السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
هذه نبذة قمت بكتابتها عن المذهب الإباضي بهدف نشرها في النت لما أراه من هجوم ظالم على مذهب أهل الحق والاستقامة، وقد أطلعت عليها عدة مشائخ وأساتذة فضلاء من مركز الشيخ حمود بن حميد الصوافي حفظه الله، وعدلت ما أشار عليّ بتعديله من قرأها، أضعها بين أيديكم للفائدة، وأرجو لو يستطيع أي واحد نشرها بقدر ما يستطيع على الشبكة، وهي من سبع عشرة صفحة فقط.
بسم الله الرحمن الرحيم
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستهديه، ونؤمن به ونتوكل عليه، ونستغفره من جميع الذنوب والخطايا ونتوب إليه، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا عبده ورسوله، أرسله ربي بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون، وأصلي وأسلم عليه وعلى آله الطيبين الطاهرين وعلى الصحابة المهتدين ومن سار على نهجهم واتبع هداهم إلى يوم الدين
أما بعد:
ما وضعت هذا الموضوع لإثارة فتنة ولا شغب، ولا لمناقشات ساخنة وسب وشتم، إنما تجولت في مواقع الشبكة، فهالني ما رأيته فيها، وأصرح لكم من الآن أنني من أتباع المذهب الإباضي، أتيت هنا فقط لأُعرِّف بالمذهب، وأعطي نبذة عنه، حتى يعلم بأمره من جهله، ويصحح معلوماته من زُوِّرت عليه.
نشأة المذهب الإباضي
في الفتنة الكبرى بين الصحابة في معركة صفين، والتي وقعت بين علي بن أبي طالب -كرم الله وجهه- وبين معاوية، وبعدها انقسم المسلمون سياسيا إلى ثلاث فئات:
جيش معاوية "الشام"
جيش علي "العراق والكوفة"
جيش المحكمة "حروراء ومن بعدها النهروان"
ولا أريد التعمق في الكلام عن هذه القضية فليس هو موضوع حديثنا، وهي مشهورة في كتب التاريخ -على بعض الملابسات فيها، وأنصح بشدة من أراد الاطلاع على تحقيق معمق في هذه القضية بالرجوع إلى كتاب "الخوارج والحقيقة الغائبة" للشيخ ناصر السابعي طبعة مكتبة الضامري سلطنة عمان-
ولكن للاختصار أذكر بعض الحقائق المزورة وتصحيحها:
فقد ذُكر في كتب التاريخ أنه عندما رفع جيش معاوية المصاحف، عرف علي أنها خدعة وأراد مواصلة القتال، إلا أن مجموعة من الناس –وقد كانوا يُدعون يومئذ بالقراء- جاؤوه وطلبوا منه أن يجيب داعي الله وإلا رموه برمته وتخلوا عنه، فأمر الأشترَ وألح عليه أن يقف عن القتال –وكان الأشتر رافضا لذلك- ثم بعدها رجع الأشتر وتشاتم هو والقراء، ثم جاء رسول معاوية إلى علي أن بيننا كتاب الله، يجتمع واحد منا وواحد منكم فيحكمان بكتاب الله، فأراد علي أن يخرج ابن عباس فرفض القراء ذلك، ثم أرد أن يخرج الأشتر فرفضوا وقالوا: وهل سعرها إلا الأشتر؟! وأبوا إلا أن يخرج أبا موسى، فحاول مناقشتهم فرفضوا –مع ما يذكر عن أبي موسى أنه كان يثبط الناس عن علي.
ثم بعد ذلك كُتب الكتاب وكان مكتوبا فيه: هذا ما اصطلح عليه أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ومعاوية بن أبي سفيان.
فرفض رسول معاوية تلك العبارة إذ أنهم لا يقرون بإمارة علي، فمسح علي اسم الإمارة اقتداء برسول الله في صلح الحديبية.
ثم اختلفوا هل يقدم اسم علي في الكتاب أم اسم معاوية؟ فكل جيش يرى صاحبه أحق بتقديم اسمه، حتى اصطلحوا على أن الكتاب المأخوذ إلى جيش معاوية يقدم فيه اسم معاوية والمأخوذ إلى جيش علي يقدم فيه اسم علي، وكان يقرأ الكتاب على جيش علي الأشعث بن قيس، ويطوف به عليهم، فلما انتهى إلى إحدى القبائل، أنكر عروة بن أدية –أخو أبي بلال مرداس بن حدير، وأدية أمهما وقيل جدتهما- أن يحكم الرجال في كتاب الله إذ الحكم واضح في المسألة خاصة بعد أن قُتل عمار بن ياسر –وكان مع علي فقتله جيش معاوية- مع ما ورد في الحديث من اثنين وثلاثين طريقا "ويح عمار، تقتله الفئة الباغية" وصاح بالعبارة التي أصبحت بعد ذلك شعارا للمحكمة أو الخوارج كما يدعوهم أهل التاريخ، وهي : (لا حكم إلا لله) وضرب مؤخرة بعير الأشعث بسيفه، وانحاز معه جماعة، حتى رجع جيش علي وهم يتشاتمون ويضربون بعضهم بالسياط، وقد كانوا عند ذهابهم متآلفين متوادين.
(على أن الإمام عليّاً لما دخل الكوفة اعتزله عدد كبير من جيشه إلى مكان قريب من الكوفة يسمى حَرَوْرَاء متمسكين بموقفم من التحكيم وأنه تحكيم للرجال في أمر قد حكم الله فيه، ونادى مناديهم: "إن أمير القتال شبث بن ربعي التميمي، وأمير الصلاة عبدالله بن الكواء اليشكري".
أراد الإمام علي -كرم الله وجهه - معرفة حجة الذين اعتزلوه إلى حروراء فأرسل إليهم عبدالله بن العباس ليناظرهم. وتتضارب ها هنا الروايات، هل استطاع ابن عباس أن يرد على ما أبدوه من حجج فأقنعهم فدخل عدد منهم الكوفة ؟ أم لم يقنعهم وحينئذ لم ينجح في ردهم إليها ؟ غير أن الثابت أن الإمام عليَّاً قدم عليهم بنفسه فيما بعد، ويبدو من غالب الروايات أن أهل حروراء فهموا من الإمام علي تراجعه عن إنفاذ التحكيم وقبوله استئناف القتال مع أهل الشام، وأنهم لهذا السبب أجابوه إلى ما أراد من دخولهم جميعاً الكوفة معه، ويؤيد هذا أنهم لما دخلوا الكوفة أشيع أن الإمام علياً رجع عن التحكيم، وأنه إنما يعد العدة لمعاودة قتال الفئة الباغية. فلما بلغ علياً ذلك خطب الناس بقوله: "كذب من قال إني رجعت عن القضية وقلت إن الحكومة ضلال"، فكان ذلك بداية لفصام جديد حيث صار المحكّمة يعترضون على الإمام علي في خطبه مرددين "لا حكم إلا لله". وازدادت المعارضة شدة، الأمر الذي أدى بالإمام علي إلى عدم إنفاذ أبي موسى الأشعري إلى مكان التحكيم في الوقت المحدد له وظلت المحاورات والمجادلات بين الإمام علي وبين المحكّمة، وبينه وبين الأشعث بن قيس ومن معه إذ كان يصر الأشعث على التحكيم ويلح على الإمام علي في قبوله. وفي محاولة أخيرة من المحكّمة أقبل وفد منهم إلى الإمام علي لثنيه عن إجابة معاوية إلى مراده. ويبدو أن ذلك اللقاء كان حاسماً، حين عرفوا منه إصراره على موقفه وعزمه على إنفاذ أبي موسى للقاء عمرو بن العاص.
عندئذ انطلق هذا الوفد ومعهم أصحابهم ممن يرى رأيهم، فاجتمعوا في منزل عبدالله بن وهب الراسبي وعزموا على الانفصال، ثمّ عرضوا الإمامة على وجوههم فتدافعوها ولم يرض بها أحد منهم، وأخيراً قبلها عبدالله بن وهب قائلاً: "هاتوها، أما والله لا آخذها رغبة في الدنيا، ولا أدعها فَرَقاً من الموت"
بعد أن تمت البيعة اجتمعوا في منزل شريح بن أوفى، فأشار عليهم بالتوجه إلى المدائن، إلا أن زيد بن حصن الطائي نصحهم عنها خشية أن يمنعهم من دخولها سعد بن مسعود الثقفي والي علي عليها، ثمّ اجتمع رأيهم على التوجه إلى النَّهروان، وكاتبوا إخوانهم من أهل البصرة يعلمونهم بما اتفقوا عليه، ويستنهضونهم للحاق بهم، ثمّ خرجوا إلى النهروان وحداناً مستخفين لئلا ترى لهم جماعة فيتبعوا، في أثناء ذلك كان علي قد وجه أبا موسى الأشعري إلى أذرح للقاء عمرو بن العاص، واجتمع الحكمان في جمع من أصحابهما لإصدار الحكم في القضية. وتتضارب الروايات بشأن ما جرى بين الحكمين في ذلك اللقاء وما أسفر عنه التحكيم؛ فعلى حين تؤكد روايات عدة أن عمرو بن العاص خدع أبا موسى إذ ولى معاوية الخلافة بعد أن خلع أبو موسى عليّاً، نجد بعض الروايات تبين أن كليهما عزلاً عليّاً ومعاوية وتركا الأمر شورى. وتفيد كل الروايات أنهما تفرقا ولم يصلا إلى حل يرضي الطرفين.
بيد أننا نلاحظ أن ما افترق عليه الحكمان كان مفاجئاً للإمام علي وأصحابه، مما جعله يجمع جنده من جديد متجهاً إلى الشام لاستئناف القتال. وبعث إلى أهل النهروان يعلمهم بما أسفر عنه التحكيم ويدعوهم إلى الدخول معه لمواصلة قتال معاوية وأصحابه. ولكنهم ردوا عليه برفض الانضمام إليه فأيس منهم وتركهم ومضى إلى أهل الشام حتى بلغ النخيلة فعسكر بها.
عند ذاك أقبلت جماعة من أهل البصرة ممن ينكرون التحكيم ليلحقوا بأصحابهم في النهروان يقودها مِسْعَر بن فَدَكي التميمي فلقوا في طريقهم عبدالله بن خباب بن الأرت فقتله مسعر بعد حوار معه بيّن فيه تصويبه لعلي بن أبي طالب، ثمّ اتجهوا إلى النهراون.
بلغ الإمام علياً نبأ مقتل عبدالله بن خباب فقرر بعد إلحاح من الأشعث بن قيس وكثير من جيشه أن يحول وجهته إلى النهروان بدلاً من أهل الشام مطالباً إياهم بدم عبدالله بن خباب.
وتورد بعض الروايات أن علياً طالب أهل النهروان أن يسلموه القتلة وأنهم قالوا: "كلنا قتلته"، إلا أننا نجد - في المقابل - من الروايات ما ينفي عن أهل النهروان أنهم ارتضوا مسلك مسعر بن فدكي في الاستعراض والتقتيل أو سمحوا له بالبقاء في صفوفهم.
ومع ذلك فإننا نرى الإمام عليّاً -كرم الله وجهه - زحف بجيشه إلى النهروان، فجرت هنالك معركة فاصلة قتل فيها معظم أهل النهروان، ولم ينج منهم إلا القليل) الخوراج والحقيقة الغائبة مبحث أهل النهروان
وراجع كتاب التاريخ للطبري، والكامل لابن الأثير، والبداية والنهاية لابن كثير.
هذه نبذة قمت بكتابتها عن المذهب الإباضي بهدف نشرها في النت لما أراه من هجوم ظالم على مذهب أهل الحق والاستقامة، وقد أطلعت عليها عدة مشائخ وأساتذة فضلاء من مركز الشيخ حمود بن حميد الصوافي حفظه الله، وعدلت ما أشار عليّ بتعديله من قرأها، أضعها بين أيديكم للفائدة، وأرجو لو يستطيع أي واحد نشرها بقدر ما يستطيع على الشبكة، وهي من سبع عشرة صفحة فقط.
بسم الله الرحمن الرحيم
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستهديه، ونؤمن به ونتوكل عليه، ونستغفره من جميع الذنوب والخطايا ونتوب إليه، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا عبده ورسوله، أرسله ربي بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون، وأصلي وأسلم عليه وعلى آله الطيبين الطاهرين وعلى الصحابة المهتدين ومن سار على نهجهم واتبع هداهم إلى يوم الدين
أما بعد:
ما وضعت هذا الموضوع لإثارة فتنة ولا شغب، ولا لمناقشات ساخنة وسب وشتم، إنما تجولت في مواقع الشبكة، فهالني ما رأيته فيها، وأصرح لكم من الآن أنني من أتباع المذهب الإباضي، أتيت هنا فقط لأُعرِّف بالمذهب، وأعطي نبذة عنه، حتى يعلم بأمره من جهله، ويصحح معلوماته من زُوِّرت عليه.
نشأة المذهب الإباضي
في الفتنة الكبرى بين الصحابة في معركة صفين، والتي وقعت بين علي بن أبي طالب -كرم الله وجهه- وبين معاوية، وبعدها انقسم المسلمون سياسيا إلى ثلاث فئات:
جيش معاوية "الشام"
جيش علي "العراق والكوفة"
جيش المحكمة "حروراء ومن بعدها النهروان"
ولا أريد التعمق في الكلام عن هذه القضية فليس هو موضوع حديثنا، وهي مشهورة في كتب التاريخ -على بعض الملابسات فيها، وأنصح بشدة من أراد الاطلاع على تحقيق معمق في هذه القضية بالرجوع إلى كتاب "الخوارج والحقيقة الغائبة" للشيخ ناصر السابعي طبعة مكتبة الضامري سلطنة عمان-
ولكن للاختصار أذكر بعض الحقائق المزورة وتصحيحها:
فقد ذُكر في كتب التاريخ أنه عندما رفع جيش معاوية المصاحف، عرف علي أنها خدعة وأراد مواصلة القتال، إلا أن مجموعة من الناس –وقد كانوا يُدعون يومئذ بالقراء- جاؤوه وطلبوا منه أن يجيب داعي الله وإلا رموه برمته وتخلوا عنه، فأمر الأشترَ وألح عليه أن يقف عن القتال –وكان الأشتر رافضا لذلك- ثم بعدها رجع الأشتر وتشاتم هو والقراء، ثم جاء رسول معاوية إلى علي أن بيننا كتاب الله، يجتمع واحد منا وواحد منكم فيحكمان بكتاب الله، فأراد علي أن يخرج ابن عباس فرفض القراء ذلك، ثم أرد أن يخرج الأشتر فرفضوا وقالوا: وهل سعرها إلا الأشتر؟! وأبوا إلا أن يخرج أبا موسى، فحاول مناقشتهم فرفضوا –مع ما يذكر عن أبي موسى أنه كان يثبط الناس عن علي.
ثم بعد ذلك كُتب الكتاب وكان مكتوبا فيه: هذا ما اصطلح عليه أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ومعاوية بن أبي سفيان.
فرفض رسول معاوية تلك العبارة إذ أنهم لا يقرون بإمارة علي، فمسح علي اسم الإمارة اقتداء برسول الله في صلح الحديبية.
ثم اختلفوا هل يقدم اسم علي في الكتاب أم اسم معاوية؟ فكل جيش يرى صاحبه أحق بتقديم اسمه، حتى اصطلحوا على أن الكتاب المأخوذ إلى جيش معاوية يقدم فيه اسم معاوية والمأخوذ إلى جيش علي يقدم فيه اسم علي، وكان يقرأ الكتاب على جيش علي الأشعث بن قيس، ويطوف به عليهم، فلما انتهى إلى إحدى القبائل، أنكر عروة بن أدية –أخو أبي بلال مرداس بن حدير، وأدية أمهما وقيل جدتهما- أن يحكم الرجال في كتاب الله إذ الحكم واضح في المسألة خاصة بعد أن قُتل عمار بن ياسر –وكان مع علي فقتله جيش معاوية- مع ما ورد في الحديث من اثنين وثلاثين طريقا "ويح عمار، تقتله الفئة الباغية" وصاح بالعبارة التي أصبحت بعد ذلك شعارا للمحكمة أو الخوارج كما يدعوهم أهل التاريخ، وهي : (لا حكم إلا لله) وضرب مؤخرة بعير الأشعث بسيفه، وانحاز معه جماعة، حتى رجع جيش علي وهم يتشاتمون ويضربون بعضهم بالسياط، وقد كانوا عند ذهابهم متآلفين متوادين.
(على أن الإمام عليّاً لما دخل الكوفة اعتزله عدد كبير من جيشه إلى مكان قريب من الكوفة يسمى حَرَوْرَاء متمسكين بموقفم من التحكيم وأنه تحكيم للرجال في أمر قد حكم الله فيه، ونادى مناديهم: "إن أمير القتال شبث بن ربعي التميمي، وأمير الصلاة عبدالله بن الكواء اليشكري".
أراد الإمام علي -كرم الله وجهه - معرفة حجة الذين اعتزلوه إلى حروراء فأرسل إليهم عبدالله بن العباس ليناظرهم. وتتضارب ها هنا الروايات، هل استطاع ابن عباس أن يرد على ما أبدوه من حجج فأقنعهم فدخل عدد منهم الكوفة ؟ أم لم يقنعهم وحينئذ لم ينجح في ردهم إليها ؟ غير أن الثابت أن الإمام عليَّاً قدم عليهم بنفسه فيما بعد، ويبدو من غالب الروايات أن أهل حروراء فهموا من الإمام علي تراجعه عن إنفاذ التحكيم وقبوله استئناف القتال مع أهل الشام، وأنهم لهذا السبب أجابوه إلى ما أراد من دخولهم جميعاً الكوفة معه، ويؤيد هذا أنهم لما دخلوا الكوفة أشيع أن الإمام علياً رجع عن التحكيم، وأنه إنما يعد العدة لمعاودة قتال الفئة الباغية. فلما بلغ علياً ذلك خطب الناس بقوله: "كذب من قال إني رجعت عن القضية وقلت إن الحكومة ضلال"، فكان ذلك بداية لفصام جديد حيث صار المحكّمة يعترضون على الإمام علي في خطبه مرددين "لا حكم إلا لله". وازدادت المعارضة شدة، الأمر الذي أدى بالإمام علي إلى عدم إنفاذ أبي موسى الأشعري إلى مكان التحكيم في الوقت المحدد له وظلت المحاورات والمجادلات بين الإمام علي وبين المحكّمة، وبينه وبين الأشعث بن قيس ومن معه إذ كان يصر الأشعث على التحكيم ويلح على الإمام علي في قبوله. وفي محاولة أخيرة من المحكّمة أقبل وفد منهم إلى الإمام علي لثنيه عن إجابة معاوية إلى مراده. ويبدو أن ذلك اللقاء كان حاسماً، حين عرفوا منه إصراره على موقفه وعزمه على إنفاذ أبي موسى للقاء عمرو بن العاص.
عندئذ انطلق هذا الوفد ومعهم أصحابهم ممن يرى رأيهم، فاجتمعوا في منزل عبدالله بن وهب الراسبي وعزموا على الانفصال، ثمّ عرضوا الإمامة على وجوههم فتدافعوها ولم يرض بها أحد منهم، وأخيراً قبلها عبدالله بن وهب قائلاً: "هاتوها، أما والله لا آخذها رغبة في الدنيا، ولا أدعها فَرَقاً من الموت"
بعد أن تمت البيعة اجتمعوا في منزل شريح بن أوفى، فأشار عليهم بالتوجه إلى المدائن، إلا أن زيد بن حصن الطائي نصحهم عنها خشية أن يمنعهم من دخولها سعد بن مسعود الثقفي والي علي عليها، ثمّ اجتمع رأيهم على التوجه إلى النَّهروان، وكاتبوا إخوانهم من أهل البصرة يعلمونهم بما اتفقوا عليه، ويستنهضونهم للحاق بهم، ثمّ خرجوا إلى النهروان وحداناً مستخفين لئلا ترى لهم جماعة فيتبعوا، في أثناء ذلك كان علي قد وجه أبا موسى الأشعري إلى أذرح للقاء عمرو بن العاص، واجتمع الحكمان في جمع من أصحابهما لإصدار الحكم في القضية. وتتضارب الروايات بشأن ما جرى بين الحكمين في ذلك اللقاء وما أسفر عنه التحكيم؛ فعلى حين تؤكد روايات عدة أن عمرو بن العاص خدع أبا موسى إذ ولى معاوية الخلافة بعد أن خلع أبو موسى عليّاً، نجد بعض الروايات تبين أن كليهما عزلاً عليّاً ومعاوية وتركا الأمر شورى. وتفيد كل الروايات أنهما تفرقا ولم يصلا إلى حل يرضي الطرفين.
بيد أننا نلاحظ أن ما افترق عليه الحكمان كان مفاجئاً للإمام علي وأصحابه، مما جعله يجمع جنده من جديد متجهاً إلى الشام لاستئناف القتال. وبعث إلى أهل النهروان يعلمهم بما أسفر عنه التحكيم ويدعوهم إلى الدخول معه لمواصلة قتال معاوية وأصحابه. ولكنهم ردوا عليه برفض الانضمام إليه فأيس منهم وتركهم ومضى إلى أهل الشام حتى بلغ النخيلة فعسكر بها.
عند ذاك أقبلت جماعة من أهل البصرة ممن ينكرون التحكيم ليلحقوا بأصحابهم في النهروان يقودها مِسْعَر بن فَدَكي التميمي فلقوا في طريقهم عبدالله بن خباب بن الأرت فقتله مسعر بعد حوار معه بيّن فيه تصويبه لعلي بن أبي طالب، ثمّ اتجهوا إلى النهراون.
بلغ الإمام علياً نبأ مقتل عبدالله بن خباب فقرر بعد إلحاح من الأشعث بن قيس وكثير من جيشه أن يحول وجهته إلى النهروان بدلاً من أهل الشام مطالباً إياهم بدم عبدالله بن خباب.
وتورد بعض الروايات أن علياً طالب أهل النهروان أن يسلموه القتلة وأنهم قالوا: "كلنا قتلته"، إلا أننا نجد - في المقابل - من الروايات ما ينفي عن أهل النهروان أنهم ارتضوا مسلك مسعر بن فدكي في الاستعراض والتقتيل أو سمحوا له بالبقاء في صفوفهم.
ومع ذلك فإننا نرى الإمام عليّاً -كرم الله وجهه - زحف بجيشه إلى النهروان، فجرت هنالك معركة فاصلة قتل فيها معظم أهل النهروان، ولم ينج منهم إلا القليل) الخوراج والحقيقة الغائبة مبحث أهل النهروان
وراجع كتاب التاريخ للطبري، والكامل لابن الأثير، والبداية والنهاية لابن كثير.
تعليق