بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد
اللهم صل على محمد وآل محمد
المقدمة
الاختلاف يأتي على نحوين، أحدهما رحمة والآخر عذاب يفتك بالأمة. سأحاول في السطور القادمة سرد حيثيات الأختلاف وأسبابه في صفوف المعارضة البحرينية، والكائن في الفترة الحالية بين اختلاف في سقف المطالب الشعبية؛ فالقوى الشبابية المندرجة حاليا تحت مسمى " ائتلاف شباب ثورة 14 فبراير " تمثل خط المطالبة باسقاط النظام الخليفي الدكتاتوري، والجمعيات السياسية الأخرى بقيادة جمعية الوفاق الوطني تمثل الخط الآخر المطالب بالمملكة الدستورية. بين هذا وذاك ينقسم المجتمع الثوري البحريني في الفترة الحالية.
ستجد أخي القارئ الكريم أنني سأشرع في سرد بعض الأحداث بشكل عام كي نضع صورة شاملة وجلية تتيح للمتتبع فهم الأوضاع على حقيقتها بكل سهولة.
1- صورة أولية للأوضاع في البداية:
مع وصول حمد بن عيسى للحكم في البحرين، بدأ العمل على احداث تغيرات مختلفة في قوانين وأنظمة البلاد التي عاشت سنوات مظلمة عانى فيها الشعب أشد معاناة، وتجرع فيها مرارة الظلم وكبت الحريات لدرجة لا يمكن تصورها. أطلق حمد لدى وصوله ما أسماه بـ " المشروع الاصلاحي "؛ فقـام باطلاق سراح السجناء السياسيين، وأعاد المغتربين لأرض الوطن، وسمح بإنشاء الجمعيات السياسية والنقابات العمالية وغيرها. للوهلة الأولى يتبين لنـا أن هذه الأعمال هي حقوق واجب تطبيقها ولا تعد كرما أو منة. لكن عصور الظلام التي عاشتها البحرين سابقـا، والفرق الذي حصل في ظرف زمني قصير جعل الشعب متفائلا بالمرحلة القادمة.
قام حمد بإجراء حوار مع قيادات المعارضة أصغى فيه لمطالبها المتمثلة خصوصا في تطبيق دستور 1973 م، ومباشرة تم بعد ذلك عمل استفتاء شعبي لميثاق العمل الوطني المكمل للدستور ، والذي بيّن بشكل واضح وصريح تعطش الشعب للحرية والانتقال للمرحلة الجديدة من خلال تصويتهم بنعم للميثاق في 14 فبراير/ 2001م بنسبة 98.4 % .
بعد هذه المرحلة التمهيدية أعطيت الفرصة لتشكيل الجمعيات السياسية ومن بينها الجمعيات المعارضة الحالية: الوفاق ( والتي اجتمع فيها جميع الرموز والقادة السياسيين ومن بينهم الشيخ حسين مشيمع والأستاذ عبد الوهاب حسين والشيخ علي سمان الأمين العام الحالي للجميعة )، وأيضا تشكلت جمعية وعد و أمل ، وغيرها من الجمعيات. وذلك كله وفقا لبنود الميثاق الوطني.
بينما كان الجميع ينتظر الخطوة القادمة التي سيتم فيها تفعيل دستور 1973 م والعمل به، قام حمد بإنشاء دستور جديد مختلف عند الدستور المتفق عليه، وفرضه على الشعب بدون الرجوع له، وبدون أخذ آراء الجمعيات السياسية، وقد تم الانقلاب على الدستور وتشكيل الدستور الجديد في 14 فبراير/ 2002م. الدستور الجديد أعطى فيه الملك لنفسه إمكانية مسك السلطات جميعها، وأعطى له صلاحيات كبيرة جدا أبرزها تعيين أعضاء مجلس الشورى والذي يضم 40 عضوا لهم الأحقية في التصويت! بينمـا كانت صلاحيات المجلس الآخر ( النواب ) المنتخب من الشعب مقتصرة على الاقتراحات ورفعها للمجلس المعين !!
2- موقف الجمعيات والشعب من الانقلاب :
لاقى التصرف الفردي استهجان مختلف الفئات الشعبية التي كانت تنظر للمستقبل نظرة تفاؤل واشراق، فيما لم تختلف نظرة الجمعيات السياسية عن نظرة الشعب. لقد تم مباشرة بعد ذلك اعلان الترشح للانتخابات النيابية ( لسنة 2002 ) و التي امتنع الكثير من أفراد الشعب عن التصويت فيهـا فيما بعد . وكذلك فعلت الجمعيات التي لم تدخل غمار المنافسة على الترشح لما رأته من ضعف بيّن في أصل الدستور الجديد وعدم تلبيته لطموحات المواطنين.
3- جذور الخلاف في صفوف المعارضة
في 23 يوليو 2005م قام حمد بإنشاء قانون معدل خاص بالجمعيات السياسية وقد حوى هذه القانون عدة مغالطات و نواقص تحد من قيمة الجمعيات وتقلل من مجال عملها ؛ حيث قيد القانون عقد اجتماعات الجمعيات وجعله مرتبطا بموافقة السلطة، كما ربط القانون الموافقة على تأسيس أي جمعية بقرار وزير العدل والأدهى من ذلك أنه أعطى الوزير الصلاحية الكاملة لايقاف نشاط الجمعية وحلها متى ما أراد ! كما منع القانون الجمعيات من الاتصال والتعاون مع اي جهة أو مؤسسة خارجية بأي شكل كان بالإضافة إلى الكثير من القيود و كبت الحريات.
تسبب هذا القانون في اعتراض عدة جمعيات عليه ومن بينها الجمعيات المعارضة بطبيعة الحال، وبالأخص جمعية الوفاق التي كانت تضم الأستاذ عبد الوهاب حسين والشيخ حسن مشيمع والشيخ علي سلمان وغيرهم من كبار القادة كما أشرنا. ولكن الأمور شيئا فشيئا أدت إلى انقسام في الجمعية بين مؤيد ومعارض على الموافقة والتوقيع على القانون؛ فكانت إدارة الجمعية الحالية ترى في التوقيع مصلحة رغم النقائص، فيما رأى الشيخ حسن مشيمع والأستاذ عبد الوهاب حسين التوقيع خضوع واستسلام للسطلة. وأدى هذا الاختلاف لانفصال الشيخ حسن والأستاذ عن جمعية الوفاق وتكوينهم لجمعية مستقلة غير مرخصة لا تقبل التوقيع على هذا القانون. ومن هنا كانت البداية .
4- اتساع فوهة الخلاف في انتخابات 2006
بعد مرور دورة كاملة أي 4 سنوات على أول انتخابات للمجلس النيابي والتي قاطعتها الوفاق كما ذكرنـا، حان الوقت للترشح لدورة جديدة. والمفاجأة كانت اعلان جمعية الوفاق مشاركتها في هذه الانتخابات لا لأنها اقتنعت في شرعيتها، بل لتخفيف الأضرار وجلب المنافع ولو البسيطة من هذا الدخول بدل الوقوف خارجا بدون تأثير، وللحيلولة دون اصدار قوانين عشوائية قد تتخذ ضد أبناء الوطن؛ حيث ارتأت الوفاق إلى مقاومة الدستور الجديد بالمشاركة فيه وطرح وجهات نظرها داخله.
نجحت الوفاق في الحصول على 18 مقعد في المجلس النيابي من أصل 40، حيث شكلت أكبر كتلة في الانتخابات وحصلت على أعلى نسبة من تصويت المواطنين. ولكن التوزيع الظالم للدوائر حد من هذه الأغلبية؛ فقد عمدت السلطة لتوزيع الدوائر بطريقة ظالمة تضمن فيهـا الحصول على 22 مقعد موالي لها يمثلون الأغلبية المزيفة في المجلس.
على أعتاب المشاركة وبعد صعود درجة ودرجات فيهـا، ظهرت معارضة شديدة من قبل الشيخ حسن مشيمع والاستاذ عبد الوهاب حسين وشخصيات أخرى أبدت انزعاجها من دخول الوفاق للانتخابات النيابية؛ باعتبارهم أن مجرد الدخول قد أعطى شرعية للدستور الانقلابي. هذا الانزعاج تطور فيما بعد ليكون بوابة لظهور أفكار واطروحات في المجتمع البحريني ضد الوفاق. ومن هنا اتسعت الفوهة لتبقى الأوضاع كما هي عليه في الانتخابات التالية 2010 .
5- ثورة 14 فبراير واستعادة الوحدة
الهاما من الثورتين التونسية ثم المصرية، ونظرا للترتبات السياسية التي عاشتها البحرين والمعارضة طوال سنوات وسنوات من كبت الحريات وآخرها الدستور الانقلابي، قرر مجموعة من الشباب الشرع في ثورة اصلاحية سلمية تهدف لاصلاح النظام وتحسين الأوضاع المعيشية المتردية في البلد. بدأت الثورة يوم 14 فبراير ولاقت اقبال شعبي أقل من المتوسط حيث خرج الآلاف من الشباب في عدة مسيرات متفرقة في أنحاء البحرين، ردت بشكل عنيف وقاسي من قبل السلطة. وأدت لاستشهاد أول شهيد في الثورة " علي مشيمع "، أدى ذلك لظهور أصوات نادرة طالبت باسقاط النظام مباشرة. ولكن الرأي العام للشباب كان متمسكا بمطلب الاصلاح.
وكذلك كانت رؤية الجمعيات السياسية " الوفاق بقيادة الشيخ علي سلمان، حق بقيادة الشيخ حسن مشيمع، الوفاء بقيادة الاستاذ عبد الوهاب حسين " وشخصيات أخرى سياسية كبيرة، الكل اتفق وتوحد على مطلب " اصلاح النظام".
6- الخميس الدامي و انتشار مطلب اسقاط النظام
بعد السماح للمتظاهرين بالاعتصام في دوار اللؤلؤة، أقدمت القوات الخليفية على مباغتة المعتصمين والغدر بهم فجرا في هدئة الظلام وأحدث فاجعة أليمة اطلق عليها اسم " الخميس الدامي " تسببت في استشهاد ثلاثة أفراد، وجرح العشرات. نزل الجيش البحريني للساحات مفتخرا بقبضته الأمنية، لكنه قوبل باصرار شبابي منقطع النظير تحدى وجود الدبابات بصدوره العارية ويده العزلاء التي لم تكن تحمل إلا الورود وأعلام الوطن. وبكل وحشية قامت القوات باطلاق الرصاص الحي على الشباب الأعزل، وتسببت في استشهاد شهيد الفتح علي رضا الذي فتحت دماؤه الدوار من جديد.
هذه العودة بعد غدر الخميس ووقوع ضحايا واصابات لم تكن كسابقتها، فقد تم تكريس شعار اسقاط النظام بقوة، وخط بالخط العريض أعلى المنصة الرئيسية في الدوار " باقون حتى يسقط النظام ".
أما على صعيد القوى السياسية فقد انسحبت جمعية الوفاق نهائيا من مجلس النواب، لكنها أصرت على مطلب الاصلاح المتمثل بالمملكة الدستورية وهكذا بقية الجمعيات المعارضة المرخصة. فيمـا مالت جمعية حق بقيادة المشيمع الذي كان خارج البلد للمطلب الذي تم رفعه أعلى منصة الدوار، ولكن لم يكن بشكل صريح.
7- خدعة العفو الملكي وعودة الخلاف من جديد
مع سيطرة الشباب على الوضع واستمرار الاعتصام السلمي في دوار اللؤلؤة، ومع القيادة الفاعلة لجمعية الوفاق وسيطرتها على الوضع وتسييرها لمسيرات ضخمة التف جميع الشباب تقريبا معهـا على الرغم من التفاوت بين مطلبها ومطلبهم.
وعلى اثر هذه الالتفاف والتوحد، قامت السلطة بكل خبث بوضع خطة خبيثة أطلقت فيها سراح السجناء السياسيين وأصدرت عفو عـام، وذلك من أجل ضرب قوى المعارضة مع بعضها وإثارة الخلافات القديمة. وبالفعل حصل لها ما أرادت فعاد المشيمع الى أرض البحرين، واستعاد الاستاذ عبد الوهاب حسين مكانته وقيادته لبعض الجماعات، ومثلهما كان للشيخ المقداد. فانقسم الناس لقسمين الأول بقي مع الوفاق التي تطالب بالاصلاح، والآخر التف حول القيادات الجديدة. ورغم أن الجو العام بين صفوف المعارضة كان وديا في أول الأيام، إلا أن الاختلاف في المطلب كان واضحا وشديدا. ويظهر ذلك بالنظر مثلا لخروج مسيرتين في نفس الوقت الأولى للوفاق والجمعيات السياسية المرخصة والأخرى لبقية القيادات.
يتبع ،،
تعليق