إعـــــــلان

تقليص

للاشتراك في (قناة العلم والإيمان): واتساب - يوتيوب

شاهد أكثر
شاهد أقل

كتاب رفع الالتباس في أن الإمام المهدي هو النبي سيد الناس

تقليص
X
  •  
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • كتاب رفع الالتباس في أن الإمام المهدي هو النبي سيد الناس

    هذا الكتاب القيم وجدته على الشبكة وأحببت أن أثبته هنا كي لا يضيع ..





    بسم
    الله الرحمن الرحيم


    إن الحمدلله نحمده ونستعينه ونستهديه ونستغفره ونتوب إليه ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله rتسليما كثيرا ، أما بعد :


    ما كدت أنجز الرد على مجموعة الاشكالات التي وردت على كتابي(1)من بعض الاخوة الأفاضل من أهل القصيم في نجد إلا وبي فوجئت وأنا أسلِّم ردي على تلك الاشكالات بإيراد الآتي على مؤلف الكتاب ما نصه : [ الإشكال السادس : ظاهر صنيع أهل العلم ـ فيما أعلم ـ ممن يهتم بأخبار المهدي ، أن المهدي واحد وليس متعدد ، وإن كان هناك تعدد فما الدليل ؟ ومن قال به منهم ؟ ثم مع إثبات التعدد لابد من الفصل بين أحاديث المهدي ، أي الأحاديث تعني وتخص المهدي الأول ومن منها يخص المهدي الآخر وهكذا ؟ وأهم الفصل بين الأحاديث وتوضيحها وفرزها ما يمنع من اللبس والتداخل والخلط ؟ لأنه من الملاحظ أن هناك أحاديث للمهدي عامة وأُخر خاصة ، فمن لهذا ومن لهذا ؟ وبعضها في محمد بن عبد الله وبعضها في غيره .
    وقال : الإشكال السابع : نقل ابن حزم الإجماع في آخر مراتب الإجماع واتفقوا على أن محمد rوجميع أصحابه لا يرجعون إلى الدنيا إلا حين يبعثون مع الناس . وأقره ابن تيمية على ذلك ولم ينقضه ] اهـ . هذا نص ما ورد من هذا الأخ الفاضل إلحاقا لما كان قد أورده سابقا من اعتقادات كان يرى فيها شيئا من المعارضة لبعض ما ورد في كتابي . وما ذكره أخيرا كما المنقول هنا عن عودة النبي rكان بالفعل مفاجأة لي ، وقد أخبرني بعض الإخوة أن منهم من صارحه بهذا وذكر له أنه معتقد راسخ في ضميري لم أنفك عنه منذ أكثر من سبع سنين ، فما كان من هذا الرجل إلا المبادرة بالكتابة لي في هذا الأمر العظيم طالبا الرد والتفصيل .
    وذكرت للإخوة عتبي على هذا الذي نقل له هذا الخبر وشافهه به وقد كان مؤتمنا على هذا السر ، فاعتذروا بأنه ضاق عنه الصبر ، وأن من رأيه أن صبرك على كتمان هذا الأمر العظيم وتحملك لتسفيه الناس لك وطعنهم في مقدرتك العقلية لكونك تعتقد أنك المهدي الذي أخبر رسول الله r أنه يبعث عند الاختلاف والزلازل من مشرق الشمس ، وأنك تؤمن بأنك المعني بمن قص الله تعالى نبأه وقومه كما في سورة الدخان وغيرها ، مع أنك واسمك الذي لم يوافق ما ورد في الخبر المشهور الذي فيه أن المهدي اسمه يواطئ اسم النبي واسم أبيه كذلك ، ما دعى الناس للقطع بأنك مجنون أشر ، وإن كان يسعك الصبر من قبل فقد كان للأمر وجه حينها ، أما وقد بلغ بعض المنافقين هذا النبأ فأخذوا يطعنون بك وباعتقادك هذا سفها من أنفسهم الجاهلة فقد طفح الكيل وبلغ الأمر حدا لا يطاق ، كما ظهر عند صاحبي هذا ، فاندفع يفصح عن هذا السر ويواجه به من واجه ، وقد عهدته من قبل صنديدا من صناديد الطائفة المنصورة لا يخشى في الله أحد في معتقد حق بان له فيه البرهان . أما أنا فلا يسعني والأمر هكذا إلا أن أنصره ما دام قد أبدى وعقلها وتوكل وإلا كنت من الخاذلين وأعوذ بالله أن أكون كذلك . وإني لأرجو كما صبرت لله عليه ، أن يغفر لي إذ ظهر رغما عني وينصرني إن كنت مسلِّماً به لوجهه ومصدقا به خوفا منه لا طالباً في ذلك دنيا مؤثرة ولا هواً متبعا إنما الخشية منه أن أترك هداه ولا أطيع أمره .
    فأقول وبالله تعالى أتوكل :نعم قد شكك أكثرهم في قدراتي العقلية ورموني بالجنون لكوني أعتقد أني المهدي الذي بشر بخروجه رسول الله rآخر الزمان عند ظهور الفتن واستعلاء الباطل وأهله وعند كثرة الزلازل والاختلاف ، وقد جعل الله تعالى من البينات لصدق هذا البعث والخروج الكثير من البراهين ومن أظهرها الدخـان والزلازل كما فصلت هذا في كتبي(2)وهي متداولة الآن عند بعضهم .
    ويعلم الله أنه لم يكن يحزنني رميهم لي بالجنون وأنا أراه تصديقا للقرآن إذ ذكر الله عز وجل أنّ هذا كائن منهم بنص سورة الدخان ، وقد مكر الله بهم سلفا ، إذ قدر أمري وأظهر بذلك ما يدل على وصفي ، وبعثني وأعمى عليهم اسمي حتى لا يكون للمتأولين بالباطل سبيل عليه فيدَّعونه لأنفسهم ، فحفظ الله بهذا هذا الأمر العظيم عنده ، فصار هذا سببا للقطع بأني مجنون ، ولهذا تجدهم لا يمارون في هذا أبدا ، في حين أني على يقين أنهم على باطل من القول وأني على الحق المبين قال تعالى : ( والذي جاء بالصدق وصدق به أولئك هـم المتقون )(3) .
    والله يعلم أني على يقينبأن محمداً بن عبدالله الذي يعتقدون أنه المهدي ما هو إلا رسول الله rوما أنا إلا المهدي الذي يكون بعثه عند الاختلاف والزلازل وظهور الفتن ، هذا هو الحق وليس هناك من سبيل لإيضاح الأمر لثقيلي الأفهام هؤلاء وما علي إلا الصبر على رميهم إياي بالجنون وأنا أقـرأ ذكري وإياهم بالقرآن العظيم ولا أقول إلا صبراً والله المستعان على ما يصفون ، قال تعالى : ( هل ينظرون إلا الساعة أن تأتيهم بغتة فقد جاء أشرا طها فأنى لهم إذا جاءتهم ذكراهم )(4)وقال تعالى : ( أنى لهم الذكرى وقـد جاءهم رسـول مبين . ثم تولوا عنه وقالوا معلَّم مجنون )(5) .
    ومن ذكراهم بعثي من بين أظهرهم وقد جعل الله لهذا البعث أظهر أشراط الساعة برهاناً وهو الدخان ، وقد نص سبحانه على أنهم لن ينتفعوا إذا جاء ذكرهم وتحقق خبرهم , وبينّ أنه كيف يتحقق لهم الانتفاع من هذه الذكرى وهم معرضون عن اتباع هذا الرسول وتصديقه مع أن أمره بيِّن ظاهر .
    والعجب من الأخ القصيمي الفاضل حين بادر لإنكار الأمر فزع للاحتجاج بإجماع مظنون لا يغني شيئاً , وهو مزعوم مثل سابقه الذي نقله في يأجوج ومأجوج مبني على الظن لا اليقين , وهذا في خصوص عودة رسول الله rأما أصحابه فنعم ولا وجه للخلط بين رسول الله rو أصحابه في هذا الأمر العظيم .
    قال أبو محمد بن حزم : الإجماع راجع إلى توقيف رسول الله , فلا يجوز أن يكون حق في الدين إلا عن رسول الله عن الله تعالى . وقال : الإجماع حق ولا يجوز أن يكون إلا عن رسول الله عن الله تعالى(6) . وقال في موضع آخر تفسيراً لقوله تعالى: ( أمتنا اثنتين وأحييتنا اثنتين )(7)فصح بالقرآن أنهما موتتان وحياتان فقط , فالموتة الأولى هي افتراق الأرواح عن الأجساد أول خلق الله عز وجل , ثم كانت الحياة الأولى ؛ وهي جمع الأرواح والأجساد في الدنيا ثم كانت الموتة الثانية التي لابد منها , ثم يكون الإحياء الثاني , وهو جمع الأرواح والأجساد ثانية يوم القيامة , إلا عيسى عليه السلام , ومن أحياه الله تعالى علامة لنبوة نبي , أو آية , ثم أماتهم . فإن هؤلاء خُصُّوا بنص القرآن بحياةٍ ثالثةٍ , وموتة ثالثة فقط اهـ (8).
    هذا تقرير ابن حزم عن الإجماع وأنه لا يكون إلا بتوقيف من رسول الله rأو بدليل عن الله عز وجل , وفي هذا ما يعارض ما نقله الأخ عنه في أن الإجماع حاصل في أن رسول الله rلا يعود إلى الدنيا ثانية كما سيجري هذا لعيسى وغيره من رسل الله , إذ أنه ليس هناك ما يدل عن الله ورسوله rعلى امتناع تحقق هذا بل على خلافه قام الدليل ، وإني لعلى استعداد تام وقطع جازم على أن ابن حزم وغير ابن حزم لا يمكنه بحال إثبات خلاف هذا عن الله ورسوله rوبيني وبينهم كل الكتاب وكل السنة , ولي عليهم سابقة ؛ زبور داود وإنجيل عيسى عليهما الصلاة والسلام , والله هو الهـادي والموفق .
    وعلى هذا يبطل الاحتجاج بدعوى الإجماع أقله على مذهب ابن حزم إذ اشترط لثبوت الإجماع أن يكون توقيفي ولا توقيف بهما على نفي تحقق هذا , فبطل القول بدعوى الإجماع على مذهبه .
    قال شيخ الإسلام رحمه الله : العلم بثبوت الإجماع في مسألة لا نص فيها لا يقع اهـ(9).
    قلت :فكيف في عودة رسول الله rوقد جاءت النصوص إن لم تكن مصرحة بذلك فهي قطعاً تلمح له . ومن المفارقة حقاً أن يختار ابن حزم أن كل ما في القرآن على ظاهره , ومن ظاهره قوله تعالى : ( وإن ما نرينك بعض الذي نعدهم أو نتوفينك فإنما عليك البلاغ وعلينا الحساب )(10) وقال : ( فاصبر إن وعد الله حق فإما نرينك بعض الـذي نعدهـم أو نتوفينك فإلينا يرجعون )(11)وقال سبحانه أيضاً في هذا : ( و إنا على أن نريك ما نعدهم لقادرون )(12) فما هو الوعد هنا الذي سيريه نبيه عليه الصلاة والسلام , لاشك أنه مما وعدوا به آخـر الزمـان لقوله سبحانه : ( ويقولون متى هذا الفتح إن كنتم صادقين . قل يوم الفتح لا ينفع الذين كفروا إيمانهم ولا هم ينظرون . فأعرض عنهم وانتظر إنهم منتظرون )(13)ولقوله : ( يوم يأتي بعض آيات ربك لا ينفع نفساً إيمانها لم تكن آمنت مـن قبل أو كسبت في إيمانهـا خيراً قُل انتظروا إنا منتظرون )(14)وهذا قطعا مما يكون آخر الزمان , وقوله : ( منتظرون )بصيغة الجمع والمراد من معه من رسل الله تعالى على مـا سأقرره في هذا الكتاب .
    التعديل الأخير تم بواسطة سعيد النورسي; الساعة 05-06-2010, 12:13 AM.

  • #2
    وهذا مع كونه ظاهر القرآن فهو مراد لله على ظاهره ولا يحتمل للصرف عن ظاهره البتة . فهو وعيد حق لاشك فيه ومدركه رسول الله لا ريب في ذلك , فإنه من المقطوع به أن الآية الأخيرة تأويلها آخر الزمان ولا وجه لانتظار رسول الله r لها إلا إدراكها .
    فقد جرى الأمر هنا على سنة الأنبياء , إذ كانوا يعطون الأجل لقومهم لنزول العذاب , ولمـا كان رسـول الله rمرسلاً لجميع الملل جرى له هذا مـع جميعهم فأعطى الله عز وجل هذا الوعد وقطع على أنه سيراه رسول الله rأو سيرى بعضه , قال عز وجل : ( وإلى عادٍ أخاهم هودا قال يا قوم اعبدوا الله مالكم من إله غيره أفلا تتقون )إلى قوله : ( قال قد وقع عليكم من ربكم رجس وغضب أتجادلونني في أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم ما أنزل الله بها من سلطان فانتظروا إني معكم من المنتظرين )(15)وهكذا سيكون لرسول الله rكما هود عليه الصلاة والسلام , وعد الحق ولكن أكثر الناس لا يعلمون . والذين عارضوا قولي هذا وكذبوه لم يصيبوا في هذا الأمر ظاهراً ولا باطناً ، ومع هذا ترى بعضهم متشدقاً لا يرى إلا أن العلم انتهى إليه .
    وعودة رسول الله rما هي إلا آية يجريها الله عز وجل به إظهاراً لدينه كما وعد ونصرة لنبيه على جميع الكافرين والمشركين بجميع مللهم وذلك لكونه بعث للناس كافة وما من رسولٍ يكذبه قومه الذين أُرسل إليهم إلا وحلت بهم الماحقة وقد كذبت أكثر الملل رسول الله ولن تتخلف سنة من سبق بهم , فإن كل الأمم قومه عليه الصلاة والسلام وأن الله لم يتركهم هملاً , وإن غداً لناظره لقريب ، قال تعالى : ( قل فانتظروا إني معكم من المنتظرين .ثم ننجي رسلنا والذين آمنوا كذلك حقاً علينا ننجي المؤمنين )(16)وهذا أصرح موضع في القرآن ينص على بعثه عليه الصلاة والسلام آخر الزمان , إذ أمره أن يخبرهم أنه منتظر معهم تحقق هذا الوعد الذي فيه نصر رسل الله , هكذا بصيغة الجمع وقوله : ( معكم من المنتظرين )صريح في الأمر , ولا أدري إن كان هذا من ظاهر القرآن أم لا على مذهب ابن حزم ليخبرني بذلك القصيمي !!(17)، ولا يصح تحقق هذا الوعد المنتظر إلا في الدنيا لقوله تعالى :( فهل ينظرون إلا مثل أيام الذين خلوا من قبلهم . قل فانتظروا إني معكم من المنتظرين )(18)ومن المعلوم هنا أن ما جرى على السابقين هو الوعيد وهذا لا يكون إلا في الدنيا , وهو أيضاً مما لم يقع بحياته عليه الصلاة والسلام فتعين أنه لازال من المنتظر !! .
    وأقول هنا للأخ الفاضل هذا من ظاهر القرآن على مذهب ابن حزم أتراه لو وعيه أخذ به ، فأين الإجماع وأين ابن حزم ليتفطن إلى سر إيراد الله تعالى في تلك الآيات للتوفي ولم يذكر الموت هنا على الخصوص ليُلمح إلى توافق حال رسول الله وعيسى عليهما الصلاة والسلام في القبض إذ قال في خبره : ( إذ قال الله يا عيسى إني متوفيك ورافعك إليَّ )(19) مع قوله : ( وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به قبل موته ويوم القيامة يكون عليهم شهيدا )(20) فقال في رفعه الذي يعقبه نزوله إلى الأرض : ( متوفيك ) ، وأما بعد عودته فنص على موته ، ومثله في رسول الله في أكثر من آية لم يذكر الموت بل التوفي , لا بل زاد على هذا في موضع آخر في نفس الأمر ما يزيده إيضاحاً فقال بخصوص رسول الله : ( فإما نذهبن بك فإنا منهم منتقمون . أو نرينك الذي وعدناهم فإنا عليهم مقتدرون )(21)فلم يذكر التوفي هنا ولا الموت بل مجرد الذهاب به ، وإني أراه كاد أن يفصح .
    وأما عن الوعد فمن جادل هنا في أن هذا الوعد لغير أهل الكتاب من اليهود والنصارى فقد أعظم الفرية على الله تعالى وقال عليه بغير علم ، وأما بخصوص وفاة عيسى فمن المعلوم عند أهل العلم حصول الخلاف بينهم في حقيقة وفاة عيسى قبل الرفع هل رفع ميتاً أم رفع حياً بدناً وروحاً , فالأول قال به ابن عباس واختاره ابن اسحاق ورجحه ابن حزم ، فما المانع أن يقع لرسول الله r كما وقع لعيسى عليه السلام خصوصاً على اختيار ابن عباس وابن حزم !! .
    قال تعالى : ( ومنكم من يتوفى من قبل ولتبلغوا أجلاً مسمى ولعلكم تعقلون )(22) يرمي بهذا لما قررت ، وقد كان رسول الله بأبي وأمي هو يعظم هذا الأمر ومن دون كتمانه له كان يتفلت لسانه بين الفينة والأخرى يلمح تارة ويكاد يفصح تارة أخرى كما سيأتي إيضاح كل هذا لاحقاً بالفصول التالية إن شاء الله تعالى . وقد وعظه الله تعالى أن لا يرتاب في إيمانه بهذا الأمر فقال له : ( الحق من ربك فلا تكونن من الممترين ولكل وجهة هو موليها فاستبقوا الخيرات أين ما تكونوا يأتِ بكم الله جميعاً . إن الله على كل شيء قدير )(23) أي يأتي بكم شهداء على أُممكم كما وعد , وقال سبحانه : ( ولقد آتينا موسى الكتاب فلا تكـن في مرية من لقائه وجعلناه هدى لبني إسرائيل )(24) هنا كشف الله عز وجل أو كاد عن حقيقة الأمر إذ أن الضمير في لقائه يعود إلى الكتاب والمراد به تأويل ما جاء في كتاب موسى عليه السلام من وعيد بحق بني إسرائيل وغيرهم في آخر الزمان كما فصلت هذا في كتابي : ( بيان وجوب الاعتزال ) .
    قال تعالى : ( قال يا موسى إني اصطفيتك على الناس برسالاتي وبكلامي فخذ ما آتيتك وكن من الشاكرين . وكتبنا له في الألواح من كل شيء موعظة وتفصيلاً لكل شيء )(25)ومما فصل فيه مبعث النبي عليه الصلاة والسلام وما يكون فيه من أحداث آخر الزمان , وعلى ما فيه المعتمد الآن عند كبراء اليهود الذين يسوسون العالم من خلال السلطة العالمية الدولية ولو جهل أكثر الناس هذه الحقيقة فاليهود من قديم مـا كانوا ليفرطوا بما فيه من علم وتفصيل فقد أُنزل نوراً وهدى للناس وفصِّل فيه الكثير والكثير , ففيه ما يكون إلى قيام الساعة , وفيه ذكر ما سيجري على بني إسرائيل آخر الزمان ومن أجل هذا جحدوه على موسى عليه السلام وأخفوه عن جميع البشر , قال تعالى في هذا : ( وما قدروا الله حق قدره إذ قالوا ما أنزل الله على بشر من شيء قل من أنزل الكتاب الذي جاء به موسى نورا وهدىً للناس تجعلونه قراطيس تبدونها وتخفون كثيرا وعلمتم مـا لم تعلموا أنتم ولا آباؤكم قل الله ثم ذرهم في خوضهم يلعبون . وهـذا كتاب أنزلناه مبارك مصدق الذي بين يديه ) (26). هذا ما وعظ بعدم الريب في لقائه رسول الله rلا كما زعم قتادة حين جعل الضمير في لقائه عائداً على موسى وأن ذلك تحقق في ليلة المعراج , وهذا قول باطل إذ لا ينفك الأمر عن أن تكون الآيات هنا نازلة قبل المعراج أو بعده , فإن كانت قبله فلا يستقيم أن يوعظ بعدم الشك وهو لم يره بعد ، وإن كانت مما نزل بعد المعراج فهل يستقيم افتراض ورود الشك على الرسول rلبعض ما ورد أنه رآه في المعراج هذا لا يستقيم , وهو كفر ممن قاله لقوله تعالى : (ما كذب الفؤاد ما رأى )(27).
    والحق إن شاء الله تعالى أن الموعظة في عدم الشك بلقاء التأويل و إدراكه , لا لشكه وعدم تسليمه عليه الصلاة والسلام حاشا لله أن يكون هذا منه , وإنما الأمر خرج مخرج التعظيم لهذا الاعتقاد والتصديق الذي هو من الثقل على نفسه الكريمة للحد الذي كان يقول فيه : ( لو تعلمون مـا أعلم لضحكتم قليلاً ولبكيتم كثيراً )وعلى هذا يستقيم النهي عن الشك في التصديق بما يقع آخر الزمان من تأويل كتاب موسى دون النهي عن الشك عما رآه بالفعل كما ذكر ذلك عن قتادة , ألا تراه بعد أن نهاه عن الشك في لقاء تأويله قال : ( ويقولون متى هذا الفتح إن كنتم صادقين. قل يوم الفتح لا ينفع الذين كفروا إيمانهم ولا هم ينظرون.فأعرض عنهم وانتظر إنهم منتظرون)(28) هنا أثبت خبر الفتح الذي يطلبونه بزعمهم وأخبرهم أنه عند تحققه لا ينفع الإيمان وهو وعيد شديد تظاهرت الأدلة أنه واقع آخر الزمان كما بينته سابقاً , والأمر بانتظاره هنا للرسول ظاهر الدلالة ومؤيد لما قررته في هذا الكتاب .
    وهذا الفتح المذكور ولِهَ يهود في انتظاره وكانوا يدَّعونه لأنفسهم كما ذكر هذا عنهم الله سبحانه قال : ( ولما جاءهم كتاب من عند الله مُصَدقٌ لما معهم وكانوا من قَبل يستفتحون على الذين كفروا فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به فلعنة الله على الكافرين )(29)وهو تأويل الكتاب وتصديق الأنبياء إذ مازالوا يخبروا به قال تعالى : ( ولقد جئناهم بكتاب فصلناه على علم هدى ورحمة لقـوم يؤمنون . هل ينظرون إلا تأويله يوم يأتي تأويله يقول الذين نسوه من قبل قد جاءت رسل ربنا بالحق فهل لنا من شفعاء فيشفعوا لنا أو نرد فنعمل غير الذي كنا نعمل قـد خسروا أنفسهم وضل عنهم ما كانوا يفترون )(30) نرد إلى حكم التوبة يريدون , وهذا إن كان منهم في الدنيا , أما إن كان يوم القيامة فهو من المفصل بالكتاب أيضاً . قال عز وجل :( قل ربي إما تريني ما يوعدون . رب فلا تجعلني في القوم الظالمين . وإنَّا على أن نريك ما نعدهم لقادرون )(31)وجماع الأمر أنه أُمر بالدعاء أن لا يكون معهم حين يريه ما يوعدون وجاء بعده توكيد الله لقدرته على أن يريه هذا الوعد وكل هذا لا يكون على غير مراد أبداً ، فطلب الدعاء والتوكيد بعده كله في أمر كائن ومقدر ، يوضح هذا ويجليه أنه أُمر بقريب من هذا المعنى ولكن من وجه آخر فقال تعالى في ذلك : ( وقل ربى أدخلني مدخل صدق وأخرجني مخرج صدق واجعل لي من لدنك سلطاناًًًً نصيراً . وقل جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا )(32)ورد عن ابن عباس رضي الله عنه قوله : ( أدخلني مدخل صدق ) يعني الموت ، ( وأخرجني مخرج صدق )يعني الحياة بعد الموت .
    وأقول أنا : والسلطان النصير ما يكون من تمكين المهدي آخر الزمان موطِئاً لمقدمه الميمون عليه الصلاة والسلام ، وهو مخرج الصدق .
    وهذا الوعد حق لا مرية فيه ومن داخله شك في ذلك فليقف برهة عند قوله تعالي : ( فإن كنت في شك مما أنزلنا إليك فسئل الذين يقرءُون الكتاب من قبلك . لقد جاءك الحق من ربك فلا تكونن من الممترين . ولا تكونن من الذين كذبوا بآيات الله فتكون من الخاسرين . إن الذين حقت عليهم كلمت ربك لا يؤمنون ولو جاءتهم كل آية حتى يروا العذاب الأليم )(33).
    وهؤلاء هم أصحاب الوعيد المشار إليه في كل الآيات السابقة لن تنفعهم كل آية وقد حقت عليهم اللعنة والعذاب , ووعد الرسول بأن يرى بعض الذي وعدوا كما ذكر هذا سابقاً . وكل هذا الوعظ منه سبحانه تعظيماً لهذا التصديق عند رسول الله r لا لورود الشك عليه كما أسلفت ، ومن قال بجواز الشك على رسول الله r في أصل رسالته , أو الإيمان بوجود الله الحق أو الجنة أو النار , أو بشيء من ذلك ما تطلب هذا التشديد في النهي عن الشك , فقد ضل ضلالاً بعيدا , وإنما الأمر على ما قررته هنا والله ولي التوفيق .
    وقد قمت لبيان هذا الأصل العظيم وتجلية حقيقته بتقسيم هذا الكتاب إلى بابين :
    فالأول : فصلت فيه ما ورد في كتاب الله تعالى وسنة نبيه وفيه ذكر هذا الأمر .
    والثاني :ذكرت فيه ما ورد عن الصحابة في هذا الأصل العظيم , وما ذكر عند أهل الكتاب في تقريره , ثم ختمت الكتاب بالكلام على بعض الأحاديث الواردة في ذكر المهدي .

    تعليق


    • #3


      الباب الاول


      ما ورد في كتاب الله وسنة نبيه وفيه




      ذكر هذا الأمر العظيم














      الفصل الأول






      ما ورد في القرآن وفيه ذكر هذا الأمر :





      أولا : عن الأسود بن العلاء عن أبي سلمة عن عائشة رضي الله عنها قالت : سمعت رسول الله rيقول : ( لا يذهب الليل والنهار حتى تعبد اللات والعزى ) فقلت : يا رسول الله ! إن كنت لأظن حين أنزل الله : ( هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحـق ليظهره على الدين كله ولو كـره المشركون )(1) أن ذلك تام , قال : ( إنه سيكون من ذلك ما شاء الله , ثم يبعث الله ريحاً طيبة تتوفى من في قلبه مثقال حبة خردل من إيمان , فيبقى من لا خير فيه , فيرجعون إلى دين آبائهم )(2).




      قلت


      :ما أشكل على عائشة هو عينه ما أشكل على الكثير من أصحابه رضي الله عنهم عند وفاته ودينه لم يظهر بعد على جميع الأديان كما سأبينه لاحقا في الفصول التالية إن شاء الله . والرسول rأتى بجوابه على قولها وهو يصرح بتعيين هذا الظهور أنه آخر الزمان مع إغفاله الجواب على أصل الإشكال عندها وهو تمام الدين لبعثه وظهوره على جميع الأديان , فبين لها أن الظهور سيكون كما ورد في الآية إلا أنه آخر الزمان , ولم يكشف لها أن ذلك سيكون بوجوده عليه الصلاة والسلام وأن ظاهر الآيات المذكورة سيصدق حينها بتمامه , وتعد هذه الآية من النبوءات المخفية كغيرها من النبوءات .





      ثانيا


      :قال تعالى : ( يسألونك عن الساعة أيان مُرساها . فيمَ أنت من ذكراها . إلى ربك منتهاها . إنما أنت منذر من يخشاها )(3) اتفقوا على أن الله في هذه الآية نفى علم الرسول بها , وأنزلوا الميم الواردة هنا منزلة ليس النافية وفيه نظر إذ أن سياق الآيات ومبناها لا يأبى أن يكون المراد الإخبار على سبيل التعجب , أي بينما هم يسألونك عن منتهاها وما أنت يا محمد إلا من ذكرها وستكون من أماراتها وأشراطها , وهذا لا يأباه السياق هنا . وأما الجزم بأن الميم في ( فيمَ ) هي بمنزلة ليس النافية ففيه نظر , وقد ورد في كلامهم جواز دخول الميم على الظرف , كقول عروة حين أنكروا عليه الاعتزال وترك مسجد رسول الله rفي المدينة قال لهم : إني رأيت مساجدكم لاهية وأسواقكم لاغية , والفاحشة في فجاجكم عالية , فكان فيما هنالك عما أنتم فيه عافية (4) .





      ثالثا


      : قال الله تعالى : ( ونزعنا من كل أُمَّة شهيداً فقلنا هاتوا برهانكم فعلموا أن الحق لله وضل عنهم ما كانوا يفترون )(5)والنزع هنا معناه : القلع . والمراد به ماكان من حال روح الله عيسى عليه السلام وإدريس وإلياس ومحمد صلوات الله وسلامه عليهم , وهؤلاء جميعهم اتخذهم الله شهوداً على الناس , قياماً للحجة ودحراً للباطل آخر الزمان , وشهادتهم قائمة , فعيسى على النصارى ، وإلياس على اليهود ، وإدريس على سائر بني آدم من غير من سبق ذكره , و أما رسول الله فعلى أمته والكافة من ذرية آدم إذ أنه رسول الله لهم جميعاً , قال تعالى : ( وتلك الأيام نداولها بين الناس وليعلم الله الذين آمنـوا ويتخذ منكـم شهداء والله لا يحب الظالمين )(6)وهؤلاء الشهداء صلوات الله وسلامه عليهم قائمة شهادتهم ليس في الآخرة كما يعتقد الكافة فقط , بل هي قائمة قبل ذلك أيضاً في الدنيا وإياهم يعني بقوله تعالى : ( وإذا الرسل أقتت . لأي يوم أجلت . ليوم الفصل )(7)وقال تعالى : ( والسماء ذات الرجع والأرض ذات الصدع(8). إنه لقول فصل )(9) أي رجـوع عيسى ومن معه , وتصدع الأرض عن رسول الله rليتم الأمـر المؤقت والوعد الحق الذي قال عنه : ( فاصبر إن وعد الله حق فإما نرينك بعض الذي نعدهم أو نتوفينك فإلينا يرجعون )(10)وقال : ( أو نرينك الذي وعدناهم فإنا عليهم مقتدرون )(11).



      هذا وقد جمع الله الأمر في هذه الآيات : ( ولكل أمة رسول فإذا جاء رسولهم قضي بينهم بالقسط وهم لا يظلمون . ويقولون متى هذا الوعد إن كنتم صادقين . قل لا أملك لنفسي ضراً ولا نفعاً إلا ما شاء الله . لكل أمة أجل إذا جاء أجلهم فلا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون )(12)وقال تعالى : ( قل لكم ميعاد يوم لا تستأخرون عنه ساعة ولا تستقدمون )(13)وقال سبحانه : ( إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد )(14)يقومون بهذه الشهادة عند تحقق الوعد المنتظر الذي من أجل تحققه رفع عيسى ومن ذكر معه , في يوم أَجَّل وقته عالم الغيب والشهادة . وهذا الوعد المنتظر الذي أُقت له عودة الرسل فيه يفرق بين الحق والباطل , ويظهر دين الإسلام على سائر الأديان الزائفة , ويشهد فيه جميع الرسل بعد عودتهم على صدق رسالة محمد رسول الله , وفي ذلك اليوم المشهود يُقتل الدجال وتخزى يهود , ويموت فيه كل من يقول أن عيسى ابن الله ويجد نَفَسَه , وإنه ليبلغ مد بصره .


      تعليق


      • #4



        وكل من اعتقد أن زمان تحقق هذا الوعد المذكور في الآيات بعد بعث جميع بني آدم من القبور , أو أنه مما مضى أو أنه مجرد وعيد غير لازم فقد وهم وجهل , وما هو إلا ما ذكرت هنا وعد حق تحقُق تأويله إنما يكون آخر الزمان , قال تعالى : ( حتى إذا رأوا ما يوعدون إما العذاب وإما الساعة فسيعلمون من هو شـر مكاناً و أضعف جندا)(15)وقال تعالى : ( حتى تأتيهم الساعة بغتة أو يأتيهم عذاب يوم عقيم )(16)وقال تعالى : ( فهل ينظرون إلا مثل أيام الذين خلوا من قبلهم . قل فانتظروا إني معكم من المنتظرين )(17)وهذا قطعاً لا يكون إلا في الدنيا وقد نصت الآية على أنه هو الوعيد وأنه منتظر , قال تعالى : ( لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا )(18)وقال : ( يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهداً ومبشراً ونذيرا )(19) فالطائفة المنصورة الظاهرة على عدوها تكون شاهدة على الناس ثم يكون هو شهيداً عليهم , وهـذا من التأويل الذي لم يقع بعد , ولو صح أنه كان شاهد وهو فيهم في المرة السابقة , وإنما المراد بالآيات هنا شهادته المنتظرة على ما أسلفت والدليل على هذا قوله تعالى : ( ويوم نبعث في كل أمة شهيداً عليهم من أنفسهم وجئنا بك شهيداً على هؤلاء )(20)وقوله تعالى : ( فكيف إذا جئنا مـن كل أمـة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا )(21)قال ابن مسعود : قرأت على الرسول سورة النساء حتى إذا بلغتُ : ( وجئنا بك على هؤلاء شهيدا )قال : فرأيت عيني رسول الله تهملان وقال لي : ( حسبك )(22). وهذا منه استعظاماً لهـذه النبوءة .




        وقال عقبة : صلى عليه الصلاة والسلام على قتلى أحد بعد ثمان سنين كالمودع للأحياء والأموات فقال : ( إني فرط لكم وأنا شهيد عليكم )قالوا : فـرط لكم أي سابقكم(23). وفي قوله تعالى : ( ويوم نبعث في كل أمة شهيداً عليهم من أنفسهم )تدخل أمته كذلك في هذا العموم , إذ أن المهدي من الشهداء أيضاً الذين يبعثون آخر الزمان , وهو أولهم في البعث آخر الزمان ، قال سبحانه في خبره : ( وضرب الله مثلاً قرية كانت آمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغدا من كل مكان فكفرت بأنعم الله فأذاقها الله لباس الجوع والخوف بما كانوا يصنعون . ولقد جاءهم رسول منهم فكذبوه فأخذهم العذاب وهم ظالمون )(24)فهذه الآيات وآيات سورة الدخان مدخلها ومخرجها واحد تقدير العزيز الحكيم , وقال أيضاً : ( اقترب للناس حسابهم وهم في غفلة معرضون . ما يأتيهم من ذكر من ربهم محدث إلا استمعوه وهم يلعبون لاهية قلوبهم )(25)والمراد بإحداث الذكر هنا تحقُق التأويل الذي ذكر في خبرهم كما في سورة الدخان وغيرها ، قال سبحانه وتعالى : ( أفأمنتم أن يخسف بكم جانب البر )(26)وقال تعالى : ( غَلَبت الروم في أدنى الأرض )إلى قوله تعالى : ( وعد الله لا يخلف الله وعده )وقوله تعالى : ( جانب البر )و ( أدنى الأرض )سواء فافهم ! .

        تعليق


        • #5

          وقد أخطأ جهم وأتباعه ـ لعنهم الله ـ إذ ظنوا أن الضمير في إحداث الذكر عائد على القرآن وإنما الحق أنه يعود على تحقق خبر هؤلاء الذين تأويل أحداثهم إنما يكون آخر الزمان , قال تعالى في هذا : ( فهل ينظرون إلا الساعة أن تأتيهم بغتة فقد جاء أشراطها . فأنَّى لهم إذا جاءتهم ذكراهم )(27) أي تحقق تأويل ما ذكرت عنهم وقال سبحانه : ( وصـرفنا فيه من الوعيد لعلهم يتقون أو يحدث لهم ذكرا )(28)وقال أيضا : ( ما يأتيهم من ذكر من ربهم محدث إلا استمعوه وهم يلعبون )(29) .
          وأما القول بأن المهدي من الشهداء , فهو صريح في القرآن قال تعالى في ذلك : ( أفمن كان على بينة من ربه ويتلوه شاهد منه ومن قبله كتاب موسى إماما ورحمة أولئك يؤمنون به . ومن يكفر به من الأحزاب فالنار موعده فلا تك في مرية منه إنه الحق من ربك ولكن أكثر الناس لا يؤمنون )(30) أبداً تجده ينهاه عن الشك في هذا تعظيماً له ، وقال تعالى : ( قل كفى بالله شهيداً بيني وبينكم ومن عنده علم الكتاب )(31)وهذه أعظم آية في رفع شأن المهدي إذ قرن تعالى بين شهادته وشهادة المهدي على صدق رسالة محمدr , وفي هذا المنتهى في تزكية أمره , وفيه ما يدل على أن تأويل أمره لن يكون باجتهاد البشر وإرادتهم القاصرة .

          قال تعالى : ( ويوم نبعث في كل أمة شهيداً عليهم من أنفسهم وجئنا بك شهيداً على هؤلاء ونزلنا عليك الكتاب تبياناً لكل شيء وهدى ورحمة وبشرى للمسلمين )(32)ورد هذا بعد قوله تعالى : ( ويوم نبعث في كـل أمـة شهيداً ثم لا يؤذن للذين كفروا ولا هم يستعتبون )(33) قال القرطبي : ( يستعتبون )أي لا يُكلَّفون أن يرضوا ربهم , لأن الآخرة ليست بدار تكليف(34). وهذا من قوله ظناً منه أنه مما يكون في الآخرة وليس كما ظن بل هو مما يكون في الدنيا ولو لم تقبل توبتهم وعلى هذا نص القرآن في قوله تعالى : ( فلم يك ينفعهم إيمانهم لما رأوا بأسنا )(35)وقوله تعالى : ( ويقولون متى هذا الفتح إن كنتم صادقين . قل يـوم الفتح لا ينفع الذين كفروا إيمانهم ولا هم ينظرون . فأعرض عنهم وانتظر إنهم منتظرون )(36)وقوله : ( يوم يأتي بعض آيات ربك لا ينفع نفس إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيراً قل انتظروا إنا منتظرون )(37)وهكذا أمر هنا بانتظار ذلك اليوم الذي لايقبل منهم فيه عمل ولا توبة , وهو في الدنيا وظاهر الآية الأخيرة صريح في ذلك .
          أما قوله تعالى بعد ذكر خبر الشهداء : ( ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيء وهدى ورحمة وبشرى للمسلمين )(38)فهو عائد على مـا سبقه : ( ألم يروا إلى الطير مسخرات في جو السماء ما يمسكهن إلا الله إن في ذلك لآيات لقوم يؤمنون )(39)وهذه من أعظم البينات المنصوص عليها في القرآن ولذا جعلها من الآيات , قال المفسرون : أي علامات ودلالات . وهي من أعظم العلامات على قـرب تحقق بعث الشهداء , وتعد بحق دالة على أن القرآن جاء ببيان كل شيء وأنه هدى ورحمة وبشرى للمؤمنين .
          ولبيان مناسبة ذكر تسخير الطير في جو السماء في تلك الآيات واتباع ذلك بذكر الشهداء مع وصف القرآن بأنه تبياناً لكل شيء وعده تسخير الطير في السياق من الآيات , يجب الوقوف ملياً أمـام ما سُخر لبني البشر كما نرى في هذه الطائرات المحلقة في السماء , وهي تحمل على ظهرها وتقبض هذه الجموع الغفيرة والملايين الكثيرة , تنقلهم ما بين أقطار الأرض ذهاباً وإياباً . أقول : يجب الوقوف عند هذا الأمر العظيم والعلامة البينة واستجماع أمر القلب والثقة بالفهم , وطرح أقوال المفسرين القدامى الذين لو رأوا ما نحن فيه لما ترددوا لحظة في فقه المراد من الآيات , ولا يلتفت لجمود المتأخرين وعدم تحقق تصورهم لوجه المطابقة ما بين المذكور بالقرآن هنا , وما تحقق من هذا التسخير الباهر , ما لا يسع العاقل معه الإقامة على أقوال قديمة متعثرة في فهم المراد هنا , والإعراض عن إيقان قوة مناسبتها لما نرى

          تعليق


          • #6


            .
            وأقول بعد هذا

            أن الله لم ينص بالذكر على خبر هذه الأمارة التي جعلها مبشرة وعلامة على قرب تحقق أمر الشهداء في سياق الآيات المفصلة لما سخر الله من منافع للناس وبالأخص ذكره للمنافع العائدة على بني آدم من الأنعام إلا لإرادة التنبيه على مشابهة التسخير وكسب المنفعة ما بين الطير والأنعام , وهذا بعينه محقق الآن من هذه الطائرات التي تعد بحق من أعظم النعم على بني آدم , وكان رسول الله rإذا امتطى الدابة يقول : ( سبحان الذي سخر لنا هذا ) وكـل من اعتقد أن الطير في السماء ـ أعـني الطيور ذوات الأرواح ـ هي المراد فقد أبعد النُّجعة , فهذه لم تسخر بحال بل هي الطائرة في جو السماء حيث تشاء , ومن تعذر عليه إدراك المعنى المراد هنا , فليذهب من فـوره ويقف على سورة الملك قوله تعالى : ( أو لم يروا إلى الطير فوقهم صافات ويقبضن ما يمسكهن إلا الرحمن إنه بكل شيء بصير . أمن هذا الذي هو جند لكم ينصركم من دون الرحمن إن الكافرون إلا في غرور )إلى قوله تعالى : ( قل هو الذي أنشأكم وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة قليلا ما تشكرون . قل هو الذي ذرأكم في الأرض وإليه تحشرون . ويقولون متى هذا الوعد إن كنتم صادقين . قل إنما العلم عند الله وإنما أنا نذير مبين . فلما رأوه زلفة سيئت وجوه الذين كفروا وقيل هذا الذي كنتم به تدعون )(40) فانظر كيف عاد بنا إلى الوعد المنتظر !! , وقد كان قبل هذا توعد بإيقاع الخسف وهو من المنتظر أيضاً .

            والمراد بالحشر في الآيات هنا , حشر اليهود من بعد ما قضى عليهم الطرد والتشريد في الأرض , إلى حين قرب وقوع الأجل , فتوعدهم عند ذلك بجمعهم من كل مكان حشراً مقدراً بالكتاب قال تعالى : ( وقلنا من بعده لبني إسرائيل اسكنوا الأرض فإذا جاء وعد الآخرة جئنا بكم لفيفا )(41) قال ابن عباس رضي الله عنه : من شك في أن أرض المحشر ها هنا ـ يعني الشام ـ فليقرأ هذه الآية : ( هو الذي أخرج الذين كفروا من أهـل الكتاب من ديارهم لأول الحشر )قال لهـم الرسـول r : ( اخرجوا ) ! قالوا : إلى أين ؟ , قال : ( إلى أرض المحشر )(42). قال الحسن : لما أجلى رسول الله rبني النضير قال : ( هذا أول الحشر وأنا على الأثر ) !! (43) .

            ويبقى التعريف بالمُزْلَف هنا مَن يكون ؟ , من يكون هذا الذي ادعى يهود أمره لأنفسهم من دون سائر الخلق ؟! .
            إنه المهدي من الشهداء توعدهم الله تعالى إذا حشرهم إلى بيت المقدس , أن يقربه ويهديه ويظهر أمره , وينصره بما يسوء اليهود وجيرانهم ويفضح كذبهم الطويل , والله جعل من العلامات لقرب تحقق هذا الوعد حشر اليهود لبيت المقدس , وإمساك الطائرات التي تقبض الناس على ظهرها .
            ومن لم يصدق هذا مني فليتواضع قليلاً وليراجع إحصاء سقوط الطائرات في السنوات الأخيرة , فسيجد ما يبرهن هذا ويعرف أنها فعلاً آكد أمارة على قرب تحقق الوعد الحق المنتظر , أما إن لم يصدق بعدها الأبله البعيد فلا أقول له إلا ما قال تعالى : ( ولو جعلناه قرآنا أعجميا لقالوا لولا فصلت آياته ءأعجمي وعربي قل هو للذين آمنوا هدى وشفاء والذين لا يؤمنون في آذانهم وقر وهو عليهم عمى أولئك ينادون من مكان بعيد )(44) .



            تعليق


            • #7


              وبالعودة إلى تقرير الكلام في هذا الفصل على عودة النبي rآخر الزمان , وأنه من الشهداء الذين يعودون قبل نهاية أمر الحياة الدنيا ليشهدوا على أممهم , أذكر هنا مارواه ابن اسحاق بإسناده عن عكرمة عن ابن عباس قال : والله إني لأمشي مع عمر في خلافته وهو عامد إلى حاجة له وفي يده الدرة وما معه غيري , قال : وهو يحدِّث نفسه ويضرب وحشيّ قدمه بدرته , قال : إذ التفتَ إليَّ فقال : يا ابن عباس هل تدري ما كان حملني على مقالتي التي قلت حين توفي رسول الله ؟ . قلت : لا أدري يا أمير المؤمنين , أنت أعلم ! . قال : فإني والله إن كان الذي حملني على ذلك إلا أني كنت أقرأ هذه الآيـة : ( وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا )فوالله إن كنت لأظن أن الرسول rسيبقى في أمته حتى يشهد عليها بآخـر أعمالهـا , فإنه للذي حملني على أن قلت ما قلت(45).
              رحم الله ابن الخطاب ولله دره ما أصدق ظنه , ألا يكفيهم إذ اجتمع تصديق المهدي وظن ابن الخطاب , وقد والله كان رسول الله rيقول : ( قد كان يكون في الأمم قبلكم محدثون , فإن يكن في أمتي أحد فإن عمر بن الخطاب منهم ) . قال ابن وهب : محدثون ملهمون(46). والمهدي قطعاً ملهم محدث أيضاً .

              قال علي : ما كنا ننكر ونحن متوافرون , أن السكينة تنطق على لسان عمر . وقال ابن مسعود : ما رأيت عمر قط إلا وكأن بين عينيه ملكاً يسدده . و قال ابنه : كان يقول القول , فننظر مـتى يقع !! (47).

              وعن أبي ذر عن رسول الله rقال : ( إن الله وضع الحق على لسان عمر يقول به )(48). وسيأتي لاحقاً ـ إن شاء الله تعالى ـ في الباب الثاني عند الكلام على ما وقع من الصحابة في هذا الأمر , زيادة في تفصيل الكلام على اختيار عمر رضي الله عنه , ما له تعلق بعودة رسول الله rآخر الزمان ليشهد على أمته .
              رابعاً
              : قال تعالى : ( إن الذي فرض عليك القرآن لرادك إلى معاد )(49)روى عبد الرزاق عن معمر عن قتادة قال : هذه مما كان ابن عباس يكتمها(50). وروى بعضهم عن الحكم عن مجاهد في هذه الآية قال : يُرد إلى الدنيا حتى يرى عمل أمته . قلت : رواه عبد الواحد بن زياد عن أبي مريم عن الحكم به , وكذّب عبد الواحد بن زياد أبا مريم على هذه الروايه , ووافقه أبو داود على هذا التكذيب(51), وهو تكذيب مجرد عن البرهان مبني على إعتقاد مظنون .

              وابن عباس ما كان يكتم إلا هذا الإعتقاد , ولا وجه لكتمانه تفسير الآية إلا لعدم قدرته على البوح به خشية أن يكذب الله ورسوله rمن قوم تعجز عقولهم عن إدراك هذه الحقيقة , ويكفي لبيان هذا ما حل بأصحابه عند قبضه عليه الصلاة والسلام , فقد ارتج عليهم الأمر وذلك بسبب ما نقل عن عمر آنفاً , حتى إذا ما أيقن وفاته أُسقط بيده ولم يدري ما يقول , وبقي في قلبه من ذلك ما بقي كما يبدو على ما ذكر في الرواية المنقولة عنه قبل قليل .
              وسيأتي مزيد كلام على ما وقع من الصحابة عند وفاته عليه الصلاة والسلام , حتى إن أكثرهم ما كان ليسلِّم بوفاته لولا أن ثبتهم الله تعالى بصاحبه المقرب العظيم رضوان الله عليه .



              الفصل الثاني
              ما ورد في السنة وفيه ذكر هذا الأمر
              :

              أولا
              :عن أبي هريرة رضي الله عنهقال : قال رسول الله r : ( أنا أولى الناس بعيسى ابن مريم في الأولى والآخرة , فليس بيني وبينه نبي ) واللفظ لمسلم(1) . وعند الطبراني قال : ( ألا إنه خليفتي من بعدي )(2). والخليفة هو الذي يخلف من سبقه وعلى الفور حتى يصح أن يكون خليفة , وهو هنا محمول على الحقيقة لا كما ظن الكثير أنه على المعنى البعيد والمراد خلافته في الدين زعموا .
              ألا تراه في حديث مسلم يقول : ( أنا أولى الناس بعيسى في الأولى والآخرة , فليس بيني وبينه نبي ) . ولو حمل قوله بالآخرة على الجنة وما قبلها في القيامة لما كان للولاية وجه مختص بعيسى دون غيره من الأنبياء كإبراهيم وموسى وغيرهم من رسل الله صلوات الله وسلامه عليهم جميعاً , وإنما يستقيم المعنى ويتوجه إذا كان مراده هنا بالأولى بعثه بالرسالة أول الأمر , وبالثانية بعثه بالشهادة مرة أخرى , وعلى هذا يستقيم المعنى بالكلام ويتضح المراد ويدرك كونه سيكون خليفته من بعده . والرسول rمتوسع جداً بالتورية في هذا الأمر , فقد روى أبو هريرة عنه أيضاً قوله : ( والذي نفس أبي القاسم بيده لينزلن عيسى إماماً مقسطاً وحكماً عـدلاً , ثم لئن قام على قبري فقال : يا محمد لأجيبنه )(3). ولا وجه عندي لهذه الرواية إلا أن تكون الإجابة على الحقيقة , ولو كان المراد التجاوب بالوحي لما كان هناك مزيد اختصاص لمكان القبر دون سواه إن كان في النداء أو الإجابة فافهم !! .


              تعليق


              • #8
                إذاً قوله في الآخرة المراد به بعثه مرة أخرى للشهادة كما وعد الله تعالى في قوله : ( وجئنا بك شهيداً على هؤلاء )وقوله : ( لرادك إلى معاد
                هيداً على هؤلاء ) وهذا بعينه الذي فهمه عمر من الآية , أعني كون شهادته ستكون في الدنيا , وقد علل عليه الصلاة والسلام سبب ولايته بينهما بأنه ليس بينهما نبي في الأولى والآخره , وهذا أيضاً لا يستقيم أن يكون المراد به الآخرة المعني بها ما بعد البعث يوم القيامة إذ لا وجه حينها بحال للقول أنه ليس بينه و بين عيسى عليه السلام نبي ، وإنما يستقيم هذا مع بعثه للشهادة في المرة الأخرى ثم يخلفه عيسى عليه السلام فيصح عندها أن لا يكون بينهما نـبي في الأولى والآخرة , فافهم هذا أيضاً !! .
                روى ابن أبي شيبة عن عبد الله بن مسعود قال : قال رسول الله r : ( إنا أهل بيت اختار الله لنا الآخرة على الدنيا )(4). يريد آخر عمر الدنيا ففيها يعز الدين بسلطان أهل البيت وتكون لهم الرفعة والنوال . قال عكرمة : لما نزلت هذه الآية : ( وللآخرة خير لك من الأولى )قال : العباس : لا يدع الله نبيه فيكم إلا قليلاً لما هو خير له (5). وقال تعالى : ( ما كان لنبي أن يكون له أسرى حتى يثخن في الأرض . تريدون عرض الدنيا والله يريد الآخرة والله عزيز حكيم )(6) يعرّض بالوعد المنتظر !! . والآخرة هنا وفي قوله : ( فإذا جاء وعد الآخرة جئنا بكم لفيفا )(7)وقوله : ( فإذا جاء وعد الآخرة ليسئُوا وجوهكم وليدخلوا المسجد )(8) سواء فافهم !! , فإنه وعد وحق لا مرية فيه .

                ثانيا
                :روى الخطيب البغدادي في التاريخ عن أبي مويهبة مولى رسول الله عن رسول الله rقوله : ( إني أعطيت أو ـ خيرت ـ مـا فتح الله تعالى على أمتي من بعدي والجنة أو ـ لقاء ربي ـ قلت : يارسول الله اخترنا , فقال : ( لأن ترد على عقبيها مـا شاء الله , فاخترت لقاء ربي ) ، فما لبث بعد ذلك سبعا أو ثمانيا حتى قبض(9). ورواه الدارمي في السنن بلفظ : ( أقبلت كقطع الليل يتبع آخرها أولها والآخرة أشر من الأولى , أوتيت مفاتيح خزائن الدنيا والخلد فيها ثم الجنة )(10). وفي مصنف عبد الرزاق عن طاووس عن رسول الله rقال : ( خيرت بين أن أبقى حتى أرى ما يفتح على أمتي وبين التعجيل ، فاخترت التعجيل )(11).
                وعند الدارمي عن عمر بن قيس : أن رسـول الله rقال : ( إن الله أدرك بي الأجل المرحوم ، واختصر لي اختصاراً فنحن الآخرون ، ونحن السابقون يوم القيامة )(12).
                وعلى وفق هذه الروايات يكون الأصل هو بقاؤه إلى وقت الوعد المنتظر , ليقوم بحق الشهادة مع إخوانه من الرسل الذين رفعوا إلى السماء لحين تحقق الوعد , وإجابة دعوته وتحقيق طلبه باختيار جوار ربه لا ينسخ هذا الأصل ويبطل حكمته بل هو الإستثناء والأصل بقاؤه لحين إدراك ما يفتح على أمته .
                والمراد بهذا ما يكون من ظهور ونصر وتمكين آخر الزمان بتمكين حفيده المهدي المنتظر , فافهم هذه أخي المؤمن وتمسك بها ولا يفزعك عنها أيَّاً كان , فكلهم في الجهل سواء وكلهم في الجهل خطباء .
                وما جاز له بقاء الرسول rحياً حتى يدركه جاز له عودته بعد وفاته ليحققه , ومن قال بانتفاء الحكمة والتقدير عن ذلك بعد وفاته مع التسليم به قبل وفاته وإجابة اختياره , لا شك أنه بحاجة للبرهان على صدق دعواه وهيهات أن يمكّن فيها من إقامة الدليل .


                وجاء عن عمر رضي الله عنه القطع بحضور النبي rذلك الفتح آخر الزمان في ما رواه ابن سعد في الطبقات عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنه قال : لمَّا حضرت رسول الله rالوفاة وفي البيت رجال فيهم عمر بن الخطاب ، فقال رسول الله r : ( إئتوني بدواة وصحيفة أكتب لكم كتابا لن تضلوا بعده أبدا ) فقال عمر : من لفلانة ! وفلانة ! ، ـ مدائن الروم ـ ؟!! إن رسول الله ليس بميت حتى نفتتحها ، ولو مات لانتظرناه !!!! كما انتظرت بنو إسرائيل موسى ! . فقالت زينب زوج النبي r : ألا تسمعون النبي يعهد إليكم ؟ فلغطوا ، فقال : ( قوموا ) ! فلما قاموا قبض النبي صلوات الله وسلامه عليه مكانه(13).


                قلت
                :قوله بالانتظار هنا أكدَّه بعد ذلك حين قبض رسول الله rوكان معه على ذلك أكثر الصحابة(14). وما دفن رسول الله rإلا بعد تسليمهم للصديق أنه قبض ، وبقى قولهم بالانتظار لا يدعي رجوعهم وابن الخطاب عنه إلا كاذب ، والثابت أن رجوعهم كان عن قولهم بعدم وفاته
                التعديل الأخير تم بواسطة سعيد النورسي; الساعة 05-06-2010, 12:34 AM.

                تعليق


                • #9



                  وقد علل عمر في سبب الانتظار زيادة على ما ذكر في هذا الأثر ، تحقيق الله برسوله الإشهاد والظهور وقد أشير لذلك في الصحيح . ومما يشهد لهذا المعنى ما روى ابن اسحاق بإسناده عن عكرمة عن ابن عباس قال : والله إني لأمشي مع عمر في خلافته وهو عامد إلى حاجة له وفي يده الدرة وما معه غيري , قال : وهو يحدِّث نفسه ويضرب وحشيّ قدمه بدرته , قال : إذ التفتَ إليَّ فقال : هل تدري ما كان حملني على مقالتي التي قلت حين توفي رسول الله ؟ . قلت : لا أدري يا أمير المؤمنين , أنت أعلم ! . قال : فإني والله إن كان الذي حملني على ذلك إلا أني كنت أقرأ هذه الآية : ( وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا )فوالله إن كنت لأظن الرسول r سيبقى في أمته حتى يشهد عليها بآخر أعمالها , فإنه للذي حملني على أن قلت ما قلت(15). وقال في اعتذاره بين يدي الصديق في يوم أخذه البيعة لأبي بكر : كنت رجوت أن يعيش رسول الله r حتى يكون آخرنا(16).

                  وقد كان عمر رضي الله عنه يجد في عودة رسول الله rإلهاما وتحديثا وهو من أكثر الصحابة الذين نقل عنهم في هذا الباب ، وسبق ذكر الدليل على أن عمر من المحدثين في هذه الأمة الذين يقاربون في المنزلة ، منزلة الأنبياء على مـا جاء عن عقبة بن عامر قال : قال رسول الله r : ( لو كان بعدي نبي لكان عمر بن الخطاب )(17). هذا بخصوص عمر من محدثي هذه الأمة ، أما المحدث الآخر فهو المهدي الذي قطع القرآن بإرساله آخر الزمان والسنة كذلك ، ذلك في قوله تعالى : ( أنى لهم الذكرى وقد جاءهم رسول مبين . ثم تولوا عنه وقالوا معلَّم مجنون )وعن أبي هريرة عن رسـول الله r : ( إن الله لم يبعث نبيا ولا خليفة ..)(18). وذكر البخاري في الصحيح معلقا عن أبي أيوب الأنصاري رفعه بلفظ : ( ما بعث الله من نبي ولا بعده من خليفة ..) . جعله قرينا في البعث مع النبي r تعظيما لشأن هذا الخليفة ، ويعد بهذا لا كسائر الخلفاء . وقال رسول الله r : ( أبشركم بالمهدي يبعث على إختلاف من الناس وزلازل )(19).
                  وظن الكثير أن لا حصر للمحدثين في هذه الأمة وهم بهذه المنزلة وليس الأمر كذلك بل هم على الحصر إثنان لا ثالث لهما ! ، الأول عمر رضي الله عنه ولو لم يبعث رسول الله r لبعث هو ، والثاني المهدي وقد قطع القرآن بإرساله كما قلت في سورة الدخان ووصفه بأخص صفات المحدثين وهي التعليم من الله عز وجل فقال : ( معلَّم ) .
                  ومما يشهد لهذا الأمر ما رواه ابن سعد في الطبقات عن عبدالرحمن ابن أبي الزناد قال : سمعت ابن أبي عتيق يحدث عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها ، أن رسول الله r قال : ( ما من نبي إلا في أمته معلَّم أو معلَّمان ، وإن يكن في أمتي أحد فابن الخطاب ، إن الحق على لسان عمر وقلبه )(20).
                  وصدق رسول الله r هما اثنان ، عمر والمهدي !! ، والمهدي أحق بهذا الوصف ، كيف لا وقد زيد له بما يعد أرفع مرتبة من مجرد التحديث وهي ( الرؤيا )!! ، وقد جاء عن رسولنا r التصريح بأنها جزء من الوحي والنبوة المتبقية بعده آخر الزمان ، الذي هو زمان المهدي ، وهو المراد بالذكر في سورة الدخان ، قوله تعالى : ( أنى لهم الذكرى وقد جاءهم رسول مبين . ثم تولوا عنه وقالوا معلَّم مجنون )(21) فمعلَّم هنا المراد به : المحدَّث ، المكلَّم ، المعلَّم ، كل هذا سواء . والمُعلَّم هو الذي يعلمه الله ويلهمه ويلقي في روعه ما يشاء من الحق كحال عمر رضي الله عنه ، وعلى هذا لو كان المراد بآيات سورة الدخان محمد r لما ذكر المُعَلَّم في وصف ذاك الرسول ، لأن رسول الله محمد r أعظم وأجل من المهدي وعمر ، ومنزلته في النبوة أرفع بكثير من منزلة المُعَلَّم . وجاء في أول رواية عبدالرحمن بن أبي الزناد عن عبدالرحمن بن عوف أنه كان يقول إذا خطب عمر رضي الله عنه : أشهد أنك معلَّم(22).

                  ثالثا
                  : عن أبي الوازع عن عبد الله بن بسر قال : سمعت رسول الله rيقول : ( ليدركنّ الدجال من رآني )(23). وعن أبي عبيدة قال : سمعت النبي rيقول : ( لعله سيدركه من قد رآني وسمع كلامي )(24).

                  هذا وكنت سابقاً في كتابي ذكرت على وفق هذا الحديث أن فيه ما يبشر بإكرام الله تعالى الطائفة المنصورة التي تدرك الدجال , برؤية النبي r بالمنام إذ لا يحمل ظاهر الحديث وهو من باب الخبر إلا على هذا الوجه , إذ كيف يمكن لمن يدرك الدجال وهو من الأمور التي تقع آخر الزمان إلا على هذا الوجه , وقد قلت هذا في الكتاب من قبل من باب الإلزام وإثبات تعلق رؤية النبي r بالمنام بأمر المهدي إذ هذا أوفق ما يحمل عليه ظاهر الحديث .

                  وأزيد هنا ما لم أكن أرى الإفصاح عنه هناك
                  ,وهو أن المراد بهذه الأحاديث الإشارة إلى عودته عليه الصلاة والسلام آخـر الزمان , وأنه هو الذي سيدرك الدجال ويقتله مع عيسى عليهما الصلاة والسلام . ويكون على هذا من يدرك الدجال سيتمكن من إدراك رسول الله rبالرؤية والسماع , وهذا هو المتبادر إلى الذهن عند سماع لفظ الحديث , والصحابة رضي الله عنهم قد اتفقوا على هذا الفهم وأجروا الحديث على ظاهره حتى اعتقدوا أن الذي يقتله الدجال هو عمر رضي الله عنه .
                  وقد يقال : لعل هذا منه r قبل أن يوحى له بأمرالدجال ويُفصل في أمره كما ورد مثل هذا القول على لسان ابن تيمية وابن كثير في أمر الدجال في غير ما نحن فيه هنا , وهذا وهم وتساهل منهما إذ الكلام منه في الإخبار لا يكون إلا من وحي والوحي لا يجوز فيه مثل ما قالوا , والمعتمد ما فهم الصحابة وعلى وفق ظاهره ظنوا ما ذُكر في عمر رضي الله عنه .
                  رابعا
                  :روى مالك ومسلم عن أبي هريرة أن رسول الله rقال لأصحابه يوماً : ( وددت أنّا قد رأينا إخواننا )(25). وروي عن أنس بلفظ : ( متى ألقى إخواني ) . وعن ابن أبي أوفى عن رسول الله rقال : ( يا عمر إني لمشتاق إلى إخواني )(26). وكل هذه الأحاديث وما في معناها إشارات منه لعودته عليه الصلاة السلام , والرؤية المطلوبة هنا رؤية خاصة اقتضى أمرها هذا التشوق والخصوص , ولو كانت رؤيا عامة تتحقق بعد البعث حين يجمع الله الخلائق لكان الأنبياء والرسل أحق بها من هؤلاء .






                  تعليق


                  • #10
                    الباب الثاني






                    ما وقع للصحابة من خلاف في هذا





                    الأصل العظيم






                    وما نقل عند أهل الكتاب في بيانه












                    الفصل الأول





                    ما وقع للصحابة من خلاف في



                    هذا الأصل العظيم




                    ظن كثير من الناس أن أول خلاف وقع في هذه الأمة بعد وفاة الرسول rهو الخلاف فيمن يخلف رسول الله بعد وفاته , وأيْمُ اللهِ إنهم لكاذبون ما كان هذا الخلاف وقد دهمهم أمر عظيم وخطب إضطرب له عمر حتى أزبد شدقاه ! , وكان أكثر الصحابة على أن الرسول rلم يتوفى , والتزموا هذا ومنعوا الناس من دفنه وعللوا هذا من عدة أوجه :




                    أولا


                    :أنه لم يمت ولكن ذهب إلى ربه كما ذهب موسى فقد غاب عن قومه أربعين ليلة ثم رجع إليهم بعد أن قيل مـات. وأقسم عمر أن رسول الله سيرجع كما رجع موسى , وأنه لا يموت حتى يفني الله المنافقين ! , وأنه رفع كما رفع عيسى عليه الصلاة السلام وليرجعن . وقال أبو سلمة بن عبد الرحمن : اقتحموا على النبي rفي بيت عائشة ينظرون إليه ثم توعدوا من قال إنه مات ونادوا في الحجرة وعلى الباب : لا تدفنوه فإنه لم يمت(1) .





                    ثانيا


                    :عمر علل متراجعا عما سبق بقوله في خطبته بين يدي الصديق : قلت لكم بالأمس مقالة وإنها لم تكن كما قلت ـ يريد قوله أنه لم يمت ـ وإني والله ما وجدت المقالة التي قلت لكم في كتاب أنزله الله عز وجل ولا عهد عهده إلي رسول الله ولكني قد كنت رجوت أن يعيش رسول الله حتى يكون آخرنا(2) . وفي رواية عن ابن عباس أنه قال في زمن خلافته : الذي حملني على ما قلت حين توفي أني كنت أقرأ هذه الآية : ( وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا )(3) فوالله إن كنت لأظن أن يبقى في أمته حتى يشهد عليها بآخر أعمالها ، فإنه للذي حملني على ما قلت(4). قلت يشهد له ما رواه ابن سعد عن أبي سلمة بن عبدالرحمن أنهم قالوا ـ يريد أكثر الصحابة ـ : كيف يموت وهو شهيدٌ علينا , ونحن شهداء على الناس , فيموت ولم يظهر على الناس ؟ لا والله ما مات ولكن رفع كما رفع عيسى وليرجعن (5).




                    قلت


                    : ويجب أن يعلم أن هذا معتقد أصحابه قبل وفاته أصلاً ويدل عليه ما رواه واثلة بن الأسقع قال : خرج علينا رسول الله rفقال : ( تزعمون أني من آخركم وفاة ألا وأني من أولكم وفاة وتتبعوني أفناداً يهلك بعضكم بعضاً )(6). هذا وقد بين لهم هذا وأثبته مع بيان أنه سابقهم من وجه آخر كما في الصحيح عن عقبة قال : صلى على قتلى أحد بعد ثمان سنين كالمودع للأحياء والأموات , فقال : ( إني فرط لكم وأنا شهيد عليكم ) . ومعنى فرط لكم أي سابقكم (7).




                    الحاصل أنه لما قبض عليه الصلاة والسلام ظهر النزاع على هذا الأصل بين أصحابه وانقسموا إلى فريقين , وكان أكثرهم على أنه لم يمت وأنه سيعود وكان رأس هؤلاء الفاروق رضي الله عنه , وكان أبرز من خالفهم الصديق والعباس . جاء عن عروة أن العباس كان يتلو قوله تعالى : ( إنك ميت وإنهم ميتون ) والناس لا يلتفتون إليه , وكان أكثر الصحابة على خلاف ذلك (8). وخلاصة الكلام فيما وقع بين أصحابه في هذا الأمر , وهو على وجهين :





                    الوجه الأول


                    :أن منهم من ذهب إلى أنه لم يمت حتى يشهد على أمته ويظهر علىالمنافقين ويعز به الدين , وأن ما وقع عليه مما ظاهره الموت ما هو إلا كما حدث لموسى وعيسى عليهما السلام , وفي هذا الخلاف سلموا للصديق ولما استدل به وانتهوا إلى أن رسول الله rقد توفي بالفعل , وأنه يجب عليهم دفنه من بعد ماكانوا يمنعون هذا , وأيقظهم الصديق رضوان الله عليه من سكرتهم بعد أن تلا قوله تعالى : ( وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئا وسيجزي الله الشاكرين )قال عمر : والله ما هو أن سمعتها فعقرت حتى وقعت على الأرض وعرفت أن رسول الله قد مات اهـ(9). هذا بخصوص الخلاف الأول .




                    الوجه الثاني


                    :أما هذا الخلاف الثاني وهو مما خفي أمره وحقيقته على جهال هذه الأمة حتى ظنوا أنه مما فصل فيه وانتهى أمـره بين أصحاب رسول الله rبما انتهى إليه الأمر في الخلاف الأول , وهذا جهل ممن ظنه بل هو خلاف باقي لم يحسم , وظاهر ما روي عن ابن عباس عن عمر في زمن خلافته يدل على أن في نفس عمر منه شيء , وإلا ما وجه ذكره بعد كل هذا الزمان معللا سبب اختياره القول بعدم وفاة الرسول rبقوله تعالى : ( ويكون الرسول عليكم شهيدا )مع أنه قال في خطبته بين يدي الصديق : أيها الناس إني كنت قلت لكم بالأمس مقالة ما كانت مما وجدتها في كتاب , ولا كانت عهداً عهدَه إلي رسـول الله ولكني قـد كنت أرى أنه سيدبرنا(10). وهذا يدل على أنه نفى عن الكتاب القول بعدم موت النبي أو أن يكون في هذا عهداً عن الرسول , وأما كون الرسول rيرجع بعد قبضه فهذا غير مراد من نفيه , والدليل على هذا أنه نزع بالاستدلال على هذا إلى الآية المذكورة , فيجب التنبه إلى هذا التفصيل ليزول الوهم ويعرف وجه الخلاف على التمام .




                    وهذا أبلغ رد على الجهلة الذين جعلوا الخلاف بين أصحابه على موته فقط من غير أن يعوا هذا التفصيل .

                    تعليق


                    • #11
                      , ألا ترى أن العباس رضي الله عنه قال حين وقع الخلاف بينهم على موته : قد مات , أي قوم فادفنوا صاحبكم فإنه أكرم على الله من أن يميته إماتتين , أيميت أحدكم إماتة ويميته إماتتين وهو أكرم على الله من ذلك , فإن كان كما تقولون فليس بعزيز على الله أن يبحث عنه التراب فيخرجه إن شاء الله !!(11). وفي هذا أبلغ رد على من ادعى الإجماع على عدم عودة الرسول rإلى الدنيا بعد قبضه إذ علق العباس تحقق هذا بالمشيئة على مرأى ومسمع أصحاب رسول الله rفكيف يُدَّعى بعد هذا الإجماع على نقيضه , هذا لا يستقيم .




                      أما الصديق فكما قطع بموته قطع كذلك بعدم عودته وهذا ثابت عنه


                      , ومن زعم أن أصحاب محمد rسلموا له بعدم العودة كما سلموا له بتحقق وفاته , أو أنهم لم يكن من خلافهم أصلا عودة النبي rليشهد على أمته , فقد أعظم الفرية على أصحابه وعلى غيب الله تعالى وأمر رسوله r.




                      وما كتابي هذا إلا لنقض الكذبة الكبرى التي مبناها على الجهل لا العلم


                      , على التقليد لا النظر والتحرير الحسن , وما التوفيق إلا من عند الله تعالى .
                      قال أبو هريرة

                      :
                      وأقبل أبو بكر حين بلغه الخبر حتى دخل على

                      رسول الله
                      rفكشف عن وجه رسـول الله فقبله , ثم قال : بأبي أنت وأمي , أمـا الموتة التي كتب الله عليك فقد ذقتها , ثم لن تصيبك بعدها موتة أبداً (12). وفي الصحيح بلفظ : لا يجمع الله عليك موتتين , أما الموتة التي كتبت عليك فقد متها(13). قال الحافظ ابن حجر : وأشد ما فيه إشكالا قول أبي بكر لا يجمع الله عليك موتتين , وعنه أجوبة : قيل هو على حقيقته وأشار بذلك إلى الرد على من زعم أنه سيحيا فيقطع أيدي رجال , لأنه لو صح ذلك للزم أن يموت موتة أخرى , فأخبر أنه أكرم على الله من أن يجمع عليه موتتين كما جمعها على غيره كالذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف , وكالذي مر على قرية , وهذا أوضح الأجوبة وأسلمها(14).

                      قلت

                      :
                      ما نقل عن العباس صريح في هذا , وهو توفيق منه بين القولين ورد على أصل الخلاف الذي يَلزم منـه عنده أنه يموت موتتين , وهذا على خلاف من ظن أن أصل الخلاف هو في موت النبي r , ومنتهى ما استدل به من منع تحقق عودته لزوم الموتتين له عليه الصلاة والسلام وهو اختيار الصديق والعباس على تجويز من العباس لإمكانية تحقق عودته إلا أنه علق ذلك بالمشيئة على ما نقل سابقاً , والصحيح أنه لا يلزم من تحقق ذلك ما جعلوه لازما , لإحتمال أنه لم يمت على الحقيقة في زمانهـم وإنما بدى لهم الأمر كذلك , ثم بعد ذلك رفع بإذن الله كما حصل هذا لعيسى عليه الصلاة والسلام .

                      هذا وجه والوجه الآخر أنه لم يمنع دليل أن يقع هذا له كما وقع لعيسى

                      ,
                      وإن اختلف تحقق التوفي لكليهما خصوصا على مذهب ابن حزم على ما سبق بيانه , وهو من نقل عنه صاحبنا قوله بالإجماع على أن الرسول rلن يبعث إلى الدنيا مرة أخرى , ومذهبه أن عيسى عليه السلام توفي على الحقيقة ورفع إلى السماء بعد ذلك , فما المانع أن يقع مثله لرسول اللهrإذا جاز لعيسى عليه السلام , فإن كان الجواب أن عيسى عليه السلام ثبت له ذلك بالكتاب والسنة , قلت : وأكثر منه ورد لرسول الله rمنه ما هو أشبه بالتصريح ومنه ما هو تلميح , وما كتابي هذا إلا لكشف الغمَّة عن الأمة في هذا الأمر الذي يعد بحق ولا أبالغ أعظم مقدمات أمر المهدي المنتظر , ومن لم يفتح الله تعالى عليه بالعلم بهذا الأصل العظيم , فلن يهتدي لما التبس على الناس من حقيقة تحقق تأويل بعث المهدي إذ أنهم ما زالوا ولن يزالوا ينتظرون مهديهم محمد بن عبد الله , ودون ذلك في الحقيقة ما تقطع له الرقاب وتسفك له الدماء !! , فهل رأيتم مثل هذا الفوت فوتاً . وما أشبه إعتقادهم بالمهدي محمد بن عبد الله باعتقاد الرافضة بمهديهم إذ أن مهدي الرافضة لا حقيقة له , وكذلك مهدي من ينتمي للسنة لا حقيقة له إذ أنهم يعتقدون أنه رجل من ذرية رسول الله r, وفي الحقيقة أنه لا وجود لهذه الشخصية المتخيلة إلا بعقولهم وتصوراتهم .





                      تعليق


                      • #12



                        ومن الغريب أن من الأولين من كان يظن ببعض من لا يوافق اسمه ما ورد ذكره في بعض الأحاديث ما يدل على أن الجيل الأول ليس هو في أخبار المهدي مثل من جاء بعدهم إذ أنهم متفقون على أن المهدي لن يكون اسمه إلا محمد بن عبد الله , وهذا خلاف ما عليه الجيل المتقدم , فمنهم من ظن أن ابن الزبير قد يكون هو العائذ بالحرم , ومنهم من اعتقد أن محمد بن علي هو المهدي , ومنهم من اعتقد ذلك بعمر بن عبد العزيز كما ذكر ذلك عن الحسن البصري وهو مروي عن قتادة وأبي قلابة وسعيد , وقاله أحمد في إحدى الروايتين عنه , كذلك منهم من كان يرى أن موسى بن طلحة هو المهدي , وهذا كان منهم في عصر التابعين ما يدل على أن الإعتقاد بأن المهدي اسمه محمد بن عبد الله ليس هو مما اتفق عليه في جيلهم , فافهم هذا فإنه يفيدك في أن من دونهم ليس هو من الأهلية للكلام في تعيين المهدي إذ أنه ينقصهم من المعرفة في هذا الشأن الكثير .

                        والعجب كل العجب
                        من التويجري رحمه الله تعالى في المعاصرين إذ أنه خارج عن هذه القاعدة المتأصلة في أخبار المهدي عند المتأخرين , فمن اعتقاده رحمه الله تعالى خروج خليفة آخر الزمان من صفاته ما للمهدي المنتظر !! , فهو يحثو المال من غير عدد !! , وأنزل عليه حديث صحيح مسلم عن جابر , وهو أمر منه بحق عجيب ولا أدري كيف جاز هذه المسلَّمة عندهم في أخبار المهدي وخالفها , وقال بما قال وهو حق والمراد بهذا الخليفة السفاح الذي أخبر رسول الله rأنه خارج آخر الزمان وإليه الإشارة بحديث ثوبان المرفوع : ( وإذا وضع السيف في أمتي فلن يرفع حتى تقوم الساعة )(15) وما السيف هنا إلا سيف هذا الخليفة المنتظر , وجاء لقبه بالسفاح من أجل ما سيكون من كثرة القتل والإهلاك في المنافقين على يديه , وسيأتي زيادة تفصيل عن أخباره في الفصل الأخير بحول الله تعالى وتوفيقه .

                        تعليق


                        • #13



                          الفصل الثاني
                          :

                          ما أثر عند أهل الكتاب في
                          هذا الأصل العظيم


                          إن أعظم نبوءة وردت في زبور داود عليه السلام هي تلك التي حاج بها عيسى عليه السلام اليهود في كون مسيا المنتظر سيكون من ذرية إسماعيل وليس من ذرية إسحاق كما كان اليهود يزعمون .
                          وهذه النبوءة التي احتج بها عيسى على أحبار اليهود ، اقتبسها من الزبور وأثبتها في إنجيله عليه السلام ، وإن من نصرة الله العزيز لي أن جاءت مؤيدة لهذا الأصل العظيم الذي قررته هنا وناطقة بالإشارة إليه ، وإني لأعدها مـن أعظم هدايات الله عليَّ التي لا تعد ولا تحصى ، فوفقني بها لأستأنس من موافقتها لما عندنا في كتاب الله تعالى وسنة نبيه r . كتاب الله الذي من صفاته أنه مصدق لما بين يديه ، ولا شك أن هذا الأصل العظيم داخل في هذا المعنى .
                          إن من أول اهتمامات اليهود حين أيقنوا أن عيسى نبي الله ورسولاً لليهود أن يسألوه عن خبر ( مسيا ) الذي هو رسول الله rالعظيم المنتظر ما اسمه ؟ ومن أين يأتي ؟ ومن نسل من يكون ؟ ، فقد كان الخلاف في ذلك الزمان بين اليهود والإسماعيليين على نسب الرسول rحاصل بينهم ، فاليهود يزعمونه لبني إسحاق ويخالفهم الإسماعيليون فينسبونه لهم .
                          وقد تعجب أخي المؤمن حين تعرف أن اليهود قبلوا من عيسى عليه السلام أن يكون رسول الله اسمه محمد ، إلا أنهم ما أن عرفوا أنه يخبر تلاميذه أنه من نسل إسماعيل حتى جن جنون اليهود وردوا عليه قوله بعد أن سلموا بصحة نبوته وعملوا على قتله ، ولما لم يمكنوا ألَّبوا عليه الرومان بفرية أنه يعمل لإقامة ثورة شعبية ضدهم , فكان ما كان من أمرهم إلى أن مسخ الله تعالى أحد تلاميذه وكان خائنا لعيسى على صورة المسيح عليه السلام بعد أن رَفع نبيه إلى السماء ونجاه من القوم الظالمين . وكان من حجته عليه السلام عليهم في أن رسول الله rمن ذرية إسماعيل وليس إسحاق ، ما يجدونه عندهم مكتوبا في الزبور ما نصه : ( قال الله لربي : اجلس عن يميني حتى أجعل أعداءك موطئا لقدميك يرسل الرب قضيبك الذي سيكون ذا سلطان في وسط أعدائك )(1) فقال لهم عيسى : ( فإذا كان رسول الله الذي تسمونه مسيا ابن داود فكيف يسميه داود ربا ، صدقوني لأني أقول لكم الحق إن العهد صنع بإسماعيل لا بإسحاق ) . فقال تلاميذه : يا معلم هكذا كتب في كتاب موسى أن العهد صنع بإسحاق ، فأجاب عيسى متأوها : هذا هو المكتوب ، ولكن موسى لم يكتبه ولا يشوع بل أحبارنا الذين لا يخافون الله )(2) . والنبوءة هذه برمزيتها ترمي إلى أكثر من إثبات نسب رسول الله r، ومن باب التبشير برسول الله وحفيده المهدي سيقت هذه النبوءة على هذا اللفظ ونقلها عيسى عليه السلام مؤكدا صدقها في إنجيله ، هذا الإنجيل العظيم الذي وللأسف مازال أهل الإسلام يجهلون حقيقته ، وقد كان رهبان السوء يخفونه عن الناس بدعوى أن إسماعيليا كتبه ، وهي دعوى كاذبة يدعونها على كل ما خالف ما يكتبه أحبارهم ورهبانهم الكذبة الفجرة ، إلى أن كشفه الله تعالى وأظهره للعلن ، وهذا الإنجيل هو الإنجيل الصحيح كتبه بين يديه تلميذه البار برنابا ، وهذه النبوءة تنص على عدة أمور عظيمة منها :
                          أولا : تشير إلى قبض رسول الله rإلى حين من الدهر.
                          ثانيا :تشير إلى عودته عليه الصلاة والسلام إلى الدنيا مرة أخـرى وإلى هذا الإشارة بقوله : ( حتى أجعل أعداءك موطئا لقدميك ) . ولا أرى إسم النبي rالذي سمى به نفسه من بين خمسة أسمـاء وهو قوله : ( أنا محمد ، وأنا أحمد ، وأنا الماحي الذي يمحو الله به الكفر ، وأنا الحاشر الذي يحشر الناس على قدمي ، وأنا العاقب )(3). فقوله : ( وأنا الحاشر ) إنما يريد به الإشارة إلى عودته كما نبوءة الزبور والإنجيل هذه . قال الحافظ ابن حجر : وفي رواية : ( يحشر الناس على عقبي ) ولبعضهم عقبيَّ على التثنية . قال : واستشكل التفسير بأنه يقضي بأنه محشور فكيف يفسر به حاشر وهو اسم فاعل اهـ (4) .
                          قلت :لا وجه له إلا لكونه سبباً لهذا الحشر من جهة المثال في المنام ، وهي الرؤيا المختصة بأمر المهدي كما هو محقق في نازلته ، إذ بمثال النبي rمُهِّد الأمر وتم الفصل ، وأيضا على سبيل الحقيقة لاحقا ، إذ سيكون قد تحقق بعثه مرة أخرى وسيكون بوجوده هناك سبباً لحشر الناس من الصالحين إليه مرة أخرى ، وقد ورد من ألفاظ هذا الحديث قوله r : ( والحاشر أحشر الناس على قدميَّ )(5). وأما قوله في الحديث : ( وأنا العاقب ) فقد اتفق أهل الحديث في تفسيره على أن المعنى أنه خاتم الأنبياء وآخرهم وأنه ليس بعده نبي ، هكذا قالوا في تفسير هذا الحرف إقتصارا على ما ذكروا . ومن معانيه وهو المراد من يخلف غيره ، وأراد بذلك عليه الصلاة والسلام نفسه فقد ورد عنه قوله : ( أنا السيد والعاقب ) يريد أنه يعقب نفسه ويأتي مرة أخرى ، وهذا هو المعنى المرموز في هذا الإسم . ومما يصح في معنى هذا الإسم أيضا ( المُعقِّب ) الذي يغزى عليه غزوة بعد أخرى . قال الشاعر :

                          سما لِلَبُونِ الجارمي سَمَيْدَعٌ

                          إذا لم ينل في أول الغزو عقَّبا


                          وقال أبو عبيد عن الأصمعي : أعقبتُ الرجل إذا ركبت عُقبة وركب عقبة ، وقال : قال غير واحد : عاقبت الرجل من العقبة . وقال أبو نصر عن الأصمعي : عقب يُعَقِّب تعقيبا ، إذا ما غزى ثم ثنى من سنته . قال طفيل الغنوي :
                          عناجيجُ من آل الوجيه ولاحق

                          مغاوير فيها للأريب مُعَقَّبِ(6)



                          تعليق


                          • #14



                            ثالثا :وفيها الإشارة إلى بعث المهدي حفيد النبي عليه الصلاة والسلام في قوله : ( يرسل الرب قضيبك الذي سيكون ذا سلطان في وسط أعدائك ) . وفي نص هذه النبوءة من الزبور والإنجيل فائدة عزيزة تضاف لما سبق ، وهي أن المهدي سيكون بعثه وخروجه إرسالا من الرب عز وجل وفي هذا موافقة لنص القرآن كما ورد في سورة الدخان قوله : ( أنى لهم الذكرى وقد جاءهم رسول مبين )وأنه سيكون ذا سلطان وقوة بين أعداء النبي r، وفي هذا يتضح أن بعثه سيكون للانتقام من أعداء الله ورسوله rالذين تركوا دينه .

                            وهذا المعتقد أعني القول بعودة رسول الله rكان ينص عليه عيسى عليه السلام ببشارته بالنبي المصطفى rبالإشـارة والرمز تارة ، وبالتصريح أخرى ، وقد ورد هذا عنه في عدة مواضع من إنجيله منها ، قال عليه السلام في الإنجيل : ( سأعود قبيل النهاية وسيأتي معي أخنوخ وإيليا ونشهد على الأشرار الذين ستكون آخرتهم ملعونة )(7). ثم عاد وقال في موضع آخر : ( متى اقتربت نهاية العالم يرجع إلى العالم أخنوخ مع إيليا وآخر )(8). نكَّر هنا الأخير ومـراده النبي عليه الصلاة والسلام . قال عليه السلام في الإنجيل : ( صدقوني إني رأيته وقدمت له الاحترام كما رآه كل نبي ، لأن الله يعطيهم روحه نبوة ، ولما رأيته امتلأت عزاءاً قائلا : يا محمد ليكن الله معك وليجعلني أهلا أن أحل سير حذائك ! لأني إذا نلت هذا صرت نبيا عظيما وقدوس الله ) . وقال في موضع آخر : ( لست أهلا أن أحـل رباطات جرموق أو سيور حذاء رسول الله الذي تسمونه مسيا ) . وقال : ( أنا عبدالله وأرغب في خدمة رسول الله الذي تسمونه مسيا )(9). وهذا يفيد تعظيم عيسى عليه الصلاة والسلام لرسول الله rكما هو ظاهر هذه النصوص وهو كذلك ، بل له مقام عظيم ، وهو أعظم مما يتصوره متصور من المسلمين . ثم عاد صلوات الله وسلامه عليه ليؤكد في إنجيله على الآتي بقوله : ( ومع أني لست مستحقا أن أحـل سير حذائه ، قـد نلت نعمة من الله لأراه !! )(10). وهذا صريح في لقاء عيسى عليه الصلاة والسلام لرسول الله rوسيتحقق آخر الزمان عند نزوله عليه والإئتمام به في الصلاة وغيرها ، وهو المراد من قوله المذكور سابقا : ( متى اقتربت نهاية العالم يرجع إلى العالم أخنوخ مع إيليا وآخر ) . والمراد بأخنوخ إدريس عليه السلام ، وإيليا إلياس عليه السلام ، وأما الآخر كما قلت سيد الأولين والآخرين إمامنا وهادينا بإذن الله محمد r، لا كما ظن الجهال أنه غيره مع تسميه بإسم النبي واسم أبيه . ويكون اجتماعهم للشهادة على الكفار والكذبة من المنافقين ، تقديرا وحكمة من العزيز الحكيم القادر على كل شيء .

                            تعليق


                            • #15




                              الفصل الثالث :
                              تفصيل الكلام في
                              الأحاديث الواردة في المهدي
                              :

                              لقد أجمع أكثر أهل السنة على أن المهدي الذي يخرج آخر الزمان هو محمد بن عبد الله وأن كل الأحاديث الواردة في خبر المهدي المنتظر إنما هي عنه , وقد ضلوا في هذا المعتقد ضلالاً بعيداً من وجهين لا ثالث لهما , مكراً من الشيطان الذي جهد نفسه كثيراً ليحرف النبوءات ويفسد بذلك ما أخبر الأنبياء .
                              الوجه الأول
                              :هو أن العائد ما هو إلا رسول الله rوإخباره أن اسمه محمد بن عبد الله ما هو إلا من باب التورية وإنما يريد نفسه بذلك وقد إنطلت على الجميع غباوة منهم , ألا تراه حين يقول : ( لا يزال هذا الأمر في قريش ما بقي منهم اثنان ـ وقال بإصبعيه يلويهما ـ )(1). يريد بذلك نفسه وحفيده المهدي , ولهذا جاء في بعض طرق الحديث وصف حركة أصابعه وأنه لوى الوسطى على ظهر السبابة يشير إلى عودته , وقد جرى هذا منه على الخبر , ولو أراد غير هذا لكان الخبر غير صادق إذ أن أمر الولاية على الناس قد خرج منهم من دهور بعيدة , وقال بعضهم أنه محمول على الأمر وهو من التفسيرات المتكلفة والصحيح أنه خرج مخرج الخبر .
                              الوجه الثاني
                              : هو أن المهدي الذي يخرج آخر الزمان ويكون بعثه عند الإختلاف والزلازل والدخان وظهور الفتن وغيره من علامات لخروجه , هو على خلاف معتقد أهل السنة والرافضة , إنما خروجه وبعثه لا يتم إلا سابقاً لعودة رسول الله rويكون ممهداً لهُ وموطئاً لسلطانه العظيم كما نص على هذا القرآن والزبور والإنجيل . فأما القرآن ففي قوله تعالى : ( وقل ربي أدخلني مدخل صدق وأخرجني مخـرج صدق واجعل لي من لدنك سلطانا نصيرا )(2) قال ابن عباس : ( مدخل صدق )يعني الموت , و ( مخرج صدق )يعني الحياة بعد الموت اهـ(3). و ( السلطان النصير )ما يكون من تمكين المهدي الذي سيمهد لمقدمه عليه الصلاة والسلام كما نص على هذا أيضاً الزبور والإنجيل كما بينته في الفصل السابق .
                              وتعد آيات سورة الإسراء هذه وما ورد في نبوءة الزبور والإنجيل من موافقات الأنبياء وهي من باب تصديق القرآن لما سبقه , كما أن نص آيات سورة الدخان القاطعة بوجود رسول آخر الزمان هي في تقرير هذا الأصل وبيانه إذ لا ينفك عن أن يكون المذكور في تلك الآيات هو محمد رسول الله أو غيره , وقد بان الحق وانجلى الغبش في أنه ليس هو محمد رسول الله rفي أول بعثه ولن يقول أحد أنه هو في ثاني بعثه إذ أن هذا يقتضي التكرار في رسالته والإبتلاء بقبول دعوته وهذا لم يقله أحد وهو مصادم للنقل والعقل , وما تكون عودته في زمان تكليف , فلم يبقى إلا إعتقاد أنه رسول آخر وليس ثمة مستحق إلا المهدي المنتظر قطعاً ومن لم يصدق فليذهب ليفتش تحت الدخان , فلن يجد محمدا قطعاً , ولن يجد إلا من قيل فيه أكثر الأحاديث الواردة في المهدي , ومشكلة الناس في سيرة هذا الرجل أن النبي عرَّف فيه بالصفة لا الإسم كتماً للنبوءات وحفظاً للأمر , فوقع الناس جهلاً منهم بأن لا مهدي إلا محمد بن عبد الله , ولو وعوا على أنفسهم لأدركوا أن في الأمر شيئا ما , إذ كيف يكشف عن اسم المهدي واسم أبيه وفيه ابتداء التأويل فإن هذا سيكون سبباً للفتن وإراقة الدماء على يد كل دعي كاذب , إذ من السهل أن يدعي مدعي هذا الأمر لمجرد توافق الأسماء كما حصل هذا لمهدي جهيمان وغيره . ومن فهم أمر المهدي على هذا النحو فهو من أجهل خلق الله في أخبار النبي عليه الصلاة والسلام , ويكون بهذا الفهم قد نسب هذا الأمر الغير حكيم إلى أحكم الخلق وأصدق البشر وهو من أشد من سد ذرائع الشر والفتن , وكونه يترك الخلق لمصلح يخرج آخر الزمان ثم يسميه باسمه واسم أبيه ما يعد فتحاً لباب الشر والأدعياء على مصراعيه , ومن نسب هذا للرسول rيعد جاهلاً بالحكمة , ولا أجهل من هذا إلا من علق صدق كل خارج باسم محمد يبايع بين الركن والمقام بالخسف بين مكة والمدينة , وهذه دعوى صريحة لتجريب الحظ , وهذا كله من السخافات التي تنسب لأخبار المهدي , والصحيح أن الخارج بمكة هو رسول الله rفمن يجرؤ !!وما الفصل والفرقان إلا قبله لو تعلمون .
                              روى مسلم في صحيحه عن أبي نضرة عن أبي سعيد وجابر , قالا : قال رسـول الله r : ( يكون في آخر الزمان خليفة يقسم المال , ولا يعده ) ورواه عن الجريري عن أبي نضرة عن جابر , وفيه قال الجريري لأبي نضرة ـ راوي الحديث عن أبي سعيد وجابر ـ قلت : أهو عمر بن عبد العزيز ؟ فقالا : لا (4). قلت : ولو كان من المقطوع به أنه محمد بن عبد الله لما كان هذا من الجريري وهو يأخذ عن الجيل الأول , ثم إن أبا نضرة إكتفى بالنفي ولو كان السؤال مخالفاً لمعتقد سائد مقطوع به لإتهم الجريري بالغباوة على سؤاله ولم يقتصر على النفي فقط إذ كيف يظنه عمر والخبر في المهدي . ولله دره التويجري رحمه الله هو الوحيد في المعاصرين قطع بأن هذا خليفة آخر يكون آخر الزمان وليس هو المسمى محمد بن عبد الله مع أنه بنص الحديث وصف بأخص صفات المهدي وهي تقسيم المال بغير عدد , لا بل هو مختصر في صحيح مسلم فقد روي عن أبي سعيد من غير هذا الوجـه على أنه في المهدي تارة , وأخرى يصفه بأنه السفاح !!كما ورد هذا عنه في مسند الإمام أحمد رحمه الله .
                              قال التويجـري في معرض رده على القطري منكر أخبار المهدي : وقد أخبر النبي بخروج الدجال ونزول عيسى وأخبر بخروج القحطاني والجهجاه والخليفة الذي يحثو المال ولا يعده عداً , وكل هؤلاء أشخاص غائبون وسيخرجون في آخر الزمان , أم يقول فيهم مثل قوله في المهدي , فإن آمن بخروجهم في آخر الزمان انتقض قوله في المهدي , وإن لم يؤمن بخروجهم فتلك بلية من أعظم البلايا عليه . وقال في موضع آخـر : فمن لم يصدق بهـم فهو ممن يشك في إسلامه اهـ(5).

                              أقول
                              :إن الكثير ممن ألف في أخبار المهدي يتحاشون من ذكر خبر مسلم هذا ويتجنبون إيراده في جملة أخبار المهدي مع وصفه بأخص صفات المهدي مع القطع بالخبر أنه يخرج في آخر الزمان وهذا نوع تفريق بينه وبين أخبار المهدي , ونلزم كل من اعتقد أنه ليس المهدي ببرهان على هذا التفريق . وهذا التفريق منهم مما يضعف من مصداقية فقههم لأحاديث المهدي ومثل هؤلاء ليسوا حجة على غيرهم في تفصيل المراد بأخبار المهدي المنتظر , ناهيك عن أن يكونوا حجة على من يعنيه الأمر .
                              وأنا لا أشك بأنهم واقعون في مشكل من تعيين هذا الخبر والكلام فيه ، وأما على أصول الدعوة المهدية فلا إشكال والحمدلله ، وما الأمر إلا على وفق ما تقرر في هذا الكتاب وغيره . وأوجز هنا فأقول : حديث أبي سعيد في صحيح مسلم ما هو إلا في المهدي الذي يخرج ويبعث قبل عودة رسول الله rومن معه من أنبياء الله آخر الزمان ، وقد روي عن أبي سعيد من طرق كثيرة وألفاظ مختلفة ، ولفظ مسلم منها على سبيل الاختصار أيضا ، ورواه أحمد مطولا عنه بلفظ : ( أبشركم بالمهدي يبعث في أمـتي على اختلاف من الناس وزلازل ، يقسم المال صحاحا ) . قيل ما صحاحا ؟ قال : ( بالسوية بين الناس )(6). وعنه من وجه آخر بلفظ : ( يكون عند انقطاع من الزمان ، وظهور من الفتن رجل يقال له المهدي عطاؤه هينا )(7) والمراد بقوله ( انقطاع ) مثل قوله : ( يتقارب الزمان ) وهو معنا منصوص عليه في الصحيحين وغيره ، وأنه مما يكون عند ظهور الفتن وكثرة الزلازل . وروى الحديث أحمد أيضا بلفظ : ( يخرج عند انقطاع من الزمان وظهور من الفتن رجل يقال له السفاح ، يكون اعطاؤه المال حثيثا ) رواه عن عطية العوفي عن أبي سعيد ، قال ابن كثير : ورواه البيهقي وفيه : ( يخرج رجل من أهل بيتي يقال له السفاح .. ) فذكره(8) ، قال : إسناده على شرط أهل السنن ولم يخرجوه ، والسفاح المذكور بالخبر هنا يبعد أن يكون هو الذي بويع أول خلفاء بني العباس ، فقد يكون خليفة آخر وهذا هو الظاهر ، فقد روى نعيم بن حماد عن ابن وهب عن ابن لهيعة عن يزيد بن عمر والمعافري عن قدوم الحميري سمع نفيع بن عامر يقول : يعيش السفاح أربعين سنة اسمه في التوراة طائر السماء . قلت ـ القائل ابن كثير ـ : وقد تكون صفة للمهدي الذي يظهر في آخر الزمان لكثرة ما يسفح ، أي يريق من الدماء لإقامة العدل ونشر القسط . وهذا كله تفريع على صحة هذه الأحاديث ، وإلا فلا يخلوا سند منها عن كلام اهـ(9).


                              .

                              تعليق

                              المحتوى السابق تم حفظه تلقائيا. استعادة أو إلغاء.
                              حفظ-تلقائي
                              x

                              رجاء ادخل الستة أرقام أو الحروف الظاهرة في الصورة.

                              صورة التسجيل تحديث الصورة

                              اقرأ في منتديات يا حسين

                              تقليص

                              المواضيع إحصائيات آخر مشاركة
                              أنشئ بواسطة ibrahim aly awaly, اليوم, 07:21 AM
                              ردود 2
                              12 مشاهدات
                              0 معجبون
                              آخر مشاركة ibrahim aly awaly
                              بواسطة ibrahim aly awaly
                               
                              يعمل...
                              X