بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صلي على محمد آله الطاهرين
إن ما يفعله الإنسان، وما يتعوّد عليه من سلوك يأتي على أثر بنيانه التربوي، وصياغته النفسية، وقد أكد القرآن الكريم هذه الحقيقة بقوله: { قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِهِ } (الاسراء/84) أي إن شاكلة الإنسان، وصيغة شخصيّته تقفان وراء سلوكه وأعماله، وإلاّ فلماذا يؤمن البعض بوجود الله تبارك وتعالى، ويكفر البعض به رغم وحدة الأدلة والحجج والبراهين، وطبيعة الخلقة الواحدة؟
يجيبنا القرآن الكريم على هذا التساؤل عبر آيات عديدة كقوله: { فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللّهُ مَرَضاً } (البقرة/10) أي إنّ القلب المريض يتنافى مع الإيمان، في حين يستوعبه القلب السليم، وفي آية أخرى يقول عز من قائل: { صُمٌّ بُكْمٌ عُميٌ فَهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ } (البقرة/171) فبسبب طبيعة العمى والصمم والبكم تحدث حالة عدم تحكيم العقل، يقول سبحانه في موضع آخر: { فَإِنَّهَا لاَ تَعْمَى الاَبْصَارُ وَلَكِن تَعْمَى الْقُلُوبُالَّتِي فِي الصُّدُور } (الحج/46) أي إن الحواس الظاهرة لدى الإنسان لا تصاب بالعمى، لأن القلب هو المصاب الأساسيّ. ويقول تعالى كذلك: { إِنَّ الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي ءَايَاتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ إِن فِي صُدُورِهِمْ إِلاَّ كِبْرٌ مَا هُم بِبَالِغِيهِ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ } (غافر/56) فسبب عدم إيمانهم هو الاستكبار المعشّش في قلوبهم. وفي آية أخرى يقول عز وجل: { وَاللّهُ لايَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ } (التوبة/80) أي إن الفسق الذي يتصف به الإنسان الضال هو سبب عدم هدايته.
فبالاستناد الى هذه الآيات وسائر الآيات القرآنية الأخرى المرتبطة بهذا الموضوع، يمكننا تفسير عدم إيمان البعض بحالة تعتريه، لا لنقص في الأدلة والبراهين والآيات.
قوّة الإرادة توجّه العقل وقوّة الإرادة هي التي تدفع الإنسان الى استيعاب الأدلة والبراهين، وهي التي تدفعه الى التقدم. فالإرادة هي التي توجّه العقل، وعندما تكون إرادة الإنسان قويّة فانّها توجّه العقل الى جانب الصلاح؛ أمّا إذا كانت ضعيفة فانّ العقل سوف يتخبّط، ويضلّ الطريق، ولذلك نرى المصابين بالأرق يسرح بهم الفكر قبل النوم، وتهجم عليهم الأفكار السلبية والهواجس، فلا يستطيعون التركيز، وبالتالي فانّهم يعجزون عن النوم خلافاً للإنسان الذي يتمتّع بقوة التركيز، فهذه القوة تعينه على فعل الكثير من الأعمال.
تعليق