استكمالاً لما طرحناه في أصل الموضوع وتوضيحاً لما اثير بعد ما طرحناه نستعين بالله تعالى فنقول:
أولاً: المسألة التي يجري البحث عنها هي مسألة تاريخية، ولكن قد يكون لها جنبة عقائدية وأخرى فقهية.
توضيح ذلك: قد يدعى أن إجارة النبي (ص) أو أحد المعصومين عليهم السلام نفسه لغيرهم فيه حط من منزلتهم وقدرهم، وخاصة لو كان لغير المسلم، بل وقد يدعى في بعض الصور أن بعض انواع الاجارة فيها نوع من الاستعلاء والسلطنة التي تتنافى مع مقام الإيمان والنبوة. فتكون محرمة شرعاً وممتنعة على النبي أو المعصوم. أو يدّعى أن مثل هذه الإجارة إن حصلت قبل النبوة فإنها ستكون منفرة وداعياً لعدم الاقرار بما جاء به النبي(ص).
وعلى فرض صحة هذه الدعوى أو عدم صحّتها فإن هذا الأمر لا يخرج المسألة المبحوث عنها عن كونها مسألة فرعية جزئيةلا يترتب عليها دخول أو خروج من الإسلام أو التشيع، فما نراه من حدة وتسقيط وما أشبه ذلك بعيد كل البعد عن روح الدين الحنيف.. فالحذر الحذر.
ثانياً ما يدّعى دلالته على الاجارة: لكي يتسلسل البحث بطريقة منطقية لا بدّ من طرح ما يمكن ان يكون مثبتاً ثم ما يمكن أن يكون نافياً والنظر فيه.
وسنتعرض أولاً لما ورد عند الشيعة ثم نعرّج على ما يذهب إليه العامة.
ذكرنا في اصل الموضوع أن عبارة (أجيراً) الواردة في كلام الإمام الرضا عليه السلام محمولة على المضاربة بالقرينة التي أتينا على ذكرها.
وقد ادّعي أيضاً وجود روايات تدل على المعنى المدعى وهي ما رواه الصدوق في أماليه ص330 حيث ورد فيها:
فانطلق علي ( عليه السلام ) إلى جار له من اليهود يقال له شمعون يعالج الصوف ، فقال : هل لك أن تعطيني جزة من صوف تغزلها لك ابنة محمد بثلاثة أصوع من شعير ؟
قال : نعم .
فأعطاه فجاء بالصوف والشعير ، وأخبر فاطمة ( عليها السلام ) فقبلت وأطاعت ، ثم عمدت فغزلت ثلث الصوف ، ثم أخذت صاعا من الشعير.
لكنا نجد أن الرواية قد نقلت بصيغ أخرى تفيد بأن علياً عليه السلام اقترض الشعير حيث ورد:
فانطلق علي ع إلى شمعون بن حاريا الخيبري فاقترض منه ثلاثة أصوع من شعير (الإقبال بالأعمال الحسنة لابن طاووس-ط القديمة، ج1ص528، وكذلك بناء المقالة الفاطمية لابن طاووس ص236، مناقب آل ابي طالب لابن شهر آشوب ج3 ص147)
فما أخذه عليه السلام كان قرضاً بحسب هذه الروايات.
ثالثاً : ما استدلّ به للمنع
ذكرنا سابقاً أكثر من رواية ظاهرة في النهي عن إجارة الرجل نفسه، وقلنا بأنها محمولة على الكراهة جمعاً بينها وبين ما دلّ على الجواز (إجارة النبي موسى ع)
تفضّل بعض الاخوة بنقل كلام بعض علمائنا فآثرنا نقل نقل بعض الكلمات لتوضيح المسألة:
فقد ذكر الشيخ الطوسيفي الاستبصار ج3 ص55:
فلا ينافي (خبر موسى ع) الخبر الأول (النهي عن الاجارة) لان الخبر الأول محمول على ضرب من الكراهية دون الحظر وهذا الخبر على الجواز ورفع الحظر ولا تنافي بينهما على هذا الوجه .
وله أيضاً في تهذيب الأحكام ج6 ص353:
قال محمد بن الحسن (أي الطوسي نفسه) : لا تنافي بين الخبرين لان الخبر الأول (لا يؤاجر نفسه) محمول على ضرب من الكراهية دون الحظر ، والوجه في كراهية ذلك أنه لا يأمن ان لا ينصحه في عمله فيكون مأثوما، وقد نبه على ذلك في الخبر الثاني من قوله لا بأس إذا نصح قدر طاقته.
علّق الفيض الكاشاني على ذلك في الوافي ج17 ص148 (باب كراهية إجارة الرجل نفسه) بقوله:
... و في التهذيبين جمع بين الأخبار بحمل المنع على الكراهية.
و فيه أنه يبعد أن يكون معاملة موسى و شعيب على نبينا وآله و عليهما السلام معاملة مكروهة. والأولى أن يحمل المنع ما إذا استغرقت أوقات المؤجر كلها بحيث لم يبق لنفسه منها شيء كما دلت عليه الرواية الأخيرة من الحديث الأول.
و أما إذا كانت بتعيين العمل دون الوقت كله فلا كراهية فيها كيف و قد كان أمير المؤمنين ع يؤاجر نفسه للعمل ليهودي و غيره في معرض طلب الرزق كما ورد في عدة من الأخبار.
واستجود ذلك المحقق البحراني في حدائقه ج21 ص531
لكنا نجد أن ما ذهب اليه الكاشاني من حمل المنع على صورة استغراق الوقت ليس هو الراجح، فعدا عما ذهب اليه الفقهاء من الكراهة مطلقاً، بما استفاده الشيخ الطوسي من الرواية (لا يأمن ان لا ينصحه) وهو ما لا يتحقق بين الأنبياء أنفسهم، فقد يقال بارتفاع الكراهة فيما لو كانت الاجارة بين الانبياء انفسهم (لو كان كل من الطرفين نبياً) للتعليل المذكور، وتبقى الكراهة على حالها في بقية الصور.
وممن عثرنا تصريحهم بالكراهة من العلماء غير من ذكرنا:
العلامة الحلي في تذكرة الفقهاء ج2 ص290 الحر العاملي في هداية الأمة إلى أحكام الأئمة ج6 69
التستري في النجعة في شرح اللمعة الدمشقية ج7 ص57
الاردبيلي في مجمع الفائدة ج10 ص80
الحسين بن محمد العصفور البحراني في سداد العباد ورشاد العباد ص454
جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام، ج22، ص: 468
والخلاصة أن الروايات ظاهرة في النهي المحمول على الكراهة.
رابعاً: فيما لو كان الطرف الآخر كافراً
لا باس بالتعرض أيضاً إلى ما لو كان الطرف الآخر كافراً بالخصوص، فإن الروايات التي نقلها العامة وإن لم تتضمن أنه كان أجيراً عند كافر إلا أن بعض الاعضاء حاول الايحاء بذلك، أو ان الجو أوحى بذلك، وقد ورد عندنا تصريح بمنع ذلك.
ففي جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام، ج22، ص: 468 باب المكروهات أثناء ذكر المكروهات: ..(يكره) أن يجعل المؤمن نفسه أو غلامه المؤمن أجيرا لمخالف في الدين، من غير شرط المباشرة. أما معها فاما حرام مطلقا أو لخصوص الكافر.
وفي قواعد الأحكام للعلامة الحلي ج2 ص286: .. استأجر الكافر مسلما للخدمة أو مصحفا للنظر فيه لم يصح.
وفي جامع المقاصد للمحقق الكركي ج7 ص122: فلأن المسلم لا يجوز أن يكون أجيرا لكافر.
خامساً: ما عند العامة
وأما عند العامة فإنّهم نقلوا بعض الروايات عن شخص أكثر من وضع الحديث على لسان النبي (ص).. ولكن كتبهم رغم ذلك نقلت كما ذكرنا سابقاً أن النبي (ص) ما كان أجيراً عند أحد قط، وهذا ما رواه عمّار عن عم السيدة خديجة زوجة النبي (ص)، وعن غيره من المصادر. وليست الكراهة من مختصات الشيعة فهذا أحد علمائهم وهو زين الدين بن إبراهيم بن محمد المعروف بابن نجم ينقل في كتاب: الأشباه والنظائر على مذاهب أبي حنيفة النعمان
مسألة: الجزء الثالث 25 - ويكره للمسلم أن يؤجر نفسه من كافر لعصر العنب ...
الحاشية رقم: 1
( 25 ) قوله : ويكره للمسلم أن يؤجر نفسه من كافر لعصر العنب . أقول ليس عصر العنب قيدا بل المراد أن يؤجر نفسه لخدمته لما في شرح المجمع لابن الملك : لو استأجر الكافر مسلما للخدمة جاز اتفاقا ولكنه يكره لأن فيه استهانة صورة.
سادساً: توضيح معنى الإجارة وصورها
لتوضيح المقصود بين معاني الاجارة وصورها نقول باختصار:
ذكرنا سابقاً أن الاجارة الخاصة هي اجارة لمدة معينة، وقد ذكر بعض الفقهاء أنها لمدة معينة مع شرط المباشرة.
ويترتب على ذلك جواز الاجارة فيما لو كانت في الذمة دون ما لو كانت في وقت معيّن لانه يقتضي السلطنة والسبيل المنفي بالآية. واذا ما كان بالذمة فإنه يكون كالدين حينها.
علماً أن الاجارة على العين تعني استيلاء المستأجر عليها لينتفع منها، وهو تمليك المنفعة.
وأما اجارة الاعمال أي أن يؤجر نفسه لعمل فإنها تقتضي أن يكون الشخص تحت سلطان المستأجر لينتفع منع بحسب الاجارة. وفي المسألة تفاصيل أخرى لا مجال للتعرض لها الآن.
اللهم صلِّ على محمد وآل محمد .،
:
الاخ شعيب العاملي لاشك انك تبذل مجهودا وفقك الله لمرضاته .
:
المسألة التي يجري البحث عنها هي مسألة تاريخية، ولكن قد يكون لها جنبة عقائدية وأخرى فقهية وعلى فرض صحة هذه الدعوى أو عدم صحّتها فإن هذا الأمر لا يخرج المسألة المبحوث عنها عن كونها مسألة فرعية جزئيةلا يترتب عليها دخول أو خروج من الإسلام أو التشيع، فما نراه من حدة وتسقيط وما أشبه ذلك بعيد كل البعد عن روح الدين الحنيف.. فالحذر الحذر.
نعم هي مسألة فرعية تاريخية والاراء فيها قابلة للنقاش والنقض.
:
ذكرنا في اصل الموضوع أن عبارة (أجيراً) الواردة في كلام الإمام الرضا عليه السلام محمولة على المضاربة بالقرينة التي أتينا على ذكرها.
نعم فحتى لو قال أحدهم أن الاجير لغة هي : المستأجر .موثقا تعريفها من لسان العرب .
لكن القرينة التي صاحبت أول الموضوع مقبولة على حملها بوجه من المضاربة بل كافية .
:
لا باس بالتعرض أيضاً إلى ما لو كان الطرف الآخر كافراً بالخصوص، فإن الروايات التي نقلها العامة وإن لم تتضمن أنه كان أجيراً عند كافر إلا أن بعض الاعضاء حاول الايحاء بذلك، أو ان الجو أوحى بذلك، وقد ورد عندنا تصريح بمنع ذلك
نعم صحيح ..وهذا اللبس وجدته حتى عند العامة فأستبدلوا كلمة (اهل مكة) بـ (اثرياء قريش) .
وهذا ما لم يثبت ابدا ولا توجد رواية واحدة على الاقل تقول بأنه عمل عند كافر.
:
اكتفي بهذا التعليق البسيط لما تفضلت به أخ شعيب العاملي
وفيه مفاصل اخرى قد نرجع للتنويه والاضافة أن قدر الله ذلك
:
وفقكم الله لمرضاته
يقول الاخ علي الدرويش انه لادليل على ان الرسول عمل اجيرا عند كافر من اهل مكة فنقول ماهو الدليل على انه ماعمل اجيرا عند كافر بل الدليل عكسه لان كلمة اهل مكة تشير الى الكفار تغليبا لان اهل مكة ماكان فيهم مسلما الا معدودين على عدد الاصابع كانوا مسلمين وبالباقين كلهم كفار مشركين وقوله اهل مكة انما تحمل على التغليب الكفار لان الموحدين الحقيقين الاثنين او الثلاثة الذين كانوا موجودين ماكانوا كلهم اغنياء ولو عمل عند احد منهم لقال كنت اعمل عند فلان اجيرا ولم يقل عند اهل مكة على التعميم والتغليب
والسؤال مالمانع الشرعي والعقلي من ان يعمل النبي قبل نبوته اجيرا عندالكفار او المشركين؟؟
يقول الاخ علي الدرويش انه لادليل على ان الرسول عمل اجيرا عند كافر من اهل مكة فنقول ماهو الدليل على انه ماعمل اجيرا عند كافر
بما أنه لا تخصيص في الروي ولا تحديد فلم حمل المذكور على الدلالة !؟
فهل الرعي (بأجرة ) يتطلب العمل عند أكثر الناس ؟
أم بأني اذا عملت لدى شخص واحد فقد كنت أجيرا ...
فأن كان رسول الله قد عمل بالاجرة مع رجل واحد من اهل مكة لكفى الامر دلالة .فتآمل ..
بل الدليل عكسه لان كلمة اهل مكة تشير الى الكفار تغليبا لان اهل مكة ماكان فيهم مسلما الا معدودين على عدد الاصابع كانوا مسلمين وبالباقين كلهم كفار مشركين وقوله اهل مكة انما تحمل على التغليب الكفار لان الموحدين الحقيقين الاثنين او الثلاثة الذين كانوا موجودين ماكانوا كلهم اغنياء ولو عمل عند احد منهم لقال كنت اعمل عند فلان اجيرا ولم يقل عند اهل مكة على التعميم والتغليب
تآمل الرواية فهل أتفق الرواة في لفظ ( أهلي ) ، (أهل مكة)
طالما الروّي مختلف من رجل واحد فلا تقيم استنتاج جانبي من قاعدة قد لا تصح !
والسؤال مالمانع الشرعي والعقلي من ان يعمل النبي قبل نبوته اجيرا عندالكفار او المشركين؟؟
خامساً: ما عند العامة
وأما عند العامة فإنّهم نقلوا بعض الروايات عن شخص أكثر من وضع الحديث على لسان النبي (ص).. ولكن كتبهم رغم ذلك نقلت كما ذكرنا سابقاً أن النبي (ص) ما كان أجيراً عند أحد قط، وهذا ما رواه عمّار عن عم السيدة خديجة زوجة النبي (ص)، وعن غيره من المصادر. وليست الكراهة من مختصات الشيعة فهذا أحد علمائهم وهو زين الدين بن إبراهيم بن محمد المعروف بابن نجم ينقل في كتاب: الأشباه والنظائر على مذاهب أبي حنيفة النعمان
مسألة: الجزء الثالث 25 - ويكره للمسلم أن يؤجر نفسه من كافر لعصر العنب ...
الحاشية رقم: 1
( 25 ) قوله : ويكره للمسلم أن يؤجر نفسه من كافر لعصر العنب . أقول ليس عصر العنب قيدا بل المراد أن يؤجر نفسه لخدمته لما في شرح المجمع لابن الملك : لو استأجر الكافر مسلما للخدمة جاز اتفاقا ولكنه يكره لأن فيه استهانة صورة.
الزميل الكمال
لا باس بان تكلف نفسك عناء المراجعة لما ذكرناه وأعاده عليك الاخ علي الدرويش.
فلم يرد ما يدل صريحاً على كونه أجيراً عند الكفار لا عند الشيعة ولا عند السنة، بينما ورد ما دل على المنع من ذلك عند الفريقين.
الزميل الحامدي
أجبنا حول هذه النقطة أيضاً فراجع وتدبّر يرحمنا الله وإياك.
تعليق