22 شباط 1989 م _ 15 رجب 1409 هـ.. ق
بسم الله الرحمن الرحيم
إلى الحضرات علماء جميع أرجاء البلاد ومراجع الإسلام العظام ومدّرسي وطلبة الحوزات العلمية الكرام والأعزاء، وأئمة الجمعة والجماعات المحترمين، دامت بركاتهم:
صلوات الله وسلامه وصلوات رسول الله وسلامه على أرواح الشهداء الطيبين، خاصةً شهداء الحوزات والعلماء الأعزاء، تحيةً لحملة أمانة الوحي والرسالة، الحرس الذين حملوا على عاتق الالتزام القاني والدامي، أُسس عظمة وفخر الثورة الإسلامية. السلام على صانعي الملاحم من العلماء الخالدين الذين كتبوا بدم الشهادة ومداد الدم رسالتهم العلمية والعملية، وصنعوا من على منبر الهداية والوعظ والخطابة ومن شمع حياتهم جوهر أنوار الليل.
هنيئاً لشهداء الحوزة والعلماء الذين قطعوا أثناء الحرب سلسلة الدرس والمباحثة والمدارسة، وسحبوا وثاق الأماني الدنيوية من تحت أقدام حقيقة العلم، وذهبوا بِحملٍ خفيف إلى ضيافة أهل العرش، وأنشدوا في مجمع أهل الملكوت أُنشودة الحضور.
السلام على الذين تقدّموا إلى الإمام حتى انكشاف حقيقة التفقه، وأصبحوا منذرين صادقين لقومهم وأمتهم، وشهدت قطرات دمائهم وأشلاؤهم المقطّعة إرباً إرباً على حديث صداقتهم. ولا يمكن التوقع غير هذا من علماء الإسلام والشيعة الصادقين وبأن يكونوا في الدعوة إلى الحق وطريق الجهاد الدامي أوّل من يقدِّمون الضحايا وأن تكون الشهادة خاتمة كتابهم.
العلم والعلماء
إنّ من أدرك حلقة ذكر أهل الحوزة والعلماء العرفانية، وسمع مناجاتهم في دعاء السحر، لم يشاهد في أُمنياتهم الخفية والعلنية غير الشهادة، ولم يطلبوا من عطاءات الله في ضيافة الخلوص والتقرب غير عطاء الشهادة.
وبطبيعة الحال، فإنّ جميع المشتاقين والطالبين لم ينالوا كلهم الشهادة، فهناك من بقي، مثلي أنا، عمراً في الظلمات والحجب، ولا يجد في دار العمل والحياة منيّة غير الورقة والكتاب. وهناك من اقتلع صدر الأهواء الأسود في أول ليلة من بدء الحياة وشدّه بالشهادة والعشق والعقد والوصال. وكيف أستطيع أنا الذي لم أخرج بعد من ظلمة العدم إلى حيث الوجود أن أصف قافلة سادة الوجود؟ إنّني وأمثالي نسمع من هذه القافلة رنين الجرس فقط... فلنترك ولنمضِ.
لا شك أنّ الحوزات العلمية والعلماء الملتزمين كانوا على طول تاريخ الإسلام والتشيّع أهم قاعدة ثابتة للإسلام ضدّ حملات المنحرفين وانحرافاتهم. وقد سعى علماء الإسلام العظام وطيلة أعمارهم إلى نشر قضايا الحلال والحرام الإلهيين من دون تدخّل وتصرّف.
فلو لم يكن الفقهاء الأعزّاء، لم يكن معلوماً اليوم أي العلوم كانوا يغذون الناس بها باعتبارها علوم القرآن والإسلام وأهل البيت (عليهم السلام)، ولم يكن أمراً سهلاً في ظروف كانت فيها الإمكانات قليلة جداً، ووظف فيها السلاطين والظلمة جميع طاقاتهم في إزالة آثار الرسالة.. لم يكن سهلاً جمع وحفظ علوم القرآن وأحاديث الرسول الأعظم وسنّة وسيرة المعصومين (عليهم السلام) وتبويبها وتنقيحها. ولكنّنا اليوم نرى _ ولله الحمد _ نتيجة تلك الألقاب في الآثار والكتب المباركة، كالكتب الأربعة وكتب بقيّة المتقدّمين والمتأخّرين في الفقه والفلسفة والرياضيات والنجوم وأُصول الكلام والحديث والرجال والتفسير والأدب والعرفان واللّغة وجميع فروع العلم المختلفة. فلو لم نطلق على هذه الأتعاب والمرارات اسم الجهاد في سبيل الله، فماذا كان يجب أن نطلق عليها؟
إنّ الحديث في مجال الخدمات العلمية للحوزات كثير لا يسع هذا المجال القصير لذكر ذلك. ولله الحمد، فإنّ الحوزات العلمية غنية ومبتكرة من حيث المصادر وأساليب البحث والاجتهاد. ولا نعتقد أنّ هناك طريقاً أنسب من أسلوب العلماء السالفين لدراسة العلوم الإسلامية دراسةً عميقةً وشاملة. ويشهد تاريخ ألف عام من التحقيق ومتابعة علماء الإسلام الصادقين على ادعائنا في سبيل جعل شجرة الإسلام المقدَّسة مثمرةً.
ومنذ مئات السنين، حيث كان علماء الإسلام ملجأ المحرومين، ارتوى المستضعفون دائماً من نبع زلال علم الفقهاء العظام. وبغضِّ النظر عن جهادهم العملي والثقافي الذي هو أفضل من عدة جوانب من دماء الشهداء، فإنهم تحمَّلوا أيضاً المرارات في كل العصور في الدفاع عن المقدّسات الدينية والوطنية، وإلى جانب تحملهم النفي والسجن والأذى وطعنات اللّسان، فقد قدّموا شهداء إلى الله الحق.
العلماء مداد الثورة
ولا يقتصر شهداء العلماء على شهداء الكفاح والحرب في إيران، فبالقطع واليقين، فإنّ عدد شهداء الحوزات والعلماء المجهولين الذين استشهدوا في سبيل نشر العلوم والأحكام الإلهية على يد العملاء واللئام الأجانب هو أكبر.
وفي كل حركة وثورة إلهية وشعبية، كان علماء الإسلام أول من ارتسمت على جبينهم صورة الدم والشهادة. وهل هناك ثورة شعبية إسلامية لم تكن فيها الحوزات والعلماء روّاد الشهادة، ولم يصعدوا أعواد المشانق ولم تقف أجسادهم الطاهرة على أرضية الأحداث الدامية للشهادة؟ ومن أيّة طبقة كان الشهداء الأوائل في الخامس عشر من خرداد وفي الأحداث التي وقعت قبل الانتصار وبعده؟ ونشكر الله على أن دم شهداء الحوزة والعلماء الطاهر قد لَوَّنَ أفق التفقّه بلون الورد الأحمر، ابتداءً من جدران الفيضية والزنزانات الانفرادية المرعبة لنظام الشاه، ومن الزقاق والشارع، إلى المسجد ومحراب إمامة الجمعة والجماعة، ومن مكاتب العمل والخدمة وحتى الخطوط الأمامية للجبهات وحقول الألغام، وفي الختام، كان عدد شهداء ومعوّقي ومفقودي الحوزات في الحرب المفروضة أعلى قياساً إلى بقية الفئات.
لقد استشهد أكثر من 2500 (ألفين وخمسمائة) شخص من طلبة العلوم الدينية في جميع أرجاء إيران في الحرب المفروضة. ويشير هذا العدد إلى أي حدّ استعد العلماء من أجل الدفاع عن الإسلام والبلد الإسلامي الإيراني. واليوم، وكما في السابق، فقد اتجهت عيون الاستعمار في جميع أنحاء العالم من مصر وباكستان وأفغانستان ولبنان والعراق والحجاز وإيران والأراضي المحتلة، إلى أبطال الطبقة العلمائية المعادية للشرق والغرب، والمعتمدة على أصول الإسلام المحمّدي الأصيل. ومن الآن فصاعداً، سيشهد العالم الإسلامي في كل فترة انفجار غضب مصّاصي العالم ضدّ كل عالم طاهر عاشق.
إنّ علماء الإسلام الأصيل لم يرضخوا أبداً لأصحاب الثروات وعبّاد المال والرؤساء، واحتفظوا بهذا الشرف العظيم لأنفسهم دائماً، ومن الظلم الفاحش أن يقول أحد إنّ العلماء الأصيلين أتباع الإسلامي المحمدي الأصيل كانوا يداً واحدة مع أصحاب الثروات. وأدعو أن لا يغفر الله لمن يبثون مثل هذه الدعاية، أو يحملون مثل هذه الفكرة. فالعلماء الملتزمون هم عطشى لدماء أصحاب الثروات، ولم يفكروا في المصالحة معهم ولا يفكرون... إنّهم درسوا في ظلّ حياة الزهد والتقوى وترويض النفس، وبعد نيل الدرجات العلمية والمعنوية عاشوا بالأسلوب الزاهد نفسه، وبالفقر والفاقة وعدم التعلق بملذات الدنيا، ولم يخضعوا أبداً للمنّ والذلّة.
موقف العلماء من التمدن
إنّ التحقيق والدراسة في حياة العلماء السلف تتحدّث عن فقرهم وروحيتهم اليافعة لنيل المعارف وكيف إنّهم درسوا في ضوء نور الشمع وأشعة القمر وعاشوا بقناعة وعظمة، ولم تتم الدعوة إلى العلماء وترويج الفقه بقوة الحراب ولا بثروة عباد المال والأثرياء، بل كانت طهارتهم وصدقهم والتزامهم هو الذي جعل الناس يختارونهم. وإن خشية بعض العلماء من مظاهر التمدن في السابق كانت ناجمةً بالأصل عن خشيتهم من نفوذ الأجانب. فكان الإحساس بخطر انتشار الثقافة الأجنبية، ولا سيما ثقافة الغرب الخليعة، سبباً لأن يتعامل هؤلاء بحذر مع المخترعات والظواهر الأخرى. فبعد أن لمس العلماء الصادقون الكذب والمكر من ناهبي العالم، لم يعودوا يثقون بأي شيء، وكانوا يعتبرون وجود أجهزة كالراديو والتلفزيون مقدمة لمجيء الاستعمار. لذلك فقد كانوا يحكمون أحياناً بحرمة استخدامهما. ألم يكن الراديو والتلفزيون في بلدان مثل إيران وسائل روّجت ثقافة الغرب؟ وألم يستخدم النظام السابق الراديو والتلفزيون لإسقاط اعتبار المعتقدات الدينية والاستخفاف بالآداب والتقاليد الوطنية؟!
وعلى كل حال، فإن خصوصيات عظيمة، كالقناعة والشجاعة والصبر والزهد وطلب العلم وعدم الارتباط بالقوى، والأهم من كل هذا الإحساس بالمسؤولية أمام الشعوب.. هذه الخصوصيات هي التي أحيت العلماء وجعلتهم صامدين ومحبوبين. وأيّة عزّة أسمى من أن ينشر العلماء، بإمكانات قليلة، فكر الإسلام الأصيل بين عالم الأفكار، ويجعل المحققون الآن شجرة الفقه المقدّسة تزدهر في بستان الحياة والمعنويات؟
ثمّ، أليس من الجهل أن يرى البعض بأنّ الاستعمار لم يلاحق العلماء مع ما كانت لهم من العظمة والمجد والنفوذ؟ إنّ مسألة كتاب «الآيات الشيطانية» هي عمل محسوب من أجل ضرب أساس الدين والتديّن، وفي مقدّمته الإسلام والعلماء. وباليقين، لو استطاع مصاصو العالم لأحرقوا جذور واسم العلماء، إلاّ أنّ الله تعالى كان دائماً حامي هذا المشعل المقدّس، وسيكون من الآن وما بعد، شرط أن ندرك حيلة ومكر مصّاصي العالم. وبطبيعة الحال، لا يعني هذا بأن ننهض للدفاع عن جميع العلماء، إذ إن علماء البلاط والمزيّفين والمتحجّرين ليسوا قليلين ولن يكونوا قليلين.
بسم الله الرحمن الرحيم
إلى الحضرات علماء جميع أرجاء البلاد ومراجع الإسلام العظام ومدّرسي وطلبة الحوزات العلمية الكرام والأعزاء، وأئمة الجمعة والجماعات المحترمين، دامت بركاتهم:
صلوات الله وسلامه وصلوات رسول الله وسلامه على أرواح الشهداء الطيبين، خاصةً شهداء الحوزات والعلماء الأعزاء، تحيةً لحملة أمانة الوحي والرسالة، الحرس الذين حملوا على عاتق الالتزام القاني والدامي، أُسس عظمة وفخر الثورة الإسلامية. السلام على صانعي الملاحم من العلماء الخالدين الذين كتبوا بدم الشهادة ومداد الدم رسالتهم العلمية والعملية، وصنعوا من على منبر الهداية والوعظ والخطابة ومن شمع حياتهم جوهر أنوار الليل.
هنيئاً لشهداء الحوزة والعلماء الذين قطعوا أثناء الحرب سلسلة الدرس والمباحثة والمدارسة، وسحبوا وثاق الأماني الدنيوية من تحت أقدام حقيقة العلم، وذهبوا بِحملٍ خفيف إلى ضيافة أهل العرش، وأنشدوا في مجمع أهل الملكوت أُنشودة الحضور.
السلام على الذين تقدّموا إلى الإمام حتى انكشاف حقيقة التفقه، وأصبحوا منذرين صادقين لقومهم وأمتهم، وشهدت قطرات دمائهم وأشلاؤهم المقطّعة إرباً إرباً على حديث صداقتهم. ولا يمكن التوقع غير هذا من علماء الإسلام والشيعة الصادقين وبأن يكونوا في الدعوة إلى الحق وطريق الجهاد الدامي أوّل من يقدِّمون الضحايا وأن تكون الشهادة خاتمة كتابهم.
العلم والعلماء
إنّ من أدرك حلقة ذكر أهل الحوزة والعلماء العرفانية، وسمع مناجاتهم في دعاء السحر، لم يشاهد في أُمنياتهم الخفية والعلنية غير الشهادة، ولم يطلبوا من عطاءات الله في ضيافة الخلوص والتقرب غير عطاء الشهادة.
وبطبيعة الحال، فإنّ جميع المشتاقين والطالبين لم ينالوا كلهم الشهادة، فهناك من بقي، مثلي أنا، عمراً في الظلمات والحجب، ولا يجد في دار العمل والحياة منيّة غير الورقة والكتاب. وهناك من اقتلع صدر الأهواء الأسود في أول ليلة من بدء الحياة وشدّه بالشهادة والعشق والعقد والوصال. وكيف أستطيع أنا الذي لم أخرج بعد من ظلمة العدم إلى حيث الوجود أن أصف قافلة سادة الوجود؟ إنّني وأمثالي نسمع من هذه القافلة رنين الجرس فقط... فلنترك ولنمضِ.
لا شك أنّ الحوزات العلمية والعلماء الملتزمين كانوا على طول تاريخ الإسلام والتشيّع أهم قاعدة ثابتة للإسلام ضدّ حملات المنحرفين وانحرافاتهم. وقد سعى علماء الإسلام العظام وطيلة أعمارهم إلى نشر قضايا الحلال والحرام الإلهيين من دون تدخّل وتصرّف.
فلو لم يكن الفقهاء الأعزّاء، لم يكن معلوماً اليوم أي العلوم كانوا يغذون الناس بها باعتبارها علوم القرآن والإسلام وأهل البيت (عليهم السلام)، ولم يكن أمراً سهلاً في ظروف كانت فيها الإمكانات قليلة جداً، ووظف فيها السلاطين والظلمة جميع طاقاتهم في إزالة آثار الرسالة.. لم يكن سهلاً جمع وحفظ علوم القرآن وأحاديث الرسول الأعظم وسنّة وسيرة المعصومين (عليهم السلام) وتبويبها وتنقيحها. ولكنّنا اليوم نرى _ ولله الحمد _ نتيجة تلك الألقاب في الآثار والكتب المباركة، كالكتب الأربعة وكتب بقيّة المتقدّمين والمتأخّرين في الفقه والفلسفة والرياضيات والنجوم وأُصول الكلام والحديث والرجال والتفسير والأدب والعرفان واللّغة وجميع فروع العلم المختلفة. فلو لم نطلق على هذه الأتعاب والمرارات اسم الجهاد في سبيل الله، فماذا كان يجب أن نطلق عليها؟
إنّ الحديث في مجال الخدمات العلمية للحوزات كثير لا يسع هذا المجال القصير لذكر ذلك. ولله الحمد، فإنّ الحوزات العلمية غنية ومبتكرة من حيث المصادر وأساليب البحث والاجتهاد. ولا نعتقد أنّ هناك طريقاً أنسب من أسلوب العلماء السالفين لدراسة العلوم الإسلامية دراسةً عميقةً وشاملة. ويشهد تاريخ ألف عام من التحقيق ومتابعة علماء الإسلام الصادقين على ادعائنا في سبيل جعل شجرة الإسلام المقدَّسة مثمرةً.
ومنذ مئات السنين، حيث كان علماء الإسلام ملجأ المحرومين، ارتوى المستضعفون دائماً من نبع زلال علم الفقهاء العظام. وبغضِّ النظر عن جهادهم العملي والثقافي الذي هو أفضل من عدة جوانب من دماء الشهداء، فإنهم تحمَّلوا أيضاً المرارات في كل العصور في الدفاع عن المقدّسات الدينية والوطنية، وإلى جانب تحملهم النفي والسجن والأذى وطعنات اللّسان، فقد قدّموا شهداء إلى الله الحق.
العلماء مداد الثورة
ولا يقتصر شهداء العلماء على شهداء الكفاح والحرب في إيران، فبالقطع واليقين، فإنّ عدد شهداء الحوزات والعلماء المجهولين الذين استشهدوا في سبيل نشر العلوم والأحكام الإلهية على يد العملاء واللئام الأجانب هو أكبر.
وفي كل حركة وثورة إلهية وشعبية، كان علماء الإسلام أول من ارتسمت على جبينهم صورة الدم والشهادة. وهل هناك ثورة شعبية إسلامية لم تكن فيها الحوزات والعلماء روّاد الشهادة، ولم يصعدوا أعواد المشانق ولم تقف أجسادهم الطاهرة على أرضية الأحداث الدامية للشهادة؟ ومن أيّة طبقة كان الشهداء الأوائل في الخامس عشر من خرداد وفي الأحداث التي وقعت قبل الانتصار وبعده؟ ونشكر الله على أن دم شهداء الحوزة والعلماء الطاهر قد لَوَّنَ أفق التفقّه بلون الورد الأحمر، ابتداءً من جدران الفيضية والزنزانات الانفرادية المرعبة لنظام الشاه، ومن الزقاق والشارع، إلى المسجد ومحراب إمامة الجمعة والجماعة، ومن مكاتب العمل والخدمة وحتى الخطوط الأمامية للجبهات وحقول الألغام، وفي الختام، كان عدد شهداء ومعوّقي ومفقودي الحوزات في الحرب المفروضة أعلى قياساً إلى بقية الفئات.
لقد استشهد أكثر من 2500 (ألفين وخمسمائة) شخص من طلبة العلوم الدينية في جميع أرجاء إيران في الحرب المفروضة. ويشير هذا العدد إلى أي حدّ استعد العلماء من أجل الدفاع عن الإسلام والبلد الإسلامي الإيراني. واليوم، وكما في السابق، فقد اتجهت عيون الاستعمار في جميع أنحاء العالم من مصر وباكستان وأفغانستان ولبنان والعراق والحجاز وإيران والأراضي المحتلة، إلى أبطال الطبقة العلمائية المعادية للشرق والغرب، والمعتمدة على أصول الإسلام المحمّدي الأصيل. ومن الآن فصاعداً، سيشهد العالم الإسلامي في كل فترة انفجار غضب مصّاصي العالم ضدّ كل عالم طاهر عاشق.
إنّ علماء الإسلام الأصيل لم يرضخوا أبداً لأصحاب الثروات وعبّاد المال والرؤساء، واحتفظوا بهذا الشرف العظيم لأنفسهم دائماً، ومن الظلم الفاحش أن يقول أحد إنّ العلماء الأصيلين أتباع الإسلامي المحمدي الأصيل كانوا يداً واحدة مع أصحاب الثروات. وأدعو أن لا يغفر الله لمن يبثون مثل هذه الدعاية، أو يحملون مثل هذه الفكرة. فالعلماء الملتزمون هم عطشى لدماء أصحاب الثروات، ولم يفكروا في المصالحة معهم ولا يفكرون... إنّهم درسوا في ظلّ حياة الزهد والتقوى وترويض النفس، وبعد نيل الدرجات العلمية والمعنوية عاشوا بالأسلوب الزاهد نفسه، وبالفقر والفاقة وعدم التعلق بملذات الدنيا، ولم يخضعوا أبداً للمنّ والذلّة.
موقف العلماء من التمدن
إنّ التحقيق والدراسة في حياة العلماء السلف تتحدّث عن فقرهم وروحيتهم اليافعة لنيل المعارف وكيف إنّهم درسوا في ضوء نور الشمع وأشعة القمر وعاشوا بقناعة وعظمة، ولم تتم الدعوة إلى العلماء وترويج الفقه بقوة الحراب ولا بثروة عباد المال والأثرياء، بل كانت طهارتهم وصدقهم والتزامهم هو الذي جعل الناس يختارونهم. وإن خشية بعض العلماء من مظاهر التمدن في السابق كانت ناجمةً بالأصل عن خشيتهم من نفوذ الأجانب. فكان الإحساس بخطر انتشار الثقافة الأجنبية، ولا سيما ثقافة الغرب الخليعة، سبباً لأن يتعامل هؤلاء بحذر مع المخترعات والظواهر الأخرى. فبعد أن لمس العلماء الصادقون الكذب والمكر من ناهبي العالم، لم يعودوا يثقون بأي شيء، وكانوا يعتبرون وجود أجهزة كالراديو والتلفزيون مقدمة لمجيء الاستعمار. لذلك فقد كانوا يحكمون أحياناً بحرمة استخدامهما. ألم يكن الراديو والتلفزيون في بلدان مثل إيران وسائل روّجت ثقافة الغرب؟ وألم يستخدم النظام السابق الراديو والتلفزيون لإسقاط اعتبار المعتقدات الدينية والاستخفاف بالآداب والتقاليد الوطنية؟!
وعلى كل حال، فإن خصوصيات عظيمة، كالقناعة والشجاعة والصبر والزهد وطلب العلم وعدم الارتباط بالقوى، والأهم من كل هذا الإحساس بالمسؤولية أمام الشعوب.. هذه الخصوصيات هي التي أحيت العلماء وجعلتهم صامدين ومحبوبين. وأيّة عزّة أسمى من أن ينشر العلماء، بإمكانات قليلة، فكر الإسلام الأصيل بين عالم الأفكار، ويجعل المحققون الآن شجرة الفقه المقدّسة تزدهر في بستان الحياة والمعنويات؟
ثمّ، أليس من الجهل أن يرى البعض بأنّ الاستعمار لم يلاحق العلماء مع ما كانت لهم من العظمة والمجد والنفوذ؟ إنّ مسألة كتاب «الآيات الشيطانية» هي عمل محسوب من أجل ضرب أساس الدين والتديّن، وفي مقدّمته الإسلام والعلماء. وباليقين، لو استطاع مصاصو العالم لأحرقوا جذور واسم العلماء، إلاّ أنّ الله تعالى كان دائماً حامي هذا المشعل المقدّس، وسيكون من الآن وما بعد، شرط أن ندرك حيلة ومكر مصّاصي العالم. وبطبيعة الحال، لا يعني هذا بأن ننهض للدفاع عن جميع العلماء، إذ إن علماء البلاط والمزيّفين والمتحجّرين ليسوا قليلين ولن يكونوا قليلين.
تعليق