بسم الله الرحمن الرحيم
وصل الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين
يقولون : لماذا لم يطالب علي عليه السلام بالخلافة ؟
نقول :
امير المؤمنين عليه السلام خليفة رسول الله صلى الله عليه وآله بالنص
وانتزاع الخلافة منه كان من قبل خلفاء الجور تعدياً على أمر الله جل جلاله
ومن يعتقد ان امير المؤمنين عليه السلام سكت عن هذا الأمر وقبله من دون منازعة فهو مخطئ وإليكم هذه الروايات واقرؤوها بتدبر ففيها الإجابة الكافية والشافية على لسان امير المؤمنين عليه السلام
عن أبي الحسن الرضا عن آبائه (عليهم السلام) قال: لمّا أتى أبو بكر وعمر إلى منزل أمير المؤمنين (عليه السلام) وخطباه في أمر البيعة، خرج أمير المؤمنين (عليه السلام) إلى المسجد فحمد الله وأثنى عليه بما اصطنع عندهم أهل البيت إذ بعث فيهم رسولاً منهم.. وأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً.. ثم قال: " إنّ فلاناً وفلاناً أتياني وطالباني بالبيعة لمن سبيله أن يبايعني، أنا ابن عم النبي، وأبو بنيه، والصديق الأكبر، وأخو رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، لا يقولها أحد غيري إلاّ كاذب، وأسلمت وصلّيت قبل كل أحد، وأنا وصيه وزوج ابنته سيدة نساء العالمين فاطمة بنت محمّد (صلى الله عليه وآله وسلم)وأبو حسن وحسين سبطي رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، ونحن أهل بيت الرحمة، بنا هداكم الله، وبنا استنقذكم من الضلالة، وأنا صاحب يوم الدوح(أي يوم الغدير)، وفيَّ نزلت سورة من القرآن، وأنا الوصيّ على الأموات من أهل بيته (صلى الله عليه وآله وسلم)، وأنا بقيته على الأحياء من أُمّته، فاتقوا الله يثّبت أقدامكم ويتمّ نعمته عليكم ". ثمّ رجع إلى بيته (1).
عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: قال أمير المؤمنين (عليه السلام) ـ بعد وفاة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)في المسجد والناس مجتمعون بصوت عال ـ: ( الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللهِ أَضَلَّ أَعْمالَهُمْ ) فقال له ابن عباس: يا أبا الحسن! لم قلت ما قلت؟!
قال: " قرأت شيئاً من القرآن "، قال لقد قلته لأمر، قال: " نعم، إن الله يقول في كتابه ( وَما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا ) أفتشهد على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أنه استخلف فلاناً؟! " قال: ما سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أوصى إلا إليك، قال: " فهلا بايعتني "؟! قال: اجتمع الناس عليه فكنت منهم، فقال أمير المؤمنين (عليه السلام): " كما اجتمع أهل العجل على العجل.. هاهنا فتنتم، ومثلكم كـ ( مَثَل الَّذِي اسْتَوْقَدَ ناراً فَلَمّا أَضاءَتْ ما حَوْلَهُ ذَهَبَ اللهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمات لا يُبْصِرُون * صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَرْجِعُونَ ) (2).
وقال (عليه السلام) في ضمن الخطبة الطالوتية: " أيّها الأُمّة التي خدعت فانخدعت..! وعرفت خديعة من خدعها، فأصرّت على ما عرفت واتبعت أهواءها، وضربت في عشواء غوايتها، وقد استبان لها الحق فصدّت عنه، والطريق الواضح فتنكبته.
أما والذي فلق الحبّة وبرأ النسمة! لو اقتبستم العلم من معدنه، وشربتم الماء بعذوبته، وادّخرتم من موضعه، وأخذتم الطريق من واضحه، وسلكتم من الحقّ نهجه.. لنهجت بكم السبل، وبدت لكم الأعلام، وأضاء لكم الإسلام، فأكلتم رغداً، وما عال فيكم عائل، ولا ظلم منكم مسلم ولا معاهد، ولكن سلكتم سبيل الظلام فأُظلمت عليكم دنياكم برحبها، وسدّت عليكم أبواب العلم فقلتم بأهوائكم، واختلفتم في دينكم، فأفتيتم في دين الله بغير علم، واتّبعتم الغواة فأغوتكم، وتركتم الأئمّة فتركوكم، فأصبحتم تحكمون بأهوائكم، إذا ذكر الأمر سألتم أهل الذكر، فإذا أفتوكم قلتم: هو العلم بعينه، فكيف وقد تركتموه ونبذتموه وخالفتموه..؟! رويداً عمّا قليل تحصدون جميع ما زرعتم، وتجدون وخيم ما اجترمتم وما اجتلبتم.
والّذي فلق الحبّة وبرأ النسمة! لقد علمتم أنّي صاحبكم والذي به أُمرتم، وأنّي عالمكم والذي بعلمه نجاتكم، ووصييّ نبيّكم (صلى الله عليه وآله وسلم)، وخيرة ربّكم، ولسان نوركم، والعالم بما يصلحكم، فعن قليل رويداً ينزل بكم ما وُعدتم، وما نزل بالأُمم قبلكم، وسيسألكم الله عزّ وجلّ عن أئمّتكم، معهم تحشرون وإلى الله عزّ وجلّ غداً تصيرون.
أما والله! لو كان لي عدّة أصحاب طالوت أو عدّة أهل بدر ـ وهم أعداؤكم ـ لضربتكم بالسيف حتى تؤولوا إلى الحقّ وتنيبوا للصدق، فكان أرتق للفتق، وآخذ بالرفق، اللّهمّ فاحكم بيننا بالحقّ وأنت خير الحاكمين ".
ثم خرج من المسجد فمرّ بصيرة فيها نحو من ثلاثين شاة فقال: " والله لو أنّ لي رجالاً ينصحون لله عزّ وجلّ ولرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بعدد هذه الشياه، لأزلتُ ابن آكلة الذبان [الذباب] عن ملكه.
قال: فلمّا أمسى بايعه ثلاثمائة وستّون رجلاً على الموت، فقال أمير المؤمنين (عليه السلام): " اغدوا بنا إلى أحجار الزيت محلّقين ".
وحلق أمير المؤمنين (عليه السلام) فما وافى من القوم محلّقاً إلا أبو ذر والمقداد وحذيفة بن اليمان وعمّار بن ياسر، وجاء سلمان في آخر القوم.
فرفع يديه إلى السماء فقال: " اللّهم إنّ القوم استضعفوني كما استضعف بنو اسرائيل هارون، اللّهمّ فإنّك تعلم ما نخفي وما نعلن وما يخفى عليك شيء في الأرض ولا في السماء، توفنّي مسلماً وألحقني بالصالحين، أما والبيت والمفضي إلى البيت لولا عهد عهده إليّ النبيّ الأُمّي (صلى الله عليه وآله وسلم) لأوردت المخالفين خليج المنية، ولأرسلت عليهم شآبيب صواعق الموت، وعن قليل سيعلمون "(3).
وقال أبو جعفر الباقر (عليه السلام): إنّ أمير المؤمنين (عليه السلام) خطب الناس بالمدينة ـ بعد سبعة أيام من وفاة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وذلك حين فرغ من جمع القرآن وتأليفه ـ وجاء فيها: ".. فإن الله ـ تبارك اسمه ـ امتحن بي عباده، وقتل بيدى أضداده، وأفنى بسيفي جحاده، وجعلني زلفة للمؤمنين، وحياض موت على الجبارين، وسيفه على المجرمين، وشدّ بي أزر رسوله، وأكرمني بنصره، وشرّفني بعلمه، وحباني بأحكامه، واختصني بوصيته، واصطفاني بخلافته في أُمّته، فقال (صلى الله عليه وآله وسلم)ـ وقد حشده المهاجرون والأنصار، وانغصت بهم المحافل ـ: أيها الناس! إن علياً منّي كهارون من موسى إلاّ أنّه لا نبي بعدي... استخلافاً لي كما استخلف موسى هارون... وقوله:.. من كنت مولاه فعلي مولاه، اللّهم وال من والاه وعاد من عاداه، فكانت على ولايتي ولاية الله، وعلى عدواتي عداوة الله، وأنزل الله عزّ وجلّ في ذلك اليوم: ( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِيْنَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيْتُ لَكُمُ الإسْلامَ دِيْناً ) فكانت ولايتي كمال الدين ورضا الربّ جلّ ذكره، وأنزل الله تبارك وتعالى اختصاصاً لي وتكرّماً نحلنيه وإعظاماً وتفضيلاً من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)منحنيه، وهو قوله تعالى: ( ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللهِ مَوْلاهُمُ الْحَقِّ أَلا لَهُ الْحُكْمُ وَهُوَ أَسْرَعُ الْحاسِبِيْنَ ) فيّ مناقبٌ، لو ذكرتها لعظم بها الارتفاع فطال لها الاستماع، ولئن تقمصها دوني الأشقيان، ونازعاني فيما ليس لهما بحق وركباها ضلالة، واعتقداها جهالة، فلبئس ما عليه وردا ولبئس ما لأنفسهما مهّدا... إن القوم لم يزالوا عباد أصنام وسدنة أوثان فأخرجنا الله إليهم رحمة... وأضاءت بنا مفاخر معدّ بن عدنان، وأولجناهم باب الهدى وأدخلناهم دار السلام، وأشملناهم ثوب الإيمان، وفلجوا بنا في العالمين، وأبدت لهم أيام الرسول آثار الصالحين من حام مجاهد، ومصلٍّ قانت، ومعتكف زاهد.. يظهرون الأمانة، ويأتون المثابة، حتى إذا دعا الله عزّ وجلّ نبيه (صلى الله عليه وآله وسلم) ورفعه إليه لم يك ذلك بعده إلاّ كلمحة من خفقة، أو وميض من برقة إلى أن رجعوا على الأعقاب، وانتكصوا على الأدبار، وطلبوا بالأوتار، وأظهروا الكتائب، وردموا الباب، وفلّوا الديار، وغيّروا آثار رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، ورغبوا عن أحكامه، وبعدوا من أنواره، واستبدلوا بمستخلفه بديلاً اتخذوه، وكانوا ظالمين، وزعموا أنّ من اختاروا من آل أبي قحافة أولى بمقام رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ممن اختار رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)لمقامه، وأنّ مهاجر آل أبي قحافة خير من المهاجريّ الأنصاريّ الربانيّ ناموس هاشم بن عبد مناف... وعن قليل يجدون غبّ ما أسّسه الأوّلون..ألا وإنّي ـ فيكم أيها الناس! ـ كهارون في آل فرعون، وكباب حطّة في بني إسرائيل، وكسفينة نوح في قوم نوح، إنّي النبأ العظيم، والصدّيق الأكبر.. وعن قليل ستعلمون ما توعدون.. وهل هي إلاّ كلعقة الآكل، ومذقة الشارب، وخفقة الوسنان، ثم تلزمهم المعرات خزياً في الدنيا ويوم القيامة يردّون إلى أشدّ العذاب وما الله بغافل عمّا يعملون..(4).
والحمد لله رب العاملين
وصل الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين
الهامش :
1 ـ امالي الطوسي، عنه بحار الأنوار: 28/248.
2 ـ تفسير القمي: 2 / 301، بحار الأنوار: 29 / 19.
3 ـ الكافي: 8/32. عنه بحار الأنوار: 28/240 ـ 241.
4 ـ الكافي: 8/22 ـ 30.
وصل الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين
يقولون : لماذا لم يطالب علي عليه السلام بالخلافة ؟
نقول :
امير المؤمنين عليه السلام خليفة رسول الله صلى الله عليه وآله بالنص
وانتزاع الخلافة منه كان من قبل خلفاء الجور تعدياً على أمر الله جل جلاله
ومن يعتقد ان امير المؤمنين عليه السلام سكت عن هذا الأمر وقبله من دون منازعة فهو مخطئ وإليكم هذه الروايات واقرؤوها بتدبر ففيها الإجابة الكافية والشافية على لسان امير المؤمنين عليه السلام
عن أبي الحسن الرضا عن آبائه (عليهم السلام) قال: لمّا أتى أبو بكر وعمر إلى منزل أمير المؤمنين (عليه السلام) وخطباه في أمر البيعة، خرج أمير المؤمنين (عليه السلام) إلى المسجد فحمد الله وأثنى عليه بما اصطنع عندهم أهل البيت إذ بعث فيهم رسولاً منهم.. وأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً.. ثم قال: " إنّ فلاناً وفلاناً أتياني وطالباني بالبيعة لمن سبيله أن يبايعني، أنا ابن عم النبي، وأبو بنيه، والصديق الأكبر، وأخو رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، لا يقولها أحد غيري إلاّ كاذب، وأسلمت وصلّيت قبل كل أحد، وأنا وصيه وزوج ابنته سيدة نساء العالمين فاطمة بنت محمّد (صلى الله عليه وآله وسلم)وأبو حسن وحسين سبطي رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، ونحن أهل بيت الرحمة، بنا هداكم الله، وبنا استنقذكم من الضلالة، وأنا صاحب يوم الدوح(أي يوم الغدير)، وفيَّ نزلت سورة من القرآن، وأنا الوصيّ على الأموات من أهل بيته (صلى الله عليه وآله وسلم)، وأنا بقيته على الأحياء من أُمّته، فاتقوا الله يثّبت أقدامكم ويتمّ نعمته عليكم ". ثمّ رجع إلى بيته (1).
عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: قال أمير المؤمنين (عليه السلام) ـ بعد وفاة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)في المسجد والناس مجتمعون بصوت عال ـ: ( الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللهِ أَضَلَّ أَعْمالَهُمْ ) فقال له ابن عباس: يا أبا الحسن! لم قلت ما قلت؟!
قال: " قرأت شيئاً من القرآن "، قال لقد قلته لأمر، قال: " نعم، إن الله يقول في كتابه ( وَما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا ) أفتشهد على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أنه استخلف فلاناً؟! " قال: ما سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أوصى إلا إليك، قال: " فهلا بايعتني "؟! قال: اجتمع الناس عليه فكنت منهم، فقال أمير المؤمنين (عليه السلام): " كما اجتمع أهل العجل على العجل.. هاهنا فتنتم، ومثلكم كـ ( مَثَل الَّذِي اسْتَوْقَدَ ناراً فَلَمّا أَضاءَتْ ما حَوْلَهُ ذَهَبَ اللهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمات لا يُبْصِرُون * صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَرْجِعُونَ ) (2).
وقال (عليه السلام) في ضمن الخطبة الطالوتية: " أيّها الأُمّة التي خدعت فانخدعت..! وعرفت خديعة من خدعها، فأصرّت على ما عرفت واتبعت أهواءها، وضربت في عشواء غوايتها، وقد استبان لها الحق فصدّت عنه، والطريق الواضح فتنكبته.
أما والذي فلق الحبّة وبرأ النسمة! لو اقتبستم العلم من معدنه، وشربتم الماء بعذوبته، وادّخرتم من موضعه، وأخذتم الطريق من واضحه، وسلكتم من الحقّ نهجه.. لنهجت بكم السبل، وبدت لكم الأعلام، وأضاء لكم الإسلام، فأكلتم رغداً، وما عال فيكم عائل، ولا ظلم منكم مسلم ولا معاهد، ولكن سلكتم سبيل الظلام فأُظلمت عليكم دنياكم برحبها، وسدّت عليكم أبواب العلم فقلتم بأهوائكم، واختلفتم في دينكم، فأفتيتم في دين الله بغير علم، واتّبعتم الغواة فأغوتكم، وتركتم الأئمّة فتركوكم، فأصبحتم تحكمون بأهوائكم، إذا ذكر الأمر سألتم أهل الذكر، فإذا أفتوكم قلتم: هو العلم بعينه، فكيف وقد تركتموه ونبذتموه وخالفتموه..؟! رويداً عمّا قليل تحصدون جميع ما زرعتم، وتجدون وخيم ما اجترمتم وما اجتلبتم.
والّذي فلق الحبّة وبرأ النسمة! لقد علمتم أنّي صاحبكم والذي به أُمرتم، وأنّي عالمكم والذي بعلمه نجاتكم، ووصييّ نبيّكم (صلى الله عليه وآله وسلم)، وخيرة ربّكم، ولسان نوركم، والعالم بما يصلحكم، فعن قليل رويداً ينزل بكم ما وُعدتم، وما نزل بالأُمم قبلكم، وسيسألكم الله عزّ وجلّ عن أئمّتكم، معهم تحشرون وإلى الله عزّ وجلّ غداً تصيرون.
أما والله! لو كان لي عدّة أصحاب طالوت أو عدّة أهل بدر ـ وهم أعداؤكم ـ لضربتكم بالسيف حتى تؤولوا إلى الحقّ وتنيبوا للصدق، فكان أرتق للفتق، وآخذ بالرفق، اللّهمّ فاحكم بيننا بالحقّ وأنت خير الحاكمين ".
ثم خرج من المسجد فمرّ بصيرة فيها نحو من ثلاثين شاة فقال: " والله لو أنّ لي رجالاً ينصحون لله عزّ وجلّ ولرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بعدد هذه الشياه، لأزلتُ ابن آكلة الذبان [الذباب] عن ملكه.
قال: فلمّا أمسى بايعه ثلاثمائة وستّون رجلاً على الموت، فقال أمير المؤمنين (عليه السلام): " اغدوا بنا إلى أحجار الزيت محلّقين ".
وحلق أمير المؤمنين (عليه السلام) فما وافى من القوم محلّقاً إلا أبو ذر والمقداد وحذيفة بن اليمان وعمّار بن ياسر، وجاء سلمان في آخر القوم.
فرفع يديه إلى السماء فقال: " اللّهم إنّ القوم استضعفوني كما استضعف بنو اسرائيل هارون، اللّهمّ فإنّك تعلم ما نخفي وما نعلن وما يخفى عليك شيء في الأرض ولا في السماء، توفنّي مسلماً وألحقني بالصالحين، أما والبيت والمفضي إلى البيت لولا عهد عهده إليّ النبيّ الأُمّي (صلى الله عليه وآله وسلم) لأوردت المخالفين خليج المنية، ولأرسلت عليهم شآبيب صواعق الموت، وعن قليل سيعلمون "(3).
وقال أبو جعفر الباقر (عليه السلام): إنّ أمير المؤمنين (عليه السلام) خطب الناس بالمدينة ـ بعد سبعة أيام من وفاة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وذلك حين فرغ من جمع القرآن وتأليفه ـ وجاء فيها: ".. فإن الله ـ تبارك اسمه ـ امتحن بي عباده، وقتل بيدى أضداده، وأفنى بسيفي جحاده، وجعلني زلفة للمؤمنين، وحياض موت على الجبارين، وسيفه على المجرمين، وشدّ بي أزر رسوله، وأكرمني بنصره، وشرّفني بعلمه، وحباني بأحكامه، واختصني بوصيته، واصطفاني بخلافته في أُمّته، فقال (صلى الله عليه وآله وسلم)ـ وقد حشده المهاجرون والأنصار، وانغصت بهم المحافل ـ: أيها الناس! إن علياً منّي كهارون من موسى إلاّ أنّه لا نبي بعدي... استخلافاً لي كما استخلف موسى هارون... وقوله:.. من كنت مولاه فعلي مولاه، اللّهم وال من والاه وعاد من عاداه، فكانت على ولايتي ولاية الله، وعلى عدواتي عداوة الله، وأنزل الله عزّ وجلّ في ذلك اليوم: ( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِيْنَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيْتُ لَكُمُ الإسْلامَ دِيْناً ) فكانت ولايتي كمال الدين ورضا الربّ جلّ ذكره، وأنزل الله تبارك وتعالى اختصاصاً لي وتكرّماً نحلنيه وإعظاماً وتفضيلاً من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)منحنيه، وهو قوله تعالى: ( ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللهِ مَوْلاهُمُ الْحَقِّ أَلا لَهُ الْحُكْمُ وَهُوَ أَسْرَعُ الْحاسِبِيْنَ ) فيّ مناقبٌ، لو ذكرتها لعظم بها الارتفاع فطال لها الاستماع، ولئن تقمصها دوني الأشقيان، ونازعاني فيما ليس لهما بحق وركباها ضلالة، واعتقداها جهالة، فلبئس ما عليه وردا ولبئس ما لأنفسهما مهّدا... إن القوم لم يزالوا عباد أصنام وسدنة أوثان فأخرجنا الله إليهم رحمة... وأضاءت بنا مفاخر معدّ بن عدنان، وأولجناهم باب الهدى وأدخلناهم دار السلام، وأشملناهم ثوب الإيمان، وفلجوا بنا في العالمين، وأبدت لهم أيام الرسول آثار الصالحين من حام مجاهد، ومصلٍّ قانت، ومعتكف زاهد.. يظهرون الأمانة، ويأتون المثابة، حتى إذا دعا الله عزّ وجلّ نبيه (صلى الله عليه وآله وسلم) ورفعه إليه لم يك ذلك بعده إلاّ كلمحة من خفقة، أو وميض من برقة إلى أن رجعوا على الأعقاب، وانتكصوا على الأدبار، وطلبوا بالأوتار، وأظهروا الكتائب، وردموا الباب، وفلّوا الديار، وغيّروا آثار رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، ورغبوا عن أحكامه، وبعدوا من أنواره، واستبدلوا بمستخلفه بديلاً اتخذوه، وكانوا ظالمين، وزعموا أنّ من اختاروا من آل أبي قحافة أولى بمقام رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ممن اختار رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)لمقامه، وأنّ مهاجر آل أبي قحافة خير من المهاجريّ الأنصاريّ الربانيّ ناموس هاشم بن عبد مناف... وعن قليل يجدون غبّ ما أسّسه الأوّلون..ألا وإنّي ـ فيكم أيها الناس! ـ كهارون في آل فرعون، وكباب حطّة في بني إسرائيل، وكسفينة نوح في قوم نوح، إنّي النبأ العظيم، والصدّيق الأكبر.. وعن قليل ستعلمون ما توعدون.. وهل هي إلاّ كلعقة الآكل، ومذقة الشارب، وخفقة الوسنان، ثم تلزمهم المعرات خزياً في الدنيا ويوم القيامة يردّون إلى أشدّ العذاب وما الله بغافل عمّا يعملون..(4).
والحمد لله رب العاملين
وصل الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين
الهامش :
1 ـ امالي الطوسي، عنه بحار الأنوار: 28/248.
2 ـ تفسير القمي: 2 / 301، بحار الأنوار: 29 / 19.
3 ـ الكافي: 8/32. عنه بحار الأنوار: 28/240 ـ 241.
4 ـ الكافي: 8/22 ـ 30.
تعليق