أوّلاً أعتذر من الإخوة الكرام عن الانقطاع في الفترة الماضية، فقد انشغلت كثيراً من ناحية، و من ناحية أخرى وجدت أن من الأفضل ترك مجال للإخوة لكي تستريح أعصابهم بعد التوتّر الذي أصاب العديد من الإخوة بسبب ما حصل من استفزازات.
و قد أحسنت إدارة المنتدى بإغلاق المواضيع المستفزّة، و لكن لم نفهم سبب إغلاق موضوع ( وحدة الوجود و الموجود: توحيد خالص ، أم كفر و إلحاد؟) فالبحث فيه لم ينته تماماً بعد، لأنه رغم أننا نعتقد أنّنا بيّنا الأمر بشكل كافٍ وشافٍ، و لكن بعض الإخوة كان عندهم بعض الاعتراضات، و من حقّهم أن توضّح لهم، ولذلك أرجو من إدارة المنتدى إعادة فتح الموضوع مشكورة.
ثانياً: بالنسبة لموضوعنا هذا، فقد تأملت في الإشكالات التي أوردها إخوتنا الأحبة على البرهان الأوّل، و وجدت أنّ من اللازم الجواب عليها قبل الانتقال إلى البرهان الثاني، و سأحاول أن أجيب بمقدار من التفصيل مع بيان بعض المقدمات المفيدة في فهم نفس النظرية و الأدلة عليها و كذلك في فهم الأدلة اللاحقة.
*****
ولكن قبل البحث في الإشكالات العلمية على الدليل، فقد ذكر الأخ (صدى الفكر) إشكالاً لفظياً من الجيد أن نذكره و نوضّحه أولاً، و حاصل الإشكال هو: أن هناك تهافتاً في كلامنا حيث أننا نقول مرة : "الوجودات وجودها عرَضي و على نحو التبعية"، و مرّة ثانية نقول: "وجودها تبعي و ظلي و ليس وجوداً مستقلاً في عرْض وجود الله تعالى"
و حيث أن هذا إشكال لفظي سببه اختلاط المصطلحات على أخينا المستشكل فسنبدأ بتوضيحه ثمّ نرجع إلى الإجابة على الإشكالات العلمية الموجّهة إلى صلب البرهان الذي قدمناه.
و توضيح الجواب على الإشكال اللفظي :
لو دققتم في العبارتين فسوف تجدون أنّ العبارتين مختلفتين تماماً، و أن كلمة (عرض) في كل واحدة لها معنى مختلف عن العبارة الأخرى:
- فقولنا وجودها عَرَضي يعني: تبعي و ظلّي، و ليس ذاتياً و لا أصيلاً و لا مستقلا ، و من درس علم المنطق يعلم أن ما يقابل الذاتي هو العرَضي و هو ينطق بفتح الراء. و هو مصطلح شائع بهذا المعنى في البحوث العقلية، و يؤكّد ذلك أننا ذكرنا أوصافاً بعده توضّح المراد. أنظر إلى العبارة الكاملة:
"المراد من وحدة الوجود هو أنّ الموجود الأصيل و المستقل أي الذي وجوده ذاتي و مستقل واحد لا غير، و هو اللّه تعالى، و ما عداه من الموجودات وجودها عرضي و على نحو التبعية"
و لاحظ كيف ان الذاتي و المستقل هو ما يقابل العرضي و التبعي.
- و أما قولنا بأن "المخلوقات ليس وجودها في عرْض وجود الله"، فهذا مصطلح آخر يُنطق بتسكين الراء، ولا علاقة له بالأول، فما يقابل قولنا "في عرْض كذا" هو " في طول كذا" ، و معنى "في عرْض" هذا يعني في مقابل و موازاة و محاذاة، مثلاً نقول ليس للعبد ملكية في عرْض ملكية سيده بل ملكية العبد هي في طول ملكية السيد. وبهذا يظهر جلياً أن معنى قولنا:
"فلا مناص من التسليم بأن كل الموجودات الأخرى وجودها تبعي و ظلي و ليس وجوداً مستقلاً في عرض وجود الله تعالى و مقابل وجود الله تعالى"
هو أنّ وجود المخلوقات ليس وجوداً مستقلاً في موازاة وجود الله و محاذاته.
- وقد تبيّن من خلال التوضيح المتقدّم أن الإشكال في الحقيقة لفظي ليس إلا و أن دعوانا على حالها منذ البداية لم نغيّر فيها شيئاً ، كما أن المعنى المراد واضح من خلال الأوصاف الحافّة بالكلام بحيث أنّه يمكن استنتاج المراد منها بسهولة حتّى لو لم نقدّم هذا التوضيح، على كلّ حال، نحن كنا و مازلنا نقول:
إنّ وجود المخلوقات تبعي عَرَضي ظلّي و ليس وجوداً مستقلاً في عرْض وجود الله و في مقابل وجود الله.
و الآن لننتقل إلى الإشكالات العلمية، ففي المشاركة التالية سأذكر خلاصة الإشكالات العلمية التي أوردها الإخوة الكرام على الدليل الأول و أجيب عنها بحول الله و قوّته.
تعليق