جريمة تغييب سنة النبي صلى الله عليه وآله
مع أن النبي صلى الله عليه وآله أمر المسلمين بكتابة حديثه وتبليغه إلى الناس، فقد ارتكبت السلطة بعده صلى الله عليه وآله عملا غريبا بإعلانها تحريم كتابة حديثه صلى الله عليه وآله بل تحريم مجرد تحديث الناس بالحديث النبوي ولو في المسجد!
وقد جمع أبو بكر وعمر ما كتبه الناس من أحاديث النبي صلى الله عليه وآله ثم أحرقاها!
وواصل عمر سياسة التشديد على الصحابة، فضرب بعضهم وحبس بعضا آخر لمجرد أنه حدث حديثا عن النبي صلى الله عليه وآله!
كما أصدر مرسوما مشددا إلى ولاته بحرق كل ما كتب من السنة أو محوه!
ولا يمكنك أن تجد تفسيرا لذلك إلا في شعار (حسبنا كتاب الله!) الذي رفعه عمر بالتفاهم مع زعماء قريش في وجه النبي صلى الله عليه وآله قبل أن يغمض عينيه! فقد اتفقوا فيما بينهم على أن يقبلوا منه القرآن دون السنة!
أما علي وبقية أئمة العترة عليهم السلام فقد وقفوا في وجه قرار منع التحديث، وشجعوا الصحابة على التحديث وتدوين الحديث، عملا بأمر النبي صلى الله عليه وآله بكتابة سنته الذي روته مصادرهم فضلا عن مصادرنا:
روى أبو داود: ٢ / ١٧٦ (عن عبد الله بن عمرو قال: كنت أكتب كل شئ أسمعه من رسول الله (ص) أريد حفظه فنهتني قريش، وقالوا أتكتب كل شئ تسمعه ورسول الله (ص) بشر يتكلم في الغضب والرضا؟! فأمسكت عن الكتاب، فذكرت ذلك لرسول الله (ص) فأومأ بإصبعه إلى فيه فقال: أكتب، فوالذي نفسي
بيده ما يخرج منه إلا حق!). (ورواه أحمد: ٢ / ١٩٢، بتفاوت يسير).
وروى أحمد: ٢ / ٢١٥، عن (عبد الله بن عمرو بن العاص قال قلت: يا رسول الله إني أسمع منك أشياء أفاكتبها؟ قال: نعم. قلت: في الغضب والرضا؟ قال: نعم، فإني لا أقول فيهما إلا حقا!).
وروى الحاكم: ١ / ١٠٥ حديث النسائي هذا وفيه (ما خرج منه إلا حق) ثم قال: فليعلم طالب هذا العلم أن أحدا لم يتكلم قط في عمرو بن شعيب، وإنما تكلم مسلم في سماع شعيب من عبد الله بن عمرو، فإذا جاء الحديث عن عمرو بن شعيب عن مجاهد عن عبد الله بن عمرو، فإنه صحيح). انتهى.
وقال في ص ١٠٦: (نعم فإنه لا ينبغي لي أن أقول إلا حقا) وقال: (رواة هذا الحديث قد احتجا بهم (يقصد البخاري ومسلما) عن آخرهم غير الوليد، وأظنه الوليد بن أبي الوليد الشامي، فإنه الوليد بن عبد الله، وقد علمت على أبيه الكتبة، فإن كان كذلك فقد احتج مسلم به).
وروى الحاكم أيضا: ٣ / ٥٢٨ (عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: قلت يا رسول الله أتأذن لي فأكتب ما أسمع منك؟ قال نعم. قلت في الرضاء والغضب؟ قال: نعم فإنه لا ينبغي لي أن أقول عند الرضاء والغضب إلا حقا! ثم قال (صحيح الإسناد ولم يخرجاه). انتهى.
الأسئلة
١ - قام الدين الإلهي على إرسال الأنبياء عليهم السلام وتنزيل الكتب والصحف الإلهية، فالكتاب والكتابة من أولى خصائصه وبدهياته، فما هو السبب في أن الجيل الأول من صحابة نبينا صلى الله عليه وآله حرموا تدوين أحاديثه فضيعوا حقيقتها على أجيال الأمة، ولم يسمحوا بكتابتها إلا بعد قرن أو قرنين، حتى وصلت الينا في حالتها الفعلية، ومشاكلها الكثيرة التي تضج منها مصادر السنة النبوية!
بل فتحوا بذلك الباب للأعداء لاتهام الإسلام بالتخلف عن الكتابة، التي هي من أول شروط المدنية والوعي الثقافي؟!
٢ - ألا ترون أن رواية الشاب عبد الله العاص، تكشف لنا حقيقة خطيرة هي أن القرشيين الذين دخل الإسلام قليل منهم باختيارهم، ودخل فيه أكثرهم مجبرين تحت السيف بعد هزيمتهم على يد النبي صلى الله عليه وآله في فتح مكة، كانوا يخافون أن يكرس النبي صلى الله عليه وآله الخلافة من بعده لعترته، فكونوا في حياة النبي صلى الله عليه وآله حركة عملت داخل الصحابة لمنع تدوين كلامه الشريف، وكانت تصل بالشباب الذين يدونون أحاديثه الشريفة مثل عبد الله العاص وتنهاهم عن ذلك، بحجة أن النبي بشر يغضب ويتكلم على أشخاص ويحذر منهم ويلعنهم بغير حق، فإذا كتب ذلك صار جزء من الدين، وأضر بمصلحة هؤلاء القرشيين!
وقد جاء موقف النبي صلى الله عليه وآله حاسما، حيث أمر بمواصلة كتابة حديثه لأن منطقه مصون بعصمة الله تعالى في الرضا والغضب: (وما ينطق عن الهوى). فماذا تقولون في هذا التفسير؟
٣ - ما رأيكم في الرواية التالية عن عبد الله العاص، التي تدل على أن الذين نهوه عن كتابة الحديث كانوا يتعمدون الكذب على النبي صلى الله عليه وآله في حياته ويسخرون من كتابة أحاديثه؟! فقد روى الهيثمي في مجمع الزوائد: ١ / ١٥١: (عن عبد الله بن عمرو قال كان عند رسول الله (ص) ناس من أصحابه وأنا معهم وأنا أصغر القوم فقال النبي (ص): من كذب على متعمدا فليتبوأ مقعده من النار. فلما خرج القوم قلت: كيف تحدثون عن رسول الله (ص) وقد سمعتم ما قال! وأنتم تنهمكون في الحديث عن رسول الله (ص)؟! فضحكوا فقالوا: يا ابن أخينا إن كل ما سمعنا منه عندنا في كتاب!). انتهى.
فالرواية تشير إلى أنهم قرشيون (فقالوا يا ابن أخينا)، وأنهم كانوا يكذبون عمدا على النبي صلى الله عليه وآله، وأن ابن العاص انتقدهم بأنكم سمعتم لتوكم تحذير النبي صلى الله عليه وآله لمن يكذب عليه ووعيده له بنار جهنم، وها أنا أراكم تتحدثون عن لسانه بما لم يقل؟! فضحكوا منه وقالوا له: أيها الولد إننا نكتب حديثه مثلك فنحن نتحدث عنه مما هو مكتوب عندنا!!
مع أن النبي صلى الله عليه وآله أمر المسلمين بكتابة حديثه وتبليغه إلى الناس، فقد ارتكبت السلطة بعده صلى الله عليه وآله عملا غريبا بإعلانها تحريم كتابة حديثه صلى الله عليه وآله بل تحريم مجرد تحديث الناس بالحديث النبوي ولو في المسجد!
وقد جمع أبو بكر وعمر ما كتبه الناس من أحاديث النبي صلى الله عليه وآله ثم أحرقاها!
وواصل عمر سياسة التشديد على الصحابة، فضرب بعضهم وحبس بعضا آخر لمجرد أنه حدث حديثا عن النبي صلى الله عليه وآله!
كما أصدر مرسوما مشددا إلى ولاته بحرق كل ما كتب من السنة أو محوه!
ولا يمكنك أن تجد تفسيرا لذلك إلا في شعار (حسبنا كتاب الله!) الذي رفعه عمر بالتفاهم مع زعماء قريش في وجه النبي صلى الله عليه وآله قبل أن يغمض عينيه! فقد اتفقوا فيما بينهم على أن يقبلوا منه القرآن دون السنة!
أما علي وبقية أئمة العترة عليهم السلام فقد وقفوا في وجه قرار منع التحديث، وشجعوا الصحابة على التحديث وتدوين الحديث، عملا بأمر النبي صلى الله عليه وآله بكتابة سنته الذي روته مصادرهم فضلا عن مصادرنا:
روى أبو داود: ٢ / ١٧٦ (عن عبد الله بن عمرو قال: كنت أكتب كل شئ أسمعه من رسول الله (ص) أريد حفظه فنهتني قريش، وقالوا أتكتب كل شئ تسمعه ورسول الله (ص) بشر يتكلم في الغضب والرضا؟! فأمسكت عن الكتاب، فذكرت ذلك لرسول الله (ص) فأومأ بإصبعه إلى فيه فقال: أكتب، فوالذي نفسي
بيده ما يخرج منه إلا حق!). (ورواه أحمد: ٢ / ١٩٢، بتفاوت يسير).
وروى أحمد: ٢ / ٢١٥، عن (عبد الله بن عمرو بن العاص قال قلت: يا رسول الله إني أسمع منك أشياء أفاكتبها؟ قال: نعم. قلت: في الغضب والرضا؟ قال: نعم، فإني لا أقول فيهما إلا حقا!).
وروى الحاكم: ١ / ١٠٥ حديث النسائي هذا وفيه (ما خرج منه إلا حق) ثم قال: فليعلم طالب هذا العلم أن أحدا لم يتكلم قط في عمرو بن شعيب، وإنما تكلم مسلم في سماع شعيب من عبد الله بن عمرو، فإذا جاء الحديث عن عمرو بن شعيب عن مجاهد عن عبد الله بن عمرو، فإنه صحيح). انتهى.
وقال في ص ١٠٦: (نعم فإنه لا ينبغي لي أن أقول إلا حقا) وقال: (رواة هذا الحديث قد احتجا بهم (يقصد البخاري ومسلما) عن آخرهم غير الوليد، وأظنه الوليد بن أبي الوليد الشامي، فإنه الوليد بن عبد الله، وقد علمت على أبيه الكتبة، فإن كان كذلك فقد احتج مسلم به).
وروى الحاكم أيضا: ٣ / ٥٢٨ (عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: قلت يا رسول الله أتأذن لي فأكتب ما أسمع منك؟ قال نعم. قلت في الرضاء والغضب؟ قال: نعم فإنه لا ينبغي لي أن أقول عند الرضاء والغضب إلا حقا! ثم قال (صحيح الإسناد ولم يخرجاه). انتهى.
الأسئلة
١ - قام الدين الإلهي على إرسال الأنبياء عليهم السلام وتنزيل الكتب والصحف الإلهية، فالكتاب والكتابة من أولى خصائصه وبدهياته، فما هو السبب في أن الجيل الأول من صحابة نبينا صلى الله عليه وآله حرموا تدوين أحاديثه فضيعوا حقيقتها على أجيال الأمة، ولم يسمحوا بكتابتها إلا بعد قرن أو قرنين، حتى وصلت الينا في حالتها الفعلية، ومشاكلها الكثيرة التي تضج منها مصادر السنة النبوية!
بل فتحوا بذلك الباب للأعداء لاتهام الإسلام بالتخلف عن الكتابة، التي هي من أول شروط المدنية والوعي الثقافي؟!
٢ - ألا ترون أن رواية الشاب عبد الله العاص، تكشف لنا حقيقة خطيرة هي أن القرشيين الذين دخل الإسلام قليل منهم باختيارهم، ودخل فيه أكثرهم مجبرين تحت السيف بعد هزيمتهم على يد النبي صلى الله عليه وآله في فتح مكة، كانوا يخافون أن يكرس النبي صلى الله عليه وآله الخلافة من بعده لعترته، فكونوا في حياة النبي صلى الله عليه وآله حركة عملت داخل الصحابة لمنع تدوين كلامه الشريف، وكانت تصل بالشباب الذين يدونون أحاديثه الشريفة مثل عبد الله العاص وتنهاهم عن ذلك، بحجة أن النبي بشر يغضب ويتكلم على أشخاص ويحذر منهم ويلعنهم بغير حق، فإذا كتب ذلك صار جزء من الدين، وأضر بمصلحة هؤلاء القرشيين!
وقد جاء موقف النبي صلى الله عليه وآله حاسما، حيث أمر بمواصلة كتابة حديثه لأن منطقه مصون بعصمة الله تعالى في الرضا والغضب: (وما ينطق عن الهوى). فماذا تقولون في هذا التفسير؟
٣ - ما رأيكم في الرواية التالية عن عبد الله العاص، التي تدل على أن الذين نهوه عن كتابة الحديث كانوا يتعمدون الكذب على النبي صلى الله عليه وآله في حياته ويسخرون من كتابة أحاديثه؟! فقد روى الهيثمي في مجمع الزوائد: ١ / ١٥١: (عن عبد الله بن عمرو قال كان عند رسول الله (ص) ناس من أصحابه وأنا معهم وأنا أصغر القوم فقال النبي (ص): من كذب على متعمدا فليتبوأ مقعده من النار. فلما خرج القوم قلت: كيف تحدثون عن رسول الله (ص) وقد سمعتم ما قال! وأنتم تنهمكون في الحديث عن رسول الله (ص)؟! فضحكوا فقالوا: يا ابن أخينا إن كل ما سمعنا منه عندنا في كتاب!). انتهى.
فالرواية تشير إلى أنهم قرشيون (فقالوا يا ابن أخينا)، وأنهم كانوا يكذبون عمدا على النبي صلى الله عليه وآله، وأن ابن العاص انتقدهم بأنكم سمعتم لتوكم تحذير النبي صلى الله عليه وآله لمن يكذب عليه ووعيده له بنار جهنم، وها أنا أراكم تتحدثون عن لسانه بما لم يقل؟! فضحكوا منه وقالوا له: أيها الولد إننا نكتب حديثه مثلك فنحن نتحدث عنه مما هو مكتوب عندنا!!
تعليق