المشاركة الأصلية بواسطة وهج الإيمان
X
-
المشاركة الأصلية بواسطة كرار أحمدوالله لا مخنث إلا أنت ..
وأين الانشاء يا أعمى وأنا اوردت لك سند القرآن بما فيه المعوذتين متواترا عن بن مسعود؟
والذ ي بعث محمد بالحق لا متخلف عقليا إلا أنت ولا قليل أدب إلا أنت ...
هذه أسانيد ترجعه عن قوله أضعها في عينك ثانية ...
أولا: قراءة عاصم وهو أحد القراء السبعة حيث قرأ القرآن كله وفيه المعوذتين بأسانيد صحيحة حيث قرأ عاصم على أبي عبد الرحمن عبد الله بن حبيب وقرأ على أبي مريم زر بن حبيش الأسدي وعلى سعيد بن عياش الشيباني .. وجميعهم أخذوا القراءة عن عبد الله بن مسعود غاية النهاية 1/315- 3
ثانيا: قراءة حمزة وهو من القراء السبعة حيث قرأ القرآن كله وفيه المعوذتين بأسانيد صحيحة فقرأ حمزة على سليمان الأعمش الذي كان يجود حرف ابن مسعود وقرأ الأعمش على زيد بن وهب ومسعود بن مالك وكلاهما قرأعلى ابن مسعود غاية النهاية 1/236- 2
وقراءة حمزة بسند ثاني حيث قرأ حمزة على حمران بن أعين وقرأحمران بن أعين على قراءة ابن مسعود حيث أخذ القراءة عن يحيى بن وثاب الذي أخذ عن مسروق بن الأجدع وأبو عمرو الشيباني وزر بن حبيش وجميعهم أخذوا القراءة عن عبد الله بن مسعود غاية النهاية 1/236- 237.
وقراءة حمزة بسند ثالث حيث قرأ على أبي إسحاق السبيعي .. وقرأ السبيعي على علقمة بن قيس وعلى زر بن حبيش وعلى زيد بن وهب وعلى مسروق وهم جميعا عرضوا على عبد الله بن مسعود غاية النهاية 1/236- 237.
ثالثا: قراءة الكسائي وهو أحد القراء العشر حيث قرأ القرآن كله وفيه المعوذتين بسنده إلى ابن مسعود حيث قرأ على حمزة الذي سبق ذكر سنده إلى ابن مسعود غاية النهاية لابن الجزري 1/474 (2212
رابعا: قراءة خلف حيث قرأ على سليم بن عيسى وعبد الرحمن بن أبي حماد وهما قرءا على حمزة والذي ينتهي إلى ابن مسعود
خامسا: قراءة خلاد حيث قرأ على سليم بن عيسى عن حمزة .. وعن حسين بن علي الجعفي عن أبي بكر بن عياش عن عاصم الذي انتهى سند كلاهما إلى ابن مسعود
هل هناك ترجع أكثر من أنه يروي المعوذتين ضمن القرآن ؟
نعم البخاري أعلى الله مقامه نقل ما قيل عنه ... وهذا حدث ولا ننكره .. لكن تراجعه برواية القرآن وفيه المعوذتين يكفي لإثبات تراجعه ..
حاول ألا تحاورني ثانية لأنك قليل أدب ولا تجيد الحوار المحترم .
البخاري البتار ايها الجاهل وهو جاء بعد عبد الله ابن مسعود ب150 سنة قال يحك المعوذتين واعطيناك رواية بذلك
اعطيني رواية تبين بان ابن مسعود تراجع ايها الاشعري الجاهل
اما من قليل الادب فهو انت يا تربية شارع الهرم والعوالم ايها القذر
ومادمت انت في منتدى شيعي فاني سوف اكون بالمرصاد لامثالك من الطائفين البغيضين وسوف ارد على كل كذبك وافترائك
- اقتباس
- تعليق
تعليق
-
وهج الأيمان الخيار الثانى يقول مجتهد وله اجر الاجتهاد فهل علماء السنة أجتهدوا فى تحريف القرآءن أين دليلك على ذلك فياأختى مانقلتيه هو ليس تحريف للقرآءن هو يحكى عن نقل روايات القرآءن السبعة وكذلك ماتم نسخه من آيات وهذا ماجعل الخليفة عثمان رضى الله عنه يجمع القرآءن فى مصحف وذلك لهذه القضايا فتم جمعه فى مصحف وسمى بمصحف عثمان وهو الذى موجود لدينا الى الوقت الحالى .
- اقتباس
- تعليق
تعليق
-
المشاركة الأصلية بواسطة سيدا شباب الجنةوهج الأيمان الخيار الثانى يقول مجتهد وله اجر الاجتهاد فهل علماء السنة أجتهدوا فى تحريف القرآءن أين دليلك على ذلك فياأختى مانقلتيه هو ليس تحريف للقرآءن هو يحكى عن نقل روايات القرآءن السبعة وكذلك ماتم نسخه من آيات وهذا ماجعل الخليفة عثمان رضى الله عنه يجمع القرآءن فى مصحف وذلك لهذه القضايا فتم جمعه فى مصحف وسمى بمصحف عثمان وهو الذى موجود لدينا الى الوقت الحالى .
االلهم العن اعداء محمد وال محمد واحلل عليهم غضبك بحق دم شهداء بدر وكربلاء
الانقلاب على الأعقاب
ص 43
ارتدوا على أدبارهم!
قالت السيدة فاطمة الزهراء (عليها السلام): الآن مات رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أمتم دينه؟!!... تلك نازلة أعلن بها كتاب الله قبل موته، وأنبأكم بها قبل وفاته، فقال: *(وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أ فإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئا وسيجزي الله الشاكرين)*(1) (2). وقال مولانا أمير المؤمنين (عليه السلام): حتى إذا قبض الله رسوله، رجع قوم على الأعقاب، وغالتهم السبل، واتكلوا على الولائج، ووصلوا غير الرحم، وهجروا السبب الذي أمروا بمودته، ونقلوا البناء على رص أساسه، فبنوه في غير موضعه.. معادن كل خطيئة، وأبواب كل ضارب في غمرة، قد ماروا في الحيرة، وذهلوا في السكرة، على سنة من آل فرعون.. من منقطع إلى الدنيا راكن، أو مفارق للدين مباين (3). ودلتنا النصوص المتواترة - بين الفريقين - إلى هذا الانقلاب الذي أشير إليه
(هامش)
1. شرح نهج البلاغة 16 / 212. 2. آل عمران (3): 144. 3. نهج البلاغة: 65، الخطبة 150، شرح نهج البلاغة: 9 / 132، بحار الأنوار: 29 / 616. (*)
ص 44
في القرآن وصرحت به الأحاديث وقام عليه الوجدان.. وإليك بعض ما ورد في المقام: خطب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال: يا أيها الناس! إنكم محشورون إلى الله عراة حفاتا عزلا (1)، ثم تلا: *(كما بدأنا أول خلق نعيده وعدا علينا إنا كنا فاعلين)*(2). ثم قال: ألا وإن أول الخلائق يكسى يوم القيامة إبراهيم، وإنه يجاء برجال من أمتي فيؤخذ بهم ذات الشمال، فأقول: يا رب أصحابي..! فيقال: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك، فأقول كما قال العبد الصالح: *(وكنت عليهم شهيدا ما دمت فيهم فلما توفيتني كنت أنت الرقيب عليهم وأنت على كل شيء شهيد)*(3) فيقال: إن هؤلاء لم يزالوا مرتدين على أعقابهم منذ فارقتهم (4). وقال (صلى الله عليه وآله وسلم): أنا فرطكم على الحوض، وليرفعن إلي رجال منكم حتى إذا أهويت إليهم لأناولهم اختلجوا دوني، فأقول: أي رب أصحابي..! فيقال: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك (5). وقال (صلى الله عليه وآله وسلم): ليردن على الحوض رجال ممن صاحبني، حتى إذا رأيتهم ورفعوا إلي اختلجوا دوني، فلأقولن: أي رب! أصحابي أصحابي! فليقالن لي: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك.
(هامش)
1. أي جردا لا شعر لهم، وفي بعضها: غرلا، وهو جمع الأغرل أي الأغلف. 2. الأنبياء (21): 104. 3. المائدة (5): 117. 4. راجع! سنن النسائي: 4 / 117، مسند أحمد: 1 / 235، 253، البخاري: 4 / 110، 142 - 143 و5 / 191 - 192، 240 و7 / 195، مسلم: 8 / 157، سنن الترمذي: 4 / 38 و5 / 4، كنز العمال: 14 / 358، البداية والنهاية: 2 / 116، الدر المنثور: 2 / 349. 5. البخاري: 8 / 87. (*)
ص 45
وفي بعض الروايات: فأقول سحقا لمن بدل بعدي (1). وقال (صلى الله عليه وآله وسلم): أنا فرطكم على الحوض، من مر علي شرب، ومن شرب لم يظمأ أبدا، وليردن علي أقوام أعرفهم ويعرفونني ثم يحال بيني وبينهم، فأقول: فإنهم مني، فيقال: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك، فأقول: سحقا سحقا لمن بدل بعدي (2). وقال (صلى الله عليه وآله وسلم): يرد علي يوم القيامة رهط من أصحابي. أو قال: من أمتي فيحلؤون (3) عن الحوض، فأقول: يا رب أصحابي! فيقول: لا علم لك بما أحدثوا بعدك، إنهم ارتدوا على أعقابهم القهقري (4). قال (صلى الله عليه وآله وسلم): بينا أنا قائم [على الحوض] إذا زمرة.. حتى إذا عرفتهم، خرج رجل من بيني وبينهم، فقال لهم: هلم، قلت: إلى أين؟! قال: إلى النار والله، فقلت: وما شأنهم؟! قال: إنهم قد ارتدوا على أدبارهم القهقري.. ثم إذا زمرة أخرى حتى إذا عرفتهم خرج رجل من بيني بينهم، فقال لهم: هلم، فقلت: إلى أين؟! قال: إلى النار والله، قلت: ما شأنهم قال: إنهم قد ارتدوا على أدبارهم.. فلا أراه يخلص منهم إلا مثل همل النعم (5). وقال (صلى الله عليه وآله وسلم): ترد علي أمتي الحوض وأنا أذود الناس كما يذود الرجل إبل الرجل عن إبله... وليصدن عني طائفة منكم فلا يصلون، فأقول: يا رب! هؤلاء من أصحابي، فيجيئني ملك فيقول: وهل تدري ما أحدثوا بعدك؟! (6).
(هامش)
1. مسلم: 7 / 70 - 71. 2. البخاري: 7 / 207 - 208 و8 / 87، مسلم: 7 / 66. 3. أي: يمنعون من وروده. 4. البخاري: 7 / 208. 5. البخاري: 7 / 208. 6. مسلم: 1 / 149 - 150. (*)
ص 46
وقال (صلى الله عليه وآله وسلم): إني على الحوض أنتظر من يرد علي منكم، ليقتطعن دوني رجالا فلأقولن: أي رب مني ومن أمتي، يقول إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك، ما زالوا يرجعون على أعقابهم (1). وقال (صلى الله عليه وآله وسلم): إني على الحوض أنظر من يرد علي منكم وسيؤخذ ناس دوني، فأقول: يا رب! مني ومن أمتي... وفي رواية: فأقول: أصحابي!.. فيقال: هل شعرت ما عملوا بعدك، والله ما برحوا يرجعون على أعقابهم (2). وقال (صلى الله عليه وآله وسلم) في حجة الوداع: لا ألفينكم ترجعون بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض (3). قال أبي بن كعب: كنا مع النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وإنما وجهنا واحد، فلما قبض نظرنا هكذا وهكذا (4). وقال أنس: ما نفضنا عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) الأيدي - إنا لفي دفنه - حتى أنكرنا
(هامش)
1. مسلم: 7 / 66. 2. البخاري: 7 / 209، مسلم: 7 / 66، وراجع أيضا: مسند أحمد: 1 / 257 و3 / 18، 39، 384 و6 / 121، مسلم: 7 / 68، البخاري: 7 / 206 - 210 و8 / 86، سنن ابن ماجه: 2 / 1440، المستدرك: 2 / 447 و4 / 74 - 75، مجمع الزوائد: 3 / 85 و10 / 364 - 365، كنز العمال: 1 / 387 و4 / 543 و11 / 132 و176 - 177 و14 / 417 - 419 و434. 3. سنن النسائي: 7 / 126 - 128، مسند أحمد: 1 / 230، 402 و2 / 85، 87، 104 و4 / 351، 358، 366 و5 / 39، 44 - 45 و49، 68، 73، سنن الدارمي: 2 / 69، البخاري: 1 / 38 و2 / 191 - 192 و5 / 126 و6 / 236 و7 / 112 و8 / 16، 36، 91، مسلم: 1 / 58 و5 / 108، سنن ابن ماجه: 13002، سنن أبي داود: 2 / 409، سنن الترمذي: 3 / 329، سنن البيهقي: 5 / 140 و6 / 92، 97 و8 / 20، المستدرك: 1 / 191. 4. ابن ماجه ونعيم بن حماد في الفتن، عنهما جامع الأحاديث: 17 / 524. (*)
ص 47
قلوبنا (1). وعن أبي وائل، عن حذيفة قال: قلت: يا أبا عبد الله! النفاق اليوم أكثر أم على عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)؟ قال: فضرب بيده على جبهته وقال: أوه! وهو اليوم ظاهر، إنهم كانوا يستخفونه على عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) (2). ثم إن الله عز وجل قال: *(وآتينا عيسى ابن مريم البينات وأيدناه بروح القدس ولو شاء الله ما اقتتل الذين من بعدهم من بعد ما جاءتهم البينات ولكن اختلفوا فمنهم من آمن ومنهم من كفر ولو شاء الله ما اقتتلوا ولكن الله يفعل ما يريد)*(3). وفي هذا ما يستدل به على أن الأصحاب قد اختلفوا من بعد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فمنهم من آمن ومنهم من كفر، لاتفاق الفريقين على أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: والذي نفسي بيده لتركبن سنن من كان قبلكم حذو النعل بالنعل، والقذة بالقذة. وقال (صلى الله عليه وآله وسلم): كل ما كان في الأمم السالفة فإنه يكون في هذه الأمة مثله، حذو النعل بالنعل، والقذة بالقذة (4).
(هامش)
1. مسند أبي يعلى الموصلي: 6 / 51. 2. البحر الزخار المعروف بمسند البزاز: 7 / 303 - 304 (ط المدينة) وراجع البخاري: 8 / 100، كنز العمال: 1 / 367. أقول: راجع أيضا ما ذكرناه من الروايات في الجواب على إنكار نسبة الهجوم إلى الصحابة في أول الفصل السادس. 3. البقرة (2): 253. 4. رواهما كثير من أهل السنة راجع مسند أحمد: 2 / 527 و4 / 125، صحيح البخاري: 4 / 144 (ط دار الفكر)، المستدرك: 1 / 37، 129 (ط دار المعرفة)، النهاية لابن الأثير: 1 / 357، كنز العمال: 1 / 211 و11 / 253، شرح نهج البلاغة: 9 / 286. وتجد الروايتين في كثير من مصادرنا، بل حكم بصحتهما في إعلام الورى: 476، كشف الغمة: 2 / 545، مختصر بصائر الدرجات: 205، تأويل الآيات: 402، الصوارم المهرقة: 195. (*)
ص 48
والعجب مما رواه ابن عساكر عن ابن عباس قال: كنت عند النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) - وعنده أبو بكر وعمر وعثمان ومعاوية - إذ أقبل علي (عليه السلام) فقال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لمعاوية: أتحب عليا؟ قال: نعم. قال: إنها ستكون بينكم هنيهة. قال معاوية: فما بعد ذلك يا رسول الله..؟! قال: عفو الله ورضوانه..! قال: رضينا بقضاء الله ورضوانه... فعند ذلك نزلت هذه الآية: *(ولو شاء الله ما اقتتلوا ولكن الله يفعل ما يريد)*(1). ولا نشك في أنهم حرفوا الرواية عن وجهها - إن كانت - إذ صرح في الآية الشريفة بكفر بعضهم، مع أن الرواية تستند الذنب في القتال إلى القضاء الإلهي! وهي تتم على مبناهم الجبري وعقيدتهم في الصحابة وتنزيههم للمنافقين والكافرين..
التنصيص على إمامة أمير المؤمنين (عليه السلام)
(2) كان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يصرح بخلافة أمير المؤمنين (عليه السلام) وإمامته - بنص من
(هامش)
1. الدر المنثور: 1 / 322. 2. يعرف كل عاقل أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) يستحيل أن يترك أمته سدى، ويهمل أمرهم بعده ولم يدبر لهم تدبيرا صحيحا يمنعهم عن الاختلاف في الدين والدنيا، فإنه لو لم يكن نبيا وكان سلطانا عاقلا لم يرض بذلك في رعيته، فكيف وهو رئيس العقلاء؟!، أفترضى أن تقول: إنه أهمل أمر الأمة حتى ينجر الأمر إلى ما وقع في السقيفة وغيرها من الاختلافات، وتشعبت فرق كثيرة يكفر بعضهم بعضا، ويحارب بعضهم بعضا، وتهراق دماء آلاف من المسلمين في طلب الخلافة.. إلى وقائع كثيرة تراها حتى اليوم؟! أكان أبو بكر أعرف بأمر الأمة حيث عرف لزوم تعيين الخليفة ولكن النبي لم يعرف؟! نعم لا سبيل إلى هذا التوهم أبدا. وأما نصه على خلافة أمير المؤمنين (عليه السلام)، وأنه الوصي، وولي كل مؤمن ومؤمنة بعده.. وغير ذلك، فوردت فيها روايات متواترة بين الشيعة وأهل السنة، ودلالتها واضحة بينة لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد. راجع الغدير، إحقاق الحق وملحقاته، عبقات الأنوار.. وغيرها. (*)
ص 49
الله تعالى - طيلة حياته ومن اليوم الذي دعا أقاربه إلى الإسلام (1)، وفي السنة العاشرة من الهجرة أمر الله رسوله (صلى الله عليه وآله وسلم) أن يحج بالناس، فحج معه جمع كثير من المسلمين في تلك السنة. فلما دخل مكة وأقام بها يوما واحدا، هبط جبرئيل (عليه السلام) بأول سورة العنكبوت، فقال: يا محمد! اقرأ: *(بسم الله الرحمن الرحيم ألم * أ حسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون * ولقد فتنا الذين من قبلهم فليعلمن الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين * أم حسب الذين يعملون السيئات أن يسبقونا ساء ما يحكمون)*(2). فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): يا جبرئيل! وما هذه الفتنة؟! فقال: يا محمد! إن الله يقرئك السلام، ويقول: إني ما أرسلت نبيا إلا أمرته عند انقضاء أجله أن يستخلف على أمته من بعده من يقوم مقامه، ويحيي لهم سنته وأحكامه، وهو يأمرك أن تنصب لأمتك من بعدك علي بن أبي طالب (عليه السلام) وتعهد إليه، فهو الخليفة القائم برعيتك وأمتك إن أطاعوا وإن عصوه.. وسيفعلون ذلك، وهي الفتنة التي تلوت الآي فيها، وإن الله عز وجل يأمرك أن تعلمه جميع ما علمك وتستحفظه جميع ما حفظك واستودعك، فإنه الأمين المؤتمن، يا محمد! إني اخترتك من عبادي نبيا واخترته لك وصيا. وكان من عزم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أن يقيم عليا (عليه السلام) وينصبه للناس بالمدينة، فنزل جبرئيل فقرأ عليه *(يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس إن الله لا يهدي القوم
(هامش)
1. كما ورد في ذيل الآية الشريفة *(وانذر عشيرتك الأقربين)*(الشعراء (26): 214) ورواه غير واحد من أهل السنة وحكموا بصحتها، راجع الغدير: 2 / 278 - 284. 2. العنكبوت (29) 1 - 4. (*)
ص 50
الكافرين)*(1). فنزل بغدير خم وصلى بالناس وأمرهم أن يجتمعوا إليه، فخطب الناس فحمد الله وأثنى عليه، ووعظ فأبلغ في الموعظة، ونعى إلى الأمة نفسه، وقال: قد دعيت ويوشك أن أجيب وقد حان مني خفوق من بين أظهركم، وإني مخلف فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا من بعدي، كتاب الله وعترتي أهل بيتي، فإنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض (2). ودعا عليا (عليه السلام) ورفع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يد علي اليسرى بيده اليمنى ورفع صوته بالولاء لعلي (عليه السلام) على الناس أجمعين، وفرض طاعته عليهم، وأمرهم أن لا يتخلفوا عليه بعده، وخبرهم أن ذلك عن أمر الله عز وجل (3). ثم نادى بأعلى صوته: ألست أولى بكم منكم بأنفسكم..؟ قالوا: اللهم بلى، فقال لهم - على النسق من غير فصل وقد أخذ بضبعي أمير المؤمنين (عليه السلام) فرفعهما حتى بان بياض إبطيهما -: فمن كنت مولاه فهذا علي مولاه، اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه، وانصر من نصره، واخذل من خذله ، ثم نزل (صلى الله عليه وآله وسلم) وكان وقت الظهيرة فصلى ركعتين، ثم زالت الشمس فأذن مؤذنه لصلاة الظهر فصلى بهم الظهر وجلس (عليه السلام) في خيمته وأمر عليا (عليه السلام) أن يجلس في خيمة له بإزائه، ثم أمر المسلمين أن يدخلوا عليه فوجا فوجا.. فيهنئوه بالمقام ويسلموا عليه بإمرة المؤمنين، ففعل الناس ذلك كلهم، ثم أمر أزواجه وسائر نساء المؤمنين معه أن يدخلن عليه ويسلمن عليه بإمرة المؤمنين، ففعلن، وكان فيمن أطنب في تهنيته بالمقام عمر بن الخطاب وأظهر له من المسرة به: وقال فيما قال:
(هامش)
1. إرشاد القلوب: 328 - 331، عنه بحار الأنوار: 28 / 95 - 98. والآية في سورة المائدة (5): 67. 2. اتفق الفريقان على نقل حديث الثقلين، راجع عبقات الأنوار، وخلاصة العبقات ج 1 و2. 3. إرشاد القلوب: 331، عنه بحار الأنوار: 28 / 98. (*)
ص 51
بخ بخ لك يا علي! أصبحت مولاي ومولى كل مؤمن ومؤمنة (1)!.
الصحيفة الملعونة
واجتمع قوم من المنافقين وتحالفوا وتعاقدوا على أن لا يطيعوا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فيما عرض عليهم من ولاية علي بن أبي طالب (عليه السلام) بعده، فلما رجعوا من الحج ودخلوا المدينة كتبوا صحيفة بينهم، وكان أول ما في الصحيفة النكث لولاية علي بن أبي طالب (عليه السلام) وأن الأمر إلى أبي بكر وعمر وأبي عبيدة وسالم معهم ليس بخارج منهم (2)، وشهد بذلك أربعة وثلاثون رجلا أصحاب العقبة وعشرون رجلا آخر، واستودعوا الصحيفة أبا عبيدة ابن الجراح وجعلوه أمينهم عليها. قال حذيفة: حدثتني أسماء بنت عميس الخثعمية امرأة أبي بكر: إن القوم اجتمعوا في منزل أبي بكر فتآمروا في ذلك، وأسماء تسمعهم وتسمع جميع ما يدبرونه في ذلك حتى اجتمع رأيهم على ذلك، فأمروا سعيد بن العاص الأموي فكتب هو الصحيفة باتفاق منهم. وأهم ما فيها: هذا ما اتفق عليه الملأ من أصحاب محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) من المهاجرين والأنصار بعد أن أجهدوا في رأيهم، وتشاوروا في أمرهم نظرا منهم
(هامش)
1. الإرشاد: 1 / 175 - 177، عنه بحار الأنوار: 21 / 386 - 388. 2. أقول: وهذا هو السر فيما قاله عمر قبل وفاته: لو كان أبو عبيدة حيا استخلفته... لو كان سالم حيا استخلفته. وفي بعض المصادر ذكر معاذ بن جبل أيضا، راجع مسند أحمد: 1 / 18، الإمامة والسياسة: 1 / 28، الطبري: 4 / 277، الكامل لابن الأثير: 3 / 65، المستدرك للحاكم: 3 / 268، تاريخ الإسلام للذهبي: 3 / 56 و172، شرح نهج البلاغة: 1 / 190 و16 / 265، كنز العمال: 5 / 738 و12 / 675 و13 / 215 - 216، العقد الفريد: 4 / 274، جامع الأحاديث: 13 / 369، 373، 379، 382، 399. (*)
ص 52
إلى الإسلام وأهله، ليقتدي بهم من يأتي بعدهم. إن الله لما أكمل دينه قبض النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) إليه من غير أن يستخلف أحدا وجعل الاختيار إلى المسلمين يختارون لأنفسهم من وثقوا برأيه ونصحه لهم، والذي يجب على المسلمين عند مضي خليفة من الخلفاء أن يجتمع ذوو الرأي والصلاح فيتشاوروا في أمورهم، فمن رأوه مستحقا للخلافة ولوه أمورهم. فإن ادعى مدع أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) استخلف رجلا بعينه نصبه للناس ونص عليه باسمه فقد أبطل في قوله وأتى بخلاف ما يعرفه أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم). ولا يكون قربى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) سبب استحقاق الخلافة والإمامة لأن الله يقول: *(إن أكرمكم عند الله أتقاكم)*(1). فمن كره ما ذكر وفارق جماعة المسلمين فاقتلوه كائنا من كان!!.. ثم دفعت الصحيفة إلى أبي عبيدة بن الجراح ليوجه بها إلى مكة (2). ثم انصرفوا.. وصلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بالناس صلاة الفجر، ثم جلس في مجلسه يذكر الله تعالى حتى طلعت الشمس، فالتفت إلى أبي عبيدة بن الجراح فقال له: بخ بخ من مثلك وقد أصبحت أمين هذه الأمة! ثم تلا: *(فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم ثم يقولون هذا من عند الله ليشتروا به ثمنا قليلا فويل لهم مما كتبت أيديهم وويل لهم مما يكسبون)*(3) لقد أشبه هؤلاء رجال في هذه الأمة *(يستخفون من الناس ولا يستخفون من الله وهو
(هامش)
1. الحجرات (49): 13. 2. فلم تزل الصحيفة في الكعبة مدفونة إلى أوان عمر بن الخطاب فاستخرجها من موضعها وهي الصحيفة التي أشار إليها أمير المؤمنين (عليه السلام) لما توفي عمر، فوقف به وهو مسجى بثوبه، فقال: ما أحب إلي أن ألقى الله بصحيفة هذا المسجى. 3. البقرة (2): 79. (*)
ص 53
معهم إذ يبيتون ما لا يرضى من القول وكان الله بما يعملون محيطا)* (1). ثم قال: لقد أصبح في هذه الأمة في يومي هذا قوم ضاهوهم في صحيفتهم التي كتبوها علينا في الجاهلية وعلقوها في الكعبة، وإن الله تعالى يمتعهم ليبتليهم ويبتلي من يأتي بعدهم تفرقة بين الخبيث والطيب، ولولا أنه سبحانه أمرني بالإعراض عنهم للأمر الذي هو بالغه لقدمتهم فضربت أعناقهم. قال حذيفة: فوالله لقد رأينا هؤلاء النفر - عند قول رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) هذه المقالة - وقد أخذتهم الرعدة فما يملك أحد منهم نفسه شيئا، ولم يخف على أحد ممن حضر مجلس رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ذلك اليوم أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إياهم عنى بقوله ولهم ضرب تلك الأمثال (2). أقول: وإلى هذا أشار أبي بن كعب في كلمته المشهورة: ألا هلك أهل العقدة والله ما آسي عليهم إنما آسي على من يضلون (3).
(هامش)
1. النساء (4): 108. 2. إرشاد القلوب: 333 - 336 عنه بحار الأنوار: 28 / 101 - 106. 3. سنن النسائي: 2 / 88، مسند أحمد: 5 / 140، المستدرك للحاكم: 2 / 226 (وأشار إليها في 3 / 305)، الطبقات لابن سعد: 3 / ق 2 / 61، حلية الأولياء: 1 / 252، شرح نهج البلاغة: 20 / 24، النهاية لابن الأثير: 3 / 270. ورواها من الإمامية: الإيضاح ص 378، المسترشد: 28 - 29، الفصول المختارة: 90 عنه بحار الأنوار: 10 / 296، الصراط المستقيم: 3 / 154 و257 عنه بحار الأنوار: 28 / 122. ثم أنك تجد في غير واحد من المصادر التصريح أو الإشارة إلى تعاهد القوم على صرف الأمر من بني هاشم إلى أنفسهم، وفي كثير منها أشير إلى الصحيفة، راجع كتاب سليم: 86 - 87، 92، 118 - 119، 164 - 165، 168، 222 - 226، تفسير العياشي: 1 / 274 - 275 و2 / 200، المسترشد: 413، الكافي: 1 / 391، 420 - 421 و4 / 545 و8 / 179 - 180، 334، 379، تفسير القمي: 1 / 142، 173، 175، 301 و2 / 289، 308، 356، 358، الاستغاثة: 171 - 172، الخصال: 171، معاني الأخبار: 412، أمالي المفيد: 112 - 113، المسائل العكبرية: 77 - 78، الفصول المختارة: 90، تقريب المعارف: 227، 367 (تبريزيان)، المناقب: 3 / 212 - 213، بشارة المصطفى (صلى الله عليه وآله وسلم): 197، الاحتجاج: 62 (في ضمن خطبة الغدير) 84 - 86، 150 - 151، شرح نهج البلاغة: 2 / 37، 60 (عن الشيعة) و20 / 298، الإقبال: 445، 458، اليقين: 355، إرشاد القلوب: 332، 336، 341، 391 - 392، الصراط المستقيم: 1 / 290 و2 / 94 - 95، 300، 3 / 118، 150، 153 - 154، مختصر البصائر: 30، المقنع للسد آبادي: 58، 115، التحصين: 537 - 538، مثالب النواصب: 92 - 96، تأويل الآيات: 139، 214، 532، 539، 554، 646، وراجع بحار الأنوار: 22 / 546 و28 / 85، الباب الثالث، 280 و30 / 12، 122، 125، 127 - 133، 162، 194، 216، 264 - 265، 271، 405 و31 / 416 - 417، 419 و53 / 75. (*)
ص 54
- اقتباس
- تعليق
تعليق
-
ويظهر من سائر الروايات أنهم تعاقدوا قبل ذلك أيضا في الكعبة في عدد يسير، وهم: عمر، وأبو بكر، وأبو عبيدة، وسالم، ومعاذ بن جبل، وعبد الرحمن بن عوف، والمغيرة بن شعبة (1).. أقول: ويدلك على تعاقد القوم وتدبيرهم في أمر الخلافة من قبل أمور: الأول: إحالة كل واحد من أبي بكر وعمر وأبي عبيدة أمر الخلافة إلى الآخر وعرض البيعة عليه، من دون مشاورة سائر الناس، فهل يكون اتفاق هؤلاء الثلاثة وبعض من عاونهم إجماع المسلمين؟! وهل كانوا وكلاء المسلمين في انتخاب الخليفة؟! هل يكون اعتبار الشورى مختصا بتشاور هؤلاء؟! الثاني: إنكار عمر وفاة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قبل مجيء أبي بكر لإغفال الناس عن أمر الخلافة، فما زال يتكلم ويتوعد المنافقين - بزعمه -، حتى أزبد شدقاه (2)!!.. وسكوته بعد مجيء أبي بكر. وفي رواية: وجلس عمر حين رأى أبا بكر مقبلا إليه (3)، بل في غير واحد
(هامش)
1. راجع الكافي: 8 / 179 - 180، 334، الصراط المستقيم: 3 / 153. 2. تاريخ الخميس: 2 / 167، جامع الأحاديث الكبير: 13 / 260. 3. كنز العمال: 7 / 245. (*)
ص 55
من المصادر أنه دعا إلى بيعة أبي بكر عقيب ذلك من دون فصل (1). الثالث: مسارعة أبي بكر إلى الكلام عقيب ذكر وفاة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، وترشيحه نفسه لأمر الخلافة، وفي رواية إنه قال: ألا وإن محمدا (صلى الله عليه وآله وسلم) قد مضى لسبيله، ولا بد لهذا الأمر من قائم يقوم به، فدبروا وانظروا وهاتوا ما عندكم رحمكم الله (2). الرابع: مواضع من كلام عمر حين حكاية قضايا السقيفة، مثل قوله: هيأت كلاما (3).. أو: وكنت قد زورت مقالة أعجبتني أردت أن أقولها.. وفي بعض الروايات: أريد أن أقدمها بين يدي أبي بكر (4).. فإنها تدل على توطئتهم مسبقا في أمر الخلافة، وتدبيرهم لها، نعم لتلبيس الأمر على الناس يقول عمر: والله ما ترك من كلمة أعجبتني في تزويري إلا قالها في بديهته. أو قولته المشهورة: كانت بيعة أبي بكر فلتة. وقد صرح عثمان - في أول مرة صعد المنبر -، بأن أبا بكر وعمر كانا يهيئان أنفسهما للخلافة، قال الجاحظ وغيره: إن عثمان صعد المنبر فارتج عليه.. فقال: إن أبا بكر وعمر كانا يعدان لهذا المقام مقالا.. سآتيكم الخطبة على وجهها!! (5).
(هامش)
1. الطبقات لابن سعد: 2 / ق 2 / 54، مسند أحمد: 6 / 220، أنساب الأشراف: 2 / 238، السيرة، لابن كثير: 4 / 480، تاريخ الإسلام، للذهبي: 1 / 564، نهاية الإرب: 18 / 387، مجمع الزوائد: 9 / 32، كنز العمال: 7 / 232، جامع الأحاديث: 13 / 16. 2. كتاب الردة، للواقدي: 31، الفتوح، لأحمد بن أعثم: 1 / 4، المواقف للإيجي، مع شرح الجرجاني: 3 / 575. 3. البخاري: 4 / 194، الطبقات: 2 / ق 2 / 55. 4. مسند أحمد: 1 / 56، البخاري: 8 / 27، السنن الكبرى، للبيهقي: 8 / 142، العقد الفريد: 4 / 258 (ط مصر)، البداية والنهاية: 5 / 266، كنز العمال: 5 / 645. 5. أنساب الأشراف: 6 / 131 (ط دار الفكر)، البيان والتبين للجاحظ: 1 / 345 (ط دار الكفر)، شرح نهج البلاغة: 13 / 13، بحار الأنوار: 31 / 245. (*)
ص 56
الخامس: إن عمر هو الذي كان يحث أبا بكر أن يصعد المنبر، فلم يزل به حتى صعد المنبر (1)، وفي رواية أنس: لقد رأيت عمر يزعج أبا بكر إلى المنبر إزعاجا (2).. ثم تراه يصعد المنبر ويتكلم قبل أبي بكر ويدعو الناس إلى مبايعته (3)، بل صرح أبو بكر بذلك حينما قال لعمر: أنت كلفتني هذا الأمر (4). السادس: تولى عمر جميع الأمور زمن خلافة أبي بكر، قال ابن عبد ربه: وكان على أمره كله وعلى القضاء عمر بن الخطاب (5). بل خالفه في غير واحد من القضايا، فلم يجترئ أبو بكر أن يدافع عن نفسه ويرد حكم عمر، فلما قيل له: أنت الخليفة أم عمر؟! أجاب: بل عمر.. ولكنه أبى!! وفي رواية: بل هو إن شاء. وفي أخرى: بل هو ولو شاء كان. وفي غيرها: الأمير عمر غير أن الطاعة لي!! أو: إنا لا نجيز إلا ما أجازه عمر (6). السابع: ولعله أهمها ما قاله عمر قبل وفاته: لو كان أبو عبيدة حيا استخلفته..! لو كان سالم حيا استخلفته..! وفي بعض المصادر ذكر معاذ بن جبل (7)!
(هامش)
1. البخاري: 8 / 126، سيرة ابن كثير: 4 / 492، البداية والنهاية: 5 / 268. 2. المغازي، للواقدي: 135، الآحاد والمثاني: 1 / 77، المصنف لعبد الرزاق: 5 / 438. 3. البداية والنهاية: 5 / 268، كنز العمال: 5 / 600 - 601. 4. جامع الأحاديث: 13 / 100. 5. العقد الفريد: 4 / 255. 6. راجع كنز العمال: 1 / 315 و3 / 914 و12 / 546، 582 - 583، جامع الأحاديث: 13 / 60، 153، وقريب منه في: 13 / 175، 273. 7. تقدمت مصادره قريبا. (*)
ص 57
جيش أسامة
ثم عقد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) الإمرة لأسامة بن زيد بن حارثة قبل وفاته، وأمره.. وندبه أن يخرج بجمهور الأمة إلى حيث أصيب أبوه من بلاد الروم، واجتمع رأيه على إخراج جماعة من مقدمي المهاجرين والأنصار في معسكره حتى لا يبقى في المدينة عند وفاته من يختلف في الرئاسة، ويطمع في التقدم على الناس بالإمارة، ويستتب الأمر لمن استخلفه من بعده ولا ينازعه في حقه منازع (1). فجمع أولئك النفر - أي أصحاب الصحيفة - ومن مالأهم على علي (عليه السلام) وطابقهم على عداوته، ومن كان من الطلقاء والمنافقين - وكانوا زهاء أربعة آلاف رجل - فجعلهم تحت يدي أسامة بن زيد مولاه وأمره عليهم (2)، وقد نص على أن فيهم أبي بكر وعمر بن الخطاب وأبي عبيدة بن الجراح، وسعد بن أبي وقاص، و.. (3).
(هامش)
1. الإرشاد: 1 / 180 - 181، عنه بحار الأنوار: 22 / 466. 2. إرشاد القلوب: 337 عنه بحار الأنوار: 28 / 107. راجع أيضا كلام أمير المؤمنين (عليه السلام) في الخصال: 371، عنه بحار الأنوار: 28 / 206. 3. شرح نهج البلاغة: 1 / 159 - 160 و6 / 52، 9 / 196 - 197، 12 / 83، 17 / 183 (عن كثير من المحدثين)، البداية والنهاية: 6 / 335، الطبقات لابن سعد: 2 / ق 1 / 136 و2 / ق 2 / 41 و4 / ق 1 / 46 - 47، تهذيب الكمال: 2 / 340، الكامل لابن الأثير: 2 / 317، تاريخ الخميس: 2 / 154، وفيات الأعيان: 8 / 374، جامع الأحاديث: 13 / 211، فتح الباري: 8 / 115 (أواخر كتاب المغازي)، تاريخ اليعقوبي: 2 / 76 - 77 و113، السيرة الحلبية: 3 / 207 (بيروت )، عيون الأثر: 2 / 352، نهاية الإرب: 17 / 370 و19 / 46، تاريخ مدينة دمشق: 8 / 46، (ترجمة أسامة) تاريخ الإسلام للذهبي (المغازي) 714، أنساب الأشراف: 2 / 115. ومن طرف الأخبار ما ذكره اليعقوبي في المقام من أن أبا بكر بعد أن استولى على الخلافة، وأراد تنفيذ جيش أسامة، سأل أسامة أن يترك له عمر يستعين به على أمره، فقال: ما تقول في نفسك؟!! فقال: يا بن أخي فعل الناس ما ترى، فدع لي عمر وأنفذ لوجهك، تاريخ اليعقوبي: 2 / 127. (*)
ص 58
وجد (صلى الله عليه وآله وسلم) في إخراجهم، [بل] وأمر أسامة بالبروز عن المدينة بمعسكره إلى الجرف، وحث الناس على الخروج إليه والمسير معه، وحذرهم من التلوم والإبطاء عنه.. فبينا هو في ذلك إذ عرضت له الشكاة التي توفي فيها، فلما أحس بالمرض الذي عراه أخذ بيد علي بن أبي طالب (عليه السلام) واتبعه جماعة من الناس وتوجه إلى البقيع فقال: السلام عليكم أهل القبور.. ليهنئكم ما أصبحتم فيه مما فيه الناس.. أقبلت الفتن كقطع الليل المظلم، يتبع آخرها أولها..! ثم استغفر لأهل البقيع طويلا (1). أقول: لنا أن نتسأل من أعلام أهل السنة الذين دونوا هذه الرواية في كتبهم، ما هذه الفتن التي أقبلت.. يتبع آخرها أولها؟! أليست إشارة إلى ما صنعه أصحاب السقيفة؟ بلى وكانوا هم السبب لوقوع جميع الفتن التي أحدثت بعد وفاة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى يومنا هذا وبعد هذا اليوم.. يتبع آخرها أولها. * * * ثم أنه قد خلا أبو بكر وعمرو أبو عبيدة بأسامة وجماعة من أصحابه - وكانوا في الطريق - فقالوا: إلى أين ننطلق ونخلي المدينة، ونحن أحوج ما كنا إليها وإلى المقام بها؟! فقال لهم أسامة: وما ذلك؟ قالوا: إن رسول الله قد نزل به الموت، والله لئن خلينا المدينة لتحدثن بها أمور لا يمكن إصلاحها، ننظر ما يكون من أمر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ثم المسير بين أيدينا!، فرجع القوم إلى المعسكر
(هامش)
1. الإرشاد: 1 / 181، عنه بحار الأنوار: 22 / 467 - 468. راجع أيضا: سنن الدارمي: 1 / 36 - 37، الطبري: 3 / 188، مسند أحمد: 3 / 488 - 489، شرح نهج البلاغة: 10 / 183، البداية والنهاية: 5 / 243 - 244، الكامل لابن الأثير: 2 / 318، الطبقات: 2 / ق 2 / 10، البدء والتاريخ: 5 / 56، أنساب الأشراف: 2 / 214، تاريخ الإسلام للذهبي: 1 / 545، نهاية الإرب: 18 / 362، المنتظم: 4 / 14 - 15، تاريخ الخميس: 2 / 161، مجمع الزوائد: 9 / 24، كنز العمال: 12 / 262. (*)
ص 59
الأول، وأقاموا به وبعثوا رسولا يتعرف لهم أمر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، فأتى الرسول إلى عائشة فسألها عن ذلك سرا، فقالت: امض إلى أبي وعمر ومن معهما وقل لهما: إن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قد ثقل فلا يبرحن أحد منكم، وأنا أعلمكم بالخبر وقتا بعد وقت.. واشتدت علة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فدعت عائشة صهيبا فقالت: امض إلى أبي بكر وأعلمه أن محمدا في حال لا يرجى.. فهلم إلينا أنت وعمر وأبو عبيدة ومن رأيتم أن يدخل معكم، وليكن دخولكم في الليل سرا، فدخل أبو بكر وعمر وأبو عبيدة ليلا المدينة ورسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قد ثقل، فأفاق بعض الإفاقة فقال (صلى الله عليه وآله وسلم): لقد طرق ليلتنا هذه، المدينة شر عظيم ، فقيل له: وما هو يا رسول الله؟ فقال: إن الذين كانوا في جيش أسامة قد رجع منهم نفر يخالفون عن أمري، ألا إني إلى الله منهم برئ.. ويحكم! نفذوا جيش أسامة.. فلم يزل يقول ذلك حتى قالها مرات كثيرة. فلما أصبح رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) من ليلته أذن بلال ثم أتاه يخبره كعادته فوجده قد ثقل، ومنع من الدخول إليه، فأمرت عائشة صهيبا أن يمضي إلى أبيها فيعلمه أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قد ثقل في مرضه وليس يطيق النهوض إلى المسجد وعلي بن أبي طالب (عليه السلام) قد شغل به وبمشاهدته عن الصلاة بالناس، فاخرج أنت إلى المسجد فصل بالناس، فإنها حالة تهنئك وحجة لك بعد اليوم. فلم يشعر الناس - وهم في المسجد ينتظرون رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أو عليا (عليه السلام) يصلي بهم كعادته التي عرفوها في مرضه - إذ دخل أبو بكر المسجد وقال: إن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قد ثقل وقد أمرني أن أصلي بالناس..! فقال له رجل من أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): وأنى ذلك! وأنت في جيش أسامة، ولا والله لا أعلم أحدا بعث إليك ولا أمرك بالصلاة..! ثم نادى الناس بلال فقال: على رسلكم - رحمكم الله - لأستأذن
ص 60
رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في ذلك، ثم أسرع حتى أتى الباب فدقه دقا شديدا فسمعه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال: ما هذا الدق العنيف؟!، فانظروا ما هو؟ ، قال فخرج الفضل بن العباس ففتح الباب فإذا بلال، قال ما وراءك يا بلال؟ فقال: إن أبا بكر قد دخل المسجد وقد تقدم حتى وقف في مقام رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، وزعم أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أمره بذلك، فقال: أو ليس أبو بكر مع جيش أسامة، هذا هو والله الشر العظيم الذي طرق البارحة المدينة، لقد أخبرنا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بذلك، ودخل الفضل وأدخل بلالا معه، فقال (صلى الله عليه وآله وسلم): ما وراءك يا بلال.. فأخبر رسول الله الخبر، فقال: أقيموني.. أقيموني.. أخرجوا بي إلى المسجد، والذي نفسي بيده قد نزلت بالإسلام نازلة وفتنة عظيمة من الفتن. ثم خرج معصوب الرأس يتهادى بين علي والفضل بن العباس، ورجلاه تجران في الأرض حتى دخل المسجد - وأبو بكر قائم في مقام رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وقد أطاف به عمر وأبو عبيدة وسالم وصهيب والنفر الذين دخلوا - وأكثر الناس قد وقفوا عن الصلاة ينتظرون ما يأتي بلال، فلما رأى الناس رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قد دخل المسجد - وهو بتلك الحالة العظيمة من المرض - أعظموا ذلك، وتقدم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فجذب أبا بكر من ورائه فنحاه عن المحراب، وأقبل أبو بكر والنفر الذين كانوا معه فتواروا خلف رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، وأقبل الناس فصلوا خلف رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وهو جالس (1)، فكبر وابتدأ الصلاة التي كان ابتدأها أبو بكر،
(هامش)
1. إلى هنا جاء في إرشاد القلوب: 338 - 340، عنه بحار الأنوار: 28 / 108 - 110. أقول: صرح اللمعاني المعتزلي: أن أمير المؤمنين (عليه السلام) نسب إلى عائشة بأنها أرسلت إلى أبيها ليصلي بالناس، والنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لم يعين للصلاة أحدا، بل قال: ليصل بهم أحدهم. وقال اللمعاني أيضا: إنها أرسلت إلى أبيها وأعلمته بأن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يموت عن قريب، فرجع أبو بكر عن جيش أسامة. راجع شرح نهج البلاغة: 9 / 196 - 199. نعم طائفة من أهل السنة يريدون إخفاء الواقع فتارة يقولون: أقبل رسول أم أيمن فأخبر أسامة بموت النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، كما في عيون الأثر: 2 / 353، وأخرى يقولون: أرسلت إليهم زوجة أسامة كما في تاريخ الإسلام للذهبي: 3 / 19. أقول: ويؤيد كلامه في عدم تعيين الإمام للصلاة ما ذكره المقدسي (المتوفى 355) في البدء والتاريخ: 5 / 57، فإنه قال: وإذا وجد ثقلا قال (صلى الله عليه وآله وسلم): مروا الناس فليصلوا. وكذا ابن كثير في السيرة النبوية: 4 / 459، والزهري في المغازي: 131. (*)
ص 61
ولم يبن على ما مضى من فعاله، فلما سلم انصرف إلى منزله، واستدعى أبا بكر وعمر وجماعة من حضر المسجد من المسلمين ثم قال: ألم آمر أن تنفذوا جيش أسامة؟! فقالوا: بلى يا رسول الله، قال: فلم تأخرتم عن أمري؟! قال أبو بكر: إني كنت قد خرجت ثم رجعت لأجدد بك عهدا، وقال عمر: يا رسول الله! إني لم أخرج لأنني لم أحب أن أسأل عنك الركب، فقال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): نفذوا جيش أسامة.. نفذوا جيش أسامة.. يكررها ثلاث مرات، ثم أغمي عليه من التعب الذي لحقه والأسف، فمكث هنيئة مغمى عليه، وبكى المسلمون وارتفع النحيب من أزواجه وولده ونساء المسلمين وجميع من حضر من المسلمين (1).
رزية يوم الخميس
وعندما أفاق رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) نظر إلى من كان حوله ثم قال: ائتوني بدواة وكتف لأكتب لكم كتابا لا تضلوا بعده أبدا ، ثم أغمي عليه، فقال عمر: إنه
(هامش)
1. الإرشاد: 1 / 183 - 184 عنه بحار الأنوار: 22 / 468. أقول: ذكر الطبري والمقدسي وغيرهما أنه (صلى الله عليه وآله وسلم) قال عقيب تلك الصلاة: أقبلت الفتن كقطع الليل المظلم يتبع آخرها أولها.. راجع تاريخ الطبري: 3 / 198، البدء والتاريخ: 5 / 61، وأشار إليه النويري بقوله عقيب ذكر الصلاة: فحذر (أي النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)) الناس من الفتن، نهاية الإرب: 18 / 368. وقال العصامي المكي: فكلمهم رافعا صوته حتى خرج صوته من باب المسجد يقول: أيها الناس! سعرت النار..، وأقبلت الفتن كالليل المظلم... سمط النجوم العوالي: 2 / 241. (*)
ص 62
يهجر!! (1) لا تأتوه بشيء فإنه قد غلبه الوجع وعندكم القرآن، حسبنا كتاب الله..! فاختلف أهل البيت واختصموا، فمنهم من يقول: قربوا يكتب لكم رسول الله.. ومنهم من يقول ما قال عمر.. فلما كثر اللغط والاختلاف قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): قوموا عني (2). قال بعضهم: ألا نأتيك بدواة وكتف يا رسول الله؟ فقال: أ بعد الذي قلتم..؟! لا، ولكني أوصيكم بأهل بيتي خيرا ، وأعرض بوجهه عن القوم فنهضوا، وبقي عنده العباس والفضل بن العباس وعلي بن أبي طالب وأهل بيته خاصة، فقال له العباس: يا رسول الله! إن يكن هذا الأمر فينا مستقرا من بعدك فبشرنا، وإن كنت تعلم إنه نغلب عليه فأوص بنا، فقال (صلى الله عليه وآله وسلم): أنتم المستضعفون من بعدي (3). فكان ابن عباس يقول: إن الرزية كل الرزية ما حال بين رسول الله وبين أن يكتب لهم ذلك الكتاب من اختلافهم ولغطهم (4). أقول: الكلام حول هذه الرزية طويل الذيل (5) ولكن لا يسعنا ترك أمور:
(هامش)
1. الإرشاد: 1 / 183 - 184 عنه بحار الأنوار: 22 / 468. 2. مسند أحمد: 1 / 293، 324 - 336، صحيح البخاري: 4 / 31 و5 / 137 و7 / 9 و8 / 161، صحيح مسلم: 5 / 76، الطبري: 3 / 192 - 193، المستدرك: 3 / 477، شرح نهج البلاغة: 2 / 54 - 55 و6 / 51 و12 / 87، البداية والنهاية: 5 / 247 - 248، مجمع الزوائد: 9 / 33 - 34، كنز العمال: 5 / 644 و7 / 243 الملل والنحل للشهرستاني: 1 / 22، الكامل لابن الأثير: 2 / 320، الطبقات لابن سعد: 2 / ق 2 / 36 - 38، البدء والتاريخ: 5 / 59، السيرة النبوية لابن كثير: 4 / 450 - 451، نهاية الإرب: 18 / 373 - 375، أنساب الأشراف: 2 / 236، تاريخ الإسلام للذهبي: 1 / 551 - 552. بحار الأنوار: 30 / 529 - 536، (عنهم بأسانيد عديدة). 3. الإرشاد: 1 / 184 - 185، عنه بحار الأنوار: 22 / 468. 4. مسند أحمد: 1 / 325، 336، البخاري: 5 / 137 و7 / 9، صحيح مسلم: 5 / 76. 5. راجع بحار الأنوار: 30 / 529 والكتب الكلامية. (*)
- اقتباس
- تعليق
تعليق
-
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا ونبينا محمد وآله الطاهرين، لا سيما ابن عمه وصهره وسيد أوصيائه وخليفته - بلا فصل - من بعده أمير المؤمنين ويعسوب الدين وإمام المتقين وأول المظلومين وكذا ابنته سيدة نساء العالمين من الأولين والآخرين، السيدة الجليلة، ذات الأحزان الكثيرة في المدة القليلة، المظلومة المغصوبة، المضطهدة المقهورة، الصديقة الشهيدة، الإنسية الحوراء، فاطمة الزهراء (عليها السلام). واللعن الدائم على أعدائهم ومخالفيهم ومعانديهم وظالميهم وغاصبي حقوقهم ومنكري فضائلهم ومناقبهم ومدعي شؤونهم ومراتبهم، من الأولين والآخرين أجمعين، إلى يوم الدين. لا ريب أن لبعض الحوادث التاريخية موقعية خاصة في المعارف الدينية بحيث يستند إليها في المباحث الكلامية، فلا يكون الفحص فيها والتحقيق حولها من شؤون أهل السيرة خاصة، بل المتكلمون والمحدثون وغيرهم يبحثون عن مدى صحتها وكيفية وقوعها.. لأهميتها عندهم، ومن هذه الوقائع ما وقع بعد وفاة النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم)، وكيفية البيعة لأبي بكر وموقف أهل البيت (عليهم السلام) مع تلك البيعة وكذا سائر المسلمين.. ويلزمنا أن نذكر قبل الشروع، أنا لا نرضى بالتفرقة بين المسلمين ونبرأ إلى الله ممن يوقع بينهم العدواة والشحناء.. ولكن هل يوجب هذا أن نسد باب
ص 10
التحقيق؟! وهل يكون مثل هذا مبررا للمنع عن البحث المنطقي بإيراد الآيات وما اتفق الفريقان على نقلها وقبولها من الآثار والروايات؟! الحق أن السكوت أمام هذه الحوادث والحمل على الصحة في جميع ما صدر من الصحابة يمنعنا من الوصول إلى الحقائق، بل يوقعنا في الخطأ في فهم المعارف الدينية، فيجب علينا طرح العصبية والأهواء وملاحظة الأدلة المقبولة عند الجميع.. ثم القضاء بالإنصاف. قال الله تبارك وتعالى: *(الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه أولئك الذين هداهم الله وأولئك هم أولوا الألباب)*(1).
مظلومية أهل البيت (عليهم السلام)
ثم إني رأيت كثيرا ما عند مراجعتي للكتب الاعتقادية والكلامية - فضلا عن التاريخية والحديثية - ذكر وقعة الهجوم على بيت فاطمة (عليها السلام) عند امتناع أمير المؤمنين (عليه السلام) عن البيعة لأبي بكر، كما وقد احتج بها، ووجدت جملة من أعلام أهل السنة يصرون على إنكارها ورد الروايات الواردة فيها وتضعيفها وإن كانت في الكتب المعتبرة عندهم وجاءت عن ثقاتهم، فانكشف لي أهمية هذا الموضوع وأنه لم يكن مجرد قضية تاريخية فحسب، كيف ولها آثار مهمة في عقائدنا وفي مبحث الإمامة الكبرى، إذ بها يثبت عدم بيعة أمير المؤمنين (عليه السلام) لأبي بكر اختيارا، وإنما بايع إجبارا بعد أن وصل الحال إلى أن أحرقوا باب الدار وأرادوا إحراق البيت على أهله.. وجروه إلى المسجد.. وفعل ما فعل بحليلته.. وفقد ناصره وجنده و.. وهذا الذي يؤكد عليه أمير المؤمنين (عليه السلام) في خطبه، كما
(هامش)
1. الزمر (39): 18. (*)
ص 11
يأتي قوله (عليه السلام): ما زلت مظلوما منذ قبض رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم). قال ابن أبي الحديد - بعد ذكر شكوى أمير المؤمنين (عليه السلام) بقوله: ما زلت مظلوما.. و صبرت وفي الحلق شجى وفي العين قذى.. ، الله إني أستعديك على قريش.. ، لقد ظلمت عدد الحجر والمدر.. : وكان المرتضى - يريد السيد المرتضى صاحب الشافي - إذا ظفر بكلمة من هذه فكأنما ظفر بملك الدنيا، ويودعها في كتبه وتصانيفه (1). ومن تصفح كتب العامة يجد أن طائفة منهم يحكون بيعة أمير المؤمنين (عليه السلام) لأبي بكر بنحو من التدليس والتحريف ويوقعون القارئين الغافلين عن الحقائق في الاشتباه فيتوهمون: أن أمير المؤمنين (عليه السلام) وإن كان لا يرى أبا بكر أهلا للخلافة ولكنه رضي ببيعة الناس له. ولم ينافس خيرا ساقه الله إلى أبي بكر!! والمبايعة له وقعت في حال الاختيار!! بل نادى أبو بكر واستقال الناس بيعتهم.. ولكن أمير المؤمنين (عليه السلام) وبقية المسلمين أبوا عن الإقالة!! نعم، هذه وأمثالها - وما أكثرها - أكاذيب اختلقها أقوام ونقلها آخرون من دون تدبر وتفهم، تشبثوا بها.. لكنهم غافلون: *(يريدون ليطفؤا نور الله بأفواههم والله متم نوره ولو كره الكافرون)*(2). فإذا أثبتنا بالدليل القطعي مظلوميتهم.. وأنه (عليه السلام) لم يبايع أبا بكر بالطوع
(هامش)
1. شرح نهج البلاغة: 10 / 286. 2. الصف (61): 8. (*)
ص 12
والاختيار، لا يبقى مجال لهذه الخزعبلات والتسويلات. ومن هنا ترى القوم قد غضبوا على فاطمة (عليها السلام) - التي يغضب الله لغضبها ويرضى لرضاها (1) -، إذ هي التي كشفت للناس عن الحقائق المخفية، وأظهرت بواطن الأمور: بدفاعها عن الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) قبل إخراجه وعند إخراجه من البيت.. وبحضورها في المسجد واعتراضها على أبي بكر.. وببكائها ليلا ونهارا..! وبإيرادها الخطبة الفدكية الرائعة، ليعرف الناس الحق والباطل.. وبإيصائها بدفنها ليلا.. ولعله من أهم ما صنعته بالهيئة الحاكمة وصيتها الخطيرة التي تعد - بحق - من أهم ما أبقاه لنا التاريخ سندا ومسندا لبيان فداحة المصاب.. وكانت سببا لكل ما أكنه القوم من حقد وضغينة في صدورهم مما لا يعلمه إلا الله.. وإلا فلماذا لم يصل عليها أبو بكر وعمر؟! وكذا سائر الناس الذين خذلوها وخذلوا بعلها وقعدوا عن نصرة عترة نبيهم (صلى الله عليه وآله وسلم)؟! ليست العلة في ذلك إلا أن فاطمة (عليها السلام) كانت ساخطة عليهم، وقبرها المخفيّ أظهر دليل على مظلومية أمير المؤمنين (عليه السلام) واغتصاب حقّه. فإثبات مظلموميتهم، يوجب تمييز الحق من الباطل. ولماذا أخفي قبرها إلى يومك هذا؟! ولم تأخرت بيعة علي (عليه السلام) للقوم ستة أشهر؟! ولم..؟! * * *
(هامش)
1. راجع البداية والنهاية: 5 / 307 لتعرف جهالة ابن كثير وتحكمه وتجاهله لمقام السيدة فاطمة الزهراء (عليها السلام) في هذه القضية. (*)
ص 13
سبب التأليف ومنهجه
ثم إني رأيت أن أولف كتابا يشتمل على مصادر وصمة الهجوم من كتب الفريقين بحيث يكون كافيا لمن أراد الوقوف على الحق والصواب، وهاديا لمن اجتنب الاعتساف، مع اعترافي بالعجز والقصور وعدم إحصاء لكل ما هو المقصود. ثم رأيت إخبار النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بما يجري على أهل بيته (عليهم السلام) في روايات كثيرة فقدمته في الفصل الأول، وحيث كان بعض ما وقع قبل وفاته (صلى الله عليه وآله وسلم) مرتبطا بما نحن فيه لذا أوردته في الفصل الثاني، ورأيت أن أسرد الوقائع بحسب وقوعها تاريخيا في الفصل الثالث، ثم ذكرت مصادرها أي ما وقفت عليه من الروايات والأقوال والأشعار من منابعها الأولية بحسب وفيات المؤلفين وذلك في الفصل الرابع، وبعد كل رواية نذكر من رواها عن المؤلف السابق أو عن غيره. وإن كانت للمؤلف المذكور في العنوان رواية من الروايات التي سبق بيانها فنشير إلى رقمها. وأتبعته بما وصل لي من شكوى أمير المؤمنين (عليه السلام) والسيدة فاطمة الزهراء (عليها السلام) وإيصائها بالدفن ليلا في الفصل الخامس. ثم ذكرت بعض ما أورد من الشبهات في وقوع تلك القضايا وأجبت عنها مجملا في الفصل السادس.
تنبيهات
الأولى: كان مسعاي أن تكون أصول المطالب المنقولة مما اتفقت عليه كتب الفريقين، وإن كانت بعض الجزئيات مختصة بأحدهما، إلا أن ما نستدل به موجود في كتب القوم غالبا، نعم إنهم فتحوا لأنفسهم باب التأويلات، ويجيبون عما يستدل الشيعة به بما يتفردون بنقله، وهذا كما ترى لا يفيد شيئا. الثانية: إن المقصود الأولى في هذا الكتاب ذكر نصوص الروايات وكلمات
ص 14
القدماء والاحتجاج بها، وذكرنا لبعض المتأخرين إنما كان استطرادا، سيما إذا روى رواية لم نجدها في كتب القدماء، أو أشار إلى إجماع أو شهرة. وذكرنا بعض المتأخرين من أهل السنة ليعلم مدى اعتبار الروايات وقيمتها عند متأخريهم. الثالثة: إذا راجعت البحار طبع بيروت، فهو ينقص عما طبع في إيران من مجلد 57 إلى آخره ثلاث مجلدات، فمجلد 54 طبع بيروت يوافق 57 طبع إيران. الرابعة: لم نقتصر في رمز (خ) على بيان اختلاف النسخ - كما هو المتعارف - بل علمناه لما إذا كان منشأه اختلاف ألفاظ الروايات باختلاف مصادره، أو لتعدد نسخ البدل بسبب تعدد الطبعات لكتاب واحد. الخامسة: نذكر عقيب الأسماء المقدسة ما يناسبها من التحيات والصلوات، سواء أكانت في المصدر المنقول عنه أم لا. والمرجو لمن راجع هذا الكتاب أن ينظر إليه بعين الأنصاف ويحذر عن الاعتساف، إذ نحن لا نريد إلا بيان الواقع والحق، والله من وراء القصد.
ص 15
الفصل الأول
الوحي يحذر.. ويخبر
ص 17
إيصاء النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بأهل بيته (عليهم السلام)
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): أذكركم الله في أهل بيتي (1). وقال (صلى الله عليه وآله وسلم): أيها الناس! لا تأتوني غدا بالدنيا تزفونها زفا ويأتي أهل بيتي شعثا غبرا مقهورين مظلومين تسيل دماؤهم... أيها الناس! الله.. الله في أهل بيتي (2). وقال (صلى الله عليه وآله وسلم): استوصوا بأهل بيتي خيرا فإني أخاصمكم عنهم غدا.. ومن أكن خصمه أخصمه ومن أخصمه دخل النار (3). وقال (صلى الله عليه وآله وسلم): احفظوني في عترتي وذريتي، فمن حفظني فيهم حفظه الله، ألا لعنة الله على من آذاني فيهم.. - ثلاثا - (4).
(هامش)
1. سنن الدارمي: 2 / 432. 2. خصائص الأئمة (عليهم السلام): 74 - 75. 3. ذخائر العقبى: 18. 4. كشف الغمة: 1 / 416. (*)
ص 18
شكوى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): سيلقى أهل بيتي من بعدي تطريدا وتشريدا (1). وقال (صلى الله عليه وآله وسلم): إلى الله أشكوا المنكرين لفضلهم والمضيعين لحرمتهم بعدي، كفى بالله وليا وناصرا لعترتي وأئمة أمتي ومنتقما من الجاحدين لحقهم *(وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون)*(2).
عقاب من آذى أهل البيت (عليهم السلام)
(3) قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): الويل لظالمي أهل بيتي، عذابهم مع المنافقين في الدرك الأسفل من النار (4). وقال (صلى الله عليه وآله وسلم): إن الله حرم الجنة على من ظلم أهل بيتي أو قاتلهم أو أغار عليهم أو سبهم (5). وقال (صلى الله عليه وآله وسلم): سته لعنتهم، لعنهم الله وكل نبي مجاب... والمستحل من عترتي ما حرم الله.. (6). وقال (صلى الله عليه وآله وسلم): اشتد غضب الله على من آذاني في عترتي (7). وقال (صلى الله عليه وآله وسلم): من آذاني في أهلي فقد آذى الله (8). وقال (صلى الله عليه وآله وسلم): اشتد غضب الله على من أراق دمي وآذاني في عترتي (9).
(هامش)
1. المستدرك للحاكم: 4 / 466، 487. 2. كمال الدين: 261. والآية في سورة الشعراء (26): 227. 3. أقول: عقد السمهودي (المتوفى 911) في كتاب جواهر العقدين: 341 فصلا في التحذير عن بغض أهل البيت (عليهم السلام) وعداوتهم ولعن من ظلمهم. 4. المناقب لابن المغازلي: 66، 403، ح 94. 5. ذخائر العقبى: 20. 6. المستدرك للحاكم: 1 / 36. 7. كنز العمال: 12 / 93. 8. المصدر: 12 / 103. 9. المصدر: 1 / 267 و10 / 435. (*)
ص 19
الضغائن المختفية
روى يونس بن حباب، عن أنس بن مالك قال: كنا مع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وعلي بن أبي طالب (عليه السلام) معنا، فمررنا بحديقة، فقال علي (عليه السلام): يا رسول الله! ألا ترى ما أحسن هذه الحديقة؟ فقال: إن حديقتك في الجنة أحسن منها.. حتى مررنا بسبع حدائق، يقول علي (عليه السلام) ما قال ويجيبه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بما أجابه، ثم إن رسول الله وقف فوقفنا، فوضع رأسه على رأس علي وبكي، فقال علي (عليه السلام): ما يبكيك يا رسول الله؟! قال: ضغائن في صدور قوم لا يبدونها لك حتى يفقدوني. وزاد سليم: أحقاد بدر وتراث أحد... وأنت مني بمنزلة هارون من موسى، ولك بهارون أسوة حسنة إذ استضعفه قومه وكادوا يقتلونه، فاصبر لظلم قريش إياك وتظاهرهم عليك، فإنك بمنزلة هارون من موسى ومن تبعه، وهم بمنزلة العجل ومن تبعه، وإن موسى أمر هارون حين استخلفه عليهم إن ضلوا فوجد أعوانا أن يجاهدهم بهم، وإن لم يجد أعوانا أن يكف يده ويحقن دمه ولا يفرق بينهم (1).
السهر الطويل
وروى أبو جعفر الإسكافي: إن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) دخل على فاطمة (عليها السلام)، فوجد عليا نائما، فذهبت تنبهه، فقال: دعيه! فرب سهر له بعدي طويل ورب جفوة
(هامش)
1. شرح نهج البلاغة: 4 / 107، كتاب سليم: 73 - 72. وراجع الرياض النضرة: 651، المناقب للخوارزمي: 65، مجمع الزوائد: 9 / 118، كنز العمال: 13 / 176، ينابيع المودة: 1 / 134، ورواه عن جمع من أهل السنة في إحقاق الحق: 6 / 181 - 186 وكشف اليقين: 451 - 450 والغدير 7 / 173. (*)
ص 20
لأهل بيتي من أجله شديدة.. فبكت، فقال: لا تبكي! فإنكما معي وفي موقف الكرامة عندي (1).
علي (عليه السلام) يتمنى الموت
عن أبي سعيد الخدري قال: ذكر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يوما لعلي (عليه السلام) ما يلقى بعده من العنت فأطال، فقال له (عليه السلام): أنشدك الله والرحم - يا رسول الله! - لما دعوت الله أن يقبضني إليه قبلك..! قال كيف أسأله في أجل مؤجل؟! (2).
الظلم والتعب بعد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)
قال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لعلي (عليه السلام): أما إنك ستلقى بعدي جهدا ، قال (عليه السلام): في سلامة من ديني ؟ قال: في سلامة من دينك (3). وعنه (صلى الله عليه وآله وسلم): يا علي! أبشر بالسعادة، فإنك مظلوم بعدي، ومقتول (4). وقال (صلى الله عليه وآله وسلم): أنت وصيي من بعدي، وأنت المظلوم المضطهد بعدي (5). وفي حديث مولانا علي بن الحسين السجاد (عليه السلام) عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): قال لي جبرائيل: يا محمد! إن أخاك مضطهد بعدك مغلوب على أمتك، متعوب من أعدائك.. (6).
(هامش)
1. شرح نهج البلاغة: 4 / 107. 2. شرح نهج البلاغة: 4 / 108. 3. المستدرك للحاكم: 3 / 140، كنز العمال: 11 / 617. 4. أمالي الصدوق: 368، عنه بحار الأنوار: 38 / 103. 5. كنز الفوائد: 2 / 56، عنه بحار الأنوار: 27 / 230. 6. كامل الزيارات: 263، عنه بحار الأنوار: 28 / 58. (*)
ص 21
وعن مولانا الصادق (عليه السلام) عن آبائه (عليهم السلام) قال: قال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لفاطمة (عليها السلام): إن زوجك يلاقي بعدي.. كذا ويلاقي بعدي.. كذا.. فخبرها بما يلقى بعده، فقالت: يا رسول الله! ألا تدعوا الله أن يصرف ذلك عنه؟ فقال: قد سألت الله ذلك له فقال: إنه مبتلى ومبتلى به (1).
علي (عليه السلام) يُملأ غيظ
روى سدير الصيرفي عن أبي جعفر محمد بن علي (عليه السلام) قال: اشتكى علي (عليه السلام) شكاة، فعاده أبو بكر وعمر وخرجا من عنده فأتيا النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، فسألهما: من أين جئتما؟ قال (2): عدنا عليا، قال: كيف رأيتماه؟ قالا: رأيناه يخاف عليه مما به، فقال: كلا إنه لن يموت حتى يوسع غدرا وبغيا، وليكونن في هذه الأمة عبرة يعتبر به الناس من بعده (3). وفي رواية: إنه عاد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) عليا (عليه السلام)، فقال عمر: يا رسول الله! ما علي إلا لما به، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): لا والذي نفسي بيده - يا عمر - لا يموت حتى يملأ غيظا ويوسع غدرا ويوجد من بعدي صابرا (4). ورووا عن القاسم بن جندب عن أنس بن مالك قال: مرض علي (عليه السلام) فثقل، فجلست عند رأسه فدخل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ومعه الناس فامتلأ البيت، فقمت من مجلسي، فجلس فيه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، فغمز أبو بكر عمر فقام فقال: يا رسول الله إنك كنت عهدت إلينا في هذا عهدا وإنا لا نراه إلا لما به، فإن كان شيء
(هامش)
1. تأويل الآيات: 645، عنه بحار الأنوار: 24 / 230 و36 / 164. 2. كذا، والظاهر: قالا. 3. شرح نهج البلاغة: 4 / 106. 4. المناقب: 3 / 216. (*)
ص 22
فإلى من؟ فسكت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فلم يجبه، فغمزه الثانية فكذلك، ثم الثالثة. فرفع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) رأسه ثم قال: إن هذا لا يموت من وجعه هذا ولا يموت حتى تملياه غيظا وتوسعاه غدرا وتجداه صابرا (1). وفي رواية سليم: ثم تجداه صابرا قواما، ولا يموت حتى يلقى منكما هنات وهنات، ولا يموت إلا شهيدا مقتولا (2).
غدر الأمة بأمير المؤمنين (عليه السلام)
قيل لأمير المؤمنين (عليه السلام) في علة جلوسه عنهم قال (عليه السلام): إني ذكرت قول النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): إن القوم نقضوا أمرك واستبدوا بها دونك وعصوني فيك، فعليك بالصبر حتى ينزل الأمر، فإنهم سيغدرون بك وأنت تعيش على ملتي وتقتل على سنتي.. (3). وعنه (صلى الله عليه وآله وسلم): يا بن اليمان! إن قريشا لاح (4) صدورها ولا ترضى قلوبها ولا تجرى ألسنتها ببيعة علي وموالاته إلا على الكره والعي والطغيان (5). وعنه (عليه السلام): قال لي رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): عليك بالصبر حتى ينزل الأمر، ألا وإنهم سيغدرون بك لا محالة فلا تجعل لهم سبيلا إلى إذلالك وسفك دمك، فإن الأمة ستعذر بك بعدي.. كذلك أخبرني جبرئيل عن ربي (6).
(هامش)
1. تقريب المعارف، عنه بحار الأنوار: 30 / 389، الصراط المستقيم: 3 / 11 (مختصرا)، وراجع الخصائص للسيوطي: 2 / 124، المستدرك للحاكم: 3 / 139، مختصر تاريخ دمشق: 18 / 33. 2. كتاب سليم: 144، عنه بحار الأنوار: 30 / 315. 3. المناقب: 1 / 272. 4. خ. ل: تنشرح. 5. الغيبة للنعماني: 94 (ص 143 طبعة أخرى). 6. كامل بهائي: 1 / 315، الخصال: 262، عنه بحار الأنوار: 28 / 209. (*)
ص 23
وفي رواية قال: سمعت عليا يقول: أما ورب السماء والأرض.. - ثلاثا - إنه لعهد النبي الأمي إلي: لتغدرن بك الأمة من بعدي (1). وعنه (عليه السلام): أما والذي فلق الحبة وبرأ النسمة إنه لعهد النبي الأمي إلي: إن الأمة ستغدر بك من بعدي (2). عن عبد الله بن الغنوي: إن عليا (عليه السلام) خطب بالرحبة فقال: أيها الناس! إنكم قد أبيتم إلا أن أقولها: ورب السماء والأرض إن من عهد النبي الأمي إلي: أن الأمة ستغدر بك بعدي. قال ابن أبي الحديد: وقد روى أكثر أهل الحديث هذا الخبر بهذا اللفظ أو بقريب منه (3). وفي رواية: وأما التي أخافها عليك فغدرة (4) قريش بك بعدي يا علي (5).
(هامش)
1. شرح نهج البلاغة: 6 / 45. 2. تجد الرواية - مع اختلاف يسير - في الإرشاد: 1 / 284 - 285، عيون أخبار الرضا (عليه السلام): 67، المناقب: 3 / 216، الجمل: 123 - 171، إرشاد القلوب: 383، الاحتجاج: 75، 190، إعلام الورى: 33، الطرائف: 427، نهج الحق: 330، كنز الفوائد: 2 / 175، الغارات: 335، اليقين: 337، تقريب المعارف: 150، الشافي: 3 / 225 - 226، تلخيص الشافي: 3 / 50 - 51، ورواه عن جمع منهم في بحار الأنوار: 28 / 41، 45، 50، 65، 75، 191، 375 و29 / 453 - 444. ومن أهل السنة: المستدرك: 3 / 140، 142، البداية والنهاية: 6 / 244 و7 / 360، كنز العمال: 11 / 297، 617، مجمع الزوائد: 9 / 137، مختصر تاريخ دمشق: 18 / 44 - 45، وراجع إحقاق الحق: 7 / 325 - 330، الغدير: 7 / 173 عن غير واحد من أهل السنة وحكموا بصحتها. 3. شرح نهج البلاغة: 4 / 107. 4. خ. ل: فغدر. 5. المناقب: 3 / 262، عنه بحار الأنوار: 39 / 76، الخصال: 415، عنه بحار الأنوار 40 / 29، 35 أقول: راجع أيضا بحار الأنوار: 28 / 37 - 85، الباب الثاني. (*)
ص 24
- اقتباس
- تعليق
تعليق
-
الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) يهيئ أهل بيته لتلقي الظلامة والاضطهاد
لقد كانت السيدة الزكية فاطمة الزهراء (عليها السلام) تعلم ما يجري عليها وعلى بعلها.. كيف لا؟! وقد أخذ الله عهدهم على تلك المصائب في عالم الأظلة والأشباح (1) ولعله إليه أشار مولانا أبو جعفر (عليه السلام) بقوله: السلام عليك يا ممتحنة، امتحنك الذي خلقك قبل أن يخلقك فوجدك لما امتحنك به صابرة (2). وأخبر الله تعالى نبيه (صلى الله عليه وآله وسلم) ليلة المعراج بما يجري عليه وعلى أهل بيته (عليهم السلام)، وأخبر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أهل البيت (عليهم السلام).. بل وسائر الناس مرارا في مجالس شتى. بل وأخذ العهد منهم - على الصبر - بمحضر من الملائكة المقربين (عليهم السلام) بأمر الله تعالى قبل وفاته، ولذا ترى السيدة فاطمة (عليها السلام) خائفة عما يجري عليها بعد أبيها فتبكي وتقول: يا أبة! أخشى الضيعة بعدك.. (3) وإليك ما أخبر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بوقوعه:
سيدة نساء العالمين... يدخل الذلّ بيتها!!
دخول الذل بيت سيدة نساء العالمين..!! قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): وأما ابنتي فاطمة، فإنها سيدة نساء العالمين من الأولين والآخرين، وهي بضعة مني، وهي نور عيني، وهي ثمرة فؤادي، وهي روحي التي بين جنبي، وهي الحوراء الإنسية.. وإني لما رأيتها، ذكرت ما يصنع بها بعدي، كأني بها وقد دخل الذل بيتها،
(هامش)
1. راجع: 267. 2. التهذيب: 6 / 9، جمال الأسبوع: 32، مصباح المتهجد: 711، المزار: 178، المزار الكبير: 79. 3. كتاب سليم: 69 - 70، كمال الدين: 263، كفاية الأثر: 63، 124، كشف الغمة: 1 / 153 و2 / 468، 482 (بأسانيد عديدة)، كشف اليقين: 269 - 270 (عن الدارقطني)، الصراط المستقيم: 2 / 119، مجمع الزوائد: 8 / 253 و9 / 165، ذخائر العقبى: 135 - 136. (*)
ص 25
وانتهكت حرمتها، وغصبت حقها، ومنعت إرثها، وكسرت جنبها، وأسقطت جنينها، وهي تنادي يا محمداه! فلا تجاب.. وتستغيث فلا تغاث. فلا تزال بعدي محزونة مكروبة باكية، تتذكر انقطاع الوحي عن بيتها مرة، وتتذكر فراقي أخرى.. وتستوحش إذا جنها الليل لفقد صوتي الذي كانت تستمع إليه إذا تهجدت بالقرآن.. ثم ترى نفسها ذليلة بعد أن كانت في أيام أبيها عزيزة.. فعند ذلك يؤنسها الله تعالى ذكره بالملائكة، فنادتها بما نادت به مريم بنت عمران فتقول: يا فاطمة! إن الله اصطفاك وطهرك واصطفاك على نساء العالمين، يا فاطمة! اقنتي لربك واسجدي واركعي مع الراكعين... ثم يبتدئ بها الوجع فتمرض، فيبعث الله عز وجل إليها مريم بنت عمران تمرضها وتؤنسها في علتها، فتقول عند ذلك: يا رب إني سئمت الحياة وتبرمت بأهل الدنيا فألحقني بأبي.. فيلحقها الله عز وجل بي، فتكون أول من يلحقني من أهل بيتي، فتقدم علي محزونة مكروبة مغمومة مغصوبة مقتولة فأقول عند ذلك: اللهم العن من ظلمها، وعاقب من غصبها، وذلل من أذلها، وخلد في نارك من ضرب جنبيها حتى ألقت ولدها.. فتقول الملائكة عند ذلك: آمين.. (1).
(هامش)
1. أمالي الصدوق: 114 - 113 (ط بيروت ص 100)، المحتضر: 109، إرشاد القلوب: 296 - 295، بشارة المصطفى (صلى الله عليه وآله وسلم): 198 - 199، الفضائل لشاذان بن حبرائيل القمي: 10 - 9، بحار الأنوار: 43 / 172 و28 / 38، العوالم: 11 / 391، ورواه من أهل السنة الجويني (المتوفى 730) في فرائد السمطين: 2 / 35 (ط المحمودي). (*)
ص 26
أنا حرب لمن حاربك
وعنه (صلى الله عليه وآله وسلم): أشكو إلى الله جحود أمتي لأخي، وتظاهرهم عليه، وظلمهم له، وأخذهم حقه. قال: فقلنا له: يا رسول الله! ويكون ذلك؟! قال: نعم، يقتل مظلوما، من بعد أن يملأ غيظا ويوجد عند ذلك صابرا. قال: فلما سمعت ذلك فاطمة أقبلت حتى دخلت من وراء الحجاب وهي باكية، فقال لها رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): ما يبكيك يا بنية؟ قالت: سمعتك تقول في ابن عمي وولدي ما تقول.. قال: وأنت تظلمين.. وعن حقك تدفعين.. وأنت أول أهل بيتي لحوقا بي بعد أربعين. يا فاطمة! أنا سلم لمن سالمك وحرب لمن حاربك.. أستودعك الله وجبرئيل وصالح المؤمنين. قال - سلمان وهو راوي الحديث -: قلت: يا رسول الله! من صالح المؤمنين؟ قال: علي بن أبي طالب (1)
بكاء النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) للطم خد فاطمة
(عليها السلام)
عن علي بن أبي طالب (عليه السلام) قال: بينا أنا وفاطمة والحسن والحسين عند رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، إذ التفت إلينا فبكى، فقلت: ما يبكيك يا رسول الله؟! فقال: أبكي مما يصنع بكم بعدي. فقلت: وما ذاك يا رسول الله؟!
(هامش)
1. اليقين: 488، بحار الأنوار: 36 / 264، العوالم: 11 / 393. (*)
ص 27
قال: أبكي من ضربتك على القرن، ولطم فاطمة خدها، وطعنة الحسن في الفخذ والسم الذي يسقى، وقتل الحسين.. قال: فبكى أهل البيت جميعا، فقلت: يا رسول الله! ما خلقنا ربنا إلا للبلاء؟! قال أبشر - يا علي! - فإن الله عز وجل قد عهد إلي أنه لا يحبك إلا مؤمن ولا يبغضك إلا منافق (1). قال ابن عباس: لما رجعنا من حجة الوداع جلسنا مع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في مسجده، قال:.. أيها الناس! الله الله في عترتي وأهل بيتي، فإن فاطمة بضعة مني، وولديها عضداي، وأنا وبعلها كالضوء.. اللهم ارحم من رحمهم، ولا تغفر لمن ظلمهم... ثم دمعت عيناه، قال: وكأني أنظر الحال (2).
أول من يُحكَم فيه يوم القيامة
عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: لما أسرى بالنبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، قيل له: إن الله مختبرك في ثلاث لينظر كيف صبرك..؟ قال: أسلم لأمرك يا رب ولا قوة لي على الصبر إلا بك.. إلى أن قال: وأما الثالثة، فما يلقى أهل بيتك من بعدك من القتل، أما أخوك، فيلقى من أمتك الشتم والتعنيف والتوبيخ والحرمان والجهد والظلم.. وآخر ذلك القتل. فقال: يا رب! سلمت وقبلت، ومنك التوفيق والصبر. وأما ابنتك، فتظلم وتحرم ويؤخذ حقها غصبا - الذي تجعله لها -
(هامش)
1. أمالي الصدوق: 134، المناقب: 2 / 209، بحار الأنوار: 27 / 209 و28 / 51 و44 / 149. 2. بحار الأنوار: 23 / 143 عن الفضائل لشاذان بن جبرئيل القمي ولم نجده في المطبوع منه، وهو موجود في مخطوطة مكتبة الآستانة الرضوية المقدسة في ضمن الحديث الخامس عشر. (*)
ص 28
وتضرب وهي حامل، ويدخل على حريمها ومنزلها بغير إذن.. ثم يمسها هوان وذل.. ثم لا تجد مانعا، وتطرح ما في بطنها من الضرب، وتموت من ذلك الضرب. قال *(إنا لله وإنا إليه راجعون)*(1) قبلت يا رب! وسلمت، ومنك التوفيق والصبر... ثم قال: وأما ابنتك، فإني أوقفها عند عرشي فيقال لها: إن الله قد حكمك في خلقه، فمن ظلمك وظلم ولدك فاحكمي فيه بما أحببت.. فإني أجيز حكومتك فيهم، فتشهد العرصة، فإذا أوقف من ظلمها أمرت به إلى النار.. إلى أن قال: وأول من يحكم فيه محسن بن علي (عليه السلام) في قاتله، ثم في قنفذ، فيؤتيان هو وصاحبه، فيضربان بسياط من نار لو وقع سوط منها على البحار لغلت من مشرقها إلى مغربها، ولو وضعت على جبال الدنيا لذابت حتى تصير رمادا.. فيضربان بها.. (2). عن أبي جعفر محمد بن علي الباقر (عليه السلام) قال: سمعت جابر بن عبد الله الأنصاري يقول: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): إذا كان يوم القيامة تقبل ابنتي فاطمة على ناقة من نوق الجنة... فتسير حتى تحاذي عرش ربها جل جلاله، فتزج (3) بنفسها عن ناقتها، وتقول: إلهي وسيدي! أحكم بيني وبين من ظلمني.. اللهم أحكم بيني وبين من قتل ولدي.. فإذا النداء من قبل الله جل جلاله: يا حبيبتي وابنة حبيبي! سليني تعطي، واشفعي تشفعي، فوعزتي وجلالي لا جازني ظلم
(هامش)
1. البقرة (2): 156. 2. كامل الزيارات: 334 - 332، تأويل الآيات: 838، الجواهر السنية: 289 - 291، بحار الأنوار: 28 / 64 - 61، العوالم: 11 / 398. 3. خ. ل: فتنزخ، فتنزل. (*)
ص 29
ظالم.. (1).
النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) يشكو من ظالمي فاطمة (عليها السلام)
روى جابر بن عبد الله الأنصاري، قال: دخلت فاطمة (عليها السلام) على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) - وهو في سكرات الموت - فانكبت عليه تبكي، ففتح عينه وأفاق ثم قال: يا بنية! أنت المظلومة بعدي.. وأنت المستضعفة بعدي.. فمن آذاك قد آذاني، ومن غاظك فقد غاظني، ومن سرك فقد سرني، ومن برك فقد برني، ومن جفاك فقد جفاني، ومن وصلك فقد وصلني، ومن قطعك فقد قطعني، ومن أنصفك فقد أنصفني، ومن ظلمك فقد ظلمني، لأنك مني وأنا منك، وأنت بضعة مني، وروحي التي بين جنبي. ثم قال (صلى الله عليه وآله وسلم): إلى الله أشكو ظالميك من أمتي. ثم دخل الحسن والحسين (عليهما السلام) فانكبا على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وهما يبكيان ويقولان: أنفسنا لنفسك الفداء يا رسول الله! ، فذهب علي (عليه السلام) لينحيهما عنه، فرفع رأسه إليه، ثم قال: دعهما - يا أخي! - يشماني وأشمهما.. ويتزودان مني وأتزود منهما، فإنهما مقتولان بعدي ظلما وعدوانا.. فلعنة الله على من يقتلهما ، ثم قال: يا علي! أنت المظلوم بعدي، وأنا خصم لمن أنت خصمه يوم القيامة (2).
(هامش)
1. بشارة المصطفى (صلى الله عليه وآله وسلم): 18، روضة الواعظين: 1 / 148، الفضائل: 10، المناقب: 3 / 326، الأمالي للصدوق: 17 (المجلس الخامس) عن الأخير في بحار الأنوار: 43 / 219. 2. كشف الغمة: 1 / 497، عنه بحار الأنوار: 28 / 76، العوالم: 11 / 397. (*)
ص 30
وفي رواية أخرى عن أبي جعفر الباقر عن آبائه: - بعد قوله (صلى الله عليه وآله وسلم) وأتزود منهما -:.. فسيلقيان من بعدي زلزالا، وأمرا عضالا، فلعن الله من يخيفهما (1).. اللهم إني أستودعكهما وصالح المؤمنين (2).
صبر أهل البيت (عليهم السلام) لقضاء الله تعالى
روي عن عيسى بن داود النجار، عن موسى بن جعفر، عن أبيه (عليهما السلام) قال: جمع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أمير المؤمنين علي بن أبي طالب وفاطمة والحسن والحسين (عليهم السلام) وأغلق عليهم الباب وقال: يا أهلي ويا أهل الله! إن الله عز وجل يقرأ عليكم السلام، وهذا جبرئيل معكم في البيت، ويقول: إن الله عز وجل يقول: إني قد جعلت عدوكم لكم فتنة فما تقولون؟ قالوا: نصبر يا رسول لله لأمر الله وما نزل من قضائه حتى نقدم على الله عز وجل ونستكمل جزيل ثوابه فقد سمعناه يعد الصابرين الخير كله.. فبكى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) حتى سمع نحيبه من خارج البيت، فنزلت هذه الآية: *(وجعلنا بعضكم لبعض فتنة أ تصبرون وكان ربك بصيرا)*(3)...
تظلم فاطمة (عليها السلام) ولا يعينها أحد!!
روى الشيخ المفيد، عن الشيخ الصدوق، عن أبيه، عن أحمد بن إدريس، عن محمد بن عبد الجبار، عن ابن أبي عمير، عن أبان بن عثمان، عن أبان بن
(هامش)
1. خ. ل: يحيفهما. 2. كشف الغمة: 1 / 410، بحار الأنوار: 22 / 501، عن أمالي الطوسي (مع اختلاف يسير). 3. تفسير الماهيار، عنه تأويل الآيات: 368، عنه بحار الأنوار: 28 / 81، والآية في سورة الفرقان (25): 20. (*)
ص 31
تغلب، عن عكرمة، عن عبد الله بن العباس، قال: لما حضرت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) الوفاة بكى حتى بلت دموعه لحيته، فقيل: يا رسول الله! ما يبكيك؟! فقال: أبكي لذريتي وما تصنع بهم شرار أمتي من بعدي.. كأني بفاطمة بنتي وقد ظلمت بعدي وهي تنادي: يا أبتاه! يا أبتاه!.. فلا يعينها أحد من أمتي. فسمعت ذلك فاطمة (عليها السلام) فبكت، فقال لها رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): لا تبكين يا بنية! ، فقالت: لست أبكي لما يصنع بي من بعدك، ولكني أبكي لفراقك يا رسول الله ، فقال لها: أبشري يا بنت محمد بسرعة اللحاق بي، فإنك أول من يلحق بي من أهل بيتي (1).
هكذا يُقاد عليّ (عليه السلام)!!
عن موسى بن جعفر، عن أبيه (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم):.. يا علي! ما أنت صانع لو قد تأمر القوم عليك بعدي، وتقدموا عليك، وبعث إليك طاغيتهم يدعوك إلى البيعة ثم لببت بثوبك تقاد كما يقاد الشارد من الإبل.. مذموما، مخذولا، محزونا، مهموما.. وبعد ذلك ينزل بهذه - أي بفاطمة (عليها السلام) - الذل؟!. قال: فلما سمعت فاطمة ما قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) صرخت وبكت، فبكى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لبكائها، وقال: يا بنية! لا تبكين ولا تؤذين جلساءك من الملائكة، هذا جبرئيل بكى لبكائك وميكائيل وصاحب سر الله إسرافيل، يا بنية! لا تبكين فقد بكت السماوات والأرض لبكائك (2).
(هامش)
1. أمالي الطوسي: 1 / 191، بحار الأنوار: 28 / 41، العوالم: 11 / 392. 2. كتاب الوصية لعيسى بن المستفاد، عنه مصباح الأنوار: 271، الطرف: 42 - 43 عنه بحار الأنوار: 22 / 492، وروى قطعة منه الصراط المستقيم: 2 / 94. (*)
ص 32
بكاء النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وجبرئيل (عليه السلام)
بكاء بيت الرسالة وجبرئيل (عليه السلام) لما سيحدث.. عن موسى بن جعفر، عن أبيه (عليهما السلام) قال: لما كانت الليلة التي قبض النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في صبيحتها، دعا عليا وفاطمة والحسن والحسين (عليهم السلام) وأغلق عليه وعليهم الباب.. قال علي (عليه السلام): فما لبثت أن نادتني فاطمة (عليها السلام) فدخلت على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) - وهو يجود بنفسه - فبكيت ولم أملك نفسي حين رأيته بتلك الحال يجود بنفسه، فقال لي: ما يبكيك يا علي!؟ ليس هذا أوان البكاء.. فقد حان الفراق بيني وبينك، فأستودعك الله يا أخي! فقد اختارني ربي ما عنده.. وإنما بكائي وغمي وحزني عليك وعلى هذه أن تضيع بعدي، فقد أجمع القوم على ظلمكم، وقد استودعكم الله وقبلكم مني وديعة. يا علي؟ إني قد أوصيت فاطمة ابنتي بأشياء وأمرتها أن تلقيها إليك، فأنفذها فهي الصادقة الصدوقة.. ثم ضمها إليه، وقبل رأسها وقال: فداك أبوك يا فاطمة..! فعلا صوتها بالبكاء، ثم ضمها إليه وقال: أما والله لينتقمن الله ربي، وليغضبن لغضبك، فالويل ثم الويل ثم الويل للظالمين.. ثم بكى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم). قال علي (عليه السلام): فوالله لقد حسبت بضعة مني قد ذهبت لبكائه، حتى هملت عيناه مثل المطر حتى بلت دموعه لحيته وملاءة كانت عليه، وهو يلتزم فاطمة لا يفارقها ورأسه على صدري وأنا مسنده، والحسن والحسين يقبلان قدميه ويبكيان بأعلى أصواتهما.. قال علي (عليه السلام): فلو قلت أن جبرئيل في البيت لصدقت.. لأني كنت أسمع بكاء ونغمة لا أعرفها، وكنت أعلم أنها أصوات الملائكة لا أشك فيها،
- اقتباس
- تعليق
تعليق
-
ويل لمن أحرق بابها..!!
وبالإسناد عنه (صلى الله عليه وآله وسلم)، أنه قال لأمير المؤمنين (عليه السلام): أنفذ لما أمرتك به فاطمة.. فقد أمرتها بأشياء أمر بها جبرئيل (عليه السلام).. واعلم - يا علي! - أني راض عمن رضيت عنه ابنتي فاطمة، وكذلك ربي وملائكته. يا علي! ويل لمن ظلمها..! وويل لمن ابتزها حقها..! وويل لمن هتك حرمتها..! وويل لمن أحرق بابها..! وويل لمن آذى خليلها..! وويل لمن شاقها وبارزها..! اللهم إني منهم برئ وهم مني براء. ثم سماهم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، وضم فاطمة إليه والحسن والحسين (عليهم السلام)
(هامش)
1. كتاب الوصية عنه مصباح الأنوار: 275 - 276، الطرف: 38 - 41، عنه بحار الأنوار: 22 / 490، وروى قطعة منه الصراط المستقيم: 2 / 93. 2. الطرف: 40 - 41، عنه بحار الأنوار: 22 / 491 - 492. (*)
ص 34
وقال: اللهم إني لهم ولمن شايعهم سلم، وزعيم بأنهم يدخلون الجنة، وعدو وحرب لمن عاداهم وظلمهم وتقدمهم أو تأخر عنهم وعن شيعتهم، زعيم بأنهم يدخلون النار. ثم - والله - يا فاطمة لا أرضى حتى ترضي.. ثم لا والله لا أرضى حتى ترضي.. ثم لا والله لا أرضى حتى ترضي.. (1). عن سلمان الفارسي قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): يا سلمان! من أحب فاطمة ابنتي فهو في الجنة معي، ومن أبغضها فهو في النار.. يا سلمان! حب فاطمة ينفع في مائة مواطن.. أيسر تلك المواطن الموت، والقبر، والميزان، والمحشر، والصراط، والمحاسبة، فمن رضيت عنه ابنتي فاطمة رضيت عنه، ومن رضيت عنه رضي الله عنه، ومن غضبت عليه فاطمة غضبت عليه، ومن غضبت عليه غضب الله عليه. يا سلمان! ويل لمن يظلمها ويظلم بعلها أمير المؤمنين عليا (عليه السلام) ويظلم ذريتها وشيعتها..! (2). وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم):.. يا ابنتي! لقد أخبرني جبرئيل عن الله عز وجل أنك أول من تلحقني من أهل بيتي، فالويل كله لمن ظلمك.. والفوز العظيم لمن نصرك.. (3).
(هامش)
1. كتاب الوصية، عنه مصباح الأنوار: 268 - 269، الطرف: 30، عنه بحار الأنوار: 22 / 485، وروى قطعة منه الصراط المستقيم: 2 / 92 - 93. 2. فرائد السمطين: 2 / 67، مئة منقبة لابن شاذان: 116 (ص 126 ط أخرى)، عنه بحار الأنوار: 27 / 116، إرشاد القلوب: 2 / 294. 3. تفسير فرات الكوفي: 446، عنه بحار الأنوار: 43 / 227. (*)
ص 35
أمير المؤمنين (عليه السلام) يُصْعَق لانتهاك الحرمة
في رواية مولانا الإمام الكاظم عن أبيه الإمام الصادق (عليهما السلام) - عند ذكر الوصية المختومة التي نزل بها جبرئيل مع أمناء الله تعالى من الملائكة (عليهم السلام) والأمر بإخراج كل من عند النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) غير أمير المؤمنين (عليه السلام)، وفاطمة (عليها السلام) فيما بين الستر والباب -.. قال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): إن جبرئيل وميكائيل فيما بيني وبينك الآن وهما حاضران، معهما الملائكة المقربون لأشهدهم عليك، فقال: نعم، ليشهدوا وأنا - بأبي أنت وأمي - أشهدهم.. فأشهدهم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم).. وكان فيما اشترط عليه النبي بأمر جبرئيل (عليه السلام) فيما أمر الله عز وجل أن قال له: يا علي! تفي بما فيها... على الصبر منك، وعلى كظم الغيظ، وعلى ذهاب حقي (1) وغصب خمسك، وانتهاك حرمتك.. فقال: نعم، يا رسول الله!. فقال أمير المؤمنين: والذي فلق الحبة وبرأ النسمة، لقد سمعت جبرئيل (عليه السلام) يقول لنبي (صلى الله عليه وآله وسلم): يا محمد! عرفه أنه ينتهك (2) الحرمة - وهي حرمة الله وحرمة رسول الله -، وعلى أن تخضب لحيته من رأسه بدم عبيط. قال أمير المؤمنين (عليه السلام): فصعقت حين فهمت الكلمة من الأمين
(هامش)
1. خ. ل: حقك. 2. كذا والظاهر: تنتهك أي: تستحل، راجع مجمع البحرين - نهك -. (*)
ص 36
جبرئيل، حتى سقطت على وجهي (1) وقلت: نعم، قبلت ورضيت وإن انتهكت الحرمة، وعطلت السنن، ومزق الكتاب، وهدمت الكعبة، وخضبت لحيتي من رأسي بدم عبيط.. صابرا محتسبا أبدا حتى أقدم عليك. ثم دعا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فاطمة والحسن والحسين وأعلمهم مثل ما أعلم أمير المؤمنين، فقالوا مثل قوله.. فختمت الوصية. فقلت: أكان في الوصية توثبهم وخلافهم على أمير المؤمنين (عليه السلام)؟! فقال: نعم والله شيئا.. شيئا وحرفا.. حرفا، أما سمعت قول الله عز وجل: *(إنا نحن نحيي الموتى ونكتب ما قدموا وآثارهم وكل شيء أحصيناه في إمام مبين)*(2). والله لقد قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لأمير المؤمنين وفاطمة (عليهما السلام): أليس قد فهمتما ما تقدمت به إليكما وقبلتماه؟ فقالا: بلى وصبرنا على ما ساءنا وغاظنا (3).
لعن الله قاتلي فاطمة (عليها السلام)
قال عبد الله بن عباس - في حديث - أنه قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لعلي (عليه السلام): يا أخي! إن قريشا ستظاهر عليكم وتجتمع كلمتهم على ظلمك وقهرك...
(هامش)
1. من عرف سيرة أمير المؤمنين (عليه السلام) وحالاته يعلم أنه لا يخاف من الموت والقتل، كيف وهو المقدام في كل كريهة وشدة. أليس هو القائل: والله لابن أبي طالب آنس بالموت من الطفل بثدي أمه؟ فتغير حاله (عليه السلام) إنما يكون لأجل هتك حرمته وهي حرمة الله ورسوله (صلى الله عليه وآله وسلم). 2. يس (36): 12. 3. الكافي: 1 / 281، بحار الأنوار: 22 / 479. قريب منه كتاب الوصية، عنه مصباح الأنوار: 267 - 268، الطرف: 22 - 24. والقسم الأخير منه ص 28 - 29، وروى قطعة منه الصراط المستقيم: 2 / 91 - 92 والمسعودي في إثبات الوصية: 124 - 125. (*)
ص 37
ثم أقبل على ابنته فقال: إنك أول من يلحقني من أهل بيتي، وأنت سيدة نساء أهل الجنة، وسترين بعدي ظلما وغيظا حتى تضربي ويكسر ضلع من أضلاعك.. لعن الله قاتلك، ولعن الله الآمر والراضي والمعين والمظاهر عليك وظالم بعلك وابنيك.. (1).
تلحق فاطمة (عليها السلام) بالنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) مظلومة مغصوبة
وفي رواية أبي ذر قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم):.. يا فاطمة! لا تبكي فداك أبوك.. فأنت أول من تلحقين بي مظلومة مغصوبة، وسوف تظهر بعدي حسيكة النفاق، ويسمل جلباب الدين، وأنت أول من يرد علي الحوض.. (2). مظلومية أهل البيت (عليهم السلام) وقال (صلى الله عليه وآله وسلم) - قبل وفاته - مخاطبا أهل بيته (عليهم السلام): أما إنكم المقهورون والمستضعفون بعدي (3).
(هامش)
1. كتاب سليم: 2 / 907. 2. كفاية الأثر: 36، عنه بحار الأنوار: 36 / 288، العوالم: 11 / 446. 3. دعائم الإسلام: 1 / 225، معاني الأخبار: 79، عيون أخبار الرضا (عليه السلام): 2 / 61، كفاية الأثر: 118، الإرشاد: 1 / 184، أمالي المفيد: 212 و351، إعلام الورى: 135، أمالي الطوسي: 1 / 122، الفصول المختارة: 253، الصراط المستقيم: 2 / 153، الكشكول للسيد حيدر الآملي: 72، بحار الأنوار: 28 / 40، 70، ومن أهل السنة الطبقات لابن سعد: 8 / 278، مسند أحمد: 6 / 339، أنساب الأشراف: 2 / 224 (ط دار الفكر)، شواهد التنزيل: 1 / 551، 555، 559، مجمع الزوائد: 9 / 34، الخصائص الكبرى: 2 / 135، كنز العمال: 11 / 177. (*)
ص 38
فاطمة (عليها السلام) تخشى من الضيعة
عن عمار قال: لما حضر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) الوفاة دعا بعلي (عليه السلام) فساره طويلا، ثم قال: يا علي! أنت وصيي ووارثي، قد أعطاك الله علمي وفهمي، فإذا مت ظهرت لك ضغائن في صدور قوم وغصبت على حقك.. فبكت فاطمة (عليها السلام) وبكى الحسن والحسين (عليهما السلام)، فقال لفاطمة: يا سيدة النسوان! مم بكاؤك؟!. قالت: يا أبة! أخشى الضيعة بعدك. قال: أبشري يا فاطمة! فإنك أول من يلحقني من أهل بيتي، لا تبكي ولا تحزني فإنك سيدة نساء أهل الجنة، وأباك سيد الأنبياء، وابن عمك خير الأوصياء، وابناك سيدا شباب أهل الجنة، ومن صلب الحسين يخرج الله الأئمة التسعة مطهرون معصومون، ومنها مهدي هذه الأمة (1). وفي رواية جابر بن عبد الله - بعد قولها: أخشى الضيعة من بعدك -. قال: يا حبيبتي! لا تبكين... وقد سألت ربي عز وجل أن تكون أول من يلحقني من أهل بيتي، ألا إنك بضعة مني، فمن آذاك فقد آذاني.. ثم قال جابر - بعد ذكر عيادة الشيخين لها -: فرفعت يديها إلى السماء وقالت: اللهم إني أشهدك أنهما قد آذياني، وغصبا حقي.. ثم أعرضت عنهما فلم تكلمها بعد ذلك (2).
(هامش)
1. كفاية الأثر: 124 عنه بحار الأنوار: 22 / 536. 2. كفاية الأثر: 63 - 62 عنه بحار الأنوار: 36 / 307. (*)
ص 39
جبرئيل (عليه السلام) يخبر عن كسر ضلع فاطمة (عليها السلام)
قال العلامة المجلسي: أقول: وجدت بخط الشيخ محمد بن علي الجبعي، نقلا من خط الشهيد رفع الله درجته نقلا من مصباح الشيخ أبي منصور طاب ثراه قال: روي أنه دخل النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) يوما إلى فاطمة (عليها السلام) فهيأت له طعاما من تمر وقرص وسمن، فاجتمعوا على الأكل هو وعلي وفاطمة والحسن والحسين (عليهم السلام)، فلما أكلوا.. سجد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وأطال سجوده، ثم بكى، ثم ضحك، ثم جلس وكان أجرأهم في الكلام علي (عليه السلام) فقال: يا رسول الله! رأينا منك اليوم ما لم نره قبل ذلك؟! فقال (صلى الله عليه وآله وسلم): إني لما أكلت معكم فرحت وسررت بسلامتكم واجتماعكم فسجدت الله تعالى شكرا فهبط جبرئيل (عليه السلام) يقول: سجدت شكرا لفرحك بأهلك؟ فقلت: نعم. فقال: ألا أخبرك بما يجري عليهم بعدك؟ فقلت: بلى يا أخي! يا جبرئيل!. فقال: أما ابنتك، فهي أول أهلك لحاقا بك.. بعد أن تظلم، ويؤخذ حقها، وتمنع إرثها، ويظلم بعلها، ويكسر ضلعها. وأما ابن عمك، فيظلم، ويمنع حقه، ويقتل. وأما الحسن، فإنه يظلم، ويمنع حقه، ويقتل بالسم. وأما الحسين، فإنه يظلم، ويمنع حقه، وتقتل عترته، وتطؤه الخيول،
ص 40
وينهب رحله وتسبى نساؤه وذراريه، ويدفن مرملا بدمه، ويدفنه الغرباء.. (1). وقريب منها ما رواه ابن أبي جمهور الأحسائي مختصرا (2).
(هامش)
1. بحار الأنوار: 101 / 44. 2. عوالي اللئالي: 1 / 199. (*)
ص 41
الفصل الثاني
الانقلاب على الأعقاب
ص 43
ارتدوا على أدبارهم!
قالت السيدة فاطمة الزهراء (عليها السلام): الآن مات رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أمتم دينه؟!!... تلك نازلة أعلن بها كتاب الله قبل موته، وأنبأكم بها قبل وفاته، فقال: *(وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أ فإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئا وسيجزي الله الشاكرين)*(1) (2). وقال مولانا أمير المؤمنين (عليه السلام): حتى إذا قبض الله رسوله، رجع قوم على الأعقاب، وغالتهم السبل، واتكلوا على الولائج، ووصلوا غير الرحم، وهجروا السبب الذي أمروا بمودته، ونقلوا البناء على رص أساسه، فبنوه في غير موضعه.. معادن كل خطيئة، وأبواب كل ضارب في غمرة، قد ماروا في الحيرة، وذهلوا في السكرة، على سنة من آل فرعون.. من منقطع إلى الدنيا راكن، أو مفارق للدين مباين (3). ودلتنا النصوص المتواترة - بين الفريقين - إلى هذا الانقلاب الذي أشير إليه
(هامش)
1. شرح نهج البلاغة 16 / 212. 2. آل عمران (3): 144. 3. نهج البلاغة: 65، الخطبة 150، شرح نهج البلاغة: 9 / 132، بحار الأنوار: 29 / 616. (*)
ص 44
في القرآن وصرحت به الأحاديث وقام عليه الوجدان.. وإليك بعض ما ورد في المقام: خطب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال: يا أيها الناس! إنكم محشورون إلى الله عراة حفاتا عزلا (1)، ثم تلا: *(كما بدأنا أول خلق نعيده وعدا علينا إنا كنا فاعلين)*(2). ثم قال: ألا وإن أول الخلائق يكسى يوم القيامة إبراهيم، وإنه يجاء برجال من أمتي فيؤخذ بهم ذات الشمال، فأقول: يا رب أصحابي..! فيقال: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك، فأقول كما قال العبد الصالح: *(وكنت عليهم شهيدا ما دمت فيهم فلما توفيتني كنت أنت الرقيب عليهم وأنت على كل شيء شهيد)*(3) فيقال: إن هؤلاء لم يزالوا مرتدين على أعقابهم منذ فارقتهم (4). وقال (صلى الله عليه وآله وسلم): أنا فرطكم على الحوض، وليرفعن إلي رجال منكم حتى إذا أهويت إليهم لأناولهم اختلجوا دوني، فأقول: أي رب أصحابي..! فيقال: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك (5). وقال (صلى الله عليه وآله وسلم): ليردن على الحوض رجال ممن صاحبني، حتى إذا رأيتهم ورفعوا إلي اختلجوا دوني، فلأقولن: أي رب! أصحابي أصحابي! فليقالن لي: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك.
(هامش)
1. أي جردا لا شعر لهم، وفي بعضها: غرلا، وهو جمع الأغرل أي الأغلف. 2. الأنبياء (21): 104. 3. المائدة (5): 117. 4. راجع! سنن النسائي: 4 / 117، مسند أحمد: 1 / 235، 253، البخاري: 4 / 110، 142 - 143 و5 / 191 - 192، 240 و7 / 195، مسلم: 8 / 157، سنن الترمذي: 4 / 38 و5 / 4، كنز العمال: 14 / 358، البداية والنهاية: 2 / 116، الدر المنثور: 2 / 349. 5. البخاري: 8 / 87. (*)
ص 45
وفي بعض الروايات: فأقول سحقا لمن بدل بعدي (1). وقال (صلى الله عليه وآله وسلم): أنا فرطكم على الحوض، من مر علي شرب، ومن شرب لم يظمأ أبدا، وليردن علي أقوام أعرفهم ويعرفونني ثم يحال بيني وبينهم، فأقول: فإنهم مني، فيقال: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك، فأقول: سحقا سحقا لمن بدل بعدي (2). وقال (صلى الله عليه وآله وسلم): يرد علي يوم القيامة رهط من أصحابي. أو قال: من أمتي فيحلؤون (3) عن الحوض، فأقول: يا رب أصحابي! فيقول: لا علم لك بما أحدثوا بعدك، إنهم ارتدوا على أعقابهم القهقري (4). قال (صلى الله عليه وآله وسلم): بينا أنا قائم [على الحوض] إذا زمرة.. حتى إذا عرفتهم، خرج رجل من بيني وبينهم، فقال لهم: هلم، قلت: إلى أين؟! قال: إلى النار والله، فقلت: وما شأنهم؟! قال: إنهم قد ارتدوا على أدبارهم القهقري.. ثم إذا زمرة أخرى حتى إذا عرفتهم خرج رجل من بيني بينهم، فقال لهم: هلم، فقلت: إلى أين؟! قال: إلى النار والله، قلت: ما شأنهم قال: إنهم قد ارتدوا على أدبارهم.. فلا أراه يخلص منهم إلا مثل همل النعم (5). وقال (صلى الله عليه وآله وسلم): ترد علي أمتي الحوض وأنا أذود الناس كما يذود الرجل إبل الرجل عن إبله... وليصدن عني طائفة منكم فلا يصلون، فأقول: يا رب! هؤلاء من أصحابي، فيجيئني ملك فيقول: وهل تدري ما أحدثوا بعدك؟! (6).
(هامش)
1. مسلم: 7 / 70 - 71. 2. البخاري: 7 / 207 - 208 و8 / 87، مسلم: 7 / 66. 3. أي: يمنعون من وروده. 4. البخاري: 7 / 208. 5. البخاري: 7 / 208. 6. مسلم: 1 / 149 - 150. (*)
ص 46
وقال (صلى الله عليه وآله وسلم): إني على الحوض أنتظر من يرد علي منكم، ليقتطعن دوني رجالا فلأقولن: أي رب مني ومن أمتي، يقول إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك، ما زالوا يرجعون على أعقابهم (1). وقال (صلى الله عليه وآله وسلم): إني على الحوض أنظر من يرد علي منكم وسيؤخذ ناس دوني، فأقول: يا رب! مني ومن أمتي... وفي رواية: فأقول: أصحابي!.. فيقال: هل شعرت ما عملوا بعدك، والله ما برحوا يرجعون على أعقابهم (2). وقال (صلى الله عليه وآله وسلم) في حجة الوداع: لا ألفينكم ترجعون بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض (3). قال أبي بن كعب: كنا مع النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وإنما وجهنا واحد، فلما قبض نظرنا هكذا وهكذا (4). وقال أنس: ما نفضنا عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) الأيدي - إنا لفي دفنه - حتى أنكرنا
(هامش)
1. مسلم: 7 / 66. 2. البخاري: 7 / 209، مسلم: 7 / 66، وراجع أيضا: مسند أحمد: 1 / 257 و3 / 18، 39، 384 و6 / 121، مسلم: 7 / 68، البخاري: 7 / 206 - 210 و8 / 86، سنن ابن ماجه: 2 / 1440، المستدرك: 2 / 447 و4 / 74 - 75، مجمع الزوائد: 3 / 85 و10 / 364 - 365، كنز العمال: 1 / 387 و4 / 543 و11 / 132 و176 - 177 و14 / 417 - 419 و434. 3. سنن النسائي: 7 / 126 - 128، مسند أحمد: 1 / 230، 402 و2 / 85، 87، 104 و4 / 351، 358، 366 و5 / 39، 44 - 45 و49، 68، 73، سنن الدارمي: 2 / 69، البخاري: 1 / 38 و2 / 191 - 192 و5 / 126 و6 / 236 و7 / 112 و8 / 16، 36، 91، مسلم: 1 / 58 و5 / 108، سنن ابن ماجه: 13002، سنن أبي داود: 2 / 409، سنن الترمذي: 3 / 329، سنن البيهقي: 5 / 140 و6 / 92، 97 و8 / 20، المستدرك: 1 / 191. 4. ابن ماجه ونعيم بن حماد في الفتن، عنهما جامع الأحاديث: 17 / 524. (*)
ص 47
- اقتباس
- تعليق
تعليق
-
قلوبنا (1). وعن أبي وائل، عن حذيفة قال: قلت: يا أبا عبد الله! النفاق اليوم أكثر أم على عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)؟ قال: فضرب بيده على جبهته وقال: أوه! وهو اليوم ظاهر، إنهم كانوا يستخفونه على عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) (2). ثم إن الله عز وجل قال: *(وآتينا عيسى ابن مريم البينات وأيدناه بروح القدس ولو شاء الله ما اقتتل الذين من بعدهم من بعد ما جاءتهم البينات ولكن اختلفوا فمنهم من آمن ومنهم من كفر ولو شاء الله ما اقتتلوا ولكن الله يفعل ما يريد)*(3). وفي هذا ما يستدل به على أن الأصحاب قد اختلفوا من بعد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فمنهم من آمن ومنهم من كفر، لاتفاق الفريقين على أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: والذي نفسي بيده لتركبن سنن من كان قبلكم حذو النعل بالنعل، والقذة بالقذة. وقال (صلى الله عليه وآله وسلم): كل ما كان في الأمم السالفة فإنه يكون في هذه الأمة مثله، حذو النعل بالنعل، والقذة بالقذة (4).
(هامش)
1. مسند أبي يعلى الموصلي: 6 / 51. 2. البحر الزخار المعروف بمسند البزاز: 7 / 303 - 304 (ط المدينة) وراجع البخاري: 8 / 100، كنز العمال: 1 / 367. أقول: راجع أيضا ما ذكرناه من الروايات في الجواب على إنكار نسبة الهجوم إلى الصحابة في أول الفصل السادس. 3. البقرة (2): 253. 4. رواهما كثير من أهل السنة راجع مسند أحمد: 2 / 527 و4 / 125، صحيح البخاري: 4 / 144 (ط دار الفكر)، المستدرك: 1 / 37، 129 (ط دار المعرفة)، النهاية لابن الأثير: 1 / 357، كنز العمال: 1 / 211 و11 / 253، شرح نهج البلاغة: 9 / 286. وتجد الروايتين في كثير من مصادرنا، بل حكم بصحتهما في إعلام الورى: 476، كشف الغمة: 2 / 545، مختصر بصائر الدرجات: 205، تأويل الآيات: 402، الصوارم المهرقة: 195. (*)
ص 48
والعجب مما رواه ابن عساكر عن ابن عباس قال: كنت عند النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) - وعنده أبو بكر وعمر وعثمان ومعاوية - إذ أقبل علي (عليه السلام) فقال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لمعاوية: أتحب عليا؟ قال: نعم. قال: إنها ستكون بينكم هنيهة. قال معاوية: فما بعد ذلك يا رسول الله..؟! قال: عفو الله ورضوانه..! قال: رضينا بقضاء الله ورضوانه... فعند ذلك نزلت هذه الآية: *(ولو شاء الله ما اقتتلوا ولكن الله يفعل ما يريد)*(1). ولا نشك في أنهم حرفوا الرواية عن وجهها - إن كانت - إذ صرح في الآية الشريفة بكفر بعضهم، مع أن الرواية تستند الذنب في القتال إلى القضاء الإلهي! وهي تتم على مبناهم الجبري وعقيدتهم في الصحابة وتنزيههم للمنافقين والكافرين..
التنصيص على إمامة أمير المؤمنين (عليه السلام)
(2) كان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يصرح بخلافة أمير المؤمنين (عليه السلام) وإمامته - بنص من
(هامش)
1. الدر المنثور: 1 / 322. 2. يعرف كل عاقل أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) يستحيل أن يترك أمته سدى، ويهمل أمرهم بعده ولم يدبر لهم تدبيرا صحيحا يمنعهم عن الاختلاف في الدين والدنيا، فإنه لو لم يكن نبيا وكان سلطانا عاقلا لم يرض بذلك في رعيته، فكيف وهو رئيس العقلاء؟!، أفترضى أن تقول: إنه أهمل أمر الأمة حتى ينجر الأمر إلى ما وقع في السقيفة وغيرها من الاختلافات، وتشعبت فرق كثيرة يكفر بعضهم بعضا، ويحارب بعضهم بعضا، وتهراق دماء آلاف من المسلمين في طلب الخلافة.. إلى وقائع كثيرة تراها حتى اليوم؟! أكان أبو بكر أعرف بأمر الأمة حيث عرف لزوم تعيين الخليفة ولكن النبي لم يعرف؟! نعم لا سبيل إلى هذا التوهم أبدا. وأما نصه على خلافة أمير المؤمنين (عليه السلام)، وأنه الوصي، وولي كل مؤمن ومؤمنة بعده.. وغير ذلك، فوردت فيها روايات متواترة بين الشيعة وأهل السنة، ودلالتها واضحة بينة لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد. راجع الغدير، إحقاق الحق وملحقاته، عبقات الأنوار.. وغيرها. (*)
ص 49
الله تعالى - طيلة حياته ومن اليوم الذي دعا أقاربه إلى الإسلام (1)، وفي السنة العاشرة من الهجرة أمر الله رسوله (صلى الله عليه وآله وسلم) أن يحج بالناس، فحج معه جمع كثير من المسلمين في تلك السنة. فلما دخل مكة وأقام بها يوما واحدا، هبط جبرئيل (عليه السلام) بأول سورة العنكبوت، فقال: يا محمد! اقرأ: *(بسم الله الرحمن الرحيم ألم * أ حسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون * ولقد فتنا الذين من قبلهم فليعلمن الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين * أم حسب الذين يعملون السيئات أن يسبقونا ساء ما يحكمون)*(2). فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): يا جبرئيل! وما هذه الفتنة؟! فقال: يا محمد! إن الله يقرئك السلام، ويقول: إني ما أرسلت نبيا إلا أمرته عند انقضاء أجله أن يستخلف على أمته من بعده من يقوم مقامه، ويحيي لهم سنته وأحكامه، وهو يأمرك أن تنصب لأمتك من بعدك علي بن أبي طالب (عليه السلام) وتعهد إليه، فهو الخليفة القائم برعيتك وأمتك إن أطاعوا وإن عصوه.. وسيفعلون ذلك، وهي الفتنة التي تلوت الآي فيها، وإن الله عز وجل يأمرك أن تعلمه جميع ما علمك وتستحفظه جميع ما حفظك واستودعك، فإنه الأمين المؤتمن، يا محمد! إني اخترتك من عبادي نبيا واخترته لك وصيا. وكان من عزم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أن يقيم عليا (عليه السلام) وينصبه للناس بالمدينة، فنزل جبرئيل فقرأ عليه *(يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس إن الله لا يهدي القوم
(هامش)
1. كما ورد في ذيل الآية الشريفة *(وانذر عشيرتك الأقربين)*(الشعراء (26): 214) ورواه غير واحد من أهل السنة وحكموا بصحتها، راجع الغدير: 2 / 278 - 284. 2. العنكبوت (29) 1 - 4. (*)
ص 50
الكافرين)*(1). فنزل بغدير خم وصلى بالناس وأمرهم أن يجتمعوا إليه، فخطب الناس فحمد الله وأثنى عليه، ووعظ فأبلغ في الموعظة، ونعى إلى الأمة نفسه، وقال: قد دعيت ويوشك أن أجيب وقد حان مني خفوق من بين أظهركم، وإني مخلف فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا من بعدي، كتاب الله وعترتي أهل بيتي، فإنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض (2). ودعا عليا (عليه السلام) ورفع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يد علي اليسرى بيده اليمنى ورفع صوته بالولاء لعلي (عليه السلام) على الناس أجمعين، وفرض طاعته عليهم، وأمرهم أن لا يتخلفوا عليه بعده، وخبرهم أن ذلك عن أمر الله عز وجل (3). ثم نادى بأعلى صوته: ألست أولى بكم منكم بأنفسكم..؟ قالوا: اللهم بلى، فقال لهم - على النسق من غير فصل وقد أخذ بضبعي أمير المؤمنين (عليه السلام) فرفعهما حتى بان بياض إبطيهما -: فمن كنت مولاه فهذا علي مولاه، اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه، وانصر من نصره، واخذل من خذله ، ثم نزل (صلى الله عليه وآله وسلم) وكان وقت الظهيرة فصلى ركعتين، ثم زالت الشمس فأذن مؤذنه لصلاة الظهر فصلى بهم الظهر وجلس (عليه السلام) في خيمته وأمر عليا (عليه السلام) أن يجلس في خيمة له بإزائه، ثم أمر المسلمين أن يدخلوا عليه فوجا فوجا.. فيهنئوه بالمقام ويسلموا عليه بإمرة المؤمنين، ففعل الناس ذلك كلهم، ثم أمر أزواجه وسائر نساء المؤمنين معه أن يدخلن عليه ويسلمن عليه بإمرة المؤمنين، ففعلن، وكان فيمن أطنب في تهنيته بالمقام عمر بن الخطاب وأظهر له من المسرة به: وقال فيما قال:
(هامش)
1. إرشاد القلوب: 328 - 331، عنه بحار الأنوار: 28 / 95 - 98. والآية في سورة المائدة (5): 67. 2. اتفق الفريقان على نقل حديث الثقلين، راجع عبقات الأنوار، وخلاصة العبقات ج 1 و2. 3. إرشاد القلوب: 331، عنه بحار الأنوار: 28 / 98. (*)
ص 51
بخ بخ لك يا علي! أصبحت مولاي ومولى كل مؤمن ومؤمنة (1)!.
الصحيفة الملعونة
واجتمع قوم من المنافقين وتحالفوا وتعاقدوا على أن لا يطيعوا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فيما عرض عليهم من ولاية علي بن أبي طالب (عليه السلام) بعده، فلما رجعوا من الحج ودخلوا المدينة كتبوا صحيفة بينهم، وكان أول ما في الصحيفة النكث لولاية علي بن أبي طالب (عليه السلام) وأن الأمر إلى أبي بكر وعمر وأبي عبيدة وسالم معهم ليس بخارج منهم (2)، وشهد بذلك أربعة وثلاثون رجلا أصحاب العقبة وعشرون رجلا آخر، واستودعوا الصحيفة أبا عبيدة ابن الجراح وجعلوه أمينهم عليها. قال حذيفة: حدثتني أسماء بنت عميس الخثعمية امرأة أبي بكر: إن القوم اجتمعوا في منزل أبي بكر فتآمروا في ذلك، وأسماء تسمعهم وتسمع جميع ما يدبرونه في ذلك حتى اجتمع رأيهم على ذلك، فأمروا سعيد بن العاص الأموي فكتب هو الصحيفة باتفاق منهم. وأهم ما فيها: هذا ما اتفق عليه الملأ من أصحاب محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) من المهاجرين والأنصار بعد أن أجهدوا في رأيهم، وتشاوروا في أمرهم نظرا منهم
(هامش)
1. الإرشاد: 1 / 175 - 177، عنه بحار الأنوار: 21 / 386 - 388. 2. أقول: وهذا هو السر فيما قاله عمر قبل وفاته: لو كان أبو عبيدة حيا استخلفته... لو كان سالم حيا استخلفته. وفي بعض المصادر ذكر معاذ بن جبل أيضا، راجع مسند أحمد: 1 / 18، الإمامة والسياسة: 1 / 28، الطبري: 4 / 277، الكامل لابن الأثير: 3 / 65، المستدرك للحاكم: 3 / 268، تاريخ الإسلام للذهبي: 3 / 56 و172، شرح نهج البلاغة: 1 / 190 و16 / 265، كنز العمال: 5 / 738 و12 / 675 و13 / 215 - 216، العقد الفريد: 4 / 274، جامع الأحاديث: 13 / 369، 373، 379، 382، 399. (*)
ص 52
إلى الإسلام وأهله، ليقتدي بهم من يأتي بعدهم. إن الله لما أكمل دينه قبض النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) إليه من غير أن يستخلف أحدا وجعل الاختيار إلى المسلمين يختارون لأنفسهم من وثقوا برأيه ونصحه لهم، والذي يجب على المسلمين عند مضي خليفة من الخلفاء أن يجتمع ذوو الرأي والصلاح فيتشاوروا في أمورهم، فمن رأوه مستحقا للخلافة ولوه أمورهم. فإن ادعى مدع أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) استخلف رجلا بعينه نصبه للناس ونص عليه باسمه فقد أبطل في قوله وأتى بخلاف ما يعرفه أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم). ولا يكون قربى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) سبب استحقاق الخلافة والإمامة لأن الله يقول: *(إن أكرمكم عند الله أتقاكم)*(1). فمن كره ما ذكر وفارق جماعة المسلمين فاقتلوه كائنا من كان!!.. ثم دفعت الصحيفة إلى أبي عبيدة بن الجراح ليوجه بها إلى مكة (2). ثم انصرفوا.. وصلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بالناس صلاة الفجر، ثم جلس في مجلسه يذكر الله تعالى حتى طلعت الشمس، فالتفت إلى أبي عبيدة بن الجراح فقال له: بخ بخ من مثلك وقد أصبحت أمين هذه الأمة! ثم تلا: *(فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم ثم يقولون هذا من عند الله ليشتروا به ثمنا قليلا فويل لهم مما كتبت أيديهم وويل لهم مما يكسبون)*(3) لقد أشبه هؤلاء رجال في هذه الأمة *(يستخفون من الناس ولا يستخفون من الله وهو
(هامش)
1. الحجرات (49): 13. 2. فلم تزل الصحيفة في الكعبة مدفونة إلى أوان عمر بن الخطاب فاستخرجها من موضعها وهي الصحيفة التي أشار إليها أمير المؤمنين (عليه السلام) لما توفي عمر، فوقف به وهو مسجى بثوبه، فقال: ما أحب إلي أن ألقى الله بصحيفة هذا المسجى. 3. البقرة (2): 79. (*)
ص 53
معهم إذ يبيتون ما لا يرضى من القول وكان الله بما يعملون محيطا)* (1). ثم قال: لقد أصبح في هذه الأمة في يومي هذا قوم ضاهوهم في صحيفتهم التي كتبوها علينا في الجاهلية وعلقوها في الكعبة، وإن الله تعالى يمتعهم ليبتليهم ويبتلي من يأتي بعدهم تفرقة بين الخبيث والطيب، ولولا أنه سبحانه أمرني بالإعراض عنهم للأمر الذي هو بالغه لقدمتهم فضربت أعناقهم. قال حذيفة: فوالله لقد رأينا هؤلاء النفر - عند قول رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) هذه المقالة - وقد أخذتهم الرعدة فما يملك أحد منهم نفسه شيئا، ولم يخف على أحد ممن حضر مجلس رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ذلك اليوم أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إياهم عنى بقوله ولهم ضرب تلك الأمثال (2). أقول: وإلى هذا أشار أبي بن كعب في كلمته المشهورة: ألا هلك أهل العقدة والله ما آسي عليهم إنما آسي على من يضلون (3).
(هامش)
1. النساء (4): 108. 2. إرشاد القلوب: 333 - 336 عنه بحار الأنوار: 28 / 101 - 106. 3. سنن النسائي: 2 / 88، مسند أحمد: 5 / 140، المستدرك للحاكم: 2 / 226 (وأشار إليها في 3 / 305)، الطبقات لابن سعد: 3 / ق 2 / 61، حلية الأولياء: 1 / 252، شرح نهج البلاغة: 20 / 24، النهاية لابن الأثير: 3 / 270. ورواها من الإمامية: الإيضاح ص 378، المسترشد: 28 - 29، الفصول المختارة: 90 عنه بحار الأنوار: 10 / 296، الصراط المستقيم: 3 / 154 و257 عنه بحار الأنوار: 28 / 122. ثم أنك تجد في غير واحد من المصادر التصريح أو الإشارة إلى تعاهد القوم على صرف الأمر من بني هاشم إلى أنفسهم، وفي كثير منها أشير إلى الصحيفة، راجع كتاب سليم: 86 - 87، 92، 118 - 119، 164 - 165، 168، 222 - 226، تفسير العياشي: 1 / 274 - 275 و2 / 200، المسترشد: 413، الكافي: 1 / 391، 420 - 421 و4 / 545 و8 / 179 - 180، 334، 379، تفسير القمي: 1 / 142، 173، 175، 301 و2 / 289، 308، 356، 358، الاستغاثة: 171 - 172، الخصال: 171، معاني الأخبار: 412، أمالي المفيد: 112 - 113، المسائل العكبرية: 77 - 78، الفصول المختارة: 90، تقريب المعارف: 227، 367 (تبريزيان)، المناقب: 3 / 212 - 213، بشارة المصطفى (صلى الله عليه وآله وسلم): 197، الاحتجاج: 62 (في ضمن خطبة الغدير) 84 - 86، 150 - 151، شرح نهج البلاغة: 2 / 37، 60 (عن الشيعة) و20 / 298، الإقبال: 445، 458، اليقين: 355، إرشاد القلوب: 332، 336، 341، 391 - 392، الصراط المستقيم: 1 / 290 و2 / 94 - 95، 300، 3 / 118، 150، 153 - 154، مختصر البصائر: 30، المقنع للسد آبادي: 58، 115، التحصين: 537 - 538، مثالب النواصب: 92 - 96، تأويل الآيات: 139، 214، 532، 539، 554، 646، وراجع بحار الأنوار: 22 / 546 و28 / 85، الباب الثالث، 280 و30 / 12، 122، 125، 127 - 133، 162، 194، 216، 264 - 265، 271، 405 و31 / 416 - 417، 419 و53 / 75. (*)
ص 54
ويظهر من سائر الروايات أنهم تعاقدوا قبل ذلك أيضا في الكعبة في عدد يسير، وهم: عمر، وأبو بكر، وأبو عبيدة، وسالم، ومعاذ بن جبل، وعبد الرحمن بن عوف، والمغيرة بن شعبة (1).. أقول: ويدلك على تعاقد القوم وتدبيرهم في أمر الخلافة من قبل أمور: الأول: إحالة كل واحد من أبي بكر وعمر وأبي عبيدة أمر الخلافة إلى الآخر وعرض البيعة عليه، من دون مشاورة سائر الناس، فهل يكون اتفاق هؤلاء الثلاثة وبعض من عاونهم إجماع المسلمين؟! وهل كانوا وكلاء المسلمين في انتخاب الخليفة؟! هل يكون اعتبار الشورى مختصا بتشاور هؤلاء؟! الثاني: إنكار عمر وفاة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قبل مجيء أبي بكر لإغفال الناس عن أمر الخلافة، فما زال يتكلم ويتوعد المنافقين - بزعمه -، حتى أزبد شدقاه (2)!!.. وسكوته بعد مجيء أبي بكر. وفي رواية: وجلس عمر حين رأى أبا بكر مقبلا إليه (3)، بل في غير واحد
(هامش)
1. راجع الكافي: 8 / 179 - 180، 334، الصراط المستقيم: 3 / 153. 2. تاريخ الخميس: 2 / 167، جامع الأحاديث الكبير: 13 / 260. 3. كنز العمال: 7 / 245. (*)
ص 55
من المصادر أنه دعا إلى بيعة أبي بكر عقيب ذلك من دون فصل (1). الثالث: مسارعة أبي بكر إلى الكلام عقيب ذكر وفاة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، وترشيحه نفسه لأمر الخلافة، وفي رواية إنه قال: ألا وإن محمدا (صلى الله عليه وآله وسلم) قد مضى لسبيله، ولا بد لهذا الأمر من قائم يقوم به، فدبروا وانظروا وهاتوا ما عندكم رحمكم الله (2). الرابع: مواضع من كلام عمر حين حكاية قضايا السقيفة، مثل قوله: هيأت كلاما (3).. أو: وكنت قد زورت مقالة أعجبتني أردت أن أقولها.. وفي بعض الروايات: أريد أن أقدمها بين يدي أبي بكر (4).. فإنها تدل على توطئتهم مسبقا في أمر الخلافة، وتدبيرهم لها، نعم لتلبيس الأمر على الناس يقول عمر: والله ما ترك من كلمة أعجبتني في تزويري إلا قالها في بديهته. أو قولته المشهورة: كانت بيعة أبي بكر فلتة. وقد صرح عثمان - في أول مرة صعد المنبر -، بأن أبا بكر وعمر كانا يهيئان أنفسهما للخلافة، قال الجاحظ وغيره: إن عثمان صعد المنبر فارتج عليه.. فقال: إن أبا بكر وعمر كانا يعدان لهذا المقام مقالا.. سآتيكم الخطبة على وجهها!! (5).
(هامش)
1. الطبقات لابن سعد: 2 / ق 2 / 54، مسند أحمد: 6 / 220، أنساب الأشراف: 2 / 238، السيرة، لابن كثير: 4 / 480، تاريخ الإسلام، للذهبي: 1 / 564، نهاية الإرب: 18 / 387، مجمع الزوائد: 9 / 32، كنز العمال: 7 / 232، جامع الأحاديث: 13 / 16. 2. كتاب الردة، للواقدي: 31، الفتوح، لأحمد بن أعثم: 1 / 4، المواقف للإيجي، مع شرح الجرجاني: 3 / 575. 3. البخاري: 4 / 194، الطبقات: 2 / ق 2 / 55. 4. مسند أحمد: 1 / 56، البخاري: 8 / 27، السنن الكبرى، للبيهقي: 8 / 142، العقد الفريد: 4 / 258 (ط مصر)، البداية والنهاية: 5 / 266، كنز العمال: 5 / 645. 5. أنساب الأشراف: 6 / 131 (ط دار الفكر)، البيان والتبين للجاحظ: 1 / 345 (ط دار الكفر)، شرح نهج البلاغة: 13 / 13، بحار الأنوار: 31 / 245. (*)
ص 56
الخامس: إن عمر هو الذي كان يحث أبا بكر أن يصعد المنبر، فلم يزل به حتى صعد المنبر (1)، وفي رواية أنس: لقد رأيت عمر يزعج أبا بكر إلى المنبر إزعاجا (2).. ثم تراه يصعد المنبر ويتكلم قبل أبي بكر ويدعو الناس إلى مبايعته (3)، بل صرح أبو بكر بذلك حينما قال لعمر: أنت كلفتني هذا الأمر (4). السادس: تولى عمر جميع الأمور زمن خلافة أبي بكر، قال ابن عبد ربه: وكان على أمره كله وعلى القضاء عمر بن الخطاب (5). بل خالفه في غير واحد من القضايا، فلم يجترئ أبو بكر أن يدافع عن نفسه ويرد حكم عمر، فلما قيل له: أنت الخليفة أم عمر؟! أجاب: بل عمر.. ولكنه أبى!! وفي رواية: بل هو إن شاء. وفي أخرى: بل هو ولو شاء كان. وفي غيرها: الأمير عمر غير أن الطاعة لي!! أو: إنا لا نجيز إلا ما أجازه عمر (6). السابع: ولعله أهمها ما قاله عمر قبل وفاته: لو كان أبو عبيدة حيا استخلفته..! لو كان سالم حيا استخلفته..! وفي بعض المصادر ذكر معاذ بن جبل (7)!
(هامش)
1. البخاري: 8 / 126، سيرة ابن كثير: 4 / 492، البداية والنهاية: 5 / 268. 2. المغازي، للواقدي: 135، الآحاد والمثاني: 1 / 77، المصنف لعبد الرزاق: 5 / 438. 3. البداية والنهاية: 5 / 268، كنز العمال: 5 / 600 - 601. 4. جامع الأحاديث: 13 / 100. 5. العقد الفريد: 4 / 255. 6. راجع كنز العمال: 1 / 315 و3 / 914 و12 / 546، 582 - 583، جامع الأحاديث: 13 / 60، 153، وقريب منه في: 13 / 175، 273. 7. تقدمت مصادره قريبا. (*)
ص 57
جيش أسامة
ثم عقد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) الإمرة لأسامة بن زيد بن حارثة قبل وفاته، وأمره.. وندبه أن يخرج بجمهور الأمة إلى حيث أصيب أبوه من بلاد الروم، واجتمع رأيه على إخراج جماعة من مقدمي المهاجرين والأنصار في معسكره حتى لا يبقى في المدينة عند وفاته من يختلف في الرئاسة، ويطمع في التقدم على الناس بالإمارة، ويستتب الأمر لمن استخلفه من بعده ولا ينازعه في حقه منازع (1). فجمع أولئك النفر - أي أصحاب الصحيفة - ومن مالأهم على علي (عليه السلام) وطابقهم على عداوته، ومن كان من الطلقاء والمنافقين - وكانوا زهاء أربعة آلاف رجل - فجعلهم تحت يدي أسامة بن زيد مولاه وأمره عليهم (2)، وقد نص على أن فيهم أبي بكر وعمر بن الخطاب وأبي عبيدة بن الجراح، وسعد بن أبي وقاص، و.. (3).
(هامش)
1. الإرشاد: 1 / 180 - 181، عنه بحار الأنوار: 22 / 466. 2. إرشاد القلوب: 337 عنه بحار الأنوار: 28 / 107. راجع أيضا كلام أمير المؤمنين (عليه السلام) في الخصال: 371، عنه بحار الأنوار: 28 / 206. 3. شرح نهج البلاغة: 1 / 159 - 160 و6 / 52، 9 / 196 - 197، 12 / 83، 17 / 183 (عن كثير من المحدثين)، البداية والنهاية: 6 / 335، الطبقات لابن سعد: 2 / ق 1 / 136 و2 / ق 2 / 41 و4 / ق 1 / 46 - 47، تهذيب الكمال: 2 / 340، الكامل لابن الأثير: 2 / 317، تاريخ الخميس: 2 / 154، وفيات الأعيان: 8 / 374، جامع الأحاديث: 13 / 211، فتح الباري: 8 / 115 (أواخر كتاب المغازي)، تاريخ اليعقوبي: 2 / 76 - 77 و113، السيرة الحلبية: 3 / 207 (بيروت )، عيون الأثر: 2 / 352، نهاية الإرب: 17 / 370 و19 / 46، تاريخ مدينة دمشق: 8 / 46، (ترجمة أسامة) تاريخ الإسلام للذهبي (المغازي) 714، أنساب الأشراف: 2 / 115. ومن طرف الأخبار ما ذكره اليعقوبي في المقام من أن أبا بكر بعد أن استولى على الخلافة، وأراد تنفيذ جيش أسامة، سأل أسامة أن يترك له عمر يستعين به على أمره، فقال: ما تقول في نفسك؟!! فقال: يا بن أخي فعل الناس ما ترى، فدع لي عمر وأنفذ لوجهك، تاريخ اليعقوبي: 2 / 127. (*)
- اقتباس
- تعليق
تعليق
-
ص 58
وجد (صلى الله عليه وآله وسلم) في إخراجهم، [بل] وأمر أسامة بالبروز عن المدينة بمعسكره إلى الجرف، وحث الناس على الخروج إليه والمسير معه، وحذرهم من التلوم والإبطاء عنه.. فبينا هو في ذلك إذ عرضت له الشكاة التي توفي فيها، فلما أحس بالمرض الذي عراه أخذ بيد علي بن أبي طالب (عليه السلام) واتبعه جماعة من الناس وتوجه إلى البقيع فقال: السلام عليكم أهل القبور.. ليهنئكم ما أصبحتم فيه مما فيه الناس.. أقبلت الفتن كقطع الليل المظلم، يتبع آخرها أولها..! ثم استغفر لأهل البقيع طويلا (1). أقول: لنا أن نتسأل من أعلام أهل السنة الذين دونوا هذه الرواية في كتبهم، ما هذه الفتن التي أقبلت.. يتبع آخرها أولها؟! أليست إشارة إلى ما صنعه أصحاب السقيفة؟ بلى وكانوا هم السبب لوقوع جميع الفتن التي أحدثت بعد وفاة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى يومنا هذا وبعد هذا اليوم.. يتبع آخرها أولها. * * * ثم أنه قد خلا أبو بكر وعمرو أبو عبيدة بأسامة وجماعة من أصحابه - وكانوا في الطريق - فقالوا: إلى أين ننطلق ونخلي المدينة، ونحن أحوج ما كنا إليها وإلى المقام بها؟! فقال لهم أسامة: وما ذلك؟ قالوا: إن رسول الله قد نزل به الموت، والله لئن خلينا المدينة لتحدثن بها أمور لا يمكن إصلاحها، ننظر ما يكون من أمر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ثم المسير بين أيدينا!، فرجع القوم إلى المعسكر
(هامش)
1. الإرشاد: 1 / 181، عنه بحار الأنوار: 22 / 467 - 468. راجع أيضا: سنن الدارمي: 1 / 36 - 37، الطبري: 3 / 188، مسند أحمد: 3 / 488 - 489، شرح نهج البلاغة: 10 / 183، البداية والنهاية: 5 / 243 - 244، الكامل لابن الأثير: 2 / 318، الطبقات: 2 / ق 2 / 10، البدء والتاريخ: 5 / 56، أنساب الأشراف: 2 / 214، تاريخ الإسلام للذهبي: 1 / 545، نهاية الإرب: 18 / 362، المنتظم: 4 / 14 - 15، تاريخ الخميس: 2 / 161، مجمع الزوائد: 9 / 24، كنز العمال: 12 / 262. (*)
ص 59
الأول، وأقاموا به وبعثوا رسولا يتعرف لهم أمر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، فأتى الرسول إلى عائشة فسألها عن ذلك سرا، فقالت: امض إلى أبي وعمر ومن معهما وقل لهما: إن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قد ثقل فلا يبرحن أحد منكم، وأنا أعلمكم بالخبر وقتا بعد وقت.. واشتدت علة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فدعت عائشة صهيبا فقالت: امض إلى أبي بكر وأعلمه أن محمدا في حال لا يرجى.. فهلم إلينا أنت وعمر وأبو عبيدة ومن رأيتم أن يدخل معكم، وليكن دخولكم في الليل سرا، فدخل أبو بكر وعمر وأبو عبيدة ليلا المدينة ورسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قد ثقل، فأفاق بعض الإفاقة فقال (صلى الله عليه وآله وسلم): لقد طرق ليلتنا هذه، المدينة شر عظيم ، فقيل له: وما هو يا رسول الله؟ فقال: إن الذين كانوا في جيش أسامة قد رجع منهم نفر يخالفون عن أمري، ألا إني إلى الله منهم برئ.. ويحكم! نفذوا جيش أسامة.. فلم يزل يقول ذلك حتى قالها مرات كثيرة. فلما أصبح رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) من ليلته أذن بلال ثم أتاه يخبره كعادته فوجده قد ثقل، ومنع من الدخول إليه، فأمرت عائشة صهيبا أن يمضي إلى أبيها فيعلمه أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قد ثقل في مرضه وليس يطيق النهوض إلى المسجد وعلي بن أبي طالب (عليه السلام) قد شغل به وبمشاهدته عن الصلاة بالناس، فاخرج أنت إلى المسجد فصل بالناس، فإنها حالة تهنئك وحجة لك بعد اليوم. فلم يشعر الناس - وهم في المسجد ينتظرون رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أو عليا (عليه السلام) يصلي بهم كعادته التي عرفوها في مرضه - إذ دخل أبو بكر المسجد وقال: إن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قد ثقل وقد أمرني أن أصلي بالناس..! فقال له رجل من أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): وأنى ذلك! وأنت في جيش أسامة، ولا والله لا أعلم أحدا بعث إليك ولا أمرك بالصلاة..! ثم نادى الناس بلال فقال: على رسلكم - رحمكم الله - لأستأذن
ص 60
رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في ذلك، ثم أسرع حتى أتى الباب فدقه دقا شديدا فسمعه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال: ما هذا الدق العنيف؟!، فانظروا ما هو؟ ، قال فخرج الفضل بن العباس ففتح الباب فإذا بلال، قال ما وراءك يا بلال؟ فقال: إن أبا بكر قد دخل المسجد وقد تقدم حتى وقف في مقام رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، وزعم أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أمره بذلك، فقال: أو ليس أبو بكر مع جيش أسامة، هذا هو والله الشر العظيم الذي طرق البارحة المدينة، لقد أخبرنا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بذلك، ودخل الفضل وأدخل بلالا معه، فقال (صلى الله عليه وآله وسلم): ما وراءك يا بلال.. فأخبر رسول الله الخبر، فقال: أقيموني.. أقيموني.. أخرجوا بي إلى المسجد، والذي نفسي بيده قد نزلت بالإسلام نازلة وفتنة عظيمة من الفتن. ثم خرج معصوب الرأس يتهادى بين علي والفضل بن العباس، ورجلاه تجران في الأرض حتى دخل المسجد - وأبو بكر قائم في مقام رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وقد أطاف به عمر وأبو عبيدة وسالم وصهيب والنفر الذين دخلوا - وأكثر الناس قد وقفوا عن الصلاة ينتظرون ما يأتي بلال، فلما رأى الناس رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قد دخل المسجد - وهو بتلك الحالة العظيمة من المرض - أعظموا ذلك، وتقدم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فجذب أبا بكر من ورائه فنحاه عن المحراب، وأقبل أبو بكر والنفر الذين كانوا معه فتواروا خلف رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، وأقبل الناس فصلوا خلف رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وهو جالس (1)، فكبر وابتدأ الصلاة التي كان ابتدأها أبو بكر،
(هامش)
1. إلى هنا جاء في إرشاد القلوب: 338 - 340، عنه بحار الأنوار: 28 / 108 - 110. أقول: صرح اللمعاني المعتزلي: أن أمير المؤمنين (عليه السلام) نسب إلى عائشة بأنها أرسلت إلى أبيها ليصلي بالناس، والنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لم يعين للصلاة أحدا، بل قال: ليصل بهم أحدهم. وقال اللمعاني أيضا: إنها أرسلت إلى أبيها وأعلمته بأن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يموت عن قريب، فرجع أبو بكر عن جيش أسامة. راجع شرح نهج البلاغة: 9 / 196 - 199. نعم طائفة من أهل السنة يريدون إخفاء الواقع فتارة يقولون: أقبل رسول أم أيمن فأخبر أسامة بموت النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، كما في عيون الأثر: 2 / 353، وأخرى يقولون: أرسلت إليهم زوجة أسامة كما في تاريخ الإسلام للذهبي: 3 / 19. أقول: ويؤيد كلامه في عدم تعيين الإمام للصلاة ما ذكره المقدسي (المتوفى 355) في البدء والتاريخ: 5 / 57، فإنه قال: وإذا وجد ثقلا قال (صلى الله عليه وآله وسلم): مروا الناس فليصلوا. وكذا ابن كثير في السيرة النبوية: 4 / 459، والزهري في المغازي: 131. (*)
ص 61
ولم يبن على ما مضى من فعاله، فلما سلم انصرف إلى منزله، واستدعى أبا بكر وعمر وجماعة من حضر المسجد من المسلمين ثم قال: ألم آمر أن تنفذوا جيش أسامة؟! فقالوا: بلى يا رسول الله، قال: فلم تأخرتم عن أمري؟! قال أبو بكر: إني كنت قد خرجت ثم رجعت لأجدد بك عهدا، وقال عمر: يا رسول الله! إني لم أخرج لأنني لم أحب أن أسأل عنك الركب، فقال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): نفذوا جيش أسامة.. نفذوا جيش أسامة.. يكررها ثلاث مرات، ثم أغمي عليه من التعب الذي لحقه والأسف، فمكث هنيئة مغمى عليه، وبكى المسلمون وارتفع النحيب من أزواجه وولده ونساء المسلمين وجميع من حضر من المسلمين (1).
رزية يوم الخميس
وعندما أفاق رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) نظر إلى من كان حوله ثم قال: ائتوني بدواة وكتف لأكتب لكم كتابا لا تضلوا بعده أبدا ، ثم أغمي عليه، فقال عمر: إنه
(هامش)
1. الإرشاد: 1 / 183 - 184 عنه بحار الأنوار: 22 / 468. أقول: ذكر الطبري والمقدسي وغيرهما أنه (صلى الله عليه وآله وسلم) قال عقيب تلك الصلاة: أقبلت الفتن كقطع الليل المظلم يتبع آخرها أولها.. راجع تاريخ الطبري: 3 / 198، البدء والتاريخ: 5 / 61، وأشار إليه النويري بقوله عقيب ذكر الصلاة: فحذر (أي النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)) الناس من الفتن، نهاية الإرب: 18 / 368. وقال العصامي المكي: فكلمهم رافعا صوته حتى خرج صوته من باب المسجد يقول: أيها الناس! سعرت النار..، وأقبلت الفتن كالليل المظلم... سمط النجوم العوالي: 2 / 241. (*)
ص 62
يهجر!! (1) لا تأتوه بشيء فإنه قد غلبه الوجع وعندكم القرآن، حسبنا كتاب الله..! فاختلف أهل البيت واختصموا، فمنهم من يقول: قربوا يكتب لكم رسول الله.. ومنهم من يقول ما قال عمر.. فلما كثر اللغط والاختلاف قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): قوموا عني (2). قال بعضهم: ألا نأتيك بدواة وكتف يا رسول الله؟ فقال: أ بعد الذي قلتم..؟! لا، ولكني أوصيكم بأهل بيتي خيرا ، وأعرض بوجهه عن القوم فنهضوا، وبقي عنده العباس والفضل بن العباس وعلي بن أبي طالب وأهل بيته خاصة، فقال له العباس: يا رسول الله! إن يكن هذا الأمر فينا مستقرا من بعدك فبشرنا، وإن كنت تعلم إنه نغلب عليه فأوص بنا، فقال (صلى الله عليه وآله وسلم): أنتم المستضعفون من بعدي (3). فكان ابن عباس يقول: إن الرزية كل الرزية ما حال بين رسول الله وبين أن يكتب لهم ذلك الكتاب من اختلافهم ولغطهم (4). أقول: الكلام حول هذه الرزية طويل الذيل (5) ولكن لا يسعنا ترك أمور:
(هامش)
1. الإرشاد: 1 / 183 - 184 عنه بحار الأنوار: 22 / 468. 2. مسند أحمد: 1 / 293، 324 - 336، صحيح البخاري: 4 / 31 و5 / 137 و7 / 9 و8 / 161، صحيح مسلم: 5 / 76، الطبري: 3 / 192 - 193، المستدرك: 3 / 477، شرح نهج البلاغة: 2 / 54 - 55 و6 / 51 و12 / 87، البداية والنهاية: 5 / 247 - 248، مجمع الزوائد: 9 / 33 - 34، كنز العمال: 5 / 644 و7 / 243 الملل والنحل للشهرستاني: 1 / 22، الكامل لابن الأثير: 2 / 320، الطبقات لابن سعد: 2 / ق 2 / 36 - 38، البدء والتاريخ: 5 / 59، السيرة النبوية لابن كثير: 4 / 450 - 451، نهاية الإرب: 18 / 373 - 375، أنساب الأشراف: 2 / 236، تاريخ الإسلام للذهبي: 1 / 551 - 552. بحار الأنوار: 30 / 529 - 536، (عنهم بأسانيد عديدة). 3. الإرشاد: 1 / 184 - 185، عنه بحار الأنوار: 22 / 468. 4. مسند أحمد: 1 / 325، 336، البخاري: 5 / 137 و7 / 9، صحيح مسلم: 5 / 76. 5. راجع بحار الأنوار: 30 / 529 والكتب الكلامية. (*)
- اقتباس
- تعليق
تعليق
-
المشاركة الأصلية بواسطة طالب الكنانيايها الاشعري المخنث والذي قالها ابن تيمية
البخاري البتار ايها الجاهل وهو جاء بعد عبد الله ابن مسعود ب150 سنة قال يحك المعوذتين واعطيناك رواية بذلك
اعطيني رواية تبين بان ابن مسعود تراجع ايها الاشعري الجاهل
اما من قليل الادب فهو انت يا تربية شارع الهرم والعوالم ايها القذر
ومادمت انت في منتدى شيعي فاني سوف اكون بالمرصاد لامثالك من الطائفين البغيضين وسوف ارد على كل كذبك وافترائك
يا ابني افهم ... هو روى القرآن بما فيه المعوذتين .. يبقى تراجع أم لا ؟
إذا كان لم يتراجع حسب دعواك العجيبة ... فكيف روى القرآن والمعوذتين فيه ؟
أين عقلك يا رجل ؟
أما عن شارع الهرم فأقسم بالله أنني لم أزره ولا أعرفه .. ولا اعرف العوالم ...
نصيحة :
عندما تعاني من جهل في مسألة . أو تكون المسألة أكبر من عقلك لا تتدخل في الموضوع .
- اقتباس
- تعليق
تعليق
-
المشاركة الأصلية بواسطة كرار أحمدأنت بلا عقل ...
يا ابني افهم ... هو روى القرآن بما فيه المعوذتين .. يبقى تراجع أم لا ؟
إذا كان لم يتراجع حسب دعواك العجيبة ... فكيف روى القرآن والمعوذتين فيه ؟
أين عقلك يا رجل ؟
أما عن شارع الهرم فأقسم بالله أنني لم أزره ولا أعرفه .. ولا اعرف العوالم ...
نصيحة :
عندما تعاني من جهل في مسألة . أو تكون المسألة أكبر من عقلك لا تتدخل في الموضوع .
اتيناك من صحيح البتار الناصبي البخاري رواية ابن مسعود يحك المعوذتين
هل هناك رواية تنفي ذلك يا ابو الانشاء الجاهل رواية بسند فتح عقلك اذا كان لدية ذرة من العقل
- اقتباس
- تعليق
تعليق
اقرأ في منتديات يا حسين
تقليص
لا توجد نتائج تلبي هذه المعايير.
تعليق