الأخوة الأعزاء
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،،،إن نهضة الإمام الحسين عليه السلام التي حدثت في النصف الثاني من القرن الأول الهجري، لهي من النهضات التي غيّرت مجرى التاريخ إلى يومنا هذا، وستغيّر بإذن الله مجرى التاريخ إلى يوم يبعثون، ذلك أن هذه النهضة كانت بين خطّين لا يلتقيان، خطر الشر وإعادة الأمة إلى جاهلية والمتمثل في السلطة الأموية والتي يتزعمها يزيد بن معاوية، وخط العدل وإصلاح الأمّة لقيادتهم إلى بر الأمان والمتمثل في الإمام الحسين عليه السلام.
ولعل التركيز في قراءة تاريخ تلك الحقبة يجعل الإنسان العاقل يدرك ويجزم أن هناك خيوطاً مسمومة تفتك بالأمة الإسلامية دبّرها ونفّذها زمرة من أتباع الأمويين لتحقيق مآربهم الشخصية من جهة، وللإطاحة برمز العدل والإصلاح العالمي الإمام الحسين عليه السلام وأتباعه من جهة أخرى.
من خلال ذلك، حريٌ بالإنسان أن يعرف عناصر الفساد والشر التي كانت تخيّم على الأمة الإسلامية آنذاك، لأنه بدون معرفة الأحداث القائمة لا يمكن له الخروج بنتيجة تُذكر، وكما يقال: (معرفة الخصم نصف الانتصار)، فبدون معرفة تاريخ الطرف الآخر وبماذا يفكر فيه، لا يمكن للإنسان تحقيق النتائج المرجوّة، والإمام الحسين عليه السلام كان على دراية واطّلاع بما يحبكه الطرف الآخر تجاهه وتجاه الدين الإسلامي، فقام بدوره المنوط به من قبل السماء، وهو الدور الذي قام به من تمهيد في توعية الناس وتحذيرهم مغبّة ما هم فيه، إلى أن قُتل على أرض كربلاء.
ثم إن تلك القطرات من الدم لم تكن قطرات دم شخصٍ خرج وهُزم!! بل كانت قطراتٍ منذورة لخدمة الإسلام، والعبرة بالنتائج.
وفي وضعنا الراهن، على الإنسان الذي يريد تحقيق نجاح في مجال ما، عليه أن يتعرف على مواقع الخطر والخلل عند الخصم في جميع مجالات الحياة، ليتسنى له تحقيق النجاح الذي تصبوه إليه نفسه، وليكن تفكيره نزيهاً تجاه ما يرنو إليه كما كان مولانا أبو عبدالله الحسين عليه السلام.
ولكي نطمئن بما قام به الحسين عليه السلام، فإنه رأى عناصر الشر بارزةً للعيان، فهاهو رمز السلطة الأموية معاوية يقول: (ما قاتلتكم لتصوموا ولا لتصلّوا ولا لتحجّوا ولا لتزكّوا، وقد عرفتُ أنكم تفعلون ذلك، ولكن إنما قاتلتكم لأتأمّر عليكم، فقد أعطاني الله ذلك وأنتم كارهون)، ليأتي بعده ابنه يزيد بن معاوية ويسير بسيرة أسلافه قولاً وفعلاً، يقول المسعودي: (وغلب على أصحاب يزيد وعمّاله ما كان يفعله من الفسوق، وفي أيامه ظهر الغناء بمكة والمدينة، واستُعملت الملاهي، وأظهر الناس شرب الشراب). وكذا قوله حينما أُتي برأس الإمام الحسين عليه السلام:
لما بدت تلك الحُمول وأشرفت = تلك الرؤوس على ربى جيروني
نعق الغراب فقلتُ: نُح أو لا تنح = فلقد قضيت من النبي ديوني
وغير ذلك كثير، ولذا نرى الإمام الحسين عليه السلام يفضح الطرف الآخر بالأسلوب الحضاري التدريجي (الأسلوب النظري) ليوضح مواقع الخلل والخطر عند الطرف الآخر بقوله: (ألا وإن هؤلاء قد لزموا طاعة الشيطان وتركوا طاعة الرحمن، وأظهروا الفساد، وعطّلوا الحدود، واستأثروا بالفئ، وأحلّوا حرام الله وحرّموا حلاله، وأنا أحق من غيّر)، وكذا قوله: (ألا ترون إلى الحق لا يُعمل به وإلى الباطل لا يُتناهى عنه، ليرغب المؤمن في لقاء ربه حقاً حقاً) وغيرها من الأقوال التي تصرّح أن الإمام عليه السلام لم يخرج من أجل نفسه!! أو لأجل تحقيق مصلحة على الصعيد الشخصي!! بل خرج ليعيد المعالم والمبادئ إلى نصابها وفق منهجٍ إلهي يختلف عن المناهج الأخرى، ووفق طريقة غريبة في ذلك الزمن، وفائدة ذلك أننا نأخذ درساً قرآنياً مجسداً على أرض الواقع (كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة) وهذه الفئة القليلة من حيث الكم .. إلا أنها من حيث الإرادة والمنهج أكثر وأقوى، ولذا كانت دماؤهم رضوان الله عليهم منهجاً ومناراً لمن أراد أن يسير هذا المسير.
قال الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم: (إن الحسين مصباح الهدى وسفينة النجاة).
أخوكم
زكي مبارك
تعليق