أقوال العلماء في زيف مكاشفات العرفاء
لقد تصدى علماء الطائفة للرد على شبهات وضلالات هذه الفرقة المنحرفة الدخيلة على التشيع وتفتيد أبطايل كهنتها وتعريتهم منذ القرون الأولى و استمر الخلف على سيرة السلف في بيان انحرافات العرفاء حتى عصرنا هذا, وقد ألفوا عشرات الكتب والرسائل والمقالات في رد اعتقاداتهم الباطلة و دحضها.
هناك العديد من الأقوال لأكابر علمائنا في ذمّهم وتسفيه معتقداتهم و تضليلهم والحكم عليهم بالكفر والزندقة والإلحاد. ونحن على كل حال لا نطرحها لنقول للناس جمدوا عقولكم فالقاعدة عندنا هي دائما ( لا تنظر الى من قال ولكن انظر إلى ما قيل) .
نحن نستعرض اقوال اعلام الطائفة المحقة بعد ان عرضنا وبينا بالأدلة العقلية والنقلية زيغ وانحراف العرفاء لتطمئن قلوب الذين آمنوا ويزدادوا إيمانا ..
بما أنّ موضوعنا حول ما يدعيه اولائك الكهنة من مكاشفات لذلك سنقتصر في طرحنا على ذكر بعض أقوال علمائنا الأبرار حول موضوع الكشف الذي يدعيه القوم.
السيد نعمة الله الجزائري (قدس سره) :
قال في كتابه الأنوار النعمانية : إعلم أن هذا الاسم وهو التصوّف كان مستعملاً في فرقة من الحكماء الزائغين عن طريق الحق، ثم قد استعمل بعده في جماعة من الزنادقة، وبعد مجئ الإسلام استُعمل في جماعة من أهل الخلاف كالحسن البصري، وسفيان الثوري، وأبي هشام الكوفي، ونحوهم، وقد كانوا في طرق من الخلاف مع الأئمة عليهم السلام، فإن هؤلاء المذكورين قد عارضوا الأئمة عليهم السلام في أعصارهم، وباحثوهم وأرادوا إطفاء نور الله، والله متم نوره ولو كره الكافرون، والذي وُجد منهم في أعصار علمائنا رضوان الله عليهم، قد عارضهم ورد عليهم، وصنف علماؤنا كتباً في ذمهم والرد عليهم خصوصاً شيخنا المفيد (رحمه الله) فإنه قد أكثر من الرد على الحسين بن منصور الحلاج ومتابعيه وله قصص وحكايات مذكورة في كتب أصحابنا مثل كتاب الغيبة والاقتصاد للشيخ الطوسي رحمه الله... و ورد التوقيع من صاحب الأمر عليه السلام بلعنه (أي الحلّاج) ...
والعجب من بعض الشيعة كيف مال إلى هذه الطريقة مع اطلاعه على أنها مخالفة لطريقة أهل البيت عليهم السلام اعتقاداً واعمالاً , أما الاعتقاد قالوا بالحلول وهو ان الله سبحانه وتعالى قد حلّ بكل المخلوقات حتى بالقاذورات تعالى الله عما يقول الكافرون وقد مثلوا حلول الله بهذه المخلوقات بالبحر وقت اضطراب أمواجه فإن ماء الأمواج وان كان متعدداً إلا انه كله ماء واحد في بحر واحد كثرة التموج فهي واحدة بالحقيقة متعددة بالاعتبار فالمخلوقات كلها عين الله سبحانه وهو عينها والتعدد إنما جاء من هذه العوارض الخارجية والتشخيصات العارضة للمادة!!
ثم عرض السيد نعمة الله الجزائري رحمه الله بعض مخالفاتهم إلى أن قال : ومن ذلك الاعتقاد أنّ أفضلهم الغزالي وقد ادعى في حياته انه من أهل الكشف وانه قد انكشف له فضل أبي بكر على أمير المؤمنين عليه السلام وادعى انه انكشف له أيضاً عدم جواز سبّ يزيد لأنه رجل مسلم ولو كان قاتلاً الحسين عليه السلام لم يجز سبه أيضاً لأنّ غاية هذا انه فعل كبيرة وذلك لا يجوّز سبّه.
وانكشف له بطلان مذهب الإمامية بعد أن ترك التدريس وانقطع في دمشق ومكة المشرفة نحواً من عشرين سنة ملازماً للخلوة في آخر عمره وصنّف كتاباً سماه المنقذ من الضلال يتضمن الرد على من يدعي العصمة وإبطال مذهبهم وسماهم أهل التعليم وضرب لهم مثلاً بأخذهم عن المعصوم بمن تلوث بجميع النجاسات ثم طلب ماءً ليتطهر منها وسعى في طلب ذلك الماء فلم يجد ماءً يطهره ويزيل عنه الاخباث فبقى مرتكساً في النجاسات طول عمره .
وتكرر منه في الإحياء وغيره وقالت الروافض خذلهم الله وقال فيه انه لو جاء إلينا رافضي وادعى ان له طلب دم عند احد قلنا له ان دمك هدر لان استيفاءه مشروط بحضور إمامك فأحضره حتى يستوفي لك ، وقد تقدم الجواب عن هذا وقد صرح في كتابه المنقذ انه كان يستفيد من الأنبياء والملائكة مع مشاهدتهم على وجه القطع كما يريد نعم ربما نسب اليه كتاب يسمى سر العالمين في مقالة يظهر منها ميله إلى الحق ونطقه به ليكون حجة عليه وبعضهم أنكر كون الكتاب له أو أنه المقالة ملحقة بالكتاب .
وأما الشيخ محي الدين الأعرابي وهو من أعاظم أجلائهم فقد حكى في فتوحاته أنه أسري به إلى السماء مراراً متعددة والظاهر أنه قال أنها تسع وذكر هناك أنه رأى أبا بكر الصديق لما بلغ إلى العرش وقد كان قد رأى في كل سماء واحداً من الأنبياء فكان درجته ودرجة أبا بكر أعلى من درجات أولي العزم وأدعى في أول فصوص الحكم أنه من إملاء رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم ) وأمره له بعين ما كتب وسمى نفسه خاتم الولاية لمنام رآه وغير ذلك من المكاشفات .
والعجب العجيب أنهم كيف يصدقون بدعوى الكشف مع اختلاف آرائهم ومذاهبهم فمنهم الملحد ومنهم السني و منهم الشيعي إلى غير ذلك فإذا كانت هذه المكاشفات كلها صحيحة صحت مذاهب الفرق فلا يكون الناجي فرقة واحدة بل جميع هذه الفرق ما هذا إلا سفه وجنون .
المصدر : الأنوار النعمانية , الجزائري, ج2 ص193-197.
محمد ابن الحسن الحر العاملي صاحب الوسائل (قدس سره):
قال في الباب الرابع من كتابه الاثنا عشرية: إبطال الكشف الذي بدعوته وعدم حجيته ويدل على ذلك وجوه اثنا عشر.
الأول: عدم ظهور دليل قطعي على حصوله ولا وجوب تحصيله ولا مشروعيته فضلا ً عن حجيته فكيف يجوز لنا الجزم بذلك من غير دليل {قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} بل يمكن أن يقال بعدم وجود دليل ظني أيضاً وعلى تقدير أن يأتوا بشبهة تفيد الظن ف(إِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا) وكيف يجتريء عاقل فضلاً عن مسلم أن يثبت بمجرد الظن عبادة ويحكم بمشروعيتها وإسقاطها لجميع العبادات الشرعية وكل ذلك تحكُم صرف وتشريع محض لم يحصل العلم واليقين بشيء منه.
فإن قلت: الإخبار بوقوع الكشف والإخبار بالمغيبات من أهله وظهور الكرامات على أيديهم متواترة.
قلت: التواتر ممنوع: إن أردتم به الإخبار عن حصول الكشف المدعى للغزالي مثلاً، وغير مفيد إن أردتم به الإخبار عن دعواه له فإنه لا يعلم صدقه وصحة دعواه إلا بالكشف وهو دوري وأيضاً فإن التواتر لا يفيد العلم في غير المحسوسات كما تقرر، ولو ثبت تواتر أنه أخبر ببعض المغيبات فوافق المخبر به لا يدل على حصول الكشف له لاحتمال كونه عن تخمين أو فراسة وشبق العلم وبه تواطؤ مريديه على اختراعه وكونه عن كهانة أو استخدام أو علم بالنجوم أو بالرمل أو وقوع الموافقة اتفاقاً أو وقوعها مرة وقوع المخالفة أخرى ومع قيام الاحتمال يبطل الاستدلال فكيف مع قيام الاحتمالات الكثيرة على أن كل من نقله صوفي فهو مدع يحتاج إلى إثبات سلمنا لكن هل يدل وقوعه على مشروعيته فيلزم مشروعية الكهانة والسحر ونحوهما بطريق الأولوية وهل يدل على حجيته؟ فيلزم الاستغناء عن الأدلة الشرعية بالكلية وإذا كان كذلك فأي فضيلة له وأي مزية! وسوف ترى في مقام فضايح مشايخهم ما يدل على ما قلناه إن شاء الله.
الثاني: عدم إفادته على تقدير وقوعه لليقين. ألا ترى أنه كثيراً ما ينكشف للإنسان أشياء ثم ينكشف له فسادها وكذا من يدعي الكشف أو يُدعي له, وذلك معلوم منهم قطعاً ولعل جميع ذلك من هذا القبيل وعلى تقدير إفادته للظن خاصة كيف يجوز الجزم به؟ والاعتماد عليه وقد ادعى جمع منهم أنهم يرون نور الوضوء وينكشف لهم, فامتحنّاهم بأن يخبرونا عن حال جماعة محصورين وأي شخص منهم على وضوء وأي شخص منهم على غير وضوء فظهر عجزهم وافتضاحهم.
الثالث: إنه على تقدير صحته يلزم عدم جواز الخطأ على صاحبه وهو معنى العصمة فلزم القول بعصمة كل من ادعاها أو حصلت له وعلى زعمهم أنه حاصل لأكثرهم والقول بأنّ تحصيل العصمة أمر ممكن كسبي واقع قول واضح الفساد ظاهر البطلان ومن المعلوم اختصاصها بأهلها وجواز الخطأ بل وقوعه من غيرهم وإذا جاز الخطأ على صاحب الكشف كما يجوز على غيره فكيف يجب تحصيله بالطرق المبتدعة المنهي عنها ويجب الاعتماد عليه و اطراح الأدلة الشرعية المأمور بالعمل بها وهل ذلك كله إلا مجانبة للشرع وخروج عن الدين؟.
الخامس: أنه يلزم من فرض صحة الكشف المذكور وما يدعونه لأهله من العلوم والكرامات بطلان كثير من معجزات الأنبياء والأئمة عليهم السلام وإمكان مضاهاتهم فيها والإتيان بمثلها بل الشك في صحة دعواهم للنبوة والإمامة لأن تلك البراهين التي تثبت بها تلك الدعوى أمور ممكنة لآحاد الناس يمكن اكتسابها والوصول إليها على قول الصوفية بالجلوس في مكان منفرد أربعين يوماً أو أقل فمن أين يثبت اليقين بصحة دعوى نبي أو إمام تجويز هذا الاحتيال؟! وبطلان اللازم ضروري فكذا الملزوم وأي فساد في الدين أعظم من هذا الفساد وهل ضرر السحر والشعبذة والكهانة ونحوها مما علم تحريمه شرعاً إلا دون ضرر هذا الكشف فيلزم تحريمه بطريق الأولوية قطعاً.
السادس: ظهور الاختلاف العظيم الفاحش فيما يخبر به أصحاب الكشف كما هو ظاهر غني عن البيان وناهيك بأن صاحب كل مذهب منهم يدعي حصول الكشف له ببطلان مذهب من خالفه كالغزالي فقد ذكر أنه لزم الرياضة والخلوة وترك الدرس عشر سنين فانكشف له بطلان مذهب الإمامية وأفضلية أبي بكر على علي عليه السلام بمراتب وكذلك تدعي الشيعة من الصوفية وكل فريق حتى الكفار من الهند وغيرهم فظهر أنه خيال وهمي لا حقيقة له أو مجرد دعوى لا أصل لها.
أقول: لسنا نحن من نقول أنّ هؤلاء العرفاء هم صوفية بلباس شيعي. فقد تعرضنا لهجمات من كل حدب وشتم لنا وتسفيه لاحلامنا ورُمينا بالعمالة. فهل لدى احدكم الشجاعة ان يصف الحر العاملي بكلمة من التي قذفنا بها؟
هاهو الحر العاملي بالنص يقول الشيعة من الصوفية.
أي هم فرقة تنتحل التشيع ولكنهم في الاصل ينتسبون للصوفية. هم منحرفون عن التشيع كالاسماعيلية والزيدية وغيرهم من الفرق التي انحرفت عن التشيع الحق.
الى أن يقول الحر العاملي رضوان الله عليه
قال بعض أصحابنا : إني لأعجب ممن يدعي هذه المرتبة على اختلاف مذاهبهم ظاهراً مع أن كلا منهم يدعي كشفاً يوافق مذهبه واعتقاده فالغزالي مع دعواه الوصول إلى هذه المرتبة انكشف له فضل أبي بكر على علي عليه السلام بمراتب كما هو ظاهر لمن طالع إحياءه!!
وكما انكشف له عدم جواز سب يزيد لعنه الله فإنه قال في كتاب إحياء العلوم: فإن قيل: هل يجوز لعن يزيد لكونه قاتلاً للحسين أو آمرا به ؟
قلنا: لم يثبت أصلا, فلا يجوز أنه قتله أو أمر به فضلا عن اللعنة, فلا يجوز نسبة كبيرة إلى مسلم من غير تحقيق إلى أن قال فإن قيل: فهل يجوز أن يقال قاتل الحسين أو الآمر بقتله لعنه الله؟
قلنا: الصواب أن يقال قاتل الحسين إن مات قبل التوبة فعليه لعنة الله لأنه يحتمل أن يموت بعد التوبة (انتهى)
وذكر نحوه في الحجاج وأي ناصبي وصل إلى هذه الغاية والمرتبة من النصب والعناد (انتهى).
السابع: ظهور خلاف ما يخبر به هؤلاء كثير أو فساد ما يظهرونه من الكرامات والبراهين على ولايتهم كما هو مشاهد عياناً من أعيانهم ورؤسائهم فضلاً عن أتباعهم ويأتي بعض ذلك إن شاء الله تعالى فظهر أن ما يدعون من الكشف باطل فاسد.
الثامن: أن يطلب ممن يدعي هذا الكشف تحقيق مسألة واحدة من المشكلات المشهورة بين العلماء أو الإخبار عما بقي من غير شخص معين أو نحو ذلك فإنه يظهر عجزه وبطلان دعواه ضرورة ولا يمكنه تحقيق شيء من ذلك قطعاً فظهر عدم صحته وعدم ثبوت فائدة يعتد بها له.
التاسع: إن الضرورة قاضية ببطلانه شرعاً بمعنى عدم حجيته في الدين وعدم جواز التعويل عليه والالتفات إليه في شيء من أحكام الشرعية فما الفرق بينه وبين الخيالات الوهمية والأفكار الردية والوساوس الشيطانية والأحلام التي يراها النائم من غير رؤية ولا روية وأصحابها يعترفون بعدم حجيتها فلم يبق لها مزية ولا فائدة يعتد بها لو ثبت جوازها وقد تواترت الأحاديث بل تجاوزت حد التواتر في أنه لا يجوز أخذ العلم من غير النبي والإمام وأن الطريق منحصر فيهم عليهم السلام والأحاديث المشار إليها موجودة في كتاب العقل وكتاب الحجة وكتاب العلم وغيرها من أصول الكافي وغيره والمقام يضيق عن ذكر بعض ما أشرنا إليه.
العاشر: إن مثل هذا الكشف بل ما هو أقوى منه وأعظم حاصل للكفار والمجانين فأي فضيلة فيه وأي مزية لأهله به؟! فقد شاع وذاع عن كفار الهند وغيرهم أنه يحصل لهم مثله بل هم وأمثالهم الذين اخترعوا هذه الرياضيات ولم يرد بها الشرع وكثيراً ما تنكشف المجانين مثل ذلك كما شوهد منهم وسمع من إخباراتهم ببعض المغيبات مع المطابقة فأي فضيلة فيما يجامع الكفر والجنون؟! ولكن أكثرهم لا يشعرون هذا ولا يبعد كون الشياطين تظهر لهم أو الجن تكلمهم بعض ما يعرفونه فإنهم يجتمعون عند أصحاب التسخير والرياضيات ويتشكلون بأشكال بني آدم وقدكانت الشياطين تدخل في أجواف الأصنام وتخبر أهلها من كل ما يسألون وهو أعظم مما يدعيه هؤلاء الصوفية, فكيف يوثق بمثله وقد حكي عن رجل قريب من هذا الزمان أنه كان يُظهر أشياء من هذا القبيل بل أوضح مما يدعيه هؤلاء ثم ظهر أنه كان له شيطان يخبره بذلك ويأتيه بالأخبار والكتابات والجوابات من مسيرة شهرين فصاعداً في يوم واحد وكان الرجل يسجد لذلك الشيطان , حكى عنه ولده ذلك بعد موته ولا يبعد أن يحصل لهم خبط وتغير مزاج ولو بتناول بعض الأدوية المغيرة توصلاً إلى ذلك.
الحادي عشر: إن هذا بزعمهم من أعظم المهمات الدينية بل هو غاية الغايات واللازم من ذلك ورود الأوامر الشرعية به ووصوله إلينا بطريق العلم واليقين والأمر بأسبابه ومقدماته أو مشروعيتها فضلاً من وجوبها والأمر فكيف كانت الأخبار والآثار خالية من ذلك!؟ بل من هذا الاسم, فعُلم أنه لا أصل له شرعاً.
الثاني عشر: إنه على قولهم يلزم منه سقوط التكاليف واللازم باطل والملزوم مثله والملازمة واضحة لاعترافهم بها وادعائهم لها وبطلان اللازم يأتي إن شاء الله تعالى مع أنه غني عن البيان ضروري البطلان لا يحتاج إلى برهان والله المستعان.
لقد تصدى علماء الطائفة للرد على شبهات وضلالات هذه الفرقة المنحرفة الدخيلة على التشيع وتفتيد أبطايل كهنتها وتعريتهم منذ القرون الأولى و استمر الخلف على سيرة السلف في بيان انحرافات العرفاء حتى عصرنا هذا, وقد ألفوا عشرات الكتب والرسائل والمقالات في رد اعتقاداتهم الباطلة و دحضها.
هناك العديد من الأقوال لأكابر علمائنا في ذمّهم وتسفيه معتقداتهم و تضليلهم والحكم عليهم بالكفر والزندقة والإلحاد. ونحن على كل حال لا نطرحها لنقول للناس جمدوا عقولكم فالقاعدة عندنا هي دائما ( لا تنظر الى من قال ولكن انظر إلى ما قيل) .
نحن نستعرض اقوال اعلام الطائفة المحقة بعد ان عرضنا وبينا بالأدلة العقلية والنقلية زيغ وانحراف العرفاء لتطمئن قلوب الذين آمنوا ويزدادوا إيمانا ..
بما أنّ موضوعنا حول ما يدعيه اولائك الكهنة من مكاشفات لذلك سنقتصر في طرحنا على ذكر بعض أقوال علمائنا الأبرار حول موضوع الكشف الذي يدعيه القوم.
السيد نعمة الله الجزائري (قدس سره) :
قال في كتابه الأنوار النعمانية : إعلم أن هذا الاسم وهو التصوّف كان مستعملاً في فرقة من الحكماء الزائغين عن طريق الحق، ثم قد استعمل بعده في جماعة من الزنادقة، وبعد مجئ الإسلام استُعمل في جماعة من أهل الخلاف كالحسن البصري، وسفيان الثوري، وأبي هشام الكوفي، ونحوهم، وقد كانوا في طرق من الخلاف مع الأئمة عليهم السلام، فإن هؤلاء المذكورين قد عارضوا الأئمة عليهم السلام في أعصارهم، وباحثوهم وأرادوا إطفاء نور الله، والله متم نوره ولو كره الكافرون، والذي وُجد منهم في أعصار علمائنا رضوان الله عليهم، قد عارضهم ورد عليهم، وصنف علماؤنا كتباً في ذمهم والرد عليهم خصوصاً شيخنا المفيد (رحمه الله) فإنه قد أكثر من الرد على الحسين بن منصور الحلاج ومتابعيه وله قصص وحكايات مذكورة في كتب أصحابنا مثل كتاب الغيبة والاقتصاد للشيخ الطوسي رحمه الله... و ورد التوقيع من صاحب الأمر عليه السلام بلعنه (أي الحلّاج) ...
والعجب من بعض الشيعة كيف مال إلى هذه الطريقة مع اطلاعه على أنها مخالفة لطريقة أهل البيت عليهم السلام اعتقاداً واعمالاً , أما الاعتقاد قالوا بالحلول وهو ان الله سبحانه وتعالى قد حلّ بكل المخلوقات حتى بالقاذورات تعالى الله عما يقول الكافرون وقد مثلوا حلول الله بهذه المخلوقات بالبحر وقت اضطراب أمواجه فإن ماء الأمواج وان كان متعدداً إلا انه كله ماء واحد في بحر واحد كثرة التموج فهي واحدة بالحقيقة متعددة بالاعتبار فالمخلوقات كلها عين الله سبحانه وهو عينها والتعدد إنما جاء من هذه العوارض الخارجية والتشخيصات العارضة للمادة!!
ثم عرض السيد نعمة الله الجزائري رحمه الله بعض مخالفاتهم إلى أن قال : ومن ذلك الاعتقاد أنّ أفضلهم الغزالي وقد ادعى في حياته انه من أهل الكشف وانه قد انكشف له فضل أبي بكر على أمير المؤمنين عليه السلام وادعى انه انكشف له أيضاً عدم جواز سبّ يزيد لأنه رجل مسلم ولو كان قاتلاً الحسين عليه السلام لم يجز سبه أيضاً لأنّ غاية هذا انه فعل كبيرة وذلك لا يجوّز سبّه.
وانكشف له بطلان مذهب الإمامية بعد أن ترك التدريس وانقطع في دمشق ومكة المشرفة نحواً من عشرين سنة ملازماً للخلوة في آخر عمره وصنّف كتاباً سماه المنقذ من الضلال يتضمن الرد على من يدعي العصمة وإبطال مذهبهم وسماهم أهل التعليم وضرب لهم مثلاً بأخذهم عن المعصوم بمن تلوث بجميع النجاسات ثم طلب ماءً ليتطهر منها وسعى في طلب ذلك الماء فلم يجد ماءً يطهره ويزيل عنه الاخباث فبقى مرتكساً في النجاسات طول عمره .
وتكرر منه في الإحياء وغيره وقالت الروافض خذلهم الله وقال فيه انه لو جاء إلينا رافضي وادعى ان له طلب دم عند احد قلنا له ان دمك هدر لان استيفاءه مشروط بحضور إمامك فأحضره حتى يستوفي لك ، وقد تقدم الجواب عن هذا وقد صرح في كتابه المنقذ انه كان يستفيد من الأنبياء والملائكة مع مشاهدتهم على وجه القطع كما يريد نعم ربما نسب اليه كتاب يسمى سر العالمين في مقالة يظهر منها ميله إلى الحق ونطقه به ليكون حجة عليه وبعضهم أنكر كون الكتاب له أو أنه المقالة ملحقة بالكتاب .
وأما الشيخ محي الدين الأعرابي وهو من أعاظم أجلائهم فقد حكى في فتوحاته أنه أسري به إلى السماء مراراً متعددة والظاهر أنه قال أنها تسع وذكر هناك أنه رأى أبا بكر الصديق لما بلغ إلى العرش وقد كان قد رأى في كل سماء واحداً من الأنبياء فكان درجته ودرجة أبا بكر أعلى من درجات أولي العزم وأدعى في أول فصوص الحكم أنه من إملاء رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم ) وأمره له بعين ما كتب وسمى نفسه خاتم الولاية لمنام رآه وغير ذلك من المكاشفات .
والعجب العجيب أنهم كيف يصدقون بدعوى الكشف مع اختلاف آرائهم ومذاهبهم فمنهم الملحد ومنهم السني و منهم الشيعي إلى غير ذلك فإذا كانت هذه المكاشفات كلها صحيحة صحت مذاهب الفرق فلا يكون الناجي فرقة واحدة بل جميع هذه الفرق ما هذا إلا سفه وجنون .
المصدر : الأنوار النعمانية , الجزائري, ج2 ص193-197.
محمد ابن الحسن الحر العاملي صاحب الوسائل (قدس سره):
قال في الباب الرابع من كتابه الاثنا عشرية: إبطال الكشف الذي بدعوته وعدم حجيته ويدل على ذلك وجوه اثنا عشر.
الأول: عدم ظهور دليل قطعي على حصوله ولا وجوب تحصيله ولا مشروعيته فضلا ً عن حجيته فكيف يجوز لنا الجزم بذلك من غير دليل {قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} بل يمكن أن يقال بعدم وجود دليل ظني أيضاً وعلى تقدير أن يأتوا بشبهة تفيد الظن ف(إِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا) وكيف يجتريء عاقل فضلاً عن مسلم أن يثبت بمجرد الظن عبادة ويحكم بمشروعيتها وإسقاطها لجميع العبادات الشرعية وكل ذلك تحكُم صرف وتشريع محض لم يحصل العلم واليقين بشيء منه.
فإن قلت: الإخبار بوقوع الكشف والإخبار بالمغيبات من أهله وظهور الكرامات على أيديهم متواترة.
قلت: التواتر ممنوع: إن أردتم به الإخبار عن حصول الكشف المدعى للغزالي مثلاً، وغير مفيد إن أردتم به الإخبار عن دعواه له فإنه لا يعلم صدقه وصحة دعواه إلا بالكشف وهو دوري وأيضاً فإن التواتر لا يفيد العلم في غير المحسوسات كما تقرر، ولو ثبت تواتر أنه أخبر ببعض المغيبات فوافق المخبر به لا يدل على حصول الكشف له لاحتمال كونه عن تخمين أو فراسة وشبق العلم وبه تواطؤ مريديه على اختراعه وكونه عن كهانة أو استخدام أو علم بالنجوم أو بالرمل أو وقوع الموافقة اتفاقاً أو وقوعها مرة وقوع المخالفة أخرى ومع قيام الاحتمال يبطل الاستدلال فكيف مع قيام الاحتمالات الكثيرة على أن كل من نقله صوفي فهو مدع يحتاج إلى إثبات سلمنا لكن هل يدل وقوعه على مشروعيته فيلزم مشروعية الكهانة والسحر ونحوهما بطريق الأولوية وهل يدل على حجيته؟ فيلزم الاستغناء عن الأدلة الشرعية بالكلية وإذا كان كذلك فأي فضيلة له وأي مزية! وسوف ترى في مقام فضايح مشايخهم ما يدل على ما قلناه إن شاء الله.
الثاني: عدم إفادته على تقدير وقوعه لليقين. ألا ترى أنه كثيراً ما ينكشف للإنسان أشياء ثم ينكشف له فسادها وكذا من يدعي الكشف أو يُدعي له, وذلك معلوم منهم قطعاً ولعل جميع ذلك من هذا القبيل وعلى تقدير إفادته للظن خاصة كيف يجوز الجزم به؟ والاعتماد عليه وقد ادعى جمع منهم أنهم يرون نور الوضوء وينكشف لهم, فامتحنّاهم بأن يخبرونا عن حال جماعة محصورين وأي شخص منهم على وضوء وأي شخص منهم على غير وضوء فظهر عجزهم وافتضاحهم.
الثالث: إنه على تقدير صحته يلزم عدم جواز الخطأ على صاحبه وهو معنى العصمة فلزم القول بعصمة كل من ادعاها أو حصلت له وعلى زعمهم أنه حاصل لأكثرهم والقول بأنّ تحصيل العصمة أمر ممكن كسبي واقع قول واضح الفساد ظاهر البطلان ومن المعلوم اختصاصها بأهلها وجواز الخطأ بل وقوعه من غيرهم وإذا جاز الخطأ على صاحب الكشف كما يجوز على غيره فكيف يجب تحصيله بالطرق المبتدعة المنهي عنها ويجب الاعتماد عليه و اطراح الأدلة الشرعية المأمور بالعمل بها وهل ذلك كله إلا مجانبة للشرع وخروج عن الدين؟.
الخامس: أنه يلزم من فرض صحة الكشف المذكور وما يدعونه لأهله من العلوم والكرامات بطلان كثير من معجزات الأنبياء والأئمة عليهم السلام وإمكان مضاهاتهم فيها والإتيان بمثلها بل الشك في صحة دعواهم للنبوة والإمامة لأن تلك البراهين التي تثبت بها تلك الدعوى أمور ممكنة لآحاد الناس يمكن اكتسابها والوصول إليها على قول الصوفية بالجلوس في مكان منفرد أربعين يوماً أو أقل فمن أين يثبت اليقين بصحة دعوى نبي أو إمام تجويز هذا الاحتيال؟! وبطلان اللازم ضروري فكذا الملزوم وأي فساد في الدين أعظم من هذا الفساد وهل ضرر السحر والشعبذة والكهانة ونحوها مما علم تحريمه شرعاً إلا دون ضرر هذا الكشف فيلزم تحريمه بطريق الأولوية قطعاً.
السادس: ظهور الاختلاف العظيم الفاحش فيما يخبر به أصحاب الكشف كما هو ظاهر غني عن البيان وناهيك بأن صاحب كل مذهب منهم يدعي حصول الكشف له ببطلان مذهب من خالفه كالغزالي فقد ذكر أنه لزم الرياضة والخلوة وترك الدرس عشر سنين فانكشف له بطلان مذهب الإمامية وأفضلية أبي بكر على علي عليه السلام بمراتب وكذلك تدعي الشيعة من الصوفية وكل فريق حتى الكفار من الهند وغيرهم فظهر أنه خيال وهمي لا حقيقة له أو مجرد دعوى لا أصل لها.
أقول: لسنا نحن من نقول أنّ هؤلاء العرفاء هم صوفية بلباس شيعي. فقد تعرضنا لهجمات من كل حدب وشتم لنا وتسفيه لاحلامنا ورُمينا بالعمالة. فهل لدى احدكم الشجاعة ان يصف الحر العاملي بكلمة من التي قذفنا بها؟
هاهو الحر العاملي بالنص يقول الشيعة من الصوفية.
أي هم فرقة تنتحل التشيع ولكنهم في الاصل ينتسبون للصوفية. هم منحرفون عن التشيع كالاسماعيلية والزيدية وغيرهم من الفرق التي انحرفت عن التشيع الحق.
الى أن يقول الحر العاملي رضوان الله عليه
قال بعض أصحابنا : إني لأعجب ممن يدعي هذه المرتبة على اختلاف مذاهبهم ظاهراً مع أن كلا منهم يدعي كشفاً يوافق مذهبه واعتقاده فالغزالي مع دعواه الوصول إلى هذه المرتبة انكشف له فضل أبي بكر على علي عليه السلام بمراتب كما هو ظاهر لمن طالع إحياءه!!
وكما انكشف له عدم جواز سب يزيد لعنه الله فإنه قال في كتاب إحياء العلوم: فإن قيل: هل يجوز لعن يزيد لكونه قاتلاً للحسين أو آمرا به ؟
قلنا: لم يثبت أصلا, فلا يجوز أنه قتله أو أمر به فضلا عن اللعنة, فلا يجوز نسبة كبيرة إلى مسلم من غير تحقيق إلى أن قال فإن قيل: فهل يجوز أن يقال قاتل الحسين أو الآمر بقتله لعنه الله؟
قلنا: الصواب أن يقال قاتل الحسين إن مات قبل التوبة فعليه لعنة الله لأنه يحتمل أن يموت بعد التوبة (انتهى)
وذكر نحوه في الحجاج وأي ناصبي وصل إلى هذه الغاية والمرتبة من النصب والعناد (انتهى).
السابع: ظهور خلاف ما يخبر به هؤلاء كثير أو فساد ما يظهرونه من الكرامات والبراهين على ولايتهم كما هو مشاهد عياناً من أعيانهم ورؤسائهم فضلاً عن أتباعهم ويأتي بعض ذلك إن شاء الله تعالى فظهر أن ما يدعون من الكشف باطل فاسد.
الثامن: أن يطلب ممن يدعي هذا الكشف تحقيق مسألة واحدة من المشكلات المشهورة بين العلماء أو الإخبار عما بقي من غير شخص معين أو نحو ذلك فإنه يظهر عجزه وبطلان دعواه ضرورة ولا يمكنه تحقيق شيء من ذلك قطعاً فظهر عدم صحته وعدم ثبوت فائدة يعتد بها له.
التاسع: إن الضرورة قاضية ببطلانه شرعاً بمعنى عدم حجيته في الدين وعدم جواز التعويل عليه والالتفات إليه في شيء من أحكام الشرعية فما الفرق بينه وبين الخيالات الوهمية والأفكار الردية والوساوس الشيطانية والأحلام التي يراها النائم من غير رؤية ولا روية وأصحابها يعترفون بعدم حجيتها فلم يبق لها مزية ولا فائدة يعتد بها لو ثبت جوازها وقد تواترت الأحاديث بل تجاوزت حد التواتر في أنه لا يجوز أخذ العلم من غير النبي والإمام وأن الطريق منحصر فيهم عليهم السلام والأحاديث المشار إليها موجودة في كتاب العقل وكتاب الحجة وكتاب العلم وغيرها من أصول الكافي وغيره والمقام يضيق عن ذكر بعض ما أشرنا إليه.
العاشر: إن مثل هذا الكشف بل ما هو أقوى منه وأعظم حاصل للكفار والمجانين فأي فضيلة فيه وأي مزية لأهله به؟! فقد شاع وذاع عن كفار الهند وغيرهم أنه يحصل لهم مثله بل هم وأمثالهم الذين اخترعوا هذه الرياضيات ولم يرد بها الشرع وكثيراً ما تنكشف المجانين مثل ذلك كما شوهد منهم وسمع من إخباراتهم ببعض المغيبات مع المطابقة فأي فضيلة فيما يجامع الكفر والجنون؟! ولكن أكثرهم لا يشعرون هذا ولا يبعد كون الشياطين تظهر لهم أو الجن تكلمهم بعض ما يعرفونه فإنهم يجتمعون عند أصحاب التسخير والرياضيات ويتشكلون بأشكال بني آدم وقدكانت الشياطين تدخل في أجواف الأصنام وتخبر أهلها من كل ما يسألون وهو أعظم مما يدعيه هؤلاء الصوفية, فكيف يوثق بمثله وقد حكي عن رجل قريب من هذا الزمان أنه كان يُظهر أشياء من هذا القبيل بل أوضح مما يدعيه هؤلاء ثم ظهر أنه كان له شيطان يخبره بذلك ويأتيه بالأخبار والكتابات والجوابات من مسيرة شهرين فصاعداً في يوم واحد وكان الرجل يسجد لذلك الشيطان , حكى عنه ولده ذلك بعد موته ولا يبعد أن يحصل لهم خبط وتغير مزاج ولو بتناول بعض الأدوية المغيرة توصلاً إلى ذلك.
الحادي عشر: إن هذا بزعمهم من أعظم المهمات الدينية بل هو غاية الغايات واللازم من ذلك ورود الأوامر الشرعية به ووصوله إلينا بطريق العلم واليقين والأمر بأسبابه ومقدماته أو مشروعيتها فضلاً من وجوبها والأمر فكيف كانت الأخبار والآثار خالية من ذلك!؟ بل من هذا الاسم, فعُلم أنه لا أصل له شرعاً.
الثاني عشر: إنه على قولهم يلزم منه سقوط التكاليف واللازم باطل والملزوم مثله والملازمة واضحة لاعترافهم بها وادعائهم لها وبطلان اللازم يأتي إن شاء الله تعالى مع أنه غني عن البيان ضروري البطلان لا يحتاج إلى برهان والله المستعان.
تعليق