الأخبار المجعولة والروايات الموضوعة في مصادر الشيعة الروائية
قبل أن ندخل في أصل موضوع الأخبار المجعولة والروايات الموضوعة ونبحث في صحة سندها والدوافع التي أدت الى جعلها, نرى من الأفضل أن نستعرض مسألة وضع الروايات من مصادر الامامية والتي تشير الى هذا الموضوع بالذات ونستعين بالأحاديث والروايات لاثبات وجود احاديث مجعولة , وهذا المعنى لا يخرج عن أمرين : فإما أن تكون هذه الروايات صحيحة ويعتمد عليها في مقام الاثبات, ففي هذه الصورة يجب أن نقبل مفادهذه الأحاديث وهووجود أحاديث مجعولة وموضوعة ضمن المصادر الحديثية, وإما أن تكون نفس هذه الأحاديث مزورة وموضوعة , فحينئذ يثبت وجود أحاديث مزورة ومجعولة ضمن السنّة الشريفة.
أما الاخبار والروايات الواردة عن رسول الله وأهل بيته الطاهرين في هذا الباب فنذكر منها ما ورد في كتاب -((اصول الكافي في باب اختيار الحديث)) عن اميرالمؤمنين أنه قال :
((قد كُذِبَ على رسولِ اللهِ – صلى اللهُ عليه وآله وسلّم – على عَهْدِهِ حتّى قامَ خطيباً فَقالَ: أيُّها الناسُ قد كَثُرَتْ عَلَيَّ الكَذّابَةُ فَمَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّداً فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النّارِ . ثُمَّ كُذِبَ عليهِ مِنْ بَعْدِه ))! وفي كتاب ((رجال الكشّي)) نقلا عن الامام الصادق في جوابه الى الفيض بن المختار عن علّة اختلاف الشيعة, قال :
((... إني اُحَدِّثُ أحَدَهُم بِالحَديثِ فلا يَخْرُجُ مِن عِندي حَتى يَتَأَوَّلَهُ عَلى غَيْرِ تأويلِهِ وذلِكَ أَنَهُمْ لا يَطْلُبُونَ بِحَديثنا وبِحُبِّنا ما عِنْدَ اللهِ وإنما يَطْلُبُونَ بِهِ الدُّنيا وكُلٌّ يُحِبُ أنْ يُدْعى رَأساً )). وكذلك أورد الكشي في رجاله عن الامام الصادق قوله ...
((لا تَقْبَلُوا عَلَيْنا حَديثا إلاّ ما وافَقَ القُرآنَ والسُنَّةَ أوْ تَجِدوُنَ مَعَهُ شاهِداً مِن أحاديثنا المُتَقَدِّمَةِ , فَإِنَّ المُغَيْرَةَ بنَ سَعيدٍ – لَعَنَهُ اللهُ – دَسَّ في كُتُبِ أصْحابِ أبي احاديثَ لَمْ يُحَدِّثْ بِها أبي ! فَاتَقُوا اللهَ ولا تَقْبَلوا عَلَيْنا ما خالَفَ قَوْلَ رَبِّنا تعالى وسُنَةَ نَبِيِّنا مُحَمّدٍ – صلّى اللهُ عليه وآله وسلّم – فإنّا إذا حَدَّثْنا قُلنا : قالَ اللهُ عَزَّوجَلَّ وقالَ رسولُ اللهِ صلّى اللهُ عليه وآله وسلّم )).وكذلك أورد الصدوق في كتابه ((عيون أخبار الرضا)) عن الامام علي بن موسى الرضا انه قال للحسين بن خالد:
((يَا ابْنَ خالِدٍ إنّما وَضَعَ الأخْبارَ عَنّا في التَشْبيهِ وَالْجَبْرِ الغُلاةُ )). وأيضا من هذا الكتاب أنه أورد قول الامام الرضا لابراهيم بن أبي محمود:
((أن مُخالِفينا وَضَعُوا أخباراً في فَضائِلِنا وجَعَلوُها عَلى ثَلاثَةِ أقْسامٍ , أحَدُها الغُلُوّ وثانيهَا التَّقْصيرُ في أمْرِنا وثالِثُهَا التَّصريحُ بِمَثالِبِ أعْدائِنا ...)) وجاء في رجال الكشي عن قول يونس بن رحمان:
((وافَيْتُ الْعِراقَ فَوَجَدْتُ بِها قِطْعَةً مِن أصحابِ أبي جَعْفرٍ (ع) مُتَوافِرينَ فَسَمِعْتُ مِنْهُم وأخَذْتُ كُتُبَهُم فَعَرَضْتُها بَعْدُ عَلى أبِى الحَسَنِ الرِّضا (ع) فأنْكَرَ مِنها أحاديثَ كثيرَةً أن تََكونَ مِنْ احاديثِ أبي عَبْدِالله (ع) ... )) ولا يتحدد هذا الموضوع بهذا المقدار من الروايات ولكننا اخترنا نماذج منها , والذي يفهم من هذه الأحاديث أن الأخبار الموضوعة لم تنسب الى بعض الأئمة فحسب بل نسبت الى جميع الأئمة من أهل البيت كما نقرأ ما ورد عن الامام الصادق (ع) في رواية الكشي أنه قال :
((إنَا أهلُ بيتٍ صاِدقُونَ لا نَخلُو مِن كَذّابٍ يَكْذِبُ عَلَينا فَيَسْقُطٌ صِدقُنا بِكذبِهِ عَلَيْنا عِنْدَ النّاس . كانَ رسولُ اللهِ صلّى الله عليه وآله وسلّم أصْدَقَ البَرِيَّةِ لَهْجَةً وكانَ مُسَيْلِمَةُ يَكْذِبُ عليهِ , وكانَ أميرُ المؤمنينَ عليه السلامُ أصْدَقَ مَنْ بَرَأَ اللهُ مِن بَعدِ رَسولِ اللهِ (ص) وكانَ الَّذي يَكْذِبُ عليه مِنَ الكَذِبِ عَبْدُ الله بنُ سَبَأٍ – لَعَنَهُ اللهُ – وكانَ ابو عبدِاللهِ الحسينِ بنِ عليًّ عليه السلامُ قَدِابتُلِيَ بِالمُخْتارِ . ثُمَ ذَكَرَ ابوعبدِاللهِ (ع) الحارِثَ الشّاميَّ وبُنانَ فقالَ: كانا يَكْذِبانِ على عليّ بنِ الحُسينِ عليه السلام , ثُمَّ ذَكَرَ المُغَيْرَةَ بْنَ سعيدٍ وبَزيعاً والسَّرِيَّ وأبا الخطّاب ومُعمَرا وبَشّارَ الأشعريَّ وحَمْزَهَ اليزيديَّ وصائِدَ النَهْدِيَّ فقالَ : لَعَنَهُمُ اللهُ )) وكذلك أورد أبو عمرو الكشي عن الامام علي بن موسى الرضا أنه قال :
((كانَ بُنانُ يَكْذِبُ على عليّ بْنِ الحُسَيْن (ع) فَأذاقَهُ اللهُ حَرَّ الحَديدِ , وكانَ مُغَيْرَةُ بْنُ سعيد يَكْذِبُ على أبي جَعْفَرٍ (ع) فأذاقَهُ اللهُ حَرَّ الحّديدِ , وكانَ مُحمّدُ بْنُ بَشير يَكْذِبُ عَلى أبِي الحَسَنِ مُوسى (ع) فأذاقَهُ اللهُ حَرَّ الحّديدِ , وكانَ ابُو الخَطّابِ يَكْذِبُ عَلى أبي عَبدِاللهِ (ع) فأذاقَه اللهُ حَرَ الحديدِ, والَّذي يّكْذِبُ عَلَيَّ مُحَمَّدُ بْنُ فُرات .)) وكما تقدم أنّ مثل هذه الروايات كثيرة في كتب الامامية, فلو صحت هذه الروايات فانها تدل على وجود أحاديث موضوعة كثيرة في مصادر الشيعة الروائية . حيث ينبغي غربلة هذه المصادر وتطهيرها من هذه الشوائب المخربة والأكاذيب المدمّرة.
شهادة أكابر الامامية على وجود أحاديث موضوعة
وبعد أن استعرضنا طائفة من الأحاديث الواردة عن أهل البيت حول وجود الكذب والجعل في الروايات, نرى من المناسب استعراض بعض أقوال الأكابر والأساطين من علماء الشيعة ومن رجالهم حول هذا الموضوع ليتضح جيدا أن علماء الشيعة أيضا يعترفون بهذا الأمر ولا ينكرونه.
الشيخ المفيد محمد بن النعمان المتوفى سنة 413 هـ الذي يعد من أعاظم الامامية كتب في نقد ((اعتقادات الصدوق)) أنّ بين روايات الامامية حق وباطل وأن الشيخ الصدوق , أي أبا جعفر محمد بن بابويه القمي , لم يهتم بتهذيب الروايات وتصحيحها , وقال:
الّذي ذَكَرَهُ الشّيخُ أبوجَعْفَرٍ – رَحِمَهُ اللهُ – في هذَا البابِ لاَ يَتَحَصًّلُ ومَعانيهِ تَختَلِفُ وتَتَناقَضُ والسَّبَبُ في ذلِكَ أنَّهُ عَمِلَ على ظواهِرِ الحَديثٍ المُختلٍفَةِ ولم يَكُن مِمَّْنْ يَرَى النَّظَرَ فّيّمِيزّ بَيْنَ الحَقِّ مِنْها والباطِل . ومن علماء الامامية في القرن الخامس الهجري هو ((الشريف المرتضى)) المعروف والمتوفى عام 436 هـ , حيث أورد في باب الاحاديث الباطلة والاخبار السقيمة في رسالة ((المسائل الطرابلسية)) فقال:
إن الحديث المَرويَّ في كُتُبِ الشيعَةِ وكُتُب جَميعِ مُخالفينا يَتَضَمَّنُ ضُرُوبَ الخَطَأ وصُنُوفَ الباطِلِ مِن مَحالٍ لا يَجُوزُ ولا يُتَصَوَر من باطل قَد دَلَّ الدَليلُ على بُطلانِهِ وفَسادِهِ كَالتَّشبيهِ والجَبرِ والرُؤيَةِ والقَوْلِ بالصِّفاتِ القديمة ومِن هذا الذي لا يُحصى أو يُحْصَرُ ما في الأحاديث من الأباطيل ولِهذا وجَبَ نَقْدُ الحَديث.
وبعد الشريف المرتضى تعرض ابو جعفر محمد بن الحسن الطوسي المتوفى عام 460 هـ في كتابه ((عدة الاصول)) الى الأخبار الموضوعة في فصل مختلف, وقال :
إنَّ مِنَ المَعْلُومِ الَّذي لا يَتخالَجُ فيهِ شَكٌّ أنَّ في الأخبارَ المَرْويِّةَ عَنِ النَّبيِّ صلّى الله عليه وآله وسلم كَذٍباً كَما أنَّ فيها صِدقاً قالَ أنَّ جَميعَها صِدْقٌ فَقَدْ أبْعَدَ القَوْلَ فيهِ .
والعالم الآخر من اعاظم الامامية الذي شهد بوجود اخبار مجعولة وروايات موضوعة بين احاديث السنة والشيعة هو الفقيه الشهير الشيخ نجم الدين جعفر المعروف بالمحقق الحلي ((المتوفى عام 676 هـ)) حيث كتب يقول في كتابه ((المعتبر)):
أفْرَطَ الحَشوِيَّةُ فِي الْعَمَلِ بِخَبَر الواحِدِ حَتَّى انْقادُوا لِكُلِّ خَبَرٍ ومافَطَنُوا ما تَحْتهُ مِنَ التَّناقُضِ فَإنَّ مِن جُملَةِ الأخباِر قَوْلُ النَّبِيِّ – صلى الله عليه وآله وسلم – سَتَكْثُر بَعْدِي القالَّة عَلَيَّ. وقَوْل الصًادِقِ – عليه السلامُ – إنَّ لِكُلِّ رَجُلٍ مِنّا رَجُلاً يَكْذِبُ عَلَيْه.
وأخيرا نصل الى الملا محمد باقر المجلسي ((المتوفى عام 1110 هـ)) في المجلد السابع من كتاب بحار الانوار :
إعلَمْ أنَّ الغُلُوَّ فِي النَّبِيِّ (ص) والأئِمَةِ (ع) إنَّما يَكُونُ بِالقَوْلِ باُلُوهيَّتِهم أوْ بُكَونِهِم شُرَكاءَ لِلهِ تعالى فِي المَعْبُودِيَّةِ أو في الخَلْقِ والرِّزْقِ , أوْ أنَّ الله تعالى حَلَّ فيهم أوِ اتَّحَدَ بِهِم , أوْ أنَّهُم يَعْلَمُونَ الغَيْبَ بِغَيْرِ وَحْيٍ أوْ إلهامٍ مِنَ اللهِ تعالى , أوَ بِالقولِ فِي الأئِمَةِ (ع) أنَهُم كانُوا أنْبِياءَ أوِ الْقَوْلِ بِتَناسُخ أرْواحِ بِعضِهِم إلى بَعضٍ , أو القَوْلِ بأنَ مَعْرِفَتَهُم تُغنى عَن جَميع الطّاعاتِ ولا تكليفَ مَعَها بِتَركِ المَعاصي, والقَوْلُ بِكُلّ مِنها إلحادٌ وكُفرٌ وخروجٌ عَنِ الدّينِ كما دَلَّت عَلَيهِ الأدِلَةُ العَقْليَّةُ والآياتُ والأخبارُ السّالِفَةو وغيرُها وقد عَرَفتَ أنَّ الأئمة عليهم السلام تَبرأوا مِنهُم وحَكَموُا بِكُفرهم وأمَروُا بِقَتْلِهِمْ ,وإنْ قَرَعَ سَمْعَكَ شيءٌ مِنَ الأخبارِ المُوهِمَةِ لِشَيءِ مِن ذلِكَ فَهِيَ إمّا مُؤولةٌ أوْ هِيَ مِنْ مُفْتَرياتِ الغُلاة.
دوافع جعل الحديث
إن الدوافع لجعل الأحاديث بين الشيعة تختلف عن الدوافع لجعل الأحاديث بين أهل السنة غالبا, واحيانا تتشابه هذه الدوافع , فأهل السنة ولكونهم لا يواجهون مشكلة من قبل الحكومات بل إنّ أغلب الحكومات الاسلامية كانت من أهل السنة, فان أحد الدوافع لخلق الأحاديث بينهم هو التقرب الى الخلفاء والسلاطين كما ذكر ذلك ((الخطيب البغدادي)) المتوفى عام 463 هـ في تاريخ بغداد: أن ((ابوالبختري)) وهب بن وهب القرشي دخل على خليفة زمانه هارون الرشيد عندما كان هذا الخليفة مشغولا باللعب بالطيور, فسأل هارون أباالبختري عن وجود حديث في هذا الباب, فقال ابوالبختري فوراً:
حدثني هشام بن عروة, عن أبيه, عن عائشة, أن النبي كان يطير الحمام.
فنظر اليه هارون الرشيد نظرة شديدة وقال له : أخرج من هنا. وبعد أن خرج ابوالبختري قال هارون : لو لم يكن هذا الرجل من قريش لأمرت بعزله عن مقام القضاء. ومن الواضح أن هذا القاضي الطمّاع والكذاب قد وضع هذا الحديث لتأييد عمل الخليفة وادخال السرور على قلبه ليتقرب منه أكثر . وأما بين الشيعة فلا نجد مثل هذه الأحاديث للتقرب بها الى البلاط لأن الخلافة خرجت من أيديهم سوى مدة قليلة جدا من خلافة أميرالمؤمنين وابنه الحسن , مضافا الى ان الامام علياً واولاده كانوا أعلم وأعلى من أن يأتي الوضاعون ليضعوا الأحاديث في مدحهم عند تصديهم لمقام الخلافة , ورغم ذلك فاننا نرى في عصر الأئمة ظهور بعض الأشخاص المنحرفين والمحبين للجاه والمقام أنهم كانوا يأتون الى الأئمة من أهل البيت ويجلسون في مجالسهم لينقلوا أحاديثهم ورواياتهم ليكتسبوا وجاهة ومنزلة عند الشيعة واتباع أهل البيت , وهذه الطائفة من الرواة عملوا على تحريف اقوال الأئمة بما يحلوا لهم , كما ذكر الكشّي ذلك في كتابه الرجال عن الامام الصادق أنه قال للفيض بن المختار :
((يا فيض ؛ إن الناس أولعوا بالكذب علينا كأن الله افترضه عليهم لا يريد منهم غيره ! وإني أحدث أحدهم بالحديث فلا يخرج من عندي حتى يتأوله على غير تأويله وذلك أنهم لا يطلبون بحديثنا وبحبنا ما عند الله وإنما يطلبون به الدنيا وكل يحب أن يدعى رأسا )).ومن أجل أن نعلم كيف فسر هؤلاء المغرضون أحاديث أهل البيت , نكتفي بذكر رواية عن ابي جعفر الكليني ((المتوفى سنة 328 أو 329 هـ)) في اصول الكافي , باسناده عن محمد بن مارد أنه قال :
((قلت لأبي عبدالله عليه السلام :حديث روي لنا أنك قلت : إذا عرفت فاعمل ما شئت ! فقال: قد قلت ذلك . قال: قلت : وإن زنوا أو سرقوا او شربوا الخمر؟ فقال لي : إنا لله وانا اليه راجعون , والله ما انصفونا أن نكون اخذنا بالعمل ووضع عنهم , إنما قلت : إذا عرفت فاعمل ما شئت من قليل الخير وكثيره فانه يقبل منك. )) ولو تجاوزنا دوافع حب الرئاسة فان اقبح العلل لوضع الحديث الأئمة المعصومين (ع)يتمثل في ((الغلو)) أو ((البغض)) لأهل البيت , كما أورد الشيخ الصدوق في كتابه ((عيون أخبار الرضا)) عن الامام الرضاقوله لابراهيم بن ابي محمود:
((إن مخالفينا وضعوا أخبارا في فضائلنا وجعلوها على ثلاثة أقسام . أحدها الغلو وثانيها التقصير وثالثها التصريح بمثالب أعدائنا فاذا سمع الناس الغلو فينا كفّروا شيعتنا ونسبوهم الى القول بربوبيتنا واذا سمعوا التقصير اعتقدوه فينا واذا سمعوا مثالب أعدائنا بأسمائهم ثلبونا بأسمائنا وقد قال الله عزوجل : ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدوا بغير علم .))
ومن بين هذه الأنواع الثلاثة للروايات التي وضعها المخالفون لأهل البيت كما يقول الامام الرضا فانه ولحسن الحظ قلما نجد روايات ((التقصير)) في المصادر الحديثية , ولكن مع الأسف فان روايات الغلو واللعن المجعولة والمنسوبة الى أهل البيت موجودة بكثرة في مصادر, الحديث ولابد من اتخاذ الحذر في ذكرها وقراءتها على الناس لصيانة الجيل الجديد من التورط في الانحراف في العقيدة.والدافع الآخر لوضع الحديث هو الدافع الديني والاهتمام بتديّن الناس والحرص على ترغيبهم بالدين . ولعل هذا الكلام يستوجب العجب ولكن مع الأسف فان هذا الدافع موجود في صفوف رواة الشيعة والسنة حيث وضعوا أحاديث كثيرة لهذا الغرض. ونقرأ في كتاب أهل السنة , أن رجلا يسمى ((نوح بن مريم المروزي)) المتوفى عام 173هـ , سُئل عن حديث رواه عكرمة عن ابن عباس في ثواب السور القرآنية التي ينقلها نوح بن مريم هذا وأنه عمّن سمعها ومن أين جاء بها؟ فقال نوح بن مريم :
إني رأيت الناس قد اعرضوا عن القرآن واشتغلوا بفقه أبي حنيفة ومغازي ابن اسحاق فوضعت هذا الحديث حسبة (أي لطلب الثواب).
ويقول الشهيد الثاني ((زين الدين العاملي)) : إن الأحاديث التي وردت في تفسير الواحدي الثعلبي والزمخشري في ثواب قراءة السور القرآنية ((جميعها من هذا القبيل والواضع لها قد اعترف بوضعه لهذه الأحاديث)).
واضيف أيضا أنه مع الأسف أن هذه الأحاديث موجودة في تفاسير الشيعة كذلك ومنها ((تفسير التبيان)) للشيخ الطوسي , وتفسير ((مجمع البيان)) للشيخ الطبرسي , وتفسير (روض الجنان وروح الجنان)) للشيخ أبي الفتوح الرازي , حيث يذكر الشهيد الثاني وآخرون أن أحد متصوفة عبادان قد جعل هذه الأحاديث , وتنسب هذه الأحاديث الموضوعة الى الصحابي المشهور ((ابن ابي كعب)) أنه سمعها عن رسول الله.
وقد كان نوح بن مريم وامثاله يضعون هذه الأحاديث في محيط أهل السنة ولكن هناك أحاديث وضعها الكذابون ودسوها في كتب الشيعة لتشويق الناس في احياء السنة كما يتصورون, ومن ذلك ما ورد في حديث في كتاب ((تفسير منهج الصادقين)) للملا فتح الله الكاشاني ((المتوفى عام 977 هـ)) عن رسول الله أنه قال:
((من تمتع مرة كان درجته كدرجة الحسين ومن تمتع مرتين فدرجته كدرجة الحسن ومن تمتع ثلاث مرات كان درجته كدرجة علي بن ابي طالب ومن تمتع أربع مرات فدرجته كدرجتي! ))
فهل هناك أقبح من تشويق الشيعة للمتعة بوضع حديث عن رسول الله في هذا الباب ورسول الله نفسه قال : ((من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار. ))
وقد يعتذر هؤلاء الوضاع لجعلهم الحديث وروايتهم له أن الكثير من العلماء أوردوا هذا الحديث في كتبهم . ولكن الحقيقة كما أوردها الشيعة والسنة عن رسول الهأ والامام الصادق أنهما قالا :
((كفى بالمرء كذبا أن يحدث بكل ما سمع)).
ومن الدوافع الأخرى لوضع الحديث هو التكسب , حيث كان هناك فئات من الناس يسمون بالمرتزقة, وهؤلاء كانوا يضعون الروايات والأحاديث ويكسبون بها أجرا , وعلى سبيل المثال نذكر هذه الواقعة : دخل يوما الى مسجد الرصافة في الكوفة المحدث المشهور أحمد بن حنبل ومعه يحيى بن معين, فشاهدا في المسجد رجلا يحدث الناس ويقول:
((حدثنا أحمد بن حنبل ويحيي بن معين قالا : حدثنا عبدالرزاق عن معمر عن قتادة عن أنس قال : قال رسول الله – صلى الله عليه وآله وسلم : من قال لا إله الا الله خلق الله تعالى من كل كلمة طيرا منقاره من ذهب وريشه من مرجان...! ))
ثم أن ذلك الرجل استمر في كلامه وأخذ يفصّل الحديث في ثواب ذلك العمل, وبعد أن انتهى من كلامه نظر ابن معين واحمد بن حنبل أحدهما الى الآخر وقال احمد ليحيى بن معين : هل نقلت هذا الحديث الى هذا الرجل ؟ فاجابه يحيى بن معين : اقسم بالله انني لم اسمع هذه الحكاية في حياتي سوى في هذا الوقت.
وفي ذلك الوقت اخذ ذلك الرجل أجره من الناس وبقي ينتظر عطاء الآخرين , فأشار له يحيى بن معين فتصور الرجل أنه يريد ان يعطيه مبلغا من المال فجاء اليه, فقال له يحيى بن معين : أنا يحيى بن معين وهذا الشخص هو أحمد بن حنبل ونحن لم نسمع من رسول الله أنه يقول هذا الحديث ولم ننقله اليك فلو كنت مضطرا للكذب فانسبه الى غيرنا . فقال : لقد سمعت أن يحيى بن معين رجل احمق ولكن لم يثبت ذلك لي الى اليوم.
فقال ابن معين: وكيف؟ فقال الرجل : لأنك تتصور أن ليس في الدنيا رجل يسمى بهذا الاسم غيرك وأن لا يوجد في الدنيا أحمد بن حنبل غير هذا الشخص في حين أنني أروي عن سبعة عشر رجلا باسم احمد بن حنبل ويحيى بن معين غيركما .
ويستفاد من الأحاديث القديمة الشيعية أن المرتزقة كانوا موجودين في صفوف الشيعة واتباع الأئمةولذلك ورد في الأحاديث الشريفة عن أهل البيت في أصول الكافي عن الامام الصادق (ع) أنه قال:
((من أراد الحديث لمنفعة الدنيا لم يكن له في الآخرة نصيب. ))
وكذلك أورد الشيخ الكليني في اصول الكافي عن الامام الباقر (ع) أنه قال لأبي ربيع الشامي:
((ويحك يا أبا الربيع لا تطلبن الرئاسة ولا تكن ذنبا ولا تأكل بنا الناس فيفقرك الله ولا تقل فينا ما لا نقول في أنفسنا فإنك موقوف ومسؤول... ))
وذكر المحدث المشهور الحسن بن شعبة ((من علماء القرن الرابع الهجري)) في كتابه ((تحف العقول عن آل الرسول)) عن الامام الصادق (ع) قوله :
((فرقة أبحونا وسمعوا كلامنا ولم يقصدوا عن فعلنا ليستأكلوا الناس بنا فيملأ الله بطونهم نارا)).
ويروي الشيخ أبو عمر والكشي في رجاله عن الامام علي بن الحسين أنه قال لقاسم بن عوف : ((إياك أن تستأكل بنا)).
ولا شك أن هؤلاء المرتزقة قد وضعوا أحاديث كثيرة لجلب نظر الناس ونسبوها الى الأئمة , ومع الأسف نجد أن بعض أهل المنبر يوردون الكثير من هذه الأخبار في باب شهادة الامام الحسين عليه السلام لتأمين معاشهم والارتزاق بذكر مصائب أهل البيت , وكما يقول المحدث المشهور الميرزا حسين النوري ((المتوفى عام 1320 هـ)) في كتابه ((اللؤلؤ والمرجان)):
وتستمر روايات الكافي في استغراق مثل هذه الخرافات والاكاذيب حتى أنها تصرح (في الباب 95 ما عند الائمة من آيات الانبياء عليهم السلام) بأنهم ورثوا عصا موسى وأنها تنطق اذا استنطقت وقد أعدت للقائم (ع) يصنع بها ما كان يصنع موسى وكذلك ألواح موسى وخاتم سليمان وحجر موسى الذي كان يضربه فينبع منه الماء وقميص يوسف الذي كان لابراهيم (ع) عندما القي في النار فلم يصبه اذى ببركة هذا القميص الذي أتى به جبرئيل من الجنة .. الى غير ذلك من الخزعبلات التي أوردها رواة الشيعة الكذابون لاخفاء هالة موهومة من عنصر الغيب على الائمة (ع) والحال أن كل عاقل يفهم أن عصا موسى أو قميص يوسف وخاتم سليمان وامثالها لم تكن تحوي عناصر القوة والاعجاز لدى الانبياء بل إن الله أجرى المعجزة للانبياء بواسطتها حيث يقول تعالى : ((قلنا يا نار كوني بردا وسلاما على ابراهيم)) الانبياء : 69.
وليس لقميص ابراهيم دخل في حمايته من النار . وهكذا الحال في عصا موسى وخاتم سليمان ولكن القصاصين والدجالين أبوا ألا أن ينسجوا حول هذه الادوات والملابس قصصا وأساطير ليوحوا الى أوليائهم أن الائمة يتمتعون بعلوم غريبة وقدرات خارقة لا تتيسر لأحد من البشر!!
خامساً: أما الرواية الثانية وكذلك روايات هذا الباب (الباب 98 وفيه 8 روايات) الذي يتضمن ذكر الجفر والجامعة ومصحف فاطمة (ع) فانها تدل بوضوح تام على عدم انحصار الوحي بالنبي الاكرم (ص) وتتناقض مع خاتمية الرسالة حيث نقرأ فيها أن جبرئيل كان يحدث فاطمة بعد وفاة النبي (ص) وكان الامام علي (ع) يملي احاديث جبرئيل هذه , أو أن الائمة محدثون بواسطة الملائكة في حين أن الامام علي نفسه يقول في نهج البلاغة وهي ينعى رسول الله (( لقد انقطع بموتك ما لم ينقطع بموت غيرك من النبوة والانباء وأخبار السماء)) فان لم يكن مصحف فاطمة يتناول أخبار السماء والغيب بل أحكام الشريعة والدين – كما رجحه بعض الفقهاء والاعلام – فكان الاجدر بفاطمة أن تأخذها من أبيها في حال حياته وحينئذ فلا معنى لنزول جبرئيل عليها بعد وفاء ابيها ليملي عليها كتابا أكبر من القرآن بثلاث مرات ...
ثم ما معنى أن لا يكون في هذا المصحف ولا كلمة من كلمات القرآن كما تقول الرواية ؟ الا يوجد فيه ذكر لكلمة : الله . العدل . الظلم , السماء, الماء, الخير , الشر وامثال ذلك من الكلمات الموجودة كلها في القرآن الكريم؟!
والمشكلة الاخرى التي تواجه هذه الرواية هي أنها تقرر أن علوم الائمة مقتبسة من هذه الكتب , بل نقرأ في كتاب المواريث (فروع الكافي , ج 7 , ص 3) أن زرارة يسأل الامام الباقر (ع) عن سهم الارث للجد , فيطلب منه الامام أن يمهله الى غد ليقرأ هذا الحكم الشرعي من كتاب له : ((قال (ع): اذا كان غدا فالقني حتى اقرئك في كتاب قلت : أصلحك الله , حدثني فان حديثك أحب اليّ من أن تقرئينه في كتاب فقال لي الثانية : اسمع ما أقول لك , اذا كان غدا فالقني حتى اقرأه في كتاب)).
فهنا نرى أن الامام الباقر (ع) يصر على أن يقرأ الحكم الشرعي في كتاب له , وهذا المعنى يتعارض مع ما ذكره الكليني من روايات عديدة في الكافي من أن الائمة محدثون ملهمون وأن علمهم لدنّي يأخذونه كل ليلة جمعة من العرش أو من الهام الملائكة كما مر علينا في الروايات آنفاً!!
ثم إن الرواية تقول إن الامام مضافا الى ما لديه من الجعفر ومصحف فاطمة وما ورثه من علوم الانبياء والوصيين , أنه يعلم بما كان وما يكون الى يوم القيامة!! وهذا هو علم الغيب الذي استأثر به الله تعالى لنفسه ونفاه أهل البيت (ع) عن انفسهم في روايات عديدة يرويها الكليني نفسه في كتابه الكافي (ج1) في باب (نادر فيه ذكر الغيب) حيث ينتقل في الحديث (3) عن سدير أنه قال : ((كنت أنا وأبو بصير ويحيى البزاز وداود بن كثير في مجلس أبي عبدالله (ع) اذا خرج الينا وهو مغضب فلما أخذ مجلسه قال : يا عجبا لأقوام يزعمون أنا نعلم الغيب . ما يعلم الغيب الا الله عزوجل لقد هممت بضرب جاريتي فلانة , فهربت مني فما علمت في أي بيوت الدار هي؟..))
فكيف يعقل أن يعلم الامام بما كان وما يكون الى يوم القيامة ولا يعلم مكان الجارية في الدار؟ بل إن الراوي للرواية محل البحث يكذب نفسه بنفسه , فعندما يسأل الامام : هل هاهنا أحد يسمع كلامي؟ فيقوم الامام برفع الستار بينه وبين الغرفة المجاورة ليرى هل هناك شخص آخر يسمع كلامهما: ((فرفع أبوعبدالله سترا بينه وبين بيت آخر فاطلع فيه ثم قال : سل.. )) وتستمر الرواية هذه لتقول : إن الامام يعلم ما يحدث بالليل والنهار الأمر بعد الأمر والشيء بعد الشيء الى يوم القيامة!! فكيف يحيط الشخص بكل هذا العلم الواسع وهو لا يعلم ماذا وراء الستر الى جانبه؟!.
ثم هل أن وصل علم الأئمة الى مراتب عظيمة بحيث فاق علم رسول الله (ص) الذي يقول عنه القرآن الكريم: ((وما ادري ما يفعل بي ولا بكم)) ((و لو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير)) ((ما كنت تدري ما الكتاب ولا الايمان))
وهكذا نرى أن أكثر الشيعة إنما نسبوا أنفسهم للتشيع بدوافع شخصية وأهواء نفسية فكانوا يطرحون تصوراتهم وعقائدهم من خلال ما ينسبونه الى أهل البيت (ع) من أحاديث موضوعة وروايات محرفة , ولو ألقينا نظرة على كتب الرجال وطالعنا سيرة الرواة وأصحاب الائمة لرأينا العجب العجاب من كثرة الدجالين والغلاة وأهل البدع وأصحاب المطامع الذين اتخذوا من صحبة الائمة ستارا وقناعا يسترون به مطامعهم ونواياهم وبذلك تمكنوا من توجيه ضربات مدمرة للدين والمذهب هذه الطريقة .
والأنكى من ذلك أن علماء الشيعة , الذين عرفوا هؤلاء الرواة والدجالين من خلال تحقيقات أصحاب الرجال والمؤرخين وطعنوا في رواياتهم وكتبهم , لا يمتنعون من نقل هذه الروايات بأسناد هؤلاء الكذابين والوضاعي
يروي الشيخ الصدوق في كتابه ((علل الشرائع)) عن عليّ بن أحمد عن محمد بن أبي عبدالله عن محمد بن أحمد العلوي , عن علي بن الحسين العلوي , عن علي بن جعفر , عن أخيه موسى بن جعفر (ع) قال : ((إن المسوخ ثلاثة عشر : الفيل , والدبّ , والارنب , والعقرب , والضبّ, والعنكبوت , والدّعموص, والجرّي, والوطواط , والقرد , والخنزير , والزهرة , وسهيل , فسئل: يا ابن رسول الله (ص) ما كان سبب مسخ هؤلاء : فقال : أما الفيل فكان رجلا جبارا لوطيا لا يدع رطبا ولا يابسا , وأما الدب فكان رجلا مؤتيا يدعو الرجال الى نفسه , وأما الارنب فكانت امرأة قذرة لا تغتسل من حيض ولا جنابة ولا غير ذلك , وأما العقرب فكان رجلا همازاً لا يسلم منه أحد , وأما الضبّ فكان رجلا أعرابيا يسرق الحاج بمحجته , وأما العنكوبت فكانت إمرأة سحرت زوجها , وأما الدّعموص فكان رجلا نماما يقطع بين الأحبّة. وأما الجرّي فكان رجلا ديّوثاً يجلب الرجال على حلائله, وأما الوطواط فكان رجلاً سارقاً يسرق الرطب على رؤوس النّخل . وأما القردة فاليهود اعتدوا في السبت . وأما الخنازير فالنصارى حين سألوا المائدة فكانوا بعد نزولها أشدّ ما كانوا تكذيبا. وأما سهيل فكان رجلاً عشارا باليمن . وأما الزهرة فأنها كانت امرأة تسمى ناهيد وهي التي يقول الناس : افتتن بها هاروت وماروت))
ولا ندري ما ننقد من هذا الحديث الخرافي والمخزي ولكننا نترك الحكم الى القاريء الكريم ليحكم بنفسه على عقول أساطين المذهب الذين يوردون مثل هذه الروايات السخيفة وينسبونها الى الأئمة المعصومين (ع)!! فماذا نقول للعالَم والشباب المثقف اذا رأى أو سمع أن إمامه المعصوم يقول بأن هذه الحيوانات كانت رجال ونساء يرتكبون الذنب , أو يسمع بأن كوكب سهيل كان رجلاً يمشي على الارض , أو أن كوكب الزهرة كان امرأة جميلة أفتتن بها هاروت وماروت؟! أو أن الخنازير هم نصارى في الأصل كذبوا بالمائدة التي أنزلها الله على عيسى (ع) والجميع يعلم بأن النصارى وخاصة الحواريين لم يكذبوا هذه المعجزة لحدّ الآن فكيف يستحقون هذا العذاب ولماذا نراهم لحد الآن بشرا متمدنين لم ينقلبوا الى خنازير؟
أقول : اذا سمع الشباب المثقف والشيعي خاصة مثل هذه الخرافات منسوبة الى إمامه المعصوم هل سيبقى على عقيدته بالامام؟ واذا جزم باختلاق هذه الاحاديث كما هو الصحيح – ألا يتساءل عن السبب الذي دعا علماء الشيعة كالصدوق والمجلسي والحر العاملي الى ذكرها في كتبهم؟ هل كانوا الى هذه الدرجة من السذاجة والجهل بحيث لم يدركوا زيف هذه الاحاديث واحتملوا أن امامهم يقول مثل هذا الكلام؟
منقول من كتاب تهذيب أحاديث الشيعة
تأليف وترجمة : أحمد القبانجي
قبل أن ندخل في أصل موضوع الأخبار المجعولة والروايات الموضوعة ونبحث في صحة سندها والدوافع التي أدت الى جعلها, نرى من الأفضل أن نستعرض مسألة وضع الروايات من مصادر الامامية والتي تشير الى هذا الموضوع بالذات ونستعين بالأحاديث والروايات لاثبات وجود احاديث مجعولة , وهذا المعنى لا يخرج عن أمرين : فإما أن تكون هذه الروايات صحيحة ويعتمد عليها في مقام الاثبات, ففي هذه الصورة يجب أن نقبل مفادهذه الأحاديث وهووجود أحاديث مجعولة وموضوعة ضمن المصادر الحديثية, وإما أن تكون نفس هذه الأحاديث مزورة وموضوعة , فحينئذ يثبت وجود أحاديث مزورة ومجعولة ضمن السنّة الشريفة.
أما الاخبار والروايات الواردة عن رسول الله وأهل بيته الطاهرين في هذا الباب فنذكر منها ما ورد في كتاب -((اصول الكافي في باب اختيار الحديث)) عن اميرالمؤمنين أنه قال :
((قد كُذِبَ على رسولِ اللهِ – صلى اللهُ عليه وآله وسلّم – على عَهْدِهِ حتّى قامَ خطيباً فَقالَ: أيُّها الناسُ قد كَثُرَتْ عَلَيَّ الكَذّابَةُ فَمَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّداً فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النّارِ . ثُمَّ كُذِبَ عليهِ مِنْ بَعْدِه ))! وفي كتاب ((رجال الكشّي)) نقلا عن الامام الصادق في جوابه الى الفيض بن المختار عن علّة اختلاف الشيعة, قال :
((... إني اُحَدِّثُ أحَدَهُم بِالحَديثِ فلا يَخْرُجُ مِن عِندي حَتى يَتَأَوَّلَهُ عَلى غَيْرِ تأويلِهِ وذلِكَ أَنَهُمْ لا يَطْلُبُونَ بِحَديثنا وبِحُبِّنا ما عِنْدَ اللهِ وإنما يَطْلُبُونَ بِهِ الدُّنيا وكُلٌّ يُحِبُ أنْ يُدْعى رَأساً )). وكذلك أورد الكشي في رجاله عن الامام الصادق قوله ...
((لا تَقْبَلُوا عَلَيْنا حَديثا إلاّ ما وافَقَ القُرآنَ والسُنَّةَ أوْ تَجِدوُنَ مَعَهُ شاهِداً مِن أحاديثنا المُتَقَدِّمَةِ , فَإِنَّ المُغَيْرَةَ بنَ سَعيدٍ – لَعَنَهُ اللهُ – دَسَّ في كُتُبِ أصْحابِ أبي احاديثَ لَمْ يُحَدِّثْ بِها أبي ! فَاتَقُوا اللهَ ولا تَقْبَلوا عَلَيْنا ما خالَفَ قَوْلَ رَبِّنا تعالى وسُنَةَ نَبِيِّنا مُحَمّدٍ – صلّى اللهُ عليه وآله وسلّم – فإنّا إذا حَدَّثْنا قُلنا : قالَ اللهُ عَزَّوجَلَّ وقالَ رسولُ اللهِ صلّى اللهُ عليه وآله وسلّم )).وكذلك أورد الصدوق في كتابه ((عيون أخبار الرضا)) عن الامام علي بن موسى الرضا انه قال للحسين بن خالد:
((يَا ابْنَ خالِدٍ إنّما وَضَعَ الأخْبارَ عَنّا في التَشْبيهِ وَالْجَبْرِ الغُلاةُ )). وأيضا من هذا الكتاب أنه أورد قول الامام الرضا لابراهيم بن أبي محمود:
((أن مُخالِفينا وَضَعُوا أخباراً في فَضائِلِنا وجَعَلوُها عَلى ثَلاثَةِ أقْسامٍ , أحَدُها الغُلُوّ وثانيهَا التَّقْصيرُ في أمْرِنا وثالِثُهَا التَّصريحُ بِمَثالِبِ أعْدائِنا ...)) وجاء في رجال الكشي عن قول يونس بن رحمان:
((وافَيْتُ الْعِراقَ فَوَجَدْتُ بِها قِطْعَةً مِن أصحابِ أبي جَعْفرٍ (ع) مُتَوافِرينَ فَسَمِعْتُ مِنْهُم وأخَذْتُ كُتُبَهُم فَعَرَضْتُها بَعْدُ عَلى أبِى الحَسَنِ الرِّضا (ع) فأنْكَرَ مِنها أحاديثَ كثيرَةً أن تََكونَ مِنْ احاديثِ أبي عَبْدِالله (ع) ... )) ولا يتحدد هذا الموضوع بهذا المقدار من الروايات ولكننا اخترنا نماذج منها , والذي يفهم من هذه الأحاديث أن الأخبار الموضوعة لم تنسب الى بعض الأئمة فحسب بل نسبت الى جميع الأئمة من أهل البيت كما نقرأ ما ورد عن الامام الصادق (ع) في رواية الكشي أنه قال :
((إنَا أهلُ بيتٍ صاِدقُونَ لا نَخلُو مِن كَذّابٍ يَكْذِبُ عَلَينا فَيَسْقُطٌ صِدقُنا بِكذبِهِ عَلَيْنا عِنْدَ النّاس . كانَ رسولُ اللهِ صلّى الله عليه وآله وسلّم أصْدَقَ البَرِيَّةِ لَهْجَةً وكانَ مُسَيْلِمَةُ يَكْذِبُ عليهِ , وكانَ أميرُ المؤمنينَ عليه السلامُ أصْدَقَ مَنْ بَرَأَ اللهُ مِن بَعدِ رَسولِ اللهِ (ص) وكانَ الَّذي يَكْذِبُ عليه مِنَ الكَذِبِ عَبْدُ الله بنُ سَبَأٍ – لَعَنَهُ اللهُ – وكانَ ابو عبدِاللهِ الحسينِ بنِ عليًّ عليه السلامُ قَدِابتُلِيَ بِالمُخْتارِ . ثُمَ ذَكَرَ ابوعبدِاللهِ (ع) الحارِثَ الشّاميَّ وبُنانَ فقالَ: كانا يَكْذِبانِ على عليّ بنِ الحُسينِ عليه السلام , ثُمَّ ذَكَرَ المُغَيْرَةَ بْنَ سعيدٍ وبَزيعاً والسَّرِيَّ وأبا الخطّاب ومُعمَرا وبَشّارَ الأشعريَّ وحَمْزَهَ اليزيديَّ وصائِدَ النَهْدِيَّ فقالَ : لَعَنَهُمُ اللهُ )) وكذلك أورد أبو عمرو الكشي عن الامام علي بن موسى الرضا أنه قال :
((كانَ بُنانُ يَكْذِبُ على عليّ بْنِ الحُسَيْن (ع) فَأذاقَهُ اللهُ حَرَّ الحَديدِ , وكانَ مُغَيْرَةُ بْنُ سعيد يَكْذِبُ على أبي جَعْفَرٍ (ع) فأذاقَهُ اللهُ حَرَّ الحّديدِ , وكانَ مُحمّدُ بْنُ بَشير يَكْذِبُ عَلى أبِي الحَسَنِ مُوسى (ع) فأذاقَهُ اللهُ حَرَّ الحّديدِ , وكانَ ابُو الخَطّابِ يَكْذِبُ عَلى أبي عَبدِاللهِ (ع) فأذاقَه اللهُ حَرَ الحديدِ, والَّذي يّكْذِبُ عَلَيَّ مُحَمَّدُ بْنُ فُرات .)) وكما تقدم أنّ مثل هذه الروايات كثيرة في كتب الامامية, فلو صحت هذه الروايات فانها تدل على وجود أحاديث موضوعة كثيرة في مصادر الشيعة الروائية . حيث ينبغي غربلة هذه المصادر وتطهيرها من هذه الشوائب المخربة والأكاذيب المدمّرة.
شهادة أكابر الامامية على وجود أحاديث موضوعة
وبعد أن استعرضنا طائفة من الأحاديث الواردة عن أهل البيت حول وجود الكذب والجعل في الروايات, نرى من المناسب استعراض بعض أقوال الأكابر والأساطين من علماء الشيعة ومن رجالهم حول هذا الموضوع ليتضح جيدا أن علماء الشيعة أيضا يعترفون بهذا الأمر ولا ينكرونه.
الشيخ المفيد محمد بن النعمان المتوفى سنة 413 هـ الذي يعد من أعاظم الامامية كتب في نقد ((اعتقادات الصدوق)) أنّ بين روايات الامامية حق وباطل وأن الشيخ الصدوق , أي أبا جعفر محمد بن بابويه القمي , لم يهتم بتهذيب الروايات وتصحيحها , وقال:
الّذي ذَكَرَهُ الشّيخُ أبوجَعْفَرٍ – رَحِمَهُ اللهُ – في هذَا البابِ لاَ يَتَحَصًّلُ ومَعانيهِ تَختَلِفُ وتَتَناقَضُ والسَّبَبُ في ذلِكَ أنَّهُ عَمِلَ على ظواهِرِ الحَديثٍ المُختلٍفَةِ ولم يَكُن مِمَّْنْ يَرَى النَّظَرَ فّيّمِيزّ بَيْنَ الحَقِّ مِنْها والباطِل . ومن علماء الامامية في القرن الخامس الهجري هو ((الشريف المرتضى)) المعروف والمتوفى عام 436 هـ , حيث أورد في باب الاحاديث الباطلة والاخبار السقيمة في رسالة ((المسائل الطرابلسية)) فقال:
إن الحديث المَرويَّ في كُتُبِ الشيعَةِ وكُتُب جَميعِ مُخالفينا يَتَضَمَّنُ ضُرُوبَ الخَطَأ وصُنُوفَ الباطِلِ مِن مَحالٍ لا يَجُوزُ ولا يُتَصَوَر من باطل قَد دَلَّ الدَليلُ على بُطلانِهِ وفَسادِهِ كَالتَّشبيهِ والجَبرِ والرُؤيَةِ والقَوْلِ بالصِّفاتِ القديمة ومِن هذا الذي لا يُحصى أو يُحْصَرُ ما في الأحاديث من الأباطيل ولِهذا وجَبَ نَقْدُ الحَديث.
وبعد الشريف المرتضى تعرض ابو جعفر محمد بن الحسن الطوسي المتوفى عام 460 هـ في كتابه ((عدة الاصول)) الى الأخبار الموضوعة في فصل مختلف, وقال :
إنَّ مِنَ المَعْلُومِ الَّذي لا يَتخالَجُ فيهِ شَكٌّ أنَّ في الأخبارَ المَرْويِّةَ عَنِ النَّبيِّ صلّى الله عليه وآله وسلم كَذٍباً كَما أنَّ فيها صِدقاً قالَ أنَّ جَميعَها صِدْقٌ فَقَدْ أبْعَدَ القَوْلَ فيهِ .
والعالم الآخر من اعاظم الامامية الذي شهد بوجود اخبار مجعولة وروايات موضوعة بين احاديث السنة والشيعة هو الفقيه الشهير الشيخ نجم الدين جعفر المعروف بالمحقق الحلي ((المتوفى عام 676 هـ)) حيث كتب يقول في كتابه ((المعتبر)):
أفْرَطَ الحَشوِيَّةُ فِي الْعَمَلِ بِخَبَر الواحِدِ حَتَّى انْقادُوا لِكُلِّ خَبَرٍ ومافَطَنُوا ما تَحْتهُ مِنَ التَّناقُضِ فَإنَّ مِن جُملَةِ الأخباِر قَوْلُ النَّبِيِّ – صلى الله عليه وآله وسلم – سَتَكْثُر بَعْدِي القالَّة عَلَيَّ. وقَوْل الصًادِقِ – عليه السلامُ – إنَّ لِكُلِّ رَجُلٍ مِنّا رَجُلاً يَكْذِبُ عَلَيْه.
وأخيرا نصل الى الملا محمد باقر المجلسي ((المتوفى عام 1110 هـ)) في المجلد السابع من كتاب بحار الانوار :
إعلَمْ أنَّ الغُلُوَّ فِي النَّبِيِّ (ص) والأئِمَةِ (ع) إنَّما يَكُونُ بِالقَوْلِ باُلُوهيَّتِهم أوْ بُكَونِهِم شُرَكاءَ لِلهِ تعالى فِي المَعْبُودِيَّةِ أو في الخَلْقِ والرِّزْقِ , أوْ أنَّ الله تعالى حَلَّ فيهم أوِ اتَّحَدَ بِهِم , أوْ أنَّهُم يَعْلَمُونَ الغَيْبَ بِغَيْرِ وَحْيٍ أوْ إلهامٍ مِنَ اللهِ تعالى , أوَ بِالقولِ فِي الأئِمَةِ (ع) أنَهُم كانُوا أنْبِياءَ أوِ الْقَوْلِ بِتَناسُخ أرْواحِ بِعضِهِم إلى بَعضٍ , أو القَوْلِ بأنَ مَعْرِفَتَهُم تُغنى عَن جَميع الطّاعاتِ ولا تكليفَ مَعَها بِتَركِ المَعاصي, والقَوْلُ بِكُلّ مِنها إلحادٌ وكُفرٌ وخروجٌ عَنِ الدّينِ كما دَلَّت عَلَيهِ الأدِلَةُ العَقْليَّةُ والآياتُ والأخبارُ السّالِفَةو وغيرُها وقد عَرَفتَ أنَّ الأئمة عليهم السلام تَبرأوا مِنهُم وحَكَموُا بِكُفرهم وأمَروُا بِقَتْلِهِمْ ,وإنْ قَرَعَ سَمْعَكَ شيءٌ مِنَ الأخبارِ المُوهِمَةِ لِشَيءِ مِن ذلِكَ فَهِيَ إمّا مُؤولةٌ أوْ هِيَ مِنْ مُفْتَرياتِ الغُلاة.
دوافع جعل الحديث
إن الدوافع لجعل الأحاديث بين الشيعة تختلف عن الدوافع لجعل الأحاديث بين أهل السنة غالبا, واحيانا تتشابه هذه الدوافع , فأهل السنة ولكونهم لا يواجهون مشكلة من قبل الحكومات بل إنّ أغلب الحكومات الاسلامية كانت من أهل السنة, فان أحد الدوافع لخلق الأحاديث بينهم هو التقرب الى الخلفاء والسلاطين كما ذكر ذلك ((الخطيب البغدادي)) المتوفى عام 463 هـ في تاريخ بغداد: أن ((ابوالبختري)) وهب بن وهب القرشي دخل على خليفة زمانه هارون الرشيد عندما كان هذا الخليفة مشغولا باللعب بالطيور, فسأل هارون أباالبختري عن وجود حديث في هذا الباب, فقال ابوالبختري فوراً:
حدثني هشام بن عروة, عن أبيه, عن عائشة, أن النبي كان يطير الحمام.
فنظر اليه هارون الرشيد نظرة شديدة وقال له : أخرج من هنا. وبعد أن خرج ابوالبختري قال هارون : لو لم يكن هذا الرجل من قريش لأمرت بعزله عن مقام القضاء. ومن الواضح أن هذا القاضي الطمّاع والكذاب قد وضع هذا الحديث لتأييد عمل الخليفة وادخال السرور على قلبه ليتقرب منه أكثر . وأما بين الشيعة فلا نجد مثل هذه الأحاديث للتقرب بها الى البلاط لأن الخلافة خرجت من أيديهم سوى مدة قليلة جدا من خلافة أميرالمؤمنين وابنه الحسن , مضافا الى ان الامام علياً واولاده كانوا أعلم وأعلى من أن يأتي الوضاعون ليضعوا الأحاديث في مدحهم عند تصديهم لمقام الخلافة , ورغم ذلك فاننا نرى في عصر الأئمة ظهور بعض الأشخاص المنحرفين والمحبين للجاه والمقام أنهم كانوا يأتون الى الأئمة من أهل البيت ويجلسون في مجالسهم لينقلوا أحاديثهم ورواياتهم ليكتسبوا وجاهة ومنزلة عند الشيعة واتباع أهل البيت , وهذه الطائفة من الرواة عملوا على تحريف اقوال الأئمة بما يحلوا لهم , كما ذكر الكشّي ذلك في كتابه الرجال عن الامام الصادق أنه قال للفيض بن المختار :
((يا فيض ؛ إن الناس أولعوا بالكذب علينا كأن الله افترضه عليهم لا يريد منهم غيره ! وإني أحدث أحدهم بالحديث فلا يخرج من عندي حتى يتأوله على غير تأويله وذلك أنهم لا يطلبون بحديثنا وبحبنا ما عند الله وإنما يطلبون به الدنيا وكل يحب أن يدعى رأسا )).ومن أجل أن نعلم كيف فسر هؤلاء المغرضون أحاديث أهل البيت , نكتفي بذكر رواية عن ابي جعفر الكليني ((المتوفى سنة 328 أو 329 هـ)) في اصول الكافي , باسناده عن محمد بن مارد أنه قال :
((قلت لأبي عبدالله عليه السلام :حديث روي لنا أنك قلت : إذا عرفت فاعمل ما شئت ! فقال: قد قلت ذلك . قال: قلت : وإن زنوا أو سرقوا او شربوا الخمر؟ فقال لي : إنا لله وانا اليه راجعون , والله ما انصفونا أن نكون اخذنا بالعمل ووضع عنهم , إنما قلت : إذا عرفت فاعمل ما شئت من قليل الخير وكثيره فانه يقبل منك. )) ولو تجاوزنا دوافع حب الرئاسة فان اقبح العلل لوضع الحديث الأئمة المعصومين (ع)يتمثل في ((الغلو)) أو ((البغض)) لأهل البيت , كما أورد الشيخ الصدوق في كتابه ((عيون أخبار الرضا)) عن الامام الرضاقوله لابراهيم بن ابي محمود:
((إن مخالفينا وضعوا أخبارا في فضائلنا وجعلوها على ثلاثة أقسام . أحدها الغلو وثانيها التقصير وثالثها التصريح بمثالب أعدائنا فاذا سمع الناس الغلو فينا كفّروا شيعتنا ونسبوهم الى القول بربوبيتنا واذا سمعوا التقصير اعتقدوه فينا واذا سمعوا مثالب أعدائنا بأسمائهم ثلبونا بأسمائنا وقد قال الله عزوجل : ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدوا بغير علم .))
ومن بين هذه الأنواع الثلاثة للروايات التي وضعها المخالفون لأهل البيت كما يقول الامام الرضا فانه ولحسن الحظ قلما نجد روايات ((التقصير)) في المصادر الحديثية , ولكن مع الأسف فان روايات الغلو واللعن المجعولة والمنسوبة الى أهل البيت موجودة بكثرة في مصادر, الحديث ولابد من اتخاذ الحذر في ذكرها وقراءتها على الناس لصيانة الجيل الجديد من التورط في الانحراف في العقيدة.والدافع الآخر لوضع الحديث هو الدافع الديني والاهتمام بتديّن الناس والحرص على ترغيبهم بالدين . ولعل هذا الكلام يستوجب العجب ولكن مع الأسف فان هذا الدافع موجود في صفوف رواة الشيعة والسنة حيث وضعوا أحاديث كثيرة لهذا الغرض. ونقرأ في كتاب أهل السنة , أن رجلا يسمى ((نوح بن مريم المروزي)) المتوفى عام 173هـ , سُئل عن حديث رواه عكرمة عن ابن عباس في ثواب السور القرآنية التي ينقلها نوح بن مريم هذا وأنه عمّن سمعها ومن أين جاء بها؟ فقال نوح بن مريم :
إني رأيت الناس قد اعرضوا عن القرآن واشتغلوا بفقه أبي حنيفة ومغازي ابن اسحاق فوضعت هذا الحديث حسبة (أي لطلب الثواب).
ويقول الشهيد الثاني ((زين الدين العاملي)) : إن الأحاديث التي وردت في تفسير الواحدي الثعلبي والزمخشري في ثواب قراءة السور القرآنية ((جميعها من هذا القبيل والواضع لها قد اعترف بوضعه لهذه الأحاديث)).
واضيف أيضا أنه مع الأسف أن هذه الأحاديث موجودة في تفاسير الشيعة كذلك ومنها ((تفسير التبيان)) للشيخ الطوسي , وتفسير ((مجمع البيان)) للشيخ الطبرسي , وتفسير (روض الجنان وروح الجنان)) للشيخ أبي الفتوح الرازي , حيث يذكر الشهيد الثاني وآخرون أن أحد متصوفة عبادان قد جعل هذه الأحاديث , وتنسب هذه الأحاديث الموضوعة الى الصحابي المشهور ((ابن ابي كعب)) أنه سمعها عن رسول الله.
وقد كان نوح بن مريم وامثاله يضعون هذه الأحاديث في محيط أهل السنة ولكن هناك أحاديث وضعها الكذابون ودسوها في كتب الشيعة لتشويق الناس في احياء السنة كما يتصورون, ومن ذلك ما ورد في حديث في كتاب ((تفسير منهج الصادقين)) للملا فتح الله الكاشاني ((المتوفى عام 977 هـ)) عن رسول الله أنه قال:
((من تمتع مرة كان درجته كدرجة الحسين ومن تمتع مرتين فدرجته كدرجة الحسن ومن تمتع ثلاث مرات كان درجته كدرجة علي بن ابي طالب ومن تمتع أربع مرات فدرجته كدرجتي! ))
فهل هناك أقبح من تشويق الشيعة للمتعة بوضع حديث عن رسول الله في هذا الباب ورسول الله نفسه قال : ((من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار. ))
وقد يعتذر هؤلاء الوضاع لجعلهم الحديث وروايتهم له أن الكثير من العلماء أوردوا هذا الحديث في كتبهم . ولكن الحقيقة كما أوردها الشيعة والسنة عن رسول الهأ والامام الصادق أنهما قالا :
((كفى بالمرء كذبا أن يحدث بكل ما سمع)).
ومن الدوافع الأخرى لوضع الحديث هو التكسب , حيث كان هناك فئات من الناس يسمون بالمرتزقة, وهؤلاء كانوا يضعون الروايات والأحاديث ويكسبون بها أجرا , وعلى سبيل المثال نذكر هذه الواقعة : دخل يوما الى مسجد الرصافة في الكوفة المحدث المشهور أحمد بن حنبل ومعه يحيى بن معين, فشاهدا في المسجد رجلا يحدث الناس ويقول:
((حدثنا أحمد بن حنبل ويحيي بن معين قالا : حدثنا عبدالرزاق عن معمر عن قتادة عن أنس قال : قال رسول الله – صلى الله عليه وآله وسلم : من قال لا إله الا الله خلق الله تعالى من كل كلمة طيرا منقاره من ذهب وريشه من مرجان...! ))
ثم أن ذلك الرجل استمر في كلامه وأخذ يفصّل الحديث في ثواب ذلك العمل, وبعد أن انتهى من كلامه نظر ابن معين واحمد بن حنبل أحدهما الى الآخر وقال احمد ليحيى بن معين : هل نقلت هذا الحديث الى هذا الرجل ؟ فاجابه يحيى بن معين : اقسم بالله انني لم اسمع هذه الحكاية في حياتي سوى في هذا الوقت.
وفي ذلك الوقت اخذ ذلك الرجل أجره من الناس وبقي ينتظر عطاء الآخرين , فأشار له يحيى بن معين فتصور الرجل أنه يريد ان يعطيه مبلغا من المال فجاء اليه, فقال له يحيى بن معين : أنا يحيى بن معين وهذا الشخص هو أحمد بن حنبل ونحن لم نسمع من رسول الله أنه يقول هذا الحديث ولم ننقله اليك فلو كنت مضطرا للكذب فانسبه الى غيرنا . فقال : لقد سمعت أن يحيى بن معين رجل احمق ولكن لم يثبت ذلك لي الى اليوم.
فقال ابن معين: وكيف؟ فقال الرجل : لأنك تتصور أن ليس في الدنيا رجل يسمى بهذا الاسم غيرك وأن لا يوجد في الدنيا أحمد بن حنبل غير هذا الشخص في حين أنني أروي عن سبعة عشر رجلا باسم احمد بن حنبل ويحيى بن معين غيركما .
ويستفاد من الأحاديث القديمة الشيعية أن المرتزقة كانوا موجودين في صفوف الشيعة واتباع الأئمةولذلك ورد في الأحاديث الشريفة عن أهل البيت في أصول الكافي عن الامام الصادق (ع) أنه قال:
((من أراد الحديث لمنفعة الدنيا لم يكن له في الآخرة نصيب. ))
وكذلك أورد الشيخ الكليني في اصول الكافي عن الامام الباقر (ع) أنه قال لأبي ربيع الشامي:
((ويحك يا أبا الربيع لا تطلبن الرئاسة ولا تكن ذنبا ولا تأكل بنا الناس فيفقرك الله ولا تقل فينا ما لا نقول في أنفسنا فإنك موقوف ومسؤول... ))
وذكر المحدث المشهور الحسن بن شعبة ((من علماء القرن الرابع الهجري)) في كتابه ((تحف العقول عن آل الرسول)) عن الامام الصادق (ع) قوله :
((فرقة أبحونا وسمعوا كلامنا ولم يقصدوا عن فعلنا ليستأكلوا الناس بنا فيملأ الله بطونهم نارا)).
ويروي الشيخ أبو عمر والكشي في رجاله عن الامام علي بن الحسين أنه قال لقاسم بن عوف : ((إياك أن تستأكل بنا)).
ولا شك أن هؤلاء المرتزقة قد وضعوا أحاديث كثيرة لجلب نظر الناس ونسبوها الى الأئمة , ومع الأسف نجد أن بعض أهل المنبر يوردون الكثير من هذه الأخبار في باب شهادة الامام الحسين عليه السلام لتأمين معاشهم والارتزاق بذكر مصائب أهل البيت , وكما يقول المحدث المشهور الميرزا حسين النوري ((المتوفى عام 1320 هـ)) في كتابه ((اللؤلؤ والمرجان)):
وتستمر روايات الكافي في استغراق مثل هذه الخرافات والاكاذيب حتى أنها تصرح (في الباب 95 ما عند الائمة من آيات الانبياء عليهم السلام) بأنهم ورثوا عصا موسى وأنها تنطق اذا استنطقت وقد أعدت للقائم (ع) يصنع بها ما كان يصنع موسى وكذلك ألواح موسى وخاتم سليمان وحجر موسى الذي كان يضربه فينبع منه الماء وقميص يوسف الذي كان لابراهيم (ع) عندما القي في النار فلم يصبه اذى ببركة هذا القميص الذي أتى به جبرئيل من الجنة .. الى غير ذلك من الخزعبلات التي أوردها رواة الشيعة الكذابون لاخفاء هالة موهومة من عنصر الغيب على الائمة (ع) والحال أن كل عاقل يفهم أن عصا موسى أو قميص يوسف وخاتم سليمان وامثالها لم تكن تحوي عناصر القوة والاعجاز لدى الانبياء بل إن الله أجرى المعجزة للانبياء بواسطتها حيث يقول تعالى : ((قلنا يا نار كوني بردا وسلاما على ابراهيم)) الانبياء : 69.
وليس لقميص ابراهيم دخل في حمايته من النار . وهكذا الحال في عصا موسى وخاتم سليمان ولكن القصاصين والدجالين أبوا ألا أن ينسجوا حول هذه الادوات والملابس قصصا وأساطير ليوحوا الى أوليائهم أن الائمة يتمتعون بعلوم غريبة وقدرات خارقة لا تتيسر لأحد من البشر!!
خامساً: أما الرواية الثانية وكذلك روايات هذا الباب (الباب 98 وفيه 8 روايات) الذي يتضمن ذكر الجفر والجامعة ومصحف فاطمة (ع) فانها تدل بوضوح تام على عدم انحصار الوحي بالنبي الاكرم (ص) وتتناقض مع خاتمية الرسالة حيث نقرأ فيها أن جبرئيل كان يحدث فاطمة بعد وفاة النبي (ص) وكان الامام علي (ع) يملي احاديث جبرئيل هذه , أو أن الائمة محدثون بواسطة الملائكة في حين أن الامام علي نفسه يقول في نهج البلاغة وهي ينعى رسول الله (( لقد انقطع بموتك ما لم ينقطع بموت غيرك من النبوة والانباء وأخبار السماء)) فان لم يكن مصحف فاطمة يتناول أخبار السماء والغيب بل أحكام الشريعة والدين – كما رجحه بعض الفقهاء والاعلام – فكان الاجدر بفاطمة أن تأخذها من أبيها في حال حياته وحينئذ فلا معنى لنزول جبرئيل عليها بعد وفاء ابيها ليملي عليها كتابا أكبر من القرآن بثلاث مرات ...
ثم ما معنى أن لا يكون في هذا المصحف ولا كلمة من كلمات القرآن كما تقول الرواية ؟ الا يوجد فيه ذكر لكلمة : الله . العدل . الظلم , السماء, الماء, الخير , الشر وامثال ذلك من الكلمات الموجودة كلها في القرآن الكريم؟!
والمشكلة الاخرى التي تواجه هذه الرواية هي أنها تقرر أن علوم الائمة مقتبسة من هذه الكتب , بل نقرأ في كتاب المواريث (فروع الكافي , ج 7 , ص 3) أن زرارة يسأل الامام الباقر (ع) عن سهم الارث للجد , فيطلب منه الامام أن يمهله الى غد ليقرأ هذا الحكم الشرعي من كتاب له : ((قال (ع): اذا كان غدا فالقني حتى اقرئك في كتاب قلت : أصلحك الله , حدثني فان حديثك أحب اليّ من أن تقرئينه في كتاب فقال لي الثانية : اسمع ما أقول لك , اذا كان غدا فالقني حتى اقرأه في كتاب)).
فهنا نرى أن الامام الباقر (ع) يصر على أن يقرأ الحكم الشرعي في كتاب له , وهذا المعنى يتعارض مع ما ذكره الكليني من روايات عديدة في الكافي من أن الائمة محدثون ملهمون وأن علمهم لدنّي يأخذونه كل ليلة جمعة من العرش أو من الهام الملائكة كما مر علينا في الروايات آنفاً!!
ثم إن الرواية تقول إن الامام مضافا الى ما لديه من الجعفر ومصحف فاطمة وما ورثه من علوم الانبياء والوصيين , أنه يعلم بما كان وما يكون الى يوم القيامة!! وهذا هو علم الغيب الذي استأثر به الله تعالى لنفسه ونفاه أهل البيت (ع) عن انفسهم في روايات عديدة يرويها الكليني نفسه في كتابه الكافي (ج1) في باب (نادر فيه ذكر الغيب) حيث ينتقل في الحديث (3) عن سدير أنه قال : ((كنت أنا وأبو بصير ويحيى البزاز وداود بن كثير في مجلس أبي عبدالله (ع) اذا خرج الينا وهو مغضب فلما أخذ مجلسه قال : يا عجبا لأقوام يزعمون أنا نعلم الغيب . ما يعلم الغيب الا الله عزوجل لقد هممت بضرب جاريتي فلانة , فهربت مني فما علمت في أي بيوت الدار هي؟..))
فكيف يعقل أن يعلم الامام بما كان وما يكون الى يوم القيامة ولا يعلم مكان الجارية في الدار؟ بل إن الراوي للرواية محل البحث يكذب نفسه بنفسه , فعندما يسأل الامام : هل هاهنا أحد يسمع كلامي؟ فيقوم الامام برفع الستار بينه وبين الغرفة المجاورة ليرى هل هناك شخص آخر يسمع كلامهما: ((فرفع أبوعبدالله سترا بينه وبين بيت آخر فاطلع فيه ثم قال : سل.. )) وتستمر الرواية هذه لتقول : إن الامام يعلم ما يحدث بالليل والنهار الأمر بعد الأمر والشيء بعد الشيء الى يوم القيامة!! فكيف يحيط الشخص بكل هذا العلم الواسع وهو لا يعلم ماذا وراء الستر الى جانبه؟!.
ثم هل أن وصل علم الأئمة الى مراتب عظيمة بحيث فاق علم رسول الله (ص) الذي يقول عنه القرآن الكريم: ((وما ادري ما يفعل بي ولا بكم)) ((و لو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير)) ((ما كنت تدري ما الكتاب ولا الايمان))
وهكذا نرى أن أكثر الشيعة إنما نسبوا أنفسهم للتشيع بدوافع شخصية وأهواء نفسية فكانوا يطرحون تصوراتهم وعقائدهم من خلال ما ينسبونه الى أهل البيت (ع) من أحاديث موضوعة وروايات محرفة , ولو ألقينا نظرة على كتب الرجال وطالعنا سيرة الرواة وأصحاب الائمة لرأينا العجب العجاب من كثرة الدجالين والغلاة وأهل البدع وأصحاب المطامع الذين اتخذوا من صحبة الائمة ستارا وقناعا يسترون به مطامعهم ونواياهم وبذلك تمكنوا من توجيه ضربات مدمرة للدين والمذهب هذه الطريقة .
والأنكى من ذلك أن علماء الشيعة , الذين عرفوا هؤلاء الرواة والدجالين من خلال تحقيقات أصحاب الرجال والمؤرخين وطعنوا في رواياتهم وكتبهم , لا يمتنعون من نقل هذه الروايات بأسناد هؤلاء الكذابين والوضاعي
يروي الشيخ الصدوق في كتابه ((علل الشرائع)) عن عليّ بن أحمد عن محمد بن أبي عبدالله عن محمد بن أحمد العلوي , عن علي بن الحسين العلوي , عن علي بن جعفر , عن أخيه موسى بن جعفر (ع) قال : ((إن المسوخ ثلاثة عشر : الفيل , والدبّ , والارنب , والعقرب , والضبّ, والعنكبوت , والدّعموص, والجرّي, والوطواط , والقرد , والخنزير , والزهرة , وسهيل , فسئل: يا ابن رسول الله (ص) ما كان سبب مسخ هؤلاء : فقال : أما الفيل فكان رجلا جبارا لوطيا لا يدع رطبا ولا يابسا , وأما الدب فكان رجلا مؤتيا يدعو الرجال الى نفسه , وأما الارنب فكانت امرأة قذرة لا تغتسل من حيض ولا جنابة ولا غير ذلك , وأما العقرب فكان رجلا همازاً لا يسلم منه أحد , وأما الضبّ فكان رجلا أعرابيا يسرق الحاج بمحجته , وأما العنكوبت فكانت إمرأة سحرت زوجها , وأما الدّعموص فكان رجلا نماما يقطع بين الأحبّة. وأما الجرّي فكان رجلا ديّوثاً يجلب الرجال على حلائله, وأما الوطواط فكان رجلاً سارقاً يسرق الرطب على رؤوس النّخل . وأما القردة فاليهود اعتدوا في السبت . وأما الخنازير فالنصارى حين سألوا المائدة فكانوا بعد نزولها أشدّ ما كانوا تكذيبا. وأما سهيل فكان رجلاً عشارا باليمن . وأما الزهرة فأنها كانت امرأة تسمى ناهيد وهي التي يقول الناس : افتتن بها هاروت وماروت))
ولا ندري ما ننقد من هذا الحديث الخرافي والمخزي ولكننا نترك الحكم الى القاريء الكريم ليحكم بنفسه على عقول أساطين المذهب الذين يوردون مثل هذه الروايات السخيفة وينسبونها الى الأئمة المعصومين (ع)!! فماذا نقول للعالَم والشباب المثقف اذا رأى أو سمع أن إمامه المعصوم يقول بأن هذه الحيوانات كانت رجال ونساء يرتكبون الذنب , أو يسمع بأن كوكب سهيل كان رجلاً يمشي على الارض , أو أن كوكب الزهرة كان امرأة جميلة أفتتن بها هاروت وماروت؟! أو أن الخنازير هم نصارى في الأصل كذبوا بالمائدة التي أنزلها الله على عيسى (ع) والجميع يعلم بأن النصارى وخاصة الحواريين لم يكذبوا هذه المعجزة لحدّ الآن فكيف يستحقون هذا العذاب ولماذا نراهم لحد الآن بشرا متمدنين لم ينقلبوا الى خنازير؟
أقول : اذا سمع الشباب المثقف والشيعي خاصة مثل هذه الخرافات منسوبة الى إمامه المعصوم هل سيبقى على عقيدته بالامام؟ واذا جزم باختلاق هذه الاحاديث كما هو الصحيح – ألا يتساءل عن السبب الذي دعا علماء الشيعة كالصدوق والمجلسي والحر العاملي الى ذكرها في كتبهم؟ هل كانوا الى هذه الدرجة من السذاجة والجهل بحيث لم يدركوا زيف هذه الاحاديث واحتملوا أن امامهم يقول مثل هذا الكلام؟
منقول من كتاب تهذيب أحاديث الشيعة
تأليف وترجمة : أحمد القبانجي
تعليق