«إشتراك الأدیان»
إن عالم اليوم هو عالم الاختلاف و النزاعات بين الناس. فلهذا یجب أن نبحث حول مشترکات عالمیا و نرکّز علیها لتقلیل النقاشات و تسوية الأزمات.إن إحدى المشتركات المهمة بين کثير من الناس هو الإلتزام بالشريعة.إن معظم الناس في عالمنا اليوم يأخذون الأديان الإلهية کقدوة لهم. إن من بين الأديان السماوية فإن الإسلام و المسيحية و اليهودية لها جذور تمتدّ الى الدين الإبراهيمي و يمكن مشاهدة انعكاس مقام التوحيد في النبي إبراهيم (عليه السلام) بشكل واضح في القرآن و التوراة و الإنجيل. لذا يمكننا أن نتّخذ النبي إبراهيم (عليه السلام) أباً مشتركاً و مركز تجلي الدين الإلهي و وسيلة تقارب و إشتراك و إتحاد فيما بين الأديان السماوية.
فمثلاً ، يقول الله عز وجل في القرآن الكريم حول النبي إبراهيم (عليه السلام): "و إذ ابتلى? إبراهیم ربّه بکلمات فأتمّهنّ قال إنّي جاعلك للنّاس إماما ..."(1)
و قد أتى في التوراة حديثاً مشابهاً (و هو أن الله عز و جل قال لإبراهیم (عليه السلام)): "اما انا فهوذا عهدي معك و تكون أبا لجمهور من الأمم(2)"(3)
و يقول النبي عيسى (عليه السلام) في الإنجيل مخاطباً قومه: "أبوكم إبراهيم تهلل بان يرى يومي فراى و فرح"(4)
لذا إذا استطعنا نحن أتباع الأديان السماوية أن نتفاهم فيما بيننا حول شخصية و الدين الفطري و الإلهي الذی قد طرحه أبينا النبي إبراهيم (عليه السلام) ، فبالقطع سوف يحلّ السلام فيما بيننا و نستطيع أن نتعايش مع بعضنا البعض بسلام.
لکی نتمتع بهذا الإشتراک و التعایش يذکر القرآن الکریم وصفاً من نبینا ابراهیم إذ يقول: "و اذکر فی الکتاب إبراهیم إنّه کان صدّیقا نبیا"(5) يمكننا أن نتلقّی من هذا الوصف أصلاً دينياً مشتركاً انه يجب على كافة الناس أن يكونوا صادقين.
و لكن ما الذي فعله النبي إبراهيم خليل الله (عليه السلام) و حصل على هذه الدرجة الرفيعة عند الله؟ إذا راجعنا الكتب السماوية و التأریخ نجد أنّ النبي إبراهيم (عليه السلام) كان أبتلي بامتحاناتٍ إلهية طول حياته و كان يخرج من جميعها بنجاحٍ. و من إحدى هذه الامتحانات التى إجتازها النبي إبراهيم (عليه السلام) و خرج منها بنجاحٍ لينال مقام الإمامة كان ذبح فلذة كبده النبي إسماعيل (عليه السلام). و إعطاءه اسماعیل في کبر سنه کان بلاء آخر من عند الله و مع ذلك و على رغم المحبة الشديدة التي كان يحملها النبي إبراهيم (عليه السلام) لإبنه إسماعيل (عليه السلام) فهو لم يرتاب أبداً لتنفيذ الأمر الإلهي. و لكن كان تقدير رب العالمين غير ذلك و لم يقطع السكين المأمور من الله عنق إسماعيل.
و لذلك فقد أصبح هذا اليوم عيداً من الله لكافة الناس. إن عيد الأضحی هو عيد الطاعة المطلقة لله سبحانه و تعالى. فلذا إن هذا العيد لا يختص بالمسلمين فحسب. لأننا عباد له سبحانه بأجمعنا و هو مولانا و إن إبراهیم (علیه السلام) هو من قبله أب لنا و مرکز لإشتراکنا. لذا يجب على كافة الناس أن يتخذوا هذا اليوم العالمي عيداً ...
(مأخوذ من کتاب: "بحوث في الرؤی (المجلد 1)"، بقلم: المرحوم العلامة محمد التقي الجعفري (مع بعض التلخیص و الإضافات
تعليق