السيّدان الشاهرودي والشيرازي (ره) يعزمان على الهجرة
في 1/ 1/ 1972 م (13/ ذي القعدة/ 1391 هـ) أجاز السيّد محمود الشاهرودي (رحمه الله) احتساب ما يُدفع إلى المهجّرين الإيرانيّين من الحقوق الشرعيّة.
وفي 4/ 1/ 1972 م تحرّك السيّد الشاهرودي (رحمه الله) نفسه إلى إيران «1» تحت عنوان (من علي إلى علي)، أي من النجف الأشرف إلى مشهد الإمام الرضا (ع).
وعلى أعتاب السفر، جاءه السيّد الصدر (رحمه الله) ليودّعه، وألقى كلمةً في الحاضرين «2»، ثمّ أبرز عواطف خاصّة وبكى «3». ولكنّ السلطة منعت السيّد الشاهرودي (رحمه الله) من الخروج بتاريخ 5/ 1/ 1972 م «4».
كما أنّ السيّد عبد الله الشيرازي (رحمه الله) كان قد عزم على الهجرة أيضاً، فاجتمع به السيّد الصدر (رحمه الله) وبيّن له خطط حزب البعث لما بعد الهجرة، فعدل (رحمه الله) عن قراره «5».
1) هفت هزار روز (فارسي) 1: 495
2) حدّث بذلك لاحمد ابي زيد العاملي السيّد عبد الهادي الشاهرودي بتاريخ 27/ 1/ 2004 م
3) مقابلة مع السيّد عبد الهادي الشاهرودي (ارشيف المؤتمر العالمي للشهيد الصدر)
4) هفت هزار روز (فارسي) 1: 496
5) ذكريات نجل السيّد عبد الله الشيرازي (رحمه الله) حول السيّد الصدر (رحمه الله) (ارشيف المؤتمر العالمي للشهيد الصدر). وقد جاء في المصدر أنّ السيّد الصدر (رحمه الله) كان كثيراً ما يجتمع بالسيّد الشيرازي (رحمه الله) بعد ثورة الرابع عشر من تمّوز، خاصّةً بين 1970 وبين 1975 م.
2) حدّث بذلك لاحمد ابي زيد العاملي السيّد عبد الهادي الشاهرودي بتاريخ 27/ 1/ 2004 م
3) مقابلة مع السيّد عبد الهادي الشاهرودي (ارشيف المؤتمر العالمي للشهيد الصدر)
4) هفت هزار روز (فارسي) 1: 496
5) ذكريات نجل السيّد عبد الله الشيرازي (رحمه الله) حول السيّد الصدر (رحمه الله) (ارشيف المؤتمر العالمي للشهيد الصدر). وقد جاء في المصدر أنّ السيّد الصدر (رحمه الله) كان كثيراً ما يجتمع بالسيّد الشيرازي (رحمه الله) بعد ثورة الرابع عشر من تمّوز، خاصّةً بين 1970 وبين 1975 م.
تحرّك السيّد الصدر (رحمه الله) على العلماء واستجابته لطلب السيّد الخميني (رحمه الله)
وفي هذا الوقت كان السيّد الصدر (رحمه الله) يعقد درسه في مقبرة آل ياسين، فألقى في هذه الأجواء كلمةً في طلّابه يطلب منهم البقاء في النجف وعدم الاستجابة لقرارات السلطة «1»، وكان (رحمه الله) يرى أنّ الهدف من وراء حملة التسفير هذه ضرب الحوزة العلميّة وليس الهدف منها تبعيد الإيرانيّين، وكان متألّماً من ذلك كثيراً «2».
ثمّ سعى (رحمه الله) إلى التنسيق بين كبار العلماء- منهم السيّد محمود الشاهرودي (رحمه الله) والسيّد نصر الله المستنبط (رحمه الله)- «3» من أجل اتّخاذ موقف حاسمٍ في الموضوع. وعلى إثر ذلك أرسلت الحوزة العلميّة برقيّةً إلى أحمد حسن البكر تطالبه بإيقاف التسفيرات، وكانت البرقيّة بتوقيع كبار العلماء أمثال الشيخ مرتضى آل ياسين والسيّد محمّد سعيد الحكيم- والد السيّد محمّد تقي الحكيم- [والسيّد يوسف الحكيم] والشيخ محمّد جواد آل شيخ راضي وغيرهم، والتي سعى السيّد الصدر (رحمه الله) إلى ترتيبها.
إلى جانب ذلك، قام (رحمه الله) بحركة واسعة في أوساط المراجع والعلماء بحيث تمكّن من أن يعبّئ الوضع الروحي والسياسي في النجف الأشرف، وذلك عبر الضغط على الطلبة الأجانب الذين يحملون تأشيرات دخول غير منتهية، وأمرهم بالبقاء ومقاومة الحكومة وضغوطاتها بأيّة وسيلة ممكنة «4». كما قام بعدّة زيارات للسيّد الخميني (رحمه الله) من أجل التضامن وترتيب الموقف الموحّد «5»، واتّصل بمختلف المناطق العراقيّة وطلب منهم تحريك القضيّة «6».
وفي هذا الوقت رأى السيّد الخميني (رحمه الله) ضرورة تعطيل الدرس استنكاراً لممارسات السلطة، فطلب من الشيخ [علي] آل إسحاق أن يبلّغ السيّد الصدر (رحمه الله) بهذا القرار، ولمّا دخل عليه في بيته [الكائن في شارع الخورنق]- وكان يدرّس بعض تلامذته- أبلغ الشيخ آل إسحاق السيّد الصدر (رحمه الله) بقرار السيّد الخميني (رحمه الله)، فما كان منه إلّا أن أعلن عن تعطيل الدرس قائلًا: «ما دام السيّد الخميني قد عطّل الدرس، فقد عُطّل الدرس» «7».
(1) هذا المقطع حدّث به لأحمد ابو زيد العاملي الشيخ عبّاس الأخلاقي بتاريخ 16/ 4/ 2004 م
(2) مقابلة مع السيّد محمّد الغروي (ارشيف المؤتمر العالمي للشهيد الصدر)
(3) ما بين-- من: مقابلة مع الشيخ محمّد جعفر شمس الدين (ارشيف المؤتمر العالمي للشهيد الصدر)
(4) شهيد الأمّة وشاهدها 1: 258- 259، نقلًا عن السيّد محمّد باقر الحكيم (رحمه الله)؛ وانظر: الإمام الصدر .. سيرة ذاتيّة: 77؛ نظريّة العمل السياسي عند الشهيد السيّد محمّد باقر الصدر: 256- 257؛ صحيفة (الشهادة)، العدد (714)، 15/ ربيع الثاني/ 1418 هـ، نقلًا عن السيّد محمّد باقر المهري؛ وانظر: مقابلة (2) مع الشيخ علي كوراني (ارشيف المؤتمر العالمي للشهيد الصدر). وما بين [] من: ملامح من السيرة الذاتيّة (محدود الانتشار)؛ الصدر في ذاكرة الحكيم: 63
(5) الإمام قدوة (السيّد محمّد باقر الحكيم (رحمه الله)) 2: 59؛ وانظر: العلاقة التاريخيّة للسيّد الشهيد الصدر بالإمام والثورة: 25- 26
(6) مقابلة مع السيّد عبد العزيز الحكيم (ارشيف المؤتمر العالمي للشهيد الصدر)
(7) مقابلة مع الشيخ [علي] آل إسحاق (ارشيف المؤتمر العالمي للشهيد الصدر).
(2) مقابلة مع السيّد محمّد الغروي (ارشيف المؤتمر العالمي للشهيد الصدر)
(3) ما بين-- من: مقابلة مع الشيخ محمّد جعفر شمس الدين (ارشيف المؤتمر العالمي للشهيد الصدر)
(4) شهيد الأمّة وشاهدها 1: 258- 259، نقلًا عن السيّد محمّد باقر الحكيم (رحمه الله)؛ وانظر: الإمام الصدر .. سيرة ذاتيّة: 77؛ نظريّة العمل السياسي عند الشهيد السيّد محمّد باقر الصدر: 256- 257؛ صحيفة (الشهادة)، العدد (714)، 15/ ربيع الثاني/ 1418 هـ، نقلًا عن السيّد محمّد باقر المهري؛ وانظر: مقابلة (2) مع الشيخ علي كوراني (ارشيف المؤتمر العالمي للشهيد الصدر). وما بين [] من: ملامح من السيرة الذاتيّة (محدود الانتشار)؛ الصدر في ذاكرة الحكيم: 63
(5) الإمام قدوة (السيّد محمّد باقر الحكيم (رحمه الله)) 2: 59؛ وانظر: العلاقة التاريخيّة للسيّد الشهيد الصدر بالإمام والثورة: 25- 26
(6) مقابلة مع السيّد عبد العزيز الحكيم (ارشيف المؤتمر العالمي للشهيد الصدر)
(7) مقابلة مع الشيخ [علي] آل إسحاق (ارشيف المؤتمر العالمي للشهيد الصدر).
تقييم السيّد الصدر (رحمه الله) جولته على العلماء
بعد رجوعه من هذه الزيارات عقد السيّد الصدر (رحمه الله) مع بعض طلّابه جلسة تقييميّة لجولته المذكورة، وقد قال (رحمه الله): «الشخص الوحيد الذي يتّفق معي بشكل كامل ولديه وضوحٌ في الرؤية هو السيّد علي السيستاني، ولكن مشكلته أنّه لا يتّخذ موقفاً».
وقد علق المحقق احمد ابو زيد العاملي بقوله :
حدّثني بذلك أحدُ أساتذتي بتاريخ 24/ 10/ 2004 م سماعاً من السيّد كاظم الحائري، وقد فضّل عدم ذكر اسمه. وهذه هي الصيغة المنقولة لا ما ورد في (شهيد العراق .. الصدر الأوّل) (قناة المنار).
السيّد الخميني (رحمه الله) يضع حدّاً للأزمة
كان وضع الحوزة العلميّة حرجاً جدّاً، وكان وجوه الحوزة قلقين بشكل جدّي على مصيرها، ومنهم الشيخ محمّد حسن الجواهري- الذي كان له دورٌ بارز في جماعة العلماء- الذي قصد مكتب السيّد الخميني (رحمه الله) وكان شديد الاضطراب حتّى كاد يبكي.
وقد علق العاملي هنا بقوله:
هنا اختلافٌ في الروايات، فالذي ذكره لي الشيخ عبد الحليم الزهيري أنّ الشيخ الجواهري قد أتى السيّد الخميني (رحمه الله) محرّكاً إيّاه في سبيل إرسال برقيّة وأنّه تحدّث معه بطريقة شديدة لا يجرؤ أحدٌ على مخاطبة السيّد الخميني (رحمه الله) بها، وهذا لا يكاد ينسجم مع ما في المتن، ولا ندري أيّهما أدقّ.
وبعد أن نقل الشيخ الخلخالي (رحمه الله) ذلك، أوضح السيّد الخميني (رحمه الله) أنّ هدفه كان الحطّ من غرور ذلك الشخص وجاء اعتراضاً على ما تقوم به السلطة من تشريد النّاس في هذا الطقس وهذه الظروف، وأنّه لم يكن هدفه عدم لقائه من أساس.
وعلى أيّة حال، فقد نزل السيّد الخميني (رحمه الله) عند رغبة الشيخ نصر الله الخلخالي والشيخ حبيب الله الأراكي وغيرهما، مع أنّه آيسٌ من الوصول إلى حلّ، ولكنّه اشترط أن يكون اللقاء علنيّاً وبحضور الكثيرين بعدما كانت السلطة قد تقدّمت بطلب لقاء خاص.
وأثناء اللقاء حاول علي رضا تبرير حملات التسفير بأنّها جاءت في سياق التدابير الأمنيّة التي تتّخذها السلطة، وبأنّ كثيراً من الذين تمّ ترحيلهم هم جواسيس، وأعلم السيّد الخميني (رحمه الله) بأنّ هذه الحملات قد توقّفت.
عندها أدار السيّد الخميني (رحمه الله) وجهه مخاطباً الحاضرين بأنّ حكّام العراق يشرّدون الناس بحجج مختلفة ثمّ ينقلون لنا تحيّة رئيس الجمهوريّة، وانتقد هذه الحكومة التي أمهلت اليهود ستّة أشهر ولم تمهل المسلمين ستّة أيّام.
وقد برّر علي رضا هذه الحملات أيضاً بأنّ السلطة أجبرت على اللجوء إلى هذا الخيار من أجل تنظيم أوضاع الحوزة التي تضمّ مجموعةً من الجواسيس. واعترف علي رضا بوجود جواسيس في الحوزة يعملون لصالحهم، إلّا أنّه لم يستبعد تحوّلهم إلى التجسّس لصالح العدو الإسرائيلي نتيجة تلقّيهم مبالغ ماليّة أكبر.
وكان جواب السيّد الخميني (رحمه الله) عن ذلك:
«أوّلًا: أنا شخصٌ غريب، وقد انتقلت مؤخّراً إلى حوزة النجف. وثانياً: إذا كان مقرّراً اتّخاذ بعض التدابير فيما يتعلّق بالحوزة، فينبغي أن يتمّ ذلك عبر التنسيق مع وجوه الحوزة، ومنهم السيّد الخوئي المتواجد حاليّاً في لندن. وطالما أنّه لم يرجع بعد، فإنّنا لن نتّخذ أيَّ قرار في هذا المجال».
وبعد ساعةٍ ونصف من الحديث لاحظ السيّد الخميني (رحمه الله) القلقَ مخيّماً على وجوه الحاضرين الذين كانوا يرغبون في بقائه أكثر من رغبة الحكومة العراقيّة نفسها. كما أخذ بعين الاعتبار ما سيقال من أنّ الخميني أفسد الجوّ على حوزة قم، ثمّ انتقل إلى النجف ودمّرها وذهب، فأعلن عن رجوعه عن قراره ممهلًا الدولة ثلاثة أشهر أخرى تغيّر فيها سياستها بعد إيقاف حملات التسفير، فسرُّ الجميع لذلك وغادر الوفد.
تلفيقاً بين: خاطرات سياسى (2)، سيّد على اكبر محتشمى (فارسي): 162- 164؛ خاطرات آيت الله خاتم يزدى (فارسي): 105- 107؛ وانظر بشكل مختصر: شهيد الأمّة وشاهدها 1: 259، نقلًا عن السيّد محمّد باقر الحكيم (رحمه الله)؛ وانظر: ملامح من السيرة الذاتيّة (محدود الانتشار)؛ نظريّة العمل السياسي عند الشهيد السيّد محمّد باقر الصدر: 257؛ صحيفة (لواء الصدر)، 25/ ذي الحجّة/ 1410 هـ.
وقال العاملي : قد حدّثني عن موقف الشيخ محمّد حسن الجواهري الشيخ عبد الحليم الزهيري بتاريخ 19/ 12/ 2004 م
وقال العاملي : قد حدّثني عن موقف الشيخ محمّد حسن الجواهري الشيخ عبد الحليم الزهيري بتاريخ 19/ 12/ 2004 م
السيّد الخميني (رحمه الله) يدعو السيّد الصدر (رحمه الله) والعلماء إلى استئناف الدروس
يوم الثلاثاء 11/ 1/ 1972 م (23/ ذي القعدة/ 1391 هـ) التقى الشيخ مرتضى أشرفي بالسيّد الخميني (رحمه الله) أثناء توجّهه إلى المسجد، وأخبره بأنّ السلطة العراقيّة بدأت بإلغاء تأشيرات الخروج، فقال له (رحمه الله):
«إنّهم يكذبون، إنّهم لا يلغون تأشيرات الخروج»، فأكّد له الشيخ الأشرفي الخبر وأنّهم يقومون بذلك بين التاسعة والعاشرة، وذكر له أنّه بنفسه ذهب إلى الدائرة وألغى تأشيرته، وأراه جواز سفره، فقال السيّد الخميني (رحمه الله) بتعجّب: «إنّ الأمور لا تنعكس [إلينا] بشكل صحيح»، ثمّ قال له: «لا مانع من استئناف الدروس ابتداءً من غد [الأربعاء]، ونحن سنشرع ابتداءً من السبت، ولكن بما أنّ الحوزة والمدرّسين عطّلوا دروسهم بطلبٍ منّا، فمن الجيّد أن تأخذوا على عاتقكم مهمّة إبلاغ آية الله البجنوردي وآية الله المستنبط وآية الله الصدر بأنّه لا مانع من استئناف الدروس».
صحيفه دل (2) (فارسي): 14- 15، في حديثٍ مع الشيخ مرتضى أشرفي
السيّد الخميني (رحمه الله) يعود السيّد الخوئي (رحمه الله) بعد رجوعه من لندن
في 29/ 1/ 1972 م (12/ ذي الحجّة/ 1391 هـ) تحسّنت حال السيّد الخوئي (رحمه الله) الصحيّة [هفت هزار روز (فارسي) 1: 501.]، وبعدها رجع إلى العراق.
عندها قام العلماء بعيادته في داره في الكوفة، ومنهم وفدٌ ضمّ السيّد الخميني والسيّد عبد الله الشيرازي والشيخ نصر الله الخلخالي.
وقد بادر السيّد الشيرازي (رحمه الله) إلى سرد بعض الأحداث التي وقعت، ومنها الهجوم على مدرسته وما تعرّض له طلّاب المدرسة.
وبعدها استلم السيّد الخميني (رحمه الله) زمام الحديث وخرج عن ديدنه في السكوت وقلّة الكلام، وراح يصف ما حدث في الجلسة التي ضمّته وعلي رضا، ووضع الحاضرين في آخر المستجدّات. وتحدّث (رحمه الله) عن ضرورة اتّخاذ موقف واضح حيال ما يجري في سبيل حفظ الحوزة العلميّة وصيانتها.
وبعد انتهاء السيّد الخميني (رحمه الله)، بادر السيّد الخوئي (رحمه الله) إلى الحديث عن سفره إلى لندن وعن التنظيم السائد في تلك المدينة ومستشفياتها وأطبّائها، واصفاً منتزهاتها وأشجارها وما فيها من مظاهر الطبيعة. وقد أزعج هذا الموقف السيّد الخميني (رحمه الله)، ولكنّه لم يُظهر شيئاً من ذلك.
ولمّا خرج من البيت وصعد إلى السيّارة قال ما ترجمته: «يبدو أنّ السيّد الخوئي لا يعلم شيئاً عن مخطّطات ومكائد حزب البعث، أو أنّه على علمٍ بذلك، ولكنّه اطمأنّ إلى ما يقوله هؤلاء - البعثيّون- واعتمد عليهم. ولذلك، ففي الوقت الذي أشعر فيه بالقلق الشديد إزاء ما يجري حاليّاً، فإنّه وبكل راحة يتحدّث عن أوضاع لندن. وإذا كان قد اطّلع لتوّه على ما وصل إليه الأوروبيّون من ترقٍّ وتطوّر، فأنا ومنذ سنوات على علمٍ بما توصّلوا إليه من إنجازات في الأمور الماديّة والدنيويّة. وما يدعو إلى الأسف في هذا المجال هو أنّنا لا نعمل لدنيانا ولا لآخرتنا، وأنّنا في كلا الحقلين متخلّفون.
تلفيقاً بين: خاطرات آيت الله خاتم يزدى (فارسي): 108- 109؛ خاطرات سياسى (2)، سيّد على اكبر محتشمى (فارسي): 166. ومن الواضح أنّ مراد السيّد الخوئي (رحمه الله) هو تغيير الموضوع محلّ الكلام لا إبداء الإعجاب بما رآه في لندن.
السيّد الخوئي (رحمه الله) يكذّب البيان الذي نسب إليه
بعد أربعة أو خمسة أشهر من انتشار جواب السيّد الخوئي (رحمه الله) عن سؤال علي رضا، كان الدكتور صادق الطباطبائي- ابن أخت السيّدة أم جعفر الصدر [زوجة الإمام الشهيد الصدر]- في زيارةٍ إلى النجف الأشرف، وكان يحمل مجموعة من الأسئلة الفقهيّة التي كلّفته الجالية الإيرانيّة في أوروبا بنقلها إلى السيّد الخوئي (رحمه الله)، إضافةً إلى الاستفسار عن صحّة البيان الذي نشر موقّعاً منه، والذي يرتبط بتسفير الإيرانيّين.
وقبل ذهابه إلى السيّد الخوئي (رحمه الله) زار الدكتور الطباطبائي السيّد الصدر (رحمه الله)، وعرض عليه ما سيعرضه على السيّد الخوئي (رحمه الله)، وممّا قاله له:
«إنّني سأسأله عن حكم حلق اللحية وحكم مصافحة النساء الأجنبيّات، فما هو رأيه؟!»، فأجابه السيّد الصدر (رحمه الله):
«عليك أن تسأله شخصيّاً، ولكن في ما يتعلّق بحكم حلق اللحية، أظنّ أنّه سيجيبك بالجواز».
وفي مجلس السيّد الخوئي (رحمه الله) سأل الدكتور الطباطبائي عن الجواب المرتبط بتسفير الطلبة الإيرانيّين والذي كان مختوماً بختم السيّد الخوئي (رحمه الله)، فأجاب الأخير:
«هذا البيان مزوّر ولم يصدر منّي، ويُمكنك أن تكذّبه عنّي»،
فقال له الدكتور: «إنّهم زوّروا الختم، وأنا أطلب منك أن تكتب لي أنّك تكذّب ما جاء فيه ثمّ تختمه لي حتّى يُمكنني أن أكذّبه
»، فأجابه (رحمه الله):
«لا، أنتْ كذّبه عنّي وهذا يكفي»،
فأجابه الدكتور: «إذا لم تكتب لي ذلك ولم تختمه فلا يُمكنني أن أكذّبه عنك».
وسأله عن حكم مصافحة الأجنبيّة فلم يجبه، ثمّ سأله عن حكم حلق اللحية فأجابه بالجواز، فطلب منه أن يكتب له ذلك، فرفض وطلب منه أن ينقل للجالية الإيرانيّة ذلك شفاهاً عنه.
وبعد انتهاء الزيارة زار الدكتور الطباطبائي السيّد الصدر (رحمه الله) في منزله وعرض عليه ما حصل، ثمّ سأله عن السرّ في أنّ السيّد الخوئي (رحمه الله) رفض أن يعطيه الفتوى مكتوبة، فأجاب السيّد الصدر (رحمه الله):
«نحن لدينا فقهان، فقهٌ بازاري وفقهٌ سنّتي ونبوي: أمّا الفقه البازاري فينظر في حاجات البازار ويفتي لكلّ بازار بحسب ما يتقبّل، والبازار النجفي لا يتقبّل فتوى جواز حلق اللحية فنفتيه بالحرمة، بخلاف بازارك وبازار الجاليات في أوروبا الذي يتقبّل ذلك، فنفتيه بالجواز.
أمّا الفقه السنّتي والنبوي، فهو الفقه الذي ينظر في الأدلّة ويفتي على وفق مؤدّاها.
يقول احمد ابو زيد العاملي بعد نقله الموضوع أعلاه قائلا:
حدّثني بذلك الدكتور صادق الطباطبائي بتاريخ 11/ 7/ 2005 م، وما يتعلّق بالمصافحة ذكره لي لاحقاً.
أقول: هذا ما نقلناه عن المصدر بدقّة، وأجده- في الجملة- غير بعيد عن مذاق السيّد الصدر (رحمه الله) إذا تمّ ترميمه؛ إذ ليس مراده (رحمه الله) أنّ المرجع قد توصله الأدلّة إلى الحرمة فيفتي بالجواز على ضوء حاجات البازار، بل مراده أنّه قد يصل إلى الجواز، ولكنّه لا يفتي به من باب الاحتياط في الفتوى، أو من باب العنوان الثانوي الذي يلتزم به السيّد الصدر (رحمه الله) أيضاً، من قبيل ذهابه (رحمه الله) إلى عدم وجود دليل على حرمة (لعبة الورق)، ولكنّه كان يحرّمها من باب (الولاية)، وليس ذلك إلّا من باب العنوان الثانوي- إلّا عند من يرى أنّ ما ينشئه الحاكم حكم أوّلي- لما يجده مثلًا من مضار ومفاسد اجتماعيّة يسبّبها اللعب بهذه اللعبة. وهذا الكلام يجري كذلك في الاتّجاه المعاكس، أي أنّ الفقهاء قد يسكتون عن أمور يرونها محرّمة مراعاةً لبازار الناس، من قبيل الموارد التي ينهج فيها الناس في ممارسة بعض الشعائر مناهج لا يرتضيها الشرع وباعتراف العلماء أنفسهم، أو أنّها تحوّلهم عن الهدف المنشود ولو كانت مباحة بالاصطلاح الفقهي، ومع ذلك يسكتون.
بل قد يكون العامل المالي دخيلًا في السكوت عن بعض الأمور، كما هو الحال في ما نقلناه في مطاوي الكتاب[موسوعة الشهيد الصدر في حقائق ووثائق] (ضمن أحداث سنة 1387 هـ- لدى الحديث عن طباعة دار الفكر كتاب اقتصادنا) وقول السيّد الصدر (رحمه الله) للأستاذ محمود سالم صاحب دار الفكر: إنّ مشكلة علماء السنّة هي أنّهم يقبضون رواتبهم من الحكومة فهم عنها ساكتون، وأمّا علماء الشيعة فيعتمدون على الحقوق الشرعيّة التي يأخذونها من الناس، ولذلك كثيراً ما يراعونهم (راجع كذلك ما نقلناه حول الشيخ صاحب الجواهر (رحمه الله) وتقييم السيّد محسن لبعض ما قام به ضمن مقدّمة الكتاب).
كما من الواضح أنّ مرادنا من دخالة العامل المادي هو أنّ الفقيه يوازن بين التساهل مع الناس في ما يعتقدونه ويمارسونه وبالتالي بقاء الموارد الماليّة على حالها، وبين شجب ما يعتقده باطلًا وبالتالي خسران شيء أو كثير منها، وحيث إنّها قوام أعماله ونيابته فغالباً ما يقدّم الأوّل على الثاني، والنتيجة منوطة بقناعات الفقيه وقدرته على الموازنة بين الأمور.
أقول: هذا ما نقلناه عن المصدر بدقّة، وأجده- في الجملة- غير بعيد عن مذاق السيّد الصدر (رحمه الله) إذا تمّ ترميمه؛ إذ ليس مراده (رحمه الله) أنّ المرجع قد توصله الأدلّة إلى الحرمة فيفتي بالجواز على ضوء حاجات البازار، بل مراده أنّه قد يصل إلى الجواز، ولكنّه لا يفتي به من باب الاحتياط في الفتوى، أو من باب العنوان الثانوي الذي يلتزم به السيّد الصدر (رحمه الله) أيضاً، من قبيل ذهابه (رحمه الله) إلى عدم وجود دليل على حرمة (لعبة الورق)، ولكنّه كان يحرّمها من باب (الولاية)، وليس ذلك إلّا من باب العنوان الثانوي- إلّا عند من يرى أنّ ما ينشئه الحاكم حكم أوّلي- لما يجده مثلًا من مضار ومفاسد اجتماعيّة يسبّبها اللعب بهذه اللعبة. وهذا الكلام يجري كذلك في الاتّجاه المعاكس، أي أنّ الفقهاء قد يسكتون عن أمور يرونها محرّمة مراعاةً لبازار الناس، من قبيل الموارد التي ينهج فيها الناس في ممارسة بعض الشعائر مناهج لا يرتضيها الشرع وباعتراف العلماء أنفسهم، أو أنّها تحوّلهم عن الهدف المنشود ولو كانت مباحة بالاصطلاح الفقهي، ومع ذلك يسكتون.
بل قد يكون العامل المالي دخيلًا في السكوت عن بعض الأمور، كما هو الحال في ما نقلناه في مطاوي الكتاب[موسوعة الشهيد الصدر في حقائق ووثائق] (ضمن أحداث سنة 1387 هـ- لدى الحديث عن طباعة دار الفكر كتاب اقتصادنا) وقول السيّد الصدر (رحمه الله) للأستاذ محمود سالم صاحب دار الفكر: إنّ مشكلة علماء السنّة هي أنّهم يقبضون رواتبهم من الحكومة فهم عنها ساكتون، وأمّا علماء الشيعة فيعتمدون على الحقوق الشرعيّة التي يأخذونها من الناس، ولذلك كثيراً ما يراعونهم (راجع كذلك ما نقلناه حول الشيخ صاحب الجواهر (رحمه الله) وتقييم السيّد محسن لبعض ما قام به ضمن مقدّمة الكتاب).
كما من الواضح أنّ مرادنا من دخالة العامل المادي هو أنّ الفقيه يوازن بين التساهل مع الناس في ما يعتقدونه ويمارسونه وبالتالي بقاء الموارد الماليّة على حالها، وبين شجب ما يعتقده باطلًا وبالتالي خسران شيء أو كثير منها، وحيث إنّها قوام أعماله ونيابته فغالباً ما يقدّم الأوّل على الثاني، والنتيجة منوطة بقناعات الفقيه وقدرته على الموازنة بين الأمور.
ملاحظة: هذا ما اردنا نقله عن بعض كل ما ذكر في المشاركات الاخيرة ونترك للقاريء المراجعة والتدقيق والمقارنة في كل ما قيل وكيف صدرت الفتوى بتوقيع السيد الخوئي رحمه الله وكيفية تعامل الحاشية مع الشهيد الصدر ومواقف العلماء ومن ضمنها موقف الإمام الخوئي من القضايا المطروحة !!
وأما أسباب ذلك وما قد يراه المتابع من سكوت الإمام الخوئي رحمه الله عن بعض الأمور فتركه لحديث آخر وإن كنت قد قدّمت رأيي في الموضوع فليراجع ذلك ولنستريح من هذه الفوضى والاتهامات الرخيصة والادلاء بالكلام من دون علم والدخول في المهاترات التي هي بعيدة كل البعد عن الواقع الحقيقي للمسائل!!
وفيما ذكر كفاية لكل معتبر!! رحم الله علماء الدين الماضين وحفظ الله تعالى الباقين وسددهم وأيدهم بعونه تعالى ومنته وجعل عواقب امورنا الى خير والحمد لله رب العالمين!! اللهم قد بلغت اللهم فأشهد.
تعليق