{ يَشْرِى } يبتع، نزلت فيمن أمر بمعروف ونهى عن منكر فقتل، أو في صهيب اشترى نفسه من المشركين بجميع ماله ولحق بالمسلمين، وقال الحسن: العمل الذي باع به نفسه الجهاد.
قال النسفي :
ونزل في صهيب حين أراده المشركون على ترك الإسلام وقتلوا نفراً كانوا معه فاشترى نفسه بماله منهم وأتى المدينة، أو فيمن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر حتى يقتل { وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يَشْرِى نَفْسَهُ } يبيعها { ٱبْتِغَاء } لابتغاء { مَرْضَاتِ ٱللَّهِ وَٱللَّهُ رَءُوفٌ بِٱلْعِبَادِ } حيث أثابهم على ذلك
قيل: إنّها خاصة بصهيب وقيل عامة في كل مجاهد أو في كل آمر بالمعروف وناه عن المنكر.
قال ابن عرفة: (يشري) على أنها خاصة (فعل حال وعلى العموم) مستقبل حقيقة و " النّاس " إمّا المؤمنون فقط أو المؤمنون والكافرون لأنه إذا تعارض العموم في جنس أقرب أو فيه وفي أبعد منه فالأقرب (أولى).
" مَرْضَاتِ ": قال ابن عطية: وقف عليها حمزة بالتاء والباقون بالهاء. وتبعه أبو حيان وهو غلط إنما وقف عليها بالهاء الكسائي فقط. وعن ورش في إمالتها وجهان، والمشهور عدم الإمالة.
قال ابن عرفة: وهو عندي منتقد على الشاطبي لأنه ذكر أنّ ورشا يميل ذوات الياء ثم عدها من ذوات الياء فظاهره أنه يميلها.
قوله تعالى: { وَٱللَّهُ رَءُوفٌ بِٱلْعِبَادِ }.
المراد رؤوف بهم، أي بمن يشتري نفسه، أو المراد رؤوف بهم أي بشيء يشتري نفسه. والمراد رؤوف بالنّاس إذَا قلنا: إن الكافر مُنعَم عليه وذلك أنك إذا قلت: أنعم فلان على فلان. فإن أردت أنه أذهب عنه كل مؤلم فالكافر غير منعم عليه في الآخرة. وإن أردت أنه أذهب عنه مؤلما بالإطلاق فالكافر منعم عليه إذْ مَا مِنْ عذابٍ إلاّ وَفِي علم الله (ما هو) أشد منه.
قال الزمخشري: " رؤوف بالعباد " حيث كلّفهم الجهاد فعرضهم لثواب (الشهداء).
قال ابن عرفة: وهذا جار على مذهبنا لقوله " رؤوف " (فدل على) أَنّه لاَ يَجِبُ عليه مراعاة الأصلح وإنما ذلك محض (رأفة ورحمة) وتفضل.
و قال السيوطي :
أخرج ابن مردويه عن صهيب قال " لما أردت الهجرة من مكة إلى النبي صلى الله عليه وسلم قالت لي قريش: يا صهيب قدمت إلينا ولا مال لك، وتخرج أنت ومالك والله لا يكون ذلك أبداً، فقلت لهم: أرأيتم إن دفعت لكم مالي تخلون عني؟ قالوا: نعم. فدفعت إليهم مالي فخلوا عني، فخرجت حتى قدمت المدينة، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ربح البيع صهيب مرتين ".
وأخرج ابن سعد والحرث بن أبي أسامة في مسنده وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو نعيم في الحلية وابن عساكر عن سعيد بن المسيب قال " أقبل صهيب مهاجراً نحو النبي صلى الله عليه وسلم، فاتبعه نفر من قريش، فنزل عن راحلته وانتثل ما في كنانته ثم قال: يا معشر قريش قد علمتم إني من أرماكم رجلاً، وأيم الله لا تصلون إلي حتى أرمي بكل سهم في كنانتي، ثم أضرب بسيفي ما بقي في يدي فيه شيء، ثم افعلوا ما شئتم، وإن شئتم دللتكم على مالي وقنيتي بمكة وخليتم سبيلي. قالوا: نعم. فلما قدم على النبي صلى الله عليه وسلم قال: ربح البيع، ربح البيع. ونزلت { ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضات الله والله رؤوف بالعباد } ".
وأخرج الطبراني وابن عساكر عن ابن جريج في قوله { ومن الناس من يشري نفسه } قال: نزلت في صهيب بن سنان وأبي ذر.
وأخرج ابن جرير والطبراني عن عكرمة في قوله { ومن الناس من يشري نفسه... } الآية. قال " نزلت في صهيب بن سنان، وأبي ذر الغفاري، وجندب بن السكن أحد أهل أبي ذر، أما أبو ذر فانفلت منهم، فقدم على النبي صلى الله عليه وسلم، فلما رجع مهاجراً عرضوا له وكانوا بمر الظهران، فانفلت أيضاً حتى قدم على النبي صلى الله عليه وسلم، وأما صهيب فأخذه أهله فافتدى منهم بماله، ثم خرج مهاجراً فأدركه قنفذ بن عمير بن جدعان، فخرج ممَّا بقي من ماله وخلى سبيله ".
وأخرج الطبراني والحاكم والبيهقي في الدلائل وابن عساكر عن صهيب قال: لما خرج النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة هممت بالخروج، فصدني فتيان من قريش ثم خرجت، فلحقني منهم أناس بعد ما سرت ليردوني، فقلت لهم: هل لكم أن أعطيكم أواقي من ذهب وتخلوا سبيلي؟ ففعلوا. فقلت: احفروا تحت أسكفة الباب فإن تحتها الأواقي، وخرجت حتى قدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم قباء قبل أن يتحوّل منها، فلما رآني قال: يا أبا يحيى ربح البيع، ثم تلا هذه الآية.
وأخرج ابن جرير عن قتادة في قوله { ومن الناس من يشري نفسه. .. } الآية. قال: هم المهاجرون والأنصار.
وأخرج وكيع والفريابي وعبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم عن المغيرة بن شعبة قال: كنا في غزاة فتقدم رجل فقاتل حتى قتل، فقالوا: ألقى بيده إلى التهلكة. فكتب فيه إلى عمر، فكتب عمر: ليس كما قالوا، هو من الذين قال الله فيهم { ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضات الله }.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن محمد بن سيرين قال: حمل هشام بن عامر على الصف حتى خرقه، فقالوا: ألقى بيده. فقال أبو هريرة { ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضات الله }.
وأخرج البيهقي في سننه عن مدركة بن عوف الأحمسي. أنه كان جالساً عند عمر فذكروا رجلاً شرى نفسه يوم نهاوند، فقال: ذاك خالي زعم الناس أنه ألقى بنفسه إلى التهلكة. فقال عمر: كذب أولئك، بل هو من الذين اشتروا الآخرة بالدنيا.
وأخرج ابن عساكر من طريق الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس في قوله { ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضات الله } قال: نزلت صهيب، وفي نفر من أصحابه، أخذهم أهل مكة فعذبوهم ليردوهم إلى الشرك بالله منهم: عمار، وأمية، وسمية، وأبو ياسر، وبلال، وخباب، وعباس مولى حويطب بن عبد العزى.
وأخرج الطبراني وأبو نعيم في الحلية وابن عساكر عن صهيب " أن المشركين لما أطافوا برسول الله صلى الله عليه وسلم، فأقبلوا على الغار وأدبروا قال: واصهيباه ولا صهيب لي. فلما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم الخروج بعث أبا بكر مرتين أو ثلاثاً إلى صهيب، فوجده يصلي فقال أبو بكر للنبي صلى الله عليه وسلم: وجدته يصلي، فكرهت أن أقطع عليه صلاته. فقال: أصبت وخرجا من ليلتهما، فلما أصبح خرج حتى أتى أم رومان زوجة أبي بكر، فقالت: ألا أراك ههنا وقد خرج أخواك ووضعا لك شيئاً من زادهما؟ قال صهيب: فخرجت حتى دخلت على زوجتي أم عمرو، فأخذت سيفي وجعبتي وقوسي حتى أقدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة فأجده وأبا بكر جالسين، فلما رآني أبو بكر قام إلي فبشرني بالآية التي نزلت فيّ، وأخذ بيدي فلمته بعض اللائمة، فاعتذر وربحني رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ربح البيع أبا يحيى ".
وأخرج ابن أبي خيثمة وابن عساكر عن مصعب بن عبد الله قال " هرب صهيب من الروم ومعه مال كثير، فنزل بمكة فعاقد عبد الله بن جدعان وحالفه، وإنما أخذت الروم صهيباً بن رضوى، فلما هاجر النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة لحقه صهيب، فقالت له قريش: لا تلحقه بأهلك ومالك فدفع إليهم ماله، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: ربح البيع. وأنزل الله في أمره { ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضات الله } وأخوه مالك بن سنان ".
وأخرج الحاكم وصححه عن ابن عباس قال: كنت قاعداً عند عمر إذ جاءه كتاب: أن أهل الكوفة قد قرأ منهم القرآن كذا وكذا فكبر، فقلت: اختلفوا. قال: من أي شيء عرفت؟ قال: قرأت { ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا... } الآيتين فإذا فعلوا ذلك لم يصبر صاحب القرآن، ثم قرأت { وإذا قيل له اتق الله أخذته العزة بالإِثم فحسبه جهنم ولبئس المهاد }
[البقرة: 206] { ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضات الله } قال: صدقت والذي نفسي بيده.
وأخرج الحاكم عن عبد الله بن عبيد بن عمير قال: بينما ابن عباس مع عمر وهو آخذ بيده فقال عمر: أرى القرآن قد ظهر في الناس؟ قلت: ما أحب ذلك يا أمير المؤمنين. قال: لم؟ قلت: لأنهم متى يقرأوا ينفروا، ومتى نفروا يختلفوا، ومتى ما يختلفوا يضرب بعضهم رقاب بعض. فقال عمر: إن كنت لأكتمها الناس.
وأخرج ابن جرير عن ابن زيد أن ابن عباس قرأ هذه الآية عند عمر بن الخطاب فقال: اقتتل الرجلان فقال له عمر: ماذا؟ قال: يا أمير المؤمنين أرى ههنا من إذا أمر بتقوى الله أخذته العزة بالإِثم، وأرى من يشري نفسه ابتغاء مرضاة الله، يقوم هذا فيأمر هذا بتقوى الله، فإذا لم يقبل وأخذته العزة بالإِثم قال هذا: وأنا أشري نفسي فقاتله، فاقتتل الرجلان فقال عمر: لله درك يا ابن عباس!
وأخرج عبد بن حميد عن عكرمة. أن عمر بن الخطاب كان تلا هذه الآية { ومن الناس من يعجبك قوله } إلى قوله { ومن الناس من يشري نفسه } قال: اقتتل الرجلان.
وأخرج وكيع وعبد بن حميد والبخاري في تاريخه وابن جرير وابن أبي حاتم والخطيب عن علي بن أبي طالب. أنه قرأ هذه الآية فقال: اقتتلا ورب الكعبة.
وأخرج وكيع وعبد بن حميد وابن جرير عن صالح أبي خليل قال: سمع عمر إنساناً يقرأ هذه الآية { وإذا قيل له اتق الله } إلى قوله { ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضات الله } فاسترجع فقال: إنا لله وإنا إليه راجعون، قام الرجل يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر فقتل.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن الحسن قال: أنزلت هذه الآية في المسلم الذي لقي كافراً فقال له: قل لا إله إلا الله، فإذا قلتها عصمت مني دمك ومالك إلا بحقهما، فأبى أن يقولها، فقال المسلم: والله لأشرين نفسي لله فتقدم، فقاتل حتى قتل.
ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضاة الله (سورة البقرة 207) . قال أبو جعفر الاسكافي كما في شرح البلاغة لابن أبي الحديد 3 ص 270: حديث الفراش قد ثبت بالتواتر فلا يجحده إلا مجنون أو غير مخالط لأهل الملة، وقد
روى المفسرون كلهم: إن قول الله تعالى : ومن الناس من يشري. الآية. نزلت في علي ليلة المبيت على الفراش.
وروى الثعلبي في تفسيره: إن النبي صلى الله عليه وآله لما أراد الهجرة إلى المدينة خلف علي بن أبي طالب بمكة لقضاء ديونه وأداء الودايع التي كانت عنده، وأمر ليلة خرج إلى الغار وقد أحاط المشركون بالدار أن ينام على فراشه وقال له: اتشح ببردي الحضرمي الأخضر ونم على فراشي فإنه لا يصل منهم إليك مكروه إنشاء الله تعالى ففعل ذلك علي عليه السلام فأوحى الله تعالى إلى جبرئيل وميكائيل: إني آخيت بينكما وجعلت عمر أحدكما أطول من الآخر فأيكما يؤثر صاحبه بالحياة؟ فاختار كلاهما الحياة، فأوحى الله تعالى إليهما: أفلا كنتما مثل علي بن أبي طالب؟ آخيت بينه وبين محمد فبات على فراشه يفديه بنفسه ويؤثره بالحياة، إهبطا إلى الأرض فاحفظاه من عدوه. فنزلا فكان جبرئيل عند رأسه وميكائيل عند رجليه ، وجبرئيل ينادي: بخ بخ من مثلك يا علي؟ يباهي الله تبارك وتعالى بك الملائكة . فأنزل الله على رسوله وهو متوجه إلى المدينة في شأن علي: ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضاة الله. وقال ابن عباس : نزلت الآية في علي حين هرب - رسول الله - من المشركين إلى الغار مع أبي بكر ونام على فراش النبي.
وحديث الثعلبي هذا رواه بطوله الغزالي في إحياء العلوم 3 ص 238، والكنجي في كفاية الطالب ص 114، والصفوري في نزهة المجالس 2 ص 209 نقلا عن الحافظ النسفي. ورواه ابن الصباغ المالكي في فصوله ص 33، وسبط ابن الجوزي الحنفي في تذكرته ص 21، والشبلنجي في نور الأبصار ص 86، وفي المصادر الثلاثة الأخيرة: قال ابن عباس: أنشدني أمير المؤمنين شعرا قاله في تلك الليلة:
وقيت بنفسي خير من وطئ الحصا * وأكرم خلق طاف بالبيت
والحجر وبت أراعي منهم ما يسوءني * وقد صبرت نفسي على
القتل والأسر وبات رسول الله في الغار آمنا * وما زال في حفظ
الإله وفي الستر
ويوجد حديث ليلة المبيت في مسند أحمد 1 ص 348، تاريخ الطبري 2 - ص 99 - 101 ، الطبقات لابن سعد 1 ص 212، تاريخ اليعقوبي 2 ص 529 سيرة ابن هشام 2 وتوجد هذه الأبيات في مناقب الخوارزمي مع زيادة بيت ص 291، العقد الفريد 3 ص 290 ، تاريخ الخطيب البغدادي 13 ص 191 ، تاريخ ابن الأثير 2 ص 42 ، تاريخ أبي الفدا، 1 ص 126 ، مناقب الخوازمي ص 75، الامتاع للمقريزي ص 39، تاريخ ابن كثير 7 ص 338، السيرة الحلبية 2 ص 29.
ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضاة الله
(سورة البقرة 207) . قال أبو جعفر الاسكافي كما في شرح البلاغة لابن أبي الحديد 3 ص 270: حديث الفراش قد ثبت بالتواتر فلا يجحده إلا مجنون أو غير مخالط لأهل الملة، وقد
روى المفسرون كلهم: إن قول الله تعالى : ومن الناس من يشري. الآية. نزلت في علي ليلة المبيت على الفراش.
أقول و بالله التوفيق :
أبو جعفر الاسكافي من أعلام المعتزلة و ليس له علاقة بأهل السنة بل ثبت أنه علوي الرأي ( شيعي) :
جاء في كتاب بحوث في الملل و النحل ، الجلد 03 ص 277 :
قال الخطيب: « محمد بن عبدالله أبو جعفر المعروف بالاسكافي أحد المتكلّمين من معتزلة البغداديّين ، له تصانيف معروفة ، وكان الحسين بن عليّ بن يزيد الكرابيسي صاحب الشافعي يتكلّم معه و يناظره و بلغني أنّه مات في سنة أربعين ومائتين » (1).
وقال ابن أبي الحديد: « كان شيخنا أبو جعفر الاسكافي ـ رحمه الله ـ من المتحقّقين بموالاة عليّ ( عليه السلام ) والمبالغين في تفضيله ، وإن كان القول بالتفصيل عامّاً شائعاً في البغداديّين من أصحابنا كافّة إلاّ أنّ أبا جعفر أشدُّهم في ذلك قولاً و أخلصهم فيه اعتقاداً » (2).
وقال أيضاً: « وأمّا أبو جعفر الاسكافي وهو شيخنا محمّد بن عبدالله الاسكافي ، عدّه قاضي القضاة في الطّبقة السابعة من طبقات المعتزلة ، مع عبّاد بن سليمان الصيمري ، ومع زرقان ، ومع عيسى بن الهيثم الصوفي ، وجعل أوّل الطّبقة ثمامة بن أشرس أبا معن ، ثمّ أبا عثمان الجاحظ ، ثمّ أبا موسى عيسى بن صبيح المردار ، ثمّ أبا عمران يونس بن عمران... إلى أن قال: كان أبو جعفر فاضلاً عالماً صنّف سبعين كتاباً في علم الكلام » (3).
وهو الّذي نقض كتاب « العثمانيّة » على أبي عثمان الجاحظ في حياته ، ودخل الجاحظ الورّاقين ببغداد ، فقال: من هذا الغلام السواري الّذي بلغنا أنّه يعرض لنقض كتبنا والاسكافي جالس ، فاختفى حتّى لم يره » (4).
وكان أبو جعفر يقول بالتفضيل على قاعدة معتزلة بغداد و يبالغ في ذلك وكان علوي الرأي ، محقّقاً منصفاً ، قليل العصبيّة (5). وظاهر نصّ القاضي أنّه ألّف تسعين كتاباً في علم الكلام (1).
وهذه صورة بعض كتبه: كتاب اللّطيف ، كتاب البدل ، كتاب الردّ على النظّام في أنّ الطّبعين المختلفين يفعل بهما فعلاً واحداً ، كتاب المقامات في تفضيل عليّ ( عليه السلام ) ، كتاب إثبات خلق القرآن ، كتاب الردّ على المشبّهة ، كتاب المخلوق على المجبِّرة ، كتاب بيان المشكل على برغوث ، كتاب التمويه نقض كتاب حفص ، كتاب النّقض لكتاب أبي الحسين النجّار ، كتاب الردّ على من أنكر خلق القرآن ، كتاب الشّرح لأقاويل المجبِّرة ، كتاب إبطال قول من قال بتعذيب الأطفال ، كتاب جمل قول أهل الحقّ ، كتاب النّعيم ، كتاب ما اختلف فيه المتكلّمون ، كتاب الردّ على أبي حسين في الاستطاعة ، كتاب فضائل عليّ ـ عليه السلام ـ ، كتاب الأشربة ، كتاب العطب ، كتاب الردّ على هشام ، كتاب نقض كتاب أبي شبيب في الوعيد (2).
وقداشتهر من بين كتبه كتاب « النقض على العثمانيّة » للجاحظ ، وهذا يدلّ على أنّ الرّجل كان مبدئياً متحمّساً حيث قام بالمحاماة عن أكبر شخصيّة إسلامّة من أهل بيتالرسول صلَّى الله عليه و آله و سلَّم في العصر الّذي استفحل الانحراف عن أهل البيت ، وشاع التكالب على الدُّنيا بين الناس ، وراج التقرّب إلى أرباب السلطة من بني العبّاس أعداء أهل البيت.
ولكن هذا الكتاب لم يصل لحدّ الآن إلى أيدي المحقّقين في عصرنا هذا ، غير ما نقله ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة ، وقد استقصى محمّد هارون المصري محقِّق كتاب العثمانيّة للجاحظ ما رواه ابن أبي الحديد عن كتاب النّقض في شرحه ، فجمعه وطبعه في آخر كتاب « العثمانيّة ».
هذا ، وقد نقل المقريزي في خططه آراء خاصّة عنه وهي ساقطة وضعها أعداؤه عليه. قال: « الاسكافيّة أتباع أبي جعفر محمّد بن عبدالله الاسكافي ، ومن قوله: إنّ الله تعالى لا يقدر على ظلم العقلاء ، ويقدر على ظلم الأطفال والمجانين... الخ »
وروى الثعلبي في تفسيره:
إن النبي صلى الله عليه وآله لما أراد الهجرة إلى المدينة خلف علي بن أبي طالب بمكة لقضاء ديونه وأداء الودايع التي كانت عنده، وأمر ليلة خرج إلى الغار وقد أحاط المشركون بالدار أن ينام على فراشه وقال له: اتشح ببردي الحضرمي الأخضر ونم على فراشي فإنه لا يصل منهم إليك مكروه إنشاء الله تعالى ففعل ذلك علي عليه السلام فأوحى الله تعالى إلى جبرئيل وميكائيل: إني آخيت بينكما وجعلت عمر أحدكما أطول من الآخر فأيكما يؤثر صاحبه بالحياة؟ فاختار كلاهما الحياة، فأوحى الله تعالى إليهما: أفلا كنتما مثل علي بن أبي طالب؟ آخيت بينه وبين محمد فبات على فراشه يفديه بنفسه ويؤثره بالحياة، إهبطا إلى الأرض فاحفظاه من عدوه. فنزلا فكان جبرئيل عند رأسه وميكائيل عند رجليه ، وجبرئيل ينادي: بخ بخ من مثلك يا علي؟ يباهي الله تبارك وتعالى بك الملائكة . فأنزل الله على رسوله وهو متوجه إلى المدينة في شأن علي: ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضاة الله. وقال ابن عباس : نزلت الآية في علي حين هرب - رسول الله - من المشركين إلى الغار مع أبي بكر ونام على فراش النبي.
أقول و بالله التوفيق:
كم من مرة نذكركم أن أهل السنة لا يتعتدون بروايات الثعلبي قيد شعيرة ؟؟
يقول ابن كثير عن تفسيره: وهو كتاب حافل بالإسرائيليات دون التنبيه عليها. تفسيره جـ: 1 ص ـ 20.
ويقول أيضاً: وكان كثير الحديث واسع السماع, ولهذا يوجد في كتبه من الغرائب شيء كثير ـ البداية والنهاية جـ: 12 ص ـ 40.
ويقول الفتني: الثعلبي في نفسه كان ذا خير ودين، لكن كان حاطب ليل ـ تذكرة الموضوعات ص ـ 84.
ويقول شيخ الاسلام ابن تيمية: وليس الثعلبي من أهل العلم بالحديث ـ منهاج السُنة جـ: 7 ص ـ 34.
ويقول كذلك في مقدمة أصول التفسير: كان حاطب ليل ينقل ما وجد في كتب التفسير من صحيح وضعيف وموضوع.
ويقول ابن الجوزي: ليس فيه ـ أي في تفسير الثعلبي ـ ما يعاب به إلا ما ضمنه من الأحاديث الواهية التي هي في الضعف متناهية ـ هامش سير أعلام النبلاء جـ: 17 ـ 436 تحقيق: شعيب الأرنؤوط.
فقد ورد عند السنة ان قوله تعالى : (( وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاء مَرْضَاتِ اللّهِ )) ، في علي(عليه السلام) حينما نام في فراش النبي (صلى الله عليه وآله) . وقد رجحه الثعلبي في تفسيره بعد ان ذكر الكثير من الأقوال في تفسير هذه الآية الكريمة حتى قال في (2/126) :
وقال الثعلبي ورايت في الكتب ان رسول الله (صلى الله عليه وآله) لما اراد الهجرة خلف علي بن أبي طالب بمكة. .. فامره أن ينام على فراشه (صلى الله عليه وآله).. .. وأنزل الله على رسوله (صلى الله عليه وآله) وهو متوجه إلى المدينة في شان علي (عليه السلام) ((وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاء مَرْضَاتِ اللّهِ)) واخرجه الحسكاني في (شواهد التنزيل بعدّة طرق 1/123و 129و130 و131و132)
.ثم قال: قال ابن عباس : نزلت في علي بن أبي طالب حين هرب النبي (صلى الله عليه وآله) من المشركين إلى الغار مع أبي بكر ونام علي على فراش النبي (صلى الله عليه وآله).
وذكره القرطبي بين عدة تفاسير للآية الكريمة فقال في تفسيره (3/21):
وقيل نزلت في علي(رض) حين تركه النبي(ص) على فراشه ليلة خرج الى الغار وذكره ابو حيان الاندلسي في تفسيره (البحر المحيط 2/ 127) قال: وقيل: في علي حين خلّفه رسول الله(ص).
وذكر ما قاله الثعلبي ابن حجر العسقلاني في (العجاب في بيان الأسباب (1/259)
. وقال الآلوسي في تفسيره (2/97): وقال الامامية وبعض منا: انها نزلت في علي كرم الله تعالى وجهه حين استخلفه النبي(ص) على فراشه بمكة لما خرج الى الغار .
وذكره ابن عساكر في (تاريخ دمشق 42/67) عن ابن عباس وبسند اخر عن ابن عباس (42/ 68). وذكره ابن الاثير في (اسد الغابة 4/25) والمقريزي في (امتاع الاسماع 1/ 57) وذكره الحلبي في (السيرة الحلبية 2/ 192)
ونقل تكذيب ابن تيمية له ورد عليه قوله فقال: ولا مانع من تكرار نزول الآية في حق علي وفي حق المصطفى (ص) وفي حق صهيب
, ونزول هذه الآية بمكة لا يخرج سورة البقرة عن كونها مدنية لان الحكم يكون للغالب ثم قال الحلبي في سيرته (3/ 161) وتقدم انه قيل إنها نزلت في علي كرم الله وجهه لما نام على فراشه (ص) ليلة ذهابه إلى الغار.
وقد ورد وصح ما يؤيد سبب النزول هذا حيث أخرج الحاكم في (مستدركه 3/4)
عن ابن عباس قال: شرى عليٌّ نفسه ولبس ثوب النبي(ص) ثم نام مكانه وصححه الحاكم ووافقه الذهبي.
وروى الحاكم بعده عن علي بن الحسين (عليه السلام) قوله: إن أول من شرى نفسه أبتغاء رضوان الله علي بن أبي طالب.
وأخرجه السيوطي في (الدر المنثور 3/ 180) وقال: وأخرج الحاكم وصححه عن ابن عباس قال: شرى علي نفسه. .... ثم قال: وأخرج الحاكم عن علي بن الحسين.... (بما ذكرناه من الحاكم).
وأخرجها ابن مردويه في (مناقب علي(ع) ص224) في سبب نزول قوله تعالى: ((وَ مِنَ النَّاسِ مَن يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاء مَرْضَاتِ اللّهِ )) عن أبن عباس وعلي بن الحسين وقال عن علي بن الحسين: أول من شرى نفسه ابتغاء مرضات الله عزوجل علي بن أبي طالب
-----------------
السوال :
مع فرض اختلاف بين اهل السنة في نزول الاية لمذا الوهابية الاعمياء تبعا لابن تيمية ينفون النزول في حق الامام علي عليه السلام و يثبتون في حق صهيب فقط؟
تعليق