السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ........... كاتب ومفكر اسلامي سوري ...........
وهناك بعضُ الرواياتِ ( في كتبِ الصحاح ) التي تناقِضُ دلالاتِ القرآنِ الكريم مناقضةً صريحةً، تُعطيهم حيثيّاتِ هذا التواكل .. لذلك علينا أنْ ندرسَ مسألةَ الشفاعةِ من كتابِ اللهِ تعالى لنرى حقيقتَها وحدودَها ..
ولنبدأ بوضعِ ما تحمِلُهُ رواياتُ الشفاعةِ من معانٍ ودلالاتٍ ، في معيارِ القرآنِ الكريم ، كخطوةٍ نحوَ إدراكِ حقيقةِ الشفاعةِ ، وتنزيهِها عمّا أُلصِقَ بها من افتراءٍ على اللهِ تعالى وعلى رسولهِ ..
[ 1 ] – إنَّ الجزمَ بأنّ شفاعةَ الرسولِ هي لأهلِ الكبائرِ من أمّتِهِ ، اعتماداً على الأحاديثِ التاليةِ ، يتناقضُ مع الكثيرِ من آياتِ القرآنِ الكريم.
سنن الترمذي – حديث ( 2359 ) :
( حَدَّثَنَا ….. عَنْ أَنَسٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَفَاعَتِي لِأَهْلِ الْكَبَائِرِ مِنْ أُمَّتِي ….. ) ..
سنن أبي داود – حديث ( 4114 ) :
( حَدَّثَنَا ….. عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ شَفَاعَتِي لِأَهْلِ الْكَبَائِرِ مِنْ أُمَّتِي ) ..
مسند أحمد – حديث ( 12745 ) :
( ….. عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَفَاعَتِي لِأَهْلِ الْكَبَائِرِ مِنْ أُمَّتِي ) ..
سنن ابن ماجة – حديث ( 4300 ) :
( ….. عَنْ جَابِرٍ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ إِنَّ شَفَاعَتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ لِأَهْلِ الْكَبَائِرِ مِنْ أُمَّتِي ) ..
[ أ ] – لننظر إلى الصورتين القرآنيّتين التاليتين :
( إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلاً كَرِيماً ) [ النساء : 4/31 ]
( وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاءُوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى (31) الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْأِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ …..) [ النجم : 53/31-32 ] ..
إنّنا نرى – في هاتين الصورتين القرآنيّتين – أنّ اللهَ تعالى يُكفِّرُ عنّا سيئاتِنا إذا اجتنبنا كبائِرَ ما نُنهى عنه ، وأنّ الذين أحسنوا بالحسنى هم الذين اجتنبوا كبائرَ الإثمِ .. وبالتالي فإنّ الوقوعَ في هذه الكبائر مع عدمِ التوبةِ المقبولةِ ، يؤدّي إلى عدمِ تكفيِر السيئات ، وإلى ساحةِ الذين أساؤوا بما عَملوا ، الذين سيجزيهم اللهُ تعالى على ذلك .. وهذا يتعارضُ تماماً مع الشفاعةِ لأهلِ الكبائرِ الذين ماتوا دونَ توبةٍ مقبولة ..
[ ب ] – يُبيّنُ لنا القرآنُ الكريمُ أنّ مرتكبي الكبائر ، إذا ماتوا دونَ توبةٍ مقبولةٍ ، فسيخلدونَ في جهنّمَ ، سواءٌ كانوا من الموحّدين أمْ من غيرِ الموحّدين ، وسواءٌ كانوا من أمّةِ محمّدٍ أم من غيرِهم ..
( الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبا لا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ) [ البقرة : 2/275 ] ..
( وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَاراً خَالِداً فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ ) [ النساء : 4/14 ] ..
( وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً ) [ النساء : 4/93 ] ..
( لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ وَلا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيّاً وَلا نَصِيراً ) [ النساء : 4/123 ] ..
( وَالَّذِينَ كَسَبُوا السَّيِّئَاتِ جَزَاءُ سَيِّئَةٍ بِمِثْلِهَا وَتَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ مَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ عَاصِمٍ كَأَنَّمَا أُغْشِيَتْ وُجُوهُهُمْ قِطَعاً مِنَ اللَّيْلِ مُظْلِماً أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ) [ يونس : 10/27 ] ..
إنّ آكلي الربا هم من الموحِّدين ومن غيرِ الموحِّدين ، ومن أتباعِ جميعِ الديانات .. والذين يعصونَ اللهَ تعالى ورسولَهُ كثيرٌ منهم مسلمون .. وقاتلي المؤمنين موجودون في جميعِ الأديان .. وكذلك الأمرُ بالنسبةِ لعاملي السوء ، ولكلِّ الكبائر ..
.. هؤلاء جميعاً إذا ماتوا دون توبةٍ مقبولةٍ ، سيخلدونَ في النارِ .. هكذا يقولُ اللهُ تعالى في كتابِهِ الكريم .. فكيف إذاً تتمُُّ الشفاعةُ بالنسبةِ لمرتكبي هذه الكبائر ؟ ! ..
وإذا قالَ قائلٌ .. إنّ تأويلَ ما نُسبَ إلى الرسولِ ( شَفَاعَتِي لِأَهْلِ الْكَبَائِرِ مِنْ أُمَّتِي ) ، أنّ هؤلاء الذين سينالونَ الشفاعةَ هم من أمّةِ محمّدٍ ، الملتزمينَ بمنهجِ اللهِ تعالى .. نقولُ : لو كان الأمرُ كذلك ، كيف يقومُ هؤلاء بالكبائر التي يبيّنُ لنا القرآنُ الكريمُ أنّها لا تُكفَّر ؟ ! .. فالملتزمُ بما جاءَ به الرسولُ من عندِ اللهِ تعالى ، لا يعملُ الكبائر ..
[ ج ] – قولُهُ تعالى ( أَفَمَنْ حَقَّ عَلَيْهِ كَلِمَةُ الْعَذَابِ أَفَأَنْتَ تُنْقِذُ مَنْ فِي النَّارِ ) [ الزمر : 39/19 ] ، يبيّنُ لنا أنّ الذين حقّتْ عليهم كلمةُ العذابِ – ومنهم كما رأينا أهلُ الكبائر من المسلمين – موحِّدين كانوا أم غيرَ موحّدين ، لا يُنقِذُهُم حتى الرسول من هذا العذاب ..
[ د ] – قولُهُ تعالى .. ( وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ ) [ آل عمران : 3/192 ] ، وقولُهُ تعالى .. ( مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلا شَفِيعٍ يُطَاعُ ) [ غافر : 40/18 ] ، يبيّنُ لنا أنّ الظالمين ما لهم من أنصارٍ ، ولا شفيعٍ يُطاع .. ومعلومٌ أنّ الظالمَ قد يكونُ من الموحّدين ، ومن أيِّ أمّةٍ ، ومن أتباعِ أيِّ دين ..
[ هـ ] – ما نُسِبَ إلى رسولِ الله ، من أنّ شفاعتَهُ لأهلِ الكبائر من أمّتِهِ – كما رأينا – يرُدُّهُ القرآنُ الكريم .. فقيامُ بعضِ المسلمين بالكبائر يُوجِبُ عليهم عقوبةً أكبرَ من العقوبةِ المترتّبةِ على غيرِهِم في حالِ قيامِ غيرِهِم بهذه الكبائر ذاتِها .. فالذي يعصي اللهَ تعالى عن عِلْمٍ بحقيقةِ هذه المعصيةِ وبحقيقةِ عقوبتِها ، عقوبتُهُ أكبرُ ممّن يعصيه عن غيرِ عِلْم ..
ويبيّنُ لنا القرآنُ الكريمُ أنّ عقوبةَ الرسولِ وزوجاتِهِ – فيما لو تمَّ وقوعُ الخطأِ – هي ضعفُ غيرِهِما من عامّةِ المسلمين ، لأنّهُ وزوجاتِه أقربُ البشرِ إلى العِلمِ بحقيقةِ المنهج ..
( وَلَوْلا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلاً (74) إِذاً لَأَذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ ثُمَّ لا تَجِدُ لَكَ عَلَيْنَا نَصِيراً ) [ الإسراء : 17/74-75 ]
( يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيراً ) [ الأحزاب : 33/30 ] ..
والحواريّون الذين طَلبوا أن يُنزلَ اللهُ تعالى عليهم مائدةً من السماء .. عقوبتُهُم ستصبح أكبرَ بكثيرٍٍ بعد رؤيتِهم لهذا البرهان الإلهي ، فيما إذا كفروا ..
( قَالَ اللَّهُ إِنِّي مُنَزِّلُهَا عَلَيْكُمْ فَمَنْ يَكْفُرْ بَعْدُ مِنْكُمْ فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذَاباً لا أُعَذِّبُهُ أَحَداً مِنَ الْعَالَمِينَ ) [ المائدة : 5/115 ] ..
وهكذا نرى أنّ ارتكابَ المسلمين للكبائر في حياتِهم الدنيا ، يُرتِّبُ عليهم عقوبةً – فيما لو لم يتوبوا توبةً مقبولة – أكبرَ من غيرِهِم الذي يقوم باقترافِ الكبائر ذاتِها ، لأنّهم أكثرُ عِلماً بالحقيقةِ .. وهذا يُناقِضُ تماماً صياغةَ الحديث .. فإذا كانت هناك شفاعةٌ لهذه الكبائر ، فغيرُ المسلمين أقربُ إليها ، لأنّهم لا يعلمون الحقيقةَ كما يعلمُها المسلمون ..
[ و ] – ما نُسبَ إلى الرسولِ من أنّ شفاعتَهُ لأهلِ الكبائر من أمّتِِِه ، يتناقضُ مع رواياتٍ أُخرى تؤكِّد أنّه حتى فاطمة بنت محمّد ، لا يملكُ لها رسولُ الله شيئاً ..
صحيح البخاري – حديث ( 2548 ) :
( حَدَّثَنَا ….. أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ أَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ قَالَ يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ أَوْ كَلِمَةً نَحْوَهَا اشْتَرُوا أَنْفُسَكُمْ لَا أُغْنِي عَنْكُمْ مِنْ اللَّهِ شَيْئًا يَا بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ لَا أُغْنِي عَنْكُمْ مِنْ اللَّهِ شَيْئًا يَا عَبَّاسُ بْنَ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ لَا أُغْنِي عَنْكَ مِنْ اللَّهِ شَيْئًا وَيَا صَفِيَّةُ عَمَّةَ رَسُولِ اللَّهِ لَا أُغْنِي عَنْكِ مِنْ اللَّهِ شَيْئًا وَيَا فَاطِمَةُ بِنْتَ مُحَمَّدٍ سَلِينِي مَا شِئْتِ مِنْ مَالِي لَا أُغْنِي عَنْكِ مِنْ اللَّهِ شَيْئًا ….. ) ..
صحيح مسلم – حديث ( 304 ) :
( حَدَّثَنَا ….. عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ لَمَّا نَزَلَتْ وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ قَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الصَّفَا فَقَالَ يَا فَاطِمَةُ بِنْتَ مُحَمَّدٍ يَا صَفِيَّةُ بِنْتَ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ يَا بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ لَا أَمْلِكُ لَكُمْ مِنْ اللَّهِ شَيْئًا سَلُونِي مِنْ مَالِي مَا شِئْتُمْ ) ..
[ 2 ] – حديثُ الشفاعةِ الكُبرى – التالي – يتنافى مع الكثيرِ من آياتِ القرآنِ الكريم ..
يتبع ,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,
المــهندس عـدنان الرفــاعي
كاتـب ومـفـكِّــر إســـلامي
لقد تمَّ تشويهُ مسألةِ الشفاعةِ ( من قِبَلِ الكثيرين الذين يحسبونَ أنفسَهم أوصياءَ على منهجِ اللهِ تعالى ) بتصويرِها وساطة كوساطةِ البشر، دون معيارِ حقٍّ أو عدل .. فالكثيرون من أصحابِ المعاصي ومن المقصّرين في عبادتِهِم للهِ تعالى ، ومن ناشري الفساد، يتَّكلونَ على هذه الشفاعةِ بحجّةِ أنّهم مُسلمون ..كاتـب ومـفـكِّــر إســـلامي
وهناك بعضُ الرواياتِ ( في كتبِ الصحاح ) التي تناقِضُ دلالاتِ القرآنِ الكريم مناقضةً صريحةً، تُعطيهم حيثيّاتِ هذا التواكل .. لذلك علينا أنْ ندرسَ مسألةَ الشفاعةِ من كتابِ اللهِ تعالى لنرى حقيقتَها وحدودَها ..
ولنبدأ بوضعِ ما تحمِلُهُ رواياتُ الشفاعةِ من معانٍ ودلالاتٍ ، في معيارِ القرآنِ الكريم ، كخطوةٍ نحوَ إدراكِ حقيقةِ الشفاعةِ ، وتنزيهِها عمّا أُلصِقَ بها من افتراءٍ على اللهِ تعالى وعلى رسولهِ ..
[ 1 ] – إنَّ الجزمَ بأنّ شفاعةَ الرسولِ هي لأهلِ الكبائرِ من أمّتِهِ ، اعتماداً على الأحاديثِ التاليةِ ، يتناقضُ مع الكثيرِ من آياتِ القرآنِ الكريم.
سنن الترمذي – حديث ( 2359 ) :
( حَدَّثَنَا ….. عَنْ أَنَسٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَفَاعَتِي لِأَهْلِ الْكَبَائِرِ مِنْ أُمَّتِي ….. ) ..
سنن أبي داود – حديث ( 4114 ) :
( حَدَّثَنَا ….. عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ شَفَاعَتِي لِأَهْلِ الْكَبَائِرِ مِنْ أُمَّتِي ) ..
مسند أحمد – حديث ( 12745 ) :
( ….. عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَفَاعَتِي لِأَهْلِ الْكَبَائِرِ مِنْ أُمَّتِي ) ..
سنن ابن ماجة – حديث ( 4300 ) :
( ….. عَنْ جَابِرٍ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ إِنَّ شَفَاعَتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ لِأَهْلِ الْكَبَائِرِ مِنْ أُمَّتِي ) ..
[ أ ] – لننظر إلى الصورتين القرآنيّتين التاليتين :
( إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلاً كَرِيماً ) [ النساء : 4/31 ]
( وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاءُوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى (31) الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْأِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ …..) [ النجم : 53/31-32 ] ..
إنّنا نرى – في هاتين الصورتين القرآنيّتين – أنّ اللهَ تعالى يُكفِّرُ عنّا سيئاتِنا إذا اجتنبنا كبائِرَ ما نُنهى عنه ، وأنّ الذين أحسنوا بالحسنى هم الذين اجتنبوا كبائرَ الإثمِ .. وبالتالي فإنّ الوقوعَ في هذه الكبائر مع عدمِ التوبةِ المقبولةِ ، يؤدّي إلى عدمِ تكفيِر السيئات ، وإلى ساحةِ الذين أساؤوا بما عَملوا ، الذين سيجزيهم اللهُ تعالى على ذلك .. وهذا يتعارضُ تماماً مع الشفاعةِ لأهلِ الكبائرِ الذين ماتوا دونَ توبةٍ مقبولة ..
[ ب ] – يُبيّنُ لنا القرآنُ الكريمُ أنّ مرتكبي الكبائر ، إذا ماتوا دونَ توبةٍ مقبولةٍ ، فسيخلدونَ في جهنّمَ ، سواءٌ كانوا من الموحّدين أمْ من غيرِ الموحّدين ، وسواءٌ كانوا من أمّةِ محمّدٍ أم من غيرِهم ..
( الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبا لا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ) [ البقرة : 2/275 ] ..
( وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَاراً خَالِداً فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ ) [ النساء : 4/14 ] ..
( وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً ) [ النساء : 4/93 ] ..
( لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ وَلا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيّاً وَلا نَصِيراً ) [ النساء : 4/123 ] ..
( وَالَّذِينَ كَسَبُوا السَّيِّئَاتِ جَزَاءُ سَيِّئَةٍ بِمِثْلِهَا وَتَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ مَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ عَاصِمٍ كَأَنَّمَا أُغْشِيَتْ وُجُوهُهُمْ قِطَعاً مِنَ اللَّيْلِ مُظْلِماً أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ) [ يونس : 10/27 ] ..
إنّ آكلي الربا هم من الموحِّدين ومن غيرِ الموحِّدين ، ومن أتباعِ جميعِ الديانات .. والذين يعصونَ اللهَ تعالى ورسولَهُ كثيرٌ منهم مسلمون .. وقاتلي المؤمنين موجودون في جميعِ الأديان .. وكذلك الأمرُ بالنسبةِ لعاملي السوء ، ولكلِّ الكبائر ..
.. هؤلاء جميعاً إذا ماتوا دون توبةٍ مقبولةٍ ، سيخلدونَ في النارِ .. هكذا يقولُ اللهُ تعالى في كتابِهِ الكريم .. فكيف إذاً تتمُُّ الشفاعةُ بالنسبةِ لمرتكبي هذه الكبائر ؟ ! ..
وإذا قالَ قائلٌ .. إنّ تأويلَ ما نُسبَ إلى الرسولِ ( شَفَاعَتِي لِأَهْلِ الْكَبَائِرِ مِنْ أُمَّتِي ) ، أنّ هؤلاء الذين سينالونَ الشفاعةَ هم من أمّةِ محمّدٍ ، الملتزمينَ بمنهجِ اللهِ تعالى .. نقولُ : لو كان الأمرُ كذلك ، كيف يقومُ هؤلاء بالكبائر التي يبيّنُ لنا القرآنُ الكريمُ أنّها لا تُكفَّر ؟ ! .. فالملتزمُ بما جاءَ به الرسولُ من عندِ اللهِ تعالى ، لا يعملُ الكبائر ..
[ ج ] – قولُهُ تعالى ( أَفَمَنْ حَقَّ عَلَيْهِ كَلِمَةُ الْعَذَابِ أَفَأَنْتَ تُنْقِذُ مَنْ فِي النَّارِ ) [ الزمر : 39/19 ] ، يبيّنُ لنا أنّ الذين حقّتْ عليهم كلمةُ العذابِ – ومنهم كما رأينا أهلُ الكبائر من المسلمين – موحِّدين كانوا أم غيرَ موحّدين ، لا يُنقِذُهُم حتى الرسول من هذا العذاب ..
[ د ] – قولُهُ تعالى .. ( وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ ) [ آل عمران : 3/192 ] ، وقولُهُ تعالى .. ( مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلا شَفِيعٍ يُطَاعُ ) [ غافر : 40/18 ] ، يبيّنُ لنا أنّ الظالمين ما لهم من أنصارٍ ، ولا شفيعٍ يُطاع .. ومعلومٌ أنّ الظالمَ قد يكونُ من الموحّدين ، ومن أيِّ أمّةٍ ، ومن أتباعِ أيِّ دين ..
[ هـ ] – ما نُسِبَ إلى رسولِ الله ، من أنّ شفاعتَهُ لأهلِ الكبائر من أمّتِهِ – كما رأينا – يرُدُّهُ القرآنُ الكريم .. فقيامُ بعضِ المسلمين بالكبائر يُوجِبُ عليهم عقوبةً أكبرَ من العقوبةِ المترتّبةِ على غيرِهِم في حالِ قيامِ غيرِهِم بهذه الكبائر ذاتِها .. فالذي يعصي اللهَ تعالى عن عِلْمٍ بحقيقةِ هذه المعصيةِ وبحقيقةِ عقوبتِها ، عقوبتُهُ أكبرُ ممّن يعصيه عن غيرِ عِلْم ..
ويبيّنُ لنا القرآنُ الكريمُ أنّ عقوبةَ الرسولِ وزوجاتِهِ – فيما لو تمَّ وقوعُ الخطأِ – هي ضعفُ غيرِهِما من عامّةِ المسلمين ، لأنّهُ وزوجاتِه أقربُ البشرِ إلى العِلمِ بحقيقةِ المنهج ..
( وَلَوْلا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلاً (74) إِذاً لَأَذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ ثُمَّ لا تَجِدُ لَكَ عَلَيْنَا نَصِيراً ) [ الإسراء : 17/74-75 ]
( يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيراً ) [ الأحزاب : 33/30 ] ..
والحواريّون الذين طَلبوا أن يُنزلَ اللهُ تعالى عليهم مائدةً من السماء .. عقوبتُهُم ستصبح أكبرَ بكثيرٍٍ بعد رؤيتِهم لهذا البرهان الإلهي ، فيما إذا كفروا ..
( قَالَ اللَّهُ إِنِّي مُنَزِّلُهَا عَلَيْكُمْ فَمَنْ يَكْفُرْ بَعْدُ مِنْكُمْ فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذَاباً لا أُعَذِّبُهُ أَحَداً مِنَ الْعَالَمِينَ ) [ المائدة : 5/115 ] ..
وهكذا نرى أنّ ارتكابَ المسلمين للكبائر في حياتِهم الدنيا ، يُرتِّبُ عليهم عقوبةً – فيما لو لم يتوبوا توبةً مقبولة – أكبرَ من غيرِهِم الذي يقوم باقترافِ الكبائر ذاتِها ، لأنّهم أكثرُ عِلماً بالحقيقةِ .. وهذا يُناقِضُ تماماً صياغةَ الحديث .. فإذا كانت هناك شفاعةٌ لهذه الكبائر ، فغيرُ المسلمين أقربُ إليها ، لأنّهم لا يعلمون الحقيقةَ كما يعلمُها المسلمون ..
[ و ] – ما نُسبَ إلى الرسولِ من أنّ شفاعتَهُ لأهلِ الكبائر من أمّتِِِه ، يتناقضُ مع رواياتٍ أُخرى تؤكِّد أنّه حتى فاطمة بنت محمّد ، لا يملكُ لها رسولُ الله شيئاً ..
صحيح البخاري – حديث ( 2548 ) :
( حَدَّثَنَا ….. أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ أَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ قَالَ يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ أَوْ كَلِمَةً نَحْوَهَا اشْتَرُوا أَنْفُسَكُمْ لَا أُغْنِي عَنْكُمْ مِنْ اللَّهِ شَيْئًا يَا بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ لَا أُغْنِي عَنْكُمْ مِنْ اللَّهِ شَيْئًا يَا عَبَّاسُ بْنَ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ لَا أُغْنِي عَنْكَ مِنْ اللَّهِ شَيْئًا وَيَا صَفِيَّةُ عَمَّةَ رَسُولِ اللَّهِ لَا أُغْنِي عَنْكِ مِنْ اللَّهِ شَيْئًا وَيَا فَاطِمَةُ بِنْتَ مُحَمَّدٍ سَلِينِي مَا شِئْتِ مِنْ مَالِي لَا أُغْنِي عَنْكِ مِنْ اللَّهِ شَيْئًا ….. ) ..
صحيح مسلم – حديث ( 304 ) :
( حَدَّثَنَا ….. عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ لَمَّا نَزَلَتْ وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ قَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الصَّفَا فَقَالَ يَا فَاطِمَةُ بِنْتَ مُحَمَّدٍ يَا صَفِيَّةُ بِنْتَ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ يَا بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ لَا أَمْلِكُ لَكُمْ مِنْ اللَّهِ شَيْئًا سَلُونِي مِنْ مَالِي مَا شِئْتُمْ ) ..
[ 2 ] – حديثُ الشفاعةِ الكُبرى – التالي – يتنافى مع الكثيرِ من آياتِ القرآنِ الكريم ..
يتبع ,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,
تعليق