ظن كثير من أهل العلم والفضل بأن مسألة الإسراء المذكورة في القرآن الكريم هي مقدمة لحكاية المعراج. نرى اليوم بأن بعض إخواننا من الزعماء الدينيين، يقرؤون آية الإسراء ثم يقولون: ومن المسجد الأقصى صعد الرسول إلى السماوات العلا بعد أن صلى في الأنبياء وبعضهم يقول من مكان مسجد الصخرة الأموي! وسنوضح خطأ هذه الفرضية في نهاية هذا البحث. وإذا قلنا لهم بأن المعراج لم يُذكر في القرآن ولم يُشر إليها في السورة الطويلة التي ابتدأت بذكر الإسراء فكيف يكون ذلك؟ هناك نسمع منهم الرد بأن الله تعالى ذكر المعراج في سورة النجم. وسوف نتعرف على هذا الاحتمال أيضا بعد أن نحلل بداية سورة النجم بمشيئة الله تعالى
إستدلالاتهم تقوم حول إمكانية المعراج فقط
ليس في الكتاب الكريم أي تصريح بحصول المعراج الذي يذكرونه مقرونا بالتأكيد الشديد في وقوعه حتما وجزما. وأخطر مسألة في المعراج المزعوم هي الاعتقاد بأنه من ضروريات الدين وبأن إنكاره يخرج المسلم من الملة. معاذ الله تعالى من هذه الغفلة الكبرى لدى علمائنا الأفاضل! والواقع هو أن الذي يدعي المعراج فعليه أن يأتي بالدليل عليه. من الطبيعي أن ننفي حصول أي أمر غير طبيعي لأي إنسان إلا إذا أقيم الدليل المعقول والمقبول على حصوله فعلا. فالقول بأن رسولنا الكريم لم يزر بريطانيا ولم يلتق بالملكة إليزابيث ولم يرشح نفسه لعضوية البرلمان ولم يأكل في المطاعم العربية في لندن ولم يركب الطيارة ولم ير السيارة ولم يحصل على الكمبيوتر ووو، كلها صحيحة وثابتة دون دليل. أما لو ادعى أحد حصول أي من تلك المنفيات الطبيعية فعليه أن يقدم الدليل المقبول. ولا يكفي إقامة الدليل بإمكانية الوقوع بل نحتاج إلى الدليل بفعلية الوقوع. ذلك لأن كل المنفيات التي ذكرناها قابلة للحصول ولكن ليس لشخص النبي المصطفى الذي توفي قبل 14 قرنا وكان في الجزيرة العربية. ولكن مسألة المعراج مغايرة للمنفيات المذكورة بأنها غير قابل الحصول أيضا كما سيأتي.
ونبدأ بإيراد الإشكالات العلمية على المعراج بالبدن الفيزيائي:
أولا: نفي إمكان العروج:
قال تعالى في سورة الحجر: وَلَوْ فَتَحْنَا عَلَيْهِم بَابًا مِّنَ السَّمَاء فَظَلُّواْ فِيهِ يَعْرُجُونَ ﴿14﴾ لَقَالُواْ إِنَّمَا سُكِّرَتْ أَبْصَارُنَا بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَّسْحُورُونَ ﴿15﴾ . ومعناها بأن الله تعالى لو فتح على الإنسان بابا يخرج منه إلى السماوات لظل يعرج فيه إلى الأبد فيتظنن بأنه قد سُحر أو سُكِّرت عينه لأنه سوف لا يصل إلى مكان في الواقع. والسبب العلمي في ذلك هو أن الكون في حال توسع بشهادة العلم وبشهادة القرآن أيضا. قال تعالى في سورة الذاريات: وَالسَّمَاء بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ ﴿47﴾. وسرعة الابتعاد عن بعضها البعض أكبر بكثير من السرعة التي يتمكن الجسم البشري من تحملها دون أن يتحول إلى موجود آخر. وليس صعبا أن نقوم بتجربة تأثير السرعة في الجسم. فلو قمنا بتحريك حيوان بشدة فإننا نرى بأن أطراف الحيوان تلتصق ببدنه إثر شق الهواء وهو السبب في دراسة ديناميكية الهواء على الأجسام قبل صناعة جسم قادر على التحرك بالسرعات الكبيرة. فكلما زدنا سرعة تحريك ذلك الحيوان فإن الأطراف سوف تزداد التصاقا بوسط الجسم حتى تتداخل بعضها في بعض. ولو قمنا بتزويد السرعة شيئا فشيئا فإن الجسم المذكور سوف ينكمش على نفسه حتى يفقد خواصه المادية ويتحول إلى موجود أقل كثافة مثل جزيئات النور وهكذا حتى يفنى ماديا في الواقع.
ثم إن الله سبحانه ينفي إمكان عروج النبي إلى السماء في سورة الإسراء عندما ألح عليه المشركون:أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِّن زُخْرُفٍ أَوْ تَرْقَى فِي السَّمَاء وَلَن نُّؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَابًا نَّقْرَؤُهُ قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنتُ إِلاَّ بَشَرًا رَّسُولاً. (93) فكيف ينفى الله صعود النبى أو رقيه أو عروجه فى السماء بعد طلب قريش ثم يعرج به بعد نفيه صعود البشر؟؟
والواقع بأن خلق إله مستحيل في نفسه ولا يُمكن أن يحصل إطلاقا. فكيف يقوم الله تعالى بعمل المستحيل؟ ولو قام به لكان ذلك الأمر ممكنا غير مستحيل. والمستحيل في نفسه غير ممكن الوقوع . فلو كان المطلوب موجودا في الخارج والحديث دائر حول إنزال فعل في ذلك الموجود فإن استحالة إنزال الفعل قد لا تكون راجعة للفاعل فحسب بل هي منوطة أيضا بذلك الموجود الذي لا يمكنه أن يقبل هذا الفعل إلا إذا تغيرت ماهيته. و إن الإنسان بما أنه عضو في عالم الفيزياء فإنه محكوم بالقوانين المادية المعروفة والمشهودة بيننا ولا يمكنه أن يتجاوز تلك القوانين قبل أن تتغير حقيقته. فإخراجُه من عالم المادة يتطلب تغييرَ حقيقته وهو تابع لمجموعة أخرى من قوانين الطبيعة التي تتطلب زمانا وتطورا ذاتيا لا يمكن تصورها في الليالي والأيام البشرية في الكرة الأرضية. ولو فرضنا حصوله، فإن تغيير الماهية يُخرج الموجود من حقيقته، فيصير إعادتُه إلى الحالة الأولى غيرَ جائز على الله تعالى إلا إذا تطور الموجود إلى طور أعلى من طوره الإنساني الأرضي الذي كان عليه قبل تغيير ماهيته. فلو أن الله تعالى بدَّلَ ماهيةَ إنسان بحيث يتمكن من الصعود في السماوات بسرعة أكبر بكثير من سرعة النور فهو متطور حينئذ إلى خلق أرفع بكثير من اللحم والعظم وبقية توابع المادة. فلا يجوز عودته إلى الحالة البشرية المادية وإلا ثبت القسر على الله تعالى وهو عيب وغير ممكن الحصول. والثابت أن الرسول عليه السلام بقي إنسانا بعد المعراج المزعوم وكان يأكل ويشرب ويتزوج وينام كما كان عليه قبل المعراج المفترض.
أما لو كان المطلوب إنزالُ الفعل عليه غيرَ موجود في الخارج فإن إنزال الفعل يتأخر عن خلق ذلك الموجود الخيالي ويتطلب تحويل الخيال إلى واقع قبل كل شيء. ولا يمكن إخراج الشريك الخيالي للذات القدسية من عالم الخيال إلى عالم الواقع قبل خلقه فيصير مخلوقا ولا يُمكن أن نعتبره إلها خالقا بعد أن خلقه الله تعالى. فلزم عدم إمكانية خلق الإله ولزم أن نُقَدِّرَ مسألةَ الإمكان حينما نتحدث عن أن الله تعالى قادر على فعل كل شيء.
فمن أين ( اختُلقت ) قصة المعراج ؟؟ سنتعرف على ذلك بعد أن اسمع الردود
تعليق