كان المالُ وما زال يُشكل عصباً ومصدراً أساسيا للحياةً، ومُسهلاً للمعيشة. والذي يريد أن يحصل عليه ينبغي أن يتعب ويكد، فيقتات منه ما يكفي حاجته، فالعامل يُرزَق على قدر تعبه؛ ولكن هنالك دائماً من يسعى للحصول على المزيد، وهذا لا بأس به، إذا كان الحصول عليه بطريقة سليمة ولأجل الخير. ولكن نرى في كل حين الطمع والجشع أمام أعين الذي يعبدون المال، فيستخدمونه لأفعال سيئة وبطرق غير شرعية، وهذا يخالف الكثير من المبادئ. والطرق التي يستعملها عبد المال كثيرة، و يكون ماهراً فيها ومتقنها بشكل جيد، فهي حرفته! ومن هذه الطرق "الرشوة".
الرشوة: كما هو معروف عنها، هي: ما يُعطى بدون حقٍ لقضاء مَصلحة أو إحقاق باطل أو إبطال حق. مصطلح بات يشكل رعباً في زماننا هذا، ويُسِّهل الكثير من الأمور في الوقت نفسه. فرق كبير بين هاتين الكلمتين (الرعب) و (التسهيل).
فالتسهيل: هو التبسيط للمواطن في معاملته وتسييرها في أسرع وقت ممكن في دوائر الدولة، دونما ينتظر عدة أشهر، ودون جهدٍ أو عناء. وهكذا تكون ارض الموظف سهلة ومنبسطة وممتدة للجميع. أما الرعب: فهو خوف فجائي شديد. لان الموظف يستولي عليه الرعب تماماً حينما يُكشَفُ مُتلبساً بالرشوة – هذا إذا كُشف في بلداننا العربية- من قبل الجهات المختصة التي تتمتع بنزاهة عالية! ومع هذا كله صارت الرشوة منتشرة في العالم قاطبة على وجه العموم وفي بلداننا على وجه الخصوص وبنسب عالية وكبيرة. أما الموظف: الذي هو خادم الوطن والأمين على مصلحته، فقد صار رجل أعمال، وذو مال وجاه. وصار المواطن سلعة بيده يُبدِّلها كما يحلو له. والمواطن: الذي هو ابن لهذا البلد والذي من حقه أن يتمتع بخيراته، فلسذاجته لا يعرف انه الراشي وانه يفعل الخطأ لكن المهم عنده أن يحقق ما يتمناه مهما كان ثمنه.
الرشوة. يا لهذه الكلمة الشنيعة! فعل قبيح يقوم به الإنسان ضد أخيه الإنسان، ويرتكبه دون أن يحس بأي شيء، وهو يراه أمامه معذباً من اجل شيء ربما يكون بسيطاً لا يستحق هذا العناء. فيُحدِق به واقفاً تحت هذه الشمس الحارقة في فصل الصيف الملتهب الذي يجعل الواقف تحته كقطعة حديد تذوب من شدة حرارته، ويشعره كأنه شجرة تحترق لوحدها في إحدى غابات الأمازون، وهو لا يرحمه أبداً.
انه لأمر سيء جداً أن تستغل من حولك نتيجة لمنصبك الذي وُضِعت فيه لخدمة هؤلاء المساكين –فهم من جعلك تترقى لهذا المنصب- وليس لتدميرهم وتحطيمهم. فما بالك وأنت تنظر إليهم؟ فالطوابير واقفة أمامك كل يوم، وكل يترقب دوره هو ويفكر في همومه ومشاكله التي تنتظره الواحدة تلو الأخرى. فكان واحداً منهم وهو كهل ذو شعر ابيض وملابس مهترئة، حاملاً بيده أوراقه داخل ملف اصفر قد صنع من الورق ويظهر في جوانبه بعض التمزق، وواقفاً تحت الشمس أمام الشخص ما قبل الأخير في الطابور، وكانت شفتيه المتعطشة إلى الماء والمغطية بشارب ابيض تنبس بهذا القول : مرّ على مجيئي إلى هنا أكثر من خمسة أشهر، تارة أجيء وتارة ارجع، وفي كل مرة يجب أن آتي بدفعة جديدة لصاحب السلطان، حتى استنفذ كل ما لدي في جيبي، ولم تكتمل معاملتي، وزاد عدد ضربات قلبي آلاف المرات في الدقيقة الواحدة من الذهاب والإياب، فالحياة بلا نظام وبلا قانون، ولا سلطة ولا متسلط، ولا رئيس ولا مرؤوس، فالكل صار رئيساً على نفسه، ينهب ويبطش ويفعل ما يشاء، فالأبواب مغلقة في السماء، والرئيس لا يعرف الضعفاء، والنزاهة في بلداننا مرض لا يوجد له دواء، فصارت كالطاعون، وأيادينا تناست أن تغتسل بالصابون.
فهل تفكر أنت في هذا الضعيف؟ أين ضميرك أيها الإنسان، وهل يؤنبك؟ وان يؤنبك، فهل يهتز قلبك؟ أو تشعر بذنبك؟ هل تفكر بالله الذي يرى كل ما تفعل؟ وكم إنسانٍ في اليوم تقتل؟ هل تفكر بالواقف أمامك وماذا يحل به؟ هل تفكر في نفسك كم انك طماع وجشع ولا ترضى بما هو مقسم لك ثمن أتعابك؟ هل تطرح كل هذه الأسئلة على نفسك أم انك تحاول التهرب منها من اجل المغريات؟
الرشوة أمرُ لا تقبله جميع الأديان والقيم والمبادئ، وكل إنسان يتمتع بصفة الإنسانية. جسارة هي وحقارة لكل من يفعلها. وخطيئة كبيرة لا تغتفر، والقائم بها ما هو إلا وحش هائج لا يرى من حوله إلا أنهم فريسة يسهل الوصول إليها، فينبشها بمخالبه الطويلة ويفتك بها ويأكل لحمها. الرشوة كالزؤان بين السنابل يشوه منظر الحقل، وكالنار التي تذيب الجليد، وكسفينة دون شراع استولى عليها الرعاع.
يا أيها المرتشي، إن كنت ساذجاً كصاحبك الراشي فأرفق بنفسك واسأل عن حياتك وعملك، فلا تبقَ متغافلاً عما يدور حولك كأنك غشيم لا يعرف شيئاً. أما إذا كنت ذو غاية وعالم بما تفعل وتريد منه الأكثر فويلٌ لك لأنك تفتري على إخوتك. لكن لا عتب على موظف صغير يقوم بالارتشاء، ففي بلداننا لا نعرف ما هي الوظيفة ولا نعطي قيمتها وثمن الجهد الذي يُبذل من اجلها. فإذا كان هذا الموظف يُستغل من قبل مديره والمدير يُستغل من قبل من هو أعلى منه فهو مجبر على استغلال المواطن، والصغير يتعلم من الكبير؛ وكلاهما يستمتعان بعملهما (المدير والموظف)، أما الذي يهزل ويضعف ويعاني فهو ذلك الذي يُنظر إليه بازدراء والذي لامعين له سوى الله.
فانهضي يا سلطاتنا، وابحثي عن شعوبك التي وصلت إلى أدنى درجات الانحطاط، والتي لم تتذوق طعم الحياة كباقي الشعوب. فكفاكم مالاً وسرقةً، لان جيوبكم امتلأت والفائض منها يقع بين الأرجل ويُسحق فأين ستصر
الرشوة: كما هو معروف عنها، هي: ما يُعطى بدون حقٍ لقضاء مَصلحة أو إحقاق باطل أو إبطال حق. مصطلح بات يشكل رعباً في زماننا هذا، ويُسِّهل الكثير من الأمور في الوقت نفسه. فرق كبير بين هاتين الكلمتين (الرعب) و (التسهيل).
فالتسهيل: هو التبسيط للمواطن في معاملته وتسييرها في أسرع وقت ممكن في دوائر الدولة، دونما ينتظر عدة أشهر، ودون جهدٍ أو عناء. وهكذا تكون ارض الموظف سهلة ومنبسطة وممتدة للجميع. أما الرعب: فهو خوف فجائي شديد. لان الموظف يستولي عليه الرعب تماماً حينما يُكشَفُ مُتلبساً بالرشوة – هذا إذا كُشف في بلداننا العربية- من قبل الجهات المختصة التي تتمتع بنزاهة عالية! ومع هذا كله صارت الرشوة منتشرة في العالم قاطبة على وجه العموم وفي بلداننا على وجه الخصوص وبنسب عالية وكبيرة. أما الموظف: الذي هو خادم الوطن والأمين على مصلحته، فقد صار رجل أعمال، وذو مال وجاه. وصار المواطن سلعة بيده يُبدِّلها كما يحلو له. والمواطن: الذي هو ابن لهذا البلد والذي من حقه أن يتمتع بخيراته، فلسذاجته لا يعرف انه الراشي وانه يفعل الخطأ لكن المهم عنده أن يحقق ما يتمناه مهما كان ثمنه.
الرشوة. يا لهذه الكلمة الشنيعة! فعل قبيح يقوم به الإنسان ضد أخيه الإنسان، ويرتكبه دون أن يحس بأي شيء، وهو يراه أمامه معذباً من اجل شيء ربما يكون بسيطاً لا يستحق هذا العناء. فيُحدِق به واقفاً تحت هذه الشمس الحارقة في فصل الصيف الملتهب الذي يجعل الواقف تحته كقطعة حديد تذوب من شدة حرارته، ويشعره كأنه شجرة تحترق لوحدها في إحدى غابات الأمازون، وهو لا يرحمه أبداً.
انه لأمر سيء جداً أن تستغل من حولك نتيجة لمنصبك الذي وُضِعت فيه لخدمة هؤلاء المساكين –فهم من جعلك تترقى لهذا المنصب- وليس لتدميرهم وتحطيمهم. فما بالك وأنت تنظر إليهم؟ فالطوابير واقفة أمامك كل يوم، وكل يترقب دوره هو ويفكر في همومه ومشاكله التي تنتظره الواحدة تلو الأخرى. فكان واحداً منهم وهو كهل ذو شعر ابيض وملابس مهترئة، حاملاً بيده أوراقه داخل ملف اصفر قد صنع من الورق ويظهر في جوانبه بعض التمزق، وواقفاً تحت الشمس أمام الشخص ما قبل الأخير في الطابور، وكانت شفتيه المتعطشة إلى الماء والمغطية بشارب ابيض تنبس بهذا القول : مرّ على مجيئي إلى هنا أكثر من خمسة أشهر، تارة أجيء وتارة ارجع، وفي كل مرة يجب أن آتي بدفعة جديدة لصاحب السلطان، حتى استنفذ كل ما لدي في جيبي، ولم تكتمل معاملتي، وزاد عدد ضربات قلبي آلاف المرات في الدقيقة الواحدة من الذهاب والإياب، فالحياة بلا نظام وبلا قانون، ولا سلطة ولا متسلط، ولا رئيس ولا مرؤوس، فالكل صار رئيساً على نفسه، ينهب ويبطش ويفعل ما يشاء، فالأبواب مغلقة في السماء، والرئيس لا يعرف الضعفاء، والنزاهة في بلداننا مرض لا يوجد له دواء، فصارت كالطاعون، وأيادينا تناست أن تغتسل بالصابون.
فهل تفكر أنت في هذا الضعيف؟ أين ضميرك أيها الإنسان، وهل يؤنبك؟ وان يؤنبك، فهل يهتز قلبك؟ أو تشعر بذنبك؟ هل تفكر بالله الذي يرى كل ما تفعل؟ وكم إنسانٍ في اليوم تقتل؟ هل تفكر بالواقف أمامك وماذا يحل به؟ هل تفكر في نفسك كم انك طماع وجشع ولا ترضى بما هو مقسم لك ثمن أتعابك؟ هل تطرح كل هذه الأسئلة على نفسك أم انك تحاول التهرب منها من اجل المغريات؟
الرشوة أمرُ لا تقبله جميع الأديان والقيم والمبادئ، وكل إنسان يتمتع بصفة الإنسانية. جسارة هي وحقارة لكل من يفعلها. وخطيئة كبيرة لا تغتفر، والقائم بها ما هو إلا وحش هائج لا يرى من حوله إلا أنهم فريسة يسهل الوصول إليها، فينبشها بمخالبه الطويلة ويفتك بها ويأكل لحمها. الرشوة كالزؤان بين السنابل يشوه منظر الحقل، وكالنار التي تذيب الجليد، وكسفينة دون شراع استولى عليها الرعاع.
يا أيها المرتشي، إن كنت ساذجاً كصاحبك الراشي فأرفق بنفسك واسأل عن حياتك وعملك، فلا تبقَ متغافلاً عما يدور حولك كأنك غشيم لا يعرف شيئاً. أما إذا كنت ذو غاية وعالم بما تفعل وتريد منه الأكثر فويلٌ لك لأنك تفتري على إخوتك. لكن لا عتب على موظف صغير يقوم بالارتشاء، ففي بلداننا لا نعرف ما هي الوظيفة ولا نعطي قيمتها وثمن الجهد الذي يُبذل من اجلها. فإذا كان هذا الموظف يُستغل من قبل مديره والمدير يُستغل من قبل من هو أعلى منه فهو مجبر على استغلال المواطن، والصغير يتعلم من الكبير؛ وكلاهما يستمتعان بعملهما (المدير والموظف)، أما الذي يهزل ويضعف ويعاني فهو ذلك الذي يُنظر إليه بازدراء والذي لامعين له سوى الله.
فانهضي يا سلطاتنا، وابحثي عن شعوبك التي وصلت إلى أدنى درجات الانحطاط، والتي لم تتذوق طعم الحياة كباقي الشعوب. فكفاكم مالاً وسرقةً، لان جيوبكم امتلأت والفائض منها يقع بين الأرجل ويُسحق فأين ستصر