في بداية المقال أود أن أبين ما أسباب هذا المجال وفي كل حينٍ هناك درس وفي كل درس فائدة ودراية ، الباقية في هذه المسألة هي مسألة حسن الخلق وما قد يكون سبباً في عدم إظهارها على ما يجب المهم في القول وأسباب هذا الكلام أنني في طور العمل على تعيين مراقبي الأقسام ، وكان الإختبار الذي على أساسه العمل به من أصاحب الشأن هو مدى المقدار في تحمل الأقدار ، لم يكن مناسباً مع وضعيتي كشخصية المسئول ، ولكن عملت في شأنه متوازياً في أمره ولكن من الغوافل أنا والسبب أنه لا يتناسب وفكرتي كإنسان فأعتذرت من الله قبلاً وأحسنت الباقي بالبواقي خلقاً ومن هذا كان إستقراري على أمرٍ جديد وهو أن الحسن والكمال في الخلق لا يحكمه عمل ولا فعل بل السريرة التي الإنسان عليها من طيبة وتسامح وتراحم والنظر بعين الله في شئون العباد ، أفيعجب الإنسان من حكم إنسان والله في خلقه شأن ، فلتذهب إلى الجحيم أيها الظان !
فدرس اليوم ( حسن الخلق ) وهو مأخوذ نوعاً وتفسيره بالفائدة جزماً
تكلم كثير من الفلاسفة والحكماء في حقيقة حسن الخلق ولم يتوصلوا إلا لبعض نتائجه دون أن يستوعبوا حقيقته بل ذكر منهم ما خطر له منها وما كان حاضراً في ذهنه. ولقد اعتبر الغزالي نفسه ممن توصلوا إلى الكشف عن هذه الحقيقة فقال: (فالخلق عبارة عن هيئة في النفس راسخة عنها تصدر الأفعال بسهولة ويسر من غير حاجة إلى فكر وروية. فإن كانت الهيئة بحيث تصدر عنها الأفعال الجملية المحمودة عقلاً وشرعاً، سميت تلك الهيئة خلقاً حسناً وإن كان الصادر عنها الأفعال القبيحة، سميت الهيئة التي هي المصدر خلقاً سيئاً) (14).
هذا المعنى الذي تكلم عنه الغزالي، لا يوضح فيما إذا كان الخلق أمر مركوز ومطبوع في الجبلة مذ الميلاد، أم أنه مكتسب بالمران والعادة طيلة أيام الدنيا ومع ذلك فإن إيجابيته تكمن في جعل الخلق شيء طبيعي يصدر عن النفس تماماً كصدور النور عن الشمس من غير فكر ولا روية لأن التكلف يوحي بالرياء والمراوغة وغير ذلك من الأفعال القبيحة.
ولقد كان الإمام علي (عليه السلام) أبدع تصويراً وأشكل إحاطة بحقيقة حسن الخلق من خلال شرحه لحال العارف المطلق الذي خصه الله بألطاف بحيث تصدر عنه الأفعال بالفطرة ومن غير فكر وروية تتأكد بالممارسة العملية الصادقة. من ذلك قوله: (عباد الله، إن من أحب عباد الله إليه، عبداً أعانه الله على نفسه فاستشعر الحزن، وتجلبب الخوف فزهر مصباح الهدى في قلبه وأعد القرى ليومه النازل به فقرّب على نفسه البعيد، وهوّن الشديد، نظر فأبصر، وذكر فاستكثر، وارتوى من عذب فرات سهلت له موارده، فشرب نهلاً، وسلك سبيلاً جدداً، قد خلع سرابيل الشهوات وتخلى عن الهموم إلا هماً واحداً انفرد به. فخرج من صفة العمى ومشاركة أهل الهوى، وصار من مفاتيح أبواب الهدى، ومغاليق أبواب الردى، وقد أبصر طريقه، وسلك سبيله، وعرف مناره، وقطع غماره، واستمسك من العرى بأوثقها، ومن الحبل بأمتنها. فهو من اليقين على مثل ضوء الشمس، قد نصب نفسه لله سبحانه في أرفع الأمور، من إصدار كل وارد عليه، وتصيير كل فرع إلى أصله، مصباح ظلمات، كشاف عشوات، مفتاح مبهمات، دفاع معضلات، دليل فلوات، يقول فيفهم، ويسكت فيسلم، قد أخلص لله فاستخلصه، فهو من معادن دينه، وأوتاد أرضه. قد ألزم نفسه العدل فكان أول عدله نفي الهوى عن نفسه. يصف الحق ويعمل به، لا يدع للخير غاية إلا أمها، ولا مضنة إلا قصدها، قد أمكن الكتاب من زمامه، فهو قائده وإمامه، يحل حيث حل ثقله، وينزل حيث كان منزله) (15).
هذا النص يفسر حقيقة حسن الخلق بكونه لطفاً إلهياً أمد الله به أخلص عباده إليه، يختار عنده الحسن ويتجنب القبيح من غير روية وإعمال فكر. ولقد حدد الطرق التي ينبغي أن يسلكها العارف كي يخصه الله بلطفه، وهذه الطرق تتمثل بالعبادة والزهد وطلب العلم وقول الحق.
أما العبادة، فهي في الإخلاص لله والتورع عن محارمه والاستكثار من ذكره والتفرد بمناجاته ومطالعة أنوار عزته حتى تتكيف نفسه بتلك الكيفية العظيمة الإشراق.
ويظهر الزهد في قطع علائقه بالدنيا والتخلي عن همومها إلا هماً واحداً وهو أن يلقى الله راضياً مرضياً، وأن يطلب العلم ويهتدي بنوره لنهج السبيل الحق حتى يصبح قادراً على كشف المبهمات وحل المعضلات. ويتمكن من دينه ويسلك بوحي منه ويجيب بالحق عن كل سؤال وإن يحكم بالعدل ويلزم نفسه به ويقول الحق ولو كان عليه.
هذه الطرق إذا سلكها الإنسان استخلصه الله وأيده بلطفه فصارت تصدر عنه الأفعال بالطبع لا بالتكلف. وهكذا فإن حسن الخلق يتأكد بالممارسة الدينية والدنيوية السليمة ويصبح من سجايا النفس الطبيعية فيصدر عنها بعون الله من غير فكر أو روية.
تلك هي أبرز معالم التربية الخلقية التي اعتمدها الإمام علي (عليه السلام) في سبيل إعداد الإنسان العالم المؤمن الذي اهتدى بنور العلم والإيمان إلى نهج السبيل الحق وتغلب على نفسه الأمارة بالسوء وسلك طريق العلم والعمل بوحي من ضميره الخلقي وحق له أن يكون من خلفاء الله في أرضه، الذي يخضع فكراً وسلوكاً لأحكامه وتعاليمه الداعية إلى عمارة الأرض وصلاحها لخير العباد وصلاحهم.
فدرس اليوم ( حسن الخلق ) وهو مأخوذ نوعاً وتفسيره بالفائدة جزماً
تكلم كثير من الفلاسفة والحكماء في حقيقة حسن الخلق ولم يتوصلوا إلا لبعض نتائجه دون أن يستوعبوا حقيقته بل ذكر منهم ما خطر له منها وما كان حاضراً في ذهنه. ولقد اعتبر الغزالي نفسه ممن توصلوا إلى الكشف عن هذه الحقيقة فقال: (فالخلق عبارة عن هيئة في النفس راسخة عنها تصدر الأفعال بسهولة ويسر من غير حاجة إلى فكر وروية. فإن كانت الهيئة بحيث تصدر عنها الأفعال الجملية المحمودة عقلاً وشرعاً، سميت تلك الهيئة خلقاً حسناً وإن كان الصادر عنها الأفعال القبيحة، سميت الهيئة التي هي المصدر خلقاً سيئاً) (14).
هذا المعنى الذي تكلم عنه الغزالي، لا يوضح فيما إذا كان الخلق أمر مركوز ومطبوع في الجبلة مذ الميلاد، أم أنه مكتسب بالمران والعادة طيلة أيام الدنيا ومع ذلك فإن إيجابيته تكمن في جعل الخلق شيء طبيعي يصدر عن النفس تماماً كصدور النور عن الشمس من غير فكر ولا روية لأن التكلف يوحي بالرياء والمراوغة وغير ذلك من الأفعال القبيحة.
ولقد كان الإمام علي (عليه السلام) أبدع تصويراً وأشكل إحاطة بحقيقة حسن الخلق من خلال شرحه لحال العارف المطلق الذي خصه الله بألطاف بحيث تصدر عنه الأفعال بالفطرة ومن غير فكر وروية تتأكد بالممارسة العملية الصادقة. من ذلك قوله: (عباد الله، إن من أحب عباد الله إليه، عبداً أعانه الله على نفسه فاستشعر الحزن، وتجلبب الخوف فزهر مصباح الهدى في قلبه وأعد القرى ليومه النازل به فقرّب على نفسه البعيد، وهوّن الشديد، نظر فأبصر، وذكر فاستكثر، وارتوى من عذب فرات سهلت له موارده، فشرب نهلاً، وسلك سبيلاً جدداً، قد خلع سرابيل الشهوات وتخلى عن الهموم إلا هماً واحداً انفرد به. فخرج من صفة العمى ومشاركة أهل الهوى، وصار من مفاتيح أبواب الهدى، ومغاليق أبواب الردى، وقد أبصر طريقه، وسلك سبيله، وعرف مناره، وقطع غماره، واستمسك من العرى بأوثقها، ومن الحبل بأمتنها. فهو من اليقين على مثل ضوء الشمس، قد نصب نفسه لله سبحانه في أرفع الأمور، من إصدار كل وارد عليه، وتصيير كل فرع إلى أصله، مصباح ظلمات، كشاف عشوات، مفتاح مبهمات، دفاع معضلات، دليل فلوات، يقول فيفهم، ويسكت فيسلم، قد أخلص لله فاستخلصه، فهو من معادن دينه، وأوتاد أرضه. قد ألزم نفسه العدل فكان أول عدله نفي الهوى عن نفسه. يصف الحق ويعمل به، لا يدع للخير غاية إلا أمها، ولا مضنة إلا قصدها، قد أمكن الكتاب من زمامه، فهو قائده وإمامه، يحل حيث حل ثقله، وينزل حيث كان منزله) (15).
هذا النص يفسر حقيقة حسن الخلق بكونه لطفاً إلهياً أمد الله به أخلص عباده إليه، يختار عنده الحسن ويتجنب القبيح من غير روية وإعمال فكر. ولقد حدد الطرق التي ينبغي أن يسلكها العارف كي يخصه الله بلطفه، وهذه الطرق تتمثل بالعبادة والزهد وطلب العلم وقول الحق.
أما العبادة، فهي في الإخلاص لله والتورع عن محارمه والاستكثار من ذكره والتفرد بمناجاته ومطالعة أنوار عزته حتى تتكيف نفسه بتلك الكيفية العظيمة الإشراق.
ويظهر الزهد في قطع علائقه بالدنيا والتخلي عن همومها إلا هماً واحداً وهو أن يلقى الله راضياً مرضياً، وأن يطلب العلم ويهتدي بنوره لنهج السبيل الحق حتى يصبح قادراً على كشف المبهمات وحل المعضلات. ويتمكن من دينه ويسلك بوحي منه ويجيب بالحق عن كل سؤال وإن يحكم بالعدل ويلزم نفسه به ويقول الحق ولو كان عليه.
هذه الطرق إذا سلكها الإنسان استخلصه الله وأيده بلطفه فصارت تصدر عنه الأفعال بالطبع لا بالتكلف. وهكذا فإن حسن الخلق يتأكد بالممارسة الدينية والدنيوية السليمة ويصبح من سجايا النفس الطبيعية فيصدر عنها بعون الله من غير فكر أو روية.
تلك هي أبرز معالم التربية الخلقية التي اعتمدها الإمام علي (عليه السلام) في سبيل إعداد الإنسان العالم المؤمن الذي اهتدى بنور العلم والإيمان إلى نهج السبيل الحق وتغلب على نفسه الأمارة بالسوء وسلك طريق العلم والعمل بوحي من ضميره الخلقي وحق له أن يكون من خلفاء الله في أرضه، الذي يخضع فكراً وسلوكاً لأحكامه وتعاليمه الداعية إلى عمارة الأرض وصلاحها لخير العباد وصلاحهم.
تعليق