بسم الله الرحمن الرحيم
نفي الرؤية عن الله سبحانه وتعالى:
كلنا يعلم أن هناك صفات كمالية , وأخرى ناقصية , وحين نحمدُ الله نحمدهُ بإثبات الصفات الكمالية له سبحانه وتعالى كالقدرة والعلم والحياة, وحين نسبحه إنما ننزه عن الصفات السلبية الناقصة , التي لو نسبناها إلى الذات المقدسة كنا من الذامين لها المنتقصين منها ومن شأنها..
قابلية الرؤية البصرية , هل هي صفة كمال أم صفة نقص؟
إن كانت صفة كمال وجب علينا إثباتها للحق جلّ وعلا , وإن كانت صفة نقص وجب علينا تنزيه الله عنها .
أيها الأخوة كلنا يعلم أن الروح أشرف من الجسد, وأعلى منه مكانةً وأكمل منه.
والجسد أنقص من الروح وأقل منها مكانة.
وهنا تحلو وقفة التأمل , هل للرؤية علاقة في هذا الشأن؟
الجسد مرئي , ولكن الروح غير مرئية.. والروح أكمل من الجسد
هل يُعقل أن تتمتع الروح بهذه المكانة وهذه الخاصية (خاصية عدم قابلية إدراكها بصريا) وأن تفقد الذات الإلهية هذه الخاصية؟
هذه نقطة..
نقطة أخرى: إن أي شيء يمكن رؤيته فهو جسم, وهذا مما يثبته الباطنيون لله سبحانه وتعالى عما يقول الجاهلون علواً كبيرا..
حيث جاء في الراستباشية أن الله (جسمٌ لا كالأجسام)
فإذاً الباطن يتفق مع الفرقة الوهابية في تجسيم الله , وإثبات الجسم له .
غير أن الباطن ابتعد عن التشبيه بالقول (لا كالأجسام) فهم ينطوون تحت قسم (الفرق المجسمة دون التشبيه) وقد رد على مقولتهم الأئمة الأطهار عليهم السلام ,حيث جاء في بحار الأنوار- ج 3 - ص 288 - 293
(الرخجي قال : كتبت إلى أبي الحسن علي بن محمد عليهما السلام أسأله عما قال هشام بن الحكم في الجسم ، وهشام بن سالم في الصورة . فكتب عليه السلام : دع عنك حيرة الحيران واستعذ بالله من الشيطان ، ليس القول ما قال الهشامان .
وقد ورد هذا الحديث أيضاً في التوحيد : الدقاق ، عن الكليني ، عن علي بن محمد رفعه عن الرخجي.
بيان : فقد قيل : إنهما قالا بجسم لا كالأجسام ، وبصورة لا كالصور ، والمجسمة أقسام فمنهم من تستر بالكفة فقال : هو جسم لا كالأجسام وله حيز لا كالأحياز ، ونسبته إلى حيزه ليس كنسبة الأجسام إلى أحيازها ، وهكذا ينفي جميع خواص الجسم عنه حتى لا يبقى إلا اسم الجسم.
و قد قيل : إن هشام بن الحكم كان قبل أن يلقي الصادق عليه السلام على رأي جهم بن صفوان ، فلما تبعه عليه السلام تاب ورجع إلى الحق ، ويؤيده ما ذكره الكراجكي في كنز الفوائد في الرد على القائلين بالجسم بمعنييه حيث قال : وأما موالاتنا هشاما رحمه الله فهي لما شاع عنه واستفاض من تركه للقول بالجسم الذي كان ينصره ، ورجوعه عنه ، وإقراره بخطئه فيه وتوبته منه ، وذلك حين قصد الإمام جعفر بن محمد عليهما السلام إلى المدينة فحجبه ، وقيل له : إنه أمرنا أن لا نوصلك إليه ما دمت قائلا بالجسم ، فقال : والله ما قلت به إلا لأني ظننت أنه وفاق لقول إمامي ، فأما إذا أنكره علي فإنني تائب إلى الله منه ، فأوصله الإمام عليه السلام إليه ودعا له بخير وحفظ .
- عن الصادق عليه السلام أنه قال لهشام : إن الله تعالى لا يشبه شيئا ولا يشبهه شئ ، وكل ما وقع في الوهم فهو بخلافه .
- الإحتجاج : في سؤال الزنديق برواية هشام ، عن الصادق عليه السلام ، لا جسم ولا صورة ولا يحس ولا يجس ، ولا يدرك بالحواس الخمس ، لا تدركه الأوهام ولا تنقصه الدهور ، ولا تغيره الأزمان . الخبر .
- التوحيد ، أمالي الصدوق : ابن المتوكل ، عن علي ، عن أبيه ، عن الصقر بن دلف قال : سألت أبا الحسن علي بن محمد عليهما السلام عن التوحيد وقلت له : إني أقول بقول هشام بن الحكم ، فغضب عليه السلام ثم قال : مالكم ولقول هشام ؟ إنه ليس منا من زعم أن الله جسم ، ونحن منه برآء في الدنيا والآخرة ، يا ابن دلف إن الجسم محدث ، والله محدثه و مجسمه .
- أمالي الصدوق : ابن الوليد ، عن الصفار ، عن ابن معروف ، عن علي بن مهزيار قال : كتبت إلى أبي جعفر الثاني عليه السلام : جعلت فداك أصلي خلف من يقول بالجسم ، ومن يقول : بقول يونس - يعني ابن عبد الرحمن - ؟ فكتب عليه السلام لا تصلوا خلفهم ولا تعطوهم من الزكاة وابرؤوا منهم ، برأ الله منهم .
- أمالي الصدوق : ابن الوليد ، عن الصفار ، عن البرقي ، عن أبي هاشم الجعفري قال : سمعت علي بن موسى الرضا عليه السلام يقول : إلهي بدت قدرتك ولم تبد هيئته فجهلوك . و به قدروك والتقدير على غير ما وصفوك ، وإني برئ يا إلهي من الذين بالتشبيه طلبوك ، ليس كمثلك شئ ، إلهي ولن يدركوك ، وظاهر ما بهم من نعمك دليلهم عليك لو عرفوك ، وفي خلقك يا إلهي مندوحة أن يتناولوك ، بل سووك بخلقك فمن ثم لم يعرفوك ، واتخذوا بعض آياتك ربا فبذلك وصفوك ، تعاليت ربي عما به المشبهون نعتوك . بيان : وبه أي وبالجهل .)
فهذا قليلٌ مما جاء عن أئمة أهل البيت في نفي الجسم سواء كان كالأجسام أو (لا كالأجسام) فهذا هشام بن الحكم كان يقول أن الله (جسمٌ لا كالأجسام) فتاب عن ذلك واعترف بخطئه بعد أن رد عليه الإمام الصادق عليه السلام.
فإن ثبت أنه ليس بجسم ثبت أنه غير مرئي لأن المرئي جسم , والجسم نقص .
كما أن الأحاديث السابقة تؤكد ذلك أيضاً.
أما الدليل العقلي على أن الله ليس بجسم فهو أن الشيء لا يكون جسماً إلا إذا كان محدوداً ومن حد الله فقد أبطل أزله.
كما أن الجسم هو شيء مجسم , والمجسم بحاجة لمن يجسمه فهو محدث .
فالله هو الذي جسّم الأشياء , فكيف يكون جسماً؟ ولو كان جسماً لكان كمثله شيء.
كما أن الجسم مركب حتماً , لأنه مكون من وجودٍ في مكان وعدم وجود في مكانٍ آخر لأنه لو لم يكن له نهاية ما صح أن يكون جسم , وبالتالي فهو محدود محدث.
وحين نقول أن الله ليس بجسم معناه أنه ليس بمرئي.
من جهةٍ أخرى لقد أثبت المنطق أن الله سبحانه وتعالى بسيط الحقيقة..
ولو كان مركباً لكان مخلوقاً بلا تردد
والبسيط لا يمكن تجزئته أو تبعيضه , ولا يمكن أن يظهر بقدر ما , لأنه لا يُقسم إلى قدور
وبالتالي إما أن يكون ظاهراً مرئياً تماماً وإما أن يكون غير مرئي تماماً..
لأن ما يمكن أن يظهر للناس مرئياً بقدر مرتبة كل شخص , أو طبيعة كل شخص فهو مركب حتماً وبالتالي مخلوق.
والسبب في ذلك أن البسيط لا يبعض ولا يجزأ و ليس له كل أو بعض..
فلا يمكن القول بأننا لا نرى الله بكليته ذلك أنه لا كلية لله ولا بعض له , بل إن الله هو الله الواحد الأحد ..
فكيف يظهر كما هو فنراه كما نحن؟
فإن قولكم إنه ظهر كما هو يعني أن له كيفية معينة ظهر بها , ولكننا نحن لم نستطع الإحاطة بكل هذه الكيفية..
وهذا فيه أكثر من مغالطة, فأولاً : ليس لله كيف أو كيفية..
قال أمير المؤمنين علي عليه السلام : (كيّف الكيف فعلمنا أن لا كيف له)نهج البلاغة.
وثانياً : عندما لا ندرك كل ظهوره فهذا يعني أننا أدركنا بعض ظهوره وهنا نكون قد أثبتنا التبعيض في الله وهذا خلاف التوحيد , بل خلاف التأليه لأن من كان مركباً فهو مخلوق.
وإذا أردنا أن نسرد خصائص المرئي نجد ما يلي:
1-المرئي جسم.
2-المرئي مركب.
3-المرئي محدود.
4-المرئي شبيه بباقي المرئيات.
وبالتالي فإنه ناقص لأن كل الصفات السابقة هي صفات ناقصة وتوجب النقص في صاحبها.
قال تعالى: {لاَّ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ }الأنعام103
جاء في الراستباشية:
(ولكنّا نقول: أنّ تلك الصورة المرئية هي هو إثباتاً وإيجاداً وعياناً وبياناً ويقينا لا هو هي جمعاً ولا كلا ولا احاطة ولا إحصاراً, قال: فما تقول في قوله تعالى:*(( لا تدركه الأبصار))* الأنعام-130- وقد كانت تلك الصورة مدركة معاينة؟ قلنا له: ليس الإدراك هنا إدراك إحاطة وإنّما هو إدراك العيان والوجود, وقوله:*(( يدرك الأبصار))* يعني أبصار الخلق جميعا بغير فوات شيء منها ولا يغرب عليه كونها لأنه مكوّنها ومكوّن كيانها, ومكان المكوّن لها لا تدركه أبصارهم إلاّ بقدر ما استحقوه من العيان, وأن ليس إثنان يتساويان في النظر إليه, وأنّ الاسم يراه بما لا يراه به الباب لأنّه دونه, وهكذا كل شخص من أشخاص المراتب يراه بما لا يراه به من دونه, ويراه الباب بما لا يراه به اليتيم الأكبر والمقداد يراه بما لا يراه أبو ذر لأنه دونه في المنزلة والرتبة)
التعليق:
قالت الراستباشية أن الله ليس الصورة المرئية جمعاً ولا كلاً...
وهنا نقطة الضعف : إن كان الله ليس هو الصورة المرئية كلاً فهذا يعني وبشكل تلقائي وكما يقتضيه المنطق أن بعضه هو الصورة المرئية.
وهذا خلاف التوحيد الأحدي كما أسلفنا وخلاف التأليه , وإثبات للتركيب في الذات الإلهية وبالتالي نسب النواقص إلى الله سبحانه وتعالى..
وإلا فمن يستطيع أن يُنكر أن الراستباشية ذكرت كلمتي (جمعاً ) و (كلاً)؟
وبالتالي فالله له جمع وكلية .. وحين تقول ذلك فأنت قلت قولاً مضمناً مفاده أن الله مركب وبالتالي مخلوق..
ثم تتابع الرسالة قائلةً أنه لا يتساوى اثنان في النظر إلى الله ..
فالاسم يراه بما لا يراه الباب به ..
تخيلوا معي جبلاً ترى النملة بعضه والصرصور يرى منه قدراً أكبر والحمار يرى قدراً أكبر ..
فهنا يمكن لنا أن نقول نحن لم نجزأ الجبل أو نبعضه فهو كل واحد ولكن يرى كل كائن ما يستحقه من النظر إليه..
فهذا كلام الجهلاء , لأن الجبل مركب , وجسم , ومحدود , وأقل حد للتركيب فيه هو أنه مركب من وجودٍ في حدود وجوده وعدمٍ خارج الحدود , وبهذا استطاع الرائي رؤيته بقدر مرتبته , ولولا ذلك لامتنع عن الرؤية.
أي أن الله حين يمكن رؤيته بقدر الرائي فإنه مركبٌ من وجودٍ في مقابل نظر الرائي وعدمٍ في مكانٍ آخر , كما أن العين لا تلتقط إلا الأجسام , وكلا الأمرين يفضيان إلى حقيقة تقول أن هذا الشيء المرئي بعضه أو قدرٌ منه إنما هو محدث مخلوق.
الخاتمة:
كلنا يعتقد بلا محدودية الله سبحانه وتعالى , فلو كان محدوداً لكان له من حده وبالتالي محدث مخلوق.
وكلنا يعتقد بأن الله بسيط غير مركب , فلو كان مركب لاحتاج إلى أجزاءه وإلى من يركبها.
فإذا اتفقنا على بساطة الله ولا محدوديته نكون قد اتفقنا على عدم إمكانية رؤيته لا بكليته ولا بجزأيته كما تقولون لأنه لا كلية ولا جزأية لله سبحانه وتعالى فهو بسيط.
وإن كان مرئياً كانت الروح أسمى منه وأعلى درجةً .. لأنها غير مرئية
ولو كان يجب أن يُرى إثباتاً كما جاء في الراستباشية فهذا يعني أننا لا نثبت وجود الروح لأنها غير مرئية.
فكما تثبتنا من وجود الروح دون أن نراها يمكننا أن نتثبت من وجود الله دون أن نراه.
والنتيجة الأهم هي أنه لو كان الله مرئياً لكان ناقصاً .
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين
نفي الرؤية عن الله سبحانه وتعالى:
كلنا يعلم أن هناك صفات كمالية , وأخرى ناقصية , وحين نحمدُ الله نحمدهُ بإثبات الصفات الكمالية له سبحانه وتعالى كالقدرة والعلم والحياة, وحين نسبحه إنما ننزه عن الصفات السلبية الناقصة , التي لو نسبناها إلى الذات المقدسة كنا من الذامين لها المنتقصين منها ومن شأنها..
قابلية الرؤية البصرية , هل هي صفة كمال أم صفة نقص؟
إن كانت صفة كمال وجب علينا إثباتها للحق جلّ وعلا , وإن كانت صفة نقص وجب علينا تنزيه الله عنها .
أيها الأخوة كلنا يعلم أن الروح أشرف من الجسد, وأعلى منه مكانةً وأكمل منه.
والجسد أنقص من الروح وأقل منها مكانة.
وهنا تحلو وقفة التأمل , هل للرؤية علاقة في هذا الشأن؟
الجسد مرئي , ولكن الروح غير مرئية.. والروح أكمل من الجسد
هل يُعقل أن تتمتع الروح بهذه المكانة وهذه الخاصية (خاصية عدم قابلية إدراكها بصريا) وأن تفقد الذات الإلهية هذه الخاصية؟
هذه نقطة..
نقطة أخرى: إن أي شيء يمكن رؤيته فهو جسم, وهذا مما يثبته الباطنيون لله سبحانه وتعالى عما يقول الجاهلون علواً كبيرا..
حيث جاء في الراستباشية أن الله (جسمٌ لا كالأجسام)
فإذاً الباطن يتفق مع الفرقة الوهابية في تجسيم الله , وإثبات الجسم له .
غير أن الباطن ابتعد عن التشبيه بالقول (لا كالأجسام) فهم ينطوون تحت قسم (الفرق المجسمة دون التشبيه) وقد رد على مقولتهم الأئمة الأطهار عليهم السلام ,حيث جاء في بحار الأنوار- ج 3 - ص 288 - 293
(الرخجي قال : كتبت إلى أبي الحسن علي بن محمد عليهما السلام أسأله عما قال هشام بن الحكم في الجسم ، وهشام بن سالم في الصورة . فكتب عليه السلام : دع عنك حيرة الحيران واستعذ بالله من الشيطان ، ليس القول ما قال الهشامان .
وقد ورد هذا الحديث أيضاً في التوحيد : الدقاق ، عن الكليني ، عن علي بن محمد رفعه عن الرخجي.
بيان : فقد قيل : إنهما قالا بجسم لا كالأجسام ، وبصورة لا كالصور ، والمجسمة أقسام فمنهم من تستر بالكفة فقال : هو جسم لا كالأجسام وله حيز لا كالأحياز ، ونسبته إلى حيزه ليس كنسبة الأجسام إلى أحيازها ، وهكذا ينفي جميع خواص الجسم عنه حتى لا يبقى إلا اسم الجسم.
و قد قيل : إن هشام بن الحكم كان قبل أن يلقي الصادق عليه السلام على رأي جهم بن صفوان ، فلما تبعه عليه السلام تاب ورجع إلى الحق ، ويؤيده ما ذكره الكراجكي في كنز الفوائد في الرد على القائلين بالجسم بمعنييه حيث قال : وأما موالاتنا هشاما رحمه الله فهي لما شاع عنه واستفاض من تركه للقول بالجسم الذي كان ينصره ، ورجوعه عنه ، وإقراره بخطئه فيه وتوبته منه ، وذلك حين قصد الإمام جعفر بن محمد عليهما السلام إلى المدينة فحجبه ، وقيل له : إنه أمرنا أن لا نوصلك إليه ما دمت قائلا بالجسم ، فقال : والله ما قلت به إلا لأني ظننت أنه وفاق لقول إمامي ، فأما إذا أنكره علي فإنني تائب إلى الله منه ، فأوصله الإمام عليه السلام إليه ودعا له بخير وحفظ .
- عن الصادق عليه السلام أنه قال لهشام : إن الله تعالى لا يشبه شيئا ولا يشبهه شئ ، وكل ما وقع في الوهم فهو بخلافه .
- الإحتجاج : في سؤال الزنديق برواية هشام ، عن الصادق عليه السلام ، لا جسم ولا صورة ولا يحس ولا يجس ، ولا يدرك بالحواس الخمس ، لا تدركه الأوهام ولا تنقصه الدهور ، ولا تغيره الأزمان . الخبر .
- التوحيد ، أمالي الصدوق : ابن المتوكل ، عن علي ، عن أبيه ، عن الصقر بن دلف قال : سألت أبا الحسن علي بن محمد عليهما السلام عن التوحيد وقلت له : إني أقول بقول هشام بن الحكم ، فغضب عليه السلام ثم قال : مالكم ولقول هشام ؟ إنه ليس منا من زعم أن الله جسم ، ونحن منه برآء في الدنيا والآخرة ، يا ابن دلف إن الجسم محدث ، والله محدثه و مجسمه .
- أمالي الصدوق : ابن الوليد ، عن الصفار ، عن ابن معروف ، عن علي بن مهزيار قال : كتبت إلى أبي جعفر الثاني عليه السلام : جعلت فداك أصلي خلف من يقول بالجسم ، ومن يقول : بقول يونس - يعني ابن عبد الرحمن - ؟ فكتب عليه السلام لا تصلوا خلفهم ولا تعطوهم من الزكاة وابرؤوا منهم ، برأ الله منهم .
- أمالي الصدوق : ابن الوليد ، عن الصفار ، عن البرقي ، عن أبي هاشم الجعفري قال : سمعت علي بن موسى الرضا عليه السلام يقول : إلهي بدت قدرتك ولم تبد هيئته فجهلوك . و به قدروك والتقدير على غير ما وصفوك ، وإني برئ يا إلهي من الذين بالتشبيه طلبوك ، ليس كمثلك شئ ، إلهي ولن يدركوك ، وظاهر ما بهم من نعمك دليلهم عليك لو عرفوك ، وفي خلقك يا إلهي مندوحة أن يتناولوك ، بل سووك بخلقك فمن ثم لم يعرفوك ، واتخذوا بعض آياتك ربا فبذلك وصفوك ، تعاليت ربي عما به المشبهون نعتوك . بيان : وبه أي وبالجهل .)
فهذا قليلٌ مما جاء عن أئمة أهل البيت في نفي الجسم سواء كان كالأجسام أو (لا كالأجسام) فهذا هشام بن الحكم كان يقول أن الله (جسمٌ لا كالأجسام) فتاب عن ذلك واعترف بخطئه بعد أن رد عليه الإمام الصادق عليه السلام.
فإن ثبت أنه ليس بجسم ثبت أنه غير مرئي لأن المرئي جسم , والجسم نقص .
كما أن الأحاديث السابقة تؤكد ذلك أيضاً.
أما الدليل العقلي على أن الله ليس بجسم فهو أن الشيء لا يكون جسماً إلا إذا كان محدوداً ومن حد الله فقد أبطل أزله.
كما أن الجسم هو شيء مجسم , والمجسم بحاجة لمن يجسمه فهو محدث .
فالله هو الذي جسّم الأشياء , فكيف يكون جسماً؟ ولو كان جسماً لكان كمثله شيء.
كما أن الجسم مركب حتماً , لأنه مكون من وجودٍ في مكان وعدم وجود في مكانٍ آخر لأنه لو لم يكن له نهاية ما صح أن يكون جسم , وبالتالي فهو محدود محدث.
وحين نقول أن الله ليس بجسم معناه أنه ليس بمرئي.
من جهةٍ أخرى لقد أثبت المنطق أن الله سبحانه وتعالى بسيط الحقيقة..
ولو كان مركباً لكان مخلوقاً بلا تردد
والبسيط لا يمكن تجزئته أو تبعيضه , ولا يمكن أن يظهر بقدر ما , لأنه لا يُقسم إلى قدور
وبالتالي إما أن يكون ظاهراً مرئياً تماماً وإما أن يكون غير مرئي تماماً..
لأن ما يمكن أن يظهر للناس مرئياً بقدر مرتبة كل شخص , أو طبيعة كل شخص فهو مركب حتماً وبالتالي مخلوق.
والسبب في ذلك أن البسيط لا يبعض ولا يجزأ و ليس له كل أو بعض..
فلا يمكن القول بأننا لا نرى الله بكليته ذلك أنه لا كلية لله ولا بعض له , بل إن الله هو الله الواحد الأحد ..
فكيف يظهر كما هو فنراه كما نحن؟
فإن قولكم إنه ظهر كما هو يعني أن له كيفية معينة ظهر بها , ولكننا نحن لم نستطع الإحاطة بكل هذه الكيفية..
وهذا فيه أكثر من مغالطة, فأولاً : ليس لله كيف أو كيفية..
قال أمير المؤمنين علي عليه السلام : (كيّف الكيف فعلمنا أن لا كيف له)نهج البلاغة.
وثانياً : عندما لا ندرك كل ظهوره فهذا يعني أننا أدركنا بعض ظهوره وهنا نكون قد أثبتنا التبعيض في الله وهذا خلاف التوحيد , بل خلاف التأليه لأن من كان مركباً فهو مخلوق.
وإذا أردنا أن نسرد خصائص المرئي نجد ما يلي:
1-المرئي جسم.
2-المرئي مركب.
3-المرئي محدود.
4-المرئي شبيه بباقي المرئيات.
وبالتالي فإنه ناقص لأن كل الصفات السابقة هي صفات ناقصة وتوجب النقص في صاحبها.
قال تعالى: {لاَّ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ }الأنعام103
جاء في الراستباشية:
(ولكنّا نقول: أنّ تلك الصورة المرئية هي هو إثباتاً وإيجاداً وعياناً وبياناً ويقينا لا هو هي جمعاً ولا كلا ولا احاطة ولا إحصاراً, قال: فما تقول في قوله تعالى:*(( لا تدركه الأبصار))* الأنعام-130- وقد كانت تلك الصورة مدركة معاينة؟ قلنا له: ليس الإدراك هنا إدراك إحاطة وإنّما هو إدراك العيان والوجود, وقوله:*(( يدرك الأبصار))* يعني أبصار الخلق جميعا بغير فوات شيء منها ولا يغرب عليه كونها لأنه مكوّنها ومكوّن كيانها, ومكان المكوّن لها لا تدركه أبصارهم إلاّ بقدر ما استحقوه من العيان, وأن ليس إثنان يتساويان في النظر إليه, وأنّ الاسم يراه بما لا يراه به الباب لأنّه دونه, وهكذا كل شخص من أشخاص المراتب يراه بما لا يراه به من دونه, ويراه الباب بما لا يراه به اليتيم الأكبر والمقداد يراه بما لا يراه أبو ذر لأنه دونه في المنزلة والرتبة)
التعليق:
قالت الراستباشية أن الله ليس الصورة المرئية جمعاً ولا كلاً...
وهنا نقطة الضعف : إن كان الله ليس هو الصورة المرئية كلاً فهذا يعني وبشكل تلقائي وكما يقتضيه المنطق أن بعضه هو الصورة المرئية.
وهذا خلاف التوحيد الأحدي كما أسلفنا وخلاف التأليه , وإثبات للتركيب في الذات الإلهية وبالتالي نسب النواقص إلى الله سبحانه وتعالى..
وإلا فمن يستطيع أن يُنكر أن الراستباشية ذكرت كلمتي (جمعاً ) و (كلاً)؟
وبالتالي فالله له جمع وكلية .. وحين تقول ذلك فأنت قلت قولاً مضمناً مفاده أن الله مركب وبالتالي مخلوق..
ثم تتابع الرسالة قائلةً أنه لا يتساوى اثنان في النظر إلى الله ..
فالاسم يراه بما لا يراه الباب به ..
تخيلوا معي جبلاً ترى النملة بعضه والصرصور يرى منه قدراً أكبر والحمار يرى قدراً أكبر ..
فهنا يمكن لنا أن نقول نحن لم نجزأ الجبل أو نبعضه فهو كل واحد ولكن يرى كل كائن ما يستحقه من النظر إليه..
فهذا كلام الجهلاء , لأن الجبل مركب , وجسم , ومحدود , وأقل حد للتركيب فيه هو أنه مركب من وجودٍ في حدود وجوده وعدمٍ خارج الحدود , وبهذا استطاع الرائي رؤيته بقدر مرتبته , ولولا ذلك لامتنع عن الرؤية.
أي أن الله حين يمكن رؤيته بقدر الرائي فإنه مركبٌ من وجودٍ في مقابل نظر الرائي وعدمٍ في مكانٍ آخر , كما أن العين لا تلتقط إلا الأجسام , وكلا الأمرين يفضيان إلى حقيقة تقول أن هذا الشيء المرئي بعضه أو قدرٌ منه إنما هو محدث مخلوق.
الخاتمة:
كلنا يعتقد بلا محدودية الله سبحانه وتعالى , فلو كان محدوداً لكان له من حده وبالتالي محدث مخلوق.
وكلنا يعتقد بأن الله بسيط غير مركب , فلو كان مركب لاحتاج إلى أجزاءه وإلى من يركبها.
فإذا اتفقنا على بساطة الله ولا محدوديته نكون قد اتفقنا على عدم إمكانية رؤيته لا بكليته ولا بجزأيته كما تقولون لأنه لا كلية ولا جزأية لله سبحانه وتعالى فهو بسيط.
وإن كان مرئياً كانت الروح أسمى منه وأعلى درجةً .. لأنها غير مرئية
ولو كان يجب أن يُرى إثباتاً كما جاء في الراستباشية فهذا يعني أننا لا نثبت وجود الروح لأنها غير مرئية.
فكما تثبتنا من وجود الروح دون أن نراها يمكننا أن نتثبت من وجود الله دون أن نراه.
والنتيجة الأهم هي أنه لو كان الله مرئياً لكان ناقصاً .
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين
تعليق