بسم الله الرحمن الرحيم
والحمدُ لله ربّ العالمين ، والصلاة على خاتم الأنبياء والمُرسلين وعلى آله الهُداة المهديين .
يذكر أية الله الشيخ مُحمّـد مَهـدي الآصفي - حفظه الله تعالى - جملة من الأمور المهمة ، في كتابه القيّم الذي كتبه قبل ما يزيد عن خمسون عاماً ، وكان قد أحتفظ به كأرواق مخطوطة طيلة هذه الفترة ، حتى رأى النور آخيراً. ولا يخفى وقوف القارئ المُدقق على الأهمية الكبيرة الذي يحتله محتوى الكتاب عند الجيل المعاصر ، من نظرة تأريخية لموضوع التقليد والإجتهاد ودورهما في حياة المسلمين منذ صدر الإسلام حتى عصرنا هذا .
ومن أعجب ما وجدتهُ فيه هو النصّ التالي الذي يتحدث فيه وكأنّه ، بل في الواقع ، كان يعيش تلك المرحلة ، وهو إبن الحوزة العلمية العريقة في النجف الأشرف . فكيف كان يقرأ هذا الفقيه الإسلامي ، الخبير في شؤون المسلمين ، هذه القراءة الصعبة لواقع المسلمين منذ أكثر من خمسون عاماً ؟
يقول أية الله الشيخ محمد مهـدي الآصفي في مقدمته لكتابه :
وبين يدي القارئ الكريم، رسالة موجزة في التعريف بالاجتهاد والتقليد والمناصب والمهام التي اءناطها الاسلام بالفقهاء، والعلاقة بين الفقهاء والامة، والحديث عن الفقيه وولاية الفقيه في الدولة الاسلامية ..
وقد كتبت هذا البحث قبل قيام الدولة الاسلامية بقيادة الامام الخميني قدس سره بزمن طويل، وعلى وجه الدقة في سنة 1390 من الهجرة ، بعد وفاة الامام الراحل السيد محسن الحكيم رحمه اللّه، وما أثارته وفاة هذا الفقيه الجليل المجاهد في العراق من حديث عن الاجتهاد والتقليد ، ودور الفقهاء في الامة، وعلاقة الامة بالفقهاء ..
وبقيت مسودات الكتاب خلال هذه المدة محفوظة في أوراقي الخاصة ، انتقلت من العراق الى ايران ، ومن ايران الى الكويت ،ومن الكويت الى ايران مرة اخرى .. وقبل أيام لفتت نظري هذه المسودات ، فقرأت شطرا منها قراءة سريعة ، فوجدت ان الاراء التي طرحتها في ذلك التاريخ عن الاجتهاد والتقليد ، وعلاقة الامة بالفقهاء ، وأمر ولاية الفقيه ، لم تتغير برغم التغيرات السياسية الكبيرة التي طرأت على ساحتنا الاسلامية ، فاستخرت اللّه تعالى أن اخرجها بعد اضافات وتنقيح واقدمها للطبع لعل اللّه تعالى أن ينفع بها المؤمنين .
واللّه تعالى ولي التوفيق والقبول.
محمد مهدي الاصفي
------------------------------------
ويذكر آية الله الشيخ محمد مهـدي الآصفي ، في كتابه الاجتهاد والتقليد وسلطات الفقيه وصلاحياته ، في فصل بعنوان :
تأمر على هذا الدين :
وقد ذهب المسلمون في هذه الفتنة (أي فتنة الحكم والخلافة من بعد النبي الأكرم (صلوات الله عليه وآله) ، مذاهب شتى من الرأي والمعتقد، الا أنّ الذي يلفت النظر حقا في هذه الفتنة ، التي لم تخمد جذوتها بعد ، أن المسلمين مهما اختلفوا في شيء ، فلم يختلفوا في أصل وجوب اقامة الحكم الاسلامي بين المسلمين ، ومبايعة حاكم من بين المسلمين ، يحكم بينهم بكتاب اللّه وسنة رسوله (ص).
وهو أمر عجيب حقا، ملفت للنظر، فقد كانت المساءلة من الوضوح عند المسلمين حدا لا يقبل أدنى تشكيك. فلم يحدثنا التاريخ ، أن واحدا من المسلمين كان يقول ، أو يرى في السقيفة التي احتدم المسلمون فيها في أمر الخلافة ، أن لا حاجة الى خليفة أو حاكم ، وبوسع المسلمين أن يعيشوا كما كانوا يعيشون في الجاهلية من غير خلافة أو إمامة اسلامية.
إلى أن يقول الشيخ محمد مهدي الآصفي :
ولم يختف هذا الوضوح ، الا بعد جهد كبير بذله الاستعمار في تغيير ملامح هذا الدين لدى العامة من المسلمين ، وتحويله الى دين يشبه المسيحية (التي تؤمن بها اُوروبا وافريقية)
يقنع من الارض بما تحيطه جدران الكنائس ،
ويقنع من حياة الناس بالساعات القليلة التي يقضيها الناس في هذه الكنائس من أيام الاحاد ،
ويقنع من الاسهام في الحياة الاجتماعية ، بما تتطلبه التقاليد الاجتماعية حين يموت أحد ويجري تشييعه ودفنه.
وقد حاول الاستعمار أن يعطي نفس الطابع للاسلام في نظر المسلمين، ويفقده أصالته وحيويته ، واهتمامه الكبير بمسائل الحياة وشؤونها ، ويفصل الدين عن الدولة وعن شؤون الحياة الاخرى.
ومنذ ذلك التاريخ أخذ هذا الوضوح بالاختفاء، وأخذ المسلمون في الغالب لا يعون من الدين الا هذه الطقوس التي تجري أحيانا عن ايمان واخلاص ، وتجري أحيانا اخرى كعادات وتقاليد اجتماعية لابد من الاتيان بها.
ولا يستعيد المسلمون كيانهم وشخصيتهم على وجه الارض ، ولا يمكن أن تنطلق هذه الدعوة في تحقيق رسالة اللّه ، الا حينما يعي المسلمون حقيقة دينهم ، و واقع هذه الرسالة ، والا حينما ينبثق من هذا الوعي قوة اسلامية على وجه الارض ، وكيان اجتماعي وسياسي ذو جذور وأبعاد رسالية وعقائدية.
إنتهى كلامه
------------------------------------
- هل يصدق هذا الكلام على واقعنا المعاصـــر ؟
---------------------------
فؤاد الحاج