ترجمة حياة السيد الشهيد المقدس الغريفي
(قدس سره الشريف)

الشهيد السعيد ترجمه الكثير من الباحثين المعاصرين في كتبهم لعلو شأنه في العلم والنسب والأخلاق وتأثيره في المجتمع الكبير لحسن سيرته وتواضعه وسخائه وشجاعته وطيب قلبه ومعشره وهذا إنما يدل على الأصول الصحيحةوالطيبة التي ينتمي إليها هذا المجاهد الشهيد .
أسمه ونسبه :
هو سماحة حجة الأسلام والمسلمين الورع التقي المولى المقدس السيد كمال الدين بن الحجة السيد العلاّمة محمدجواد بن السيد محسن بن السيدمحمد بن السيد علي الكبير بن السيد إسماعيل بن السيد محمد الغياث بن السيد علي المشعل بن السيد أحمد المقدس الغريفي (المعروف بالحمزة الشرقي )بن السيد هاشم (عالم البحرين وكبيرها ) بن السيد علوي (عتيق الحسين ع ) بن العلاّمة الفقيه السيد الحسين الغريفي ( صاحب كتاب الغنية )الذي ترجع إليه الأسرة الغريفية(ت1001 ) ، وينتهي نسبه الشريف إلى السيد محمد الحائري بن السيد إبراهيم المجاب بن السيد محمد العابد بن الإمام موسى بن جعفر (الكاظم ع ) .
ونسبته إلى الغريفي إنما تابعة إلى قرية في البحرين تسمى (الغريفة ) ، وقد إشتهربلقب المقدس وذلك لقداسة روحه ولما إمتاز به من سلوكيات راقية ، إضافة إلى وراثة هذا اللقب من جده الحمزة الشرقي السيد أحمد المقدس الغريفي فصار يتصف به وراثة وحقيقة .
ولادته :
ولد قدست نفسه الزكية من أبوين كريمين علويين في بغداد الكرخ سنة1360هـ/1942م ، وقد إستبشر به والده خيرا ، فنذره لإقامة وإحياء مجالس الحسين (ع) ليكون من دعاة الحق إلى الله سبحانه في ظرف كُلّف والده( قدس) من قبل مرجعية السيد ابو الحسن الأصفهاني (قدس) لملئ الفراغ الكبير في جانب الكرخ ببغداد وقد أدى والده السيد محمد جواد (قدس) وظيفته الرسالية على أحسن ما يكون وفي ظل هذه المرحلة التبليغية الرسالية التي كثرت فيها التيارات المناوئة للأسلام صار السيد الشهيد ينهل من تربية الدعوة إلى الحق ويتغذى من علوم أهل البيت (ع) عن أبيه في خضم الصراع الفكري والسياسي الذي تمخض عنه تلك الشخصية الرسالية الواعية والداعية للاسلام ، فبورك مولوداً داعياً0
نشأته الاجتماعية :
لقد نشأ وترعرع السيد الشهيد (قدس) في أحضان والده وأسرته العلمية العريقة والتي لاتستطيع أن تنشر دعوة الحق إلاّ عن طريق العلاقات الأجتماعية الواعية التي تمثل سر نجاح الدعاة والمبلغين ، فإستفاد السيد(قدس ) من هذا الجو الإيماني فنشط في تحركاته وعلاقاته التي هي من طباع الصلحاء الأجتماعيين الذين يستعملون عناصر الفطرة السليمة في أداء وظيفتهم الرسالية ، فهو إجتماعي بطبعه وقد زيّن إجتماعياته بخلقه الجميل وقلبه الواسع وإيمانه الصادق وتواضعه وإكرامه للناس في مضيفه وقضاء حوائجهم ومعروف عنه في مبراته الخيرية لأرحامه وغرباء الناس ، وقد لجأ إليه الكثير من أبناء المذهب السنّي والديانة المسيحية والصابئة في حل مشكلاتهم وقد أجابهم ليعكس صورة الأسلام الحقيقية ، ونجح في علاقاته الإجتماعية والتبليغية حتى صار مناراً شامخاً يُعَدُّ من أبرز مواضع الفخر والأعتزاز وقدأثّر في مجتمعه من ا لناحية الأخلاقية (التربوية والدينية) فحاز بذلك على قلوب الجماهيرالواسعة فهو محبوب من قبل المراجع والعلماء والعشائر ومؤسسات المجتمع المدني وخير دليل ما شاهدناه في تشييعه الذي قلّ نظيره وفي مجالس الفاتحة على روحه الطاهرة في داخل العراق وفي خارجه الذي يدل على سعة علاقاته وتاثيره في الناس0
نشأته العلمية :
نشأ الشهيد المقدس الغريفي (قدس) في إسرة علمية أتاحت له فرص التعلم وفتحت له منافذ علمية كثيرة إستثمرها بشكل تجاوز فيه أقرانه ،حيث درس مقدمات العلوم الدينية في بغدادعلى يد والده الحجة السيد محمد الجواد (قدس) ،ثم إنتقل إلى النجف الأشرف لأكمال دراسته الحوزوية فكان في رعاية فضلاء الحوزة حيث أخذعلى يد أخيه آية الله السيد محي الدين الغريفي (قدس) والحجة السيد مجيد السيد محمود الحكيم (قدس) وآخرين من الفضلاء ، حيث تلقى دروسه في مدرسة الجزائري الدينية ثم إنتقل إلى السكن في دار أخيه الأكبرالسيد محي الدين الغريفي وذلك في سنة1376هـ . وبعد مواصلته في تحصيل العلوم والمعارف
الدينية الحوزوية ليكون من المحصلين وفضلاء الحوزة ، وبسبب مرض والده (قدس) طلب من السيد الشهيد (قدس) العودة إلى بغداد لأجل مساعد ته والقيام بالممارسة التبليغية وإمامة الجماعة في مسجد الشواكة ، فقام بوظيفته وشرع بتدريس العلوم الحوزوية من الفقه والعقائد والتفسير والعربية حتى تخرج على يديه مجموعة من الشباب المؤمن الناشط الذين أصبحوا يمثلون قاعدةإيمانية صلبة لنشر الوعي الإسلامي وعلوم أهل البيت (ع) وقد بانت تأثيرات هذا النشاط الإسلامي بعودة الكثير من المنحرفين إلى جادة الصواب ليمارسوا نشاطاً إسلامياً في تحريك وتفعيل مبادئ الإسلام على الساحة ، وتحقيقاً لنذر والده(قدس)وإستجابةً له في إرتقاء منبر الحسين (ع) للتشرف بخدمة (الحسين ) كما هو شأن غير واحد من أساطين الدين وعلماء المذهب كآية الله العظمى الشيخ جعفرالششتري (قدس) وآيةالله العظمى الشيخ الوحيد الخراساني وآخرين ، وقد وصفه سماحة حجة الإسلام والمسلمين السيد عبد العزيزالحكيم بأن الشهيد هو شيخ علماء بغداد ، وقد نصت نقابة الأشراف على أنّ السيد الشهيد نقيب أشراف السادة في بغداد
وقد وصفه العلامة الجليل السيد عبد الستار الحسني في كتيبه (ذكرى الشهيد المقدس ) بان السيد الشهيد هومن (علماء الخطباء وخطباء العلماء) ، ونعتذر من باقي علمائنا الأجلاء عن عدم ذكر أقوالهم في السيد الشهيد(قدس) ، حيث أنّ أُسرة الشهيد المقدس ستصدر كتاباً مفصلاً عن حياة الشهيد العالم وفقهم الله .
نشأته السياسية :
ليس من الضروري أنّ يقترن العمل السياسي بطلب السلطة وإنما هو لأجل تغيير الواقع السئ وهذا يكون من وظيفة الرساليين الذين يعطون المواقف والمعالجات السياسية الشرعية وفق مقتضيات المرحلة الآنية ليتخذ الإنسان مساراً شرعياً عملياً ، وهذا العمل يُعد خطيراً وتجاوزاً في قانون السلطات المستبدة ويعاقب عليه الأنسان ، هذه المسلكية كانت تتجسد في شخصية والد نا و سيدنا ومولانا الشهيد المقدس رضوان الله عليه فلم يترك ساحة العمل فارغة رغم هروب الكثير منها ، بل لشدة إهتمامه وإيمانه بالمسؤولية الشرعية جنّد نفسه وأولاده لخدمة الدين والمذهب ، ولم يخاف في الله لومة لائم ، كان يعطي المواقف الوطنية صراحة ويحث أبناء العراق على المضي في طريق الأسلام والأبتعاد عن سبل الشيطان من معونة الظالمين والطغاة المستبدين في كتابة التقارير والدخول في الوظائف المحرمة والمساهمة المحرمة لحرب المسلمين من أبناء البلد الواحد وخارجه وحرمة إنتهاك وإغتصاب حقوق المسلمين العرب وغيرهم، وقد تعرض نتيجة ذلك إلى الضغوط السياسية والأمنية مما أدى إلى حبسه عدة مرات ومنعه من خطب يوم الجمعة وإقامة المجالس الحسينية والشعائر الدينية ودروسه الفقهية ، ولم يُثنه ذلك عن أداء وظيفته الرسالية بل زاده ذلك إصراراً وعزيمةً وخصوصاً بعد الإنتفاضة الشعبانية سنة1991م حيث شدّد الطاغية (صدام) المنع والمتابعة الظالمة لأي تجمع إيماني وحبسهم ، فقام السيد الشهيد بجعل منزله مأوى أفئدة المؤمنين بإقامة المجالس والدروس الدينية وقضاء حوائج المؤمنين مما شجع الناس رغم الصعوبات على الإقتداء به لإحياء شعائر الدين ومن ثم إنتشار هذه الظاهرة في عموم العراق بجعل بيوتهم أماكن لذكر أهل البيت (ع) في إحياء مناسباتهم خفيةً، ولم يكتف السيد الشهيد في جهاده على هذه المواقف بل أخذ يشجع على التجمعات والذهاب إلى زيارة العتبات المقدسة وخصوصاً في الزيارات المخصوصة وقد حضرنا معه ولسنوات متعاقبة في مسجد الكوفة يصلى صلاة الفجر جماعة وفي جموع غفيرة أثناء الزيارات المخصوصة لأميرالمؤمنين (ع) وكذا الحال في زيارة باقي الأئمة (ع) ، رغم منع السلطات الصدامية لذلك ونشر الرعب من القيام بمثل هذا العمل ، وهذه إحدى المواقف التي تقلق نظام الطاغية ، إضافة لما ذكر كان السيد الشهيد(قدس) يُعد الآصرة الرئسية في بغداد لتقوية الصلة بين الجماهير والمرجعية الدينية في النجف الأشرف مما حدا بسلطات نظام البعث بتعريضه إلى الحبس عدة مرات والضغط المستمر وسقيه لشراب أثّر في بدنه حتى عطّل لديه يده وساقه اليسرى ، ثم نتذكر كيف أن الوضع في بغداد لايطاق أثناء الحرب العراقية الظالمة على إيران وأنّ العمامة السوداء متهمة بالعمالة إلى إيران حتى خفيت العمامة عن الساحة خوفاً من ظلم البعثيين أزلام صدام ، ومع ذلك نذر نفسه وأولاده الخمسة لخدمة الدين خوفاً على الناس من الأنحراف والضياع ونسيان مبادئ أهل البيت (ع) ، وكان السيد الشهيد مسدداً في كل تحركاته ببركة حكمته وإيمانه ودعائه المستمر في خروجه من المنزل وأثناء سيره وعند دخوله إلى البيت لأنه على يقين بأنّ الدعاء سلاح المؤمن ومخ العبادة كما هو شأن أجداده المعصومين (ع)،فكان جهاده واضحاً لم يتهرب من مسؤولية ولم يتكاسل عن عمل بل كان مثابراً وجاداً في كل نشاطاته ، وله مواقف شجاعة واجه بها أزلام صدام فلم ينزل إلى رغبتهم في كل تلك المواقف رغم إستعمال سياسة الترغيب والترهيب معه حتى أدى ذلك لقيام ازلام نظام البعث بترتب زيارة خاصة له الى الطاغية ( صدام ) ومفاجئة لجعله امام الامر الواقع والذي يحتم عليه القبول او الهلاك الا انه رفض تلك المقابلة لاعتبارات دينية ودنيوية ، ولكن الذي شجع على مثل هذه اللقاءات هو توافد الكثير من المعممين لزيارة الطاغية وتقديمهم هدايا له ومجاملته خوفا اوطمعا، وسبب هذا الرفض للسيد الشهيد واسرته الكريمة الكثير من المشاكل مع نظام البعث الصدامي وهذا عنده(قدس) اهون من لقاء جبابرة عصره ومن جملة مواقفه بعد سقوط نظام صدام أنه قام بحفظ نظام منطقة الكرخ بجانب نهر دجلة في بغداد ومنع الناس من إحداث فوضى وشغب ودعاهم إلى الوحدة والمحبة والتعاون ، فكانت المنطقة تعيش تحت رعايته الأبوية السديدة ،وحافظ على ممتلكات مستشفى الكرامة ومستشفى ابن البيطار القلبية وأمر الناس بمتابعة مسروقات المتحف العراقي وإرجاعها إلى المتحف تحت إشرافه وقد وثقت هذه الممارسات في الصحف العالمية وعلى شبكات الأنترنيت المقروئة والمسموعة والمرئية وما عند الله هوالمطلوب والمقصود ، وهكذا كانت حياة السيد الشهيد (قدس) مليئة بالعطائات والخيرات وبدوافع وطنية ودينية وإنسانية ، وقددعا للعملية السيا سية الوطنية وأيدّ الإنتخابات النزيهة لأجل خروج هذا البلد من أزمة الفوضى والأرهاب إستعداداً لكتابة الدستور الدائم وقد أصدر من مكتبه المقدس بيانات كثيرة تهم الأوضاع السياسية الوطنية التي تحفزالناس على متابعة راي المرجعية ودعم الحوارات السياسية للنهوض بهذا البلد إلى المستوى الذي يستحقه ، فهنيئاً له هذه المواقف وهذه النهاية ،ولكن الذي يؤلم ويحزن هو الفراق والأعتداء على هذه الشخصية الرسالية من قـبل عناصر بعثية صدامية قـذرة ، والأوساخ التكفيريين الأرهابيين ، وندعـوا دائـماً ( اللهم اقتل من قتله ومن أمر بقتله ومن رضي بقتله ، اللهم إقتلهم جميعاً ، الساعة الساعة العجل العجل بحق محمد وآل محمد ) .
تعليق