بسم الله الرحمن الرحيم
استمراراً لما بدأناه في الموضوع الموسوم بـ (ضرورة دراسة الفلسفة لطلاب العلوم الدينية ـ الدليل الأول: ضرورتها للبحوث العقائدية) نودّ في هذا الموضوع تقديم دليل آخر على ضرورة دراسة الفلسفة لطلاب العلوم الدينية، و الدليل كما تلاحظون في العنوان هو: ضرورة الفلسفة الإسلامية لفهم كلمات أهل البيت عليهم السلام. و سنعقبه بدليل ثالث إن شاء الله.
و لكن قبل بيان الدليل و توضيحه أحبّ أن أشير إلى بعض النقاط المهمة التي دار حولها الكثير من الكلام في الآونة الأخيرة:
1- لماذا نطرح هذه المواضيع؟ و هذا الاعتراض يمكن أن يصاغ بطريقتين:
الأولى: لماذا تطرحون هذه المواضيع الخلافية التي تولّد مشاكل بين الشيعة و الموالين لأمير المؤمنين عليه السلام؟ أليس الأولى توجيه الجهد على الدفاع عن المذهب من هجمات الوهابيين أخزاهم الله؟
و الجواب :
- لا ينبغي لهذه المواضيع أن تكون خلافية، فهي مواضيع بطبيعتها فكرية استدلالية هادئة. و السبب في صيرورتها خلافية هو الأسلوب المستعمل من البعض بالسخرية من رموز الطرف الأخر، أو تكفيره أو ... أو من خلال أسلوب التحدي في العنوان أو الطرح أو الأساليب التي باتت معروفة لدى الجميع.
- نحن لم نكن أول من طرح هذه المواضيع، بل كان الإخوة الأعزاء هم من طرحها مع هجوم عنيف رأينا فيه تشويهاً عجيباً للحقيقة، فرأينا من اللازم أن نقدم الصورة الأخرى و الرأي الآخر مع محاولتنا الالتزام بالمنهج العلمي على قدر الاستطاعة (ولا أبرّئ نفسي، و لكنني أسعى جاهداً).
- استغلال هذه المسألة من البعض لإسقاط بعض الشخصيات الإسلامية الراقية جداً، و تصوير الرأي المخالف على أنه من البديهيات تارة أو من الأمور التي ينبغي التقليد فيها تارة أخرى، و الحال أنّ المسألة ليست مسألة فقهية بل مسألة فكرية، و لا ضير أبداً في أن يخالف الإنسان فيها مرجعه.
- ليست الهجمات الواردة علينا من الوهابيين فقط، بل هناك الكثير من الإشكالات الواردة من غيرهم من المتأثرين بالغرب و غيرهم، وقد رأينا كيف أن بعض من كان من طلاب العلوم الدينية قد انحرف بل ألحد في دينه بسبب هذه الإشكالات، و هذه لا تقل أهمية في ردها عن تلك.
و الصيغة الثانية من الإشكال هي: لماذا تطرحون مثل هذه المواضيع التي لا علاقة لعوام الناس بها، فدراسة الفلسفة أو عدمها أمر يتعلّق بطلاب العلم، وبالتالي فالأولى طرحها في أروقة الحوزات لا في المنتدى الحرّ؟
و الجواب:
- ليس كل رواد المنتدى من غير طلاب العلوم الدينية، بل الكثير من الأعضاء و القراء هم فعلاً طلاب علوم دينية أو يرغبون في الانخراط في هذا المجال المقدس أو هم من المهتمين بالبحوث الدينية.
- صحيح أن دراسة الفلسفة مطلوبة من طلاب العلوم الدينية خصوصاً، و لكن إدراك ضرورتها أمر يخص الجميع، فحتّى نحن كأفراد عاديين ينفعنا كثيراً أن نعرف حقيقة هذه المسألة، و من أهم آثارها أن نعرف القيمة العلمية للبحوث، و نميّز بين هذا العالم و ذاك خصوصاً في البحوث العقائدية.
- في الفترة الماضية تمّ طرح الكثير من الإشكالات على عامة الناس سواء في هذا المنتدى الكريم أو غيره، و صار الامر في معرض عامة الناس، وكثرت التساؤلات منهم حوله، فصار لزاماً على الطرف الآخر أن يبين وجهة نظره و لو بشكل مناسب لغير المتخصصين حتّى يتمكّن من يرغب في معرفة الحقيقة من تشخيص الحق.
- إن المسائل العقائدية صارت في الفترة الأخيرة مطروحة علناً، و الإشكالات عليها كذلك، و صار الإنسان المثقف المتدين (و إن لم يكن حوزويا) بحاجة للقراءة و البحث عنها، و حيث أن المتصدّي من العلماء لهذه البحوث هم غالباً من علمائنا المتخصصين في العقليات والفلسفة كالشهيدين الصدر و كالعلامة الطباطبائي و تلاميذه كالشهيد مطهري و العلامة الطهراني و الشيخ السبحاني و الشيخ مصباح اليزدي وغيرهم، و بالتالي فلو تطرّق الشكّ إلى صحة منهجهم، و سلامته و أنه مطابق لمنهج أهل البيت عليهم السلام لأدى إلى النفور من أبحاثهم ولصار ذلك يمثّل حرماناً كبيراً لهذا المثقّف من أبرز مصادر البحوث العقائدية المفيدة في هذا الزمان.
ولذا وجدنا لزاماً علينا أن نبين صحة هذا المنهج لكي يبقى سبيل الاستفادة من هؤلاء الأعاظم.
*****
2- لماذا لا تجيبون على الإشكالات المطروحة من المخالفين للفلسفة؟ و ذلك من قبيل أنها مصدرها اليونان و غيرهم، أو الروايات الواردة في النهي عن الفلسفة و ذم الفلاسفة و غيرها من إشكالات؟
و الجواب:
- نحن أجبنا عن بعض هذه الإشكالات إجمالاً في بعض المواضيع المتفرّقة.
- نحن ننوي أن نقدّم جواباً شافيا مفصلا عن كل واحد من هذه الإشكالات في موضوع مخصص لذلك، بل سنورد غيرها من الإشكالات و نبين جوابها بشكل يشفي الغليل إن شاء الله.
- ولكن قبل دفع الإشكال و المانع رأينا أن من اللازم أن نبين الدافع، لأن ارتفاع المانع لا قيمة له إن لم يكن هناك دافع.
- كما أن الكثير من الإشكالات سيندفع تلقائيا بمجرّد بياننا لهذه الأدلة إن شاء الله.
*****
أرجو أن يكون هذا التوضيح مفيداً وفي المشاركات القادمة سنبدأ ببيان الدليل إن شاء الله.
تعليق