بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صلي على محمد وال محمد
مروج الذهب للمسعودي ج 1- ص 351
مكاتبة بين معاوية ومحمد بن أبي بكر :
ولما صرف علي رضي الله عنه قيس بن سعد بن عبادة عن مصر وجه مكانه محمد بن أبي بكر، فلما وصل إليها كتب إلى معاوية كتابا فيه :
من محمد بن أبي بكر، إلى الغاوي معاوية بن صخر، أما بعد، فإن الله بعظمته وسلطانه خلق خلقه بلا عبث منه، ولا ضعف في قوته، ولاحاجة - به إلى خلقهم، ولكنه خلقهم عبيدا، وجعل منهم غويا ورشيدا، وشقيا وسعيدا، ثم اختار على علم واصطفى وانتخب منهم محمدا صلى الله عليه وسلم، فانتخبه بعلمه، واصطفاه برسالته، وائتمنه على وحيه، وبعثه رسولا ومبشرا ونذيرا ووكيلا فكان أول من أجاب وأناب وآمن وصدق وأسلم وسلم أخوه وابن عمه علي بن أبي طالب: صدقه بالغيب المكتوم، أثره على كل حميم، ووقاه بنفسه كل هول، وحارب حربه، وسالم سلمه، فلم يبرح مبتذلا لنفسه في ساعات الليل والنهار والخوف والجوع والخضوع حتى برز سابقا لا نظير له فيمن اتبعه، ولا مقارب له في فعله، وقد رأيتك تساميه وأنت أنت، وهو هو، أصدق الناس نية، وأفضل الناس ذرية، وخير الناس زوجة، وأفضل الناس ابن عم: أخوه الشاري بنفسه يوم موته، وعمه سيد الشهداء يوم أحد، وأبوه الذاب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعن حوزته، وأنت اللعين ابن اللعين، لم تزل أنت وأبوك تبغيان لرسول الله صلى الله عليه وسلم الغوائل، وتجهدان في إطفاء نور الله، تجمعان على ذلك الجموع، وتبذلان فيه المال، وتؤلبان عليه القبائل، وعلى ذلك مات أبوك، وعليه خلفته، والشهيد عليك من تدني ويلجأ إليك من بقية الأحزاب ورؤساء النفاق، والشاهد لعلي - مع فضله المبين القديم - أنصاره الذين معه وهم الذين. ذكرهم الله بفضلهم، وأثنى عليهم من المهاجرين والأنصار، وهم معه كتائب وعصائب، يرون الحق في اتباعه، والشقاء في خلافه، فكيف - يا لك الويل! - تعدله نفسك بعده وهو وارث رسول الله صلى الله عليه وسلم، ووصيه وأبو ولده: أول الناس له أتباعا، وأقربهم به عهدا، يخبره بسره، ويطلعه على أمره، وأنت عدوه وابن عدوه، فتمتع في دنياك ما استطعت بباطلك، وليمددك ابن العاص في غوايتك، فكأن أجلك قد انقضى، وكيدك قد وهى، ثم يتبين لك لمن تكون العاقبة العليا، واعلم أنك إنما تكايد ربك الذي أمنت كيده، ويئست من روحه؟ فهو لك بالمرصاد، وأنت منه في غرور، والسلام على من اتبع الهدى.
(1/352)
فكتب إليه معاوية: من معاوية بن صخر، إلى الزاري على أبيه محمد بن أبي بكر. أما بعده: فقد أتاني كتابك تذكر فيه ما الله أهله في عظمته وقدرته وسلطانه، وما اصطفى به رسول الله صلى الله عليه وسلم، مع كلام كثير لك فيه تضعيف، ولأبيك فيه تعنيف، ذكرت فيه فضل ابن أبي طالب، وقديم سوابقه، وقرابته إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومواساته إياه في كل هول وخوف، فكان احتجاجك علي وعيبك لي بفضل غيرك لا بفضلك، فاحمد ربا صرف هذا الفضل عنك، وجعله لغيرك، فقد كنا وأبوك فينا نعرف فضل ابن أبي طالب وحقه لازما لنا مبرورا علينا، فلما اختار الله لنبيه عليه الصلاة والسلام، ما عنده، وأتم له ما وعده، وأظهر دعوته، وأبلج حجته، وقبضه الله إليه صلوات الله عليه، فكان أبوك وفاروقه أول من ابتزه حقه، وخالفه على أمره، على ذلك اتفقا واتسقا، ثم إنهما دعواه إلى بيعتهما فأبطأ عنهما، وتلكأ عليهما، فهما به الهموم، وأرادا به العظيم، ثم إنه بايع لهما وسلم لهما، وأقاما لا يشركانه في أمرهما، ولا يطلعانه على سرهما، حتى قبضهما الله، ثم قام ثالثهما عثمان فهدى بهديهما وسار بسيرهما، فعبته أنت وصاحبك حتى طمع فيه الأقاصي من أهل المعاصي، فطلبتما له الغوائل، وأظهرتما عداوتكما فيه حتى بلغتما فيه مناكما، فخذ حذرك يا ابن أبي بكر، وقس شبرك بفترك، يقصر عن أن توازي أو تساوي من يزن الجبال بحلمه، لا يلين عن قسر قناته، ولا يدرك ذو مقال أناته أبوك مهد مهاده، وبنى لملكه وسادة، فإن يك ما نحن فيه صوابا فأبوك استبد به ونحن شركاؤه، ولولا ما فعل أبوك من قبل ما خالفنا ابن أبي طالب، ولسلمنا إليه، ولكنا رأينا أباك فعل ذلك به من قبلنا فأخذنا بمثله، فعب أباك بما بدا لك أودع ذلك، والسلام على من أناب.
اللهم صلي على محمد وال محمد
مروج الذهب للمسعودي ج 1- ص 351
مكاتبة بين معاوية ومحمد بن أبي بكر :
ولما صرف علي رضي الله عنه قيس بن سعد بن عبادة عن مصر وجه مكانه محمد بن أبي بكر، فلما وصل إليها كتب إلى معاوية كتابا فيه :
من محمد بن أبي بكر، إلى الغاوي معاوية بن صخر، أما بعد، فإن الله بعظمته وسلطانه خلق خلقه بلا عبث منه، ولا ضعف في قوته، ولاحاجة - به إلى خلقهم، ولكنه خلقهم عبيدا، وجعل منهم غويا ورشيدا، وشقيا وسعيدا، ثم اختار على علم واصطفى وانتخب منهم محمدا صلى الله عليه وسلم، فانتخبه بعلمه، واصطفاه برسالته، وائتمنه على وحيه، وبعثه رسولا ومبشرا ونذيرا ووكيلا فكان أول من أجاب وأناب وآمن وصدق وأسلم وسلم أخوه وابن عمه علي بن أبي طالب: صدقه بالغيب المكتوم، أثره على كل حميم، ووقاه بنفسه كل هول، وحارب حربه، وسالم سلمه، فلم يبرح مبتذلا لنفسه في ساعات الليل والنهار والخوف والجوع والخضوع حتى برز سابقا لا نظير له فيمن اتبعه، ولا مقارب له في فعله، وقد رأيتك تساميه وأنت أنت، وهو هو، أصدق الناس نية، وأفضل الناس ذرية، وخير الناس زوجة، وأفضل الناس ابن عم: أخوه الشاري بنفسه يوم موته، وعمه سيد الشهداء يوم أحد، وأبوه الذاب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعن حوزته، وأنت اللعين ابن اللعين، لم تزل أنت وأبوك تبغيان لرسول الله صلى الله عليه وسلم الغوائل، وتجهدان في إطفاء نور الله، تجمعان على ذلك الجموع، وتبذلان فيه المال، وتؤلبان عليه القبائل، وعلى ذلك مات أبوك، وعليه خلفته، والشهيد عليك من تدني ويلجأ إليك من بقية الأحزاب ورؤساء النفاق، والشاهد لعلي - مع فضله المبين القديم - أنصاره الذين معه وهم الذين. ذكرهم الله بفضلهم، وأثنى عليهم من المهاجرين والأنصار، وهم معه كتائب وعصائب، يرون الحق في اتباعه، والشقاء في خلافه، فكيف - يا لك الويل! - تعدله نفسك بعده وهو وارث رسول الله صلى الله عليه وسلم، ووصيه وأبو ولده: أول الناس له أتباعا، وأقربهم به عهدا، يخبره بسره، ويطلعه على أمره، وأنت عدوه وابن عدوه، فتمتع في دنياك ما استطعت بباطلك، وليمددك ابن العاص في غوايتك، فكأن أجلك قد انقضى، وكيدك قد وهى، ثم يتبين لك لمن تكون العاقبة العليا، واعلم أنك إنما تكايد ربك الذي أمنت كيده، ويئست من روحه؟ فهو لك بالمرصاد، وأنت منه في غرور، والسلام على من اتبع الهدى.
(1/352)
فكتب إليه معاوية: من معاوية بن صخر، إلى الزاري على أبيه محمد بن أبي بكر. أما بعده: فقد أتاني كتابك تذكر فيه ما الله أهله في عظمته وقدرته وسلطانه، وما اصطفى به رسول الله صلى الله عليه وسلم، مع كلام كثير لك فيه تضعيف، ولأبيك فيه تعنيف، ذكرت فيه فضل ابن أبي طالب، وقديم سوابقه، وقرابته إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومواساته إياه في كل هول وخوف، فكان احتجاجك علي وعيبك لي بفضل غيرك لا بفضلك، فاحمد ربا صرف هذا الفضل عنك، وجعله لغيرك، فقد كنا وأبوك فينا نعرف فضل ابن أبي طالب وحقه لازما لنا مبرورا علينا، فلما اختار الله لنبيه عليه الصلاة والسلام، ما عنده، وأتم له ما وعده، وأظهر دعوته، وأبلج حجته، وقبضه الله إليه صلوات الله عليه، فكان أبوك وفاروقه أول من ابتزه حقه، وخالفه على أمره، على ذلك اتفقا واتسقا، ثم إنهما دعواه إلى بيعتهما فأبطأ عنهما، وتلكأ عليهما، فهما به الهموم، وأرادا به العظيم، ثم إنه بايع لهما وسلم لهما، وأقاما لا يشركانه في أمرهما، ولا يطلعانه على سرهما، حتى قبضهما الله، ثم قام ثالثهما عثمان فهدى بهديهما وسار بسيرهما، فعبته أنت وصاحبك حتى طمع فيه الأقاصي من أهل المعاصي، فطلبتما له الغوائل، وأظهرتما عداوتكما فيه حتى بلغتما فيه مناكما، فخذ حذرك يا ابن أبي بكر، وقس شبرك بفترك، يقصر عن أن توازي أو تساوي من يزن الجبال بحلمه، لا يلين عن قسر قناته، ولا يدرك ذو مقال أناته أبوك مهد مهاده، وبنى لملكه وسادة، فإن يك ما نحن فيه صوابا فأبوك استبد به ونحن شركاؤه، ولولا ما فعل أبوك من قبل ما خالفنا ابن أبي طالب، ولسلمنا إليه، ولكنا رأينا أباك فعل ذلك به من قبلنا فأخذنا بمثله، فعب أباك بما بدا لك أودع ذلك، والسلام على من أناب.
تعليق