نشأته و حياته :
ولد الشهيد يحيى عبد اللطيف عياش و نشأ في قرية رافات بين نابلس و قلقيلة لعائلة متديّنة محافظة ، و قد رزق الله الحاج عبد اللطيف ابنه البكر يحيى في الثاني و العشرين من مارس من عام 1966 .. و قد كان يحيى معروفاً بذكائه الحاد و حفظه الدقيق و بدأ بحفظ القرآن منذ السادسة من عمره و كان الصمت و الخجل و الهدوء ميزات خاصة في يحيى و كأيّ فلسطيني ..
كبر يحيى و كبر معه الألم الذي يعتري الأحرار ، كان يدرس في مدرسة القرية الابتدائية و يقف واجماً في وسط الطريق يحملق في جرافات المستوطنين التي تسوّي أراضي القرية و تلتهمها لتوسيع المستوطنة . و قد واصل دراسته الإعدادية و الثانوية و حصل في امتحان التوجيهي على معدل 92.8 % في القسم العلمي ليلتحق بجامعة بيرزيت في قسم الهندسة الكهربائية .
و يعتبر أحد نشيطي الكتلة الإسلامية أثناء الدراسة . و بعد تخرّجه حاول الحصول على تصريح خروج للسفر إلى الأردن لإتمام دراسته العليا و رفضت السلطات الصهيونية طلبه ، و قد عقّب على ذلك يعكوف بيرس رئيس المخابرات آنذاك بالقول : "لو كنا نعلم أن المهندس سيفعل ما فعل لأعطيناه تصريحاً بالإضافة إلى مليون دولار" !! . تخرّج من الجامعة عام 1991م بتفوّق و تزوّج من ابنة عمه بتاريخ 9 أيلول / سبتمبر ، 1992م و رزِق منها طفله الأول براء في 1 كانون الثاني (يناير) 1993م و كان حينها مطارداً ، و قبل استشهاده بيومين فقط رزِِق بابنه الثاني عبد اللطيف تيمّناً باسم والده ، غير أن العائلة أعادت يحيى إلى البيت حين أطلقت على الطفل عبد اللطيف اسم يحيى .
عملياته النوعية :
عبقرية القائد "يحيى عياش" نقلت المعركة إلى قلب المناطق الآمنة التي يدّعي الصهاينة أن أجهزتهم الأمنية تسيطر فيها على الوضع تماماً ؛ فبعد العمليات المتعددة التي نُفّذت ضد مراكز الاحتلال و الدوريات العسكرية نفّذ مقاتلو حماس بتخطيطٍ من قائدهم عياش عدداً من
العمليات أهمها :
·6 نيسان 1994 : الشهيد "رائد زكارنة" يفجّر سيارة مفخّخة قرب حافلة صهيونية في مدينة العفولة ؛ مما أدّى إلى مقتل ثمانية صهاينة ، و جرح ما لا يقل عن ثلاثين . و قالت حماس إن الهجوم هو ردّها الأول على مذبحة المصلين في المسجد الإبراهيمي في مدينة الخليل .
·13 نيسان 1994 : مقاتل آخر من حركة "حماس" هو الشهيد عمار عمارنة يفجر شحنة ناسفة ثبتها على جسمه داخل حافلة صهيونية في مدينة الخضيرة داخل الخط الأخضر ؛ مما أدّى إلى مقتل 7 صهاينة و جرح العشرات .
·19 تشرين أول 1994 : الشهيد صالح نزال – و هو مقاتل في كتائب الشهيد عز الدين القسام - يفجّر نفسه داخل حافلة ركاب صهيونية في شارع "ديزنغوف" في مدينة "تل أبيب" ؛ مما أدّى إلى مقتل 22 صهيونياً و جرح ما لا يقل عن 40 آخرين 25 .
·كانون أول 1994 : الشهيد أسامة راضي – و هو شرطي فلسطيني و عضو سري في مجموعات القسام - يفجّر نفسه قرب حافلة تقلّ جنوداً في سلاح الجو الصهيوني في القدس ، و يجرح 13 جندياً .
·22 كانون ثان 1995: مقاتلان فلسطينيان يفجران نفسيهما في محطة للعسكريين الصهاينة في منطقة بيت ليد قرب نتانيا ؛ مما أدّى إلى مقتل 23 جندياً صهيونياً ، و جرح أربعين آخرين في هجوم وُصف أنه الأقوى من نوعه ، و قالت المصادر العسكرية الصهيونية إن التحقيقات تشير إلى وجود بصمات المهندس في تركيب العبوات الناسفة .
·9 نيسان 1995 : حركتا حماس و الجهاد الإسلامي تنفّذان هجومين استشهاديين ضد مستوطنين صهاينة في قطاع غزة ؛ مما أدّى إلى مقتل 7 مستوطنين رداً على جريمة الاستخبارات الصهيونية في تفجير منزل في حيّ الشيخ رضوان في غزة ، أدّى إلى استشهاد نحو خمسة فلسطينيين ، و بينهم الشهيد "كمال كحيل" أحد قادة مجموعات القسام و مساعد له .
· 24 تموز 1995 : مقاتل استشهادي من مجموعات تلاميذ المهندس "يحيى عياش" التابعة لكتائب الشهيد "عز الدين القسام" يفجّر شحنة ناسفة ثبتها على جسمه داخل حافلة ركاب صهيونية في "رامات غان" بالقرب من "تل أبيب" ؛ مما أدّى إلى مصرع 6 صهاينة و جرح 33 آخرين .
· 21 آب 1995 : هجوم استشهاديّ آخر استهدف حافلة صهيونية للركاب في حيّ رامات أشكول في مدينة القدس المحتلة ؛ مما أسفر عن مقتل 5 صهاينة ، و إصابة أكثر من 100 آخرين بجروح ، و قد أعلن تلاميذ المهندس يحيى عياش مسئوليتهم عن الهجوم . و قد وصل مجموع ما قُتل بيد "المهندس" و تلاميذه ما يزيد عن ستة و سبعين صهيونياً ، و جرح ما يزيد عن أربعمائة آخرين .
جمعة الشهادة :
إنه يوم الجمعة الحزينة 15 شعبان 1416هـ الموافق الخامس من كانون الثاني يناير 1996م التي لم تكن كأي جمعة فما أن أذاع تلفزيون العدو نبأ الاغتيال فاهتزت فلسطين بكلّ أرجائها و دبّت قشعريرة و سرى شعور حزين و حاولت القلوب الفزعة أن تكذّب أو تشكّك ، و اهتزت الكلمات في الحناجر حين أعلنت حماس توقّف عقل الفتى العاشق و سكنت نبضات قلبه .
فبكى كلّ شيء في فلسطين حتى كاد طوفان الدمع أن يغرق شوارع غزة و حارات نابلس و طولكرم و الخليل . و مرّ ليل الجمعة الباكية ثقيلاً على الجبال و الوديان و الناس ، ينما سكنت الأمواج في انتظارٍ حزين ، و في الصباح تراكض الباحثون عن وطن نحو رافات يعانقون جدران منزل المهندس متوعّدين بالثأر و مؤمّنين على دعاء أم يحيى (قلبي و ربي راضين عليك) ، و كم تمنى أولئك لو أنهم تشرّفوا بتشييعه أو على الأقل مشاهدة وجهه أو ملامسة كفه فيتعلمون كيف يضرب و كيف يصنع لنا الحياة .
و يروي أسامة حماد صديق المهندس أيام الدراسة و الشاهد الوحيد على عملية الاغتيال حيث قال إن يحيى التجأ إليه قبل خمسة شهور من استشهاده حيث آواه في منزله دون أن يعلم أحد و كان كمال حماد و هو خال أسامة و يعمل مقاول بناء على صلة وثيقة بالمخابرات الصهيونية يلمّح لأسامة بإمكانية زيارة يحيى له في شركة المقاولات و إعطاه جهاز بيلفون لاستخدامه ، و كان كمال يأخذ جهاز البيلفون ليوم أو يومين ثم يعيده ، و قد اعتاد والد المهندس الاتصال مع يحيى عبر البيلفون و قد طلب منه يحيى مراراً الاتصال على الهاتف البيتي و قد اتفق يحيى مع والده على الاتصال به صباح الجمعة القادم على الهاتف البيتي ، و في صباح الجمعة الخامس من يناير 1996 اتصل كمال حماد بأسامة و طلب منه فتح الهاتف المتنقل لأنه يريد الاتصال من الكيان و اتضح أن خط هاتف البيت مقطوع ، و في الساعة التاسعة صباحاً اتصل والد يحيى على الهاتف المتنقل الذي أبلغ أسامة أنه لم يستطع الاتصال على الهاتف البيتي و استلم المهندس الهاتف و قال لوالده : "يا أبي لا تظل تتصل على البيلفون" ، حينها دوّى الانفجار من الهاتف و سقط المهندس ، و اللحم يتناثر و الزجاج يتحطّم و بقع الدم تتناثر و يتضح أن عبوة ناسفة تزن 50 غراماً انفجرت في الهاتف النقال ، ليستريح المقاتل الصلب بعد سنوات الجهاد و يصعد إلى العلا و المجد يلتقي هناك بالنبيين و الصديقين و الشهداء بإذن الله . و ما إن انتشر خبر استشهاد المهندس حتى ساد في أنحاء فلسطين خاصة و العالم الإسلامي عامة حالة من عدم الاستقرار و خرجت الآلاف في شوارع قطاع غزة و فلسطين يهيمون على وجوههم بغير وعي و أعلنت سلطات الاحتلال حالة الطوارئ و أغلقت الضفة و غزة و نشرت قوات معزّزة و لم تخفِ فرحتها العظمى بهذا الخبر حيث صرّح يعقوب بيري رئيس المخابرات السابق بالقول : "موت عياش وضع حداً لأخطر و أعنف المحاربين الذين عرفناهم" .. فيما صرّح موشيه شاحك وزير الأمن الداخلي بالقول : "بتنا نتنفس بشكلٍ أفضل بعد إعلان موته" .
و خرجت جماهير غزة الأبية في مسيرة لم تشهد لها فلسطين مثيلاً لتشييع المهندس و صار الشعب كله يحيى ، و صار يحيى الشعب كلّه فعظمة الشهادة و الإنجاز أبت أن يكون المهندس ابن رافات وحدها و لا ابن حماس دون غيرها ، فكما كان عمله و حياته لكلّ فلسطين من بحرها لنهرها جاء استشهاده ليملأ كل فلسطين بالأمل و الرجاء ، تماماً كالبرق سطوعاً ليست انطفاءته إلا ميلاداً للحياة .
إن التجاوب الشعبي المدهش الذي ولده استشهاد المهندس يؤكّد أكثر من معنى و يشير إلى أكثر من دلالة ، فهو :
أولاً : استفتاء عفوي بأن خيار الجهاد و المقاومة لا يزال في قلوب أبناء فلسطين .
ثانياً : أثبت الشعب الفلسطيني بأن من يعطي فلسطين بإخلاص و أمانة كعماد عقل و يحيى عياش و عوض سلمي و صلاح شحادة و محمود أبو الهنود و غيرهم يجد صدى أفعاله لدى الجماهير مجسّداً في تشييع عماد و يحيى و صلاح .
ثالثاً : إن كرة اللهب البشرية التي اندفعت لوداع المهندس هي في إحدى صورها تعبير صريح عن حالة الغضب و مشاعر الاحتقان التي يكنها الفلسطينيون لعدوهم رغم كل الاتفاقات و الترويج لحالة الصداقة الجديدة التي كشفت زيفها انتفاضة الأقصى المباركة .
----=== الفاتحة عن روحه الطاهرة===----
ولد الشهيد يحيى عبد اللطيف عياش و نشأ في قرية رافات بين نابلس و قلقيلة لعائلة متديّنة محافظة ، و قد رزق الله الحاج عبد اللطيف ابنه البكر يحيى في الثاني و العشرين من مارس من عام 1966 .. و قد كان يحيى معروفاً بذكائه الحاد و حفظه الدقيق و بدأ بحفظ القرآن منذ السادسة من عمره و كان الصمت و الخجل و الهدوء ميزات خاصة في يحيى و كأيّ فلسطيني ..
كبر يحيى و كبر معه الألم الذي يعتري الأحرار ، كان يدرس في مدرسة القرية الابتدائية و يقف واجماً في وسط الطريق يحملق في جرافات المستوطنين التي تسوّي أراضي القرية و تلتهمها لتوسيع المستوطنة . و قد واصل دراسته الإعدادية و الثانوية و حصل في امتحان التوجيهي على معدل 92.8 % في القسم العلمي ليلتحق بجامعة بيرزيت في قسم الهندسة الكهربائية .
و يعتبر أحد نشيطي الكتلة الإسلامية أثناء الدراسة . و بعد تخرّجه حاول الحصول على تصريح خروج للسفر إلى الأردن لإتمام دراسته العليا و رفضت السلطات الصهيونية طلبه ، و قد عقّب على ذلك يعكوف بيرس رئيس المخابرات آنذاك بالقول : "لو كنا نعلم أن المهندس سيفعل ما فعل لأعطيناه تصريحاً بالإضافة إلى مليون دولار" !! . تخرّج من الجامعة عام 1991م بتفوّق و تزوّج من ابنة عمه بتاريخ 9 أيلول / سبتمبر ، 1992م و رزِق منها طفله الأول براء في 1 كانون الثاني (يناير) 1993م و كان حينها مطارداً ، و قبل استشهاده بيومين فقط رزِِق بابنه الثاني عبد اللطيف تيمّناً باسم والده ، غير أن العائلة أعادت يحيى إلى البيت حين أطلقت على الطفل عبد اللطيف اسم يحيى .
عملياته النوعية :
عبقرية القائد "يحيى عياش" نقلت المعركة إلى قلب المناطق الآمنة التي يدّعي الصهاينة أن أجهزتهم الأمنية تسيطر فيها على الوضع تماماً ؛ فبعد العمليات المتعددة التي نُفّذت ضد مراكز الاحتلال و الدوريات العسكرية نفّذ مقاتلو حماس بتخطيطٍ من قائدهم عياش عدداً من
العمليات أهمها :
·6 نيسان 1994 : الشهيد "رائد زكارنة" يفجّر سيارة مفخّخة قرب حافلة صهيونية في مدينة العفولة ؛ مما أدّى إلى مقتل ثمانية صهاينة ، و جرح ما لا يقل عن ثلاثين . و قالت حماس إن الهجوم هو ردّها الأول على مذبحة المصلين في المسجد الإبراهيمي في مدينة الخليل .
·13 نيسان 1994 : مقاتل آخر من حركة "حماس" هو الشهيد عمار عمارنة يفجر شحنة ناسفة ثبتها على جسمه داخل حافلة صهيونية في مدينة الخضيرة داخل الخط الأخضر ؛ مما أدّى إلى مقتل 7 صهاينة و جرح العشرات .
·19 تشرين أول 1994 : الشهيد صالح نزال – و هو مقاتل في كتائب الشهيد عز الدين القسام - يفجّر نفسه داخل حافلة ركاب صهيونية في شارع "ديزنغوف" في مدينة "تل أبيب" ؛ مما أدّى إلى مقتل 22 صهيونياً و جرح ما لا يقل عن 40 آخرين 25 .
·كانون أول 1994 : الشهيد أسامة راضي – و هو شرطي فلسطيني و عضو سري في مجموعات القسام - يفجّر نفسه قرب حافلة تقلّ جنوداً في سلاح الجو الصهيوني في القدس ، و يجرح 13 جندياً .
·22 كانون ثان 1995: مقاتلان فلسطينيان يفجران نفسيهما في محطة للعسكريين الصهاينة في منطقة بيت ليد قرب نتانيا ؛ مما أدّى إلى مقتل 23 جندياً صهيونياً ، و جرح أربعين آخرين في هجوم وُصف أنه الأقوى من نوعه ، و قالت المصادر العسكرية الصهيونية إن التحقيقات تشير إلى وجود بصمات المهندس في تركيب العبوات الناسفة .
·9 نيسان 1995 : حركتا حماس و الجهاد الإسلامي تنفّذان هجومين استشهاديين ضد مستوطنين صهاينة في قطاع غزة ؛ مما أدّى إلى مقتل 7 مستوطنين رداً على جريمة الاستخبارات الصهيونية في تفجير منزل في حيّ الشيخ رضوان في غزة ، أدّى إلى استشهاد نحو خمسة فلسطينيين ، و بينهم الشهيد "كمال كحيل" أحد قادة مجموعات القسام و مساعد له .
· 24 تموز 1995 : مقاتل استشهادي من مجموعات تلاميذ المهندس "يحيى عياش" التابعة لكتائب الشهيد "عز الدين القسام" يفجّر شحنة ناسفة ثبتها على جسمه داخل حافلة ركاب صهيونية في "رامات غان" بالقرب من "تل أبيب" ؛ مما أدّى إلى مصرع 6 صهاينة و جرح 33 آخرين .
· 21 آب 1995 : هجوم استشهاديّ آخر استهدف حافلة صهيونية للركاب في حيّ رامات أشكول في مدينة القدس المحتلة ؛ مما أسفر عن مقتل 5 صهاينة ، و إصابة أكثر من 100 آخرين بجروح ، و قد أعلن تلاميذ المهندس يحيى عياش مسئوليتهم عن الهجوم . و قد وصل مجموع ما قُتل بيد "المهندس" و تلاميذه ما يزيد عن ستة و سبعين صهيونياً ، و جرح ما يزيد عن أربعمائة آخرين .
جمعة الشهادة :
إنه يوم الجمعة الحزينة 15 شعبان 1416هـ الموافق الخامس من كانون الثاني يناير 1996م التي لم تكن كأي جمعة فما أن أذاع تلفزيون العدو نبأ الاغتيال فاهتزت فلسطين بكلّ أرجائها و دبّت قشعريرة و سرى شعور حزين و حاولت القلوب الفزعة أن تكذّب أو تشكّك ، و اهتزت الكلمات في الحناجر حين أعلنت حماس توقّف عقل الفتى العاشق و سكنت نبضات قلبه .
فبكى كلّ شيء في فلسطين حتى كاد طوفان الدمع أن يغرق شوارع غزة و حارات نابلس و طولكرم و الخليل . و مرّ ليل الجمعة الباكية ثقيلاً على الجبال و الوديان و الناس ، ينما سكنت الأمواج في انتظارٍ حزين ، و في الصباح تراكض الباحثون عن وطن نحو رافات يعانقون جدران منزل المهندس متوعّدين بالثأر و مؤمّنين على دعاء أم يحيى (قلبي و ربي راضين عليك) ، و كم تمنى أولئك لو أنهم تشرّفوا بتشييعه أو على الأقل مشاهدة وجهه أو ملامسة كفه فيتعلمون كيف يضرب و كيف يصنع لنا الحياة .
و يروي أسامة حماد صديق المهندس أيام الدراسة و الشاهد الوحيد على عملية الاغتيال حيث قال إن يحيى التجأ إليه قبل خمسة شهور من استشهاده حيث آواه في منزله دون أن يعلم أحد و كان كمال حماد و هو خال أسامة و يعمل مقاول بناء على صلة وثيقة بالمخابرات الصهيونية يلمّح لأسامة بإمكانية زيارة يحيى له في شركة المقاولات و إعطاه جهاز بيلفون لاستخدامه ، و كان كمال يأخذ جهاز البيلفون ليوم أو يومين ثم يعيده ، و قد اعتاد والد المهندس الاتصال مع يحيى عبر البيلفون و قد طلب منه يحيى مراراً الاتصال على الهاتف البيتي و قد اتفق يحيى مع والده على الاتصال به صباح الجمعة القادم على الهاتف البيتي ، و في صباح الجمعة الخامس من يناير 1996 اتصل كمال حماد بأسامة و طلب منه فتح الهاتف المتنقل لأنه يريد الاتصال من الكيان و اتضح أن خط هاتف البيت مقطوع ، و في الساعة التاسعة صباحاً اتصل والد يحيى على الهاتف المتنقل الذي أبلغ أسامة أنه لم يستطع الاتصال على الهاتف البيتي و استلم المهندس الهاتف و قال لوالده : "يا أبي لا تظل تتصل على البيلفون" ، حينها دوّى الانفجار من الهاتف و سقط المهندس ، و اللحم يتناثر و الزجاج يتحطّم و بقع الدم تتناثر و يتضح أن عبوة ناسفة تزن 50 غراماً انفجرت في الهاتف النقال ، ليستريح المقاتل الصلب بعد سنوات الجهاد و يصعد إلى العلا و المجد يلتقي هناك بالنبيين و الصديقين و الشهداء بإذن الله . و ما إن انتشر خبر استشهاد المهندس حتى ساد في أنحاء فلسطين خاصة و العالم الإسلامي عامة حالة من عدم الاستقرار و خرجت الآلاف في شوارع قطاع غزة و فلسطين يهيمون على وجوههم بغير وعي و أعلنت سلطات الاحتلال حالة الطوارئ و أغلقت الضفة و غزة و نشرت قوات معزّزة و لم تخفِ فرحتها العظمى بهذا الخبر حيث صرّح يعقوب بيري رئيس المخابرات السابق بالقول : "موت عياش وضع حداً لأخطر و أعنف المحاربين الذين عرفناهم" .. فيما صرّح موشيه شاحك وزير الأمن الداخلي بالقول : "بتنا نتنفس بشكلٍ أفضل بعد إعلان موته" .
و خرجت جماهير غزة الأبية في مسيرة لم تشهد لها فلسطين مثيلاً لتشييع المهندس و صار الشعب كله يحيى ، و صار يحيى الشعب كلّه فعظمة الشهادة و الإنجاز أبت أن يكون المهندس ابن رافات وحدها و لا ابن حماس دون غيرها ، فكما كان عمله و حياته لكلّ فلسطين من بحرها لنهرها جاء استشهاده ليملأ كل فلسطين بالأمل و الرجاء ، تماماً كالبرق سطوعاً ليست انطفاءته إلا ميلاداً للحياة .
إن التجاوب الشعبي المدهش الذي ولده استشهاد المهندس يؤكّد أكثر من معنى و يشير إلى أكثر من دلالة ، فهو :
أولاً : استفتاء عفوي بأن خيار الجهاد و المقاومة لا يزال في قلوب أبناء فلسطين .
ثانياً : أثبت الشعب الفلسطيني بأن من يعطي فلسطين بإخلاص و أمانة كعماد عقل و يحيى عياش و عوض سلمي و صلاح شحادة و محمود أبو الهنود و غيرهم يجد صدى أفعاله لدى الجماهير مجسّداً في تشييع عماد و يحيى و صلاح .
ثالثاً : إن كرة اللهب البشرية التي اندفعت لوداع المهندس هي في إحدى صورها تعبير صريح عن حالة الغضب و مشاعر الاحتقان التي يكنها الفلسطينيون لعدوهم رغم كل الاتفاقات و الترويج لحالة الصداقة الجديدة التي كشفت زيفها انتفاضة الأقصى المباركة .
----=== الفاتحة عن روحه الطاهرة===----
تعليق