قرأت مقالاً يعبّر عن الحالة الهستيرية التي سبّبتها زيارة الأربعين لهذا العام، ويتحجج صاحبه بحجج واهية تعبّر عن حقيقة موقفه من الطقوس الدينية من جهة، وعن أهمية الأثر الذي تتركه هذه الزيارة وغيرها في نفوس الآخرين ، فأحببت نقله إليكم لتروا مدى تأثير الأمر في الآخرين
اترككم مع المقال بتاريخ اليوم 9-2-2010 في جريدة السياسة الكويتية
هستيريا الطقوس الدينية في العراق!
العراق عامر وحافل بمآسي التاريخ ومصائب الحاضر ويبدو أن الفوضى الحالية قد تتبلور عن شيء ما
في واحدة من أغرب و أعجب وقائع الأيام العراقية الراهنة تبرز ظاهرة الطقوس الدينية لتضرب أرقاما قياسية وغير مسبوقة في التاريخ العراقي المعاصر وتؤشر لأكثر من علامة استفهام في بلد محطم يشكو من نقص الخدمات وتدهورها , وفقدان الأمن المريع , وظاهرة اللصوصية المستشرية على المستوى السلطوي والتحديات الخطيرة التي تواجه مستقبل ووحدة البلد إضافة الى المشاريع الدولية والإقليمية الخطيرة , بينما قطاعات كبيرة وكثيرة من شعبه تم إلهاؤها من خلال بعض المرجعيات السياسية والدينية في الإغراق في طقوس وممارسات دينية كانت معروفة منذ مئات السنين ولكنها لم تصل أبدا للدرجة الهستيرية القائمة حاليا , فالبلد بأسره قد تعرض للشلل شبه التام وأغلقت الأسواق والمحال التجارية وعطلت الدوائر الحكومية وتوقفت الحياة من أجل إحياء أربعينية الإمام الحسين (رض) والذي أستشهد وصحبه في كربلاء في موقعة "الطف" المعروفة عام 61 هجرية أي قبل أكثر من 1400 عام , وطبعا استشهدت بعد الإمام الحسين أجيال كثيرة و طويلة من الثوار ضد الحكم الأموي و العباسي , فعبد الله بن الزبير ( رض ) مثلا قتل و احرقت جثته و علقت كذبيحة في الكعبة المشرفة و كذلك الحال مع الإمام زيد بن علي بن الحسين ( رض ) الذي صلب في كناسة الكوفة أيام هشام بن عبد الملك و مآسي التاريخ العربي و الإسلامي لم تتوقف أبدا بل ظل القتل و سفك الدماء هو السمة العامة للأسف لتاريخنا وهي قضية إنسانية عامة , وبلاشك فإن لاستشهاد الإمام الحسين وصحبه و اهله الكرام الميامين دلالات إنسانية و دينية عميقة و هي تعبير حقيقي عن رفض الظلم و الإرهاب و دعوة صريحة للعدل و الإحسان إلا أن ما يحصل قد تجاوز كل تلك الأمور و البديهيات المعروفة و أخرج قضية الإمام الحسين لمسائل و تفرعات غريبة عن فحوى الرسالة الإيمانية لسيد الشهداء بعد أن ادخلت السياسة قاتلها الله كطرف غير موضوعي و لا محايد في تلك القضية ! يقينا أن لا أحد من بني أمية قد بقي على قيد الحياة حاليا ليتم القصاص منه و معاقبته بجريرة ما قام به أجداده! لأن الخليفة العباسي الأول أبو العباس السفاح تكفل بالانتقام بعد أن أباد معظم العائلة الأموية في الحفلة المعروفة تاريخيا و التي كررها محمد علي باشا والي مصر في مذبحة القلعة ضد المماليك بداية القرن التاسع عشر! فتاريخ القمع العربي حافل و مريع و يستلهم التجارب! , كما أن اهل بيت النبوة سلام الله عليهم أجمعين قد مروا بعد ذلك بمحن و تقلبات خلال العصور اللاحقة وهذه الأمور من سنة الحياة , ولكن الفوضى العارمة في الشارع العراقي حاليا لا تعكس في رأيي حالة إيمانية بقدر ماتعكس حالة ضياع شعبي فوضوي مريع بعد أن عزل العقل على جنب و أتيح المجال للمتخلفين بأن يقودوا الشارع العراقي و تلك لعمري معضلة و مهزلة , ترى ماذا يحصل حقا لو أن تلك الجموع المليونية استغلت طاقاتها الإنسانية الخلاقة وحبها للحسين و أهل البيت في تحسين أوضاعها و في تنظيف بيوتها و شوارع العراق و في بناء و تعبيد ما خربته الحروب الطويلة و في إعادة زراعة النخيل المنقرضة أو التي في طريقها للانقراض أو في البناء الفعلي لعيون أهل البيت و من أجلهم و ليس من اجل الحكومة الا يكون حال العراق أفضل بكثير? ماذا يفيد اللطم و المشي لمئات الكيلومترات ? أليس من الأفضل أن تتوجه جماهير المؤمنين و المحرومين لمحاصرة اللصوص و القتلة الذين أشاعوا الفتن و سرقوا العراق و حولوا ثرواته لمصالحهم الشخصية وابتنوا القلاع و القصور على ضفاف "التايمز" وامتلكوا المزارع في الجنوب الفرنسي و تملكوا المنشآت السياحية في البحر الميت و دبي و غيرها من الأمصار و البلدان ? أين توارى العقل حتى أصبحت الطقوس التي تعيد ذكريات الماضي الذي انقضى و لن يعود مقدمة على مآسي الحاضر المفجعة ? أليس عيبا أن نرى كل مظاهر التخلف الشعبي السائدة بينما العراق يعوم على بحيرات من النفط لم يقدر لعوائدها أن تنعكس أبدا على حال الشعب العراقي الذي ترك العمل و الإنتاج و الزرع و الضرع وانغمس في مسيرات مليونية لن تحسن واقعه و لن تغير ماضيه و لن تدفع أبدا إلى تطوير مستقبله , بالقطع لسنا ضد الطقوس و الممارسات الدينية و لكننا نستغرب من هذا الزحف الجماهيري العارم الضائع التائه الذي يلعن الماضي الظالم و يترك لصوص الحاضر في غيهم يعمهون! وفي "شفطهم" يسرحون و يمرحون! و أعتقد أن القصد واضح و صريح و معروف و لا حاجة تدعوني للإفاضة و التوضيح أكثر , و لكن مع كل النوايا الشعبية الإيمانية الصادقة برز من يدعو للفتنة للأسف و برزت الإدعاءات المذهبية المغالية و المتطرفة و العجيب أنني سمعت من على الفضائية العراقية يوم السادس من فبراير الجاري رأيا غريبا أطلقه أحدهم من خلال الفضائية العراقية وهي محطة الدولة العراقية الرسمية يعلن فيه صاحبه من أن زيارة كربلاء أوفى و أهم و اقدس من زيارة مكة المكرمة! بربكم أهذا رأي يقال من فضائية الدولة الرسمية ? و من أين جاء القائل بهذا الاستنتاج الخرافي ? الله أعلم و لكنه حديث الفتنة الذي ما كان ينبغي أن يمر لربما لم يسمع هذا الحديث الكثير من الناس و لكنه فضيحة حقيقية و مؤسفة فلا حول و لا قوة إلا بالله , و طبعا مارس بعض رجال الدين من المهيجين للجماهير دورا مهما في "الهوسة الشعبية" فقد دعا الشيخ المغالي و المتطرف بأفكاره ورواياته المدعو عبد الحميد المهاجر وهو واحد من أكبر الغلاة للخروج نحو كربلاء فلا شيء أهم من ذلك , و يبدو أن الشعبية التي يحظى بها هذا الشيخ الذي أقام معظم حياته في الشام و يتعيش على دول الخليج قد جعلته رقما صعبا في الهوجة العراقية الحالية! العراق عامر و حافل بمآسي التاريخ و مصائب الحاضر و يبدو أن الفوضى القائمة فيه حاليا قد تتبلور عن شيء ما وفقا لنظرية الفوضى الخلاقة لطيبة الذكر كونداليزا رايس! و لكنها فوضى لن تخلق إبداعات بل ستعيدنا لعصر "التوابين" أي لزمن مروان بن الحكم.. و سيبقى "اللطم" سيد الموقف في العراق , حتى يقضي الله أمرا كان مفعولا!
كاتب عراقي
dawoodalbasri@hotmail.com
اترككم مع المقال بتاريخ اليوم 9-2-2010 في جريدة السياسة الكويتية
هستيريا الطقوس الدينية في العراق!
العراق عامر وحافل بمآسي التاريخ ومصائب الحاضر ويبدو أن الفوضى الحالية قد تتبلور عن شيء ما
في واحدة من أغرب و أعجب وقائع الأيام العراقية الراهنة تبرز ظاهرة الطقوس الدينية لتضرب أرقاما قياسية وغير مسبوقة في التاريخ العراقي المعاصر وتؤشر لأكثر من علامة استفهام في بلد محطم يشكو من نقص الخدمات وتدهورها , وفقدان الأمن المريع , وظاهرة اللصوصية المستشرية على المستوى السلطوي والتحديات الخطيرة التي تواجه مستقبل ووحدة البلد إضافة الى المشاريع الدولية والإقليمية الخطيرة , بينما قطاعات كبيرة وكثيرة من شعبه تم إلهاؤها من خلال بعض المرجعيات السياسية والدينية في الإغراق في طقوس وممارسات دينية كانت معروفة منذ مئات السنين ولكنها لم تصل أبدا للدرجة الهستيرية القائمة حاليا , فالبلد بأسره قد تعرض للشلل شبه التام وأغلقت الأسواق والمحال التجارية وعطلت الدوائر الحكومية وتوقفت الحياة من أجل إحياء أربعينية الإمام الحسين (رض) والذي أستشهد وصحبه في كربلاء في موقعة "الطف" المعروفة عام 61 هجرية أي قبل أكثر من 1400 عام , وطبعا استشهدت بعد الإمام الحسين أجيال كثيرة و طويلة من الثوار ضد الحكم الأموي و العباسي , فعبد الله بن الزبير ( رض ) مثلا قتل و احرقت جثته و علقت كذبيحة في الكعبة المشرفة و كذلك الحال مع الإمام زيد بن علي بن الحسين ( رض ) الذي صلب في كناسة الكوفة أيام هشام بن عبد الملك و مآسي التاريخ العربي و الإسلامي لم تتوقف أبدا بل ظل القتل و سفك الدماء هو السمة العامة للأسف لتاريخنا وهي قضية إنسانية عامة , وبلاشك فإن لاستشهاد الإمام الحسين وصحبه و اهله الكرام الميامين دلالات إنسانية و دينية عميقة و هي تعبير حقيقي عن رفض الظلم و الإرهاب و دعوة صريحة للعدل و الإحسان إلا أن ما يحصل قد تجاوز كل تلك الأمور و البديهيات المعروفة و أخرج قضية الإمام الحسين لمسائل و تفرعات غريبة عن فحوى الرسالة الإيمانية لسيد الشهداء بعد أن ادخلت السياسة قاتلها الله كطرف غير موضوعي و لا محايد في تلك القضية ! يقينا أن لا أحد من بني أمية قد بقي على قيد الحياة حاليا ليتم القصاص منه و معاقبته بجريرة ما قام به أجداده! لأن الخليفة العباسي الأول أبو العباس السفاح تكفل بالانتقام بعد أن أباد معظم العائلة الأموية في الحفلة المعروفة تاريخيا و التي كررها محمد علي باشا والي مصر في مذبحة القلعة ضد المماليك بداية القرن التاسع عشر! فتاريخ القمع العربي حافل و مريع و يستلهم التجارب! , كما أن اهل بيت النبوة سلام الله عليهم أجمعين قد مروا بعد ذلك بمحن و تقلبات خلال العصور اللاحقة وهذه الأمور من سنة الحياة , ولكن الفوضى العارمة في الشارع العراقي حاليا لا تعكس في رأيي حالة إيمانية بقدر ماتعكس حالة ضياع شعبي فوضوي مريع بعد أن عزل العقل على جنب و أتيح المجال للمتخلفين بأن يقودوا الشارع العراقي و تلك لعمري معضلة و مهزلة , ترى ماذا يحصل حقا لو أن تلك الجموع المليونية استغلت طاقاتها الإنسانية الخلاقة وحبها للحسين و أهل البيت في تحسين أوضاعها و في تنظيف بيوتها و شوارع العراق و في بناء و تعبيد ما خربته الحروب الطويلة و في إعادة زراعة النخيل المنقرضة أو التي في طريقها للانقراض أو في البناء الفعلي لعيون أهل البيت و من أجلهم و ليس من اجل الحكومة الا يكون حال العراق أفضل بكثير? ماذا يفيد اللطم و المشي لمئات الكيلومترات ? أليس من الأفضل أن تتوجه جماهير المؤمنين و المحرومين لمحاصرة اللصوص و القتلة الذين أشاعوا الفتن و سرقوا العراق و حولوا ثرواته لمصالحهم الشخصية وابتنوا القلاع و القصور على ضفاف "التايمز" وامتلكوا المزارع في الجنوب الفرنسي و تملكوا المنشآت السياحية في البحر الميت و دبي و غيرها من الأمصار و البلدان ? أين توارى العقل حتى أصبحت الطقوس التي تعيد ذكريات الماضي الذي انقضى و لن يعود مقدمة على مآسي الحاضر المفجعة ? أليس عيبا أن نرى كل مظاهر التخلف الشعبي السائدة بينما العراق يعوم على بحيرات من النفط لم يقدر لعوائدها أن تنعكس أبدا على حال الشعب العراقي الذي ترك العمل و الإنتاج و الزرع و الضرع وانغمس في مسيرات مليونية لن تحسن واقعه و لن تغير ماضيه و لن تدفع أبدا إلى تطوير مستقبله , بالقطع لسنا ضد الطقوس و الممارسات الدينية و لكننا نستغرب من هذا الزحف الجماهيري العارم الضائع التائه الذي يلعن الماضي الظالم و يترك لصوص الحاضر في غيهم يعمهون! وفي "شفطهم" يسرحون و يمرحون! و أعتقد أن القصد واضح و صريح و معروف و لا حاجة تدعوني للإفاضة و التوضيح أكثر , و لكن مع كل النوايا الشعبية الإيمانية الصادقة برز من يدعو للفتنة للأسف و برزت الإدعاءات المذهبية المغالية و المتطرفة و العجيب أنني سمعت من على الفضائية العراقية يوم السادس من فبراير الجاري رأيا غريبا أطلقه أحدهم من خلال الفضائية العراقية وهي محطة الدولة العراقية الرسمية يعلن فيه صاحبه من أن زيارة كربلاء أوفى و أهم و اقدس من زيارة مكة المكرمة! بربكم أهذا رأي يقال من فضائية الدولة الرسمية ? و من أين جاء القائل بهذا الاستنتاج الخرافي ? الله أعلم و لكنه حديث الفتنة الذي ما كان ينبغي أن يمر لربما لم يسمع هذا الحديث الكثير من الناس و لكنه فضيحة حقيقية و مؤسفة فلا حول و لا قوة إلا بالله , و طبعا مارس بعض رجال الدين من المهيجين للجماهير دورا مهما في "الهوسة الشعبية" فقد دعا الشيخ المغالي و المتطرف بأفكاره ورواياته المدعو عبد الحميد المهاجر وهو واحد من أكبر الغلاة للخروج نحو كربلاء فلا شيء أهم من ذلك , و يبدو أن الشعبية التي يحظى بها هذا الشيخ الذي أقام معظم حياته في الشام و يتعيش على دول الخليج قد جعلته رقما صعبا في الهوجة العراقية الحالية! العراق عامر و حافل بمآسي التاريخ و مصائب الحاضر و يبدو أن الفوضى القائمة فيه حاليا قد تتبلور عن شيء ما وفقا لنظرية الفوضى الخلاقة لطيبة الذكر كونداليزا رايس! و لكنها فوضى لن تخلق إبداعات بل ستعيدنا لعصر "التوابين" أي لزمن مروان بن الحكم.. و سيبقى "اللطم" سيد الموقف في العراق , حتى يقضي الله أمرا كان مفعولا!
كاتب عراقي
dawoodalbasri@hotmail.com
تعليق