طغاة العصر يسيرون على خطى أسلافهم في نقض العهود


شبكة تابناك الأخبارية - جميل ظاهري:
يوثق التأريخ الاسلامي وبقلم كبار رواته وعلمائه ومفكريه ومؤرخيه الثقاة أن الامام الحسن بن علي بن أبي طالب عليهم السلام وهو ثاني أئمة الورى وأنوار الهداية واعلام الهدى الذين اصطفاهم الله سبحانه وتعالى على سائر البشر وفرض طاعتهم ومحبتهم في كتابه المجيد كعنصر أساس في ديانة واعتقاد وتقوى كل مسلم ومسلمة ، قد عانى الكثير خلال فترة حياته وتوليه زمام أمور المسلمين من بعد أبيه الامام علي أمير المؤمنين (ع).
فالمظلومية التي عاناها أول السبطين ، وسيد شباب أهل الجنَة ، وريحانة رسول الله (صلى الله عليه وآله) ، ورابع أصحاب الكساء (عليهم السلام)، لم ولن تختصر بما عانى من طغاة عصره وزمانه وفي مقدمتهم "معاوية بن أبي سفيان" رائد مسيرة الانحراف والتزوير والنفاق في الدين الاسلامي الحنيف ومؤسسها بل وحتى من غالبية مسلمي زمانه الذين كانوا قد انقسموا الى عدة فرق وفئات غالبيتها منحرفة ومهرولة وراء الاعلام الأموي النفاقي وهم "الحزب الأموي" و"الخوارج" و"الشكاكون" و"الحمـــــراء" الى جانب القليل من المسلمين الشيعة المخلصين وهو الأمر الذي دفع بالامام أبي محمد المجتبى(ع) للموافقة على الصلح مع "معاوية" وتحمله لما حدث من بعد ذلك.
فالحديث هنا وبهذا المكان الضيق والوقت المقتضب أمر شاق خاصة ان كان هذا الحديث عن الامام أبي محمد الحسن المجتبى (ع) ، وهو الحديث عن سر الروح في آفاقها الواسعة الصافية النقية المنفتحة على الله عزوجل ، وعمق الانسانية المتحركة بالخير والحق والعدل كله.. ومعنى الحكمة في مواجهة حركة الواقع في سلبياته وايجابياته، وشمولية العطاء في رعاية المحرومين من حوله، وسموّ الأخلاق الّتي تحتضن كل مشاعر الناس بكل اللهفة الحانية في مشاعرها، وتتحرك في مواقع العصمة في سلوكه في نفسه ومع ربه ومع الناس والحياة.
تلك المرحلة المريرة التي مر بها الامام الحسن بن علي أمير المؤمنين عليهما السلام تنعكس اليوم في واقع العالم الاسلامي والعربي وما يعانيه المسلمون من حكامهم الطغاة خاصة في دول الشرق الأوسط وما يعيشه اليوم المواطن البحريني واليمني والاردني والمصري والليبي هو صورة اخرى مما عاشه المسلمون الحقيقيون في ذلك الزمان من نقض للعهود والمواثيق التي يقطعها الحكام الطغاة على أنفسهم والقبضة الحديدية التي يديرون بها دفة حكمهم ووسائل التزوير والتحريف في اعلامهم السلطوي مما يضلل على الرأي العام ويكتم عنه الحقائق والوقائع التي تنم عن الرغبة الملحة للسلطويين في مواصلة حياتهم في مساندهم مهما كلف ذلك شعوبهم حتى بازهاق أرواحهم أو حرمانهم الحياة السليمة والحرية والتعبير عن الرأي .
فقد وجد "معاوية بن أبي سفيان" فرصة ثمينة في توجيه الاختراق الذي حصل بعد رحيل رسول الله صلى الله عليه وآله مباشرة ، مما سنح له استثمار الأحداث لصالحه وأعدّ لنفسه جيشاً وسلطاناً بعيداً عن مركز الدولة الاسلامية، وتمرن جيداً على المناورة السياسية واكمل ما يعرفه من الحيل والنفاق بعلوم معلمه ومستشاره الوثيق "عمرو بن العاص"، واعتمد على كل الأساليب غير الشرعية من أجل تمويه وعي الأفراد المنخرطين في جيشه جيش الشام .. في وقت تولى فيه الامام الحسن (ع) أمة عصفت بها الأحداث والفتن، وبدأت تختلف على الفتن وتلتقي أحياناً على المبررات المموهة بأحابيل وحيل سلطة الشام، وهكذا تداعت الأحداث بشكل عجيب بحيث أوصلت معاوية على رأس سلطة تستحوذ على كل موازين القوة، بينما جاء الإمام الحسن (ع) ليجد نفسه أمام مرحلة طويلة من الاعداد، وترميم مواقع سياسية وعسكريّة وحتى اقتصاديّة واجتماعية مرتبكة.
وما تعيشه اليوم شعوب دول مثل البحرين ومصر واليمن وليبيا والاردن والسعودية واخواتها لن يختلف كثيراً عما كان يعيشه العراقيون وأهل الشام في ذلك العهد المرير من تحايل وتزوير وتحريف غسيل للأدمغة وفتاوى سلطوية وأحاديث مفتعلة بغية عودة العرب الى الجاهلية قبل الاسلام والقبض على الحكم على أسس قبلية وعصبية عائلية بعيدة عما جاء به الاسلام وأوصى به الله سبحانه وتعالى وعلى لسان خاتم رسله وأنبيائه محمد المصطفى (ص) في الحكم بالعدل والقسط والحرية والاحترام بين مختلف فئات الشعب متجاهلين قول الله تعالى "أَلاَّ تَطْغَوْا فِي الْمِيزَانِ ، وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلا تُخْسِرُوا الْمِيزَانَ " الرحمن الآية 8و9.
فما تنادي به الشعوب العربية اليوم في ربيع ثوراتها هو في الحقيقة ما أكده الدين الاسلامي الحنيف وهو اقرار حكم الشورى على اساس آراء الشعوب وانتخاباتهم الحرة النزيهة وتمكين الأصلح من الوصول الى مسند الحكم والوصاية على مقاليد الأمور والأخذ بزمام المبادرة والقيادة في ذلك البلد بعيداً عن الموروثية والانقلابات العسكرية والسطوة بقوة التزوير والتحريف بدعم أجنبي دون المبالاة لما حل ودار على أسلافهم من الطغاة خاصة معلمهم وملهمهم الكبير "معاوية" عندما يخاطبه الشاعر السوري الشهير الدكتور محمد مجذوب بقصيدته المعروفة قائلا:
أين القصور أبا يزيد ولهوهــــــــــا والصافنات وزهوها والســــــــؤددُ
اين الدهاء نحرت عزته علـــــــــى أعتاب دنيا زهوهـــا لا ينفـــــــــدُ
آثرت فانيها على الـــــحق الـــــذي هو لو علمت على الزمـــــان مخلدُ
تلك البهارج قد مضت لسبيلهـــــــا وبقيت وحدك عبرة تتجــــــــــــددُ
هذا ضريحك لو بصرت ببؤســــه لا سـال مدمعك المصير الأســـــودُ
كتل من الترب المهين بخــــــــربةٍٍ سـكر الذباب بها فــــراح يعــــربدُ
خفيت معالمها على زوارهــــــــــا فـكأنها في مجهــل لا يقصـــــــــــدُ
اين الدهاء نحرت عزته علـــــــــى أعتاب دنيا زهوهـــا لا ينفـــــــــدُ
آثرت فانيها على الـــــحق الـــــذي هو لو علمت على الزمـــــان مخلدُ
تلك البهارج قد مضت لسبيلهـــــــا وبقيت وحدك عبرة تتجــــــــــــددُ
هذا ضريحك لو بصرت ببؤســــه لا سـال مدمعك المصير الأســـــودُ
كتل من الترب المهين بخــــــــربةٍٍ سـكر الذباب بها فــــراح يعــــربدُ
خفيت معالمها على زوارهــــــــــا فـكأنها في مجهــل لا يقصـــــــــــدُ
فالشعارات التي ترفعها المعارضة اليوم في البحرين واليمن وليبيا والسعودية و.. ليست بعيدة عما ذكرناه اعلاه بل هي في صلب الحدث والمطالب المشروعة لتعيد للشعوب عزتها وكرامتها ومكانتها المرموقة بين سائر الشعوب الاخرى بناءاً على قوانين ومقررات الدين الاسلامي الحنيف بعيداً عن الوصاية الرضوخ والركون للضغوط الخارجية التي لا تسعى سوى الى تأمين مصالحها ومنافعها القومية ولا تأبه بما يدور في أوطاننا من حرمان واجرام ونزيف دم وهتك للأعراض والنواميس وزج حشود الأحرار في المعتقلات المخوفة وتعرضهم لآبشع أنواع التعذيب ومنعهم من أبسط الحقوق الانسانية.
ان تنصل الحكام في البلدان المذكورة أعلاه من العهود والمواثيق التي يقطعونها على عاتقهم لشعوبهم يعيد للذاكرة تنصل "معاوية" من تنفيذ بنود الصلح مع الامام الحسن (ع) في وقت لا يزال كان الحبر الذي كتب به لم يجف بعد ، كما انه يؤكد لنا أن حكام الجور والزور هؤلاء نعم المتعلمين من أسلافهم الطغاة المنافقين المنحرفين فسرعان ما ينكثوا ما اقروه علانية أمام الجميع حتى ولو اقسموا بالله سبحانه وتعالى ودون مبالاة لذاكرة الشعوب وكما تقول الآية الشريفة " وَالَّذِينَ يَنقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِن بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ أُوْلَئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ" الرعد – الآية 25.
تعليق