~ سيرة الإمام طالب الحق الكندي في اليمن:-
وأما إن سألت عن سيرة أهل الحق والاستقامة، فأريدك أن تقرأ بعض ما كتبه الكاتبون من غير الإباضية، فانظر- إن شئت- ما حفظه المؤرخون عن سيرة الإمام طالب الحق عبدالله بن يحيى الكندي وقائده أبي حمزة المختار بن عوف ( كانت ثورتهما على ظلم بني أمية وجورهم عام 129 هـ وكانت ثمرة ثورتهما المباركة نشر الحق والعدل في اليمن والحجاز )، ومن بين هؤلاء الذين كتبوا عن سيرة هذين الإمامين الجليلين الصالحين -رحمهما الله تعالى- البلاذري في كتابه "أنساب الأشراف" والأصفهاني في كتابه "الأغاني".
ومما ذكر من سيرتهما أن أبا حمزة عندما واجه جموع البغاة في قديد فاعترضوهم، حاول أن يقيم الحجة عليهم قبل أن تكون هناك مناوشة، وحاول أن يقنعهم بأنه ما قام أشرًا ولا بطرًا وإنما قام لإظهار الحق وإقامة كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم في الأرض، فما كان من أولئك البغاة إلا أن عتوا واستكبروا استكبارًا، ولكن أبا حمزة مع ذلك قال لأصحابه لا تبدأوهم بالقتال حتى رمى أولئك البغاة بسهامهم في جند أبي حمزة فأصابوا رجلاً من جنده، فقال لأصحابه: (دونكم الآن فقد حل قتالهم).
وعندما دخل الإمام طالب الحق عبدالله بن يحيى الكندي -رحمه الله تعالى- صنعاء بعدما هزموا القائد الأموي القاسم بن عمر الثقفي، عامله الإمام عبدالله بن يحيى الكندي معاملة حسنة فلم يحز غلصمته، أو يقطع رأسه، بل لم يصنع به أي شيء، وإنما أخرجه ومن معه وهم سالمون من كل أذى.
ووجد الإمام طالب الحق الأموال الكثيرة التي جباها هذا العامل من الناس وتكدست في خزينته، وكان الإمام طالب الحق وأصحابه في فقر مدقع وهم بحاجة ملحة إلى المال، ولكنهم لم تشرئب أعناقهم إلى هذه الأموال بل قسموها بين أهل صنعاء، يقول في ذلك البدر الشماخي في كتابه " السير" في ص(99) من الطبعة الأولى : (وخلص لعبدالله وقسم ما وجد من مال على فقراء صنعاء، قصد إليهم ابن خيران وعبدالله بن مسعود وغيرهما من المسلمين فأتوا من الخزانة إلى المسجد، فقسمه عبدالله على فقراء صنعاء، ولم يأخذ منه شيئاً ولم يستحل منه لأصحابه متاعاً).
وفي هذا يقول الإمام السالمي رحمه الله تعالى:-
وطالب الحــق بصنعا حكما
بجعلها في أهلها واحتشما
لم يــأخذن عند مضيق يومه
شـيئاً لنفســه ولا لقومــه
تعففـاً منهم ومـن كمثلهـــم
أكرم بهم من عصبة أكرم بهم
كانوا يموتون على ما أبصـروا
من الهدى ما بدلـوا أو غيروا
ثم إن الإمام طالب الحق –أيضاً- عامل هذه المعاملة الحسنة إبراهيم بن جبلة الذي كان والياً على حضرموت من قبل بني أمية، فأباح له أن يخرج من حضرموت وقال له: (إما أن تقيم عندنا وإما أن تشخص ولا عليك حرج في ذلك) فاختار الخروج، فخرج إلى القاسم الثقفي في صنعاء ولم يعترضه الإمام طالب الحق.
انظر السير ص 91- 92 ط 1407 هـ - 1987 م وزارة التراث القومي والثقافة سلطنة عمان . جوهر النظام ج2 ص 355 ط مطبعة الفجالة الجديدة مصر . انظر نشأة الحركة الإباضية للدكتور عوض محمد خليفات والحركة الإباضية في المشرق العربي لمهدي طالب هاشم تجد فيهما تحقيقا جيدا لهذه الحقبة من تاريخ الإباضية بالإضافة إلى ذلك فإنهما يمدان القارئ بالعديد من المصادر والمراجع المهمة وعند التحقيق والإنصاف ستجد صورة إسلامية رائعة لأهل الحق والإستقامة .
~ سيرة الإمام أبي الخطاب المعافري في طرابلس والقيروان:-
وكان الإمام أبو الخطاب المعافري( انتخب إماما عام 141 هـ ) - الذي عقدت عليه الإمامة في بلاد المغرب بطرابلس- له دور عظيم في نشر الحق وفي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وقد قام في بداية أمره على عامل أبي جعفر المنصور ببلاد طرابلس، فانتصر عليه إلا أنه لم يتشف منه بعد انتصاره عليه، بل خيره بين المقام معهم على أن يكون له ما لهم وعليه ما عليهم، وبين أن يخرج آمناً مطمئناً، لا يكدر له صفو ولا يسفك له دم، ولا ينتهك له عرض، ولا يؤخذ عليه مال، فاختار الخروج، فخرج إلى بلاد المشرق وهو آمن مطمئن.
وهذا الإمام نفسه عندما بلغه استصراخ امرأة من القيروان من جور ورفجومة -وهي قبيلة صفرية خارجية كانت تعيث فساداً في بلاد القيروان- فقد كتبت إليه رسالة تشكو إليه الجور والخوف وعدم الطمأنينة، حتى أنها كانت تخفي ابنتها في حفرة تحفرها خشية أن يسبيها هؤلاء الخوارج الصفرية، عندما وصل كتابها إلى الإمام بكى من ذلك وقال: (لبيك يا أختاه) وخطب بعد صلاة أقامها وحض الناس على الجهاد، فخرج مجاهداً إلى تلك القبيلة العاتية التي كانت مستولية على القيروان، وعندما وصل إلى القيروان أمر أصحابه ألا ينتهكوا عرضاً، ولا يأخذوا مالاً، فإن أولئك مهما كان بغيهم هم من أهل التوحيد، ولا يباح شيء من أموالهم قط، ولا يباح إلا سفك دمهم بسبب بغيهم حتى يعودوا إلى الحق.
وفي هذا يقول العلامة الدرجيني في كتابه "طبقات المشائخ بالمغرب"() حاكياً ما حصل بعد هذه الوقعة التي انتصر فيها الإمام رحمه الله تعالى ومن معه من المسلمين يقول: (وحدث بعض أصحابنا أن شيخاً من شيوخ القيروان بعث ابناً له يرتاد مزرعة كانت له بالقرب من منزل عسكر أبي الخطاب، فقال: (يا بني، اذهب وانظر هل بقي في مزرعتنا شيء؟) قال: فخرج الغلام إلى المزرعة فوجدها سالمة لم ينلها فساد، فرجع الغلام إلى أبيه فأخبره، فتعجب لذلك، وعجب الناس لعدل أبي الخطاب وسيرته وطاعة أصحابه له فيما يأمرهم به، وينهاهم عنه، وكان من مقالة الشيخ المذكور إذ ذاك لمن حضره من أهل القيروان: (أتظنون أن أبا الخطاب يشبه من ولي عليكم قبله ديناً وفضلاً؟ وأن سيرتهم كسيرته حسناً وعدلاً؟ كلا والله أين مثل أبي الخطاب في سيرته وعدله وفضله.؟).
ثم يقول العلامة الدرجيني: (وبلغنا أن امرأتين قد خرجتا من القيروان حين فتحها الله لأبي الخطاب بعد هزيمة أهلها، فنظرت إحداهما إلى القتلى مزملين في ثيابهم كأنهم رقود، فقالت لصاحبتها: (انظري إليهم كأنهم رقود فسمي ذلك الموضع "رقادة" إلى اليوم) ثم يقول بعد ذلك: (ولما دخل أبو الخطاب المدينة أمر أهل المدينة يخرجوا إلى قتلاهم ليدفنوهم).
ثم تحدث بعد ذلك عن وقفة وقفها أبو الخطاب عندما وجد أحداً من جند عدوه القتلى قد أُخِذَ سلبه، فضاقت عليه الدنيا بما رحبت بسبب هذا التصرف المخالف لشريعة الله، يقول العلامة الدرجيني: (وقد أمر أبو الخطاب من يتفقد القتلى، فوجد قتيلاً واحداً منهم مسلوباً، وأمر منادياً ينادي في عسكره: (من نزع عن أحد من القتلى شيئاً فليردده) فلم يرد أحد شيئاً، فعلم أن سالبه عمل غير صالح، فلما أيس من رد سلب القتيل المذكور طوعاً ومخافة من عقاب الله تعالى، دعى أبو الخطاب ربه عز وجل أن يفضحه ويظهره على أعين الناس، فأمر أبو الخطاب فرساناً من عسكره بأن يخرجوا ويجروا خيلهم بين يديه وكان فيهم رجل فارس من سدراته، فلما أجريت الخيل انقطع حزام سرج السدراتي، فوجد كساءً سفسارية تحت سرجه، فسقطت الكساء على أعين الناس، وقيل: بل كان جبة حرير) ثم يقول بعد ذلك: (كل ذلك من الكرامات، فأخذه الإمام رحمه الله وعزره حسب ما اقتضاه الاجتهاد) يعني أن الإمام عزر أحد جنوده بسبب هذه المخالفة التي وقع فيها فلم يسكت عنها ثم يقول العلامة الدرجيني: (وبلغنا أن أبا الخطاب رضي الله عنه لما هزمهم أحسن فيهم السيرة، وأمر أصحابه ألا يتبعوا مدبراً ولا يجهزوا على جريح، فقال رجل من لواتى من معسكر أبي الخطاب يقال له خالد: (نأكل من أموالهم كما يأكلوا أموالنا ويعتقدون أنها غنيمة أحلت لهم، فقال أبو الخطاب رحمه الله: (إن فعلنا كما فعلوا فحق على الله أن يرفضنا ويدخلنا معهم جهنم، فنكون كما قال الله تعالى :( كلما دخلت أمة لعنت أختها حتى إذا اداركوا فيها جميعاً قالت أخراهم لأولاهم ربنا هؤلاء أضلونا فآتهم عذاباً ضعفاً من النار قال لكل ضعف ولكن لا تعلمون وقالت أولاهم لأخراهم فما كان لكم علينا من فضل فذوقوا العذاب بما كنتم تكسبون)
انظر طبقات المشايخ بالمغرب للعلامة أحمد بن سعيد الدرجيني ج1 ص 22 – 23 ط . إبراهيم طلاي .
~ سيرة الإمام عزان بن قيس في عُمان:-
ومما ذكره إمامنا نور الدين السالمي رحمه الله تعالى في كتابه "تحفة الأعيان بسيرة أهل عمان" أن الإمام العدل عزان بن قيس رضي الله تعالى عنه(بويع له بالإمامة عام 1285 هـ - 1869 م) قام على طائفة باغية في أطراف بلاد عمان، فلما ذهب إليهم بجنده نزل في قرية، وتلك القرية كانت مشهورة بجودة الأنبا -أي شجر المانجو- فنزل أصحابه تحت ظلال تلك الأشجار، وكان ذلك وقت ثمرها، فتساقط الثمر في أوعيتهم وفرشهم، فما مد أحد منهم يده ليأخذ شيئاً من هذه الثمار، إلا أحد الجند أخذ ثمرة واحدة فزجره الإمام عن ذلك زجراً شديداً، وشدد عليه التقريع واللوم على ذلك وإن لم يعاقبه فإنه ربما نظر إلى أن هذه الثمرة سقطت بنفسها ولم يمد يده ليأخذها، فمن أجل ذلك ترك عقوبته، لكن مهما يكن من أمر فإن ذلك دليل واضح على أن أهل الحق والاستقامة يتحرجون تحرجاً شديداً من أموال أهل التوحيد.
انظر تحفة الأعيان بسيرة أهل عمان للإمام نور الدين السالمي ج2 ص 259 – 260ط مكتبة الإستقامة مسقط
يتبع
وأما إن سألت عن سيرة أهل الحق والاستقامة، فأريدك أن تقرأ بعض ما كتبه الكاتبون من غير الإباضية، فانظر- إن شئت- ما حفظه المؤرخون عن سيرة الإمام طالب الحق عبدالله بن يحيى الكندي وقائده أبي حمزة المختار بن عوف ( كانت ثورتهما على ظلم بني أمية وجورهم عام 129 هـ وكانت ثمرة ثورتهما المباركة نشر الحق والعدل في اليمن والحجاز )، ومن بين هؤلاء الذين كتبوا عن سيرة هذين الإمامين الجليلين الصالحين -رحمهما الله تعالى- البلاذري في كتابه "أنساب الأشراف" والأصفهاني في كتابه "الأغاني".
ومما ذكر من سيرتهما أن أبا حمزة عندما واجه جموع البغاة في قديد فاعترضوهم، حاول أن يقيم الحجة عليهم قبل أن تكون هناك مناوشة، وحاول أن يقنعهم بأنه ما قام أشرًا ولا بطرًا وإنما قام لإظهار الحق وإقامة كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم في الأرض، فما كان من أولئك البغاة إلا أن عتوا واستكبروا استكبارًا، ولكن أبا حمزة مع ذلك قال لأصحابه لا تبدأوهم بالقتال حتى رمى أولئك البغاة بسهامهم في جند أبي حمزة فأصابوا رجلاً من جنده، فقال لأصحابه: (دونكم الآن فقد حل قتالهم).
وعندما دخل الإمام طالب الحق عبدالله بن يحيى الكندي -رحمه الله تعالى- صنعاء بعدما هزموا القائد الأموي القاسم بن عمر الثقفي، عامله الإمام عبدالله بن يحيى الكندي معاملة حسنة فلم يحز غلصمته، أو يقطع رأسه، بل لم يصنع به أي شيء، وإنما أخرجه ومن معه وهم سالمون من كل أذى.
ووجد الإمام طالب الحق الأموال الكثيرة التي جباها هذا العامل من الناس وتكدست في خزينته، وكان الإمام طالب الحق وأصحابه في فقر مدقع وهم بحاجة ملحة إلى المال، ولكنهم لم تشرئب أعناقهم إلى هذه الأموال بل قسموها بين أهل صنعاء، يقول في ذلك البدر الشماخي في كتابه " السير" في ص(99) من الطبعة الأولى : (وخلص لعبدالله وقسم ما وجد من مال على فقراء صنعاء، قصد إليهم ابن خيران وعبدالله بن مسعود وغيرهما من المسلمين فأتوا من الخزانة إلى المسجد، فقسمه عبدالله على فقراء صنعاء، ولم يأخذ منه شيئاً ولم يستحل منه لأصحابه متاعاً).
وفي هذا يقول الإمام السالمي رحمه الله تعالى:-
وطالب الحــق بصنعا حكما
بجعلها في أهلها واحتشما
لم يــأخذن عند مضيق يومه
شـيئاً لنفســه ولا لقومــه
تعففـاً منهم ومـن كمثلهـــم
أكرم بهم من عصبة أكرم بهم
كانوا يموتون على ما أبصـروا
من الهدى ما بدلـوا أو غيروا
ثم إن الإمام طالب الحق –أيضاً- عامل هذه المعاملة الحسنة إبراهيم بن جبلة الذي كان والياً على حضرموت من قبل بني أمية، فأباح له أن يخرج من حضرموت وقال له: (إما أن تقيم عندنا وإما أن تشخص ولا عليك حرج في ذلك) فاختار الخروج، فخرج إلى القاسم الثقفي في صنعاء ولم يعترضه الإمام طالب الحق.
انظر السير ص 91- 92 ط 1407 هـ - 1987 م وزارة التراث القومي والثقافة سلطنة عمان . جوهر النظام ج2 ص 355 ط مطبعة الفجالة الجديدة مصر . انظر نشأة الحركة الإباضية للدكتور عوض محمد خليفات والحركة الإباضية في المشرق العربي لمهدي طالب هاشم تجد فيهما تحقيقا جيدا لهذه الحقبة من تاريخ الإباضية بالإضافة إلى ذلك فإنهما يمدان القارئ بالعديد من المصادر والمراجع المهمة وعند التحقيق والإنصاف ستجد صورة إسلامية رائعة لأهل الحق والإستقامة .
~ سيرة الإمام أبي الخطاب المعافري في طرابلس والقيروان:-
وكان الإمام أبو الخطاب المعافري( انتخب إماما عام 141 هـ ) - الذي عقدت عليه الإمامة في بلاد المغرب بطرابلس- له دور عظيم في نشر الحق وفي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وقد قام في بداية أمره على عامل أبي جعفر المنصور ببلاد طرابلس، فانتصر عليه إلا أنه لم يتشف منه بعد انتصاره عليه، بل خيره بين المقام معهم على أن يكون له ما لهم وعليه ما عليهم، وبين أن يخرج آمناً مطمئناً، لا يكدر له صفو ولا يسفك له دم، ولا ينتهك له عرض، ولا يؤخذ عليه مال، فاختار الخروج، فخرج إلى بلاد المشرق وهو آمن مطمئن.
وهذا الإمام نفسه عندما بلغه استصراخ امرأة من القيروان من جور ورفجومة -وهي قبيلة صفرية خارجية كانت تعيث فساداً في بلاد القيروان- فقد كتبت إليه رسالة تشكو إليه الجور والخوف وعدم الطمأنينة، حتى أنها كانت تخفي ابنتها في حفرة تحفرها خشية أن يسبيها هؤلاء الخوارج الصفرية، عندما وصل كتابها إلى الإمام بكى من ذلك وقال: (لبيك يا أختاه) وخطب بعد صلاة أقامها وحض الناس على الجهاد، فخرج مجاهداً إلى تلك القبيلة العاتية التي كانت مستولية على القيروان، وعندما وصل إلى القيروان أمر أصحابه ألا ينتهكوا عرضاً، ولا يأخذوا مالاً، فإن أولئك مهما كان بغيهم هم من أهل التوحيد، ولا يباح شيء من أموالهم قط، ولا يباح إلا سفك دمهم بسبب بغيهم حتى يعودوا إلى الحق.
وفي هذا يقول العلامة الدرجيني في كتابه "طبقات المشائخ بالمغرب"() حاكياً ما حصل بعد هذه الوقعة التي انتصر فيها الإمام رحمه الله تعالى ومن معه من المسلمين يقول: (وحدث بعض أصحابنا أن شيخاً من شيوخ القيروان بعث ابناً له يرتاد مزرعة كانت له بالقرب من منزل عسكر أبي الخطاب، فقال: (يا بني، اذهب وانظر هل بقي في مزرعتنا شيء؟) قال: فخرج الغلام إلى المزرعة فوجدها سالمة لم ينلها فساد، فرجع الغلام إلى أبيه فأخبره، فتعجب لذلك، وعجب الناس لعدل أبي الخطاب وسيرته وطاعة أصحابه له فيما يأمرهم به، وينهاهم عنه، وكان من مقالة الشيخ المذكور إذ ذاك لمن حضره من أهل القيروان: (أتظنون أن أبا الخطاب يشبه من ولي عليكم قبله ديناً وفضلاً؟ وأن سيرتهم كسيرته حسناً وعدلاً؟ كلا والله أين مثل أبي الخطاب في سيرته وعدله وفضله.؟).
ثم يقول العلامة الدرجيني: (وبلغنا أن امرأتين قد خرجتا من القيروان حين فتحها الله لأبي الخطاب بعد هزيمة أهلها، فنظرت إحداهما إلى القتلى مزملين في ثيابهم كأنهم رقود، فقالت لصاحبتها: (انظري إليهم كأنهم رقود فسمي ذلك الموضع "رقادة" إلى اليوم) ثم يقول بعد ذلك: (ولما دخل أبو الخطاب المدينة أمر أهل المدينة يخرجوا إلى قتلاهم ليدفنوهم).
ثم تحدث بعد ذلك عن وقفة وقفها أبو الخطاب عندما وجد أحداً من جند عدوه القتلى قد أُخِذَ سلبه، فضاقت عليه الدنيا بما رحبت بسبب هذا التصرف المخالف لشريعة الله، يقول العلامة الدرجيني: (وقد أمر أبو الخطاب من يتفقد القتلى، فوجد قتيلاً واحداً منهم مسلوباً، وأمر منادياً ينادي في عسكره: (من نزع عن أحد من القتلى شيئاً فليردده) فلم يرد أحد شيئاً، فعلم أن سالبه عمل غير صالح، فلما أيس من رد سلب القتيل المذكور طوعاً ومخافة من عقاب الله تعالى، دعى أبو الخطاب ربه عز وجل أن يفضحه ويظهره على أعين الناس، فأمر أبو الخطاب فرساناً من عسكره بأن يخرجوا ويجروا خيلهم بين يديه وكان فيهم رجل فارس من سدراته، فلما أجريت الخيل انقطع حزام سرج السدراتي، فوجد كساءً سفسارية تحت سرجه، فسقطت الكساء على أعين الناس، وقيل: بل كان جبة حرير) ثم يقول بعد ذلك: (كل ذلك من الكرامات، فأخذه الإمام رحمه الله وعزره حسب ما اقتضاه الاجتهاد) يعني أن الإمام عزر أحد جنوده بسبب هذه المخالفة التي وقع فيها فلم يسكت عنها ثم يقول العلامة الدرجيني: (وبلغنا أن أبا الخطاب رضي الله عنه لما هزمهم أحسن فيهم السيرة، وأمر أصحابه ألا يتبعوا مدبراً ولا يجهزوا على جريح، فقال رجل من لواتى من معسكر أبي الخطاب يقال له خالد: (نأكل من أموالهم كما يأكلوا أموالنا ويعتقدون أنها غنيمة أحلت لهم، فقال أبو الخطاب رحمه الله: (إن فعلنا كما فعلوا فحق على الله أن يرفضنا ويدخلنا معهم جهنم، فنكون كما قال الله تعالى :( كلما دخلت أمة لعنت أختها حتى إذا اداركوا فيها جميعاً قالت أخراهم لأولاهم ربنا هؤلاء أضلونا فآتهم عذاباً ضعفاً من النار قال لكل ضعف ولكن لا تعلمون وقالت أولاهم لأخراهم فما كان لكم علينا من فضل فذوقوا العذاب بما كنتم تكسبون)
انظر طبقات المشايخ بالمغرب للعلامة أحمد بن سعيد الدرجيني ج1 ص 22 – 23 ط . إبراهيم طلاي .
~ سيرة الإمام عزان بن قيس في عُمان:-
ومما ذكره إمامنا نور الدين السالمي رحمه الله تعالى في كتابه "تحفة الأعيان بسيرة أهل عمان" أن الإمام العدل عزان بن قيس رضي الله تعالى عنه(بويع له بالإمامة عام 1285 هـ - 1869 م) قام على طائفة باغية في أطراف بلاد عمان، فلما ذهب إليهم بجنده نزل في قرية، وتلك القرية كانت مشهورة بجودة الأنبا -أي شجر المانجو- فنزل أصحابه تحت ظلال تلك الأشجار، وكان ذلك وقت ثمرها، فتساقط الثمر في أوعيتهم وفرشهم، فما مد أحد منهم يده ليأخذ شيئاً من هذه الثمار، إلا أحد الجند أخذ ثمرة واحدة فزجره الإمام عن ذلك زجراً شديداً، وشدد عليه التقريع واللوم على ذلك وإن لم يعاقبه فإنه ربما نظر إلى أن هذه الثمرة سقطت بنفسها ولم يمد يده ليأخذها، فمن أجل ذلك ترك عقوبته، لكن مهما يكن من أمر فإن ذلك دليل واضح على أن أهل الحق والاستقامة يتحرجون تحرجاً شديداً من أموال أهل التوحيد.
انظر تحفة الأعيان بسيرة أهل عمان للإمام نور الدين السالمي ج2 ص 259 – 260ط مكتبة الإستقامة مسقط
يتبع
تعليق