تجدارن في نهج البلاغة ولكل منهما رداء ووقت يقف فيه الشخص متوازناً ومهما ثباته متوازناً فإن الأمور تغلبه إذا لم يغلبها والمفاهيم تنقلب إذا لم يترجمها ، ومن يعقلها إلا ذوي العقول ومدارك الأمور والقول في كل ما هو حقٌ يكون ، فيعلوا الشأن بهم وينقطع دبر الكفر على أيديهم وإن غاب هذا الوجود وساد فيه ركوده الجمود ، فيبقى الله شاهداً وعلى الأمور قائماً أولاً وأخراً.
أغفر لي ربي فإنني أعلم بأنك تعلم أنني لا أمر في ما أنت تأمر ولا عذر لي إن لم تك تعذر ، وبيان الحال عندك وسوء البال يسوله الشيطان بحقده فيقع الأمر بأمرك ، فنتداركه رحماً منك ونعي حقيقة أمره فنبغي السبيل في رشده ، ولكن إن كان أمرك فيه أمرك فهل يصح لنا إلا أن نطلب بيان حقه ووضعه لا شره والتسليم بحكمة ما فيه من تغريض وتعريض وإفتراء من هم دونك وغيرك لهدفٍ ليس إنشاده أمرك ، فيظلم ونظلم ونهايته يركع العبد تحت رحمتك ، والحب لك أولاً ولمن نحب ثانيه بعدك ، فلا لوم بعدها عندك ولا تقليل في شأن الغير الموحد بأسمك ـ وهذه مقتطفات من نهج البلاغة كتاب أمين الله عليه السلام علي بن أبي طالب :
الإمام علي (عليه السلام) لم تمنعه قرابته لابن عباس من أن يدفع الظلم الذي ارتكبه، إن هذا التماسك في شخصيته دفعه إلى تطبيق ما يؤمن به قولاً وعملاً، وحتى على أقرب الناس إليه. لقد أقسم أن ولديه، على قربهما منه وكرامتهما عليه، لو فعلا ما فعله ابن عباس من الخيانة، لما كانت لهما عنده هوادة في أخذ الحق منهما، لأنه لا يخشى فيه لومة لائم. فيقول: (والله لو أن الحسن والحسين فعلاً مثل الذي فعلت ما كانت لهما عندي هوادة، ولا ظفرا مني بإرادة حتى آخذ الحق منهما، وأزيح الباطل عن مظلمتهما) (9).
لقد أراد الإمام (عليه السلام) من الإنسان أن يكون نصيراً للحق، ثابتاً عليه، فلا تأخذه فيه شفقة أو رحمة أو عاطفة أو عصبية. ومهما تكن لهذه الروابط من تأثير في النفوس فإنه لا ينبغي أن تحد من رؤية الحق ونصرته، وإذا كان للعصبية شأنها في تقوية الصلة بين أفراد العشيرة فإن الإمام (عليه السلام) يسمو بها إلى درجة تحد ممّا يلحق بها من مظالم وأحقاد ويجعلها سبباً لمكارم الأخلاق.
فهو إذ يوبخ الناس على تعصبهم للباطل الذي تثور به الفتن، وتسفك بسببه الدماء، لسبٍ واهٍ، كتعصب إبليس على آدم لأصله، ويقول لهم: (ولقد نظرت فما وجدت أحداً من العالمين يتعصب لشيء من الأشياء إلا عن علة تحتمل تمويه الجهلاء أو حجة تليط بعقول السفهاء غيركم، فإنكم تتعصبون لأمر ما يعرف له سبب ولا علة) (10). فإنه يحذرهم من هذا الأمر الذي لا طائل منه وينبههم إلى مواقع العصبية وما ينبغي أن تكون له، وهي مكارم الأخلاق ومحامد الأفعال ومحاسن الأمور، تلك التي تفاضل بها أهل المجد والشرف والنجدة من بيوتات العرب وسادات القبائل فيقول: (فإن كان لابدّ من العصبية فليكن تعصبكم لمكارم الخصال، ومحامد الأخلاق، ومحاسن الأمور، فتعصبوا لخلال الحمد، من الحفظ للجوار والوفاء بالذمام والطاعة للبر والمعصية للكبر والأخذ بالفضل، والكف عن البغي والإعظام للقتل والإنصاف للخلق والكظم للغيظ واجتناب الفساد في الأرض) (11).
فروابط العشيرة إذاً ليست العصبية العمياء، ولكنها روابط الحق والعدل والعمل الصالح ومكارم الأخلاق. وكل ما عدا ذلك فهو باطل، وما قول الإمام (عليه السلام): (فإن كان لابد من العصبية..) إلا تأكيد على أصالة قوى الشر والعدوان عند الإنسان إلى جانب قوى الخير. تلك القوى التي لو تركت دون توجيه وإرشاد لشب عليها الإنسان وأصبح من العناصر الشاذة في المجتمع. لذلك فلقد حاول أن يصرفها بطريقة تكفل السلامة النفسية. إذ لا يمكن كبت تلك القوى لأنها سوف ترتد إلى اللاشعور أو الجانب المظلم من النفس، وتصبح من الدوافع اللاشعورية والرغبات المكبوتة التي (لا تستقر ولا تهدأ بل تحاول جاهدة أن تعبر عن نفسها بشتى الصور وتنجح في ذلك حينما يغفل الرقيب فتظهر في صورة متنكرة كما في أحلام النوم كتعبير رمزي عن محتويات اللاشعور، كما تعبر عن نفسها في صورة أمراض عصابية) (12).
وهكذا فالكبت وإن كان يحول دون التعبير الطبيعي والمباشر عن الدوافع اللاشعورية، إلا أنه لا يمنعها من أن تعبر عن نفسها في صور تنكرية ملتوية.
كما أنه لا يمكن قمعها واستبعادها بالقوة لأنها ستعود من جديد إذا خف عليها الضغط ولم تجد من يردعها. وفي كلتا الحالتين تتحول تلك القوى إلى عقد نفسية وأمراض عصابية لها أثرها السيئ على الإنسان.
لذلك فقد استبعد الإمام (عليه السلام) هذا الأسلوب السلبي، وقال بوجوب الإعلاء والتسامي بها وصرفها في أمور يرضى عنها المجتمع. فبدلاً من أن يتعصب القوم لعشائرهم لأسباب يغلب عليها الجهل والعداوة والأحقاد مع ما ينتج عن ذلك من المآسي والشرور، فليكن التعصب لما فيه خير الفرد والمجتمع معاً.
وللإمام (عليه السلام) أسلوب آخر في توجيه دوافع الفرد، تمثل في مبدأ الثواب والعقاب ولقد اعتمده من أجل تشجيع الإنسان على فعل الخير ونهيه عن فعل الشر، لما في الثواب أو العقاب، المادي أو المعنوي، من أثر في إصلاح رغباته ودوافعه، وسوف نرى ذلك في مكانه.
والظلم ظلمات والعياذ بالله ،،،
أغفر لي ربي فإنني أعلم بأنك تعلم أنني لا أمر في ما أنت تأمر ولا عذر لي إن لم تك تعذر ، وبيان الحال عندك وسوء البال يسوله الشيطان بحقده فيقع الأمر بأمرك ، فنتداركه رحماً منك ونعي حقيقة أمره فنبغي السبيل في رشده ، ولكن إن كان أمرك فيه أمرك فهل يصح لنا إلا أن نطلب بيان حقه ووضعه لا شره والتسليم بحكمة ما فيه من تغريض وتعريض وإفتراء من هم دونك وغيرك لهدفٍ ليس إنشاده أمرك ، فيظلم ونظلم ونهايته يركع العبد تحت رحمتك ، والحب لك أولاً ولمن نحب ثانيه بعدك ، فلا لوم بعدها عندك ولا تقليل في شأن الغير الموحد بأسمك ـ وهذه مقتطفات من نهج البلاغة كتاب أمين الله عليه السلام علي بن أبي طالب :
الإمام علي (عليه السلام) لم تمنعه قرابته لابن عباس من أن يدفع الظلم الذي ارتكبه، إن هذا التماسك في شخصيته دفعه إلى تطبيق ما يؤمن به قولاً وعملاً، وحتى على أقرب الناس إليه. لقد أقسم أن ولديه، على قربهما منه وكرامتهما عليه، لو فعلا ما فعله ابن عباس من الخيانة، لما كانت لهما عنده هوادة في أخذ الحق منهما، لأنه لا يخشى فيه لومة لائم. فيقول: (والله لو أن الحسن والحسين فعلاً مثل الذي فعلت ما كانت لهما عندي هوادة، ولا ظفرا مني بإرادة حتى آخذ الحق منهما، وأزيح الباطل عن مظلمتهما) (9).
لقد أراد الإمام (عليه السلام) من الإنسان أن يكون نصيراً للحق، ثابتاً عليه، فلا تأخذه فيه شفقة أو رحمة أو عاطفة أو عصبية. ومهما تكن لهذه الروابط من تأثير في النفوس فإنه لا ينبغي أن تحد من رؤية الحق ونصرته، وإذا كان للعصبية شأنها في تقوية الصلة بين أفراد العشيرة فإن الإمام (عليه السلام) يسمو بها إلى درجة تحد ممّا يلحق بها من مظالم وأحقاد ويجعلها سبباً لمكارم الأخلاق.
فهو إذ يوبخ الناس على تعصبهم للباطل الذي تثور به الفتن، وتسفك بسببه الدماء، لسبٍ واهٍ، كتعصب إبليس على آدم لأصله، ويقول لهم: (ولقد نظرت فما وجدت أحداً من العالمين يتعصب لشيء من الأشياء إلا عن علة تحتمل تمويه الجهلاء أو حجة تليط بعقول السفهاء غيركم، فإنكم تتعصبون لأمر ما يعرف له سبب ولا علة) (10). فإنه يحذرهم من هذا الأمر الذي لا طائل منه وينبههم إلى مواقع العصبية وما ينبغي أن تكون له، وهي مكارم الأخلاق ومحامد الأفعال ومحاسن الأمور، تلك التي تفاضل بها أهل المجد والشرف والنجدة من بيوتات العرب وسادات القبائل فيقول: (فإن كان لابدّ من العصبية فليكن تعصبكم لمكارم الخصال، ومحامد الأخلاق، ومحاسن الأمور، فتعصبوا لخلال الحمد، من الحفظ للجوار والوفاء بالذمام والطاعة للبر والمعصية للكبر والأخذ بالفضل، والكف عن البغي والإعظام للقتل والإنصاف للخلق والكظم للغيظ واجتناب الفساد في الأرض) (11).
فروابط العشيرة إذاً ليست العصبية العمياء، ولكنها روابط الحق والعدل والعمل الصالح ومكارم الأخلاق. وكل ما عدا ذلك فهو باطل، وما قول الإمام (عليه السلام): (فإن كان لابد من العصبية..) إلا تأكيد على أصالة قوى الشر والعدوان عند الإنسان إلى جانب قوى الخير. تلك القوى التي لو تركت دون توجيه وإرشاد لشب عليها الإنسان وأصبح من العناصر الشاذة في المجتمع. لذلك فلقد حاول أن يصرفها بطريقة تكفل السلامة النفسية. إذ لا يمكن كبت تلك القوى لأنها سوف ترتد إلى اللاشعور أو الجانب المظلم من النفس، وتصبح من الدوافع اللاشعورية والرغبات المكبوتة التي (لا تستقر ولا تهدأ بل تحاول جاهدة أن تعبر عن نفسها بشتى الصور وتنجح في ذلك حينما يغفل الرقيب فتظهر في صورة متنكرة كما في أحلام النوم كتعبير رمزي عن محتويات اللاشعور، كما تعبر عن نفسها في صورة أمراض عصابية) (12).
وهكذا فالكبت وإن كان يحول دون التعبير الطبيعي والمباشر عن الدوافع اللاشعورية، إلا أنه لا يمنعها من أن تعبر عن نفسها في صور تنكرية ملتوية.
كما أنه لا يمكن قمعها واستبعادها بالقوة لأنها ستعود من جديد إذا خف عليها الضغط ولم تجد من يردعها. وفي كلتا الحالتين تتحول تلك القوى إلى عقد نفسية وأمراض عصابية لها أثرها السيئ على الإنسان.
لذلك فقد استبعد الإمام (عليه السلام) هذا الأسلوب السلبي، وقال بوجوب الإعلاء والتسامي بها وصرفها في أمور يرضى عنها المجتمع. فبدلاً من أن يتعصب القوم لعشائرهم لأسباب يغلب عليها الجهل والعداوة والأحقاد مع ما ينتج عن ذلك من المآسي والشرور، فليكن التعصب لما فيه خير الفرد والمجتمع معاً.
وللإمام (عليه السلام) أسلوب آخر في توجيه دوافع الفرد، تمثل في مبدأ الثواب والعقاب ولقد اعتمده من أجل تشجيع الإنسان على فعل الخير ونهيه عن فعل الشر، لما في الثواب أو العقاب، المادي أو المعنوي، من أثر في إصلاح رغباته ودوافعه، وسوف نرى ذلك في مكانه.
والظلم ظلمات والعياذ بالله ،،،
تعليق