لقد أصبحت الشعيرة الحسينية " التطبير " محل جدل واسع بين علماء وفقهاء الشيعة ، بين مؤيد لاستمرارها وبين رافض لذلك ، المؤيدون لاستمرارها يقولون إنها تخدم المذهب وتقويه ، والرافضون لها يقولون عكس ذلك تماما ، رأي كل من الفريقين بالطبع لاينطلق من موقع التعصب للهوى ، وإنما ينطلق من موقع الحرص على خدمة المذهب والإخلاص له ، ولكن نتيجة لعدم التواصل بين العلماء والتحاور فيما بينهم لحل مثل هذه المواضيع الحساسة والمهمة وللوصول إلى حقيقة هل إن التطبير ممارسة تخدم المذهب والإسلام أم لا،من خلال تشخيص دقيق للموضوع ؟ ، بقى الخلاف قائما بين مؤيد ورافض ، من هنا جاءت انطلاقتنا لفتح باب الحوار حول التطبير ، فبدأنا حوارنا مع مكتب سماحة المرجع السيد صادق الشيرازي دامت بركاته ، ومن أجل إثراء هذا الحوار قمنا ببعث نص الحوار الى معظم فقهاء وعلماء الشيعة من الفريقين ، المؤيدين والرافضين ،لإبداء آرائهم حول الموضوع.. هذاولم يكن المنطلق لهذا الحوار هو لتأييد طرف على آخر كما قد يعتقد البعض بقدر ما هو دعوة الى نقاش قائم على الاحترام المطلق مع الطرف الذي أخالفه في الررأي في محاولة جادة لاثارة وتشخيص موضوعات التطبير على أسس علمية قائمة على أساس المطالبة بالدليل لا على أساس التقديس والتسليم المطلق لأي رأي ، سواء كان هذا الرأي حول التطبير أو حول أي موضوع آخر ، حيث أن لاقبول لرأي لا يقوم على البرهان والحجة في شتى العلوم والقضايا ، وحيث إنا نتعامل مع بشر مثلنا معرضين للصواب والخطأ ، يجب علينا أن نقلب وندقق في كل معلومة وفكرة قبل أن نتبناها حتى نتلاشى الأخطاء التى قد يترتب عليها ما يترتب من سلوك وفكر سيءونتائج سلبية ، وهذا ما نبه أهل البيت عليهم السلام أتباعهم عليه ، حيث قال أحد الأئمة (ع) : اذا قلت لكم شيئاً فقولوا لي أين هذا من كتاب الله .
من يتتبع تشريع التطبير يعلم أنه ليست هناك ثمة رواية صريحة وجلية تدعو الى التطبير كما هو شأن البكاء والعزاء والرثاء ، ولكن ما انطلق منه الفريق الأول من الفقهاء الإفاضل لجواز التطبير هو :
1- الرواية القائلة بأن زينب الكبرى (ع) لما رأت في الكوفة رأس الحسين (ع) على رأس الرمح نطحت رأسها بمقدم المحمل فخرج الدم من تحت قناعها .. كان هذا المشهد أمام الامام المعصوم وهو الامام علي بن الحسين (ع) ، وحيث أن الامام (ع) قد سكت ولم يصدر عنه نهي لهذا العمل ، فهو يعني امضاء وتجويز له .
هذه الرواية التي ينطلق منها فريق من الفقهاء الشيعة الإفاضل لتجويز التطبير ، ليست ثابتة السند عند البعض الآخر، كما يقول سماحة المرجع السيد كاظم الحائري :
(لم نعثر على رواية صحيحة للواقعة المذكورة، بل ردّها المحدّث القمي في كتاب «منتهى الآمال» وقال: هذا الخبر وإن نقله العلامة المجلسي رحمه الله في كتاب «بحار الأنوار» لكن مأخذ نقله كتابي منتخب الطريحي ونور العين ولا يخفى حال هذين الكتابين على أهل الحديث. انتهى كلام المحقّق القمّي، فعلى هذا لا سند لهذه الرواية يعتمد عليه) .
ولو فرضنا جدلاً صحة الرواية المذكورة ، فهل لنا أن نجزم بأن فعل زينب عليها السلام كان مقصوداً ، أم أنه عرضي وغير مقصود وبالتالي كان امضاء الإمام (ع) له كان على نحو التسامح مع واقع الظرف ، لا على نحو الإمضاء الأبدي والسماح به في كل حال مثلاً.
فتطبيق القاعدة المذكورة محفوف بالمخاطر اذا ماجرد الدليل الشرعي من ظروفه وشروطه ، وفي هذا الاطار يقول الامام الشهيد محمد باقر الصدر (رض) : " فإن الممارس قد يقع في هذه الحالة في خطأ التجريد ، عندما يجرد ذلك السلوك المعاصر لعهد التشريع عن خصائصه ، ويعزله عن العوامل التي قد تكون دخيلة في السماح به ، ويعم القول : بأن هذا السلوك جائز وصحيح إسلامياً في كل حال.
ويقول رضوان الله تعالى عليه :" يجب أخذ جميع الصفات والشروط الموضوعية المتوفرة في ذالك السلوك بعين الاعتبار ، لأن من الممكن أن يكون لبعض الصفات والشروط أثر في السماح بذلك السلوك وعدم تحريمه. فإذا ضبطنا جميع الصفات والشروط ، التي كانت تكتنف ذلك السلوك الذي عاصر التشريع ، أمكننا أن نكتشف من سكوت الشريعة عنه : سماحها بذلك السلوك ، متى ما وجد ضمن تلك الصفات والشروط التى ضبطناها" (إقتصادنا).
2- إباحة التطبير بعنوانه الأول لأنه لم يرد فيه نهي ، ولكنه قد يحرمبالعناوين الثانوية الطارئة عليه مثل الضرر الذي قد يلحقه التطبير ، ضرر مادي على مستوى البدن ، وضرر معنوي على مستوى تشويه سمعة الاسلام.
الفريقان يتفقان تماماً حول هذه القاعدة ولا خلاف بينهما ، فقد يتفقان على إباحة التطبير بعنوانه الأول ، ولكنهما بالتأكيد يجب أن يتفقا على حرمة التطبير بعناوينه الثانوية لو ثبتت ، فما يطلبه الفريق الأول هو إثبات دعوى الفريق الثاني ، أن هناك ضرر ثانوي حتى يحرم التطبير.
في نظرنا المتواضع ، لا تكفي هذه المطالبة ، بل يجب السعي وبذل الجهد والتحقق من صحة الدعوى ، ويكفي الفقيه هنا متابعة وسائل الاعلام المختلفة لتلمس حقيقة تلك الدعوى على أقل تقدير ، وما ندعو الفقهاء الأجلاء اليه هنا ، هو أكبر من ذلك ، وهو تشكيل فرق ولجان لتقصي حقيقة الأمر ، وإقامة دراسات استبيانية علمية تجرى على أرض الواقع في صفوف المسلمين وغير المسلمين للوقوف على حقيقة ، هل أن هناك أضراراً ثانوية للتطبير أم لا؟.
وعلى اثر هذه الدراسات العلمية والحرة والنزيهة ، يقيم الفقيه أدلته وقناعته ، كما لا يجب عليه ترك العنان للعوام لكي يقرروا بأنفسهم ، هل أن هناك أضرار جانبية أم لا؟ ، لأنه سوف يكون عرضة للأهواء والعواطف وهذا لايتناسب مع عظمة الاسلام ومقام الفتوى.
التطبير والتقليد
لم يكن هدفي من هذا الحوار كما أسلفت ، هو لتأيد طرف من الفقهاء على طرف آخر منهم ، تعصباً لتقليد أعمى قائم على أساس إني أقلد المرجع الفلاني ، فعلي أن أستميت في الدفاع عن رأيه دون أدنى تؤمل أو تفكر في فتواه ، وإنما من أجل إخلاء مسئوليتي أمام الله سبحانه وتعالى ، فهو جلى وعلى" القائل "وقفوهم فإنهم مسئولون" ، مسئول عن تأييدي ، مسئول عن معارضتي ، مسئول عن صمتي إزاء ما يجري من خلاف بين المؤمنين ، مسئول عن عملي ،[ وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وّنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ القِيَامَةِ كِتَابَاً يَلْقَاهُ مَنْشُورَاً ]، وفي آية أخرى[ يُنبّؤُ الإِنْسَانُ يَوْمَئِذٍ بِمَا قَدَّمَ وَأَخَّرَ بَلِ الإِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيْرَةٌ وَلَوْ أَلْقَىمَعَاذِيْرَهُ ْ] لأنه أعطي العقل ليميز ، وأعطي الإرادة والإختيار ، وقد يقول قائل إني معذور أما الله في مسألة ما ، لأني قلدت فيها مرجعي الديني ، والمراجع كلهم عقلاء وأتقياء ، وأنه من غير الممكن أنهم يفتون من غير دليل شرعي ، أو حجة ، أو برهان .. نقول إنهم أجلاء ومحترمون ، ولكنهم غير معصومين ، فقد يكون برهانهم ضعيف أو غير صحيح ، وقد يكون منهجهم الإستنباطي غير سليم ، ولذلك قال الإمام عليه السلام : "من كان من الفقهاء صائناً لنفسه، حافظاً لدينه، مخالفاً لهواه، مطيعاً لأمر مولاه، فللعوام أن يقلّدوه" ، ولم يقل عليه السلام "فعلى العوام أن يقلدوه" ، حيث تفيد التقييد وإلتزام فتوى الفقهاء أيدهم الله وسددهم ، وبالتالي يكون عدم تحمل المقلد المسئولية أمرر مبرر ، وهذا لايتناسب مع فلسفة المحاسبة الإلهية القائمة على أساس الإمكانات التى أعطيت للإنسان كالعقل لتدبر الأمور وتحكيمها .. صحيح أن المقلد ليس بإستطاعته التمييز في كثير من الفتاوى ، ولكنه يستطيع أن يميز بعضها وذلك من خلال إستضدامها بالواقع ، فعلى سبيل المثال ، الكثير من المراجع حفظهم الله تعالى ، يحصر الطواف بين الركن والمقام فقط ، ولكن تساءلات قد تثار لدى المكلف الحاج الذى يعيش الواقع ، من قبيل ، كيف يتم تطبيق هذه الفتوى في ظل الزحام المليوني ، وتحويل ذلك الطواف المقدس وتلك العبادة إلى صراع ،ومصارعة ،وشغل قلب الحاج بالتدافع ، وإيذاء عباد الله ، في الوقت الذي فيه يجب أن يكون القلب مشغول بذكر الله ، هائم في هواه ؟ ، ولم لا يجوز الطواف خلف المقام ، خاصة وأن أصل مكان المقام لم يكن في مكانه الحالي ، بل كان ملاصقاً للكعبة ؟ ، أليست مثل هذه التساءلات في محلها ، وأليست الفتاوى القائلة بعدم جواز الطواف خلف المقام في ظل الإزدحام الشديد غير مناسبة ؟ ، وأليس من الواجب على المقلد أن يرفع تلك الإشكالات إلى المراجع ، وهم في أمس الحاجة إلى ذلك ، لأن هذه تمثل لهم تغذية راجعة ، تساعدهم على الإلتفات لجوانب الخطأ في المدخلات والمعالجة ،كمناهج الإستنباط مثلاً ، ثم تصحيحها وتقويتها.
"حوار حول التطبير "
يتبع
من يتتبع تشريع التطبير يعلم أنه ليست هناك ثمة رواية صريحة وجلية تدعو الى التطبير كما هو شأن البكاء والعزاء والرثاء ، ولكن ما انطلق منه الفريق الأول من الفقهاء الإفاضل لجواز التطبير هو :
1- الرواية القائلة بأن زينب الكبرى (ع) لما رأت في الكوفة رأس الحسين (ع) على رأس الرمح نطحت رأسها بمقدم المحمل فخرج الدم من تحت قناعها .. كان هذا المشهد أمام الامام المعصوم وهو الامام علي بن الحسين (ع) ، وحيث أن الامام (ع) قد سكت ولم يصدر عنه نهي لهذا العمل ، فهو يعني امضاء وتجويز له .
هذه الرواية التي ينطلق منها فريق من الفقهاء الشيعة الإفاضل لتجويز التطبير ، ليست ثابتة السند عند البعض الآخر، كما يقول سماحة المرجع السيد كاظم الحائري :
(لم نعثر على رواية صحيحة للواقعة المذكورة، بل ردّها المحدّث القمي في كتاب «منتهى الآمال» وقال: هذا الخبر وإن نقله العلامة المجلسي رحمه الله في كتاب «بحار الأنوار» لكن مأخذ نقله كتابي منتخب الطريحي ونور العين ولا يخفى حال هذين الكتابين على أهل الحديث. انتهى كلام المحقّق القمّي، فعلى هذا لا سند لهذه الرواية يعتمد عليه) .
ولو فرضنا جدلاً صحة الرواية المذكورة ، فهل لنا أن نجزم بأن فعل زينب عليها السلام كان مقصوداً ، أم أنه عرضي وغير مقصود وبالتالي كان امضاء الإمام (ع) له كان على نحو التسامح مع واقع الظرف ، لا على نحو الإمضاء الأبدي والسماح به في كل حال مثلاً.
فتطبيق القاعدة المذكورة محفوف بالمخاطر اذا ماجرد الدليل الشرعي من ظروفه وشروطه ، وفي هذا الاطار يقول الامام الشهيد محمد باقر الصدر (رض) : " فإن الممارس قد يقع في هذه الحالة في خطأ التجريد ، عندما يجرد ذلك السلوك المعاصر لعهد التشريع عن خصائصه ، ويعزله عن العوامل التي قد تكون دخيلة في السماح به ، ويعم القول : بأن هذا السلوك جائز وصحيح إسلامياً في كل حال.
ويقول رضوان الله تعالى عليه :" يجب أخذ جميع الصفات والشروط الموضوعية المتوفرة في ذالك السلوك بعين الاعتبار ، لأن من الممكن أن يكون لبعض الصفات والشروط أثر في السماح بذلك السلوك وعدم تحريمه. فإذا ضبطنا جميع الصفات والشروط ، التي كانت تكتنف ذلك السلوك الذي عاصر التشريع ، أمكننا أن نكتشف من سكوت الشريعة عنه : سماحها بذلك السلوك ، متى ما وجد ضمن تلك الصفات والشروط التى ضبطناها" (إقتصادنا).
2- إباحة التطبير بعنوانه الأول لأنه لم يرد فيه نهي ، ولكنه قد يحرمبالعناوين الثانوية الطارئة عليه مثل الضرر الذي قد يلحقه التطبير ، ضرر مادي على مستوى البدن ، وضرر معنوي على مستوى تشويه سمعة الاسلام.
الفريقان يتفقان تماماً حول هذه القاعدة ولا خلاف بينهما ، فقد يتفقان على إباحة التطبير بعنوانه الأول ، ولكنهما بالتأكيد يجب أن يتفقا على حرمة التطبير بعناوينه الثانوية لو ثبتت ، فما يطلبه الفريق الأول هو إثبات دعوى الفريق الثاني ، أن هناك ضرر ثانوي حتى يحرم التطبير.
في نظرنا المتواضع ، لا تكفي هذه المطالبة ، بل يجب السعي وبذل الجهد والتحقق من صحة الدعوى ، ويكفي الفقيه هنا متابعة وسائل الاعلام المختلفة لتلمس حقيقة تلك الدعوى على أقل تقدير ، وما ندعو الفقهاء الأجلاء اليه هنا ، هو أكبر من ذلك ، وهو تشكيل فرق ولجان لتقصي حقيقة الأمر ، وإقامة دراسات استبيانية علمية تجرى على أرض الواقع في صفوف المسلمين وغير المسلمين للوقوف على حقيقة ، هل أن هناك أضراراً ثانوية للتطبير أم لا؟.
وعلى اثر هذه الدراسات العلمية والحرة والنزيهة ، يقيم الفقيه أدلته وقناعته ، كما لا يجب عليه ترك العنان للعوام لكي يقرروا بأنفسهم ، هل أن هناك أضرار جانبية أم لا؟ ، لأنه سوف يكون عرضة للأهواء والعواطف وهذا لايتناسب مع عظمة الاسلام ومقام الفتوى.
التطبير والتقليد
لم يكن هدفي من هذا الحوار كما أسلفت ، هو لتأيد طرف من الفقهاء على طرف آخر منهم ، تعصباً لتقليد أعمى قائم على أساس إني أقلد المرجع الفلاني ، فعلي أن أستميت في الدفاع عن رأيه دون أدنى تؤمل أو تفكر في فتواه ، وإنما من أجل إخلاء مسئوليتي أمام الله سبحانه وتعالى ، فهو جلى وعلى" القائل "وقفوهم فإنهم مسئولون" ، مسئول عن تأييدي ، مسئول عن معارضتي ، مسئول عن صمتي إزاء ما يجري من خلاف بين المؤمنين ، مسئول عن عملي ،[ وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وّنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ القِيَامَةِ كِتَابَاً يَلْقَاهُ مَنْشُورَاً ]، وفي آية أخرى[ يُنبّؤُ الإِنْسَانُ يَوْمَئِذٍ بِمَا قَدَّمَ وَأَخَّرَ بَلِ الإِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيْرَةٌ وَلَوْ أَلْقَىمَعَاذِيْرَهُ ْ] لأنه أعطي العقل ليميز ، وأعطي الإرادة والإختيار ، وقد يقول قائل إني معذور أما الله في مسألة ما ، لأني قلدت فيها مرجعي الديني ، والمراجع كلهم عقلاء وأتقياء ، وأنه من غير الممكن أنهم يفتون من غير دليل شرعي ، أو حجة ، أو برهان .. نقول إنهم أجلاء ومحترمون ، ولكنهم غير معصومين ، فقد يكون برهانهم ضعيف أو غير صحيح ، وقد يكون منهجهم الإستنباطي غير سليم ، ولذلك قال الإمام عليه السلام : "من كان من الفقهاء صائناً لنفسه، حافظاً لدينه، مخالفاً لهواه، مطيعاً لأمر مولاه، فللعوام أن يقلّدوه" ، ولم يقل عليه السلام "فعلى العوام أن يقلدوه" ، حيث تفيد التقييد وإلتزام فتوى الفقهاء أيدهم الله وسددهم ، وبالتالي يكون عدم تحمل المقلد المسئولية أمرر مبرر ، وهذا لايتناسب مع فلسفة المحاسبة الإلهية القائمة على أساس الإمكانات التى أعطيت للإنسان كالعقل لتدبر الأمور وتحكيمها .. صحيح أن المقلد ليس بإستطاعته التمييز في كثير من الفتاوى ، ولكنه يستطيع أن يميز بعضها وذلك من خلال إستضدامها بالواقع ، فعلى سبيل المثال ، الكثير من المراجع حفظهم الله تعالى ، يحصر الطواف بين الركن والمقام فقط ، ولكن تساءلات قد تثار لدى المكلف الحاج الذى يعيش الواقع ، من قبيل ، كيف يتم تطبيق هذه الفتوى في ظل الزحام المليوني ، وتحويل ذلك الطواف المقدس وتلك العبادة إلى صراع ،ومصارعة ،وشغل قلب الحاج بالتدافع ، وإيذاء عباد الله ، في الوقت الذي فيه يجب أن يكون القلب مشغول بذكر الله ، هائم في هواه ؟ ، ولم لا يجوز الطواف خلف المقام ، خاصة وأن أصل مكان المقام لم يكن في مكانه الحالي ، بل كان ملاصقاً للكعبة ؟ ، أليست مثل هذه التساءلات في محلها ، وأليست الفتاوى القائلة بعدم جواز الطواف خلف المقام في ظل الإزدحام الشديد غير مناسبة ؟ ، وأليس من الواجب على المقلد أن يرفع تلك الإشكالات إلى المراجع ، وهم في أمس الحاجة إلى ذلك ، لأن هذه تمثل لهم تغذية راجعة ، تساعدهم على الإلتفات لجوانب الخطأ في المدخلات والمعالجة ،كمناهج الإستنباط مثلاً ، ثم تصحيحها وتقويتها.
"حوار حول التطبير "
يتبع
تعليق