بسم الله الرحمان الرحيم
اللهم صل على محمد وآله الطيبين الطاهرين .
لما رأينا أن موضوع المتعة – الزواج المؤقت – له أهمية كبيرة ، وخاصة إذا دخلت به التأويلات والمناقشات ، كان لزاما علينا - ولفائدة إخواننا الشيعة في ذلك ، حتى يصلوا إلى بر الأمان ، ويأخذوا من معين صاف – أن نذكر ما أوردناه في مشاركة لنا حول حلية المتعة ، والذي كان ردا على أحد إخواننا السنة الأفاضل ، علما أن موضوعنا – الذي كتبناه بعونه تعالى – كان بعنوان " بشراكم شيعة جبل عامل " وكان ردنا استجابة لطلب الأخ الكريم – سددنا وإياه إلى طريق الصواب - ، وقد اعتمدنا على علماء الشيعة في هذا الرد ، ولم نأتِ بشيء جديد ، فبضاعتنا قليلة ، مع تبويبنا للبحث ، وبعض الزيادات التي رأيناها مناسبة ، سائلين الله - عزوجل – أن يكون من وراء المقصد ، والحمد لله رب العالمين وسلام على محمد وآله الطاهرين .اللهم صل على محمد وآله الطيبين الطاهرين .
# البحــــث #
إننا نحن معاشر الشيعة نرى أن المتعة قد شرعها الشارع المقدس ، ولم يرد عندنا في مصادرنا التي نعتمد عليها ما يحرمها ، ولم يرد في القرآن الكريم ما يحرمها ، بل أجمعت كلمة المسلمين على أن الرسول (ص) قد شرعها ، بل وعمل بها الصحابة في عهده ، وقد استمر عمل الصحابة بها - حتى الخليفة أبو بكر - إلى الخليفة أبو حفص ، حتى أصدر نهيه عنها وعن متعة الحج فقال : ( متعتان كانتا على عهد رسول الله وأنا أنهى عنهما وأعاقب عليهما ) تاريخ الإسلام للذهبي ج15 ص418 .
وبذلك تعلم أن المتعة - عندنا - ليست محرمة ، وبالتالي ليست مصداق لقاعدة ( وينهون عن المنكر ) بل العكس هي مصداق لـ ( يأمرون بالمعروف ) .
ولكن لما رأينا أنَّ البحث قد أخذ منحى يفرض التفصيل ، فنقول - بعد الاستعانة بكلمات أعلامنا - :
أوَّلا : هل الآية نسخت .
قال إخواننا السنة - وفقهم الله - : إنّ الآية منسوخة ، كما أن النبي - صلى الله عليه وآله - حرمها بعد ما كان أحلها ، وبذلك يقر أخوتنا السنة أنه لا فظاظة في تشريع المتعة ثبوتا ، بغض النظر عن الإثبات .
أقول : إن آية المتعة لم تنسخ الآية ، إذ لم ترد آية أخرى تنسخها ، ولا يصح نسخ الكتاب بالخبر الواحد ، وإنَّ الرخصة الثابتة عن الرسول (ص) متفق عليها بين الجميع ، أما تحريمها بعد ذلك فلم يثبت بخبر صحيح . فلم يبق سوى نهي الخليفة الثاني ، وهو بمجرده لا حجية له .
# مــــــدار البحث #
إنَّ الأمر الذي يجب علينا البحث عنه هو : هل ثبت تحريم النبي للمتعة بعد الترخيص ؟ ، هذه هي النقطة الفارقة بين النظرتين . فإذا ثبتت ثبت التحريم وإلا فلا .
مما لا ريب فيه أن الدين الإسلامي قد شرع نكاح المتعة - الزواج المؤقت - في وقتٍ ، واعترف بذلك جميع الفقهاء ، وأصحاب الحديث والتفسير غير أن الاختلاف وقع في نسخه ، فذهب فريق من السلف وأكثر المتأخرين إلى تحريمها بعد تحليلها ، وبقيت جماعة كبيرة من الأمة على تحليلها حيث لم يثبت لديهم الناسخ الشرعي .
# الأدلة على أن المتعة كانت مرخصة #
أولا : نعرض لكلمات بعض الأعلام حول ذلك ، حيث - أما النهي عنها فسنأتي عليه - قال الفخر الرازي : ( اتفقوا على أنها - أي المتعة - كانت مباحة في ابتداء الإسلام روي عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - ( لمَّا قدم مكة في عمرته تزين نساء مكة ، فشكا أصحاب الرسول - صلى الله عليه وآله - طول العزوبة ، فقال : استمتعوا من هذه النساء ) ، واختلفوا في أنها نسخت أم لا ؟ ، فذهب السواد الأعظم من الأمة إلى أنها صارت منسوخة ، وقال السواد ( 1 ) منهم : إنها بقيت مباحة كما كانت ، وهذا القول مروي عن ابن عباس وعمران بن الحصين . . . )( التفسير الكبير ج 10 ص 49 ) ، ويقول أيضا : ( والذي يجب أن يعتمد عليه في هذا الباب أن نقول : إنا لا ننكر أن المتعة كانت مباحة ، إنما الذي نقوله : إنها صارت منسوخة ) ص 53 ، وعقد الشيخ البخاري بابًا لأحاديث المتعة فقال : ( " باب نهي رسول الله عن نكاح المتعة آخرا )( البخاري ج 7 ص 16 ) ، لكن ابن حجر قال في شرح ذلك : ( وقوله - في الترجمة - : أخيرا ، يفهم منه أنه كان مباحا ، وأن النهي عنه وقع في آخر الأمر ) . ( فتح الباري ج 11 ص 70 ) ، وقال الجصاص : ( لم يختلف أهل النقل أن المتعة قد كانت مباحة في بعض الأوقات أباحها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - )( أحكام القرآن ج 2 ص 178 ) ، وقال الآلوسي : " ولا نزاع عندنا في أنها أحلت . . ثم حرمت . . . " . ( روح المعاني ج 2 ص 70 ) ، وقال المازري - بنقل النووي - : " ثبت أن نكاح المتعة كان جائزا في أول الإسلام . . . ثم ثبت بالأحاديث الصحيحة هنا أنه نسخ وانعقد الإجماع على تحريمه ( 2 ) . . . " . ( شرح النووي على مسلم ج 9 ص 179 ) .
# ما دل على مشروعية المتعة زمن الرسول الأكرم (ص) #
إن هناك طائفة كبيرة من الأحاديث الصحيحة الإسناد نصت على مشروعية المتعة زمن الرسول الأكرم وفي حياته ، فضلا عن الآية الكريمة ، أمَّا الآية فهي قوله تعالى : " وأحل لكم ما وراء ذلكم أن تبتغوا بأموالكم محصنين غير مسافحين ، فما استمتعتم به منهن فآتوهن أجورهن فريضة ، ولا جناح عليكم فيما تراضيتم به من بعد الفريضة إن الله كان عليما حكيما " ( النساء 24 ) ، لا شك أنها تريد المتعة أي الزواج المؤقت ، دون الدائم ، وذلك للأسباب التالية : أولا : أنَّ الآية مدنية نزلت في سورة النساء في الشطر الأول من عهد النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - بالمدينة بعد الهجرة ، وقد كان الناس آنذاك يتمتعون بالنساء تمتعا مؤقتا إزاء أجر معين ، والآية وردت وفقا للعادة الجارية ، مؤكدة الوفاء بالأجر الذي يتفقان عليه ، وفي ذلك روى الشيخ مسلم عن جابر بن عبد الله الأنصاري قال : " كنا نستمتع بالقبضة من التمر والدقيق الأيام على عهد رسول الله - صلى الله عليه وآله - . . . " . (مسلم ج 4 ص 131) ، فقد كانت لفظة " الاستمتاع " دائرة في أعراف الناس ويراد منها الزواج المؤقت ، وورد لفظ القرآن الكريم بذلك ، فلا بد من حمله على نفس المعنى المتداول ، جريا وفق أسلوب القرآن الكريم في جميع أحكامه وتشريعاته المترتبة على أعراف الناس ، أمثال البيع ، والربا ، والربح ، والغنيمة ، وما إلى ذلك أما والتصدي إلى تأويل لفظ القرآن إلى غير المألوف المتداول فبحاجة إلى دليل فضلا عن كونه خلاف الظاهر .
ثانيا : أن الآية صرحت بلفظة " أجورهن " ، ولا أجر في النكاح الدائم ، بل هو مهر ، أو صداق ، فحمل اللفظ على غير معناه المعهود تأويل لا شاهد عليه كما ذكرنا أولا .
ثالثا :أنَّ سياق الآية بالنظر إلى ما قبلها وما بعدها من آيات يدلنا على اختصاصها بشأن المتعة أي الزواج المؤقت ، فإن الآيات بصدد بيان شأن المحرمات عن المحللات ، والتأكيد على غض النظر عن الأموال التي تملكها الزوجات على ما كانت عليه الجاهلية الأولى من التطاول إلى أموال نساءهم استغلالا لجانب ضعفهن ، فقال تعالى : " يا أيها الذين آمنوا لا يحل لكم أن ترثوا النساء كرها . ولا تعضلوهن لتذهبوا ببعض ما آتيتموهن . . . 19 " ، وقال عز وجل : " وإن أردتم استبدال زوج مكان زوج وآتيتم إحداهن قنطارا فلا تأخذوا منه شيئا . أتأخذونه بهتانا وإثما مبينا . وكيف تأخذونه وقد أفضى بعضكم إلى بعض وأخذن منكم ميثاقا غليظا . . . 21 " ، ثم قال : " ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم . . . 22 " و " حرمت عليكم أمهاتكم وبناتكم وأخواتكم وعماتكم وخالاتكم وبنات الأخ وبنات الأخت وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم وأخواتكم من الرضاعة وأمهات نساءكم وربائبكم اللاتي في حجوركم . . . 23 " و " وحلائل أبنائكم . . . 23 ) و " وأن تجمعوا بين الأختين . . . 23 " و " والمحصنات من النساء . . . 24 ) أي المتزوجات بغيركم ، ثم قال تعالى : " وأحل لكم ما وراء ذلكم . . . 24 " ( سورة النساء ) ، وإلى هنا اكتمل الهدف من تحريم البغي على الأزواج وهضم حقوقهن ، وتفصيل المحرمات ثم الحكم بتحليل ما عداهن ، وبقي حكم آخر غير مذكور في الآيات المذكورة تعرض له القرآن الكريم فقال : " فما استمتعتم به منهن فآتوهن أجورهن فريضة . . 24 " فنعرف من ذلك أن هناك نوعا آخر من الأزواج غير المتقدم ذكرهن ، وقد لا يشملهن حكم الأولى ، فمست الحاجة إلى بيان آخر لتفصيل هذه ، فقال : وأما النساء المستمتع بهن فادفعوا إليهن - أيضا - ما توافقتم عليه من أجر ، ولا تذهبوا بأجورهن ، كما كان الحكم كذلك في الأزواج الدائمات أيضا . ثم بين - تعالى- قِسما ثالثًا من النساء اللاتي يجوز نكاحهن وهو : ( الإماء ) . وهذه الأخيرة تخصُّ أولئك الذين لا يستطيعون طولا أن ينكحوا المحصنات الحرات ، فقال تعالى : " ومن لم يستطع منكم طولا أن ينكح المحصنات المؤمنات فمما ملكت أيمانكم من فتياتكم المؤمنات . . . 25 " . ثم ينتهي الحديث بقوله تعالى : " يريد الله ليبين لكم ويهديكم سنن الذين من قبلكم ويتوب عليكم والله عليم حكيم . . . 26 " .
الخلاصـــة أن ما ذكر يدلنا على ترجيح القول بأن الآية المبحوث عنها تشير إلى المتعة ( الزواج المؤقت ) ، وبذلك ينسجم سياق الآيات المرتبطة بعضها مع بعض ، من دون حصول تكرار ، أو إهمال .
تعليق