الحكمة» الجملة إيئاس لهم في حسدهم، و قطع لرجائهم زوال هذه النعمة، و انقطاع هذا الفضل بأن الله قد أعطى آل إبراهيم من فضله ما أعطى، و آتاهم من رحمته ما آتى فليموتوا بغيظهم فلن ينفعهم الحسد شيئا.
و من هنا يظهر أن المراد بآل إبراهيم إما النبي و آله من أولاد إسماعيل أو مطلق آل إبراهيم من أولاد إسماعيل و إسحاق حتى يشمل النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) الذي هو المحسود عند اليهود بالحقيقة، و ليس المراد بآل إبراهيم بني إسرائيل من نسل إبراهيم فإن الكلام على هذا التقدير يعود تقريرا لليهود في حسدهم النبي أو المؤمنين لمكان النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فيهم فيفسد معنى الجملة كما لا يخفى.
و قد ظهر أيضا كما تقدمت الإشارة إليه أن هذه الجملة: فقد آتينا آل إبراهيم «إلخ» تدل على أن الناس المحسودين هم من آل إبراهيم، فيتأيد به أن المراد بالناس النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) و أما المؤمنون به فليسوا جميعا من ذرية إبراهيم، و لا كرامة لذريته من المؤمنين على غيرهم حتى يحمل الكلام عليهم، و لا يوجب مجرد الإيمان و اتباع ملة إبراهيم تسمية المتبعين بأنهم آل إبراهيم، و كذا قوله تعالى: «إن أولى الناس بإبراهيم للذين اتبعوه و هذا النبي و الذين آمنوا الآية: «آل عمران: 68» لا يوجب تسمية الذين آمنوا بآل إبراهيم لمكان الأولوية فإن في الآية ذكرا من الذين اتبعوا إبراهيم، و ليسوا يسمون آل إبراهيم قطعا، فالمراد بآل إبراهيم النبي أو هو و آله (صلى الله عليه وآله وسلم) و إسماعيل جده و من في حذوه.
قوله تعالى: «و آتيناهم ملكا عظيما» قد تقدم أن مقتضى السياق أن يكون المراد بالملك ما يعم الملك المعنوي الذي منه النبوة و الولاية الحقيقية على هداية الناس و إرشادهم و يؤيده أن الله سبحانه لا يستعظم الملك الدنيوي لو لم ينته إلى فضيلة معنوية و منقبة دينية، و يؤيد ذلك أيضا أن الله سبحانه لم يعد فيما عده من الفضل في حق آل إبراهيم النبوة و الولاية إذ قال: فقد آتينا آل إبراهيم الكتاب و الحكمة، فيقوى أن يكون النبوة و الولاية مندرجتين في إطلاق قوله: و آتيناهم ملكا عظيما.
قوله تعالى: «فمنهم من آمن به و منهم من صد عنه» الصد الصرف و قد قوبل الإيمان بالصد لأن اليهود ما كانوا ليقنعوا على مجرد عدم الإيمان بما أنزل على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) دون أن يبذلوا مبلغ جهدهم في صد الناس عن سبيل الله و الإيمان بما نزله من الكتاب، و ربما كان الصد بمعنى الإعراض و حينئذ يتم التقابل من غير عناية زائدة.
قوله تعالى: «و كفى بجهنم سعيرا» تهديد لهم بسعير جهنم في مقابل ما صدوا عن الإيمان بالكتاب و سعروا نار الفتنة على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) و الذين آمنوا معه.
ثم بين تعالى كفاية جهنم في أمرهم بقوله : إن الذين كفروا بآياتنا إلى آخر الآية و هو بيان في صورة التعليل، ثم عقبه بقوله : و الذين آمنوا و علموا الصالحات إلى آخر الآية ليتبين الفرق بين الطائفتين: من آمن به، و من صد عنه، و يظهر أنهما في قطبين متخالفين من سعادة الحياة الأخرى و شقائها : دخول الجنات و ظلها الظليل، و إحاطة سعير جهنم و الاصطلاء بالنار - أعاذنا الله - و معنى الآيتين واضح.
من تفسير الميزان :
http://www.holyquran.net/cgi-bin/alm...=54&sp=5&sv=54
الآن هل صحيح أن الله تعالى أعطى محمد و آل محمد الكتاب والحكمة والملك العظيم ؟
تعليق