اللهم صلي على محمد وال محمد وعجل فرجهم واهلك عدوهم يارب العالمين
قال فبينما هم كذلك إذ خرج صاحب القداح من الكعبة وهو قابض على يد ولده عبد الله أبي رسول الله ص وقد جعل رداءه في عنقه وهو يسوقه وقد زالت النضارة من وجهه واصفر لونه وارتعدت فرائصه ثم قال هذا ولدك الذي خرج عليه السهم فإن شئت أن تذبحه وإن شئت تتركه قال فلما سمع عبد المطلب كلامه خر مغشيا عليه ووقع على الأرض وخرجوا أولاده من الكعبة وهم يبكون على أخيهم لصغر سنه وكان أشدهم حزنا عليه أخوه أبو طالب لأنه كان من أمه وأبيه
وكان لا يصبر عنه ساعة واحدة من عظم شفقته عليه وكان يقبل غرته وموضع النور الذي في وجهه ويقول يا أخي لا تموت حتى أرى ولدك الوارث لهذا النور الذي في وجهك الذي فضله رب العالمين الذي تقاتل معه الملائكة
المقربون الذي يغسل الأرض من الدنس ويزيل دولة الأوثان ويبطل كهنة الكهان
نظر عبد المطلب إلى فاطمة وحزنها وقلقها وقلة صبرها قبض على عبد الله وأراد أن يذبحه فتعلقت به سادات قريش وبنو عبد مناف ثم صاح بهم صيحة منكرة وقال يا ويلكم ما أنتم أشفق مني على ولدي ولكن ما أصنع بمحبتكم إلا بحكم ربي وما عاهدته على نفسي هذا وأبو طالب متعلق بأذيال أخيه عبد الله وهو يبكي ويقول يا أبتي اترك أخي واذبحني مكانه فإني راض أن أكون محله قربانا لربك فقال عبد المطلب ما كنت بالذي أتعرض لحكم ربي وأخالفه فهو الآمر وأنا المأمور
قضى الله ورب الكعبة ثم سار هو وولده إلى المنحر والناس من خلفه صفوفا فلما وصل المنحر عقل رجله بحبل فعندها ضربت أمه وجهها ونشرت شعرها ثم أضجعه وهو داهش لا يدري ما يصنع وما يفعل من الحزن قال فلما رأت أمه أنه قد عزم علىذبح ولدها مضت مسرعة إلى قومها وبني عمها وإخوتها وصرخت بهم فأقبلوا مسرعين وحالوا بينه وبين عبد الله وأخذوا الخنجر من يده وهو لا يسمع عذل عاذل ولا قول قائل وقد ضجت الملائكة بالتسبيح والتهليل والثناء لرب العالمين ونشرت أجنحتها وابتهل جبرائيل وتضرع اسرافيل وهم يستغيثون لربهم
فقال الله تعالى: يا ملائكتي إني بكل شيء عليم وإني قد ابتليت عبدي على حكمي
فأقبل عليهم رجل من كبار قومه يقال له عكرمة بن عامر وكان سيد قومه وأشار بيده إلى الناس أن اسكتوا فسكتوا وقال يا أبا الحارث إنك أصبحت سيد الأبطح والمحتوي عليه ولو فعلت ما عزمت عليه لصارت سنة من بعدك يلزمك شنارها وهذا لا يليق بك ولا يصلح لمثلك فقال عبد المطلب أ ترى يا عكرمة أغضب ربي وأخالف عهده وأرضي عبده؟ قال عكرمة إني أراك على ما فيه الصلاح قال عبد الله إن هذا الذي تراه ما هو؟ قال عكرمة أيها السيد إن في جوارنا كاهنة عارفة ليس في الكهان أعرف منها وإنها تخبر بما في ضمائر الناس وما يخفون من سرائرهم ولها صاحب من الجن يحدثها بأخبار بني آدم قال فلما سمع عبد المطلب كلامه أصغى إليه وسكن إلى مافيه
وجمعوا رأيهم على ذلك
فلما وصلوها تقدم إليها عبد المطلب ودفع لها تلك الهدية ثم سألوها عن خبرهم
ثم إنها نظرت إلى عبد المطلب وقالت له أنت الناذر؟ قال نعم جئنا لتنظري في أمرنا وتعملي حيلة في ولدنا هذا فقالت ورب البرية وناصب الجبال المرسية وساطح الأرض المدحية إن هذا الفتى الذي ذكرته لسوف يعلو ذكره ويعظم أمره وإني سأرشدكم على خلاصه ثم قالت وكم الدية عندكم من الإبل قالوا عشرة فقالت عشرة من الإبل وارموا عليها السهام فإن خرج السهم عليه زيدوا عشرة أخرى وارموا عليها بالسهام فإن خرج عليه زيدوها عشرة أخرى إلى أن يخرج السهم عليها فإذا وقع السهم على الإبل فانحروها عن آخرها فإنها رضاء ربكم وقيل هديكم قال فخرجوا القوم فرحين ورجعوا إلى أهلهم مسرورين فلما وصلوا إلى مكة خرجوا أهل مكة مسرعين بما قالت الكاهنةوقال عبد الله يا أبتي يعز علي شقوتك من أجلي فقال له أباه يا بني وددت أن أخرج من جميع أموالي وتسلم أنت ثم أمر عبد المطلب أن يحضروا جميع ما كان لهم من الإبل فأحضروها الرعاة وأرسل إلى بني عمه يأتون بالإبل وقال إن أراد بى ربي خيرا وقاني في ولدي وإن كان غير ذلك فحكمه نافذ وأمره غالبوبات عبد المطلب إلى الصباح ثم أقبل إلى الكعبة وطاف بها سبعا وهو يسأل الله عز وجل أن يفرج عنه قال فلما أصبح الصباح أمر برعاة الإبل أن يحضروها فحضروها وأتوا بنو عمه بما كان عندهم من المال وجمعوا مالا كثيرا وأخذ عبد المطلب ولده عبد الله وطيبه وزينه وألبسه أفخر أثوابه وأقبل به الكعبة والحبل والسكين في يده وهو يقوده فقالت له زوجته يا أبا الحارث ارم ما في يدك حتى يطمئن قلبي فقال لها إني قاصد إلى ربي وأسأله أن يقبل مني الفداء في ولدي
وأرجو منه أن يفديه كما فدى إسماعيل من الذبح اللهم إن أمرك نافذ لا يمنع منه مانع عنك ودافع ثم أمر صاحب القداح أن يضربها فضربها فإذا هي قد خرجت على عبد الله فقال عبد المطلب لربي الرضا وسأرضيه كل الرضا زاد عشرة من الإبل وأمر صاحب القداح أن يضربها فضربها فخرج السهم على عبد اللهثم قال اللهم إن كان دعائي محجوبا قد حجبته الذنوب والمعاصي فإنك غفار الذنوب وكاشف الكروب
فتكرم علينا بفضلك وإحسانك يا خير من سئل- ثم زاد على الإبل عشرة أخرى
مر صاحب القداح أن يضربها ثالثة فضربها فخرج السهم على عبد الله فقال عبد الله إن هذا لشيء يراد ثم قال اصبر فلعل بعد العسر يسرا ثم أضاف على الثلاثين عشرة ثم أقبل يدعو ويتضرع ويترنم وكررها وكلما رمى القداح خرج على عبدالله
فأخذ عبد المطلب الحبل والسكين وهم بولده أن يذبحه فهموا الناس أن يفعلوا به مثل الأول فقال لهم عبد المطلب قسم برب الكعبة إن عارضني أحد في ولدي لأضربن نفسي بهذا السكين وأذبح نفسي فاتركوني أنفذ حكم ربي فأنا عبده وولدي عبده يفعل بنا ما يشاءفوقع عبد المطلب مغشيا عليه فلما أفاق عظم أمره في المطاولة والإلحاح والسؤال فقال له عبد الله هلم إلي واذبحني وأنفذ حكم ربك ولكن يا أبت اربط يدي ورجلي وغط وجهك ووجهي وكف فاضل ثيابك عني لئلا تتلطخ بالدم فيكون ذكرا لإخوتي وأوصيك يا أبتاه بأمي خيرا فسلي حزنها وسكن دموعها فإني أعلم أنها بعدي لا تلذ بعيش وأوصيك بنفسك فإن خفت ذلك فغمض عينيك فإنك تجدني صابراثم زاد الإبل إلى أن وصل المائة وقال من كثر قرع الباب يوشك أن يفتح له ذلك ومن يسأل حصل الانتفاع ثم أمر صاحب القداح أن يضربها فضربها فوقع السهم على الإبل قال فوقع الناس على عبد الله ليخلصوه من يد أبيه ويهنئونه بالسلامة من الذبحفبينما هم كذلك إذسمعوا هاتفا من داخل الكعبة يقول: قد قبل ربكم منكم الفداء وقد قرب خروج المصطفى ثم قال بخ بخ لك يا أبا الحارث فقد هتف بك الهاتف أنت وابنك
كان عبد المطلب ع قائما مجتهدا في خدمة الكعبة وكان في يوما نائما في بعض الليالي عند حائط الكعبة فرأى رؤيا فانتبه فزعا مرعوبا فقام يجر أذياله ويجر رداءه إلى أن وقف على جماعته وهو يرتعد فزعا فقالوا له ما وراءك يا أبا الحارث؟ إنا نراك مرعوبا طائشا فقال إني رأيت كأن قد خرج من ظهري سلسلة بيضاء مضيئة يكاد ضوءها يخطف الأبصار لها أربعة أطراف طرف منها قد بلغ المغرب
و طرف منها قد بلغ المشرق وطرف منها قد غاص تحت الأرض وطرف منها قد بلغ إلى عنان السماء فنظرت تحتها شخصين عظيمين بهيين فقلت لأحدهما من أنت؟ فقال أنا نوح نبي رب العالمين فقلت للآخر من أنت؟ فقال أنا إبراهيم الخليل جئنا نستظل تحت هذه الشجرة فطوبى لمن استظل بها والويل لمن حاد عنها فانتبهت لذلك فزعا مرعوبا فقال له الكاهن يا أبا الحارث هذه بشارة وخير يصل إليك ليس لأحد فيه شيء فإن صدقت رؤياك يخرج من ظهرك من يدعو أهل المشرق والمغرب وتعرفه أهل السماوات والأرض والجن تحت الثرى ويكون رحمة لقوم وعذابا لقوم آخرينوكان يخرج كل يوم إلى الصيد والقنص فأخذه ذات يوم العطش فنظر إلى ماء طفا في حجر معين فشرب منه فوجده أبرد من الثلج وأحلى من العسل فأقبل في ساعته فغشي زوجته فاطمة بنت عمرو فحملت بعبد الله أبو رسول الله ص فانتقل النور الذي كان في وجهه إلى زوجته فاطمة بنت عمرو فلما مرت بها الأيام والليالي وكملت أشهرها وتم الحمل بعبد الله ع فانتقل النور الذي في وجهها إليه فلما ولدته سطع النور من غرته حتى بلغ عنان السماءفلما نظر عبد المطلب فرح فرحا شديدا- وقال الحمد لله رب العالمين قال ولم يخف مولده على الكهان والأحبار فأما الكهان فعظم الأمر عليهم لإبطال كهانتهم وأما أحبار اليهود كانت عندهم جبة بيضاء وكانت جبة يحيى بن زكريا وكانت قد غمست بالدم وكان في كتبهم إذا قطر من الجبة قطرة واحدة فيكون قد خرج عليهم السيف المسلول قال فولد عبد الله وقطرت الجبة دما فعلموا أنه قد دنا خروجه فاغتموا لذلك غما شديدافلما كمل لعبد المطلب عشرة أولاد غير ولده الحارث فصاروا أحد عشر ولدا ذكورا وذكر النذر الذي نذره والعهد الذي عهده وقال إني قد رزقت عشرة أولاد وزادوا عليهم واحدا لأنحرن أحدهم لوجه الله تعالى- فجمع أولاده بين يديه وكلهم حوله فاغتم لذلك غما شديدا فقال يا أولادي إنكم تعلمون أنكم عندي بمنزلة واحدة وأنكم الحدقة من العينين والروح بين الجنبين ولو أصابكم عارض لآذاني إلا أن حق الله أوجب من حقكم ومكان الله أعظم من مكانكم وقد عاهدت ونذرت له إن رزقني أحد عشر ولدا ذكورا لأنحرن أحدهم قربانا وقد أعطاني ما سألت وبقي علي الآن ما عاهدته وقد جمعتكم لأشاوركم فما أنتم قائلون فجعلوا ينظرون بعضهم بعضا وهم سكوت ولم يتكلموا إلا أصغرهم في السن عبد الله أبو رسول الله صفقال يا أبت أنت الحاكم فينا وعلينا ونحن أولادك وفي طوع يدك وحق الله أوجب من حقنا وأمره أوجب من أمرنا ونحن لك طائعين ولأمرك متبعين- وقد رضينا لأمر الله وأمرك وصبرنا على حكم الله وحكمك ونعوذ بالله منمخالفتك فشكره أبوه على كلامه وبكى بكاء شديداوقال
يا رب أنت تعلم أني نذرت إن رزقني أحد عشر ولدا ذكورا لأنحرن أحدهم قربانا لك وعاهدت لنفسي لئن وهبت لي عشرة أولاد ذكورا وزاد عليهم واحد لأقربنه لوجهك الكريم وها أنا قد سقت إليك أولادي فاحكم بحكمك واختر منهم ما اخترت اللهم كما قضيت فاجعله في الكبار ولا تجعله في الصغار لأن الكبار على البلاء أصبر وأن الصغير أولى بالرحمة اللهم رب البيت والأستار والركن والأحجار وساطح الأرض ومجري البحار والأمطار يا رب اصرف البلاء عن الصغار فلما تم الدعاء أمر بجرائد من النخل فجردت وقدرت وفصلت وكتب اسم كل واحد من أولاده على الجريد ثم أتى بصاحب القداح التي كان يضربون بها وهي التي ذكرها الله تعالى تسمى الأزلام وكانوا يقتسمون بها في الجاهلية ويضربون بها فمن خرج عليه السهم منها قتلوه قال فأخذها صاحب القداح ودخل بها الكعبة وعبد الله عند إخوته فلما دخل صاحب القداح أخذتأمهاتهم في البكاء والنحيب والصراخ والعويل وكل واحدة منهن تبكي على ولدها والناس يبكون علىبكائهن قال فبينما هم كذلك إذ خرج صاحب القداح من الكعبة وهو قابض على يد ولده عبد الله أبي رسول الله ص وقد جعل رداءه في عنقه وهو يسوقه وقد زالت النضارة من وجهه واصفر لونه وارتعدت فرائصه ثم قال هذا ولدك الذي خرج عليه السهم فإن شئت أن تذبحه وإن شئت تتركه قال فلما سمع عبد المطلب كلامه خر مغشيا عليه ووقع على الأرض وخرجوا أولاده من الكعبة وهم يبكون على أخيهم لصغر سنه وكان أشدهم حزنا عليه أخوه أبو طالب لأنه كان من أمه وأبيه
وكان لا يصبر عنه ساعة واحدة من عظم شفقته عليه وكان يقبل غرته وموضع النور الذي في وجهه ويقول يا أخي لا تموت حتى أرى ولدك الوارث لهذا النور الذي في وجهك الذي فضله رب العالمين الذي تقاتل معه الملائكة
المقربون الذي يغسل الأرض من الدنس ويزيل دولة الأوثان ويبطل كهنة الكهان
نظر عبد المطلب إلى فاطمة وحزنها وقلقها وقلة صبرها قبض على عبد الله وأراد أن يذبحه فتعلقت به سادات قريش وبنو عبد مناف ثم صاح بهم صيحة منكرة وقال يا ويلكم ما أنتم أشفق مني على ولدي ولكن ما أصنع بمحبتكم إلا بحكم ربي وما عاهدته على نفسي هذا وأبو طالب متعلق بأذيال أخيه عبد الله وهو يبكي ويقول يا أبتي اترك أخي واذبحني مكانه فإني راض أن أكون محله قربانا لربك فقال عبد المطلب ما كنت بالذي أتعرض لحكم ربي وأخالفه فهو الآمر وأنا المأمور
قضى الله ورب الكعبة ثم سار هو وولده إلى المنحر والناس من خلفه صفوفا فلما وصل المنحر عقل رجله بحبل فعندها ضربت أمه وجهها ونشرت شعرها ثم أضجعه وهو داهش لا يدري ما يصنع وما يفعل من الحزن قال فلما رأت أمه أنه قد عزم علىذبح ولدها مضت مسرعة إلى قومها وبني عمها وإخوتها وصرخت بهم فأقبلوا مسرعين وحالوا بينه وبين عبد الله وأخذوا الخنجر من يده وهو لا يسمع عذل عاذل ولا قول قائل وقد ضجت الملائكة بالتسبيح والتهليل والثناء لرب العالمين ونشرت أجنحتها وابتهل جبرائيل وتضرع اسرافيل وهم يستغيثون لربهم
فقال الله تعالى: يا ملائكتي إني بكل شيء عليم وإني قد ابتليت عبدي على حكمي
فأقبل عليهم رجل من كبار قومه يقال له عكرمة بن عامر وكان سيد قومه وأشار بيده إلى الناس أن اسكتوا فسكتوا وقال يا أبا الحارث إنك أصبحت سيد الأبطح والمحتوي عليه ولو فعلت ما عزمت عليه لصارت سنة من بعدك يلزمك شنارها وهذا لا يليق بك ولا يصلح لمثلك فقال عبد المطلب أ ترى يا عكرمة أغضب ربي وأخالف عهده وأرضي عبده؟ قال عكرمة إني أراك على ما فيه الصلاح قال عبد الله إن هذا الذي تراه ما هو؟ قال عكرمة أيها السيد إن في جوارنا كاهنة عارفة ليس في الكهان أعرف منها وإنها تخبر بما في ضمائر الناس وما يخفون من سرائرهم ولها صاحب من الجن يحدثها بأخبار بني آدم قال فلما سمع عبد المطلب كلامه أصغى إليه وسكن إلى مافيه
وجمعوا رأيهم على ذلك
فلما وصلوها تقدم إليها عبد المطلب ودفع لها تلك الهدية ثم سألوها عن خبرهم
ثم إنها نظرت إلى عبد المطلب وقالت له أنت الناذر؟ قال نعم جئنا لتنظري في أمرنا وتعملي حيلة في ولدنا هذا فقالت ورب البرية وناصب الجبال المرسية وساطح الأرض المدحية إن هذا الفتى الذي ذكرته لسوف يعلو ذكره ويعظم أمره وإني سأرشدكم على خلاصه ثم قالت وكم الدية عندكم من الإبل قالوا عشرة فقالت عشرة من الإبل وارموا عليها السهام فإن خرج السهم عليه زيدوا عشرة أخرى وارموا عليها بالسهام فإن خرج عليه زيدوها عشرة أخرى إلى أن يخرج السهم عليها فإذا وقع السهم على الإبل فانحروها عن آخرها فإنها رضاء ربكم وقيل هديكم قال فخرجوا القوم فرحين ورجعوا إلى أهلهم مسرورين فلما وصلوا إلى مكة خرجوا أهل مكة مسرعين بما قالت الكاهنةوقال عبد الله يا أبتي يعز علي شقوتك من أجلي فقال له أباه يا بني وددت أن أخرج من جميع أموالي وتسلم أنت ثم أمر عبد المطلب أن يحضروا جميع ما كان لهم من الإبل فأحضروها الرعاة وأرسل إلى بني عمه يأتون بالإبل وقال إن أراد بى ربي خيرا وقاني في ولدي وإن كان غير ذلك فحكمه نافذ وأمره غالبوبات عبد المطلب إلى الصباح ثم أقبل إلى الكعبة وطاف بها سبعا وهو يسأل الله عز وجل أن يفرج عنه قال فلما أصبح الصباح أمر برعاة الإبل أن يحضروها فحضروها وأتوا بنو عمه بما كان عندهم من المال وجمعوا مالا كثيرا وأخذ عبد المطلب ولده عبد الله وطيبه وزينه وألبسه أفخر أثوابه وأقبل به الكعبة والحبل والسكين في يده وهو يقوده فقالت له زوجته يا أبا الحارث ارم ما في يدك حتى يطمئن قلبي فقال لها إني قاصد إلى ربي وأسأله أن يقبل مني الفداء في ولدي
وأرجو منه أن يفديه كما فدى إسماعيل من الذبح اللهم إن أمرك نافذ لا يمنع منه مانع عنك ودافع ثم أمر صاحب القداح أن يضربها فضربها فإذا هي قد خرجت على عبد الله فقال عبد المطلب لربي الرضا وسأرضيه كل الرضا زاد عشرة من الإبل وأمر صاحب القداح أن يضربها فضربها فخرج السهم على عبد اللهثم قال اللهم إن كان دعائي محجوبا قد حجبته الذنوب والمعاصي فإنك غفار الذنوب وكاشف الكروب
فتكرم علينا بفضلك وإحسانك يا خير من سئل- ثم زاد على الإبل عشرة أخرى
مر صاحب القداح أن يضربها ثالثة فضربها فخرج السهم على عبد الله فقال عبد الله إن هذا لشيء يراد ثم قال اصبر فلعل بعد العسر يسرا ثم أضاف على الثلاثين عشرة ثم أقبل يدعو ويتضرع ويترنم وكررها وكلما رمى القداح خرج على عبدالله
فأخذ عبد المطلب الحبل والسكين وهم بولده أن يذبحه فهموا الناس أن يفعلوا به مثل الأول فقال لهم عبد المطلب قسم برب الكعبة إن عارضني أحد في ولدي لأضربن نفسي بهذا السكين وأذبح نفسي فاتركوني أنفذ حكم ربي فأنا عبده وولدي عبده يفعل بنا ما يشاءفوقع عبد المطلب مغشيا عليه فلما أفاق عظم أمره في المطاولة والإلحاح والسؤال فقال له عبد الله هلم إلي واذبحني وأنفذ حكم ربك ولكن يا أبت اربط يدي ورجلي وغط وجهك ووجهي وكف فاضل ثيابك عني لئلا تتلطخ بالدم فيكون ذكرا لإخوتي وأوصيك يا أبتاه بأمي خيرا فسلي حزنها وسكن دموعها فإني أعلم أنها بعدي لا تلذ بعيش وأوصيك بنفسك فإن خفت ذلك فغمض عينيك فإنك تجدني صابراثم زاد الإبل إلى أن وصل المائة وقال من كثر قرع الباب يوشك أن يفتح له ذلك ومن يسأل حصل الانتفاع ثم أمر صاحب القداح أن يضربها فضربها فوقع السهم على الإبل قال فوقع الناس على عبد الله ليخلصوه من يد أبيه ويهنئونه بالسلامة من الذبحفبينما هم كذلك إذسمعوا هاتفا من داخل الكعبة يقول: قد قبل ربكم منكم الفداء وقد قرب خروج المصطفى ثم قال بخ بخ لك يا أبا الحارث فقد هتف بك الهاتف أنت وابنك
فقال عبد المطلب مهلا حتى يمضي إلى الفداء ثم أمرهم بنحر الإبل عن آخرها قال وتناهبه الناس فقال عبد المطلب لا تمنعوا أحدا ولا وحشا ولا طيرا وانصرف الناس ومضى عبد المطلب مع أولاده فلما رأته الكهنة وأحبار اليهود وقد تخلص عبد الله من الذبح وخاب أملهم وبطل عملهم فامتلئوا عليه غيظا وحنقا وكانوا بعد ان كانوا فرحين بذبح عبد الله فلما فداه الله خاب أملهم
فتلك هم
فتلك هم
الأصلاب الطاهرة والأرحام الزكية من الرجال والنساءالمؤمنة برب الكعبة الشرفة