بسم الله الرحمن الرحيم
والحمد لله ربِّ العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين أبا الزهراء محمد وعلى آله الغر الميامين المعصومين وعلى من وآلاهم وأحبهم إلى يوم الدين.
وبعد:
علاقة أبي هريرة بكعب الأحبار:
إن علاقة كعب الأحبار بأبي هريرة ومنعهما معاً من الحديث من قبل عثمان أو عمر، وايستظهر بأنّ الصحابة كانوا على علم بما ينسبه أبو هريرة إلى النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) من حديث كعب، ويؤيّد ذلك ما رواه الدارمي وابن سعد والحاكم وصحّحه وابن عساكر، عن عبد الله بن شقيق، قال:
(جاء أبو هريرة إلى كعب يسأل عنه، وكعبٌ في القوم، فقال كعب: ما تريد منه؟
فقال: أما إنّي لا أعرف أحداً من أصحاب رسول الله (صلى الله عليه[وآله] وسلم) أن يكون أحفظ لحديث رسول الله (صلى الله عليه[وآله] وسلم) منّي.
فقال كعب: أما إنّك لم تجد طالب شيء إلاّ سيشبع منه يوماً من الدهر، إلاّ طالب علم أو طالب دنيا.
فقال: أنت كعب؟
قال: نعم.
قال: لمثل هذا جئتك) (1) .
قلت: إقرأ النصّ وتدبّر.
وروى أبو داود الطيالسي، عن أبي هريرة، أنّه لقي كعباً وجعل يحدّثه ويسائله، فقال كعب: (ما رأيت أحداً لم يقرأ التوراة أعلم بما فيها من أبي هريرة) (2) .
قلت: لكنّ كعباً لم يخبرنا من أين نزل هذا العلم بما في التوراة على
أبي هريرة؟! وكأنّه يخبرنا ـ والأمر ليس بخفيٍّ على أُولي الألباب ـ بأنّي أنا الذي علّمته، وأحفظته، وذاكرته، وساءَلته، كيما أتأكّد من عدم نسيانه وحسن إعداده.
وروى أحمد، عن القاسم بن محمّد، قال: اجتمع أبو هريرة وكعب، فجعل أبو هريرة يحدّث كعباً عن النبيّ (صلى الله عليه[وآله] وسلم) ، وكعب يحدّث أبا هريرة عن الكتب (3) .
ولم يقتصر الأمر على كعب وأبي هريرة، بل تعدّاه إلى ما هو أسوأ من ذلك، فقد سرت الحالة إلى المتلقّين عن أبي هريرة، سواء كانت بقصد أم بدونه، فقد روى مسلم بن الحجّاج وابن عساكر من طريقه عن بسر بن سعيد، أنّه قال: اتّقوا الله وتحفّظوا من الحديث، فوالله لقد رأيتنا نجالس أبا هريرة، فيحدّث عن رسول الله (صلى الله عليه[وآله] وسلم) ويحدّثنا عن كعب، ثمّ يقوم، فأسمع بعض من كان معنا يجعل حديث رسول الله (صلى الله عليه[وآله] وسلم) عن كعب، وحديث كعب عن رسول الله (صلى الله عليه[وآله] وسلم) (4) .
وحتّى يزداد الأمر وضوحاً فدونك أيّ كتاب من الكتب الرجالية والتراجم تجد روايته عن كعب(5) .
وهذه بعض النصوص المختارة على سبيل المثال لا الحصر من حديث أبي هريرة المطابقة لما في الكتاب المقدّس معنىً أو لفظاً كي تتّضح الصورة بشكل أفضل:
1 ـ روى أحمد ومسلم والنسائي والبخاري في التاريخ وغيرهم، عن أبي هريرة، قال: أخذ رسول الله (صلى الله عليه وسلم) بيدي، فقال: خلق الله عزّ وجلّ التربة يوم السبت، وخلق الجبال يوم الأحد، وخلق الشجر يوم الاثنين، وخلق المكروه يوم الثلاثاء، وخلق النور يوم الأربعاء، وبثّ فيها الدوابّ يوم الخميس، وخلق آدم (عليه السلام) بعد العصر من يوم الجمعة في آخر الخلق في آخر ساعة من ساعات الجمعة في ما بين العصر إلى الليل(6) .
ولو راجعت الأصحاح الأوّل من سفر التكوين لوجدت فيه نفس هذا المعنى سوى يوم السبت الذي أضافه أبو هريرة من جرابه، لأنّ المذكور في أوّل الأصحاح الثاني أنّ الله فرغ فيه من عمله الذي عمل واستراح، إلاّ أنّ أبا هريرة لم يرح ربّه في هذا اليوم وجعله يعمل فيه، لأنّ ذلك فيه موافقة لليهود وهذا ما لا يقبل منه، غير إنّه خفي عليه أنّ أيّام الخلق تصبح سبعة وليس ستّة.
2 ـ روى الشيخان، وغيرهما، عن أبي هريرة، عن النبيّ (صلى الله عليه وسلم) ، قال: خلق الله آدم على صورته.
وفي لفظ: إذا قاتل أحدكم أخاه فليتجنّب الوجه، فإنّ الله خلق آدم على صورته (صورة وجهه) .
وفي لفظ: من قاتل فليتجنّب الوجه، فإنّ صورة وجه الإنسان على صورة وجه الرحمن.
وفي لفظ: لا يقولن أحدكم: قبّح الله وجهك ولا وجه من أشبه وجهك، فإنّ الله خلق آدم على صورته(7) .
والنصّ الموجود في الكتاب المقدّس: (فخلق الله الإنسان على صورته. على صورة الله خلقه) الآية 27 من الأصحاح الأوّل من سفر التكوين.
(لأنّ الله على صورته عمل الإنسان) الآية 6 من الأصحاح التاسع من سفر التكوين.
ولا يخفى ما فيه من تشبيه الله تعالى بصورة الإنسان ووجهه، الملازم للجسمية، الملازمة للتركيب، الملازم للاحتياج، الملازم لعدم الألوهية، وهو محال.
وسنكمل البحث في مشاركة أٌخرى إن شاء الله تعالى
والحمد لله ربِّ العالمين
والسلام عليكم.
____________
(1) سنن الدارمي ج 1 ص 65 ح 288، طبقات ابن سعد ج 4 ص 247، مستدرك الحاكم ج 1 ص 170 ح 313، تاريخ دمشق ج 67 ص 341.
(2) تاريخ دمشق ج 67 ص 343، سير أعلام النبلاء ج 2 ص 600.
(3) مسند أحمد ج 2 ص 275.
(4) تاريخ دمشق ج 67 ص 359، سير أعلام النبلاء ج 2 ص 606، تاريخ ابن كثير ج 8 ص 89 عن مسلم.
(5) انظر: نزهة السامعين في رواية الصحابة عن التابعين ـ لابن حجر ـ ص 81 وما بعدها.
(6) مسند أحمد ج 2 ص 327، صحيح مسلم ج 8 ص 127، سنن النسائي الكبرى ج 6 ص 293 ح 11010، تاريخ البخاري الكبير ج 1 ص 413، مسند أبي يعلى ج 1 ص 513 ح 6132، العظمة ـ لأبي الشيخ ـ ص 290 ح 877 و 878، الأسماء والصفات ـ للبيهقي ـ ج 1 ص 58 و ج 2 ص 125، وأخرجه الحاكم في معرفة علوم الحديث ص 33 من قسم المسلسل.
(7) صحيح البخاري ج 8 ص 91 ح 1 كتاب الاستئذان، صحيح مسلم ج 8 ص 32 و ص 149، مسند أحمد ج 2 ص 244 و 251 و 315 و 323 و 434 و 463 و 519، مسند الحميدي ج 2 ص 476 ح 1120 و 1121، منتخب عبد بن حميد ص 417 ح 1427، مصنّف عبد الرزاق ج 10 ص 384 ح 19435، السُنّة ـ لابن أبي عاصم ـ ص 228 ـ 230 ح 515 ـ 521، التوحيد ـ لابن خزيمة ـ ص 36 ـ 37، الشريعة ـ للآجري ـ ص 319 ح 734 ـ 738، صحيفة همّام بن منبّه ص 205 ح 59.