بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد
اللهم صل على محمد وآل محمد
هناك فريق آمن بالله تعالى، وكانت الخطوة الأولى من الإيمان خطوة عقلية، فالدليل العقلي القطعي المبارك هو الذي قاد الإنسان إلى الإيمان بالله.. وكانت الخطوة التالية، وهي الإيمان بالحاجة إلى الأنبياء، أيضاً خطوة عقلية مباركة.. وكانت الخطوة الثالثة أيضاً خطوة عقلية؛ حيث دل العقل على صدق خاتم الأنبياء صلى الله عليه وآله.
فاكتشف هذا الفريق من الناس أهمية الدليل العقلي وقداسته في مجال البحوث الدينية.
فقرروا احترام العقل فيما يقطع به، وفيما يتخذه من قرارات قطعية.
ثم لاحظوا أن هناك متوناً دينية كثيرة بعضها قطعية الانتساب إلى الله والرسول، وبعضها ظني الانتساب، وبعضها ما دون الظن.
ثم لاحظوا أن جميع النصوص فيها ما هو قطعي الدلالة وما هو ظني الدلالة.
ولاحظوا أن مجموعة من تلك النصوص ترتبط بالذات المقدسة التي كان أول من تعرف عليها هو العقل ببركة استدلاله القطعي الرصين.
فاعتقدوا أن قراءة النص وفهمه لا بد أن تكون بمعية الإشراف العقلي، ولا يصح اتخاذ قرار بإقصاء العقل؛ لأنه لا مبرر لإقصاء الدليل الذي هو أبو الأدلة الأخرى ومصدر قيمتها.
ولاحظوا أن هناك نصوصاً شرعية لها وجوه من المعاني، ولكن بعض تلك المعاني تتعارض مع الدليل القطعي العقلي، وبعضها لا يتعارض، فقرروا استبعاد تلك المعاني ـ وليس النصوص ـ واستبقاء ما لا يعارض.
كما لاحظوا أن هناك نصوصاً تنسب إلى الله أو إلى رسوله، ولكنها لا تدل إلا على معنى أو معاني تتنافى مع الدليل العقلي، فقرروا التوقف في شأن تلك النصوص، أو الحكم بأنها مكذوبة على الله ورسوله.
في الحقيقة إن هؤلاء يقولون ـ ولنعم ما يقولون ـ : إنَّ العقل حين يقطع بخطأ المعنى أو بخطأ النص، فإن الإنسان يجزم بأن هذا المعنى ليس مراداً من قبل الشارع، أو أن هذا النص نفسه غير صادر من قبل الشارع.
وهذا المنهج ليس مختصاً ببحث الصفات، بل يجري في كل ما يدخل فيه العقل برؤية واضحة.
فالحصيلة أن هذا الفريق يبت في شأن النصوص عن طريق التلفيق بين الدليل العقلي ـ إن وُجد ـ والنص المنسوب إلى الدين.
وهذا ـ باختصار ـ هو منهج شيعة أهل البيت عليهم السلام.
وأما الفريق الآخر، فهم عبارة عن عُباد للنص الديني؛ فهم يتصورون أن النص يساوق المعصوم، وهذا خطأ؛ لأن النص عبارة عن تقرير منقول عن المعصوم، وليس هو المعصوم نفسه، والتقرير قام بنقله أناس غير معصومين، فيمكن أن يكون هناك خلل بسبب الوسائط.
كما أن التقرير يقوم بتحليله العرف اللغوي (التبادر) ، وهذا التحليل والتعامل الذي يحصل من قبل المتلقي هو أيضاً عملية يقوم بها غير المعصوم.
فالنص الديني ـ إذاً ـ يكتنفه الضعف (عدم العصمة) من جهتين كما بينا.
ولكن هذا الفريق لم ينتبه إلى هذه النقطة المهمة، وأخذ يدعو إلى قداسة النص الديني، وقداسة الفهم العرفي (التبادر) .
وأضاف إلى ذلك خللاً آخر؛ حيث عطل العقل وأقصاه من مجال تحليل النص، فلم يقسموا المعاني إلى مقبولة عقلاً، وغير مقبولة عقلاً، بل اعتبروا ما يفهمه العرف العام (أهل اللغة) هو المراد حقيقة وبجميع حذافير الفهم العام، ولم يهتموا بعد هذا بما يمكن أن يشتمل عليه هذا الفهم من سقوط عقلي.. فقد أقصوا العقل من ذي قبل كما قلنا.
وهذا الفريق هو الذي يمثله الوهابية والمجسمة.
فالفرق في الحقيقة ليس هو احترام النص الديني أو عدمه، ولا هو تقديم العقل على النقل أو العكس، كما يزعم الوهابية..
فالشيعة أيضاً يحترمون النص الديني والمعنى الذي يدل عليه، ولكنهم لا يحكمون على النص بأنه ديني ولا المعنى بأنه مراد، إلا بعد إعمال أدوات علمية دقيقة منها رقابة الدليل العقلي القطعي.
بينما يقوم الوهابية والمجسمة بتقديس النص الديني على حساب العقل، فهم يقصون العقل، ونتيجة لذلك يصبحون فريسة لكل معنى يخطر ببال العرف العام للنصوص المنسوبة للدين.. فهم بذلك يفقدون القدرة على التمييز بين ما هو من الدين مما هو ليس من الدين.
هذه خلاصة، ولعل الله يسهل المزيد من التوضيح في مشاركة أو مشاركات لاحقة..
والله ولي التوفيق.
تعليق