X
-
على أعتاب الزيارة
من المُسلّمات عند المسلمين الأوائل تعاهد قبور الشهداء، وزيارة قبور الموتى. وقد كان للصالحين قبور معروفة في «الحجون» وغيرها، منها: قبر جدّ النبيّ الأكرم صلّى الله عليه وآله وسلّم عبدالمطّلب، وكان رضوان الله عليه على دين الحنيفيّة، وقبر أبيه عبدالله ـ وحاشا ألاّ يكون قد مات على ملّة إبراهيم حنيفاً مسلماً، وهو أبٌ لسيّد الأنبياء والمرسَلين ـ، وقبر عمّه أبي طالب مؤمنِ قريش، الذي حمى حريم الرسالة والرسول بكتمانه إيمانَه زمناً فآتاه الله أجره مرّتين كمؤمن آل فرعون، وقبر السيّدة الطاهرة خديجة أمّ المؤمنين رضوان الله تعالى عليها.
وقد نقلت لنا كتب السيرة أنّ رسول الله صلّى الله عليه وآله كان يزور تلك القبور ويحدّث أهلها ويترحّم عليهم، وكان يلتفت إلى أصحابه يخبرهم أنّ الموتى يسمعون ويَعون. حتّى إذا تُوفّي صلّى الله عليه وآله كان قبره المبارك الطاهر موردَ توافد القلوب من جميع أقطار الدنيا، فيتعاهده المسلمون بالزيارة وطلب الشفاعة عنده، ويسكبون حوله دموع الحبّ والولاء، ويجدّدون الميثاق على الإيمان والوفاء.
وقد حكى لنا التاريخ أنّ بعض الصحابة كانوا يتنافسون على أن يُدفنوا إلى جوار قبر النبيّ صلّى الله عليه وآله، وهل هذا إلاّ للتبرّك والتشرّف بمجاورة قبور الأنبياء و الأولياء؟! يقول العلاّمة الأمينيّ رحمه الله:
قد جرت السيرة المُطَّردة من صدر الإسلام منذ عصر الصحابة الأوّلين، والتابعين لهم بإحسان، على زيارة قبور تضمّنت في كنفِها نبيّاً مرسلاً، أو إماماً طاهراً، أو وليّاً صالحاً، أو عظيماً من عظماء الدين، وفي مقدّمها قبر النبيّ الأقدس صلّى الله عليه وآلهِ وسلّم.
وكانت الصلاة لديها، والدعاء عندها، والتبرّك والتوسّل بها، والتقرّب إلى الله وابتغاء الزُّلفة لديه بإتيان تلك المشاهد... مِن المُتسالَم عليه بين فرق المسلمين، من دون نكيرٍ من آحادهم، أو أيِّ غميزة من أحدٍ منهم على اختلاف مذاهبهم.(1)
ذلك هو المعهود المألوف، إلاّ أنّ هذه الظاهرة المستحبّة أصبحت واضحة بين المسلمين الشيعة أكثر من غيرهم، لسببين بارزين:
الأوّل: عدم ظهور أحدٍ من علمائهم يشكّك في هذا الأمر، أو يصرفهم عن تشييد قبور الأولياء والوفود عليها تعظيماً لهم.
والثاني: وفرة الأحاديث الصحيحة التي تدعوهم إلى هذا الأمر المحبوب، وتحثّهم عليه، لما له من الآثار الروحيّة الطيّبة، والعوائد الحياتيّة النافعة.
نعم.. إنّ زيارة الأنبياء والأوصياء والأولياء، والصالحين والشهداء سلام الله عليهم أجمعين تعني تقديسهم وتوقيرهم والتأسّي بسيرتهم، وإجلالُهم هو إجلالٌ لله تبارك وتعالى، كما أنّ تعاهد قبورهم يعني تجديدَ العهد معهم. وعلى ذلك يترتّب خيرٌ كثير:
1. عن الوشّاء قال: سمعت الرضا عليه السّلام يقول: إنّ لكلّ إمام عهداً في عنق أوليائه وشيعته، وإنّ من تمام الوفاء بالعهد وحُسنِ الأداء زيارةَ قبورهم، فمَن زارهم رغبةً في زيارتهم، وتصديقاً بما رغبوا فيه كان أئمّتُهم شفعاءَهم يومَ القيامة.(2)
2. وعن عبدالله بن الفضل، قال: كنت عند أبي عبدالله [الصادق] عليه السّلام، فدخل عليه رجل من أهل طوس فقال له: يا ابنَ رسول الله! ما لمَن زار قبرَ أبي عبدالله الحسين بن عليّ عليه السّلام؟
فقال له: يا طوسيّ! مَن زار قبر أبي عبدالله الحسين بن عليّ عليه السّلام وهو يعلم أنّه إمامٌ من الله، مفترَض الطاعة على العباد.. غفر الله له ما تقدّم من ذنبه وما تأخّر، وقبِل شفاعته في سبعين مذنباً، ولم يسأل اللهَ جلّ وعزّ عند قبره حاجةً إلاّ قضاها له.
قال: فدخل موسى بن جعفر عليه السلام فأجلسه [أبوه الصادق عليه السّلام] على فخِذه، وأقبل يقبّل ما بين عينيه، ثمّ التفت إليه فقال: يا طوسيّ! إنّه الإمام والخليفة والحجّة بعدي، وإنّه سيخرج مِن صُلبه رجلٌ يكون رضىً لله عزّ وجلّ في سمائه ولعباده في أرضه، يُقتل في أرضكم بالسمّ ظلماً وعدواناً، ويُدفن بها غريباً. ألاَ فمَن زاره في غربته وهو يعلم أنّه إمامٌ بعد أبيه، مفترَض الطاعة من الله عزّوجلّ كان كمن زار رسول الله صلّى الله عليه وآله.(3)
3. وعن أبي الصلت الهرويّ: سمعت الرضا عليه السّلام يقول: واللّهِ ما مِنّا إلاّ مقتول شهيد. فقيل له: فمَن يقتلك يا ابن رسول الله؟ قال: شرُّ خَلْق الله في زماني، يقتلني بالسمّ ثمّ يدفنني في دار مَضيعة وبلاد غربة... ألا فمن زارني في غربتي حُشر في زمرتنا، وجُعل في الدرجات العلى من الجنّة رفيقَنا.(4)
4. ومن قبل ذلك قال النبيّ المكرّم صلّى الله عليه وآله وسلّم: ستُدفن بضعة منّي بأرض خراسان، لايزورها مؤمن إلاّ أوجب الله عزّوجلّ له الجنّة وحرّم جسده على النار.(5)
وفي كتب المسلمين فصول كبيرة حول زيارة القبور والحثّ على زيارة الأنبياء المرسلين عليهم السّلام لاسيّما النبيّ الأكرم صلّى الله عليه وآله وسلّم في قبورهم الزاكية، وقد أدرجوا في تلك الفصول آداباً خاصّة للزائر، وذكروا استحباباتٍ كثيرةً، منها:
الصلاة، والتوسّل، والاستشفاع بقبر النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم، والتبرّك به وبجميع الآثار النبويّة، والنذر، والدعاء عند تلك المشاهد المشرّفة.
وكان لأعلام المسلمين كلمات ومقالات تؤيّد ذلك وترغّب فيه وتحذّر من التشكيك به، من ذلك ما نُقل عن الشيخ تقيّ الدين السبكيّ قوله: إنّ من المعلوم من الدين، وسِير السلف الصالحين، التبرّك ببعض الموتى من الصالحين، فكيف بالأنبياء والمرسلين! ومَن ادّعى أنّ قبور الأنبياء وغيرهم من أموات المسلمين سواءٌ فقد أتى أمراً عظيماً ببطلانه وخطائه فيه، وفيه حطّ لدرجة النبيّ صلّى الله عليه [وآله] وسلّم إلى درجةِ مَن سواه من المسلمين، وذلك كفر متيقَّن، فإنّ مَن حطّ رتبة النبيّ صلّى الله عليه [وآله] وسلّم عمّا يجب له فقد كفر.(6) وللاطّلاع الوافي في شأن أدلّة الزيارة وفضائلها وذكْر صور من الزيارات تُراجَع هذه المصادر من كتب المسلمين على سبيل المثال، لا الحصر:
1. نيل الأوطار، للشيخ محمّد بن عليّ الشوكانيّ (ت. 1250هـ.) ج 4 ص325.
2. شفاء السُّقام في زيارة خير الأنام، لتقيّ الدين السُّبكيّ (ت. 756هـ.).
3. التحفة المختارة في الردّ على منكر الزيارة، لتاج الدين الفاكهانيّ (ت. 834هـ.).
4. اتّفاق الأئمّة، لابن هبيرة (ت. 560هـ.).
5. المدخل، لابن الحاجّ محمّد بن محمّد العبدريّ القيروانيّ المالكيّ (ت. 737هـ.) ج1 ص257.
6. الجوهر المنظّم في زيارة القبر المكرّم، لابن حجر الهيتميّ المكّيّ (ت. 973هـ.) ص12.
7. شُعب الإيمان، للحافظ أبي بكر البيهقيّ (ت. 458هـ.).
8. الأحكام السلطانيّة، لأبي الحسن الماورديّ (ت. 450هـ.).
9. الجامع الكبير، لجلال الدين عبدالرحمن السيوطيّ(ت. 911هـ.) ج 8ص99.
10. كنوز الحقائق، لمحمّد عبدالرؤوف المناويّ (ت. 1031هـ.) ص 141. وشرح الجامع الصغير 6:140.
11. وفاء الوفاء، للسيّد نورالدين السمهوديّ (ت. 911هـ.) ج 2 ص 397.
12. الروض الفائق، للشيخ شعيب عبدالله المصري الحريفيش (ت. 801هـ.) ج2 ص137.
الهوامش:
------
1. الغدير 5: 86
2. عيون أخبار الرضا عليه السّلام، للشيخ الصدوق 26:2.
3. أمالي الصدوق:587.
4. عيون أخبار الرضا عليه السّلام 256:2.
5. أمالي الصدوق:62.
6. شفاء السقام:96.
- اقتباس
- تعليق
-
كيفيّة زيارة الإمام الرضا عليه السّلام
للإمام الرضا عليه السّلام زيارات عديدة، أشهرها الزيارة التي وردت في الكتب المعتبرة، ونُسبت إلى الشيخ الجليل محمّد بن الحسن بن الوليد، وهو من مشايخ الصدوق رحمه الله. ويظهر من مزار ابن قولويه أنّها مرويّة عن الأئمّة عليهم السّلام. وكيفيّتها على ما يوافق كتاب (من لا يحضره الفقيه ج2ص602ـ باب310) بهذا الترتيب:
إذا أردت زيارة قبر الرضا عليه السّلام بطوس، فاغتسل قبلمَا تخرج من الدَّار وقل وأنت تغتسل:
بالصوت ( هنا )
وقل وأنت تخرج:
بالصوت ( هنا )
فإذا خرجتَ فقف على باب دارِك وقل:
بالصوت ( هنا )
فإذا وافَيت مشهد الرضا عليه السّلام سالماً إن شاء الله، فاغتسل إذا أردت أن تزور، وقل حين تغتسل:
بالصوت ( هنا )
والبس أطهر ثيابك، وامشِ حافياً وعليك السَّكينة والوقار واذكر الله بقلبك، وقل:
بالصوت ( هنا )
وقصّر خُطاك، وقل حين تدخل الرَّوضة المقدَّسة:
بالصوت ( هنا )
- اقتباس
- تعليق
تعليق
-
زيارة أخرى ثانية
أوردها الشيخ المفيد في كتاب «المقنعة»، قال: تقف عند قبره عليه السّلام بعد ما اغتسلت غسل الزّيارة، ولبست أنظف ثيابك، وتقول:
بالصوت ( هنا )
ثمَّ انكبّ على القبر وقبِّلْه و ضعْ جانبَي وجهك عليه، ثمَّ تحوَّل إلى جَانب الرَّأس وقُل:
بالصوت ( هنا )
ثمَّ صلِّ ركعتين لِلزّيارة وصلّ بعدَها ما شئت، ثمَّ تحوَّل إلى جانب الرِِّجل، فادع بما شئت إن شاء الله.
ولزيارته عليه السّلام في السَّاعات والأيَّام الشّريفة المنتمية إليه بنوع من المناسبات فضل كثير، ولاسيّما في شهر رجب، وفي الثالث والعشرين من ذي القعدة، والخامس والعشرين منه، وفي السّادس من شهر رمضان، كما ذُكر في مواقعها من أعمال الشّهور والأيّام، وكذلك غير هذه الأيّام، ممّا ينتمي إليه.
وإذا أردت أن تودّعه عليه السّلام فودّعه بما كنت تودّع به النّبيَّ صلّى الله عليه وآله:
بالصوت ( هنا )
كذا روى هذه الزيارةَ الشيخ محمّد بن المشهديّ في «المزار الكبير»، ورواها الشيخ المفيد في كتاب «المزار:197».
- اقتباس
- تعليق
تعليق
اقرأ في منتديات يا حسين
تقليص
لا توجد نتائج تلبي هذه المعايير.
تعليق