مالحاجة للفقيه ؟
هناك قرأن و هناك روايات خذ منها ما تشاء و أعمل بها و العقائد لا أقلد بها
فمالحاجة للفقيه أو المرجع ؟
من يقول بهذا الكلام كمن يقول بأنه سيقرأ كتاب للطب ثم سيجري عملية جراحية
فهل يأمن على نفسه و أن يهلك من تحت يديه بهذه العملية
طبعاً لن يقدر أي طبيب أن يجرى أي عملية جراحية لو قرأ كتاب أو كتابين أو حتى ألف
فيجب أن يكون متخصصاً ملماً بكل جوانب الطب حتى يقدر أن يجرى عملية جراحية بأمان
وإلا فسيهلك غيره
نفس الشئ بالنسبة للفقيه من يقرأ القرأن أو يقرأ في كتاب الأحاديث لا يقدر أن يقوم بالفتوى
لأنه غير محيط بكل جوانب الفقه
مثله كمثل الطبيب الذي يريد أن يقوم بعملية جراحية
فهذا هو سبب الحاجة للفقيه
كما أننا لا نأخذ مباشرة من القرأن و الأحاديث لأسباب أخرى منها :
1- أختلاف عقولنا في فهم النص الديني :
وهذا بان لنا من حال أهل السنة و الجماعة فهم ليس لديهم معصوم يشرح لهم الأحاديث مما أدي لوقوعهم بمشاكل جمة كحديث خلق الله ادم على صورته و حديث ينزل الله للسماء الدنيا و حديث لعن الله النامصة و المتنمصة
وغيرها من أحاديث فهموها خطأ مما أدى لوقوعهم في مشاكل عقائدية و عملية عديدة
2- عدم أستقراء النصوص كلها :
أي أن من سيفتي على حسب الحديث يجب أن يلم بكل الأحاديث ليعرف هل الحديث هذا خاص أو عام
فمثلاً المعصوم يقول هنا يجوز و يقول في موضع اخر لا يجوز
فمن غير ملم بكل النصوص ليعرف ماهو الحكم و ما هو الحكم العام
فمثلاً المخالفين حرموا المتعة لأن عندهم حديث يقول حرمت المتعة في خيبر
فوقوا في تخبط كبير أما عندنا فنعرف أن هذا حكم خاص بالحروب فقد قال الأمام علي -صلوات الله عليه- لأصحابه في المعارك : أعزبوا عن النساء ما أستطعتم
فالتحريم في خيبر مختص بهذا الموضع و ليس حرام بشكل عام
وغيرها من أمثلة يقول المعصوم بها هنا حرام و يقول هناك حلال
3- ظروف الراوي :
فمثلاً الراوي قد يكون من مكان اخر غير ملم بظروف العرب و غيرهم فقد يدخل العامل الشخصي في كلامه
4- الدس و التزوير :
كذب الراوي وهذه المشكلة لم يهتم بها المخالفين فوثقوا كل من نسب فضائل أهل البيت -صلوات الله عليهم- إلى غيرهم ووثقوا من كذب على رسول الله -صلى الله عليه واله وسلم-
فيجب على الفقيه أن يكون ملماً بالكذاب و الصادق في الحديث الشريف
5- التقية :
فهنا يقول المعصوم يجوز و هنا يقول لا يجوز
فلا نريد أن نشرح الأسباب التاريخية التى جعلت الأئمة يستخدمون التقية
ولكن يجب أن تكون ملماً بظروف الرواية و إلا قد يختلط الموضوع عليك
كما قال الأمام الكاظم -صلوات الله عليه- لعلي بن يقطين في رواية صحيحة أغسل قدميك بدل غسلهم
وكان ذلك لظروف التقية لأنهم شكوا فيه بأنه شيعي
أو مثلاً هذا الظرف :
قال الصادق (ع) : بلغني أنك تقعد في الجامع فتفتي الناس ، قلت : نعم ، وقد أردت أن أسألك عن ذلك قبل أن أخرج . إني أقعد في الجامع فيجيء الرجل فيسألني عن الشيء ، فإذا عرفته بالخلاف لكم أخبرته بما يقولون ، ويجيء الرجل أعرفه بحبكم أو بمودتكم ، فأخبره بما جاء عنكم ، ويجيء الرجل لا أعرفه ولا أدري من هو فأقول : جاء عن فلان كذا ، وجاء عن فلان كذا ، فأُدخل قولكم فيما بين ذلك ، فقال لي : اصنع كذا ، فإني أصنع كذا .
فتخيل لو رويت حديث عن هذا الثقة
فسنقول فلان الثقة روى كذا و كذا و يأخذ بالحكم
إن لم يكن يعلم بأنه تقية
6- تكليم الناس على حسب عقولهم :
الكل يعرف بأن الأمام يحدث الناس على قدر عقولهم و الحديث يقول : إنا معاشر الأنبياء أمرنا أن نكلم الناس على قدر عقولهم
فجاء في توحيد الصدوق أن أحداً سأل الأمام الصادق -صلوات الله عليه- : مالتوحيد فأجاب : هو ما عليه الناس
وفي حديث اخر مع هشام بن سالم تجده يفصل فيقول له أتنعت ربك فقال هشام نعم هو السميع البصير فقال الصادق -ص- هذه صفة يشترك بها مع المخلوقين فقال ما أقول ؟ فقال الأمام -ص- : تقول هو نور لا ظلمة فيه و حياة لا موت فيه و علم لا جهل فيه و حق لا باطل فيه
من الواضح أنه لا مجال للقياس بين الحديث الأول و الثاني
وكثير من الأحاديث التى يفصل الأمام بها التوحيد
فيجب أن تكون ملماً بحال السائل أو الراوى و إلا قد تضل و تأتي بحكم غير كامل
كما في الرواية الأولى
7- الزمان و المكان
بعض الأحكام مختصة بوقت معين و بعضها شامل لكل وقت
ومنها هذا المثال في نهج البلاغة :
أنهم قالوا للأمام علي -صلوات الله عليه- هلا غيرت الشيب -أو خضبت- فقد قال النبي ( صلى الله عليه وسلم ) : غيروا الشيب ولا تشبهوا باليهود ، فقال كرم الله وجهه : إنما قال ( صلى الله عليه وسلم ) ذلك والدين قل ، فأما الآن وقد اتسع نطاقه ، وضرب بجرانه ، فأمره وما اختار . انتهى .
8- الرواية بالمعني أو التصرف بالنص :
فبعض النصوص نقلت بالمعني مما يؤدي إلى عدم معرفة القرائن أو الأحاطة بالحديث من كل جوانبه
فالمعصوم رخص للناس الرواية بالمعني لقوله لمن سأله عن ذلك : لا بأس
فكل هذه العوامل توضح لنا الحاجة لفقيه عالم داري بكل هذه الظروف و القرائن
حتى يقدر أن يستخلص المعني المراد من النص ...
فلا يقدر الأنسان العادي على الأستنباط و الفتوى دون هذه العوامل
ونختم بحديث الأمام الصادق -صلوات الله عليه- في معني الأخبار :
لا تحلّ الفتيا لمن لا يستفتي من الله عزّ وجلّ بصفاء سرّه وإخلاص عمله وعلانيته ، وبرهان من ربه في كل حال ، لأنّ مَن أفتى فقد حكم ، والحكم لا يصحّ إلا بإذن من الله وبرهانه ، ومَن حكم بالخبر بلا معاينة فهو جاهلٌ مأخوذٌ بجهله مأثومٌ بحكمه ، قال النبي (ص) : أجرؤكم بالفتيا أجرؤكم على الله عزّ وجلّ ، أَوَ لا يعلم المفتي أنه هو الذي يدخل بين الله تعالى وبين عباده ، وهو الحاجز بين
وقال النبي -صلى الله عليه واله وسلم- في مصباح الشريعة :
الجنة والنا إنّ الله لا يقبض العلم انتزاعا ينزعه بين الناس ، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء ، وإذا لم يبق عالمٌ اتخذ الناس رؤساء جهّالا فسألوهم فقالوا بغير علم ، فضلّوا وأضلّوا .
نكمل لاحقاً مع كيفية عمل الفقيه أو المرجع ...
فإن علمت صحت ما يقوم به الطبيب في العملية قد تطمئن إلى كونه أهلاً لأجراء العمليات الجراحية وإن لم تكن ملماً بكل جوانب الطب
اللهم صلى على محمد وال محمد
تعليق