الحمد لله الذي جعلنا من أمّة نبيّه محمّد (صلى الله عليه وآله) , وهدانا بالرجوع إلى أُمنائه المعصومين ، وأُصلّي وأُسلّم عليهم ما دامت الدنيا باقية ببقائهم وثابتة بوجودهم. وبعد، يسرّني في هذا البحث المتواضع أنّ أكتب عن الإمامة الخاصّة لأهل البيت(عليهم السلام)، وأُ ثبت ذلك من الكتاب والسنّة, مخاطبة بذلك المنصفين الذين يشهدون بالحقّ ولو على أنفسهم والأقربين , وبما أنّني في كتابي (وعرفت من هم أهل البيت(عليهم السلام))
كان أكثر خطابي للزيدية، وإثبات حقيقة المذهب الجعفري، وإثبات الإمامة في اثنى عشر خليفة من مصادرهم الموثوقة ,
فقد جعلت خطابي في هذا الكتاب لمن يُسمّون بأهل السنّة
, أو من هو حيران لا يدري إلى من ينتمي, أو من هو جاهل لا يعرف التشيع إلّا من لسان أعدائه أو مخالفيه لسبب ما. نعم، أنا لا أدّعي أنّني جئت بما لم يجئ به من قبلي , فقد كتب العلماء والمحقّقون والفضلاء الشيعة من شيخنا المفيد إلى شيخنا الأميني إلى شيخنا الكوراني إلى غيرهم، ممن كتبوا الكثير حول الولاية، وأثبتوها بالنصوص القاطعة , إلّا أنّ ما دفعني لكتابة هذا البحث عدّة أسباب، منها: أنّني أعرف أخاطب مربيّات الأجيال ومخرّجات الرجال بطريقتهنّ الخاصّة, ولأنّي قد وُجّهَت إليّ بعض الأسئلة ممن قد لمست منهنّ البراءة وصدق السؤال، لهذا
لخّصت حواري معهنّ حول ماقد دار بيننا، وماهو محور النقاش الذي أُواجهه في أكثر من مكان، ومع أكثر من أخت، ولم تسمح الظروف بالجواب الكافي مع مصدره , والآن وبحمد الله تعالى تيسّرت الظروف بأن أكتب هذا البحث المتواضع علّه يكون فاتحة خير لنا بالثواب ولهنّ بالهداية , ومضمون كلامي في هذا البحث لهنّ ولكلّ منصف هو الآتي: 1- جواب على ما رأيته من تساؤلات بعض العيون الحائرة في هذا الزمان الذي كثرت فيه الفرق والأحزاب: { كلّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ}
تلك العيون الحائرة الباحثة عن الحق لاتدري أين هو؟! ولو عرفته لاتّبعته , و ليس المتعصبة عن جهل أوعن علم فهي تدري بالحق ولكن تحرّفه على هواها كما فعله من كان قبلهم: {مِنَ الَّذِينَ هَادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ}
نعم، فقد قرأت البراء ة والحيرة في عيون كثيرة , وواجهت الكثير من الأسئلة البريئة التي لم تحن الفرصة للوفاء بحقّها, فأنا هنا أردت أنّ أُبيّن لهم أسباب تعدد الفرق والأحزاب
وأُبيّن الفرقة الناجية من بينها، وأثبت ذلك بالعقل والنقل - إن شاء تعالى- علماً أنّ بحثي كلّه من الصحاح والمسانيد والكتب السنيّة المعتبرة، ولا يعني أنّ كتبهم معتبرة عندنا، إنّما نحاججهم بما يعتبروه هم صحيح .
2- جواب لكلّ منصف حيران لا يدري أين الحق هل هو مع السنّة أم هو مع الشيعة؟ فأنا في هذا البحث وضعت أصبعي على نقطة الخلاف، وهي الولاية لأهل البيت(عليهم السلام) فإنّ ثبتت ثبت مذهب أتباعهم (الشيعة)، وإن لم تثبت فالحقّ مع غيرهم, ولكن سنثبت إن شاء الله تعالى من الكتاب والسنّة أنّ الرسول (صلى الله عليه وآله) ترك أُمّته على المحجّة البيضاء ليلها كنهارها , ولم يذهب عن الدنيا إلّا بعد الوصيّة الصريحة بخلافة أهل بيته(عليهم السلام) في أُمّته، وجعلهم الفرقة الناجية، المنجية كما سنبيّن ذلك إن شاء الله تعالى. 3- وأُثبت من الكتاب والسنة أنّ الشيعة ليسو مغالين كما يزعم البعض بأنّهم هم أتباع أهل البيت وأنّ الشيعة مغالون! بل إنّ ما تعتقده الشيعة في أهل البيت(عليهم السلام) وارد فيهم حقّاً, وأنّ المغالي ماهو إلّا من قال فيهم مالا يستحقّون , والشيعة تكفّر الغلاة وتتبراء منهم , أمّا من قال واعتقد في أهل البيت (عليهم السلام) بماجاء به القرآن الكريم والسنّة الصحيحة فهو متبّع ومسلّم للسنّة النبوية وللأمر الإلهي، ونحن نسرد أدلّتنا على وجوب الولاية من الصحاح والمسانيد، ونقول: أتلوا كتبكم لعلّكم تهتدون. 4- و أُثبت بالدليل أنّ الفرق والأحزاب الموجودة الآن ما هي إلّا نتيجة السقيفة، وتدبير من خالفوا النصّ الواضح الصريح في الأمر الإلهي بالولاية لأهل البيت(عليهم السلام) { يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِين} (1) واجتهدوا في دين الله بالهوى، وغلبهم حبّ السلطة والتسلّط في الأرض، فكان نتيجة ذلك تعدد الفرق والمذاهب والأحزاب إلى يومنا هذا , وقد اعترف بذلك الصحابة والتابعين وتابعيهم، فالحقّ يظهر مهما سعى الأعداء في إخفائه , فإنّ الله يظهره على ألسنتهم ليكون حجّة عليهم، كما قال تعالى لأهل الكتاب: { وَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ} (2) . ولكنهم يحرفونه حسب أهوائهم والله تعالى يخاطبهم بأن يقرأوا كتبهم لتشهد عليهم { قُلْ فَأْتُوا بِالتَّوْرَاةِ فَاتْلُوهَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ } (3) . ويدّعون أشياء كاذبة بدون دليل فيقول لهم المولى عزّ وجلّ: { قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} (4) . والشيعة دائماً تقول لمن يفترون عليهم: هاتوا صحاحكم، هاتوا مسانيدكم وكتبكم المعتبرة لديكم لنرى من الصادق في مدّعاه؟! فإنّ صحاحكم تثبت صدق مدّعانا. ولكن كما لجأ أهل الكتاب إلى تحريف كتبهم فكذلك حصل للطبعات الأخيرة من الصحاح والمسانيد وغيرها, و لكن بقي رغم كلّ جهد بُذل في
إخفاء الحقيقة مع مرور الأزمان وتعدد الأيدي والأهداف ما يثبت مدّعانا , ونحن نطلب النقاش العلمي لعلّ الله يهدي بأيدينا بعضاً من تلك العيون المتحيّرة والقلوب الصافية المنصفة، (لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من أنّ يكون لك حمر النعم) (1) . 5- وبيّنت أنّ الولاية صمّام الأمان في كلّ مجتمع، ولسبب جهلها أو سوء الاستفادة منها وجدنا مجتمعاتنا تزرع ولا تجني الثمر , وفي فشل مستمر كما بيّن ذلك علماء السياسة والتأريخ. 6- وبيّنت أنّ الفرق والأحزاب قد ظهرت في المجتمع الإسلامي بعد رحيل مؤسس الدولة الإسلامية وواضع منهجها رسول الله (صلى الله عليه وآله) , والسبب هو عدم التزام الناس بالقيادة العلياً المنصوبة من قبل الله تعالى على لسان نبيه (صلى الله عليه وآله): (إنّي تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي.. ) (2) , وأنّ سبب كلّ هذه الحيرة والضباب والتفرق ما هو إلّا نتيجة السقيفة، ثمّ المناهج الأموية، ثمّ العباسية، ثمّ تداول الأيدي الحليفة لها أو اللامبالية في دينها، حتّى وصل الأمر إلى أنّ الطالب العربي أو المسلم في الدول الإسلامية - باستثناء إيران الإسلامية الشيعية أو من درس في المعاهد الشيعية الخاصّة - يكمل الجامعة وهو يعتقد أنّ خولة بنت الأزور بطلة النساء، ولا يعرف عن بطلة كربلاء شيئاً!! وأنّ عائشة أفضل النساء وأحبّهنّ إلى قلب رسول الله(صلى الله عليه وآله) ولا يعرف عن قرّة عين
____________
1- صحيح البخاري 4: 207، كتاب فضائل أصحاب النبي، باب مناقب علي بن أبي طالب. 2- المصنّف 7:418، كتاب الفضائل، حديث41.
الرسول(صلى الله عليه وآله) وبضعته إلّا اليسير!! وأنّ أبا بكر أفضل الصحابة، ولا يعرف عن نفس الرسول وحبيبه ووصيّه إلّا اليسير !! وأنّ خالد بن الوليد هو البطل الضرغام، و صلاح الدين الأيوبي الفاتح الناصح، ولا يعرف عن بطل كربلاء شيئاً!! وأنّ معاوية حليم العرب وعمرو بن العاص داهيتهم، ولا يعرف عن حليم آل البيت شيئاً!! وهذا ما أنا متأكّدة منه في مناهجنا الدراسية الأكاديمية, ولا يعرف الحقيقة إلّا من درس في المعاهد الدينية الشيعية, أو ذهب إلى إيران الإسلامية, أو من قرأ كتب الشيعة وتابع علماءهم ولو عبر الفضائيات ونحوها, وأنا في هذا البحث أُثبت بالعقل والنقل أنّ في مناهجنا الدراسية الكثير من الظلم لأهل بيت النبوّة (صلى الله عليه وآله) في كتمان فضلهم، ونشر فضل أعدائهم. وأنصح كلّ مؤمن منصف يخاف أنّ يظلم محمّد(صلى الله عليه وآله) في أهله أنّ يقرأ هذا البحث وغيره، ممن بحث هذه المسألة بانصاف حتّى يعرف الحق وأهله ويتّبعه، و يعلن أمام الورى ظلم الأمّة لأهل بيت نبيها صلوات الله عليهم أجمعين. 7- بيّنت أنّ ماعند الفرق الإسلامية من بضاعة في موضوع الإمامة أو الخلافة إلى وقتنا الحاضر يؤكّد أنّ أهل السنّة يخلطون بيّن الإمامة والحكم، وأنّهم استخدموا اصطلاح الإمامة حيناّ والخلافة حيناً آخر للتعبير عن معنى واحد هو رئاسة الدولة , لكننا لا نقف على شيء من هذا الخلط عند الشيعة الإمامية قديماً وحديثاً, فكلّما اطّلعت أكثر على عقائدهم كلّما اطمأننت أنّ الحقّ معهم، وأنّهم سفينة النجاة وأمان لأهل الأرض, وأنّ تفرّق وتشعّب الفرق المخالفة للشيعة سببه الحكومات التي حكمتنا باسم الإسلام، وسياسة مبرمجة لإبقاء هذا الجمهور معصوب العينين، حتّى لا يفهم شيئاً عن حقائقهم المخزية , ولكن لابدّ من يوم أنّ تظهر فيه الحقيقة، ويتولّى الحقّ أهله، { وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ} (1) . 8- ذكرت بعض القصص الواقعيّة والحوارات الحديثة كشاهد حي يصدقه من شهده, ويحسّ بصدقه من قرأه ؛ لأنّه حقيقة معاشه وملموسه في واقعنا المعاصر. 9- من خلال بحثي لما جاء من الأدلّة لإثبات وصيّة رسول الله(صلى الله عليه وآله) أُمّته باتباع أهل بيته(عليهم السلام) مطلقاً أجبنا على بعض الشبهات والتحريفات حول فضائل أهل البيت(عليهم السلام) التي حاول البعض أنّ يحرّفها أو يسرقها لغيرهم أو يكذّبها ؛ لأنّها تدلّ على إمامتهم، ووجوب موالاتهم، وأنّه لا يخلو زمن منهم. ومن هنا رأيت أنّ أدع هذا الكتاب يجد طريقه إلى المنصفين علّه يكون بداية وفاتحة خير ، وجواب لتلك الأسئلة والحائرة التي قرأتها في تلك العيون المتحيّرة, ووحدة إسلامية تحت ظل ولي أمرهم , ومن الله تعالى نستمد السداد والتوفيق.
ونحن في هذا البحث نثبت أنّ رسول الله(صلى الله عليه وآله) نصبهم أولياء للناس، ووصفهم بقرناء القرآن، وسفينة النجاة، وأمان أهل الأرض وغيرها من الأوصاف ، ولنا أدلّة كثيرة على ذلك من القرآن الكريم والسنّة الصحيحة
الدليل الأوّل: حديث الدار وآية الإنذار
قال الله تعالى لرسوله(صلى الله عليه وآله): { وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِين} (1) . إنّ هذا دليل نقلي صحيح متواتر عند نقلة التأريخ والأثر ، حيث إنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) قد أوصى إلى علي في مبدأ الدعوة الإسلامية، حين أنزل الله سبحانه: { وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِين }ولم يزل بعد ذلك يكرر وصيّته إليه، ويؤكّدها المرّة بعد المرّة, حتّى قوله صلّى الله عليه وآله: ( ائتوني أكتب لكم كتاباً لن تضلّوا بعده أبداً ) ، فتنازعوا ولا ينبغي عند نبي تنازع، فقالوا: هجر رسول الله، فقال لهم: ( قوموا عنّي ) (2) فاكتفى بعهوده اللفظية التي سوف نسردها من كتب التأريخ والحديث والتفسير السنيّة نصّاً صريحاً يصدّق بعضه بعضاً ويشد أزر بعضه بعضاً كالقرآن الكريم يردّ متشابهه لمحكمه، فيفهمه من أراد فهمه، ويبقى من في قلبه مرض يتخبّط في لجاجته وعناده.
نصّ ماجاء في السيرة النبوية لابن كثير: وقال الحافظ أبو بكر البيهقى في الدلائل: ( أخبرنا ) محمّد بن عبد الحافظ، حدّثنا أبو العباس محمّد بن يعقوب، حدّثنا أحمد بن عبد الجبّار، حدّثنا يونس بن بكير، عن محمّد بن إسحاق، قال: فحدّثني من سمع عبد الله بن الحارث بن
____________
1- الشعراء (26): 214. 2- سوف نورد النص والمصدر في الصفحات التالية إن شاء الله تعالى.
نوفل، واستكتمني اسمه، عن ابن عباس، عن على بن أبى طالب، قال: لمّا نزلت هذه الآية على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم { وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِين}، {وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِين }.
قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: (عرفت أنّي إن بادأت بها قومي رأيت منهم ما أكره، فصمت. فجاءني جبريل(عليه السلام) فقال: يا محمّد إن لم تفعل ما أمرك به ربّك عذّبك بالنار). قال: فدعاني فقال: ( يا علي إنّ الله قد أمرني أنّ أنذر عشيرتي الأقربين، فاصنع لنا يا علي شاة على صاع من طعام، وأعدّ لنا عس لبن، ثمّ اجمع لي بني عبد المطلب. ففعلت، فاجتمعوا له يومئذ، وهم أربعون رجلاً يزيدون رجلاً أو ينقصون، فيهم أعمامه: أبو طالب، وحمزة، والعباس، وأبو لهب الكافر الخبيث. فقدّمت إليهم تلك الجفنة، فأخذ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم منها حذية فشقّها بأسنانه، ثمّ رمى بها في نواحيها وقال: ( كلوا بسم الله). فأكل القوم حتّى نهلوا عنه ، ما نرى إلّا آثار أصابعهم، والله إن كان الرجل ليأكل مثلها. ثمّ قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: ( اسقهم يا علي)، فجئت بذلك القعب فشربوا منه حتّى نهلوا جميعاً، وأيم الله إن كان الرجل ليشرب مثله. فلمّا أراد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أنّ يكلّمهم بدره أبو لهب لعنه الله فقال: لهد ما سحركم صاحبكم! فتفرّقوا، ولم يكلّمهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. فلمّا كان من الغد قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم : (عد لنا مثل الذي كنت صنعت لنا بالأمس من الطعام والشراب، فإنّ هذا الرجل قد بدر إلى ما سمعت قبل أنّ أكلّم القوم ).
ففعلت، ثمّ جمعتهم له، وصنع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كما صنع بالأمس، فأكلوا حتّى نهلوا منه، وأيّم الله إن كان الرجل ليأكل مثلها. ثمّ قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: ( اسقهم يا علي )، فجئت بذلك القعب، فشربوا منه حتّى نهلوا جميعاً، وأيم الله إن كان الرجل منهم ليشرب مثله. فلمّا أراد رسول الله أنّ يكلّمهم ، بدره أبو لهب لعنه الله إلى الكلام فقال : لهد ما سحركم صاحبكم! فتفرّقوا، ولم يكلّمهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. فلمّا كان من الغد قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: ( يا علي عد لنا بمثل الذى كنت صنعت بالأمس من الطعام والشراب، فإنّ هذا الرجل قد بدرني إلى ما سمعت قبل أنّ أكلّم القوم ). ففعلت، ثمّ جمعتهم له، فصنع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كما صنع بالأمس، فأكلوا حتّى نهلوا عنه، ثمّ سقيتهم من ذلك القعب حتّى نهلوا، وأيّم الله إن كان الرجل ليأكل مثلها وليشرب مثلها . ثمّ قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم : ( يا بني عبد المطلب إنّي والله ما أعلم شابّاً من العرب جاء قومه بأفضل مما جئتكم به، إنّي قد جئتكم بخير الدنيا والآخرة ).
هكذا رواه البيهقي من طريق يونس بن بكير، عن ابن إسحاق، عن شيخ أبهم اسمه، عن عبد الله بن الحارث به. وقد رواه أبو جعفر بن جرير، عن محمّد بن حميد الرازي، عن سلمة بن الفضل الأبرش، عن محمّد بن إسحاق، عن عبد الغفار أبو مريم بن القاسم، عن المنهال بن عمرو، عن عبد الله بن الحارث، عن ابن عباس، عن علي، فذكر مثله. وزاد بعد قوله: ( وإنّي قد جئتكم بخير الدنيا والآخرة، وقد أمرني الله أن أدعوكم إليه، فأيّكم يؤازرني على هذا الأمر على أنّ يكون أخي وكذا وكذا... ).
قال: فأحجم القوم عنها جميعاً، وقلت ولأنّي لأحدثهم سنّاً، وأرمصهم عيناً، وأعظمهم بطناً، وأخمشهم ساقاً: أنا يا نبي الله أكون وزيرك عليه. فأخذ برقبتى فقال: ( إن هذا أخي وكذا وكذا، فاسمعوا له وأطيعوا ) . قال: فقام القوم يضحكون، ويقولون لأبي طالب: قد أمرك أنّ تسمع لابنك وتطيع (1) . وفـي مسند أحمد ما هذا نصّه: حدّثنا عبد الله، ثنا أبي، ثنا أسود بن عامر، ثنا شريك عن الأعمش، عن المنهال، عن عباد بن عبد الله الأسدي، عن علي رضي الله عنه قال: لمّا نزلت هذه الآية { وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِين}، قال: (جمع النبي صلّى الله عليه وسلّم من أهل بيته فاجتمع ثلاثون، فأكلوا وشربوا. قال: فقال لهم: من يضمن عني ديني ومواعيدي، ويكون معي في الجنّة، ويكون خليفتي في أهلي، فقال رجل لم يسمّه شريك: يارسول الله أنت كنت بحراً من يقوم بهذا؟ قال: ثمّ قال الآخر: قال : فعرض ذلك على أهل بيته فقال علي رضي الله عنه: أنا) (2) .
ونصّ ماجاء في تاريخ الطبري: (حدّثنا ابن حميد، قال: حدّثنا سلمة قال: حدّثني محمّد بن إسحاق، عن عبد الغفّار بن القاسم، عن المنهال بن عمرو، عن عبد الله بن الحارث بن نوفل بن الحارث بن عبد المطلب، عن عبد الله بن عباس، عن علي بن أبى طالب قال: لمّا نزلت هذه الآية على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم { وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِين}، دعاني رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فقال لي: يا علي إنّ الله أمرني أن أنذر عشيرتي الأقربين فضقت بذلك ذرعاً، وعرفت أنّي متى أباديهم بهذا الأمر أرى منهم ما أكره، فصمت عليه حتّى جاءني جبريل فقال: يا محمّد إنّك إلّا تفعل ما تؤمر به يعذّبك ربّك. فاصنع لنا صاعاً من طعام، واجعل عليه رحل شاة، واملأ لنا عساً من لبن، ثمّ اجمع لي بني عبد المطلب حتّى أكلّمهم وأبلّغهم ما أمرت به. ففعلت ما أمرني به، ثمّ دعوتهم له، وهم يومئذ أربعون رجلاً يزيدون رجلاً أو ينقصونه فيهم أعمامه: أبو طالب، وحمزة، والعبّاس، وأبو لهب. فلمّا اجتمعوا إليه دعاني بالطعام الذى صنعت لهم فجئت به، فلمّا وضعته تناول رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حذية من اللحم فشقّها بأسنانه، ثمّ ألقاها في نواحي الصفحة، ثمّ قال: (خذوا بسم الله). فأكل القوم حتّى مالهم بشيء حاجة، وما أرى إلّا موضع أيديهم، وأيّم الله الذي نفس علي بيده، وإن كان الرجل الواحد منهم ليأكل ما قدّمت لجميعهم. ثمّ قال: اسق القوم، فجئتهم بذلك العس، فشربوا منه حتّى رووا منه جميعاً، وأيّم الله إن كان الرجل الواحد منهم ليشرب مثله، فلمّا أراد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أنّ يكلّمهم بدره أبو لهب إلى الكلام، فقال: لهد ما سحركم صاحبكم! فتفرّق القوم، ولم يكلّمهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فقال: الغد يا علي، إنّ هذا الرجل سبقني إلى ما قد سمعت من القول، فتفرّق القوم قبل أنّ أكلّمهم، فعد لنا من الطعام بمثل ما صنعت، ثمّ اجمعهم إليّ. قال: ففعلت، ثمّ جمعتهم، ثمّ دعاني بالطعام، فقرّبته لهم، ففعل كما فعل بالأمس، فأكلوا حتّى ما لهم بشيء حاجة، ثمّ قال: اسقهم، فجئتهم بذلك العس، فشربوا حتّى رووا منه جميعاً ثمّ تكلّم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فقال: يا بني عبد المطلب إنّي والله ما أعلم شابّاً في العرب جاء قومه بأفضل مما قد جئتكم به، إنّي قد جئتكم بخير الدنيا والآخرة، وقد أمرني الله تعالى أنّ أدعوكم إليه، فأيّكم يؤازرني على هذا الأمر على أنّ يكون أخى ووصيي وخليفتي فيكم؟ قال: فأحجم القوم عنها جميعاً، وقلت وإنّي لأحدثهم سنّاً، وأرمصهم عيناً، وأعظمهم بطناً، وأحمشهم ساقاً: أنا يا نبي الله أكون وزيرك عليه. فأخذ برقبتي، ثمّ قال: إنّ هذا أخي ووصيي وخليفتي فيكم، فاسمعوا له وأطيعوا. قال: فقام القوم يضحكون، ويقولون لأبي طالب قد أمرك أنّ تسمع لابنك وتطيع. حدّثنى زكرياء بن يحيى الضرير، قال: حدّثنا عفان بن مسلم، قال: حدّثنا أبو عوانة، عن عثمان بن المغيرة، عن أبى صادق، عن ربيعة بن ناجد، أنّ رجلاً قال لعلي عليه السلام: يا أمير المؤمنين بم ورثت ابن عمّك دون عمّك؟ فقال علي: هاؤم! ثلاث مرّات، حتّى اشرأبّ الناس، ونشروا آذانهم. ثمّ قال: جمع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم - أو دعا رسول الله - بني عبد المطلب منهم رهطه، كلّهم يأكل الجذعة ويشرب الفرق، قال: فصنع لهم مُدّاً من طعام، فأكلوا حتّى شبعوا، وبقي الطعام كما هو كأنّه لم يمس. قال: ثمّ دعا بغُمَر فشربوا حتّى رووا، وبقي الشراب كأنّه لم يمس ولم يشربوا. قال: ثمّ قال: يا بني عبد المطلب، إنّي بعثت إليكم بخاصّة، وإلى الناس بعامّة، وقد رأيتم من هذا الأمر ما قد رأيتم، فأيّكم يبايعني على أنّ يكون أخي وصاحبي ووارثي؟ فلم يقم إليه أحد، فقمت إليه - وكنت أصغر القوم - قال: فقال: اجلس، قال: ثمّ قال ثلاث مرّات، كلّ ذلك أقوم إليه، فيقول لي اجلس، حتّى كان في الثالثة، فضرب بيده على يدي. قال: فبذلك ورثت ابن عمّي دون عمّي
ونصّ ماجاء في نظم درر السمطين: (... وفي رواية فأيّكم يبايعني على أنّ يكون أخي وصاحبي ووليي قال: فلم يقم إليه أحد منهم، قال علي: فقمت إليه - وكنت اصغر القوم - فقال: اجلس، ثمّ قال ذلك ثلاث مرّات، كلّ ذلك أقوم إليه فيقول لي: اجلس، حتّى كان في الثالثة ضرب بيده على يدي. وفي رواية لهم من يؤاخيني، ويؤازرني، ويكون وليي وصاحبي، ويقضي ديني، فسكت القوم، وأعاد ذلك ثلاثاً، كلّ ذلك يسكت القوم، ويقول علي: أنا، فضرب يده على يدي فقال : أنت فقام القوم وهم يقولون لأبي طالب: أطع ابنك فقد أمّر عليك
ونصّ ماجاء في كنز العمّال: (.. ثمّ تكلّم النبي صلّى الله عليه وسلّم فقال: يا بني عبد المطلب إني والله ما أعلم شابّاً في العرب جاء قومه بأفضل ما جئتكم به ، إنّي قد جئتكم بخير الدنيا والآخرة، وقد أمرني الله أن أدعوكم إليه، فأيّكم يؤازرني على أمري هذا؟ فقلت وأنا أحدثهم سنّا وأرمصهم عيناً، وأعظمهم بطناً، وأحمشهم ساقاً : أنا يا نبي الله أكون وزيرك عليه، فأخذ برقبتي فقال: إنّ هذا أخي ووصيي وخليفتي فيكم ، فاسمعوا له وأطيعوا ، فقام القوم يضحكون، ويقولون لأبي طالب: قد أمرك أنّ تسمع وتطيع لعلي)
تعليق