قسم من وصية واعترافات عمر بن الخطّاب
عليه لعائن الباري
عن كتاب (( يا فضة سنديني شهادة لا ترد)) للسيد محمود الغريفي
بسم الله الرحمن الرحيم
بعد استشهاد الامام الحسين (ع) وأصحابه , وسبي النساء والأطفال الى الشام , أقيمت المآتم .
قيل : خرج عبد الله بن عمر بن الخطاب صارخاً , لاطماً وجهه , شاقاَ جيبه, يقول: يا معشر بني هاشم وقريش , والمهاجرين والأنصار يُستحلّ هذا من رسول الله (ص) في أهله وذريته وأنتم أحياء ترزقون, لا قرار دون يزيد.
قيل : لم يدخل عبد الله مدينة ولا التقى بجمع حتى استنفرهم على يزيد, وكانت أخباره تصل الى الشام.
وعند وصوله الى دمشق واستنفاره أهل الشام ورد على باب اللعين يزيد يريده, فأعلم يزيد بما يحصل وأذن أن يدخل عبدالله دون أحد, وقال إنها فورة من فورات أبي محمد وعن قليل يفيق منها. فدخل أبي محمد صارخا يقول: لا أدخل يا أمير ........ وقد فعلت بأهل بيت محمد (ع) ما لو تمكنت الترك والروم ما استحلوا ما استحللت, ولا فعلوا ما فعلت. قم عن البساط حتى يختار المسلمون من هو أحق به منك.
فرحب به يزيد وقال له: يا أبا محمد سكٍّن من فورتك, وأعقل وانظر بعينيك، واسمع بأذنك ووووووو الى أن قال له: أبوك قلّد أبي أمر الشام, أم أبي قلد أباك خلافة رسول الله (ص) ؟
فقال عبد الله: أبي قلّد أباك الشام.
قال يزيد: يا أبا محمد، أفترضى به وبعهده إلى أبي، وما ترضاه؟
قال عبدالله: بأيٍّ أرضى.
قال يزيد: أفترضى بأبيك؟
قال عبد الله: نعم.
فضرب يزيد يده على يد عبد الله بن عمر، وقال له: قم يا أبا محمد حتى تقرأه. فقام معه، حتى ورد خزانة من خزائنه، فدخلها، فدعا بصندوق وفتحه، واستخرج منه تابوتاً مقفلاً مختوماً، فاستخرج منه طوماراً لطيفا في خرقة حرير سوداء، فأخذ الطومار بيده ونشره.
ثم قال يزيد: يا أبا محمد هذا خط أبيك؟
قال عبد الله: إي والله.
وأخذه من يده فقبّله، فقال له: اقرأه. فقرأه ابن عمر فإذا فيه:
إن الذي أكرمنا بالسيف على الإقرار به فأقررنا والصدور وغِرة، والأنفس واجفة، والنياف والبصائر شاكية مما كانت عليه من جحدنا ما دعانا إليه، وأطعنا فيه رفعاً بسيوفه عنا، وتكاثره بالحي علينا من اليمن، وتعاضد من سمع به ممن ترك دينه، وما كان عليه آباؤه في قريش، فبِهُبلٍ أقسم والأصنام والأوثان واللات والعزى، ما جحدهاعمر منذ عبدها، ولا عبد للكعبة رباً وصدق لمحمد قولا، ولا ألقى السلام إلا للحيلة عليه وإيقاع البطش به، فإنه قد أتانا بسحر عظيم وزاد في سحره على سحر بني اسرائيل مع موسى وهارون وداود وسليمان وابن أمه عيسى، ولقد أتانا بكل ما أتوا به من السحر، وزاد عليهم ما لو أنهم شهدوه إلا قروا له وأنه سيد السحرة.
فخذ يا ابن أبي سفيان سنة قومك واتباع ملتك، والوفاء بما كان عليه سلفك من جحدة هذه البينة التي يقولون أن لها رباً أمرهم بإتيانها، والسعي حولها، وجعلها لهم قبلة فأقروا بالصلاة والحج الذي جعلوه ركناً وزعموا أنه لله، فكان ممن أعان محمد منهم هذا الفارسي الكمكماني وحزبه.
وقالوا إنه أوحي إليه: ((( إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركا وهدى للعالمين))).
وقولهم: ((( قد نرى تقلب وجهك في السماء فلنولينك قبلةً ترضاها فولّ وجهك شطر المسجد الحرام وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره))).
وجعلوا صلواتهم الحجارة، فما الذي أنكره علينا لولا سحره من عبادتنا للأصنام والأوثان واللآت والعزى، وهي من الحجارة والخشب والنحاس والفضة والذهب، لا والله واللات والعزى ما وجدنا سببا للخروج عما عندنا، وإن سحروا وموهوا.
فانظر بعين مبصرة، واسمع بأذن واعية، وتأمل بقلبك وعقلك ما هم فيه، واشكر اللات والعزى، واستخلاف السيد الرشيد عتيق بن عبد العزى على أمة محمد وتحكمه في أموالهم، ودمائهم وشريعتهم وأنفسهم، وحلالهم وحرامهم، وجبايات الحقوق التي زعموا أنهم يجيبونها لربهم، ليقيموا بها أنصارهم وأعوانهم، فعاش شديدا رشيدا يخضع جهرا، ويشتد سرا ولا يجد حيلة غير معاشرة القوم.
ولقد وثبتُ وثبةً على شهاب بني هاشم الثاقب، وقرنها الظاهر، وعلمِها الناصر وعُدتها وعددها المسمى بحيدرة، المصاهر لمحمد على المرأة التي جعلها سيدة نساء العالمين يسمونها فاطمة.
حتى أتيت دار علي وفاطمة وابنيهما الحسن والحسين وابنتيهما زينب وأم كلثوم والأمة المدعوة بفضة، ومعي خالد بن الوليد، وقنفذ مولا أبي بكر، ومن صحب من خواصنا، فقرعت الباب عليهم قرعاً شديدا، فأجابتني الأمة.
فقلت لها: قولي لعلي، دع الأباطيل ولا تلج نفسك إلى طمع الخلافة، فليس الأمر لك، الأمر لمن اختاره المسلمون واجتمعوا عليه.
ورب اللات والعزى لو كان الأمر والرأي لأبي بكر لفشل عن الوصول إلى ما وصل اليه من خلافة ابن أبي كبشة، لكني أبديت لها صفحتي، وأظهرت لها بصري، وقلت للحيين نزار وقحطان بعد أن قلت لهم: وليس الخلافة إلا في قريش، فأطيعوهم ما أطاعوا الله.
وإنما قلت ذلك لما سبق من ابن أبي طالب من وثوبه واستيثاره بالدماء التي سفكها في غزوات محمد.
وقضاء ديونه وهي ثمانون ألف درهم، وإنجاز عداته، وجمع القرآن، فقضاها على تلبده وطارقه، وقول المهاجرين والأنصار لما قلت: إن الإمامة في قريش.
قالوا: هو الأصلع البطين أمير المؤمنين علي بن أبي طالب الذي أخذ رسول الله البيعة له على أهل ملته وسلمنا له بإمرة المؤمنين في أربعة مواطن، فإن كنتم نسيتموها يا معشر قريش فما نسيناها، وليست البيعة ولا الإمامة والخلافة والوصية إلا حقاً مفروضا وأمرا صحيحا لا تبرعاً ولا ادعاء فكذبناهم.
وأقمت أربعين رجلا شهدوا على محمد أن الإمامة بالإختيار، فعند ذلك قال الأنصار: نحن أحق من قريش لأنا آوينا ونصرنا، وهاجر الناس الينا، فإذا كان دفع من كان الأمر له، فليس هذا الأمر لكم دوننا.
وقال قوم: منا أمير ومنكم أمير. قلنا لهم: قد شهد أربعون رجلا أن الأئمة من قريش. فقبل قوم وأنكر آخرون، فتنازعوا.
فقلت والجمع يسمعون: ألا أكبرنا سناً وأكثرنا ليناً.
قالوا: فمن تقول؟
قلت: أبي بكر الذي قدّمه رسول الله في الصلاة، وجلس معه في العريش يوم بدر يشاوره ويأخذ برأيه، وكان صاحبه في الغار، وزوج ابنته عائشة التي سماها أم المؤمنين.
وأقبلوا بني هاشم يتميزون غيظاً، وعاضدهم الزبير وسيفه مشهود، وقال: لا يبايع إلا علي أو لا أملك رقبة قائمة سيفي هذا,
فقلت: يا زبير، صرختك سكن من بني هاشم أمك صفية بنت عبد المطلب.
قال: ذلك والله الشرف الباذخ والفخر الفاخر يا ابن ختمه وابن صهاك..... أسكت، لا أم لك.
فقال قولاً، فوثب أربعون رجلاً ممن حضر سقيفة بني ساعدة على الزبير، فوالله ما قدرنا على أخذ سيفه من يده حتى وسدناه الأرض ولم نزله علينا ناصراً، فوثبت إلى أبي بكر فصافحته وعاقدته البيعة وتلاني عثمان بن عفان، وساير من حضر غير الزبير، وقلنا له: بايع أو نقتلك. ثم كففت عنه الناس فقلت له أمهلوه فما غضب إلا نخوة لبني هاشم.
وأخذت أبا بكر بيدي وهو يرعد قد اختلط عقله فأزعجته إلى منبر محمد إزعاجاً، فقال لي: يا أبا حفص، أخاف وثب عليّ. فقلت له: إن علياً عنك مشغول، وأعانني على ذلك أبو عبيدة الجراح، كان يمد بيده إلى المنبر وأنا أزعجه من ورائه كالتيس إلى شفار الجاذر متهوناً فقام عليه مدهوشاً.
فقلت له: اخطب. فأغلق عليه وثبت فدهش وتلجلج، وغمض فغضضت على كفي غسظاً، وقلت له: قل ما سنح لك، فلم يأت خيراً ولا معروفاً.
فأردت أن أحطه عن المنبر، وأقوم مقامه فكرهت تكذيب الناس لي بما قلت فيه، وقد سألني جمهور منهم كيف قلت من فضله ما قلت؟! ما الذي سمعته من رسول الله في أبي بكر؟
فقلت لهم: لقد قلت من فضله على لسان رسول الله ما لو وددت أني شعرة في صدره ولي حكاية، فقلت: قل وإلا انزل في نيتها، والله في وجهي. وعلم أنه لو نزل لرقيت.
وقلت ما لا يهتدي إلى قوله، فقال بصوت ضعيف عليل: وليتكم ولست بخيركم وليّ فيكم، واعلموا أن لي شيطان يعتريني، وما أراد بي سواي، فإذا زللت فقوّموني لا أقع في شعوركم وأبشاركم، وأستغفر الله لي ولكم.
ونزل فأخذت بيده وأعين الناس ترمقه وغمزت يده غمزاً، ثم أجلسته وقدمت الناس إلى بيعته، وصحبته، لا رهبة، وكل من ينكر بيعته ويقول ما فعل علي بن أبي طالب، فأقول: خلعها من عنقه وجعلها طاعة للمسلمين قلة اختلاق عليهم في اختيارهم فصار جليس بيته.
فبايعوا وهم كارهون، فلما فشت بيعته علمنا أن علياً يحمل فاطمة والحسن والحسين إلى دور المهاجرين والأنصار يذكرهم بيعته علينا في أربعة مواطن ويستفزهم فيعدونه النصرة ليلاً ويقعدون عنه نهاراً.
فأتيت داره مستشيراً لإخراجه منها، فقامت الأمة فضة، وقد قلت لها قولي لعلي يخرج إلى بيعة أبي بكر فقد اجتمع عليه المسلمون.
فقالت فضة: إن أمير المؤمنين مشغول، والحق له إن أنصفتم من انفسكم وأنصفتموه.
فقلت: خلّي عنك هذا وقولي له يخرج وإلا دخلنا عليه وأخرجناه كرهاً.
فخرجت فاطمة، فوقفت من وراء الباب، فقالت: أيها الضالون المكذبون ماذا تقولون وأي شيء تريدون؟
فقلت: يا فاطمة..
فقالت فاطمة: ما تشاء يا عمر؟
فقلت: ما بالُ ابن عمك قد أوردك للجواب وجلس من وراء الحجاب؟
فقالت لي: طغيانك يا شقي أخرجني، وأُلزمك الحجة وكل ضال غوي.
فقلت: دعي عنك الأباطيل وأساطير النساء وقولي لعلي يخرج لا حب ولا كرامة.
فقالت: أبحزب الشيطان تخوفني يا عمر، وكان حزب الشيطان ضعيفاً؟
فقلت: إن لم يخرج جئت بالحطب الجزل وأضرمنا ناراً على أهل هذا البيت وأحرق من فيه أو يقاد علي إلى البيعة. ثم أخذت سوط قنفذ فضربتها، وقلت لخالد بن الوليد: أنت ورجالنا هلمّوا هي جمع الحطب، فقلت: إني مُضرمُها.
فقالت فاطمة: يا عدو الله, وعدو رسوله، وعدو أمير المؤمنين.
فضربت فاطمة يديها من الباب تمنعني من فتحه فرُمته، وتصعب علي، فضربت كفيها بالسوط، فآلمها، فسمعت لها رفيراً وبكاء، فكدت أن ألين وأنقلب عن الباب، فذكرت أحقاد علي وبلوغه في دماء صناديد العرب، وكيد محمد وسحره، فركلت الباب، وقد ألصقت أحشائها بالباب وتترسته، وسعتها وقد صرخت صرخة حسبتها وقد جعلت أعلى المدينة أسفلها..
وقالت: يا أبتاه يا رسول الله، هكذا كان يفعل بحبيبتك وابنتك.. آه يا فضة إليك فخذيني فقد والله قتل ما في أحشائي من حمل.
وسمعتها تمخض، وهي مستندة الى الجدار، فدفعت الباب ودخلت فأقبلت اليّ أغشي بصري فصفقت صفقة على خديها من ظاهر الخمار، فاتقطع قرطها وتناثرت الى الأرض.
وخرج عليٌ، فلما أحسست به أسرعت إلى خارج الدار، وقلت لخالد وقنفذ ومن معهما: نجوت من أمر عظيم.
المصدر:
مجمع النورين ـــــــــــــــــــــــــــــــــ للشيخ المرندي
مقتل فاطمة الزهراء *ع* ــــــــــــــــــــــــــــــ للعلامة السيد ياسين الموسوي.
مأساة الزهراء *ع* ــــــــــــــــــــــــــــــ للمحقق العلامة السيد جعفر مرتضى العاملي.
عليه لعائن الباري
عن كتاب (( يا فضة سنديني شهادة لا ترد)) للسيد محمود الغريفي
بسم الله الرحمن الرحيم
بعد استشهاد الامام الحسين (ع) وأصحابه , وسبي النساء والأطفال الى الشام , أقيمت المآتم .
قيل : خرج عبد الله بن عمر بن الخطاب صارخاً , لاطماً وجهه , شاقاَ جيبه, يقول: يا معشر بني هاشم وقريش , والمهاجرين والأنصار يُستحلّ هذا من رسول الله (ص) في أهله وذريته وأنتم أحياء ترزقون, لا قرار دون يزيد.
قيل : لم يدخل عبد الله مدينة ولا التقى بجمع حتى استنفرهم على يزيد, وكانت أخباره تصل الى الشام.
وعند وصوله الى دمشق واستنفاره أهل الشام ورد على باب اللعين يزيد يريده, فأعلم يزيد بما يحصل وأذن أن يدخل عبدالله دون أحد, وقال إنها فورة من فورات أبي محمد وعن قليل يفيق منها. فدخل أبي محمد صارخا يقول: لا أدخل يا أمير ........ وقد فعلت بأهل بيت محمد (ع) ما لو تمكنت الترك والروم ما استحلوا ما استحللت, ولا فعلوا ما فعلت. قم عن البساط حتى يختار المسلمون من هو أحق به منك.
فرحب به يزيد وقال له: يا أبا محمد سكٍّن من فورتك, وأعقل وانظر بعينيك، واسمع بأذنك ووووووو الى أن قال له: أبوك قلّد أبي أمر الشام, أم أبي قلد أباك خلافة رسول الله (ص) ؟
فقال عبد الله: أبي قلّد أباك الشام.
قال يزيد: يا أبا محمد، أفترضى به وبعهده إلى أبي، وما ترضاه؟
قال عبدالله: بأيٍّ أرضى.
قال يزيد: أفترضى بأبيك؟
قال عبد الله: نعم.
فضرب يزيد يده على يد عبد الله بن عمر، وقال له: قم يا أبا محمد حتى تقرأه. فقام معه، حتى ورد خزانة من خزائنه، فدخلها، فدعا بصندوق وفتحه، واستخرج منه تابوتاً مقفلاً مختوماً، فاستخرج منه طوماراً لطيفا في خرقة حرير سوداء، فأخذ الطومار بيده ونشره.
ثم قال يزيد: يا أبا محمد هذا خط أبيك؟
قال عبد الله: إي والله.
وأخذه من يده فقبّله، فقال له: اقرأه. فقرأه ابن عمر فإذا فيه:
إن الذي أكرمنا بالسيف على الإقرار به فأقررنا والصدور وغِرة، والأنفس واجفة، والنياف والبصائر شاكية مما كانت عليه من جحدنا ما دعانا إليه، وأطعنا فيه رفعاً بسيوفه عنا، وتكاثره بالحي علينا من اليمن، وتعاضد من سمع به ممن ترك دينه، وما كان عليه آباؤه في قريش، فبِهُبلٍ أقسم والأصنام والأوثان واللات والعزى، ما جحدهاعمر منذ عبدها، ولا عبد للكعبة رباً وصدق لمحمد قولا، ولا ألقى السلام إلا للحيلة عليه وإيقاع البطش به، فإنه قد أتانا بسحر عظيم وزاد في سحره على سحر بني اسرائيل مع موسى وهارون وداود وسليمان وابن أمه عيسى، ولقد أتانا بكل ما أتوا به من السحر، وزاد عليهم ما لو أنهم شهدوه إلا قروا له وأنه سيد السحرة.
فخذ يا ابن أبي سفيان سنة قومك واتباع ملتك، والوفاء بما كان عليه سلفك من جحدة هذه البينة التي يقولون أن لها رباً أمرهم بإتيانها، والسعي حولها، وجعلها لهم قبلة فأقروا بالصلاة والحج الذي جعلوه ركناً وزعموا أنه لله، فكان ممن أعان محمد منهم هذا الفارسي الكمكماني وحزبه.
وقالوا إنه أوحي إليه: ((( إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركا وهدى للعالمين))).
وقولهم: ((( قد نرى تقلب وجهك في السماء فلنولينك قبلةً ترضاها فولّ وجهك شطر المسجد الحرام وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره))).
وجعلوا صلواتهم الحجارة، فما الذي أنكره علينا لولا سحره من عبادتنا للأصنام والأوثان واللآت والعزى، وهي من الحجارة والخشب والنحاس والفضة والذهب، لا والله واللات والعزى ما وجدنا سببا للخروج عما عندنا، وإن سحروا وموهوا.
فانظر بعين مبصرة، واسمع بأذن واعية، وتأمل بقلبك وعقلك ما هم فيه، واشكر اللات والعزى، واستخلاف السيد الرشيد عتيق بن عبد العزى على أمة محمد وتحكمه في أموالهم، ودمائهم وشريعتهم وأنفسهم، وحلالهم وحرامهم، وجبايات الحقوق التي زعموا أنهم يجيبونها لربهم، ليقيموا بها أنصارهم وأعوانهم، فعاش شديدا رشيدا يخضع جهرا، ويشتد سرا ولا يجد حيلة غير معاشرة القوم.
ولقد وثبتُ وثبةً على شهاب بني هاشم الثاقب، وقرنها الظاهر، وعلمِها الناصر وعُدتها وعددها المسمى بحيدرة، المصاهر لمحمد على المرأة التي جعلها سيدة نساء العالمين يسمونها فاطمة.
حتى أتيت دار علي وفاطمة وابنيهما الحسن والحسين وابنتيهما زينب وأم كلثوم والأمة المدعوة بفضة، ومعي خالد بن الوليد، وقنفذ مولا أبي بكر، ومن صحب من خواصنا، فقرعت الباب عليهم قرعاً شديدا، فأجابتني الأمة.
فقلت لها: قولي لعلي، دع الأباطيل ولا تلج نفسك إلى طمع الخلافة، فليس الأمر لك، الأمر لمن اختاره المسلمون واجتمعوا عليه.
ورب اللات والعزى لو كان الأمر والرأي لأبي بكر لفشل عن الوصول إلى ما وصل اليه من خلافة ابن أبي كبشة، لكني أبديت لها صفحتي، وأظهرت لها بصري، وقلت للحيين نزار وقحطان بعد أن قلت لهم: وليس الخلافة إلا في قريش، فأطيعوهم ما أطاعوا الله.
وإنما قلت ذلك لما سبق من ابن أبي طالب من وثوبه واستيثاره بالدماء التي سفكها في غزوات محمد.
وقضاء ديونه وهي ثمانون ألف درهم، وإنجاز عداته، وجمع القرآن، فقضاها على تلبده وطارقه، وقول المهاجرين والأنصار لما قلت: إن الإمامة في قريش.
قالوا: هو الأصلع البطين أمير المؤمنين علي بن أبي طالب الذي أخذ رسول الله البيعة له على أهل ملته وسلمنا له بإمرة المؤمنين في أربعة مواطن، فإن كنتم نسيتموها يا معشر قريش فما نسيناها، وليست البيعة ولا الإمامة والخلافة والوصية إلا حقاً مفروضا وأمرا صحيحا لا تبرعاً ولا ادعاء فكذبناهم.
وأقمت أربعين رجلا شهدوا على محمد أن الإمامة بالإختيار، فعند ذلك قال الأنصار: نحن أحق من قريش لأنا آوينا ونصرنا، وهاجر الناس الينا، فإذا كان دفع من كان الأمر له، فليس هذا الأمر لكم دوننا.
وقال قوم: منا أمير ومنكم أمير. قلنا لهم: قد شهد أربعون رجلا أن الأئمة من قريش. فقبل قوم وأنكر آخرون، فتنازعوا.
فقلت والجمع يسمعون: ألا أكبرنا سناً وأكثرنا ليناً.
قالوا: فمن تقول؟
قلت: أبي بكر الذي قدّمه رسول الله في الصلاة، وجلس معه في العريش يوم بدر يشاوره ويأخذ برأيه، وكان صاحبه في الغار، وزوج ابنته عائشة التي سماها أم المؤمنين.
وأقبلوا بني هاشم يتميزون غيظاً، وعاضدهم الزبير وسيفه مشهود، وقال: لا يبايع إلا علي أو لا أملك رقبة قائمة سيفي هذا,
فقلت: يا زبير، صرختك سكن من بني هاشم أمك صفية بنت عبد المطلب.
قال: ذلك والله الشرف الباذخ والفخر الفاخر يا ابن ختمه وابن صهاك..... أسكت، لا أم لك.
فقال قولاً، فوثب أربعون رجلاً ممن حضر سقيفة بني ساعدة على الزبير، فوالله ما قدرنا على أخذ سيفه من يده حتى وسدناه الأرض ولم نزله علينا ناصراً، فوثبت إلى أبي بكر فصافحته وعاقدته البيعة وتلاني عثمان بن عفان، وساير من حضر غير الزبير، وقلنا له: بايع أو نقتلك. ثم كففت عنه الناس فقلت له أمهلوه فما غضب إلا نخوة لبني هاشم.
وأخذت أبا بكر بيدي وهو يرعد قد اختلط عقله فأزعجته إلى منبر محمد إزعاجاً، فقال لي: يا أبا حفص، أخاف وثب عليّ. فقلت له: إن علياً عنك مشغول، وأعانني على ذلك أبو عبيدة الجراح، كان يمد بيده إلى المنبر وأنا أزعجه من ورائه كالتيس إلى شفار الجاذر متهوناً فقام عليه مدهوشاً.
فقلت له: اخطب. فأغلق عليه وثبت فدهش وتلجلج، وغمض فغضضت على كفي غسظاً، وقلت له: قل ما سنح لك، فلم يأت خيراً ولا معروفاً.
فأردت أن أحطه عن المنبر، وأقوم مقامه فكرهت تكذيب الناس لي بما قلت فيه، وقد سألني جمهور منهم كيف قلت من فضله ما قلت؟! ما الذي سمعته من رسول الله في أبي بكر؟
فقلت لهم: لقد قلت من فضله على لسان رسول الله ما لو وددت أني شعرة في صدره ولي حكاية، فقلت: قل وإلا انزل في نيتها، والله في وجهي. وعلم أنه لو نزل لرقيت.
وقلت ما لا يهتدي إلى قوله، فقال بصوت ضعيف عليل: وليتكم ولست بخيركم وليّ فيكم، واعلموا أن لي شيطان يعتريني، وما أراد بي سواي، فإذا زللت فقوّموني لا أقع في شعوركم وأبشاركم، وأستغفر الله لي ولكم.
ونزل فأخذت بيده وأعين الناس ترمقه وغمزت يده غمزاً، ثم أجلسته وقدمت الناس إلى بيعته، وصحبته، لا رهبة، وكل من ينكر بيعته ويقول ما فعل علي بن أبي طالب، فأقول: خلعها من عنقه وجعلها طاعة للمسلمين قلة اختلاق عليهم في اختيارهم فصار جليس بيته.
فبايعوا وهم كارهون، فلما فشت بيعته علمنا أن علياً يحمل فاطمة والحسن والحسين إلى دور المهاجرين والأنصار يذكرهم بيعته علينا في أربعة مواطن ويستفزهم فيعدونه النصرة ليلاً ويقعدون عنه نهاراً.
فأتيت داره مستشيراً لإخراجه منها، فقامت الأمة فضة، وقد قلت لها قولي لعلي يخرج إلى بيعة أبي بكر فقد اجتمع عليه المسلمون.
فقالت فضة: إن أمير المؤمنين مشغول، والحق له إن أنصفتم من انفسكم وأنصفتموه.
فقلت: خلّي عنك هذا وقولي له يخرج وإلا دخلنا عليه وأخرجناه كرهاً.
فخرجت فاطمة، فوقفت من وراء الباب، فقالت: أيها الضالون المكذبون ماذا تقولون وأي شيء تريدون؟
فقلت: يا فاطمة..
فقالت فاطمة: ما تشاء يا عمر؟
فقلت: ما بالُ ابن عمك قد أوردك للجواب وجلس من وراء الحجاب؟
فقالت لي: طغيانك يا شقي أخرجني، وأُلزمك الحجة وكل ضال غوي.
فقلت: دعي عنك الأباطيل وأساطير النساء وقولي لعلي يخرج لا حب ولا كرامة.
فقالت: أبحزب الشيطان تخوفني يا عمر، وكان حزب الشيطان ضعيفاً؟
فقلت: إن لم يخرج جئت بالحطب الجزل وأضرمنا ناراً على أهل هذا البيت وأحرق من فيه أو يقاد علي إلى البيعة. ثم أخذت سوط قنفذ فضربتها، وقلت لخالد بن الوليد: أنت ورجالنا هلمّوا هي جمع الحطب، فقلت: إني مُضرمُها.
فقالت فاطمة: يا عدو الله, وعدو رسوله، وعدو أمير المؤمنين.
فضربت فاطمة يديها من الباب تمنعني من فتحه فرُمته، وتصعب علي، فضربت كفيها بالسوط، فآلمها، فسمعت لها رفيراً وبكاء، فكدت أن ألين وأنقلب عن الباب، فذكرت أحقاد علي وبلوغه في دماء صناديد العرب، وكيد محمد وسحره، فركلت الباب، وقد ألصقت أحشائها بالباب وتترسته، وسعتها وقد صرخت صرخة حسبتها وقد جعلت أعلى المدينة أسفلها..
وقالت: يا أبتاه يا رسول الله، هكذا كان يفعل بحبيبتك وابنتك.. آه يا فضة إليك فخذيني فقد والله قتل ما في أحشائي من حمل.
وسمعتها تمخض، وهي مستندة الى الجدار، فدفعت الباب ودخلت فأقبلت اليّ أغشي بصري فصفقت صفقة على خديها من ظاهر الخمار، فاتقطع قرطها وتناثرت الى الأرض.
وخرج عليٌ، فلما أحسست به أسرعت إلى خارج الدار، وقلت لخالد وقنفذ ومن معهما: نجوت من أمر عظيم.
المصدر:
مجمع النورين ـــــــــــــــــــــــــــــــــ للشيخ المرندي
مقتل فاطمة الزهراء *ع* ــــــــــــــــــــــــــــــ للعلامة السيد ياسين الموسوي.
مأساة الزهراء *ع* ــــــــــــــــــــــــــــــ للمحقق العلامة السيد جعفر مرتضى العاملي.
تعليق