-أبو بكر خائف على نفسه، راج النجاة للنصراني: وقد ظهر الخلل في أجوبة أبي بكر حين استدرجه الجاثليق للإقرار بأنه خائف على نفسه من الهلاك، كما أنه يرجو النجاة للنصراني فتساوى مع النصراني في كونهما لا يعلمان مصيرهما..
28-عمر يهدد الجاثليق بإباحة دمه:
وقد وجدنا عمر يهدد الجاثليق بإباحة دمه، لمجرد أنه أخذ اعترافاً من أبي بكر بأنه لا يملك علماً خاصاً به، كما يملك علي «عليه السلام».. ولعل سبب ذلك هو إدراكه خطورة هذا الإقرار، لأنه عرف أن النتيجة ستكون هي أن من لا يملك علم الإمامة فهو متغلب وغاصب..
29-مبادرة علي
:
وقد بادر علي «عليه السلام» ذلك النصراني (الجاثليق)، بقوله له: إنه سيخبره عن ما يسأله عنه مما كان وما يكون، لا من عند نفسه، ولا مما يتيسر له الحصول عليه.. بل من العلم الذي اختصه به محمد «صلى الله عليه وآله»، وهو النبي المعصوم، الذي {مَا يَنْطِقُ عَنِ الهَوَى، إِنْ هُوَ إِلاَ وَحْيٌ يُوحَى}..
وهذا يتضمن تعريضاً بعلوم غيره، وبأن مصادرها ليست مضمونة، لأنها ليست معصومة، ولا تنتهي إلى الله تعالى عالم الغيب والشهادة.
30-8 ـ أسئلة ملك الروم:
وسأل رسول ملك الروم أبا بكر، عن رجل لا يرجو الجنة ولا يخاف النار، ولا يخاف الله، ولا يركع، ولا يسجد، ويأكل الميتة والدم، ويشهد بما لا يرى، ويحب الفتنة ويبغض الحق.
فلم يجبه.
فقال عمر: ازددت كفراً إلى كفرك.
فأخبر بذلك علي «عليه السلام» فقال: هذا رجل من أولياء الله، لا يرجو الجنة، ولا يخاف النار، ولكن يخاف الله.
ولا يخاف الله من ظلمه، وإنما يخاف من عدله.
ولا يركع ولا يسجد في صلاة الجنازة.
ويأكل الجراد والسمك، ويأكل الكبد.
ويحب المال والولد {أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلاَدُكُمْ فِتْنَةٌ}([27]).
ويشهد بالجنة والنار، وهو لم يرها.
ويكره الموت وهو حق([28]).
31-9 ـ وفي مقال([29]): لي ما ليس لله، فلي صاحبة وولد.
ومعي ما ليس مع الله، معي ظلم وجور.
ومعي ما لم يخلق الله، فأنا حامل القرآن وهو غير مفترى.
وأعلم ما لم يعلم الله وهو قول النصارى:«إن عيسى ابن الله»([30]).
وصدّق النصارى واليهود في قولهم: {وَقَالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصَارَى عَلَى شَيْءٍ}([31]) الآية..
وكذّب الأنبياء والمرسلين، كذب إخوة يوسف، حيث قالوا: أكله الذئب، وهم أنبياء الله، ومرسلون إلى الصحراء.
وأنا أحمد النبي، أحمده وأشكره.
وأنا علي، علي في قومي.
وأنا ربكم، أرفع وأضع: رب كمي، أرفعه وأضعه([32]).
ونقول:
1 ـ من قوله: وفي مقال: لي ما ليس لله.. إلى آخر الرواية، إنما هي إجابات على أسئلة لم ترد في رسالة رسول ملك الروم المذكورة آنفاً، فلعلها قد سقطت من النص سهواً، أو لعلهما قصتان وسقط الشطر الأول من الثانية، واتصل ما تبقى منها بآخر القصة الأولى. وهذا هو الظاهر..
2 ـ إن كلام عمر مع ذلك الرجل لم يأت في محله. وقد كان ينبغي أن يرجع في هذه الأسئلة إلى العلماء بها. وقد ظهر أن لها معان وأجوبة صحيحة وبليغة، وأن من يطرحها لا يزداد كفراً.. فلماذا هذه المبادرة من عمر التي قد تترك أثراً سلبياً على مكانته لدى أهل المعرفة؟!..
3 ـلقد نسبت الرواية الكذب إلى أنبياء الله، وهم إخوة يوسف «عليه السلام»، وهذا غير مقبول..
فأولاً: روي عن نشيط بن ناصح البجلي قال: قلت لأبي عبد الله «عليه السلام» أكان إخوة يوسف أنبياء؟!
قال: لا، ولا بررة أتقياء. وكيف؟! وهم يقولون لأبيهم: {تَاللهِ إِنَّكَ لَفِي ضَلاَلِكَ الْقَدِيمِ}([33])»([34]).
ثانياً: قد أثبتت الأدلة العقلية عصمة الأنبياء عن الذنوب: صغائرها وكبائرها، فكيف نسب الكذب ـ وهو من الكبائر ـ إلى أنبياء مرسلين؟!
ثالثاً: إن هذه الرواية، وكذلك الروايات الأخرى التي تقول: إنهم كانوا أنبياء، كلها روايات ضعيفة، وشطر منها مروي بطرق غير شيعة أهل البيت «عليهم السلام».
4 ـلقد نهى أئمتنا «عليهم السلام» شيعتهم عن الحديث عن كون القرآن مخلوقاً([35]).
نعم ورد الترخيص بوصفه: بأنه محدث([36]). وفق ما ورد في القرآن الكريم: {مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ إِلَّا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ}([37]).
5 ـ ما ذكرته الرواية: من أننا نعلم ما لم يعلمه الله، وهو قول النصارى الخ.. لا يستقيم، فإن الله يعلم بأنهم قالوا ذلك، ونحن نعلم ذلك أيضاً.
إلا أن يكون المقصود: أن الله لا يعلم بالولد له، لأنه غير موجود، فهو من قبيل القضية السالبة بانتفاء موضوعها([38]).
32-10 ـ الجواب على أسئلة نصرانيين:
وسأل نصرانيان أبا بكر: ما الفرق بين الحب والبغض ومعدنهما واحد؟! وما الفرق بين الرؤيا الصادقة والرؤيا الكاذبة ومعدنهما واحد؟!
فأشار إلى عمر، فلما سألاه أشار إلى علي «عليه السلام»، فلما سألاه عن الحب والبغض قال:
إن الله تعالى خلق الأرواح قبل الأجساد بألفي عام، فأسكنها الهواء، فما تعارف هناك اعترف (ائتلف) ههنا، وما تناكر هناك اختلف ههنا.
ثم سألاه عن الحفظ والنسيان.
فقال:إن الله تعالى خلق ابن آدم وجعل لقلبه غاشية، فمهما مر بالقلب والغاشية منفتحة حَفِظ وحَصَا، ومهما مرَّ بالقلب والغاشية منطبقة لم يحفظ ولم يحص.
ثم سألاه عن الرؤيا الصادقة، والرؤيا الكاذبة.
فقال «عليه السلام»:إن الله تعالى خلق الروح، وجعل لها سلطاناً، فسلطانها النفس، فإذا نام العبد خرج الروح وبقي سلطانه، فيمر به جيل من الملائكة وجيل من الجن، فمهما كان من الرؤيا الصادقة فمن الملائكة، ومهما كان من الرؤيا الكاذبة فمن الجن.
فأسلما على يديه، وقتلا معه يوم صفين([39]).
33-11 ـ صفة الوصي في التوراة:
روي مسنداً عن عبد الرحمن بن أسود، عن جعفر بن محمد، عن أبيه «عليهما السلام» قال: كان لرسول الله «صلى الله عليه وآله» صديقان يهوديان، قد آمنا بموسى رسول الله، وأتيا محمداً «صلى الله عليه وآله» وسمعا منه، وقد كانا قرءا التوراة، وصحف إبراهيم «عليه السلام»، وعلما علم الكتب الأولى.
فلما قبض الله تبارك وتعالى رسوله «صلى الله عليه وآله» أقبلا يسألان عن صاحب الأمر بعده، وقالا: إنه لم يمت نبي قط إلا وله خليفة يقوم بالأمر في أمته من بعده، قريب القرابة إليه من أهل بيته، عظيم القدر، جليل الشأن.
فقال أحدهما لصاحبه: هل تعرف صاحب الأمر من بعد هذا النبي؟!
قال الآخر: لا أعلمه إلا بالصفة التي أجدها في التوراة. هو الأصلع المصفر، فإنه كان أقرب القوم من رسول الله «صلى الله عليه وآله».
فلما دخلا المدينة وسألا عن الخليفة أرشدا إلى أبي بكر، فلما نظرا إليه قالا: ليس هذا صاحبنا.
ثم قالا له: ما قرابتك من رسول الله «صلى الله عليه وآله»؟!
قال: إني رجل من عشيرته، وهو زوج ابنتي عائشة.
قالا: هل غير هذا؟!
قال: لا.
قالا: ليست هذه بقرابة، فأخبرنا أين ربك؟!
قال: فوق سبع سماوات!
قالا: هل غير هذا؟
قالا: لا.
قالا: دلنا على من هو أعلم منك، فإنك أنت لست بالرجل الذي نجد في التوراة أنه وصي هذا النبي وخليفته.
قال: فتغيظ من قولهما، وهمَّ بهما، ثم أرشدهما إلى عمر، وذلك أنه عرف من عمر أنهما إن استقبلاه بشيء بطش بهما.
فلما أتياه قالا: ما قرابتك من هذا النبي؟!
قال: أنا من عشيرته، وهو زوج ابنتي حفصة.
قالا: هل غير هذا؟!
قال: لا.
قالا: ليست هذه بقرابة، وليست هذه الصفة التي نجدها في التوراة، ثم قالا له: فأين ربك؟!
قال: فوق سبع سماوات!
قالا: هل غير هذا؟!
قال: لا.
قالا: دلنا على من هو أعلم منك.
فأرشدهما إلى علي «عليه السلام»، فلما جاءاه، فنظرا إليه قال أحدهما لصاحبه: إنه الرجل الذي صفته في التوراة، إنه وصي هذا النبي، وخليفته وزوج ابنته، وأبو السبطين، والقائم بالحق من بعده.
ثم قالا لعلي «عليه السلام»: أيها الرجل، ما قرابتك من رسول الله «صلى الله عليه وآله»؟!
قال: هو أخي، وأنا وارثه ووصيه، وأول من آمن به، وأنا زوج ابنته.
قالا: هذه القرابة الفاخرة، والمنزلة القريبة، وهذه الصفة التي نجدها في التوراة، فأين ربك عز وجل؟!
قال لهما علي «عليه السلام»: إن شئتما أنبأتكما بالذي كان على عهد نبيكما موسى «عليه السلام»، وإن شئتما أنبأتكما بالذي كان على عهد نبينا محمد «صلى الله عليه وآله».
قالا: أنبئنا بالذي كان على عهد نبينا موسى «عليه السلام».
قال علي «عليه السلام»: أقبل أربعة أملاك: ملك من المشرق، وملك من المغرب، وملك من السماء، وملك من الأرض، فقال صاحب المشرق لصاحب المغرب: من أين أقبلت؟!
قال: أقبلت من عند ربي.
وقال صاحب المغرب لصاحب المشرق: من أين أقبلت؟!
قال: أقبلت من عند ربي.
وقال النازل من السماء للخارج من الأرض: من أين أقبلت؟!
قال: أقبلت من عند ربي.
وقال الخارج من الأرض للنازل من السماء: من أين أقبلت؟!
قال: أقبلت من عند ربي، فهذا ما كان على عهد نبيكما موسى «عليه السلام».
وأما ما كان على عهد نبينا، فذلك قوله في محكم كتابه: ﴿مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا..﴾([40]).
قال اليهوديان: فما منع صاحبيك أن يكونا جعلاك في موضعك الذي أنت أهله؟! فوا الذي أنزل التوراة على موسى إنك لأنت الخليفة حقاً، نجد صفتك في كتبنا، ونقرؤه في كنائسنا، وإنك لأنت أحق بهذا الأمر وأولى به ممن قد غلبك عليه.
فقال علي «عليه السلام»: قدما وأخرا، وحسابهما على الله عز وجل. يوقفان، ويسألان([41]).
ونقول:
لا بأس بملاحظة ما نذكره ضمن العناوين التالية:
34-صديقا رسول الله
يهوديان:
ذكرت الرواية: أن يهوديين كانا صديقين للرسول «صلى الله عليه وآله».. ولا ندري كيف نتعامل مع هذا التعبير.. إلا على تقدير أنهما كانا في الأصل يهوديين، ثم أصبحا مؤمنين به «صلى الله عليه وآله» أيضاً، كما ربما يوحي به الثناء عليهما في الرواية، وتعابير أخرى وردت فيها. ولعلهما كانا يتستران على هذا الأمر، لسبب أو لآخر..
35-لكل نبي وصي:
لقد ذكر اليهوديان: أن وجود خليفة للنبي يقوم بالأمر في الأمة من بعده أمر ثابت لجميع الأنبياء السابقين، فلا بد أن يكون للنبي «صلى الله عليه وآله» خليفة، كما كان للأنبياء السابقين خلفاء..
وذكرا: أن صفات هذا الخليفة مذكورة عندهم، وهي:
أنه الوصي والخليفة والقائم بالحق من بعده:
1ـ قريب القرابة إليه.
2ـ من أهل بيت عظيم الخطر، جليل الشأن.
3 ـ إن صفته في التوراة هي: الأصلع..
4 ـ صفته في التوراة: المصفر. (ولم نفهم المراد من هذا التعبير)
5 ـ أقرب القوم من رسول الله.
6 ـ إنه زوج ابنته.
7 ـ إنه أبو السبطين.
ومن الواضح: أن هذه الأوصاف لا توجد في هذا الكتاب المتداول اليوم باسم التوراة، فلا بد أن تكون في نسخة التوراة الحقيقية، التي كانوا يخفونها منذئذٍ.
وقد نعى الله عليهم كتاباتهم نصوصاً يدعون أنها من الكتاب عندهم، وليست منه مزورة: ﴿يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ﴾([42]). وقال تعالى: ﴿قُلْ مَنْ أَنْزَلَ الْكِتَابَ الَّذِي جَاءَ بِهِ مُوسَى نُورًا وَهُدًى لِلنَّاسِ تَجْعَلُونَهُ قَرَاطِيسَ تُبْدُونَهَا وَتُخْفُونَ كَثِيرًا..﴾([43]). وثمة آيات أخرى تعرضت لهذا الموضوع.
36-هو أخي، وأنا وارثه:
28-عمر يهدد الجاثليق بإباحة دمه:
وقد وجدنا عمر يهدد الجاثليق بإباحة دمه، لمجرد أنه أخذ اعترافاً من أبي بكر بأنه لا يملك علماً خاصاً به، كما يملك علي «عليه السلام».. ولعل سبب ذلك هو إدراكه خطورة هذا الإقرار، لأنه عرف أن النتيجة ستكون هي أن من لا يملك علم الإمامة فهو متغلب وغاصب..
29-مبادرة علي

وقد بادر علي «عليه السلام» ذلك النصراني (الجاثليق)، بقوله له: إنه سيخبره عن ما يسأله عنه مما كان وما يكون، لا من عند نفسه، ولا مما يتيسر له الحصول عليه.. بل من العلم الذي اختصه به محمد «صلى الله عليه وآله»، وهو النبي المعصوم، الذي {مَا يَنْطِقُ عَنِ الهَوَى، إِنْ هُوَ إِلاَ وَحْيٌ يُوحَى}..
وهذا يتضمن تعريضاً بعلوم غيره، وبأن مصادرها ليست مضمونة، لأنها ليست معصومة، ولا تنتهي إلى الله تعالى عالم الغيب والشهادة.
30-8 ـ أسئلة ملك الروم:
وسأل رسول ملك الروم أبا بكر، عن رجل لا يرجو الجنة ولا يخاف النار، ولا يخاف الله، ولا يركع، ولا يسجد، ويأكل الميتة والدم، ويشهد بما لا يرى، ويحب الفتنة ويبغض الحق.
فلم يجبه.
فقال عمر: ازددت كفراً إلى كفرك.
فأخبر بذلك علي «عليه السلام» فقال: هذا رجل من أولياء الله، لا يرجو الجنة، ولا يخاف النار، ولكن يخاف الله.
ولا يخاف الله من ظلمه، وإنما يخاف من عدله.
ولا يركع ولا يسجد في صلاة الجنازة.
ويأكل الجراد والسمك، ويأكل الكبد.
ويحب المال والولد {أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلاَدُكُمْ فِتْنَةٌ}([27]).
ويشهد بالجنة والنار، وهو لم يرها.
ويكره الموت وهو حق([28]).
31-9 ـ وفي مقال([29]): لي ما ليس لله، فلي صاحبة وولد.
ومعي ما ليس مع الله، معي ظلم وجور.
ومعي ما لم يخلق الله، فأنا حامل القرآن وهو غير مفترى.
وأعلم ما لم يعلم الله وهو قول النصارى:«إن عيسى ابن الله»([30]).
وصدّق النصارى واليهود في قولهم: {وَقَالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصَارَى عَلَى شَيْءٍ}([31]) الآية..
وكذّب الأنبياء والمرسلين، كذب إخوة يوسف، حيث قالوا: أكله الذئب، وهم أنبياء الله، ومرسلون إلى الصحراء.
وأنا أحمد النبي، أحمده وأشكره.
وأنا علي، علي في قومي.
وأنا ربكم، أرفع وأضع: رب كمي، أرفعه وأضعه([32]).
ونقول:
1 ـ من قوله: وفي مقال: لي ما ليس لله.. إلى آخر الرواية، إنما هي إجابات على أسئلة لم ترد في رسالة رسول ملك الروم المذكورة آنفاً، فلعلها قد سقطت من النص سهواً، أو لعلهما قصتان وسقط الشطر الأول من الثانية، واتصل ما تبقى منها بآخر القصة الأولى. وهذا هو الظاهر..
2 ـ إن كلام عمر مع ذلك الرجل لم يأت في محله. وقد كان ينبغي أن يرجع في هذه الأسئلة إلى العلماء بها. وقد ظهر أن لها معان وأجوبة صحيحة وبليغة، وأن من يطرحها لا يزداد كفراً.. فلماذا هذه المبادرة من عمر التي قد تترك أثراً سلبياً على مكانته لدى أهل المعرفة؟!..
3 ـلقد نسبت الرواية الكذب إلى أنبياء الله، وهم إخوة يوسف «عليه السلام»، وهذا غير مقبول..
فأولاً: روي عن نشيط بن ناصح البجلي قال: قلت لأبي عبد الله «عليه السلام» أكان إخوة يوسف أنبياء؟!
قال: لا، ولا بررة أتقياء. وكيف؟! وهم يقولون لأبيهم: {تَاللهِ إِنَّكَ لَفِي ضَلاَلِكَ الْقَدِيمِ}([33])»([34]).
ثانياً: قد أثبتت الأدلة العقلية عصمة الأنبياء عن الذنوب: صغائرها وكبائرها، فكيف نسب الكذب ـ وهو من الكبائر ـ إلى أنبياء مرسلين؟!
ثالثاً: إن هذه الرواية، وكذلك الروايات الأخرى التي تقول: إنهم كانوا أنبياء، كلها روايات ضعيفة، وشطر منها مروي بطرق غير شيعة أهل البيت «عليهم السلام».
4 ـلقد نهى أئمتنا «عليهم السلام» شيعتهم عن الحديث عن كون القرآن مخلوقاً([35]).
نعم ورد الترخيص بوصفه: بأنه محدث([36]). وفق ما ورد في القرآن الكريم: {مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ إِلَّا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ}([37]).
5 ـ ما ذكرته الرواية: من أننا نعلم ما لم يعلمه الله، وهو قول النصارى الخ.. لا يستقيم، فإن الله يعلم بأنهم قالوا ذلك، ونحن نعلم ذلك أيضاً.
إلا أن يكون المقصود: أن الله لا يعلم بالولد له، لأنه غير موجود، فهو من قبيل القضية السالبة بانتفاء موضوعها([38]).
32-10 ـ الجواب على أسئلة نصرانيين:
وسأل نصرانيان أبا بكر: ما الفرق بين الحب والبغض ومعدنهما واحد؟! وما الفرق بين الرؤيا الصادقة والرؤيا الكاذبة ومعدنهما واحد؟!
فأشار إلى عمر، فلما سألاه أشار إلى علي «عليه السلام»، فلما سألاه عن الحب والبغض قال:
إن الله تعالى خلق الأرواح قبل الأجساد بألفي عام، فأسكنها الهواء، فما تعارف هناك اعترف (ائتلف) ههنا، وما تناكر هناك اختلف ههنا.
ثم سألاه عن الحفظ والنسيان.
فقال:إن الله تعالى خلق ابن آدم وجعل لقلبه غاشية، فمهما مر بالقلب والغاشية منفتحة حَفِظ وحَصَا، ومهما مرَّ بالقلب والغاشية منطبقة لم يحفظ ولم يحص.
ثم سألاه عن الرؤيا الصادقة، والرؤيا الكاذبة.
فقال «عليه السلام»:إن الله تعالى خلق الروح، وجعل لها سلطاناً، فسلطانها النفس، فإذا نام العبد خرج الروح وبقي سلطانه، فيمر به جيل من الملائكة وجيل من الجن، فمهما كان من الرؤيا الصادقة فمن الملائكة، ومهما كان من الرؤيا الكاذبة فمن الجن.
فأسلما على يديه، وقتلا معه يوم صفين([39]).
33-11 ـ صفة الوصي في التوراة:
روي مسنداً عن عبد الرحمن بن أسود، عن جعفر بن محمد، عن أبيه «عليهما السلام» قال: كان لرسول الله «صلى الله عليه وآله» صديقان يهوديان، قد آمنا بموسى رسول الله، وأتيا محمداً «صلى الله عليه وآله» وسمعا منه، وقد كانا قرءا التوراة، وصحف إبراهيم «عليه السلام»، وعلما علم الكتب الأولى.
فلما قبض الله تبارك وتعالى رسوله «صلى الله عليه وآله» أقبلا يسألان عن صاحب الأمر بعده، وقالا: إنه لم يمت نبي قط إلا وله خليفة يقوم بالأمر في أمته من بعده، قريب القرابة إليه من أهل بيته، عظيم القدر، جليل الشأن.
فقال أحدهما لصاحبه: هل تعرف صاحب الأمر من بعد هذا النبي؟!
قال الآخر: لا أعلمه إلا بالصفة التي أجدها في التوراة. هو الأصلع المصفر، فإنه كان أقرب القوم من رسول الله «صلى الله عليه وآله».
فلما دخلا المدينة وسألا عن الخليفة أرشدا إلى أبي بكر، فلما نظرا إليه قالا: ليس هذا صاحبنا.
ثم قالا له: ما قرابتك من رسول الله «صلى الله عليه وآله»؟!
قال: إني رجل من عشيرته، وهو زوج ابنتي عائشة.
قالا: هل غير هذا؟!
قال: لا.
قالا: ليست هذه بقرابة، فأخبرنا أين ربك؟!
قال: فوق سبع سماوات!
قالا: هل غير هذا؟
قالا: لا.
قالا: دلنا على من هو أعلم منك، فإنك أنت لست بالرجل الذي نجد في التوراة أنه وصي هذا النبي وخليفته.
قال: فتغيظ من قولهما، وهمَّ بهما، ثم أرشدهما إلى عمر، وذلك أنه عرف من عمر أنهما إن استقبلاه بشيء بطش بهما.
فلما أتياه قالا: ما قرابتك من هذا النبي؟!
قال: أنا من عشيرته، وهو زوج ابنتي حفصة.
قالا: هل غير هذا؟!
قال: لا.
قالا: ليست هذه بقرابة، وليست هذه الصفة التي نجدها في التوراة، ثم قالا له: فأين ربك؟!
قال: فوق سبع سماوات!
قالا: هل غير هذا؟!
قال: لا.
قالا: دلنا على من هو أعلم منك.
فأرشدهما إلى علي «عليه السلام»، فلما جاءاه، فنظرا إليه قال أحدهما لصاحبه: إنه الرجل الذي صفته في التوراة، إنه وصي هذا النبي، وخليفته وزوج ابنته، وأبو السبطين، والقائم بالحق من بعده.
ثم قالا لعلي «عليه السلام»: أيها الرجل، ما قرابتك من رسول الله «صلى الله عليه وآله»؟!
قال: هو أخي، وأنا وارثه ووصيه، وأول من آمن به، وأنا زوج ابنته.
قالا: هذه القرابة الفاخرة، والمنزلة القريبة، وهذه الصفة التي نجدها في التوراة، فأين ربك عز وجل؟!
قال لهما علي «عليه السلام»: إن شئتما أنبأتكما بالذي كان على عهد نبيكما موسى «عليه السلام»، وإن شئتما أنبأتكما بالذي كان على عهد نبينا محمد «صلى الله عليه وآله».
قالا: أنبئنا بالذي كان على عهد نبينا موسى «عليه السلام».
قال علي «عليه السلام»: أقبل أربعة أملاك: ملك من المشرق، وملك من المغرب، وملك من السماء، وملك من الأرض، فقال صاحب المشرق لصاحب المغرب: من أين أقبلت؟!
قال: أقبلت من عند ربي.
وقال صاحب المغرب لصاحب المشرق: من أين أقبلت؟!
قال: أقبلت من عند ربي.
وقال النازل من السماء للخارج من الأرض: من أين أقبلت؟!
قال: أقبلت من عند ربي.
وقال الخارج من الأرض للنازل من السماء: من أين أقبلت؟!
قال: أقبلت من عند ربي، فهذا ما كان على عهد نبيكما موسى «عليه السلام».
وأما ما كان على عهد نبينا، فذلك قوله في محكم كتابه: ﴿مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا..﴾([40]).
قال اليهوديان: فما منع صاحبيك أن يكونا جعلاك في موضعك الذي أنت أهله؟! فوا الذي أنزل التوراة على موسى إنك لأنت الخليفة حقاً، نجد صفتك في كتبنا، ونقرؤه في كنائسنا، وإنك لأنت أحق بهذا الأمر وأولى به ممن قد غلبك عليه.
فقال علي «عليه السلام»: قدما وأخرا، وحسابهما على الله عز وجل. يوقفان، ويسألان([41]).
ونقول:
لا بأس بملاحظة ما نذكره ضمن العناوين التالية:
34-صديقا رسول الله

ذكرت الرواية: أن يهوديين كانا صديقين للرسول «صلى الله عليه وآله».. ولا ندري كيف نتعامل مع هذا التعبير.. إلا على تقدير أنهما كانا في الأصل يهوديين، ثم أصبحا مؤمنين به «صلى الله عليه وآله» أيضاً، كما ربما يوحي به الثناء عليهما في الرواية، وتعابير أخرى وردت فيها. ولعلهما كانا يتستران على هذا الأمر، لسبب أو لآخر..
35-لكل نبي وصي:
لقد ذكر اليهوديان: أن وجود خليفة للنبي يقوم بالأمر في الأمة من بعده أمر ثابت لجميع الأنبياء السابقين، فلا بد أن يكون للنبي «صلى الله عليه وآله» خليفة، كما كان للأنبياء السابقين خلفاء..
وذكرا: أن صفات هذا الخليفة مذكورة عندهم، وهي:
أنه الوصي والخليفة والقائم بالحق من بعده:
1ـ قريب القرابة إليه.
2ـ من أهل بيت عظيم الخطر، جليل الشأن.
3 ـ إن صفته في التوراة هي: الأصلع..
4 ـ صفته في التوراة: المصفر. (ولم نفهم المراد من هذا التعبير)
5 ـ أقرب القوم من رسول الله.
6 ـ إنه زوج ابنته.
7 ـ إنه أبو السبطين.
ومن الواضح: أن هذه الأوصاف لا توجد في هذا الكتاب المتداول اليوم باسم التوراة، فلا بد أن تكون في نسخة التوراة الحقيقية، التي كانوا يخفونها منذئذٍ.
وقد نعى الله عليهم كتاباتهم نصوصاً يدعون أنها من الكتاب عندهم، وليست منه مزورة: ﴿يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ﴾([42]). وقال تعالى: ﴿قُلْ مَنْ أَنْزَلَ الْكِتَابَ الَّذِي جَاءَ بِهِ مُوسَى نُورًا وَهُدًى لِلنَّاسِ تَجْعَلُونَهُ قَرَاطِيسَ تُبْدُونَهَا وَتُخْفُونَ كَثِيرًا..﴾([43]). وثمة آيات أخرى تعرضت لهذا الموضوع.
36-هو أخي، وأنا وارثه:
تعليق