المشاركة الأصلية بواسطة البريكي
واحب ان اذكر لك
آية شهداء بئر معونة
أخرج عدّة من الحفّاظ منهم البخاري ومسلم هذه الرواية ، واللفظ لأولهما : " عن أنس بن مالك قال : بعث النبي صلى الله عليه (وآله) وسلم أقواما من بني سليم إلى بني عامر في سبعين ، فلما قدموا ، قال لهم خالي : أتقدمكم فإن أمنوني حتى أبلغهم عن رسول الله صلى الله عليه (وآله) وسلم وإلا كنتم مني قريبا . فتقدم ، فأمنوه ، فبينما يحدثهم عن النبي صلى الله عليه (وآله) وسلم إذ أومؤوا إلى رجل منهم فطعنه فأنقذه ، فقال : الله أكبر فزت ورب الكعبة . ثم مالوا على بقية أصحابه فقتلوهم إلا رجلا أعرج صعد الجبل ، قال همام : فأراه آخر معه ، فأخبر جبريل عليه السلام النبي صلى الله عليه (وآله) وسلم أنـهم قد لقوا ربـهم فرضي عنهم وأرضاهم ، فكنا نقرأ ( أن بلغوا قومنا أن قد لقينا ربنا فرضي عنا وأرضانا ) ثم نسخ بعد ، فدعا عليهم أربعين صباحا على رعل وذكوان وبني لحيان وبني عصية الذين عصوا الله تعالى ورسوله صلى الله عليه (وآله) وسلم " ( 1 ) .
وفي موضع آخر منه : " قال قتادة وحدثنا أنس : أنـهم قرؤوا بـهم قرآنا ( ألا بلغوا عنا قومنا بأنا قد لقينا ربنا فرضي عنا وأرضانا ) ثم رفع ذلك بعد " ( 2 ) .
ذكرنا في مبحث نسخ التلاوة وجود تضارب بين هذه الرواية وروايات أخرى أخرجت في نفس الصحيحين تدل على أن هذا المقطع الذي زُعم هنا كقرآن هو قول لشهداء بئر معونة ، وما يدل دلالة واضحة على ترجيح مضمون تلك الروايات أسلوب هذه الجملة ونظمها الهابط عن مستوى القرآن الذي يدل على عدم قرآنيتها ، بالإضافة لعدم تواتره .
وهنا أمر يستحق التنبيه عليه وهو أني لم أجد رواية واحدة نسبت تلك الجملة إلى القرآن إلا وراويها أنس بن مالك ! ، وهذا أمر يشككنا في مصداقية هذه النسبة للقرآن ، إذ من غير المعقول ألاّ يبلّغ الرسول صلى الله عليه وآله وسلم تلك الآيات لأحد إلا لأنس بن مالك فيتفرّد أنس بنقلها كقرآن مع أن القرآن من طبيعته أن يتواتر ! ، ثم إن عبد الله بن مسعود نقلها على أنـها قول للشهداء كما أسلفنا في محله ، وعبد الله بن مسعود أخبر بالقرآن من أنس بن مالك ، ناهيك عن أن أنس كان يتفاخر بأن الله عز وجل قد أنزل هذه الجملة الركيكة في خاله الذي استشهد مع شهداء بئر معونة ! وهذا ما يزيد الأمر ريبة !
( 1 ) صحيح البخاري ج3ص19-20وج2ص117 ، صحيح مسلم ج2ص136 ، طبقات ابن سعد ج2ص53و54 ط صادر ، السنن الكبرى للبيهقي ج2ص199 ، مشكل الآثار للطحاوي ج2ص420 ، تاريخ الطبري ج2ص550 ، مسند أحمد ج3ص289، وغيرها .
( 2 ) صحيح البخاري ج3 باب العون والمدد ح2899 . ونفسه في باب (الذين استجابوا لله والرسول) .
ولكن للأسف ، مع مناقضتها لصريح روايات البخاري ومسلم الأخرى ومخالفتها لمبانيهم الأصولية في عدم قرآنية ما لم يتواتر ، نجد أن علماء أهل السنة يصرّون على أنـها قرآن منـزل ! ، وقد رفض بعضهم ذلك ، قال أبو بكر الرازي :
" وروي عن أنس أنـهم كانوا يقرءون : بلغوا قومنا عنا أنا لقينا ربنا فرضي عنا وأرضانا . ونحو ذلك مما يروى أنه كان في القرآن ، فإنه لا مطعن لملحد فيه ، لأن هذه الأخبار ورودها من طريق الآحاد فغير جائز إثبات القرآن بـها " ( 1 ) .
فنقول للأغلبية ، كيف أثبتم قرآنية هذه الجمل السمجة بلا تواتر ؟! فهذا تحريف بالزيادة ، ولو سلمنا أنكم أثبتم تواترها ، فكيف ضاعت من المصحف ؟ إن قلتم بالنسخ نقول : سلمنا ( 2 ) ، ولكن النسخ يحتاج إلى تواتر ، وحيث لا تواتر فثبت التحريف بنسبة النقص لكتاب الله عز وجل .
ومع كل هذا يوجد إشكال آخر وهو : أين الحكم الشرعي في هذه الآية المزعومة حتى يتعلق بـها النسخ لو سلمنا بوقوعه في التلاوة ؟! لأن علماءهم قالوا إن النسخ لا يتعلق إلا بالأحكام وهكذا الحال في بقية الموارد التي لا تتضمن الآيات المزعومة أي حكم شرعي ، فلا داعي للإعادة ، ولا داعي للإطالة في إبطال هذا الهرج والسخف .* آية الواديين !
التأمل في هذه الجملة التي ألصقوها بالقرآن يوقفك على إعجاز القرآن وإتقان صنعه ولطيف سبكه ، فالقرآن ببديع نظمه تنفُر عنها هذه البساطة بذاتـها ، فلا تصمد هذه الجمل الباردة كما سنرى أمام تنـزلات الكتاب المكنون ، والضمير الحر هو الحكم في صحة ادعاء قرآنية مثل هذه الجملة ، فهل هذه آية من القرآن ؟! :
( لو كان لابن آدم واديان من مالٍ لابتغى وادياً ثالثا ، ولا يملأ جوف ابن آدم إلاّ التراب ويتوب الله على من تاب )
أو ( لو كان لابن آدم واد من ذهب أحب أن له واديا آخر ولن يملأ فاه إلا التراب والله يتوب على من تاب )
( 1 ) الفصول في الأصول ج2 ص257 . ، أقول : الرازي هذا هو صاحب تعريف نسخ التلاوة الذي اعتمدوا عليه ، ومع ذلك فقد أنكر كون هذه آية من المنسوخ تلاوة !!
( 2 ) نقول (سلمنا) لأننا أثبتنا في فصل مستقل فساد القول بوقوع نسخ التلاوة .
أهكذا أسلوب القرآن ؟ ، لا والله ! ، فنحن لا نناقشهم في علة فقدها من مصحف المسلمين وإنما في أصل كونـها قرآنا {فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الأَبْصَارِ} !
لفـتة للوهابي !
وأحب أن أذكّر هنا بما نقلناه سابقا عن الوهابي (ناصر.ق) الذي شنع على كلمات التنـزيل المروي في الكافي الشريف وغيره من كتب الشيعة وحكم بأنـها ليست من القرآن لضعفها البلاغي حيث قال في أصول مذهب الشيعة :
" وهذه الإضافات التي تزعم الشيعة نقصها من كتاب الله (!!) ألا يلاحظ القارئ العربي أن السياق لا يتقبلها ، وأنـها مقحمة إقحاما بلا أدنى مناسبة ولذلك يكاد النص يلفظها ( 1 ) ، وأنـها من وضع أعجمي لا صلة له بلغة العرب ، ولا معرفة له بأساليب العربية ، ولا ذوق له في اختيار الألفاظ وإدراك المعاني " ( 2 ) .
أقول : فأين هو مما يعتقده ويدين به أهل السنة من قرآنية هذه الجمل التي لا تكاد تُقرأ حتى تنقبض النفس من نسبتها للقرآن الكريم لما فيها من العوار والضعف ؟!
* التهافت في النقل :
الآية المزعومة حصل في نقلها اختلاف وتضارب وهذه نبذة من تلك الروايات :
جاء في صحيح مسلم عن أبي الأسود ظالم بن عمرو قال : " بَعثَ أبو موسى الأشعري إلى قرّاء أهل البصرة ، فدخل عليه ثلاثمائة رجلٍ قد قرؤا القرآن . فقال : أنتم خيار أهل البصرة وقرّاؤهم . فاتلوه ولا يطولن عليكم الأمد فتقسو قلوبكم كما قست قلوب من كان قبلكم ، وإنـّـا كنّـا نقرأ سورةً كنّـا نشبِّهـها في الطّول والشّدة ببراءة ، فأنْسيتُها ، غير أنّي قد حفظت منها : ( لو كان لابن آدم واديان من مالٍ لابتغى وادياً ثالثاً ، ولا يملأ جوف ابن آدم إلاّ التراب ) " ( 3 ) .
( 1 ) وهذا صحيح لأنـها تفسير للقرآن وليست منه لذلك هي للإقحام أقرب من الإنسجام التام .
( 2 ) أصول مذهب الشيعة ج1ص243.
( 3 ) صحيح مسلم ج3ص100 كتاب الزكاة باب كراهية الحرص على الدنيا وبشرح النووي ج7ص139،140.
" عن أنس بن مالك عن رسول الله صلى الله عليه (وآله) وسلم أنه قال : ( لو كان لابن آدم واد من ذهب أحب أن له واديا آخر ولن يملأ فاه إلا التراب والله يتوب على من تاب ) " ( 1 ) .
وفي الطبراني : وعن زيد بن أرقم قال : لقد كنا نقرأ على عهد رسول الله صلى الله عليه (وآله) وسلم : ( لو كان لابن آدم واديان من ذهب وفضة لابتغى إليهما آخر ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب ويتوب الله على من تاب ) " ( 2 ).
وفي مسند أحمد والبزار وأبي يعلى : " عن جابر قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه (وآله) وسلم يقول : ( لو كان لابن آدم وادي نخل تمنى مثله ثم تمنى مثله حتى يتمنى أودية ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب ) " ( 3 ) .
وأخرج الحاكم في المستدرك : " عن أبي بن كعب قال : قال لي رسول الله صلى الله عليه (وآله) وسلم إن الله قد أمرني أن أقرأ عليك القرآن فقرأ : لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين ومن بقيّتها : ( لو أن ابن آدم سأل وادياً من مالٍ فأعطيته سأل ثانياً وإن سأل ثانياً فأعطيته سأل ثالثاً ولا يملأ جوف ابن آدم إلاّ التراب ويتوب الله على من تاب وإن الدين عند الله الحنيفية غير اليهوديّة ولا النصرانية ومن يعمل خيراً فلن يكفره ) " ( 4 ) .
وليست هذه زيادتـهم الوحيدة لسورة البينة وإنما تطرق لها التعديل والتغيير أكثر من مرة وسيأتي بإذنه تعالى عرض أشكال متنوعة لها !
وأخرج الترمذي في سننه : " عن زرّ بن حبيش عن أُبي بن كعب : أن رسول الله قال له : إنّ الله أمرني أن أقرأ عليك – إلى قوله - وقرأ عليه ( ولو أنّ لابن آدم وادياً من مالٍ لابتغى إليه ثانياً ولو كان له ثانيًا لابتغى إليه ثالثاً ولا يملأ جوف ابن آدم إلاّ التراب ويتوب الله على من تاب ) " ( 5 ) .
( 1 ) صحيح مسلم ج3 ص99 كتاب الزكاة باب الحرص على الدنيا.
( 2 ) مجمع الزوائد المجلد العاشر ص 243 ( باب لا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب) ، وعلق ابن حجر عليه (رواه الطبراني والبزار بنحوه ورجالهم ثقات).
( 3 ) ن.م ص245 وعلق ابن حجر عليه (رواه أحمد وأبو يعلى والبزاز ورجال أبى يعلى والبزاز رجال الصحيح ).
( 4 ) المستدرك على الصحيحين ج2 ص 224 علق عليه الحاكم ب (هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه ) ووافقه الذهبي ، ملاحظة : المقطع الأخير لفظ آية أخرى كما سيتضح بإذنه تعالى .
( 5 ) سنن الترمذي ح3793،ح3898 وعلق عليه الترمذي ب (حسن صحيح) ، ومسند أحمد ج5 ص131 الطبعة الميمنية ، وعبد الله ابن أحمد ج5 ص132 .
وفي مسند أحمد عن زيد بن أرقم قال : " لقد كنا نقرأ على عهد رسول الله صلى الله عليه (وآله) وسلم

وفي الدر المنثور : " وأخرج ابن الضريس : ليؤيدن الله هذا الدين برجال مالهم في الآخرة من خلاق ( ولو أن لابن آدم واديين من مال لتمنى واديا ثالثا ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب إلا من تاب فيتوب الله عليه والله غفور رحيم ) " ( 2 ) .
ولنقتصر على هذا القدر في بيان تضاربـهم في نقل المزعومة ، فمرة تذكر الروايات لفظ مالا وأخرى ذهبا وثالثة ذهبا وفضة ورابعة نخلاً ، ومرّة واديا وأخرى واديين ، ومرّة سأل وأخرى يملك ، ومرّة تذكر بطنا ومرة فاهاً وأخرى جوفا ، ومرة ثانيا وأخرى تزيد إلى ثالثا ، ومرة تصرح الرواية أن الآية كانت في سورة أنسيت ومرّة أخرى أن الآية كانت في ضمن سورة البيّنة ، إلى غيره من التضارب الذي يتضح بقليل من التأمل وزيادة الخير والبركة بمراجعة المصادر الأخرى ( 3 ) .
* الآية المزعومة كتبت في المصحف في زمن عمر وفقدت اليوم !
عن مسند أحمد بن حنبل : حدثنا أبو معاوية عن أبي إسحاق الشيباني عن يزيد بن الأصم عن ابن عباس قال : جاء رجلٌ إلى عمر يسأله فجعل ينظر إلى رأسه مرّة وإلى رجليّه أُخرى ، هل يرى عليه من البؤس شيئا ، ثم قال له عمر : كم مالك ؟ قال : أربعون من الإبل ، قال ابن عباس فقلت : صدق الله ورسوله ( لو كان لإبن آدم واديان من ذهب لابتغى الثالث ولا يملأ جوف ابن آدم إلّا التراب ويتوب الله على من تاب ) قال عمر : ما هذا ؟ فقلت : هكذا أقرأنيها أبيّ . قال : فمُر بنا إليه ، قال : فجاء إلى أبيّ ، فقال : ما يقول هذا ؟ قال أُبيّ : هكذا أقرأنيها رسول الله صلى الله عليه (وآله) وسلم قال : فأثـبتـها ؟ فـأثْـبَتـها " ( 4 ) .
( 1 ) مسند أحمد ج4ص368 .
( 2 ) الدر المنثور ج1 ص105 ط دار المعرفة بالأوفست ، ملاحظة : المقطع الأول آية مزعومة أخرى .
( 3 ) نحو مشكل الآثار للطحاوي ج2ص419 ، المصنف للصنعاني ج10ص436 ، مناهل العرفان للزرقاني ج2ص25 ، تفسير الطبري ج1ص381 ، البرهان في علوم القرآن ج2ص36 .
( 4 ) المسند لأحمد بن حنبل ج5ص117 ط الميمنية ، وعنه مجمع الزوائد للهيثمي المجلد السابع ص141 (سورة لم يكن) بلفظ ( قال : أفأثبتها في المصحف ؟ قال : نعم ) ، وعلق عليه الهيثمي ب (رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح ).
أقول : مر في مبحث جمع القرآن إن إلحاق الآيات بالمصحف كان بشهادة رجلين بزعمهم ، وهنا شهد كل من حبر الأمة ابن عباس وسيد القراء أبي بن كعب عند عمر بن الخطاب بأن هذه الجملة المزعومة آية من القرآن فقبل عمر شهادتـهما وأثبتها في المصحف ، وكله على طبق الموازين ، فلماذا لا نجد هذه الجملة في مصحفنا اليوم ؟ أليس هذا تحريفا وسقوطا لآيات دونت في المصحف زمن عمر ؟ فأين ذهبت إذاً ؟! ومن الذي حرف المصحف ؟
هذا ما ذكره إعلام الخَلف بمن قال بتحريف القرآن من أعلام السّلف
ل أبو عمر صادق العلائي
تعليق