المشاركة الأصلية بواسطة أنوار الملكوت
بسم الله الرحمن الرحيم
أعجبني هذا الكلام كثيراً، و لي تعليقات عليه :
1- ربما كانت رواية الوقيعة صحيحة و ربما لم تكن صحيحة (كما ذهب إليه بعض العلماء) ، و ربما كان لها موضع غير هذا الموضع مثل ما ذهب إليه بعض العلماء من أنها موضعها مع الرواة الذين يروون الأخبار الكاذبة و ينسبونها للنبي ، و الغرض من الوقيعة فيهم هو تحذير الناس من تصديقهم في رواياتهم. و لكن على كلّ حال ما نقطع به أنّه لا يصحّ تطبيقها في الحوارات العقائدية و العلمية كما يفعل البعض فيشوّهون صورة أهل البيت عليهم السلام بهذه التصرفات.
2- لو طبّق كلّ الناس هذا الأسلوب مع خصومهم فهل سيبقى حوار علمي أصلاً؟! يعني حتّى الوهابي يظنّ نفسه على حق و يدّعي أن الشيعي من أسوأ أهل البدع، فهل واقعاً ترون أن لهم الحق حينئذٍ بممارسة هذه الأساليب ضدّ الشيعة. و لو احتجّوا عليك برواية الوقيعة فماذا ستقول لهم؟ لا تنس أن كلّ فرقة تظن نفسها على الحقّ، و أن الحوارات العلمية هدفها ان نكتشف الحقيقة، فإذا سمحنا بمثل هذه الممارسات فإن الخاسر الأكبر هو الحقيقة التي لن تظهر.
3- في المقابل فإن الآيات و الروايات التي تعلمنا كيفية الكلام مع من يخالفنا حتّى لو كان من أعداء أهل البيت عليهم السلام كثيرة جدا وهو ما اشارت إليه أختنا الكريمة بل هذه واحدة من مسلّمات المذهب الشيعي و من الأمور التي نفتخر بها على مخالفينا، بحيث أننا لا نشكّ أن أهل البيت يريدون منا أن نتعامل بأخلاق عالية و بالحجّة و المنطق مع من يحاججنا في أمور العقائد لا بالوقيعة و الاستهزاء و النيل منهم في مقام النقاش و الحوار، وذلك لسبب بسيط و هو أن صاحب الحق ليس بحاجة إلى هذه الممارسات في إثبات حقّه. انظروا إلى طريقة التي علّمنا إياها القرآن الكريم في الحوار حتّى مع الكفار، فهو يأمر النبي ان يقول لهم:
{وَ إِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلى هُدىً أَوْ في ضَلالٍ مُبين}
إن هذه الآية هي شعار الشيعة على مدى التاريخ، و من خلالها استطاعوا أن يثبتوا أن الحقّ معهم دائماً.
و من ناحية أخرى نجد أن الاستهزاء و التشويش كان هو أسلوب أعداء الحق دائماً. انظر إلى أسلوب الكفار في مواجهة الحقّ ... قال تعالى:
{وَ قالَ الَّذينَ كَفَرُوا لا تَسْمَعُوا لِهذَا الْقُرْآنِ وَ الْغَوْا فيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُون}
{وَ قالُوا يا أَيُّهَا الَّذي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ }
4- من باب المثال (و الأمثلة كثيرة) أحبّ أن أنقل شاهداً عمليا و نظرياً من السيرة العطرة لأهل البيت صلوات الله عليهم لكي يعرف القراء الكرام (حتّى السنة منهم ) ما هو منهج أئمّتنا الحقيقي، و ألفت نظرهم إلى اهمية آخر الرواية بالخصوص:
في الكافي الشريف عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عمن ذكره، عن يونس بن يعقوب قال: كنت عند أبي عبدالله عليه السلام فورد عليه رجل من أهل الشام فقال: إني رجل صاحب كلام وفقه وفرائض وقد جئت لمناظرة أصحابك،
فقال أبوعبدالله عليه السلام: كلامك من كلام رسول الله صلى الله عليه وآله أو من عندك؟
فقال: من كلام رسول الله صلى الله عليه واله ومن عندى
فقال ابوعبدالله: فأنت إذا شريك رسول الله؟ قال: لا، قال: فسمعت الوحي عن الله عزوجل يخبرك؟ قال: لا، قال: فتجب طاعتك كما تجب طاعة رسول الله صلى الله عليه وآله؟ قال: لا، فالتفت ابوعبدالله عليه السلام الي فقال: يا يونس بن يعقوب هذا قد خصم نفسه قبل ان يتكلم.
ثم قال: يا يونس لوكنت تحسن الكلام كلمته، قال يونس: فيالها من حسرة، فقلت: جعلت فداك انى سمعتك تنهى عن الكلام وتقول: ويل لاصحاب الكلام يقولون، هذا ينقاد وهذا لا ينقاد، وهذا ينساق وهذا لا ينساق، وهذا نعقله وهذا لا نعقله، فقال ابوعبدالله عليه السلام: إنما قلت: فويل لهم ان تركوا ما اقول وذهبوا إلى ما يريدون.
ثم قال لى: اخرج إلى الباب فانظر من ترى من المتكلمين فادخله؟ قال: فأدخلت حمران بن أعين وكان يحسن الكلام، وأدخلت الاحول وكان يحسن الكلام وادخلت هشام بن سالم وكان يحسن الكلام، وأدخلت قيس بن الماصر وكان عندى أحسنهم كلاما، وكان قد تعلم الكلام من على بن الحسين عليهما السلام فلما استقر بنا المجلس - وكان أبوعبدالله عليه السلام قبل الحج يستقر أياما في جبل في طرف الحرم في فازة له مضروبة - قال: فأخرج أبوعبدالله رأسه من فازته فاذا هو ببعير يخب فقال: هشام ورب الكعبة!!!
قال: فظننا أن هشاما رجل من ولد عقيل كان شديد المحبة له.
قال: فورد هشام بن الحكم وهو اول ما اختطت لحيته وليس فينا الا من هو اكبر سنا منه، قال: فوسع له ابوعبدالله عليه السلام وقال: ناصرنا بقلبه ولسانه و يده،
ثم قال: يا حمران كلم الرجل، فكلمه فظهر عليه حمران، ثم قال: يا طاقى كلمه فكلمه فظهر عليه الاحول، ثم قال: يا هشام بن سالم كلمه، فتعارفا، ثم قال أبوعبدالله عليه السلام لقيس الماصر: كلمه فكلمه فأقبل ابوعبدالله عليه السلام يضحك من كلامهما مما قد أصاب الشامي.
فقال للشامي: كلم هذا الغلام - يعنى هشام بن الحكم - فقال: نعم فقال لهشام: يا غلام سلني في امامة هذا، فغضب هشام حتى ارتعد ثم قال للشامي: يا هذا أربك أنظر لخلقه أم خلقه لانفسهم؟ فقال الشامي: بل ربي انظر لخلقه، قال: ففعل بنظره لهم ماذا؟ قال، أقام لهم حجة ودليلا كيلا يتشتتوا او يختلفوا، يتألفهم و يقيم أودهم ويخبرهم بفرض ربهم قال: فمن هو؟ قال: رسول الله صلى الله عليه واله، قال هشام: فبعد رسول الله صلى الله عليه واله؟ قال: الكتاب والسنة، قال هشام: فهل نفعنا اليوم الكتاب والسنة في رفع الاختلاف عنا؟ قال الشامي: نعم،
قال: فلم اختلفنا انا و انت وصرت الينا من الشام في مخالفتنا اياك؟ قال: فسكت الشامي،
فقال ابوعبدالله عليه السلام للشامي: ما لك لا تتكلم؟ قال الشامي: إن قلت: لم نختلف كذبت، وإن قلت: ان الكتاب والسنة يرفعان عنا الاختلاف أبطلت، لانهما يحتملان الوجوه وان قلت: قد اختلفنا وكل واحد منا يدعي الحق فلم ينفعنا إذن الكتاب والسنة الا ان لي عليه هذه الحجة، فقال ابوعبدالله عليه السلام: سله تجده مليا.
فقال الشامي: يا هذا من انظر للخلق اربهم او انفسهم؟ فقال هشام: ربهم أنظر لهم منهم لانفسهم، فقال الشامي: فهل أقام من يجمع لهم كلمتهم ويقيم أودهم ويخبرهم بحقهم من باطلهم؟ قال هشام: في وقت رسول الله صلى الله عليه واله أو الساعة؟
قال الشامي: في وقت رسول الله صلى الله عليه وسلم والساعة من؟ فقال هشام: هذا القاعد الذى تشد اليه الرحال، ويخبرنا باخبار السماء [والارض] وراثة عن أب عن جد، قال الشامي: فكيف لى ان اعلم ذلك؟ قال هشام: سله عما بدا لك، قال الشامي، قطعت عذري فعلي السؤال. فقال ابو عبدالله عليه السلام يا شامي: اخبرك كيف كان سفرك؟ وكيف كان طريقك؟ كان كذا وكذا، فاقبل الشامي يقول: صدقت، اسلمت لله الساعة، فقال ابو عبدالله عليه السلام: بل آمنت بالله الساعة، ان الاسلام قبل الايمان وعليه يتوارثون ويتناكحون، والايمان عليه يثابون، فقال الشامي: صدقت فأنا الساعة أشهد أن لا اله الا الله وان محمدا رسول الله صلى الله عليه واله وانك وصى الاوصياء.
[الرواية لم تنته و ما بقي منها هو موضع الشاهد، فالإمام الصادق صلوات الله عليه لم يكتف بانتصار اصحابه على الشامي و اعتراف الشامي بالحق، و لكنّه انتقل إلى تأديب أصحابه هو. لماذا؟ لأنه ليس المهم هو الانتصار للحقّ فقط بل من المهم أن يكون الطريق الذي نسلكه طريقاً صحيحاً... نكمل مع الرواية الرائعة: ]
ثم التفت ابوعبدالله عليه السلام إلى حمران، فقال: تجري الكلام على الاثر فتصيب
والتفت إلى هشام بن سالم، فقال: تريد الاثر ولا تعرفه،
ثم التفت إلى الاحول، فقال: قياس رواغ، تكسر باطلا بباطل الا ان باطلك اظهر،
ثم التفت إلى قيس بن الماصر، فقال: تتكلم واقرب ما تكون من الخبر عن رسول الله صلى الله عليه واله أبعد ما تكون منه، تمزج الحق مع الباطل وقليل الحق يكفي عن كثير الباطل، انت والاحول قفازان حاذقان،
قال يونس: فظننت والله انه يقول لهشام قريبا مما قال لهما، ثم قال: يا هشام لا تكاد تقع، تلوي رجليك إذا هممت بالارض طرت، مثلك فليكلّم الناس، فاتق الزلة، والشفاعة من ورائها ان شاء الله.
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم
وفقك الله لما تُحبهُ وترضاه , للأسف الرواية هي التي تُطبق هنا بالفعل وباقي الكلام لا يأخذبهِ إلا قلة قليلة ..
وصدق القائل :{ لا تستوحشوا الطريق لقلة سالكيه } لأنهم مشغولون بالوقيعة بين الناس !
فكم حمران عندنا , و كم هشاماً عندنا وكم قيس وكم يونس وكم وكم !
لا اقلهم ولا أكثرهم ولا بين ذلك موجود بيننا !
نسأل الله الثبات وفقكم الله أخي الكريم ولا زلت أُتابع مواضيعك اريد التعرف أكثر ..
تعليق