الحاضر غرس الماضي والمستقبل جني الحاضر .
بعد الانطلاق الامريكي في مشروع العولمة وتسيدها للموقف الدولي في بداية عقد التسعينيات من القرن المنصرم , كان العراق أول وأهم المشاريع التي باشرت بها عهد الامبراطورية الجديدة والتي من خلاله ( أي العراق ) جعلت العالم يدخل مرحلة الطاعة الامريكية حتى لايحل بهم الغضب المدعوم بالة حربية جبارة وقرارات أمم متحدة مفصلة ودولارات تغري ضعاف النفوس , فكل من كان ينوي التمرد كان يضع صورة العراق في مخيلته لتكون له رادعا وواعظا.فقد جعلت من العراق وعلى مدى أكثر من عقد حافل بالكثير من الماسي والويلات وعبرة لكل من يعتبر .
جزء من هذه القصة الكبيرة والتي تمتد لسنوات كثيرة مضت أيضا يبتدأ مجازا بعد خروج من تبقى من الجيش العراقي من الكويت عام 91 مدحورا في كارثة معاصرة قياسية, أصبح فيها الجيش العراقي أضحوكة تتناقلها ألسنة المتندرين , فقد كان مستشاروا صدام السياسيين يملكون من المؤهلات العلمية و والشخصية ما لايملكه نظرائهم في البلدان الاخرى .فقد كان طاقمه الذي يعكس خلاصة وجوده مكونا من بائعا للثلج ونائب ضابط وسائق شاحنة عسكرية وعامل كهرباء فني !
بهؤلاء وبضباط يؤدون التحية العسكرية لصدام حتى في أحلامهم وكانوا أجبن من أن يفكروا في الثورة عليه في عقلهم الباطن خوفا ورعبا على أنفسهم وعلى ذراريهم في الاصلاب وجندي عراقي أنهكهته ثمان سنوات من حرب عبثية وأوضاع معيشية صعبة ونظام متسلط يعد عليه أنفاسه وأحلامه. هذا الجيش وهذا الصدام تورط في تلك الحرب بعد أن أستدرجته أمريكا والانظمة العروبية الخليجية والمصرية الى فخ الكويت التي قدمها أشقائها ككبش فداء لمجزر المصالح الامريكية .
نفس هذه الانظمة هي التي كانت قد دفعت صدام وأغرته بالجاه العريض والسؤدد والاموال أن هو حارب ايران وقضى على النظام الاسلامي الوليد هناك حيث مولت الته الحربية لثمان سنوات عجاف أحرقت البلدين المسلمين بأسم الدفاع عن البوابة الشرقية للامة العربية ووجهت الثقل العسكري العراقي بعيدا عن الكيان الصهيوني في حرب القادسية الجديدة .
لم تكن أيران في ذلك الوقت تمثل أي تهديد لاعراب الجزيرة وارض الكنانة ولكنها كانت واقعا جديدا مؤلما لما تبقى لهم من ضمير كساه الجليد واحراج لايستطيعون التعامل معه خصوصا مع المشاريع الكثيرة التي تريدهم الولايات المتحدة السير فيها وانجازها , خصوصا وأن السادات كان قد زار قبل وقت قصير اسرائيل , فكان من الافضل لهم وخدمة ايضا للاسياد ان يزول أو يضعف هذا النظام الجديد من خلال حرب ضروس تهده والعراق معا كي يتخلصوا ايضا من المزايدات القومية والشعارات الرنانة للبعثيين , فكانت الحرب بالنسبة للاعراب
الحجر الذهبي لالتقاط العصافير .
أنتهت تلك الحرب دون مستوى الطموحات العروبية والغربية معا وكان لابد من الاستمرار في ذلك المشروع الكبير , وأصبح العراق ضعيفا هشا لايمكنه الاستمرار في تلك اللعبة ضد أيران بل أصبح صدام وبعد فوات الاوان خطرا يهدد تلك الانظمة التي ورطته في حرب أكبر من حجمه ثم تخلت عنه وبدأت تغدر به وهكذا دخل صدام الكويت في محاولة للهروب للامام للتخلص من الواقع الكارثي الذي كان قد حل به و يعيشه العراق.
كان لمملكة ال سعود الدور الاكبر كعراب للخطة الامريكية الجديدة بالمنطقة .
فهذه المملكة أستقدمت القوات الامريكية الى الجزيرة بعد أيام قلائل من غزو صدام للكويت للاستعانة بها ضد بطل البوابة الشرقية وفارسها !
و بقيت تلك القوات هناك لاكثر من عقد بعد طرد الجيش الغازي في رحاب ضيافة مملكة الحرمين , والتي عملت على حلب منطقة الخليج وأستنزاف ثرواتها وخيراتها بحجة الخطر الصدامي حتى نشف ضرع الخليج الغني وتيبست أوصاله وأصبحت الكثير من دوله تعاني من العجز الاقتصادي والافلاس وانهارت اسعار البترول حتى أصبحت لاتغطي كلفة استخراجه بالاضافة الى حصار الشعب العراقي حصارا مميتا أهلك الحرث والنسل .
بعد هذه الحرب ( لعبة الكويت ) وأندحار قوات صدام كان الجو مهيأ لسقوط نظامه وزوال كابوسه عن العراق .ولم يفوت الشعب العراقي هذه الفرصة السانحة حيث أنتفض في الجنوب والشمال لازاحة هذا النظام الارعن الذي جر الويلات والكوارث على العراق بحربين مدمرتين أتت على كل شئ ودمرت بنيته التحتية وحولته الى بلد فقير يعيش شعبه حياة الذل والمسكنة خدمة لاعراب الخليج وأسيادهم والامجاد الصدامية .
لكن المخطط الامريكي للمنطقة والعالم كان أبعد ما يكون من التخلص من هذا النظام بهذه السرعة وهذه البساطة ,بل لازال بالامكان الاستفادة منه ولم تحترق ورقته بالكامل, بل قدر للمنطقة مخطط طويل النفس وبعيد الاهداف والغايات .
لهذا لمس الشعب العراقي دور القوات الامريكية التي ساندت ووقفت مع ما تبقى من فلول جيش صدام وحرس جمهوره الخائب لسحق وقتل الشعب بكل وحشية وقسوة ونذالة لقمع أنتفاضته وأجهاضها, حيث دمرت المدن على رؤوس أصحابها مستعملا الدبابات والمدفعية وصواريخ سكود والطائرات المروحية لسحق المنتفضين و لم تنسحب القوات الامريكية من العراق الى دول الاعراب المجاورة الا بعد أن أطمأنت لزوال الخطر عن النظام الصدامي وبعد ان قتل ما لايقل عن ربع مليون مدني وهروب أكثر من مليوني عراقي الى دول الجوار , حيث لجأ الاعم الاغلب للجارة ايران وقسم الى مملكة الارهاب فضلا عن الاعداد الكبيرة من الجنود التي سلمت نفسها طواعية لقوات التحالف كي لاتكون أداة بيد صدام لقتل الناس الابرياء .
وخلال ثلاثة عشر عاما من الحصار لم يكن صدام المستهدف بل كان ثقله موجها للانسان العراقي والمواطن البسيط , حصارا أستهدف قوت ودواء وعقيدة ومستقبل العراقي وأطفاله . و كان النظام فرحا بهذه النتيجة , فالاقزام من هذا النوع لايفكرون الا بذواتهم الحقيرة , فلم يكن صدام يحلم بأنه سوف يبقى حاكما على العراق بعد هذه الكارثة العظمى التي حلت بالبلد بسببه ودمرته وكان على أستعداد هذه المرة أن يؤدي كل الادوار المطلوبة منه وهو معصب العينين لايناقش ولايشاكس ولايماكس , أما العنتريات والبطولات الزائفة التي يسربها اعلامه والمواقف الامريكية منه في تلك الفترة فهي لاستكمال اللعبة واتقانها واخراجها لمزيد من الاستغفال والضحك على الذقون بعلمه أو دون علمه , بل كان شريكا لهم بكل الجرائم التي أستهدفت الشعب في تلك الفترة , فمن أبسطها أنه كان يحرم الشعب من الدواء ويتخلص منه بحرقه وأتلافه ( خصوصا دواء الاطفال ) وكان يعرض جثث الاطفال في جنائز جماعية متباكيا على شاشات التلفاز من اثار الحصار على الشعب !.
( لهذا رأينا كيف أخرجوه حقيرا مهانا من حفرة أختبأ بها كالفئران في الغزو الاخير بعد أن أنتهت صلاحيته وصلاحياته فهذا هو صدام الحقيقي ).
الى هنا بدأ فصل جديد في حياة العراق والشرق الاوسط والعالم , فصل كانت 90 بالمئة من أوراقه بيد أمريكا وأصبحت حتى بعض الانظمة المتزنة في مشارق الارض ومغاربها خائفة مرتعبة من الغضب الامريكي , وأصبحت العلاقات العربية العربية في وضع لاتحسد عليه تعاني في ردهات العناية المركزة على وشك الموت النهائي, وهكذا صفيت القضية الفلسطينية على عجل وأرجع عرفات الى غزة وأريحا !
في سني الحصار تلك عملت المملكة العربية السعودية يدا بيد مع الامريكان بل عملت كتابع مطيع لسيده ومولاه . فالعالم بعد تحرير الكويت في عام 91 يفرق كثيرا عما سبقه , فاليوم النظام الشيوعي قد قبر وعادت ألمانيا الشرقية الى حظن الغربية وأنتفضت أوربا الشرقية وتحولت الى الرأسمالية والى أحضان الناتو وأستهدفت روسيا في عقر دارها وماجاورها ووصل الشرر أيضا الى حلفائها في البلقان .
ما يهمنا هنا هو ما تعرض له العراق خلال الحصار الامريكي وتهيأته للغزو اللاحق عام 2003 .
أمريكا تعلم أن العراق بلد مسلم وغالبية سكان الجنوب ينتمون للمذهب الجعفري وتربطهم روابط كبيرة بالشعب الايراني , روابط دينية وتاريخية وثقافية وحتى نسبية في كثير من الحالات , والعلاقة بين الشعبين علاقة جوار تمتد لالاف السنين ولايمكن أن تحل أمريكا بينهما في ليلة وضحاها خصوصا اذا علمنا أن أمريكا أنما تأتي باسم الحرية للشعب العراقي وتخليصه من الطغيان ومن ثم البقاء فيه ( بقاء قواعد عسكرية ) .فكان لابد من خطة ذكية طموح تعد على نار هادئة بنفس طويل لاجل اعداد العراق وشعبه لتقبل الاحتلال والوجود الامريكي بل والتعاون معه لفترة طويلة !
وهي تعلم مدى حساسية هذه المنطقة والتي من الممكن مع أي أخطاء ترتكبها تتحول الى بؤرة قوية جدا تهدد الوجود الامريكي والصهيوني في المنطقة , فأيران التي أستطاعت بنجاح أن تدعم حزب الله وتحوله الى قوة اقليمية يحسب لها الف حساب رغم بعد المسافة وقلة عدد شيعته مقارنة بقرب العراق وكثرة اعداد شيعته , بل أن ايران وصلت مساعداتها لقلب غزة المحاصرة عربيا وصهيونيا وحتى فلسطينيا وتمكنت من التأثير الفاعل فيه !
فكان لابد أولا من دق أسفين كبير بين شيعة العراق وشيعة ايران وهذه كانت من اهم وأخطر المهمات التي سعت وتسعى لها أمريكا وقد هيأت لهذا الامر الكثير من الشخصيات التي تدعي التشيع (كوادر حزب الدعوة تنظيم لندن ) وعلى مستويات دينية وأكاديمية عليا وأحزاب ومؤسسات كثيرة ذات سمعة طيبة في أوساط عامة الناس التي لاتعرف تفاصيل الصورة الكاملة , لغرض التأثير في نفسية ونظرة الفرد البسيط لتشيعه وولاءاته ومرجعياته الدينية ومن ثم العمل على تغيير أولوياته وقناعاته الراسخة المتوارثة من قرون كثيرة , لتكون المقدمة لتوجيه الضربة القاصمة لخاصرة التشيع والقضاء عليه من خلال أن ينهي وجوده بصورة ذاتية سلسة لاتراق فيها الدماء بل تراق فيها الافكار والعقائد ثم القضاء على ايران وحزب الله .
فيمكن أن نعتبر العراق وجنوبه وشيعته خصوصا أصبحوا ساحة تجارب ومختبرا أمريكيا كبيرا , فهذا المختبر كان موجها للعراق بالدرجة الاساس ولباقي المنطقة أيضا !
ظنت أمريكا أن صدام قاد العراقيين مجبرين لحرب جارتهم ولكنها بأمكانها قيادتهم طائعين لهذا الامر !
ينقل لي صديق قبل لاجئا في امريكا عام 92 قادما من رفحاء في مملكة الارهاب وكان قد أستقبل من قبل عائلة امريكية مكونة من اب عراقي يحمل الجنسية الامريكية وأم ترتدي الحجاب من أصل يوناني , يقول هذا الشخص ولكونه غريبا وجديدا هناك ويتكلم بعض الانجليزية أنه سأل المرأة عن أتجاه القبلة , فكان جواب هذه المستسلمة , أن قبلة السيد الخوئي بهذا الاتجاه وقبلة السيد الخميني بهذا الاتجاه !!!
يقول حينها أدركت وأستشعرت بعض الخطر الذي تعده لنا هذه الامريكا ورعاياها , فليست هناك قبلتان بل قبلة
واحدة انما المغزى من هذا الجواب هو لمعرفة رد فعلي خصوصا وأن نظراتها كانت تطاردني لمعرفة ما يجول بخاطري !
أمريكا وريثة الامبراطورية الانجليزية وهي تدرك عظم وخطورة موقع المرجعية في البناء الشيعي الهرمي القيادي بل أنها تدرك أن المرجعية بمثابة عمود الخيمة وهي رأس الامة وعقلها المفكر . وقد ركزت على هذا الامر كثيرا وكانت كالوسواس الخناس , حيث ركزت على مسألة الفقهاء الثوريين وفقهاء الحيض والنفاس مستفيدة من تجربة بعض أدعياء العمل الاسلامي في حربهم ضد المرجعية ( حزب الدعوة ) . بل لاأبالغ ان قلت أنهم كانوا أداة أمريكية غربية لهذا الامر بعد أن أغدقت عليهم الاموال وزفت لهم ملاذ الدنيا في دول المهجر فباعوا اخرتهم بثمن بخس دراهم معدودات .
وأيضا ركزت على مسألة المرجعية العربية والمرجعية الفارسية والمرجعية الامينة النزيهة والمرجعية التي كل همها الخمس والاموال !!!
وأيضا كان دور هذه النخبة المتشيعة لامريكا والغرب العمل على تشويه صورة النظام القائم في ايران واظهاره بمظهر النظام المنافق الميكافيلي الذي يسعى وراء مصالحه المادية مرتديا جلباب الدين .
وطبعت الكثير من الكتب لتوزع على الشباب والسذج وكان كتاب ما يسمى بمرجعية الميدان لعادل رؤوف خير دليل , بل طبعت أيضا كتب عقائدية كثيرة تناقش لتشكك بالكثير من مسلمات وموروثات الفكر الشيعي وخصوصياته ومنها كتاب لاياد الركابي لاأتذكر اسمه لكنه كان يناقش ما حدث في وقائع اليوم العاشر من محرم وكتاب (الشهيد الصدر سنوات المحنة وأيام الحصار ) وهذا كان كالنار على علم , والكثير من الكتب والمطبوعات بل حتى الاذاعات ودور النشر التي ترتدي الزي الشيعي لتضلل الناس وتفتك بتشيعهم .
وقد أختصرت لنا الولايات المتحدة مشكورة كل هذه الاشكاليات وخرجت لنا بمرجعية حركية عروبية تواكب العصر( مرجعية فضل الله ), مرجعية أمتلكت أمكانيات هائلة ماديا وكانت مدعومة من قبل ال سعود ايضا , مرجعية خرجت علينا بأفكار غريبة على التشيع والتدين , تعاليم دينية هينة لينة تغري الشباب وتعريهم ,مرجعية كان مقدرا لها عربيا أن تسحب البساط من تحت مرجعيات النجف وأيران ,
فكانت تركز وتستقطب الشباب لما يمثله من طاقة وحيوية في جسد المجتمع وما يمثله ايضا من مستقبل لهذه الامة,وطبعت كتب كثيرة تستقطب هذه الفئة خصوصا وكتاب دنيا الشباب خير دليل , فقد كانت تنوي السير به الى افاق مجهولة تفسد عليه دنياه واخرته , وقد أتضحت الصورة الان دون الحاجة للخوض في التفاصيل أكثر وقد فشل هذا المشروع فشلا كبيرا.
وقد عمل على نشر هذه المرجعية والترويج لها في امريكا والدول الغربية حزبا عراقيا يدعي الاسلام (حزب الدعوة )والكثير من اعضاءه اليوم يملكون صلاحيات كبيرة وخطيرة في قيادة العراق وحكمه !
كان هذا الحزب ولايزال يتخذ من المتمرجع الحركي الشبابي مرجعا له بل أن هناك معممين في البرلمان العراقي ( علي العلاق )عملوا كوكلاء لهذا المتمرجع في الدول الاسكندنافية , وأظنكم قد سمعتم بفضيحة هذا المعمم البرلماني العراقي الذي يستلم راتبا من وزارة الشؤون الدنماركية وهو يقبض ملايين الدنانير من الحكومة العراقية شهريا .
وفي العراق عمل صدام على نفس هذه الاهداف الامريكية وتقريبا بتفاصيل تشابه ما حدث خارج العراق من تركيزه ودعمه للمرجعية العربية وتوهينه ومحاربته لباقي المرجعيات الموجودة داخل البلد , حيث عمد الى وضع المراجع الاخرين قيد الاقامة الجبرية, بل وعمل ايضا على افراغ العراق من طلبة العلوم الدينية من غير العراقيين !
لكن الفارق هنا أن من أختاره صدام لهذا الدور كان يعرف حقيقة الامر والمخطط الكبير الذي يراد تمريره من خلاله ولكنه لم يكن ليساوم على دينه بل حاول العمل على أنتهاز هذه الفرصة للسير بالمشروع الى مصلحة غير المصلحة المرجوة أمريكيا فكان مصيره وولديه والكثير من أتباعه الشهادة .
فالحصار الظالم الذي تعرض له الشعب العراقي وخصوصا شيعة الجنوب كان وحشيا لدرجة أن الكثير قد فقد معه عقله وقسم قد تخلى عن كثير من عاداته وقيمه ومبادئه لاطعام أفراد اسرته والبعض قرر أنهاء حياته وأسرته فلاطاقة له على تحمل الحياة بهذه الصورة البشعة , وكان سعيد الحظ من ينجو بنفسه ويهجر العراق حيث لاعودة لهذا البلد الذي كتب عليه الخراب والدمار والبؤس والشقاء .
حتى تفهم عزيزي القارئ الكريم ما أتكلم عنه , أن الموظف العراقي في تلك الايام كان راتبه لايتجاوز الدولارين شهريا وهي لاتكفيه مصروفا الا اياما قلائل !!!
وقد وصل الاستهتار السلطوي والفساد في أجهزة الدولة ولجلاوزة صدام الى درجة يصعب معها التصديق .فكان الموسرين ماديا في العراق يمكنهم فعل اي شئ من رشوتهم للنخب الحاكمة حتى وصل الامر أن الجلاوزة كانوا يعدمون البعض بدلا عن البعض الاخر مقابل مبالغ من المال . وظهرت جرائم في المجتمع جديدة طارئة عليه يقشعر لها البدن فكانت على سبيل المثال هناك عصابات تخطف الصبية والاطفال لغرض سرقة أعضائهم وبيعها والتخلص من الجثث أما أساليب النصب والسرقةوالرشوة فقد وصلت الى درجات خطيرة.
أرادت أمريكا بحصارها ذاك أن يفقد هذا الشعب كل علاقة ووشائج مع الدين والاخلاق والقيم والمبادئ ويتحول الى مخلوق امريكي غربي تافه همه من دنياه علفه . وهي بهذا تضمن أن يكون مرحبا بها أن هي أذاقته بعض حلاوة الدنيا بعد المرارة الكبيرة والعلقم الذي تجرعه ويكون خادما مطيعا لها لانجاز مشروعها الكبير لما تسميه بالشرق الاوسط الكبير الذي يكون بديلا عن الانظمة القائمة والكيانات التي عفا عليها الزمن ولم تعد مجدية الا كونها عبأ على مولاها حيث لعب عامل الزمن بها من شيخوخة وترهل وسواد صفحات لايمكن تجميلها !.
وعملت أيضا على نشر الامية والتخلف بالعراق كنتيجة حتمية لذلك الحصار, حيث تسرب الكثير من الابناء من المدارس في سن مبكرة للشوارع بحثا عن العمل والقوت وتحول الشعب الى شعب أمي وهناك اليوم الكثير من الشباب وبأعداد كبيرة لايعرف القراءة والكتابة ويكونون فرائس سهلة الاصطياد لكل داعية ضلال وفتنة وصاحب ضمير ميت .
تلك يمكن أن نقول أنها كانت الخطة ألف للعراق والمنطقة , والمعروف عن أمريكا أنها تعد خططا كثيرة في ذات الوقت , فأذا فشلت أحداها فهي سرعان ما تباشر العمل في الخطة الاخرى مع الابقاء على بعض الامل في نجاح الاولى , فهي لاتعرف اليأس ولا الملل ولا الكلل , .
بعد الانطلاق الامريكي في مشروع العولمة وتسيدها للموقف الدولي في بداية عقد التسعينيات من القرن المنصرم , كان العراق أول وأهم المشاريع التي باشرت بها عهد الامبراطورية الجديدة والتي من خلاله ( أي العراق ) جعلت العالم يدخل مرحلة الطاعة الامريكية حتى لايحل بهم الغضب المدعوم بالة حربية جبارة وقرارات أمم متحدة مفصلة ودولارات تغري ضعاف النفوس , فكل من كان ينوي التمرد كان يضع صورة العراق في مخيلته لتكون له رادعا وواعظا.فقد جعلت من العراق وعلى مدى أكثر من عقد حافل بالكثير من الماسي والويلات وعبرة لكل من يعتبر .
جزء من هذه القصة الكبيرة والتي تمتد لسنوات كثيرة مضت أيضا يبتدأ مجازا بعد خروج من تبقى من الجيش العراقي من الكويت عام 91 مدحورا في كارثة معاصرة قياسية, أصبح فيها الجيش العراقي أضحوكة تتناقلها ألسنة المتندرين , فقد كان مستشاروا صدام السياسيين يملكون من المؤهلات العلمية و والشخصية ما لايملكه نظرائهم في البلدان الاخرى .فقد كان طاقمه الذي يعكس خلاصة وجوده مكونا من بائعا للثلج ونائب ضابط وسائق شاحنة عسكرية وعامل كهرباء فني !
بهؤلاء وبضباط يؤدون التحية العسكرية لصدام حتى في أحلامهم وكانوا أجبن من أن يفكروا في الثورة عليه في عقلهم الباطن خوفا ورعبا على أنفسهم وعلى ذراريهم في الاصلاب وجندي عراقي أنهكهته ثمان سنوات من حرب عبثية وأوضاع معيشية صعبة ونظام متسلط يعد عليه أنفاسه وأحلامه. هذا الجيش وهذا الصدام تورط في تلك الحرب بعد أن أستدرجته أمريكا والانظمة العروبية الخليجية والمصرية الى فخ الكويت التي قدمها أشقائها ككبش فداء لمجزر المصالح الامريكية .
نفس هذه الانظمة هي التي كانت قد دفعت صدام وأغرته بالجاه العريض والسؤدد والاموال أن هو حارب ايران وقضى على النظام الاسلامي الوليد هناك حيث مولت الته الحربية لثمان سنوات عجاف أحرقت البلدين المسلمين بأسم الدفاع عن البوابة الشرقية للامة العربية ووجهت الثقل العسكري العراقي بعيدا عن الكيان الصهيوني في حرب القادسية الجديدة .
لم تكن أيران في ذلك الوقت تمثل أي تهديد لاعراب الجزيرة وارض الكنانة ولكنها كانت واقعا جديدا مؤلما لما تبقى لهم من ضمير كساه الجليد واحراج لايستطيعون التعامل معه خصوصا مع المشاريع الكثيرة التي تريدهم الولايات المتحدة السير فيها وانجازها , خصوصا وأن السادات كان قد زار قبل وقت قصير اسرائيل , فكان من الافضل لهم وخدمة ايضا للاسياد ان يزول أو يضعف هذا النظام الجديد من خلال حرب ضروس تهده والعراق معا كي يتخلصوا ايضا من المزايدات القومية والشعارات الرنانة للبعثيين , فكانت الحرب بالنسبة للاعراب
الحجر الذهبي لالتقاط العصافير .
أنتهت تلك الحرب دون مستوى الطموحات العروبية والغربية معا وكان لابد من الاستمرار في ذلك المشروع الكبير , وأصبح العراق ضعيفا هشا لايمكنه الاستمرار في تلك اللعبة ضد أيران بل أصبح صدام وبعد فوات الاوان خطرا يهدد تلك الانظمة التي ورطته في حرب أكبر من حجمه ثم تخلت عنه وبدأت تغدر به وهكذا دخل صدام الكويت في محاولة للهروب للامام للتخلص من الواقع الكارثي الذي كان قد حل به و يعيشه العراق.
كان لمملكة ال سعود الدور الاكبر كعراب للخطة الامريكية الجديدة بالمنطقة .
فهذه المملكة أستقدمت القوات الامريكية الى الجزيرة بعد أيام قلائل من غزو صدام للكويت للاستعانة بها ضد بطل البوابة الشرقية وفارسها !
و بقيت تلك القوات هناك لاكثر من عقد بعد طرد الجيش الغازي في رحاب ضيافة مملكة الحرمين , والتي عملت على حلب منطقة الخليج وأستنزاف ثرواتها وخيراتها بحجة الخطر الصدامي حتى نشف ضرع الخليج الغني وتيبست أوصاله وأصبحت الكثير من دوله تعاني من العجز الاقتصادي والافلاس وانهارت اسعار البترول حتى أصبحت لاتغطي كلفة استخراجه بالاضافة الى حصار الشعب العراقي حصارا مميتا أهلك الحرث والنسل .
بعد هذه الحرب ( لعبة الكويت ) وأندحار قوات صدام كان الجو مهيأ لسقوط نظامه وزوال كابوسه عن العراق .ولم يفوت الشعب العراقي هذه الفرصة السانحة حيث أنتفض في الجنوب والشمال لازاحة هذا النظام الارعن الذي جر الويلات والكوارث على العراق بحربين مدمرتين أتت على كل شئ ودمرت بنيته التحتية وحولته الى بلد فقير يعيش شعبه حياة الذل والمسكنة خدمة لاعراب الخليج وأسيادهم والامجاد الصدامية .
لكن المخطط الامريكي للمنطقة والعالم كان أبعد ما يكون من التخلص من هذا النظام بهذه السرعة وهذه البساطة ,بل لازال بالامكان الاستفادة منه ولم تحترق ورقته بالكامل, بل قدر للمنطقة مخطط طويل النفس وبعيد الاهداف والغايات .
لهذا لمس الشعب العراقي دور القوات الامريكية التي ساندت ووقفت مع ما تبقى من فلول جيش صدام وحرس جمهوره الخائب لسحق وقتل الشعب بكل وحشية وقسوة ونذالة لقمع أنتفاضته وأجهاضها, حيث دمرت المدن على رؤوس أصحابها مستعملا الدبابات والمدفعية وصواريخ سكود والطائرات المروحية لسحق المنتفضين و لم تنسحب القوات الامريكية من العراق الى دول الاعراب المجاورة الا بعد أن أطمأنت لزوال الخطر عن النظام الصدامي وبعد ان قتل ما لايقل عن ربع مليون مدني وهروب أكثر من مليوني عراقي الى دول الجوار , حيث لجأ الاعم الاغلب للجارة ايران وقسم الى مملكة الارهاب فضلا عن الاعداد الكبيرة من الجنود التي سلمت نفسها طواعية لقوات التحالف كي لاتكون أداة بيد صدام لقتل الناس الابرياء .
وخلال ثلاثة عشر عاما من الحصار لم يكن صدام المستهدف بل كان ثقله موجها للانسان العراقي والمواطن البسيط , حصارا أستهدف قوت ودواء وعقيدة ومستقبل العراقي وأطفاله . و كان النظام فرحا بهذه النتيجة , فالاقزام من هذا النوع لايفكرون الا بذواتهم الحقيرة , فلم يكن صدام يحلم بأنه سوف يبقى حاكما على العراق بعد هذه الكارثة العظمى التي حلت بالبلد بسببه ودمرته وكان على أستعداد هذه المرة أن يؤدي كل الادوار المطلوبة منه وهو معصب العينين لايناقش ولايشاكس ولايماكس , أما العنتريات والبطولات الزائفة التي يسربها اعلامه والمواقف الامريكية منه في تلك الفترة فهي لاستكمال اللعبة واتقانها واخراجها لمزيد من الاستغفال والضحك على الذقون بعلمه أو دون علمه , بل كان شريكا لهم بكل الجرائم التي أستهدفت الشعب في تلك الفترة , فمن أبسطها أنه كان يحرم الشعب من الدواء ويتخلص منه بحرقه وأتلافه ( خصوصا دواء الاطفال ) وكان يعرض جثث الاطفال في جنائز جماعية متباكيا على شاشات التلفاز من اثار الحصار على الشعب !.
( لهذا رأينا كيف أخرجوه حقيرا مهانا من حفرة أختبأ بها كالفئران في الغزو الاخير بعد أن أنتهت صلاحيته وصلاحياته فهذا هو صدام الحقيقي ).
الى هنا بدأ فصل جديد في حياة العراق والشرق الاوسط والعالم , فصل كانت 90 بالمئة من أوراقه بيد أمريكا وأصبحت حتى بعض الانظمة المتزنة في مشارق الارض ومغاربها خائفة مرتعبة من الغضب الامريكي , وأصبحت العلاقات العربية العربية في وضع لاتحسد عليه تعاني في ردهات العناية المركزة على وشك الموت النهائي, وهكذا صفيت القضية الفلسطينية على عجل وأرجع عرفات الى غزة وأريحا !
في سني الحصار تلك عملت المملكة العربية السعودية يدا بيد مع الامريكان بل عملت كتابع مطيع لسيده ومولاه . فالعالم بعد تحرير الكويت في عام 91 يفرق كثيرا عما سبقه , فاليوم النظام الشيوعي قد قبر وعادت ألمانيا الشرقية الى حظن الغربية وأنتفضت أوربا الشرقية وتحولت الى الرأسمالية والى أحضان الناتو وأستهدفت روسيا في عقر دارها وماجاورها ووصل الشرر أيضا الى حلفائها في البلقان .
ما يهمنا هنا هو ما تعرض له العراق خلال الحصار الامريكي وتهيأته للغزو اللاحق عام 2003 .
أمريكا تعلم أن العراق بلد مسلم وغالبية سكان الجنوب ينتمون للمذهب الجعفري وتربطهم روابط كبيرة بالشعب الايراني , روابط دينية وتاريخية وثقافية وحتى نسبية في كثير من الحالات , والعلاقة بين الشعبين علاقة جوار تمتد لالاف السنين ولايمكن أن تحل أمريكا بينهما في ليلة وضحاها خصوصا اذا علمنا أن أمريكا أنما تأتي باسم الحرية للشعب العراقي وتخليصه من الطغيان ومن ثم البقاء فيه ( بقاء قواعد عسكرية ) .فكان لابد من خطة ذكية طموح تعد على نار هادئة بنفس طويل لاجل اعداد العراق وشعبه لتقبل الاحتلال والوجود الامريكي بل والتعاون معه لفترة طويلة !
وهي تعلم مدى حساسية هذه المنطقة والتي من الممكن مع أي أخطاء ترتكبها تتحول الى بؤرة قوية جدا تهدد الوجود الامريكي والصهيوني في المنطقة , فأيران التي أستطاعت بنجاح أن تدعم حزب الله وتحوله الى قوة اقليمية يحسب لها الف حساب رغم بعد المسافة وقلة عدد شيعته مقارنة بقرب العراق وكثرة اعداد شيعته , بل أن ايران وصلت مساعداتها لقلب غزة المحاصرة عربيا وصهيونيا وحتى فلسطينيا وتمكنت من التأثير الفاعل فيه !
فكان لابد أولا من دق أسفين كبير بين شيعة العراق وشيعة ايران وهذه كانت من اهم وأخطر المهمات التي سعت وتسعى لها أمريكا وقد هيأت لهذا الامر الكثير من الشخصيات التي تدعي التشيع (كوادر حزب الدعوة تنظيم لندن ) وعلى مستويات دينية وأكاديمية عليا وأحزاب ومؤسسات كثيرة ذات سمعة طيبة في أوساط عامة الناس التي لاتعرف تفاصيل الصورة الكاملة , لغرض التأثير في نفسية ونظرة الفرد البسيط لتشيعه وولاءاته ومرجعياته الدينية ومن ثم العمل على تغيير أولوياته وقناعاته الراسخة المتوارثة من قرون كثيرة , لتكون المقدمة لتوجيه الضربة القاصمة لخاصرة التشيع والقضاء عليه من خلال أن ينهي وجوده بصورة ذاتية سلسة لاتراق فيها الدماء بل تراق فيها الافكار والعقائد ثم القضاء على ايران وحزب الله .
فيمكن أن نعتبر العراق وجنوبه وشيعته خصوصا أصبحوا ساحة تجارب ومختبرا أمريكيا كبيرا , فهذا المختبر كان موجها للعراق بالدرجة الاساس ولباقي المنطقة أيضا !
ظنت أمريكا أن صدام قاد العراقيين مجبرين لحرب جارتهم ولكنها بأمكانها قيادتهم طائعين لهذا الامر !
ينقل لي صديق قبل لاجئا في امريكا عام 92 قادما من رفحاء في مملكة الارهاب وكان قد أستقبل من قبل عائلة امريكية مكونة من اب عراقي يحمل الجنسية الامريكية وأم ترتدي الحجاب من أصل يوناني , يقول هذا الشخص ولكونه غريبا وجديدا هناك ويتكلم بعض الانجليزية أنه سأل المرأة عن أتجاه القبلة , فكان جواب هذه المستسلمة , أن قبلة السيد الخوئي بهذا الاتجاه وقبلة السيد الخميني بهذا الاتجاه !!!
يقول حينها أدركت وأستشعرت بعض الخطر الذي تعده لنا هذه الامريكا ورعاياها , فليست هناك قبلتان بل قبلة
واحدة انما المغزى من هذا الجواب هو لمعرفة رد فعلي خصوصا وأن نظراتها كانت تطاردني لمعرفة ما يجول بخاطري !
أمريكا وريثة الامبراطورية الانجليزية وهي تدرك عظم وخطورة موقع المرجعية في البناء الشيعي الهرمي القيادي بل أنها تدرك أن المرجعية بمثابة عمود الخيمة وهي رأس الامة وعقلها المفكر . وقد ركزت على هذا الامر كثيرا وكانت كالوسواس الخناس , حيث ركزت على مسألة الفقهاء الثوريين وفقهاء الحيض والنفاس مستفيدة من تجربة بعض أدعياء العمل الاسلامي في حربهم ضد المرجعية ( حزب الدعوة ) . بل لاأبالغ ان قلت أنهم كانوا أداة أمريكية غربية لهذا الامر بعد أن أغدقت عليهم الاموال وزفت لهم ملاذ الدنيا في دول المهجر فباعوا اخرتهم بثمن بخس دراهم معدودات .
وأيضا ركزت على مسألة المرجعية العربية والمرجعية الفارسية والمرجعية الامينة النزيهة والمرجعية التي كل همها الخمس والاموال !!!
وأيضا كان دور هذه النخبة المتشيعة لامريكا والغرب العمل على تشويه صورة النظام القائم في ايران واظهاره بمظهر النظام المنافق الميكافيلي الذي يسعى وراء مصالحه المادية مرتديا جلباب الدين .
وطبعت الكثير من الكتب لتوزع على الشباب والسذج وكان كتاب ما يسمى بمرجعية الميدان لعادل رؤوف خير دليل , بل طبعت أيضا كتب عقائدية كثيرة تناقش لتشكك بالكثير من مسلمات وموروثات الفكر الشيعي وخصوصياته ومنها كتاب لاياد الركابي لاأتذكر اسمه لكنه كان يناقش ما حدث في وقائع اليوم العاشر من محرم وكتاب (الشهيد الصدر سنوات المحنة وأيام الحصار ) وهذا كان كالنار على علم , والكثير من الكتب والمطبوعات بل حتى الاذاعات ودور النشر التي ترتدي الزي الشيعي لتضلل الناس وتفتك بتشيعهم .
وقد أختصرت لنا الولايات المتحدة مشكورة كل هذه الاشكاليات وخرجت لنا بمرجعية حركية عروبية تواكب العصر( مرجعية فضل الله ), مرجعية أمتلكت أمكانيات هائلة ماديا وكانت مدعومة من قبل ال سعود ايضا , مرجعية خرجت علينا بأفكار غريبة على التشيع والتدين , تعاليم دينية هينة لينة تغري الشباب وتعريهم ,مرجعية كان مقدرا لها عربيا أن تسحب البساط من تحت مرجعيات النجف وأيران ,
فكانت تركز وتستقطب الشباب لما يمثله من طاقة وحيوية في جسد المجتمع وما يمثله ايضا من مستقبل لهذه الامة,وطبعت كتب كثيرة تستقطب هذه الفئة خصوصا وكتاب دنيا الشباب خير دليل , فقد كانت تنوي السير به الى افاق مجهولة تفسد عليه دنياه واخرته , وقد أتضحت الصورة الان دون الحاجة للخوض في التفاصيل أكثر وقد فشل هذا المشروع فشلا كبيرا.
وقد عمل على نشر هذه المرجعية والترويج لها في امريكا والدول الغربية حزبا عراقيا يدعي الاسلام (حزب الدعوة )والكثير من اعضاءه اليوم يملكون صلاحيات كبيرة وخطيرة في قيادة العراق وحكمه !
كان هذا الحزب ولايزال يتخذ من المتمرجع الحركي الشبابي مرجعا له بل أن هناك معممين في البرلمان العراقي ( علي العلاق )عملوا كوكلاء لهذا المتمرجع في الدول الاسكندنافية , وأظنكم قد سمعتم بفضيحة هذا المعمم البرلماني العراقي الذي يستلم راتبا من وزارة الشؤون الدنماركية وهو يقبض ملايين الدنانير من الحكومة العراقية شهريا .
وفي العراق عمل صدام على نفس هذه الاهداف الامريكية وتقريبا بتفاصيل تشابه ما حدث خارج العراق من تركيزه ودعمه للمرجعية العربية وتوهينه ومحاربته لباقي المرجعيات الموجودة داخل البلد , حيث عمد الى وضع المراجع الاخرين قيد الاقامة الجبرية, بل وعمل ايضا على افراغ العراق من طلبة العلوم الدينية من غير العراقيين !
لكن الفارق هنا أن من أختاره صدام لهذا الدور كان يعرف حقيقة الامر والمخطط الكبير الذي يراد تمريره من خلاله ولكنه لم يكن ليساوم على دينه بل حاول العمل على أنتهاز هذه الفرصة للسير بالمشروع الى مصلحة غير المصلحة المرجوة أمريكيا فكان مصيره وولديه والكثير من أتباعه الشهادة .
فالحصار الظالم الذي تعرض له الشعب العراقي وخصوصا شيعة الجنوب كان وحشيا لدرجة أن الكثير قد فقد معه عقله وقسم قد تخلى عن كثير من عاداته وقيمه ومبادئه لاطعام أفراد اسرته والبعض قرر أنهاء حياته وأسرته فلاطاقة له على تحمل الحياة بهذه الصورة البشعة , وكان سعيد الحظ من ينجو بنفسه ويهجر العراق حيث لاعودة لهذا البلد الذي كتب عليه الخراب والدمار والبؤس والشقاء .
حتى تفهم عزيزي القارئ الكريم ما أتكلم عنه , أن الموظف العراقي في تلك الايام كان راتبه لايتجاوز الدولارين شهريا وهي لاتكفيه مصروفا الا اياما قلائل !!!
وقد وصل الاستهتار السلطوي والفساد في أجهزة الدولة ولجلاوزة صدام الى درجة يصعب معها التصديق .فكان الموسرين ماديا في العراق يمكنهم فعل اي شئ من رشوتهم للنخب الحاكمة حتى وصل الامر أن الجلاوزة كانوا يعدمون البعض بدلا عن البعض الاخر مقابل مبالغ من المال . وظهرت جرائم في المجتمع جديدة طارئة عليه يقشعر لها البدن فكانت على سبيل المثال هناك عصابات تخطف الصبية والاطفال لغرض سرقة أعضائهم وبيعها والتخلص من الجثث أما أساليب النصب والسرقةوالرشوة فقد وصلت الى درجات خطيرة.
أرادت أمريكا بحصارها ذاك أن يفقد هذا الشعب كل علاقة ووشائج مع الدين والاخلاق والقيم والمبادئ ويتحول الى مخلوق امريكي غربي تافه همه من دنياه علفه . وهي بهذا تضمن أن يكون مرحبا بها أن هي أذاقته بعض حلاوة الدنيا بعد المرارة الكبيرة والعلقم الذي تجرعه ويكون خادما مطيعا لها لانجاز مشروعها الكبير لما تسميه بالشرق الاوسط الكبير الذي يكون بديلا عن الانظمة القائمة والكيانات التي عفا عليها الزمن ولم تعد مجدية الا كونها عبأ على مولاها حيث لعب عامل الزمن بها من شيخوخة وترهل وسواد صفحات لايمكن تجميلها !.
وعملت أيضا على نشر الامية والتخلف بالعراق كنتيجة حتمية لذلك الحصار, حيث تسرب الكثير من الابناء من المدارس في سن مبكرة للشوارع بحثا عن العمل والقوت وتحول الشعب الى شعب أمي وهناك اليوم الكثير من الشباب وبأعداد كبيرة لايعرف القراءة والكتابة ويكونون فرائس سهلة الاصطياد لكل داعية ضلال وفتنة وصاحب ضمير ميت .
تلك يمكن أن نقول أنها كانت الخطة ألف للعراق والمنطقة , والمعروف عن أمريكا أنها تعد خططا كثيرة في ذات الوقت , فأذا فشلت أحداها فهي سرعان ما تباشر العمل في الخطة الاخرى مع الابقاء على بعض الامل في نجاح الاولى , فهي لاتعرف اليأس ولا الملل ولا الكلل , .
تعليق